القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية عزلاء أمام سطوة ماله الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم مريم غريب

 رواية عزلاء أمام سطوة ماله الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم مريم غريب 




رواية عزلاء أمام سطوة ماله الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم مريم غريب 

[[ عزلاء أمام سطوة ماله ]]


الشخصيات :


بطلا الرواية ( عثمان البحيري / سمر حفظي )

" يحيى البحيري " والد "عثمان"

" فريال المهدي " والدة "عثمان"

" صفية البحيري ( صافي ) " شقيقة "عثمان"

" رفعت البحيري " شقيق " يحيى "

" صالح البحيري " إبن " رفعت "

" هالة البحيري " إبنة " رفعت "

" فادي حفظي " شقيق "سمر"

" ملك حفظي " شقيقة "سمر"


و البقية لاحقا ...


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


( 1 ) :


_ زفاف أسود ! _


جليم / الأسكندرية , في الواحد و الثلاثون من تشرين الأول ..


إكتظت الساحة الضخمة المصممة ببراعة و حرفية علي الطراز الإيطالي ، بالمصوريين و الصحفيين من جهة ، و المدعوين من جهة أخري


جميعهم جاءووا لحضور حفل الزفاف الأضخم علي الإطلاق هذا الموسم ، لنجل عين أعيان مدينة الأسكندرية ، و أحد أكبر الشخصيات التجارية و الإستثمارية بالبلد كلها "يحيى البحيري" ..


في زفاف أكثر من أسطوري ، يتزوج الإبن و الوريث الأكبر لعائلة "البحيري" داخل قصرهم الفخم الذي يتألف من 322 غرفة ، و ثمانية وجهات خارجية بحدائقها الشاسعة ، من "چيچي الحداد" إبنة السياسي المعروف "رشاد الحداد" ..


و بعد إتمام إحتفالات الزواج الأولية التي إستمرت لثلاثة أيام ، أقيمت الليلة مآدبة عشاء ضخمة ، ضمت أكثر من 700 شخص ، و قد وصلت تكلفة الزفاف بالمجمل إلي أكثر من عشرة ملايين جنيهاً


جري الزفاف وسط حراسة أمنية مشددة سهرت علي حماية المدعوين من رجال أعمال و شخصيات دبلوماسية و سياسية ، كما شارك في إحياء السهرة العديد من الفنانين و المطربين المشهورين ..


علي الجانب الأخر .. إستطاعت السيدة "فريال المهدي" التملص من حشود الضيوف ، و ذهبت لتحث إبنها في عجلة لبدء عقد القران

إستجاب لها بفتور ، و قاد عروسه إلي منتصف الساحة حيث يجلس المآذون في إنتظار قدومهما ، و حالما جلس الجميع ، أرخي المآذون محرما أبيض علي يدي والد العروس و خطيبها المتعاقدتين علي القران ، و علي مرآي و مسمع الحضور ، مضي العقد عبر مكبرات الصوت المنتشرة بكل مكان ..


طقس تقليدي معتاد ، شمل تعهدات واهية راح يرددها العريس وراء المآذون ، و إبتسامات العروس المصطنعة التي راحت توزعها هنا و هناك ، و بعض الأفواه المزمومة من حولهم ، لا تعرف كيف تصنفها ، حقد أم غيرة أم لامبالاه !!!


-بارك الله لكما ، و عليكما ، و چمع بينكما في خير.


عند نطق المآذون بها ، صدحت صفارات و صيحات صاخبة ، و قام القعود من مجالسهم مهنئين في خضم التصفيق الحار ، و إتجه الرجال نحو العريس بالمصافحة و الأحضان


لتأتي أمه الرائعة من بعدهم ، و بكفيها الناعمين تكوب وجهه المشعر بلحيته الكستنائية الكثيفة ، تأملها هو بإعجاب خالص ، فكعادتها لا زالت تفاجئ الجميع بجمالها الذي لا يذبل أبدا ، و بطلتها التي تخطف الأنفاس

و خاصة الليلة ، بإرتدائها فستانا طويلا بلون النيود من مجموعة ريزورت شانيل بدا منسجما مع لون بشرتها الناصعة المشربة بالحمرة ، و أكملت إطلالتها الساحرة مع حذاء بكعب عالٍ باللون الأسود من العلامة التجارية الإيطالية Le Silla ، و بعض المجوهرات القليلة البسيطة التي وضعتها ..


-مبروك يا حبيبي.


قالتها "فريال" برقة و همس في آذنه و هي تعانقه بسعادة ، لينحني هو و يقبل يدها أمام عيون الكاميرات المصوبة نحوهما ، فبدورها تمسح علي خصلات شعره الطويلة بحنان


حضر والده في اللحظة التالية ، و أمسكه من رسغه بحزم و هو يخطو به بعيدا قليلا ، ثم يقول له بصوت خافت لا يسمعه إلا هو :


-خالي بالك .. مش عايزين مشاكل ، إتصرف بعقل ، سامعني ؟


هكذا حذره بصرامة و هو يرمقه بنظرات حادة كزيادة تأكيد ، لاحظت "فريال" ما يدور بين الأب و الإبن ، فأحست بجو من التوتر بدأ يخيم فجأة


إقتربت منهما ، و تساءلت بقلق :


-يحيى ! في حاجة و لا إيه ؟؟


إلتفت "يحيى" إلي زوجته ، و قال بلهجة هادئة و كأن شيئا لم يكن :


-مافيش حاجة يا حبيبتي اطمني .. بالعكس كل حاجة كويسة و الليلة مشيت زي ما احنا عايزين بالظبط .. ثم أدار وجهه إلي إينه ، و أكمل بنفس الهدوء و الثقة :


-انا بس كنت ببارك لعثمان و بستعجله ، كفاية كده بقي السهرة طولت ، و رشاد الحداد بيقول شاليه العرسان جاهز و كله تمام .. لازم يمشوا دلوقتي !


إستطاع "يحيى" بكلمات بسيطة أن يخدع زوجته التي إبتسمت الآن و هي تسند رأسها علي صدره ، و لكن لم يستطع خداع إبنه ، ليس بعد أن علم بكل شيء !!


أخيرا إنتهت ليلة العرس التي وصفت بأنها أشبه بحفل ألف ليلة و ليلة ، و غادر العريس مع عروسه في سيارة ڤيراري مكشوفة إلي إحدي الشاليهات الفارهة بضواحي المدينة الراقية ..


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


كانت أضواء الشموع الحمراء العطرة ، تتراقص ظلالها علي جدار غرفة النوم الرومانسية و المفروشة كلها بالأبيض و الوردي


عندما دخل "عثمان البحيري" حاملا زوجته علي ذراعيه المفتولتين ، و برقة شديدة و ضعها فوق الفراش الناعم العريض


تصنعت "چيچي" الخجل أمامه و هي تسدل أهدابها المطلية بالمسكارا الداكنة ، و ترفع خصلات شعرها المتهدلة عن عينها


و لكنها سرعان ما تخطت حاجز الحياء المصطنع هذا ، و رفعت بصرها إليه في بطء


لتجده يطالعها بنظرات فاترة من خلال عينيه الناعستين دائما بصورة جذابة ..


-في إيه يا عثمان ؟ .. تساءلت "چيچي" بإستغراب :


-بتبصلي كده ليه ؟


إبتسم "عثمان" بخفة ، ثم قال و هو يدنو منها :


-مافيش حاجة يا حبيبتي .. أنا بس بتآمل جمالك ، إنتي أصلك جميلة أوي يا چيچي ، خصوصا إنهاردة .. كنتي زي القمر.


أدارت وجهها عنه واضعة كفها علي فمها و هي تقهقه برقة ، ثم عادت تنظر إليه من جديد ، و قالت :


-إنت كمان كنت حلو أوي .. كنت Prince يا حبيبي ، أصلا فرحنا يعتبر فرح الموسم ، و هيفضل حديث الناس كلها لسنين قدام.


وافقها بضحكة قصيرة قائلا بغموض :


-من ناحية هيبقي حديث الناس كلها لسنين قدام فأطمني .. أنا واثق من ده يا حبيبتي.


و بدا و كأنه يقاوم ضحكة أخري ، فأحست "چيچي" بثمة شيء غير طبيعي يحدث معه


لتسأله بقلق :


-مالك يا عثمان ؟ أنت كويس .. و واصلت بشك :


-لا تكون واخد حاجة كده و لا كده !


ضحك بقوة ، ثم أجاب :


-يا حبيبتي ماتقلقيش أنا تمام ، كل الحكاية إني مبسوط شوية.


و صعد بناظريه شيئا فشئ علي شعرها المصبوغ حديثا


-تعرفي أن الشعر الأصفر لايق عليكي أوي .. قالها و هو يداعب شعرها بأنامله


ثم إقترب منها أكثر إلي حد الإلتصاق ، و طبع قبلة مطولة تحت رقبتها ، أطلقت "چيچي" إثرها تنهيدة حارة متقطعة ، و تمتمت :


-طيب .. مش نغير هدومنا الأول ؟


و لكنه لم يتراجع قيد أنملة ، بل واصل عمله مقربا وجهه إلي وجهها ..


فإلتقت شفتاه بشفتاها ، و ببطء أدار نفسه حتي أصبح يعتليها


أمسك وجهها بين يديه و رفعه لأعلي كي يصبح سهلا لفمه لعق رقبتها


كان صوت تنفسها عاليا إلي حد الأحراج ، لكنها لم تخجل لم تهتم ، فقط كانت مستمتعة بمداعبته اللطيفة لها ، و كان قلبها يدق بشدة و يدوي دقه بصخب في آذنيها

إلا أن هذا الصخب لم يمنعها من سماع ضحكات "عثمان" اللئيمة الخافتة ، فتحت عينيها علي وسعهما و قد دهشت لسماعه يضحك في وضع كهذا !


بينما نهض عنها بالتزامن مع تصاعد موجات ضحكاته الغريبة


-إيه رأيك نشوف فيلم مع بعض ؟ .. سألها بلهجة مرحة ، لترفع نفسها ، و تسند ظهرها إلي الوسادة مرددة بغرابة :


-نشوف فيلم ؟ دلوقتي ؟


أومأ ببراءة :


-آه .. و لا مش عايزة ؟


-لـل لأ .. خلاص ، زي ما أنت عايز ، نشوف فيلم.


إلتوي ثغره بإبتسامة خبيثة شاهدتها عليه قبل أن ينهض من أمامها ، فإزداد شعورها بالريبة و التوجس ، لكنها حاولت أن تسترخي مقنعة نفسها بأن هذه هي طبيعته أصلا

ماكر ، خبيث ، داهية ، مراوغ ، لا أحد يتوقع تصرافاته ..


عاد إليها سريعا و هو يحمل بين يديه حاسوبه المحمول ، جلس بجوارها ، و راح يلامس محرك السهم حتي وصل إلي ملف معين و فتحه ..


بدأت الشاشة المتوسطة بعرض فيلما تسجيليا


في البداية شعرت "چيچي" بالفتور و الملل ، إلي أن رأت نفسها في أول ظهور كبطلة لهذا الفيلم ، و ما لبثت أن شاهدت حبيبها السابق يشاركها البطولة في عدة لقطات حميمية راحت تمر أمام عينيها اللقطة تلو الأخري ..


ضربتها الصدمة في مقتل و هي تزيح بصرها المتجمد عن الشاشة لتنظر إليه .. سألته بلسان ثقيل :


-أنت .. أنت إزاي ، إزاي صورت الحاجات دي ؟


ظهرت أسنانه الناصعة من خلف شفته حين إبتسم بشيطانية قائلا :


-أنا في كل مكان يا بيبي ، في أي حتة تخصني من قريب أو من بعيد ليا عين.


ثم فاجأها و قبض علي شعرها بعنف و هو يقول بغضب شديد :


-و يا جبروتك يا شيخة ، رايحة تقابلي حبيب القلب قبل فرحك بإسبوع ! كنتي فاكرة أنك تقدري تستغفليني ؟ فاكراني مغفل و لا بريالة يا بت ؟ ده أنا عثمان البحيري ، محدش يقدر يلعب عليا من ورا ضهري ، محدش يقدر يأكلني الأوانطة سامعة ؟


صرخت من إشتداد قبضته علي شعرها ، فرجته ببكاء :


-خلاص يا عثمان سيبني ، سيبني هنتفاهم علي اللي أنت عايزه ، لو عايز تطلقني طلقتي.


قهقه عاليا ، ثم قال بسخرية :


-نعم يا روحي ؟ أطلقك ! ما أنا فعلا هطلقك .. بس مش بالسهولة دي ، ده أنا دافع فيكي كتير أوي ، يرضيكي أخسر ؟


ردت و هي تحاول التنصل منه :


-أنا مش عايزة منك حاجة ، هتنازلك عن كل حاجة ، هبريك يا عثمان بس Please سيبني !


و تآوهت بوهن ، ليزم شفتيه في آسف مصطنع ، و يقول :


-يا بيبي إنتي كده كده هتبريني غصب عنك ، مش هي دي المشكلة خالص بالنسبة لي.


صرخت بنفاذ صبر :


" أومال عايز إيه ؟


-هقولك يا قلبي.


قالها و قام من جانبها في هدوء شديد ، بينما تنفست الصعداء عندما أطلق سراحها و حرر خصلات شعرها من عقال قبضته الفولاذية ..


دلكت فروة رأسها بأصابعها

ليحضر هو و يجاورها ثانيةً ، ثم يقول بإسلوبه البارد المشهور به :


-خدي يا بيبي .. إمضي علي الورق ده.


نظرت "چيچي" إلي مجموعة الأوراق بين يديه ، و سألته بصوت متحشرج :


-ايه الورق ده ؟


-ده يا حبيبتي تنازل عن حصتك في الشركة اللي اسهها لينا ابويا و ابوكي كهدية بمناسبة جوازنا ، و معاهم كمان ورق تنازل عن كل حقوقك في الجوازة دي رغم إني صرفت علي الفرح الملوكي بتاعنا ده ملايين .. بس مش مشكلة ، ربنا يعوض عليا ، خيرها في غيرها.


-إيه اللي بتقوله ده ؟ .. هتفت بإستنكار ، و أكملت :


-مستحيل أعمل إللي بتقول عليه ده ، إنت إتجننت ؟ أنا هتنازلك عن حقوقي بس ، لكن حصتي في الشركة No Way طبعا ، مش هسمحلك تقرب منها.


عثمان بضحك ساخر :


-مش بمزاجك يا قطة ، غصب عنك هتتفذي كل إللي أنا عايزه.


ردت بتهكم :


-طب لو مانفذتش كل إللي أنت عايزه يعني .. هتعمل إيه ؟


أجابها ببساطة :


-ولا حاجة .. هاخد بس الفيلم الجميل ده و هنشره في كل حتة ، و بدل ما تفضل موهبتك الفذة دي مدفونة كده ، هطلعها أنا للناس ينبهروا بيها ، و أوعدك .. بكره الصبح ، هتكوني أشهر من سكارليت چوهانسون.


و عاد للضحك من جديد ، لترمقه بنظرات محتقنة و تقول :


-إنت فاكر إنك بكده بتلوي دراعي ؟ بابي مش هيسيبك يا عثمان.


إبتسم و أفحمها بشتيمة قذرة جحظت لها عيناها من الصدمة ، ثم عاد لسلوكه الأرعن ، و قال بحدة و هو يلقي بالأوراق في وجهها :


-يلا ياختي إمضي ، مابحبش أعيد كلامي مرتين.


نظرت إليه بحقد شديد ، و إنصاعت لأمره مرغمة

أخذت الأوراق من يده ، و ناولها قلم بدوره ..


و بعد دقيقة واحدة ، كانت قد إنتهت ، فإسترد أوراقه منها ، و بادلها نظرة البغض المنبعثة من عينيها بإبتسامة مستفزة ..


ثم إنتصب بقامته الفارعة أمامها ، و قال بنعومة :


 -دلوقتي بس يا بيبي اقدر أقولك إنتي طالق ، طالق ، طالـــق !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


منذ فترة طويلة لم تعد "سمر" بحاجة لساعة التنبيه التي إعتادت أن تقوم بمهمة إيقاظها في كل صباح ، إذ إن صراخ "ملك" شقيقتها الصغيرة ذات العشرة أشهر كان بمثابة تنبيه ذا تآثير أقوي ..


و ها هي تنتفض من غفوتها العميقة عندما بدأت الصغيرة بالبكاء ، قامت من سريرها و هي تفرك عينيها بقبضتها ، و هرولت إلي شقيقتها و هي تتخبط في كل قطعة أثاث تقابلها


إنحنت صوب سريرها الصغير لتسكتها بسرعة لئلا يعلو صراخها أكثر و تزعج الجيران ، كانت تعاني منذ شهران و حتي الآن آلام و تقلصات في معدتها لا تستطيع التعبير عنعا إلا بالصراخ و خاصة في الليل


حملت "سمر" الطفلة ، و راحت تهدهدها و تؤرجحها و تغني لها بعذوبة ، و تدريجيا هدأت "ملك" و عادت إلي النوم بين ذراعيّ أختها الكبيرة

وضعتها "سمر" في فراشها ثانيةً ، و بحرص شديد بسطت فوق جسمها الصغير غطائها الناعم


مسحت علي شعرها البندقي الأملس بحنو ، ثم إستدارت خارجا متجهة إلي دورة المياه ..


أدت روتينها اليومي ، غسلت وجهها و نظفت أسنانها ، ثم صنعت فنجانا من الشاي و عادت به إلي غرفتها

جلست علي الكرسي أمام الطاولة ، و راحت تقوم بحسابات 

المصاريف المتوجبة عليها لهذا الإسبوع و خرجت بنتيجة صعبة جدا


إذ أن عليها تخفيف مصاريفها إلي أدني درجة لتتمكن من دفع أجرة الشقة التي تآويها هي و شقيقها الشاب و شقيقتها الصغيرة ..


و لكن ماذا عن الطعام و الشراب ؟ ألن يآكلوا لأجل توفير المال ؟

إن "ملك" بمفردها يوميا تحتاج إلي ميزانية خاصة ، النقود كلها تكاد تكفي اللبن المجفف و الحفاضات و الآدوية الخاصة بها .. من أين ستسد باقي الحاجيات ؟


أحست "سمر" بقنوط و يأس شديد ، و فجأة تذكرت والديها .. فقط لو كانا هنا معها الآن ، لما كانت غارقة حتي أذنيها بمستنقع الهموم هذا


و لكن شاء القدر أن يموتا معا في حادث سيارة قبل ثمانية أسابيع و هما في طريقهما لعيادة طبيب الأطفال المشرف علي علاج "ملك" التي ولدت بداء الصفراء ، و لحسن حظ الصغيرة ، كانت هي الناجية الوحيدة من بين جميع ركاب الحافلة ، إذ لم يصيبها خدش واحد !


لم تسنح لـ "سمر" أو لشقيقها فرصة الحداد و الحزن علي والديهما ، فقد كانت "ملك" بحاجة للإهتمام في كل لحظة ..


أفاقت "سمر" من شرودها علي صوت أنين "ملك" الذي ينذر بنوبة صراخ حادة ، فأسرعت "سمر" إليها ، و أخذتها بين ذراعيها مرة أخري و ظلت تمشي و تجوب بها أرجاء الشقة كلها حتي نامت مجددا ..

سمعت طرقا علي باب الشقة ، فذهبت لتفتح


أمام العتبة ، وقف صاحب البناية محتقن الوجه ..


فتلعثمت "سمر" و قالت في حيرة و إرتباك :


-عم صابر ! أهلا آاا ..


قاطعها الأخير بغلظة :


-لا أهلا و لا سهلا يا ست سمر ، أنا جاي أقولك بالود و المعروف كده قدامك يومين مافيش غيرهم تلمي عزالك و تاخدي إخواتك و تدورولكوا علي سكن تاني.


سمر بجزع :


-ليه بس كده يا عم صابر ؟ إحنا مش مقصرين معاك انت بالذات و بندفعلك الإيجار أول بأول !


-يا ستي الله الغني عن الكام ملطوش اللي بيطلعولي منكوا ، و إن كان علي آجرة الشهر ده أنا مسامح فيها الله الغني بس تمشوا من هنا.


تقلص وجه "سمر" و هي تتسائل بإنكسار :


-طب بس نمشي نروح فين ؟ ده بيتنا طول عمرنا ، ماطلعناش منه أبدا و مانعرفش مطرح تاني نروحله.


-و الله مش مشكلتي يا أنسة ، دبروا حالكوا ، أنا السكان إبتدوا يطفشوا من البيت بسببكوا ، ديك النهار البشمهندس علاء اللي جمبكوا جه رمالي مفتاح الشقة و مشي ، الراجل ماكنش عارف ينام من صوت الأمورة اللي علي ايدك دي ، كل يوم بتصحيه من احلاها نومة.


سمر بقلة حيلة :

-طب بس هعملها ايه يا عم صابر ؟ ما أنت عارف إنها عيانة من يوم ما إتولدت و مش بإيدي إللي هي فيه.


أجابها "صابر" بإسلوبه الفظ :


-يا ستي ربنا يشفيها و يعافيها بس بعيد عن هنا ، شوفي أنا عملت بأصلي و جيت نبهتك بالإخلا ، في ساكن جديد هيجي يشوف الشقة بعد بكره ، يا ريت تكونوا سيبتوا المطرح قبل ما أجيبه عشان في يوميها لو الراجل جه و إنتوا لسا هنا هلم صبياني و هرميلكوا عفشكوا في الشارع.


-إنت إزاي بتكلمها كده يا راجل إنت ؟؟؟


هتف بها "فادي" لدي وصوله أمام باب الشقة ، و أردف بغضب :


-و بعدين أنا مش نبهت عليك قبل كده ماتهوبش ناحية الشقة و أنا مش موجود ؟ إيه إللي جابك ؟ أول الشهر لسا بكره و كنت هاجيلك أنا و أديلك الإيجار زي كل مرة.


صاح "صابر" للحال :


-لا يا سيدي مش عايز منكوا حاجة و الله ما عايز ، أنا عايزكوا تحلوا عني بس و تشوفلكوا مطرح تاني بعيد عني أنا و السكان.


نطق "فادي" بعدائية مفرطة و هو يحاول ضبط نفسه قدر الإمكان حتي لا يضربه :


-و إنت مابتعرفش تتكلم بآدب يا راجل يا مهزأ إنت ؟


-الله يسامحك يا أستاذ فادي ، و أنا عشان راجل محترم مش هرد عليك .. ثم أعلن بصوت قاطع :


-بس من بكره بقي هعلق ورقة علي باب البيت من تحت  و هعرض الشقة للإيجار ، و أول زبون هيجي هسلمه المفتاح.


أحمرّ وجه "فادي" بصورة خطرة ، و كاد يهجم عليه ، إلا أن "سمر" سارعت بإيقافه و هي تقول ممسكة بساعِده :


-خلاص يا فادي خلاص .. و حولت نظرها إلي "صابر" مكملة بجمود :


-ماشي يا عم صابر ، إعمل إللي أنت عايزه ، إحنا هنلم حاجاتنا و هنسيبلك الشقة بكره.


إبتسم "صابر" ببرود ، و أدار ظهره و ولي تاركا الأشقاء الثلاثة دون صوت ..


نظرت "سمر" في إمعان و حنان إلي وجه شقيقتها البرئ ، فأغرورقت عيناها بالدموع ، ليلمحها شقيقها و يصيح بعصبية :


-إنتي بتعيطي ليه دلوقتي ؟ ماتعيطيش ، تحبي أنزل أفرجلك عليه الشارع كله دلوقتي ؟


سمر و هي تمسح دموعها بظهر يدها بسرعة :

-لأ طبعا إنت إتجننت ؟ خلاص ، يلا إدخل جوا.


و شدته معها إلي الداخل ، ثم سألته لتذهب به عن النقاش حول المشادة الفائتة :


-قولي عملت إيه في الجامعة ؟


أجابها عابسا :


-و لا حاجة .. قالولي مش هينفع تستلم الكتب إلا بعد دفع المصاريف.


سمر بملامح حزينة و هي تربت علي كتف شقيقها :

-معلش .. ليها حل إن شاء الله ماتقلقش.


فادي بعصبية :

-ليها حل إزاي يعني ؟ هنضرب الأرض تطلع فلوس ؟ إحنا بالشكل ده هنتشرد يا سمر و ملك هتموت مننا ، مافيش قدامنا حلول ، مافيش إلا هو حل واحد بس و إنتي ماعرفتيش تتصرفي.


سمر بوهن :

-يعني كنت عايزني أعمل إيه ؟ أنا فضلت وراهم طول الشهور إللي فاتت و ماطلعتش بأي نتيجة ، مش هيرضوا يصرفولنا المكافأة يا فادي.


-ليه يعني ؟ هو مش بابا كان زيه زي أي موظف في الشركة الهباب دي ؟ طب خليهم يعملوها كده و الله لأرفع عليهم قضية و أوديهم في ستين داهية.


إبتسمت بمرارة ، و قالت :


-إحنا هنروح فين جمب الناس الكبار دول يا فادي ؟ مش هنعرف نعمل معاهم حاجة.


-لأ بقي أنا هعرف ، و أديني نازل رايحلهم دلوقتي أهو و يا أنا يا هما.


و إبتعد خطوتين ، لتلحق به "سمر" صائحة :


-إستني يا فادي .. إستني !


و قبضت علي كفه ، و غمغمت بخفوت :


-خلاص أنا هروح تاني.


أدار عينيه قائلا بضيق :


-هتروحي فين بس ؟ إنتي بترجعي زي ما بتروحي ، مابتعرفيش تتصرفي.


جادلته بتصميم :


-هروح .. هروح و مش هرجع إلا بنتيجة !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في قصر آل " بحيري " ..


يضرب "يحيى البحيري" الطاولة بيده الغليظة و هو يصيح بغضب شديد :


-الكلب مابيردش عليا ، طب بس لما أشوفك يا عثمان .. الحيوااااان !


و لفظ كلمته الأخيرة و هو يصرخ بضراوة في هاتفهه ، فتبادل أفراد الأسرة نظرات متوترة ، بينما تحركت "فريال" صوب زوجها و هي تقول بلطف علها تهدئه :


-إهدا يا يحيى ، مش كده يا حبيبي كفاية صحتك ، إهدا عشان خاطري.


يحيى بصياح أشد :

-ماتقوليش إهدا دي ، أهدا إزاااي ؟ أهدا إزاي بعد ما ورطنا الباشا إبنك مع رشاد الحداد ؟ ده راجل لو حب هيقعدنا كلنا في البيت ده إذا عاد لينا بيت بعد عملته السودا.


-إنت بتبالغ أوي علي فكرة .. قالت "فريال" بضيق ، ثم أكملت مدافعة عن إبنها :


-و بعدين إنت كنت عايزه يعمل إيه ؟ بعد إللي إنت حكيتهولي ليلة إمبارح بنفسك أنا مش شايفة إنه غلطان ، بالعكس دي أقل حاجة عملها.


يحيى بإنفعال :

-إنتي عايزه تجننيني إنتي كمان ؟ هتعومي علي عومه ؟


و هنا تدخل "رفعت" بهدوء :


-عثمان غلط يا فريال ، ماكنش لازم يتصرف بإندفاع كده .. دلوقتي الجرايد و المجلات مالهمش سيرة غيرنا ، و رشاد الحداد فعلا مش هيسكت ، الفضيحة مسته أكتر بكتير مننا و إنتي عارفة أنه سياسي معروف و عضو مجلس شعب .. مركزه حساس.


-قولها !


هتف "يحيى" بعنف من شدة حنقه ، لتنضم إليهم "صفية" في اللحظة التالية ، حيث ولجت إلي الصالون الضخم حاملة بين ذراعيها جريدة و هذا الأسد الشبل الذي ترعاه ريثما يشفي من مرضه :


-صباح الخير يا جماعة !


لم يرد أحد تحيتها إلا عمها و إبنه "صالح" فقط ، فتساءلت بهدوء و هي تلوح بالجريدة :


-هو صحيح إللي مكتوب في الجرايد ده ؟


تطوع "صالح" بالإجابة عليها عندما لاحظ إشتداد التوتر بالأجواء أكثر عقب سؤالها :


-أيوه يا صافي ، صحيح.


شهقت بصدمة :


-طب ليه ؟ إيه إللي حصل ؟


يحيى و قد عاود الصراخ بعصبية مجددا :

-أنا مش عايز أسمع رغي كتير ، إخرسوا كلكوا الساعة دي.


أدارت "صفية" عينيها في لامبالاه ، و قالت :


-طيب .. عن إذنكوا.


و إنسحبت مغادرة .. فإنتظر "صالح" لدقيقة قبل أن يتنحنح و يقول :


-طيب أنا هروح أدور علي عثمان ، هشوف يمكن راح علي مكتبه.


و إنصرف مسرعا ليلحق بـ"صفية" ..


بينما تكلم "رفعت" مخاطبا شقيقه بلهجة خفيضة :


-معلش يا يحيى ، أنا مضطر أطلع علي باريس الليلة ، مقدرش أسيب هالة لوحدها هناك أكتر من كده و آاا ..


قاطعه "يحيى" بعدم إهتمام :


-سافر يا رفعت .. سافر.


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


داخل كراچ القصر الذي حوى مجموعة سيارات خرافية ..


همت "صفية" بركوب سياراتها ، و لكن أوقفها صوت "صالح" و هو يركض نحوها :


-صافي .. صافي إستني !


تأففت بضيق و وقفت بمكانها إنما لم تلتفت نحوه ، فإضطر هو أن يدور حول السيارة ليصبح في مواجهتها :


-إيه يا صافي ، علي فين من بدري كده ؟ .. سألها بإهتمام ، بينما نظرت للجهة الأخري و هي تجيبه بجفاف :


-رايحة أودي عنتر للتطعيم.


نظر "صالح" إلي ذاك الشبل الذي توسد صدر "صفية" بوداعة تتناقض مع طبيعته ، و قال بجزع :


-أنا بجد مش عارف إيه سر حبك للحيوانات المفترسة ، أوكيه عارف إنك دكتورة و بتهتمي بالحيوانات كلها ، بس لسا مش قادر أفهم إشمعنا الأسود تحديدا إللي بتحبيهم أوي كده ! بتحبيهم أوي كده ليه يا صافي ؟


أجابته بإسلوب صارم :


-بحبهم عشان بيحموني من إللي زيك.


-إيه ده إيه ده إيه ده ! .. إنتي بتكلميني كده ليه ؟ إنتي زعلانة مني ؟


ردت بحدة :


-حل عني يا صالح و أوعي من سكتي.


تغيرت ملامح وجهه المنفرجة و هو يقول بجدية :


-لأ ده إنتي زعلانة مني بجد بقي .. في إيه يا صافي ؟؟


قالت ماطة الأحرف بتهكم :


-مش عارف في إيه ! روح إسأل البنات إللي كنت بترقص معاهم إمبارح و هما يقولولك ، أو روح لفريدة بنت طنط زيزي أحسن دي كانت لازقالك طول الفرح و ماسبتكش إلا علي الأخر.


إبتسم "صالح" بفهم ، و قال و هو يغمز لها :


-إنتي بتغيري يا حبيبتي ، ماتغيريش يا قلبي ده إنتي ستهم كلهم.


-أنا أغير ! لأ يا حبيبي سبتلك إنت الغيرة.


قهقه بخفة ، و قال :


-يا صافي يا حبيبتي اطمني ، و لا واحدة منهم تقدر تملي عيني ، بدليل إني سيبتهم كلهم و إختارتك إنتي ، الكل عارف إنك خطيبتي.


-و إنت عملت حساب لخطيبتك ؟ ده إنت مسحت بكرامتي الأرض.


هز رأسه نفيا ، و هم بملامسة وجهها بكفه ، لتصيح بغلظة :


-شيل إيدك ياض.


جحظت عيناه من الصدمة ، و قال :


-ياض ! إيه ياض دي ؟ إتعلمتيها فين يا بنت البحيري ؟


-إوعي من قدامي يا صالح أحسنلك !


هتفت بصرامة ، فإستند بمرفقه إلي سيارتها و قال متسليا :


-و لو ماوعتش يعني هتعملي إيه ؟


-هتوعي من قدامي و لا أسيب عليك عنتر ؟


و رفعت الشبل ذا الفراء الذهبي أمام عينيه ، لينتفض مرتدا إلي الخلف من فوره و هو يقول بسرعة :


-لا لا لا خلاص .. خلاص ياستي مع السلامة إنتي و عنتر.


نظرت إليه بتكبر ، و وضعت الشبل في المقعد الخلفي من السيارة ، ثم إستقلت بدورها أمام المقود ، و إنطلقت بها مخلفة غبارا طار كله في وجه "صالح" ...


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في صبيحة ليلة عرسه ..


يدخل "عثمان البحيري" شركة عائلته ، و تبدأ همسات الموظفين عليه و بخاصة الموظفات ..


فواحدة تقول :

-شايفين جاي رايق إزاي ؟ و لا كأنه طلق عروسته إمبارح !


فردت عليها الأخري :

-يا تري طلقها ليه ؟ و في ليلة الدخلة كمان !


وبختها الثالثة :

-و دي محتاجة فقاقة يا ذكية ؟ أكيد فيها حاجة ، أومال هيكون عمل كده ليه ؟


تمتمت رابعة :

-خلاص بقي يا بنات الله أعلم الحقيقة فين ، ربنا يستر علينا كلنا.


إلتقط "عثمان" حوارهن كله أثناء مروره من جانبهن ، ليزداد شعوره




( 2 )


_ عرض ! _ :


توهجت عيناه و هو ينظر إلي سكرتيرته في غضب مطالبا إياها بتفسير ذلك الضجيج الغريب ، لتتلعثم الأخيرة و هي تجيبه بإرتباك :


-مستر عثمان ! الأنسة دي دخلت عليا فجأة ، و مصممة أنها تدخل تقابل حضرتك قولتلها ماينفعش لازم تاخدي ميعاد الأول بردو مـُصرة و مش راضية تفهم.


إنتقل "عثمان" ببصره إلي تلك الضئيلة التي تقف بجانب السكرتيرة بوجه محتقن و أعين حمراء

شملها بنظرة فاحصة ، حيث عاينها من أعلي إلي أسفل بمنتهي الدقة و الجرأة ..


إستفزته لأقصي درجة ، فقد إجتذبه شكل وجهها الصافي المستدير ، و ملامحها الرقيقة التي تشي بالبراءة رغم تآججها ، لكنه لم يستطع رؤية المزيد منها ، بسبب ذلك الوشاح الداكن الذي إرتدته فوق رأسها كحجاب يحظر علي الناظر إليها رؤية شعرها ، و أيضا تلك الثياب الطويلة الفضفاضة التي منعته من تبين قوامها ..


أثارت فضوله و غضبه معا ، فزم شفتيه في شيء من الحنق ، ثم توجه إليها بصوته الخشن :


-إنتي مين يا شاطرة ؟؟


تفاجأت كثيرا من رعونته الواضحة للعيّان دون خجل ، إسلوب لا يتناسب البتة مع مظهره الراقي ..


لكنها تغاضت عنه ، و أجابت بثبات :


-أنا سمر حفظي ، بنت الأستاذ شريف حفظي ، والدي الله يرحمه كان موظف عندكوا هنا.


-أهلا وسهلا .. رد بفظاظة ، و أكمل :

-إنتي بقي جاية عايزة إيه ؟


سمر بحدة :

-جاية عايزة أقابل المسؤول عن الشركة دي .. و تحولت بحديثها إلي السكرتيرة :


-من فضلك تبلغي أي حد مسؤول هنا إني طالبة مقابلة مستعجلة.


عثمان رافعا حاجبيه بدهشة :

-و أنا مش مالي عينك و لا إيه ؟


سمر و هي تعود لترمقه بإزدراء :

-إنت مين ؟!


و هنا تدخلت السكرتيرة بسرعة قائلة بحرج :


-مستر عثمان البحيري مدير الشركة و كمان يبقي واحد من أصحابها.


-أهلا وسهلا .. قالتها "سمر" منتهجة نفس إسلوبه السابق معها


حدجها بنظرات نارية ، فأدركت أنها نجحت في إغضابه ، سرها هذا ، لكنها قالت بنبرة رسمية حازمة :


-حضرتك أنا بقالي حوالي شهرين باجي هنا و بحاول أوصل لأي مسؤول أكلمه في حاجة ضرورية تخص شغل بابا بس للأسف كل مرة برجع زي ما باجي ، مابطلعش بنتيجة ، فلو أمكن يعني تساعدني إنت يبقي كتر ألف خيرك.


رمقها بنظرة خاوية مطولة ، ثم قال بإقتضاب :


-إتفضلي.


و أشار لها بالدخول إلي مكتبه ..


سبقها إلي الداخل ، لتلج هي من بعده و تسمع صوت إغلاق الباب من خلفها بواسطة السكرتيرة


تبعته و هي تعاين الغرفة المستديرة الحواف في فضول و إنبهار شديد ، جدرانها خشبية ، و الأرض رخامية ، و هناك في مكان قاصي قليلا ركن أشبه بالمطبخ الصغير ، وضعت به ثلاجة صغيرة و آدوات صنع الشاي و القهوة


-إتفضلي أقعدي .. قالها بعد جلوسه أمامها خلف مكتبه الضخم ، فإمتثلت لطلبه و جلست من جهة اليسار في المقعدين المقابلين له


عثمان متسائلا بهدوء :

-خير بقي ؟ أقدر أساعدك إزاي يا أنسة ؟


سمر بهدوء مماثل متناسية موقفها العدائي تجاهه :

-زي ما قلت لحضرتك أنا كان بقالي شهرين باجي هنا بسبب مشكلة تخص شغل بابا الله يرحمه عندكوا.


-و إيه هي المشكلة بالظبط ؟


شرحت له "سمر" تفاصيل المشكلة ..


عثمان بجدية :


-بس والدك علي حسب كلامك كان فني مصاعد مش مهندس أساسي هنا في الشركة.


-مش فاهمة إيه الفرق يعني ؟!


تنهد "عثمان" تنهيدة طويلة ، و قال :


-الفرق إن والدك عامل بالأجرة ، لو كان في عطل بيحصل في المصاعد هنا كان بيجي يصلحه و خلاص ، يعني هو و كتير من زمايله إللي هنا في نفس شغلته أسمائهم مش في سجلات التوظيف عندنا لأن ببساطة إحنا مجموعتنا إستثمارية و تجارية و مش بنحتاج كتير للنوع ده من العمال ، إحنا بنطلبهم بس  بالأجرة زي ما قلتلك.


سمر بصدمة :


-يعني إيه ؟!!


مط شفتيه بأسف ، و قال ببرود و هو ينقر بقلمه فوق سطح المكتب :


-يعني للأسف والدك مالوش مكافأة نهاية خدمة عندنا لأنه مش موظف أصلا ، ممكن يكون له مستحقات ، تقدري و إنتي خارجة تسألي تحت في شئون العاملين إذا كان في باقي حساب يخصه و لا حاجة !


أصيبت "سمر" بخيبة أمل أطاحت بصوابها ، فلم تعد تسمعه و هو يكمل باقي كلماته ، بل راحت تستمع إلي سيل جارف من التساؤلات تفجر فجأة بعقلها ..


كيف ستدبر حالها ؟ كيف ستواصل حياتها من دون مال ؟ و أخويها .. ماذا ستفعل بشأنهما ؟ إنهما بحاجة إلي أشياء عديدة تمثل بقاء كلا منهما ، فـ"ملك" لن تعيش إذا عجزت "سمر" عن توفير الطعام و العلاج لها ، و "فادي" سيضيع مستقبله إذا ترك دراسته ، من أين تأتي بكل هذا ؟ الأمل الوحيد الذي إتكأت عليه وضح إنه كاذب .. لا مفر من المصير البائس ، ليس لها وحدها ، و لشقيقيها أيضا


بصورة تدريجية إنتصبت "سمر" واقفة دون أن تشعر رغم إرتخاء مفاصلها ، ثم راحت تردد باكية :


-هعمل إيه دلوقتي ؟ هتصرف إزاي ؟ .. إخواتي هيروحوا مني .. مش هقدر أعملهم حاجة ، ملك هتموت ، و أنا .. أنا السبب .. أنا السبب.


-إنتي كويسة يا أنسة ؟ .. تسائل "عثمان" بشيء من القلق ، إلا أنه لم يلق إجابة 


كانت الرؤية تنعدم من أمام "سمر" شيئا فشيئا ، إلي أن تلاشت تماما ..


لم تعد قدماها تقدران علي حملها ، فسقطت مغشيا عليها ..


وثب "عثمان" من مقعده ، و مشي ناحيتها بسرعة

إنحني صوبها ، و مد يده و هزها بلطف هاتفا :


-يا أنسة ! .. إنتي يا أنسة ..


تململ "عثمان" بمكانه و هو يرمقها في حيرة :


-أعملها إيه دي بقي ؟ .. غمغم لنفسه بخفوت ، ثم قام و توجه إلي مكتبه


ضغط زر الديكتافون المتصل بمكتب سكرتيرته ، و قال بصوت ثابت مسموع :


-شيري .. إطلبيلي دكتور الشركة فورا و تعاليلي بسرعة.


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في مكان أخر .. حيث يستند إلي مكتبه رجل في العقد الخامس من عمره ، شعره الأبيض تتخلله بعض الشعيرات السوداء ، و يبدو عليه الهيبة و الوقار ..


يستدير فجأة إلي إبنته ، و يهوي بكفه الغليظ علي صدغها ، لتصرخ متألمة ، و بسرعة تتلقاها أحضان شقيقتها الصغري ..


-فضحتيني يا سافلة .. قالها "رشاد الحداد" بصراخ ، و تابع :


-سيرتنا بقت علي كل لسان ، جوزك طلقك يوم فرحك و الأسباب مش محتاجين نشرحها للناس ، مستقبلي و مستقبل أختك قضيتي عليه يا ------ ، هخسر في الإنتخابات و هخسر كل حاجة بسببك يا -------- إسمي بعد ما كان في السما خلتيه في الأرض.


تعالي صوت نحيبها ، بينما حاولت شقيقتها تهدئة "رشاد" بقولها :


-خلاص يا بابي Please , چيچي عارفة إنها غلطت ، و إنت عارف كمان إن عثمان غدر بيها ، ماكنتش عارفة إنه هيبعت وراها صحافيين.


رشاد بغضب :


-إخرسي إنتي مالكيش دعوة ، أنا ليا حساب مع الكلب ده كمان بس مش قبل ما أخلص بإيدي علي الـ----- دي .


چيچي ببكاء و هي لا زالت تحتمي بحضن شقيقتها :


-إنت إللي غصبتني علي الجوازة دي ، أنا قولتلك مش بحبه و مش عايزاه .. ثم أكملت في تردد :

-إنت السبب يا بابي !


رفع "رشاد" ذراعه ، و إجتذبها من شعرها صائحا :


-أنا السبب فعلا ، أنا إللي سيبتلك السايب في السايب لحد ما فاجرتي ، و أخرتها سلمتي رقبتي لإبن يحيى البحيري.


تأوهت "چيچي" بألم ، و قالت بصوت مهزوز إمتزج بدموعها :


-أنا ماكنتش أعرف إنه هيصورني ، و ماخدتش بالي من أي حاجة إلا يوم الفرح ، هو فاجئني.


رشاد بخشونة :


-مضتيله علي التنازل ليه ؟


-هددني إنه هينشر الڤيديو.


صاح بإنفعال :


-إنتي غبية ، ماكنش هيقدر يعمل أي حاجة كنت هتصرف أنا معاه و لا كنا إتفضحنا زي دلوقتي كده.


ثم أفلتها فجأة ، و إلتفت محدقا في الفراغ و هو يتمتم بشراسة :


-ماشي يا إبن يحيى .. و الله لأكون جايبك الأرض ، مش هرحمك لا أنت و لا عيلتك !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


إستيقظت "ملك" من نومها منذ حوالي ربع ساعة ، قضت هذا الوقت كله مستلقية وحدها دون حراك ، حتي ملت من و حدتها ..


فهمت بالصراخ عاليا بقدر يجذب إليها أحد أخويها ، هكذا تعلمت و حفظت الطريقة التي تستقطب بها إنتباههما وفقا لعقليتها الصغيرة

و بالفعل ، لبي "فادي" ندائها ، و حضر إليها فورا ..


 سكتت "ملك" بمجرد رؤيته ، ليبتسم لها و يقول بلطف :


-إيه يا ست ملوكة ؟ يا تري جعانة و لا صحيتي لاقيتي نفسك فاضية و قولتي أما أقرف فادي شوية ؟ هه ؟ .. ما تقوليلي ، إتكلمي ..


و راح يقوم بحركات بوجهه و هو يخاطبها ، فأخذت الطفلة تضحك له و هي ترفع ذراعيها الصغيرتين نحوه و تصدر أصواتا تختلط بضحكاتها

ضحك "فادي" معها ، ثم حملها و أخذ يلاعبها و يلاطفها ..


كانت "ملك" تحمل ملامح مشتركة بين كلا من والدتها و أختها "سمر" .. فمثلا ورثت لون بشرتها الناصعة و لون شعرها البندقي عن والدتها


أما خضرة عينيها الواسعتين ، فأخذتهما عن شقيقتها الكبيرة التي تمتاز هي الأخري بنوع خاص من الجمال يتمثل في شعرها الطويل الفاحم ، و بشرتها التي هي بلون الشوكولاتة الفاتحة ، و قوامها المتناسق الذي يحسدونها عليه جارتها و صديقاتها كلما يزورنها في بيتها ..


جلس "فادي" بالصالة و أجلس "ملك" علي قدمه ، ثم راح يهزها حتي لا تعود للبكاء ، بينما يشاهد هو إحدي المبارايات علي شاشة التلفاز الصغير ..


لفتت نظره "سمر" و هي تفتح باب الشقة بمفتاحها و تدخل ، فأغلق التلفاز ، و حمل "ملك" علي ذراعه و ذهب ناحيتها ..


فادي بتلهف :

-ها يا سمر ! عملتي إيه ؟


رفعت "سمر" وجهها و هي تجيبه بتعب واضح :


-فادي هبقي أحكيلك بعدين ، أنا جاية تعبانة و مش شايفة قدامي ، محتاجة أريح شوية و بلّيل هبقي أقولك علي كل حاجة.


عبس بقلق ، و سألها بلهجة هادئة :


-مالك يا سمر ؟ إنتي كويسة ؟


أومأت رأسها إيجابا ، ثم قالت :


-خلي بالك بس من ملك علي ما أصحي و لو جاعت أنت بتعرف تأكلها ، ممكن تصحيني بس علي ميعاد الدوا بتعها أنا أبقي أقوم أديهولها.


و تركته متجهة إلي غرفتها ..


و أخيرا إختلت بنفسها ، أغلقت باب الغرفة ، و للحال نزعت حجابها و هي تتنفس بعمق ثم تحرر شعرها من مشبك الرأس ، لينسدل بنعومة و إنسيابيه علي طول ظهرها


ألقت بنفسها فوق السرير ، و حدقت بالسقف ، لتعود لها ذكري نصف اللقاء الفائت ...


°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°


وجدته واقفا أمامها عندما فتحت عيناها ، كان يخاطب رجلا قصير القامة في منتصف عمره ، بدا شيء لا يذكر بجانبه ..


لم تسنح لها الفرصة لإستكشاف الكثير من الأمور ، إذ هبت من مكانها كقطة مذعورة و هي تقول بلهجة ناعسة متداخلة الأحرف :


-أنا فين ؟ إيه إللي حصلي ؟


طمئنها "عثمان" بإبتسامة :


-إطمني يا أنسة إنتي بخير ، ماتقلقيش جت سليمة أغم عليكي بس و دكتور حسين فوقك.


الدكتور حسين بلطف و لباقة :

-حمدلله علي سلامتك يا أنسة ، عايزك ماتقلقيش إنتي كويسة خالص ، بس ناقصة تغذية ، إنتي ضعيفة أوي و محتاجة تاخدي بالك من أكلك و شربك أكتر عشان ماتحصلكيش إغماءة تانية.


كانت "شيري" سكرتيرة المكتب واقفة بجوارها ، فإنحنت صوبها لتعطيها كأس عصير ، قبلته "سمر" بإمتنان و هي تشعر برأسها يلف

بينما إنصرف الطبيب "حسين" بعد أن جمـّع آدواته داخل حقيبته ، و بدوره أصرف "عثمان" سكرتيرته  لتباشر عملها في الخارج ..


سمر و هي تحاول القيام :


-أنا مش عارفة أشكر حضرتك إزاي علي إللي عملته معايا !


عثمان بجدية :


-خليكي مكانك يا أنسة ، إنتي لسا دايخة ، ماتقوميش دلوقتي.


-لازم أمشي .. إتأخرت علي إخواتي.


-طب بس أصبري ، أنا عايزك في موضوع.


سمر بإستغراب :


-موضوع ! موضوع إيه يافندم ؟؟


سحب "عثمان" مقعد قريب ، و جلس فوقه مادا جسده نحوها ، ثم قال بهدوء :


-أنا حاسس إنك واقعة في مشكلة .. ممكن تقوليلي لو تحبي ، أنا أقدر أساعدك.


سمر بشك :


-تساعدني إزاي يعني ؟!


هز كتفيه مجيبا :


-أساعدك يعني أساعدك .. قوليلي بس إيه مشكلتك ؟


سمر بصمت و قد إنعقد لسانها ، لا تعرف بما تجيبه !


-فلوس ؟ .. قالها بتساؤل ، و تابع :

-إنتي خريجة أيه يا أنسة ؟


سمر مجيبة بلسان ثقيل :


-تسويق و تجارة إلكترونية.


عثمان بإعجاب :


-حلو .. حلو أوي .. ثم أردف بحماسة زائفة :


-شوفي أنا هفتتح شركة جديدة خاصة بيا كمان كام يوم ، إخترت الموظفين خلاص بس لسا ماخترتش سكرتيرة .. تحبي تتقدمي للوظيفة دي ؟


حملقت فيه بعدم تصديق ، و سألته ببلاهة :


-بجد ؟!!


عثمان بضحك :


-أه طبعا بجد .. ثم سألها مبتسما :


-إنتي عندك كام سنة ؟ قصدي يعني بقالك كام سنة متخرجة ؟


سمر بتوتر طفيف :


-أنا عندي 24 سنة و بقالي سنتين و نص متخرجة.


-هممم .. لأ مدة مش بعيدة ، طب قولتي إيه ! موافقة تشتغلي عندي ؟؟


سمر بدون تردد :


-طبعا موافقة .. لكنها تراجعت :


-بس أنا ماعرفش حاجة عن شغلة السكرتاريا.


عثمان بثقة :


-ماتقلقيش هتتعلمي .. دي شغلانة بسيطة خالص.


أشرق وجهها بإبتسامة رقيقة ، بينما مد يده إلي جيب بنطاله ، و أخرج جزدانه

سحب بعض الأوراق النقدية ، ثم مد يده لها قائلا :


-إتفضلي يا أنسة سمر.


نظرت ليده الممدودة بالنقود ، ثم له ،و سألته متجهمة :


-إيه ده حضرتك ؟؟


أجابها بإبتسامة :


-أنا عارف إنك محتاجة فلوس ، من فضلك خديهم.


سمر برفض مهذب :


-شكرا لحضرتك .. أنا معايا الحمدلله.


عثمان بإصرار و لطف :


-خديهم بس يا أنسة سمر ، أعتبريهم سلفة و إبقي رديهم من أول مرتب.


تخضبت وجنتاها بحمرة قانية ، و كم وجدت صعوبة في ذلك ، لكنها مدت يدها و أخذت منه النقود ..


سمر و هي تقف علي قدميها و تختبر درجة ثباتها :


-إستأذن أنا بقي.


نهض هو الأخر ، و قال لها :


-تمام ، و إنتي خارجة إبقي سيبي إسمك و عنوانك و رقم تليفونك لشيري ، و ماتنسيش بعد بكره ، هخلي شيري تتصل بيكي و تديكي كل المعلومات عن الشركة.


أومأت "سمر" دون أن تنظر في عينيه ، ثم غادرت مكتبه في هدوء ...


°°°°°°°°°°°°°°°°


خرجت "سمر" من الذكري و هي تشعر بضيق شديد ، فمنذ خروجها من هذه الشركة لم تكف عن توبيخ نفسها لأنها أخذت منه النقود


و مرات عدة و هي في طريقها إلي البيت فكرت أن تعود و ترجع إليه ماله ، لكنها تذكرت "ملك" و "فادي" .. فإستسلمت لحكم الواقع و أكملت طريقها بفم مطبق ..


أرهقها التفكير لهذا الحد ، فأوقفت كل شيء ، و إستسلمت للنوم الذي بدأ يداعب أجفانها ...


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في ليل الإسكندرية الساحر ، يقود "صالح البحيري" سيارته الفارهة مارا بالكورنيش المطل علي الساحل ، و المضاء بالأعمدة التي تعكس نورها علي ماء البحر الحالك ، فيبدو و كأنه اللؤلؤ الأسود في ندرته ..


يصل "صالح" إلي ذلك الملهي الشهير ، و يدخل باحثا بعينيه عن إبن عمه

ليجده هناك ، جالسا عند بنش البار ، تحاوطه المنكرات من كل صوب و هو يتجاوب معها بفتوره المعتاد ..


-إيه يابني فينك ؟ قال "صالح" و هو يجلس بجانبه أمام البار ، و أكمل :


-لازم أتحايل عليك يعني عشان ترضي تقولي إنت فين ؟ أبوك قالب عليك الدنيا.


عثمان بضيق :


-عارف.


-طب مارجعتش البيت ليه لحد دلوقتي ؟؟


-مش مستعد لإستجواب يحيى بيه ، و مش ناقص قرف.


صالح بصراحة :


-إنت طينت الدنيا الصراحة ، أنا أعرف أنك شيطان يابن عمي بس ماتخيلتش تفكيرك يوصل لكده أبدا !


عثمان ضاحكا و هو يتناول بعض المقبلات :


-يمكن عشان مابتعرفش تفكر يا صالح.


-لأ بجد ، أنت إبليس ذات نفسه يصقفلك علي عملتك دي.


عثمان بتفاخر :


-يابني أنا مش أي حد ، أنا عثمان البحيري ، يعني الفهلوة و الجبروت كله ، و متنساش إني إسكندراني كمان.


-لأ من ناحية الجبروت فأنا متأكد من دي أكتر .. ثم سأله بإستذكار :


-صحيح عملت إيه في حوار شركتك ؟ خلاص كلها بقت بتاعتك.


شرب "عثمان" ما تبقي من كأسه ، و أجابه و قد بدأت الثمالة تنطقه بما لا يريد نطقه :


-إسكت ماتفكرنيش بالشغل خالص .. إنهاردة وقعت مع حتة بت كانت هتخرجني عن شعوري ، تصور إستهزأت بيا أنا ؟!


صالح بضحكة مرحة :


-يا خبر ! دي كده لعبت في عداد عمرها.


عثمان بوعيد :


-إنت بتقول فيها ؟ .. و حياة أمي لأسود عيشتها !!!!!


يتبـــع ...


( 3 )


_ حادث مدبر ! _ :


صباح يوم جديد ..


إستيقظت "سمر" من نومها عندما شعرت بشعاع حار يضرب في وجهها و يلسع جلدها الرقيق لسعات متواصلة بلا توقف ، فتحت عيناها بتثاقل و إنزعاج ، لتكتشف إنها الشمس تسللت خيوطها الذهبية عبر شباك غرفتها الموارب لتوقظها ، و عندما لم تستجيب لسعتها بآشعتها الحارقة لتعاقبها ..


تثاءبت "سمر" بكسل و هي تتحرك في الفراش بعيدا عن آشعة الشمس ، و عقدت حاجبيها فجأة بإستغراب ، لقد نبهت "فادي" البارحة أن يأتي و يوقظها في المساء لكي تعطي "ملك" بنفسها جرعة دوائها .. لماذا لم يفعل ؟ لماذا تركها نائمة كل هذا الوقت ؟ لا يمكن أن يكون قد نسي !!


قامت "سمر" من فراشها ، و إتجهت للخارج بخطوات غير متزنة نسبيا


وجدت "فادي" بالصالة ، يقف هناك حاملا "ملك" التي كانت تبكي و تصرخ بشدة ، و يحاول أن يجعلها تهدأ ..


-في إيه يا فادي ؟ .. قالتها "سمر" بتساؤل و هي تمد ذراعيها لتأخذ منه "ملك" ..


أجاب "فادي" حائرا و هو يناولها الطفلة :


-مش عارف مالها ، أنا صحيت من شوية علي عياطها قلت جعانة فأكلتها ، دلوقتي بقي لاقيتها عيطت تاني ، شكلها لسا جعانة .. ثم أكمل بغضب :


-بس أكلها خلص.


سمر بإستغراب :


-إنت مش بتقول أكلتها ؟ يعني شبعت !


فادي بضيق :


-لأ .. علبة اللبن بتاعتها ماكنش فيها كتير.


زمت شفتيها بتفهم ، ثم قالت :


-طب إستني.


و ذهبت بالصغيرة نحو غرفتها ، لتعود بعد لحظات و هي تمد يدها له ببعض النقود قائلة :


-خد ، إنزل هاتلها علبتين لبن و شوف لو الدوا بتاعها ناقص هاتلها غيره و كمان لو مافيش بامبرز هات.


نظر "فادي" إلي النقود  ، ثم لأخته و هو يقول بدهشة :

 

-جبتي الفلوس دي منين يا سمر ؟ .. و أردف بإبتسامة واسعة :


-معقول صرفولك فلوس بابا إمبارح ؟؟


سمر بفتور :


-لأ طبعا.


فادي بتعجب :


-أومال إيه دول كلهم ؟ جبتيهم منين ؟!


سمر بكدر :


-ما أنا قلتلك إمبارح إبقي صحيني بليل عشان أحكيلك علي إللي حصل إنت إللي سيبتني لحد دلوقتي.


-علي فكرة جيت أصحيكي مرتين إمبارح ، مرة عشان تدي ملك الدوا زي ما قولتيلي و مرة عشان نتعشي سوا ، بس إنتي إللي مارضتيش تقومي ، قلت جايز تعبانة فسبيتك تنامي براحتك و خدت ملك تنام معايا .. ثم سألها بإهتمام :


-قوليلي بقي إيه إللي حصل ؟؟؟


تنفست "سمر" بعمق ، ثم حكت له ما حدث بإيجاز شديد ..


-إيه ده ؟ إزاي يعني ؟ .. قال "فادي" بعدم فهم ، و تابع :


-يعني المدير و لا صاحب الشركة إللي قابلتيه ده قالك مالكوش عندنا حاجة و بعدين قالك هشغلك عندي سكرتيرة ؟!!


سمر شارحة له :


-لأ يابني ما قالش مالكوش عندنا حاجة ، قال إن بابا كان عامل مش موظف و عامل بالآجرة كمان ، أه كان بيعمل صيانة علي المصاعد كل شهر و كان بياخد مرتب بس إسمه مش في سجلات التوظيف يعني مالوش أولويات الموظفيين الفعليين إللي بيشتغلوا هناك ، فهمت ؟


عبس "فادي" قائلا :


-فهمت .. و إنتي ناوية تقبلي الشغلانة دي يعني ؟؟


سمر بتأكيد :


-أيوه طبعا ، إحنا محتاجين فلوس عشان نعرف نعيش أنا و إنت و ملك ، و الراجل كتر خيره حب يساعدني بطريقة كويسة جدا ، هشتغل و أجيب فلوس بجهدي ، إيه إللي يخليني أرفض مساعدته بقي ؟ .. ثم صاحت بإستذكار :


-و أه كنت هنسي أقولك .. إحنا مش هنسيب البيت ، أنا إمبارح عديت علي الست زينب مرات عم صابر و أشتكتلها منه ، و هي قالتلي هتتصرف معاه و مش هتخليه يجي يضايقنا تاني.


صمت "فادي" قليلا ، ثم قال بعدم إرتياح :


-أنا مش مطمن يا سمر .. مش عارف ، في حاجة مش مريحاني في حكاية شغلك دي !


سمر بإبتسامة مطمئنة و هي تربت علي كتفه :


-ماتقلقش يا فادي .. و اطمن ، كل حاجة هتبقي كويسة بإذن الله.


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في قصر آل "بحيري" .. داخل حجرة الطعام الفاخرة


يجلس "يحيى البحيري" علي رأس المائدة ، تجاوره "فريال" من جهة اليمين ، أما في الجهة الأخري ، جلس جنبا إلي جنب كلا من "صالح" و "صفية"


تناولوا فطورهم جميعا من دون شهية و في إقتضاب شديد جدا ، و "صالح" الذي يأس من مراضاة "صفية" ترك الطعام نهائيا و سكب لنفسه قدحا من القهوة راح يحتسيه و هو يهز قدمه الغير مرئية في عصبية مفرطة ..


لاحظت "فريال" توقف زوجها عن تناول الطعام ، فسألته بقلق :


-إيه يا يحيى مالك ؟ بطلت تاكل ليه ؟؟


يحيى بضيق :


-ماليش نفس يا فريال.


فريال بحزن :


-ليه بس ؟ طب تحب أعملك بإيدي أي حاجة تانية ؟؟


-لأ مش عايز.


فريال بإنزعاج :


-في إيه بس يا يحيى ؟ كل حاجة بقيت تقول عليها لأ مش عايز !!


يحيى بإنفعال و هو يضرب بيده علي المائدة :


-هو إبنك خلاني عايز أي حاجة ؟ عمل كل إللي في نفسه و مش عايز يوريني وشه لحد دلوقتي ، البيه كأنه بيقولي مالكش لازمةربالنسبة لي.


فريال بلهجة هادئة وهي تهز رأسها سلبا :


-مايقدرش يا يحيى ، إنت أبوه ، عثمان بيحترمك و الله ، هو بس آا ..


يحيى مقاطعا بإزدراء لاذع :


-بلا بيحترمني بلا نيلة بقي ، أنا ماعرفتش أربيه أصلا ، طالع سافل و قليل الأدب محدش بيهمه .. ثم أكمل بوعيد :


-بس و الله لأفرجه ، يرجع البيت بس و هتشوفي هعملك فيه إيه !


-علي فكرة يا عمي عثمان هنا من إمبارح .. قالها "صالح" ببرود و هو يرفع فنجان قهوته إلي فمه


ليلتفت له "يحيى" متسائلا بصوته الخشن :


-عرفت إزاي ؟ إنت شوفته و هو راجع ؟


-أنا كنت سهران معاه إمبارح و رجعنا سوا بليل متأخر.


حدجه "يحيى" بغضب و عضلات فمه ترتجف بقوة و كأنه يحاول مقاومة شرا مؤذيا ، لكنه فشل في ضبط نفسه ، فوثب من مجلسه ، و مشي بخطوات واسعة في إتجاه غرفة إبنه ..


لحقت به "فريال" بسرعة ، بينما قالت "صفية" و هي ترمق "صالح" بنظرات محتقنة :


-إيه إللي إنت عملته ده ؟؟؟


صالح ببراءة مصطنعة :


-عملت إيه ؟!


°°°°°°°°°°°°°°°°°


في الطابق الثالث من القصر ، و الذي تقع به غرفة "عثمان" حيث إختارها بعيدا عن أنظار و آذان الجميع هنا ..


تركض "فريال" وراء "يحيى" و تترجاه بصوت خائف :


-عشان خاطري يا يحيى ، بالراحة عليه ، إنت عارف إنه ماعملش حاجة غلط ، أي راجل مكانه كان هيعمل أكتر من كده.


توقف "يحيى" بمنتصف الردهة الطويلة ، و إستدار لزوجته ، و صاح بها :


-إمشي يا فريال ، إنزلي تحت دلوقتي.


"فريال" برفض :


-لأ .. مش هسيبكوا مع بعض و إنت في الحالة دي.


"يحيى" بعصبية :


-يعني هعمل فيه إيه ؟ هضربه بالنار ؟ ماتقلقيش عليه يا حبيبتي و بعدين هو للأسف إبني أنا كمان .. ثم زفر بحنق ، و قال بشيء من الهدوء :


-إطمني يا ستي ، مش هعمله حاجة .. مابقاش عيّل صغير عشان أعاقبه يعني ، أنا هتكلم معاه بس.


نظرت إليه في تردد ، لكنها أذعنت لرغبته في الأخير ، و ولت تاركة إياه يذهب لغرفة "عثمان" بمفرده ..


فتح "يحيى" باب غرفة إبنه ، ليجدها غارقة في الظلام


إبتسم بسخرية ، ثم إتجه نحو الشرفة العريضة ، و أزاح الستائر عنها ، ليخترق ضوء النهار الزجاج المغلق ، و يزعج "عثمان" المستلقي علي وجهه فوق سريره الضخم ..


تململ "عثمان" مطقطقا عضلات ظهره العاري ، ثم فتح عيناه بروية كي يتمكن من رؤية الشخص الذي إقتحم عليه غرفته دون إستئذان


فوجد والده يقف أمام السرير أحمر الوجه غاضبا


تآفف "عثمان" بضجر و هو يقوم ليجلس نصف جلسة ، سقط الغطاء حتي وسطه عندما إستوي جالسا ، فظهرت عضلات بطنه السداسية الصلبة ..


-صباح الخير يا بابا .. قالها "عثمان" بلهجة ناعسة و هو يفرك وجهه بكفيه


ليرد "يحيى" بغلظة :


-صباح الزفت علي دماغك.


عثمان بإبتسامة هادئة و هو يومئ برأسه :


-ماشي يا بابا .. إتفضل حضرتك قول دلوقتي كل إللي إنت عايزه ، أنا جاهز لكلامك.


يحيى ببغض :


-يا بجاحتك يا أخي .. نفسي أعرف جايب البرود ده كله منين ؟!


عثمان بسخرية :


-و عايزني أتكدر ليه ؟ أنا عامل حاجة لا سمح الله ؟!


يحيى بلهجة حانقة :


-بعد كل إللي عملته ده و بتسأل ؟ أنا يا غبي مش إتفقت معاك و قلتلك كفاية تمضيها علي التنازل بس و بعدين تبقي تطلقها بعد فترة صغيرة ؟ إيه إللي خلاك تتصرف من دماغك ؟؟


عثمان و قد إنتابه الغضب :


-كنت عايزني أبقي ---- ؟ كنت عايزني ماخدش حقي و أرد كرامتي ؟ مش أنا إللي تيجي بت ----- زي دي و تعلم عليا ، أحمد ربنا إني إلتزمت بنص إتفاقنا و ماشربتش من دمها ، و الله لولا جيتلي إنت قبل ما أخدها و إمشي بعد الفرح و نبهت عليا لكنت دبحتها بإيدي و ماكنتش هاخد فيها يوم.


-و تضيع و توسخ إيدك ليه أصلا ؟ ماتستهلش.


عثمان و هو ينتفض بعصبية :


-لأ تستاهل .. لما تبقي مخطوبة لعثمان البحيري و تفتكر إنها إستغفلته و تروح تتـ---- علي كيفها تبقي تستاهل الدبح و الحرق كمان.


صمت "يحيى" بعد إفراغ "عثمان" شحنة غضبه الحبيسة ، و قد إلتمس له العذر الآن فقط ، إذ أدرك أن إبنه مجروح في صميم كرامته و كبريائه ، فلم يعد ليجادله مجددا ..


يحيى بهدوء :


-طيب يا عثمان .. و أديك خلاص عملت إللي إنت عايزه و إرتحت ، يا ريت بقي ماتتهورش تاني و كفاية كده.


عثمان و هو يلوي ثغره بسخرية :


-أنا عايزك تعرف بس إنها و لا حاجة بالنسبة لي ، أنا وافقت علي الجوازة بس عشانك إنت ، قولتلي نفوذ أبوها و بتاع ، و أهو دلوقتي أبوها بقي لا عنده نفوذ و لا نيلة بعد الفضيحة .. يعني مابقناش محتاجينه.


أومأ له "يحيى" ثم قال :


-ماشي .. قوم بقي خدلك حمام و ألبس هدومك و إنزل عشان نفطر سوا ، أنا لسا مافطرتش.


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في منزل "رشاد الحداد" .. يجلس أمامه في المكتب هذا الشاب المذعور ، الذي يرتجف خوفا بين الحين و الأخر


يشمله "رشاد" بنظره تقييم مشمئزة ، ثم ينطق بصوت غليظ :


-إنت غلطت غلطة عمرك لما فكرت تقرب من بنتي.


إزدرد الشاب ريقه بتوتر ، و قال بإرتباك و هو يتردد في النظر إلي عينيه الحادتين :


-و الله يا رشاد باشا أنا .. آا أنا بـ بحب چيچي ، بحبها بجد و عمري ما فكرت آذيها و آ ..


-إخرس .. قاطعه "رشاد" بغضب ، و أردف بحدة :


-إسمع ياض .. إنت هتتجوزها.


أومأ الشاب بسرعة :


-أتجوزها يا باشا.


رشاد بتهكم مرير :


-لحسن حظك إني عايز ألم الموضوع و أغطي عالفضيحة .. إنما في أي حالة تانية إنت ماكنتش هتبقي بالنسبة لي أكتر من كلب أقل واحد من إللي شاغلين عندي يضربك برصاصة واحدة في قلبك.


أقشعر بدن الأخير ، ببنما أكمل "رشاد" بلهجة أمر :


-تجيلي بكره الساعة 8 بالظبط عشان نتمم الموضوع و نعمل خطوبة.


-أنا تحت أمرك يا باشا.


رشاد بتوعد :


-عارف لو ماجتش !


الشاب و هو يقسم بإضطراب :


-هـ هاجي و رحمة أمي هاجي.


-إوعي يعني عقلك يوزك تخلع أو تهرب .. هتلاقيني جايبك من قفاك حتي لو طلعت سابع سما ، بس ساعتها بقي يا ويلك مني.


الشاب مؤكدا :


-ماتقلقش يا باشا ، أنا هاجي بكره في الميعاد.


رشاد بصرامة :


-أنا مش قلقان يا حبيبي .. إنت إللي لازم تقلق.


و هنا سمع طرق علي باب مكتبه ، فآذن بالدخول


ليدخل رجل ضخم الجثة يرتدي حلة سوداء ، و تبدو علي وجهه ملامح الإجرام ..


أصرف "رشاد" الشاب زوج إبنته المستقبلي و حبيبها السابق الذي تسبب في طلاقها ليلة زفافها ..


-اهلا عباس .. ها طمني ! عملت إيه ؟


عباس بصوته العميق :


-كله تمام يا باشا .. زي ما قلت لسيادتك كل حاجة بتمشي بالفلوس.


-يعني عملتها بنفسك ؟؟


-عملتها بإيديا الأتنين ، ماتقلقش.


رشاد بإبتسامة واسعة :


-يعني إنهاردة هسمع أخبار كويسة ؟!


-إن شاء الله .. إطمن حضرتك.


تنهد "رشاد" تنهيدة طويلة و هو يسترخي فوق مقعده و يتمتم لنفسه :  " إن شاالله أجي أعزيك بنفسي بكره يا يحيى ، أومال إيه ؟ مش كنا نسايب ! "


و رفع رأسه مطلقا ضحكة مجلجلة ..


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في غرفة "صالح" .. كان يخاطب والده عبر الهاتف ، عندما تلقي إنذار بمكالمة جديدة ..


أبعد الهاتف عن أذنه ، و وضعه أمام عينيه ، ليري أسمها يضيء الشاشة


إنتفض من الفرحة ، و أستأذن من والده و أغلق معه سريعا ، ثم أجاب إتصالها ..


صالح بسعادة :


-صافي ! مش مصدق نفسي و الله ، هتشل من الفرحة ، إنتي بتكلميني فعلا ؟


صفية بفتور :


-صالح ..


-عيون صالح .. قالها بغزل ، لترد بحدة :


-هتتكلم عدل و لا أقفل في وشك ؟


قال بسرعة :


-لا لا لا خلاص خلاص ده أنا ما صدقت .. ثم سألها بإستغراب :


-بس إنتي بتكلميني بالموبايل ليه ؟ ما إحنا في نفس البيت يا حبيبتي ما تيجي ، و لا أجيلك أنا.


قال أخر كلماته بخبث حاول إخفاؤه ، لتقول هي :


-لأ ياخويا لا تجيلي و لا أجيلك ، أنا بس كنت عايزة منك خدمة هتعملها شكرا مش هتعملها بردو شكرا.


صالح بإهتمام :


-خدمة إيه يا صافي ؟ أنا أعملك كل إللي إنتي عايزاه طبعا ، قوليلي عايزه إيه ؟؟


-كنت عايزاك تروح المستشفي تجيبلي عنتر من هناك ، خلاص هو خلص تطعيم و المفروض يرجع بس أنا حاسة إني داخلة علي دور برد و مش قادرة أتحرك من السرير ، فـ Please تروح إنت ؟


صالح و قد تقهقر عن موقفه الشهم :


-عنتر ؟ .. عايزاني أنا أروح أجيبلك عنتر ؟ ماتقوليها أسهل يا صافي ، قولي إنك عايزه تخلصي مني ، أخرتها هتخلي حتة شبل يستفرض بيا و أكون العشا بتاع جنابه الليلة دي !


-ما تسترجل شوية يا صالح ، أديك قولتها بنفسك ، حتة شبل هيعملك إيه ؟ ده لسا بيبي أولا ، ثانيا هما في المستشفي هيسلموهلك بالقفص بتاعه يعني ماتقلقش مش هيتعشي بيك الليلة دي.


صالح بتردد :


-مش عارف .. مش مطمنلك يا صافي !


صفية بتآفف :


-أنت جبان أووي يا صالح.


أثارته بنعتها له بـ" الجبان" فقال :


-جبان ؟ .. طيـــب ، أنا هوريكي الجبان ده ، هاتي العنوان.


أخذ منها عنوان المشفي ، ثم إندفع للخارج قاصدا غرفة "عثمان"


إلا إنه قابله أعلي الدرج ، كان "عثمان" سينزل عندما إستوقفه صوت "صالح"

إلتفت له ، فقال الأخير و هو يقترب منه :


-عثمان .. إديني مفتاح عربيتك ؟


عثمان بإستغراب :


-مفتاح عربيتي ! إشمعنا ؟


-إنت ناسي إننا جينا مع بعض إمبارح بعربيتك.


-طيب .. أيه يعني !!


-هو إيه إللي يعني ؟ عربيتي سايبها هناك من إمبارح.


عثمان و هو يهز كتفاه بعدم إكتراث :


-أعملك إيه يعني ؟!


صالح بصبر :


-محتاج عربيتك نص ساعة ، هروح بيها مشوار و هرجع علطول.


-طب ما تروح بتاكسي يابني !


-يرضيك يعني صالح البحيري يركب تاكسي.


-أه و فيها إيه عادي ، بتحصل في أحسن العائلات.


صالح بضحكة صفراء :


-خفة .. إنجز يا عثمان ، بقولك عندي مشوار مهم.


عثمان بجدية :


-ماينفعش يا صالح أنا خارج دلوقتي.


صالح بفضول :


-رايح فين ؟؟


-مالكش دعوة.


-طب هات المفتاح بقي ، خليك جدع ، مش هتأخر و الله هي نص ساعة.


تنهد "عثمان" ثم قال بضيق :


-نص ساعة ، عارف لو إتأخرت ؟


-يا سيدي ماتخافش هي نص ساعة.


أعطاه "عثمان" مفتاح سيارته و هو يسأله :


-هتروح فين بقي ؟؟


صالح مستعملا نفس جملته السابقة :


-مالكش دعوة.


و هبط الدرج مسرعا ، بينما صاح "عثمان" بإبتسامة فاترة :


-مااااشي .. ليك يوم يابن عمي.


°°°°°°°°°°°°°°°°°


ينزل "صالح" إلي الكراچ ، و يعثر علي سيارة "عثمان" بسهولة ..


إذ تعد سيارته من أحدث و أغلي السيارات التي تم إنتاجها لهذا العام ، و هي  لامبورچيني بسرعة 350 ميل/س ، و هي أيضا بمثابة طلقة نارية تشق الأجواء لدي الإنطلاق بها ..


إستقل "صالح" في كرسي القيادة ، شغل السيارة ، ثم تحرك بها بروية حتي خرج من الكراچ


أطلق بوقا تلو الأخر لتنفتح له بوابة القصر الضخمة التي تعمل إلكترونيا


و في الطريق ، مشي علي الوصفة التي أعطته إياها "صفية" إلا أنه نسي نصف العنوان تقريبا


فقلل من سرعة السيارة ريثما يخرج هاتفهه و يحدثها ، و لكن السيارة لم تستجب له ، بل إزادت من سرعتها


حاول "صالح" مرة ثانية ، و ثالثة ، و رابعة .. دون جدوي ..


لتصدر الإطارات صريخ إحتكاكها بالأسفلت ، عندما إنحرف "صالح" يمينا ليتفادي سيارة أخري ، بينما يدخل هو في الإتجاه المعاكس ، و بصورة سريعة يحدث الإصطدام بينه و بين تلك السيارة التي ظهرت أمامه فجأه !!!!!


يتبـــع ...


( 4 )


_ صدفة ! _


في الثامنة صباحا بتوقيت "باريس" .. تجلس فتاة في الثانية و العشرين من عمرها داخل غرفتها


كانت تتصفح أخبار الموضة و المجتمع عبر حاسوبها الخاص ، عندما دلف والدها حاملا صنية الفطور ..


"رفعت " بإبتسامة هادئة و هو يقترب من سريرها :


-لولا حبيبتي .. يلا سيبي إللي في إيدك ده و تعالي نفطر سوا.


إعتدلت "هالة" في جلستها ، ثم قالت و هي تبادله الإبتسامة :


-إيه ده يا بابي ! أنت إللي عامل الفطار بنفسك كمان ؟ أنا كنت فكراك نايم ، طب ليه ماقولتليش كنت حضرته بدال حضرتك !


-يعني أنا سيبتك لوحدك إسبوع بحاله محتاسة ، قلت أعوضك بقي بالفطار الملوكي ده .. و أعطاها كأس العصير مكملا :


-بس ماتاخديش علي كده ماشي ؟


هالة ضاحكة بسرور :

-ماشي يا بابي .. ربنا يخليك ليا يا حبيبي.


-ها بقي .. قوليلي عملتي إيه في غيابي ؟؟


هزت كتفيها بخفة قائلة :


-و لا حاجة ، كنت بروح الجامعة كل يوم الصبح ، و كنت برجع أطبخ و أكل و أنام .. بس ، علي كده طول الإسبوع إللي سيبتني فيه.


-مش عارف بس مارضتيش تيجي معايا ليه ؟ رغم كل المصايب إللي حصلت ، بس كنتي هتغيري جو.


هالة و قد عاودها السرور بشدة ، فسألته بحماسة :


-قولي يا بابي .. هو صحيح عثمان طلق چيچي خلاص ، يعني طلقها بجد ؟!


-أيوه يا بنتي طلقها ، بقولك كانت فضيحة ، إنتي ماشفتيش الأخبار علي البتاع إللي في إيدك ده ؟ .. و أشار إلي حاسوبها ، لتجيبه بفرح :


-لأ شفت .. شفتها كلها يا بابي.


رفعت بنظرة شك :

-إنتي مالك مبسوطة كده ليه يا هالة ؟ .. لا تكوني لسا حاطة عثمان في دماغك.


رمقته في صمت و لم ترد ، ليتابع هو بصرامة :


-عموما لو كنتي بتفكري فيه فأنا بقي بقولك لأ مش هينفع ، بعد كل إللي عمله ده مستحيل أوافقك.


هالة بإنفعال مدافعة :

-ليه بس يا بابي ؟ هو كان عمل إيه يعني ؟ عثمان ماغلطش في حاجة ، رد فعله كان طبيعي جدا.


رفعت بحدة :

-عثمان إتجبّـر يا هالة .. شم نفسه و مابقاش يهمه حد ، إوعي تكوني لسا فكراه إبن عمك الطيب الظريف ، لأ ، ده إتغير و بطريقة بشعة .. صدقيني ، عثمان ماينفعكيش و لا ينفع أي واحدة غيرك كمان.


-بس أنا بحبه يا بابي .. قالتها بشرود دون وعي منها ، فزم "رفعت" شفتيه في أسف ، و قال :


-و هو ماعندوش إستعداد يحبك زي ما تحبيه .. مانتي كنتي قدامه يا حبيبتي .. و توقف فجأة عندما لمح بوادر دموعها ..


كوب وجهها بكفيه ، ثم قال بحنان أبوي :


-إنتي تستاهلي أحسن منه يا هالة !


و مسح علي شعرها برفق ، ثم تنهد بعمق قائلا :


-يلا بقي كملي فطارك و أنا هروح أشتغل في مكتبي شوية.


أومأت له و هي تعض علي شفتها السفلي بقوة لتكبت دموعها ، لكنه حالما خرج من الغرفة أطلقت لنفسها العنان و راحت تنتحب بمرارة في صمت ..


حتي رأت من وسط غيمة الدموع التي غشيت عيناها صورة أخيها تظهر فجأة علي الحاسوب


كانت صورة عادية ، إلتقطت له بإحدي المناسبات و هو يضحك بعفويته المعهودة ، لكنها إعتصرت جفناها بقوة لتري بوضوح الخبر الذي نـُشر علي صفحة المجتمع المصرية ..


" أحد أبناء عائلة البحيري يتعرض أمس لحادث سير عنيف جدا أثناء قيادته لسيارة فائقة السرعة إنحرف بها في الإتجاه المعاكس من الطريق السريع ، ترى هل الحادث مدبر ؟ أم أنه قضاء و قدر ؟ "


لم تعط لنفسها فرصة لتُصدم ، و صرخت بأعلي صوتها :


-صــــــــــااااااااااااااااااالح !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


عودة للأسكندرية ... كان "عثمان" يجلس هناك علي بعد أمتار من غرفة العمليات


وجهه واجما ، مبهم التعابير ، لطالما كان بارعا في إخفاء مشاعره و إنفعالاته ، تلك ميزة يحسده عليها كل من عرفه و تعامل معه طوال حياته ..


كان يفكر في الحادث الذي تعرض له "صالح" و هو يقود سيارته الخاصة .. تساءل في نفسه .. تري من فعلها ؟ الإجابة لم تأخذ منه تفكيرا طويلا ، إذ أن المسألة واضحة تمام الوضوح ، ليس هناك غيره .. "رشاد الحداد" يريد أن ينتقم منه ..


كز علي أسنانه في غضب جم ، و تمتم لنفسه :


-بتحرجم علي إيه يا رشاد يا حداد ؟ .. لسا في كارت في إيدي ، أقسم بالله لأندمك .. بس أعرف الأول مين إللي دخل بيتي و فكلي الفرامل.


إنتبه "عثمان" لصوت جلبة بأخر الممر ، فأدار رأسه ليري والديه و شقيقته يهرعون نحوه و الفزع باديا علي وجوههم ..


قام من مكانه ، و تحضر لإستقبالهم بفتوره المعتاد


-في إيه عثمان ؟ ماله إبن عمك ؟ .. قالها "يحيى" بتساؤل ، و أردف :


-إحنا لسا شايفين الخبر في الجرايد ، و الصحافيين واقفين برا أد كده ، إنت إزاي ماتقولناش حاجة زي دي ؟ إزاي نعرف من الغرب ؟؟؟


نطق أخر كلماته بغضب ، ليرد "عثمان" بهدوء شديد لا يتناسب إطلاقا مع الموقف :


-ماحبتش أخضكوا ، عموما ماتقلقوش حالته مستقرة لحد دلوقتي.


-إيه يا أخي البرود إللي إنت فيه ده ؟ .. صرخت فيه "صفيه" و أكملت ببكاء :


-فين صالح ؟ رد عليا هو فين ؟ أنا السبب في إللي حصله .. لو ماكنتش طلبت منه يروح بدالي المستشفي إمبارح !


و إنهارت أكثر ، لتحاول "فريال" أن تهدئها


ضمتها إلي صدرها ، و أخذت تمسد علي شعرها و ظهرها بحنو ، بينما أخذ "يحيى" إبنه من يده و وقفا بعيدا ليتحدثا بسرية ..


يحيى بلهجة خافتة :


-عمل الحادثة بعربيتك .. إنت المقصود مش هو !


عثمان بنظرات غامضة :


-عارف .. و عارف كمان مين إللي وز عليا ، بس مش هسكت.


أحمـّر الأخير غضبا و هو يغمغم بإنفعال مكبوت :


-إنت مش هتعمل أي حاجة ، إحنا مش ناقصين ، كفايانا فضايح.


عثمان بغلظة و قد علا صوته :


-يعني إيه ؟ عايزني أطرمخ عالموضوع ؟ عايزني أسيب حقنا كلنا ؟ بلاش إحنا .. حق صالح المرمي جوا ده !


يحيى و هو يرمقه بنظرات محتقنة :


-أنا ماقلتش هنسيب حقه .. في حاجة إسمها قانون و إحنا مش قليلين في البلد.


أطلق "عثمان" زفرات حانقة و هو يشيح بوجهه عن أبيه ، بينما وضع "يحيى" يده علي كتف إبنه ، و ضغط بخفة و هو يقول بحزم :


-عايزك تهدا شوية و ماتتهورش ، نطمن بس علي إبن عمك و بعدين هنتصرف.


-أستاذ يحيى البحيري ؟!


إلتفت "يحيى" وراءه ليرد علي محدثه :


-أيوه أنا !


كان شرطيا وقف أمامه و خاطبه بلهجة رسمية مهذبة :


-أسف يافندم عارف إن مش وقته بس معلش لازم نفتح محضر بالحادثة دلوقتي .. و وزع نظراته بينه و بين "عثمان" مكملا :


-هما شوية أسئلة لحضرتك و لعثمان بيه.


أومأ "يحيى" بتفهم و قال :


-إحنا تحت أمرك يا حضرة الظابط.


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في منزل "سمر"  ... إنه اليوم المنشود ..


منذ بزوغ النهار ، كانت في إنتظار مكالمة العمل التي وعدها بها "عثمان البحيري"


إستيقظت مبكرا قبل أخويها لأجل هذا ، و لكن كم هي محبطة الآن .. لم يدق جرس هاتفهها أبدا ، لم تصلها رسالة حتي ..


ماذا يعني هذا ؟ ألن يفي السيد "عثمان" بوعده لها ؟ ألن يعطها المنصب الذي أشار إليه ؟ هل كان يقول ذلك عبثا ؟ كان يتسلي ؟


حتما كان يتسلي .. إبتسمت "سمر" بسخرية ، و حدثت نفسها بخفوت : " كنتي فاكرة إيه يعني يا غبية ؟ معقول هيقبل يشغلك عنده في وظيفة زي دي ؟ .. كان بيضحك عليكي يا هبلة ، هو إتجنن يوظف سكرتيرة مش مدربة و معهاش شهادة خبرة ؟ كان بيقولك كده و خلاص .. إكتفي بإنه ساعدك بالمبلغ إللي خدتيه منه ، قال يحسن عليكي يعني ، عمره ما كان هيعمل أكتر من كده طبعا .. فوووقي ! "


عادت "سمر" لأرض الواقع عندما دق جرس هاتفهها ، إنتفضت في مكانها غير مصدقة ، و بيد مرتعشة إلتقطت الهاتف من فوق الطاولة أمامها


لكنها أصيبت بخيبة أمل كالعادة ، إذ كان المتصل ليس سوا شقيقها ..


-ألو يا فادي ! .. أجابت بلهجة فاترة متعبة ، ليأتيها صوت "فادي" من وسط ضجيج زحام و عدة أصوات متداخلة :


-أيووه يا سمر ! هاا طمنيني .. الناس بتوع الشركة دول كلموكي ؟


سمر و هي تحاول سماعه بوضوح :


-الناس بتوع الشركة ؟ .. لأ لسا محدش كلمني ، إيه يا فادي الدوشة دي ؟ إنت فين يابني ؟؟؟


أجابها بصعوبة :


-أنا دلوقتي داخل أستلم الكتب.


-داخل تستلم الكتب ؟ و هي الكتب عليها الإقبال شديد أوي كده ؟!


فادي متهكما :


-إقبال ؟ إقبال إيه يا حبيبتي ، ده في عركة هنا .. ثم قال بجدية :


-المهم قوليلي لسا محدش كلمك يعني ؟؟


سمر بحزن :


-قولتلك لسا !


-خلاص يا بنتي ماتزعليش ، أصلا الحمدلله كويس إنهم ماتصالوش أنا ماكنتش مرتاح للموضوع ده ، بكره أنا هدور علي شغل و مش هنحتاج لحد إن شاء الله.


-إن شاء الله.


-ملوكة عاملة إيه ؟


-كويسة أهيه نايمة في أوضتي.


-طيب مش عايزين حاجة أجيبها و أنا راجع ؟!


-لأ يا حبيبي ترجع بالسلامة .. و تبادلا السلام ، ثم أغلقا معا ..


تنهدت "سمر" تنهيدة مطولة مثقلة بالحزن و العجز اللذين تشعر بهما منذ وقت طويل ، و أخذت تفكر في سبيل جديد تسعي إليه لسداد إحتياجات كلا من "ملك" و "فادي"


حيث أنهما أغلي ما تملك في الحياة ، و من أجلهما هي علي أتم الإستعداد بأن تلقي بنفسها في نار السعير ، لم تعد تفكر في حالها كما في السابق قبل أن يتوفا والديها


لقد زهدت حياتها و أوهبتها كلها لرعاية شقيقيها ، لم تعد تفكر في الإرتباط أو الزواج ، ببساطة لأن إمكانياتها محدودة إن لم تكن معدومة !


لتوفر المال لأخيها و أختها .. هما بحاجة إليه أكثر منها ، لتضحي لأجل سعادتهما ، حتما ستحصد نتائج مرضية بالنهاية و لن تندم ..


هذا كان تفكيرها في البادئ و ما رتبت عليه مخططاتها المستقبلية أيضا ، "ملك" و "فادي" أولا ، ثم نفسها ، و لكن حتي نفسها تأخذ منها بحدود معينة و لا تجور يوما علي حقوق أخويها ..


صدح فجأة صراخ "ملك" مدويا بالأجواء ، فقامت "سمر" و هرعت إليها بسرعة


كانت الطفلة تبكي بصراخ متألم و هي تتلوي في سريرها الصغير ، بينما إنحنت "سمر" فوقها لتري ما بها


مسحت علي شعرها القصير الأملس في لطف ، و تمتمت بعذوبة :


-إيه يا لوكا .. مالك يا حبيبتي ؟ بتعيطي جامد كده ليه ؟ .. إنتي جعانة ؟ ها ! أحضرلك أكلك ؟


أزادت "ملك" من وتيرة بكائها ، لتعبس "سمر" بضيق و هي تمسح لها دموعها ، ثم تحملها بين ذراعيها


راحت تهدئها و تؤرجحها و هي تقبل وجنتها الحمراء المكتنرة بخفة .. فإنتبهت بذعر لدرجة حرارتها المرتفعة عندما لامست بشرتها الملتهبة بشفتيها ..


أمسكتها بإحكام و هي تضعها بين صدرها و ذراعها الملتف حولها ، ثم رفعت ذراعها الأخر و تحسست وجهها الصغير بكفها ..


-يا خبر ! .. همست "سمر" في هلع ، و تابعت :


-حرارتك عليت كده إزاي و ليه ؟ فيكي إيه بس يا ملك ؟ كل شوية بتتعبي !


و عادت بها إلي الصالة حيث تركت هاتفهها هناك ، أجرت الإتصال بـ"فادي" مرة ، إثنان ، ثلاث .. لكنه لم يرد ..


فلم تجد أمامها حلا أخر ، إرتدت ملابسها بسرعة ، و أخذت شقيقتها و نزلت من البيت متجهة إلي المشفي ..


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


-يعني إيه عنده حصانة و محدش يقدر يقرب منه ؟ .. قالها "عثمان" بعصبية و هو يجادل الشرطي الواقف أمامه


ليرد الأخير بهدوء :


-عثمان بيه إنت سيد العارفين .. رشاد الحداد عضو مجلس شعب و عليه حماية مش من السهل يتوجهله إتهامات.


عثمان و هو يصيح بغضب شديد :


-يعني إيه ؟ بقولك هو السبب في الحادثة ، هو إللي بعت كلابه يفكولي فرامل عربيتي و لو كنت ركبتها قبل صالح كان زماني مكانه دلوقتي !


-حضرتك عندك دليل علي كلامك ده ؟


عثمان بإنفعال :


-واحد عضو مجلس شعب زي ما بتقول بيني و بينه عداوة عشان فضحته هو و بنته و طلقتها ليلة الدخلة ، في أدلة أكتر من كده ؟ في أسباب أقوي من دي تخليه عايز يقتلني ؟؟؟ 


آتي "يحيى" الذي كان يتحدث في هاتفهه بعيدا ، تدخل مهدئا إبنه و هو يقول :


-خلاص يا عثمان ، إهدا هنشوف حل .. ثم توجه إلي الشرطي بصوته الخشن :


-طب إحنا دلوقتي مابنتهمش حد غيره يا حضرة الظابط ، إيه العمل بقي ؟ هتقفلوا القضية عشان عنده حصانة و عليه حماية ؟؟؟


هز الشرطي كتفيه قائلا في حيرة :


-في الحالة دي الموضوع أكبر مني أنا .. الباشا رئيس النيابة ممكن يتدخل و يطلع أمر رسمي بإحضاره للإستجواب ، لكن أنا أو بقية زمايلي محدش فينا يقدر يهوب ناحيته.


يحيى بإقتضاب :


-طيب .. شكرا يا حضرة الظابط ، أقفل المحضر بتاعك بقي علي كده و أنا بنفسي هطلع بكره علي النيابة.


و بعد ذهاب الشرطي ، وقف "يحيى" أمام "عثمان" الثائر الملامح و قال له :


-عمك عرف !


عثمان هو يسأله بإهتمام :


-و قالك إيه ؟؟


-حجز علي أول طيارة طبعا و زمانه جاي هو و هالة .. كان بيكلمني و هو حالته صعبة أوي و قالي ننقل صالح لمستشفي خصوصي.


عثمان بتأفف :


- مش لما يفوق الأول ! هننقله دلوقتي إزاي ؟ هو أي كلام و خلاص !


-يابني مش أي كلام و لا حاجة ، هو أب و خايف علي إبنه.


رمقه "عثمان" بنظرة عابثة ، ثم تجاوزه و مضي بطريقه ..


-رايح فين ؟ .. صاح "يحيى"متسائلا ، ليجيبه بجمود دون أن يلتفت :


-رايح أشم شوية هوا لو حصل حاجة إبقي كلمني.


°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°


أخذ "عثمان" المصعد و هبط إلي الطابق الأول ، مر علي قسم الطوارئ ، و كاد يخرج


لكن صوت شخص ما إستوقفه ..


-يعني إيه ماعندكوش مكان ليها ؟ أنا داخلة مستشفي حكومية مش خاصة ! بقولك أختي حرارتها عالية لو فضلت كده هتموت.


-الصوت ده أنا عارفه ! .. قالها "عثمان" لنفسه ، ثم إلتفت ليتأكد مش شكوكه ..


حملق فيها بدهشة و في هذه الطفلة الباكية التي إحتضنتها بقوة ، و راقب كيف هددت عاملة الإستقبال بنفس الحدة التي إستعملتها معه من قبل :


-إنتي لو مادخلتنيش أنا و هي دلوقتي حالا أنا هوديكي في ستين داهية و مش إنتي لوحدك ، إنتي و كل المسؤولين عن الهبابة دي.


-أنسة سمر ؟!


يتبـــع ...

و الله كتبتها بمعجزة عشان بس ماتزعلوش 😂

يلا 😃

Have a nice time ❤


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


( 5 )


_ الوجه الأخر للثعبان ! _


إلتفتت "سمر" وراءها بوجه عاصف لتري الشخص الذي نادي بإسمها


لتتسمر بمكانها فجأة و تتبدل ملامحها الثائرة إلي أخري ذاهلة ..


-أسـ أستاذ عـ عثمان ! .. قالتها بشيء من الإضطراب و قد أربكها ظهوره المفاجئ أمامها ، ثم أردفت بإستغراب :


-حضرتك إيه إللي جابك هنا ؟


عثمان و هو يجيبها بإسلوبه اللبق الذي نادرا ما يستخدمه في تعاملاته مع الآخرين :


-إبن عمي عامل حادثة و كل العيلة هنا .. إنتي بقي إيه إللي جابك هنا ؟؟!


إنتبهت "سمر" إثر سؤاله للسبب الرئيسي الذي جاءت من أجله إلي هنا ، فشددت ذراعيها الملتفين حول شقيقتها و أجابته :


-أختي حرارتها عليت فجأة ماعرفش ليه ! فخدتها و جريت بيها علي هنا .. ثم أطرقت رأسها في تخاذل ، و أكملت :


-بس بيقولولي مالهاش مكان !


عثمان عاقدا حاجبيه في إستنكار :


-مين إللي قالولك ؟؟؟


-الأنسة دي .. و أشارت له برأسها نحو موظفة الإستقبال


ليتجاوزها "عثمان" و يتوجه إلي الموظفة بصوته الغليظ :


-لو سمحتي يا أنسة ، معانا طفلة هنا حرارتها عالية ، محتاجين دكتور ، يا ريت تطلبيلنا حد دلوقتي حالا.


الموظفة بهدوء مستفز :


-أسفة يافندم ، الأماكن هنا كلها مشغولة و الدكاترة كمان مشغولين.


عثمان و هو يتبجح برعونة مستهجنة :


-يعني إيه حضرتك ؟ بقولك البنت حرارتها عالية و إنتي ملزومة تدخلينا و تستدعيلنا دكتور يشوفها كمان.


الموظفة ببرود :


-و الله أنا ليا في إللي في شايفاه قدامي ، مافيش أماكن فاضية و مافيش دكاترة متوفرين حاليا ، أديك حضرتك شايف قسم الطوارئ و المستشفي كلها زاحمة إزاي !


إرتعشت شفتيه المزمومتين من الغضب ، ليستدير في اللحظة التالية نحو "سمر" قائلا بإقتضاب آمر :


-إتفضلي معايا يا أنسة سمر ، هنروح مستشفي تانية .. ثم عاد ينظر إلي الموظفة ثانيةً ، و قال بحدة شديدة :


-إحنا ماشيين يا أنسة ، بس أوعدك الموقف ده مش هيعدي علي خير أبدا ، و بالذات عليكي إنتي.


و غادر "عثمان" المشفي كلها بخطواته المتغطرسة مصطحبا في إثره "سمر" و أختها الصغيرة ..


بينما أتت موظفة الإستقبال الثانية ، و سألت زميلتها :


-في إيه يا بنتي ؟ كنتي بتتخانقي مع مين ؟؟


الموظفة الأولي بعدم إهتمام :


-ماكنتش بتخانق و لا حاجة .. أهو ناس زي إللي بنشوفهم كل يوم سايبين العيادات و مستخسرين ڤزيتة  الدكتور و جايينلنا إحنا هنا يقرفونا عشان مستشفي زفت حكومية.


الموظقة الثانية و هي تشهق بصدمة :


-ناس زي إللي بنشوفهم كل يوم إيه يا مجنونة ؟ إللي إنتي وقفتي تقاوحي فيه ده عثمان البحيري إبن يحيى بيه البحيري الشاب إللي عمل الحادثة و جالنا إمبارح يبقي واحد من عيلتهم.


الموظفة الأولي بإستخفاف :


-مين الناس دول يعني ؟ صحاب المستشفي مثلا ؟!


الموظفة الثانية بإستنكار :


-ماتعرفيش عيلة البحيري ؟ و بتتريقي كمان ؟ دول يشتروكي و يشتروا المستشفي باللي فيها ، محدش في إسكندرية مايعرفهمش و إللي برا إسكندرية كمان ، ناس كبار و إيديهم طايلة و أقدم عيلة هنا.


هزت الأخيرة كتفاها بلا إكتراث قائلة :


-كبار و إيديهم طايلة علي نفسهم .. و علي كل حال الدنيا مش سايبة.


-إدعي ربنا بس مايحطكيش في دماغه و ينسي إللي حصل ، عثمان البحيري ده مش سهل أبدا ، أكتر واحد شراني في عيلته و محدش بيهمه لسا مطلق مراته بنت رشاد الحداد نايب الأنفوشي يوم فرحهم و ماهمتوش الفضايح.


-شراني علي نفسه بردو ، و يلا بقي علي شغلك و سيبيني أشوف شغلي أنا كمان .. قالت الفتاة في لامبالاة ، إلا أنها لم تنكر القلق الذي أخذ يتسرب بأعماقها ..


-ربنا يستر .. تمتمت لنفسها ، ثم عادت إلي العمل مجددا ..


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في مطار القاهرة ... تصل الرحلة القادمة من مطار "باريس" و تهبط الطائرة تدريجيا علي الأراضي المصرية الموّقرة ..


تنفتح البوابة ، لينزل منها "رفعت البحيري" و معه إبنته "هالة" التي لم تكف عن البكاء منذ علمت بخبر الحادث الذي وقع لأخيها


يقطعا تذكرتان إلي الأسكندرية ، و فورا يكونا علي متن رحلة أخري ، ليصلا في زمن قياسي جدا ..


بعد نصف ساعة فقط ، كانا خارج ساحة مطار الأسكندرية ، ركبا سيارة فخمة شيعت مخصوصا بسائقها لأجل إستقبالهما بأمر من "يحيى البحيري"


وصل بهما السائق أمام بوابة المشفي في غضون خمسة عشر دقيقة ، صعدا إلي الطابق الثالث حيث "صالح" هناك بغرفة العمليات ..


كان "يحيى" واقفا بمنتصف الردهة جامد الوجه ، متوتر الجسد عندما هرول نحوه "رفعت" هاتفا بلهجة مختلجة :


-إبني ماله يا يحيى ؟ صالح جراله إيه ؟؟؟


إعتدل "يحيى" في وقفته و إستعد لمواجهة شقيقه ..


-إبني فين يا يحيى .. تساءل "رفعت" بحدة ، ليرد الأخير بهدوء حذر :


-إهدا يا رفعت .. ماتقلقش صالح بخير.


رفعت بإنفعال :


-بخير ! بخير إزاي و هو بقاله 12 ساعة في العمليات ؟ إنت شايفني عبيط قدامك ؟!!


يحيى و هو يجيبه بسرعة :


- لأ لأ خلاص هيخرج دلوقتي الدكتور لسا مطمنـ آا ..


-إسمع يا يحيى .. صاح "رفعت" مقاطعا ، ثم تابع بعنف شديد :


-إبني لو حصله حاجة مش هسامحك ، إبني لو ماخرجش من هنا علي رجليه لا إنت أخويا و لا أعرفك.


عبس "يحيى" في حزن ، و قال :


-ماتخافش يا رفعت .. إبنك هيخرج من هنا بالسلامة إن شاء الله !


و هنا ، فـُتح باب غرفة العمليات ، ليخرج الطبيب أولا ، ثم "صالح" خلفه ملقي فوق التورللي ، ملفوفا بالشاش و الجبس في معظم أجزاء جسده ..


ركضت نساء العائلة صوبه في الحال ، بينما توجه كلا من "رفعت" و "يحيى" نحو الطبيب ..


-طمني يا دكتور أرجوك .. قالها "رفعت" برجاء ، و أردف :


-إبني عامل إيه ؟ بقي كويس صح ؟؟؟


الطبيب بأرق و هو يخلع الكمامة المعقمة عن وجهه :


-إطمن يافندم .. إبن حضرتك بخير ، أنا خرجت من شوية و طمنت يحيى بيه .. هو بلغ حضرتك باللي قولتهوله ؟!


نظر "رفعت" بريبة إلي شقيقه الذي تلعثم قليلا هو يقول بإرتباك :


-آا ي دكتور أنا بـ برجح إن حضرتك تشرحله بنفسك أحسن !


تنفس الطبيب بعمق ، ثم قال بلهجته العذبة المنمقة :


-طيب .. شوف يافندم ، هي معجزة إننا قدرنا ننقذه ، إبن حضرتك إنكتبله عمر جديد بفضل الله ، طبعا مافيش شك إن الحادثة كانت قاسية جدا .. عشان كده للأسف حصلتله شوية مضاعفات !


تجمدت ملامح "رفعت" و جف حلقه فجأة ، فإزدرد ريقه  بصعوبة ، ثم سأله بصعوبة بصوت مبحوح :


-مضاعفات ؟ .. مش فاهم يا دكتور !!


عض الطبيب علي شفته ، و إستغرق منه الأمر لحظات قبل أن يجد طريقة ملائمة ليخبره بما حل بإبنه ..


الطبيب بتمهل و لطف :


-شوف حضرتك .. بصراحة إبنك إتعرض لشرخ بسيط في عموده الفقري ، الشرخ ده هسيببله إعاقة لفترة معينة !


بـُهت "رفعت" و قد ألجمت الصدمة لسانه .. لكنه نطق بثقل :


-يعني إيه يا دكتور ؟ .. تقصد إنه .. إتشل ؟؟؟


-مش بالظبط كده .. قال الطبيب بحيرة ، ثم تنهد و أكمل :


-هو فعلا مش هيعرف يمشي في الأول بس في علاج طبيعي هنتابعه لما يقوم بالسلامة.


-و العلاج ده هيجيب نتيجة ؟؟


-أه طبعا هيجيب .. بس !


يحيى بوهن :


-بس إيه ؟


أجاب الطبيب و هو يتهرب من النظر في عينيه :

 

-جايز الفترة تطول .. كله بأمر ربنا ! .. ثم إستأذن بسرعة ليذهب :


-عن إذنكوا هروح أشوف المريض.


ظل "رفعت" واقفا بمكانه كما هو ، تماما كالصنم ، حتي توجه "يحيى" إليه بالقول :


-رفعت .. إطمن ، و الله هيبقي كويس.


أدار "رفعت" رأسه و أخذ يرمقه بنظرات حاقدة ، ليجفل "يحيى" بتوتر و يزم شفتيه في ضيق ، لكنه عاد يقول و هو يحتضنه بأخوّة :


-إن شاء الله هيبقي كويس.


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في إحدي العيادات الخاصة ، و المتخصصة لعلاج الأطفال ..


فرغ الطبيب المسن من الكشف علي "ملك" ثم نزع سماعته الطبية و هو يداعب ذقنها بلطف قائلا :


-سلامتك يا جميلة ، إنتي زي الفل ، إضحكي بقي و ماتكشريش تاني خالص.


إستجابت الصغيرة لمداعبته التحببية ، و راحت تكرر بصوتها الطفولي الرنان ، لتبتسم "سمر" و هي تعدل لها ملابسها ، بينما يقف "عثمان" وسطهم يراقب ما يحدث بإبتسامته الفاترة الدائمة ..


جلس الطبيب الوقور خلف مكتبه ، لتحمل"سمر" أختها ، و تعود ثانيةً لتجلس أمامه ، و تسمعه و هو يقول بجدية :


-شوفي حضرتك .. مبدئيا الأعراض إللي عند أختك عادية جدا بالنسبة للأطفال إللي في سنها ، التقلصات المعوية حاجة شائعة جدا في الفترة دي بالنسبة لها ، لكن السخونة و الكحة إللي بتشتكي منهم دول حاجات محتاجين نعمل عليهم تحاليل ، و علي حسب بقي لو قالت التحاليل هتخف بالعلاج يبقي خير و بركة ، إنما لو حاجة تانية لا قدر الله هنشوف ساعتها ممكن نعالجها إزاي !


سمر بصدمة :


-قصدك إيه يا دكتور ؟ هي ممكن يكون عندها إيه ؟!


-أنا مش عايزك تتخضي .. بصي هي بوادر إلتهاب رئوي بس هنحاول نعالجها قبل ما الموضوع يتطور أكتر .. ثم شرع في كتابة روشتة و هو يتابع :


-أنا هكتبلها علي أدوية مهمة و هكتبلك إنتي مواعيد كل دوا ، و هاخد منها عينة دم دلوقتي و إن شاء الله أشوفها الأسبوع الجاي زي إنهاردة.


إنتهت جلسة الكشف بعد أن أخذ الطبيب عينة من دم "ملك" لتخرج "سمر" من البناية الراقية برفقة "عثمان" و هي تحمل شقيقتها غير قادرة علي محو علامات الوجوم المرتسمة علي وجهها ..


أعادها صوت "عثمان" إلي أرض الواقع حين سألها بلطف :


-أنسة سمر ! .. إنتي كويسة ؟!


إنتبهت إليه قائلة :


-هه ! أه .. شـ شكرا أوي يا عثمان بيه ، بجد أنا مش عارفة أشكرك إزاي علي كل إللي عملته معايا أنا بقيت مديونالك بكتير أوي.


عثمان بعتاب مصطنع :


-عيب كده يا أنسة سمر ، أنا ماعملتش أي حاجة ، و بعدين دي حاجات بسيطة جدا.


سمر بإبتسامة رقيقة :


-حاجات بسيطة إيه بس ؟ دي الڤزيتا لوحدها بتاعة الدكتور ده أكتر من المبلغ إللي أخدته من حضرتك قبل كده ، أنا بإذن الله هردلك كل ده قريب بس عمري ما هقدر أردلك لطفك و كرمك معايا.


عثمان و هو يعبس بضيق :


-بجد هزعل منك يا أنسة سمر ، أختك زي أختي بالظبط أنا قمت بواجب طبيعي .. ثم قال بخبث :


-و لو إن الدكتور فوق إفتكرها بنتي .. أنا ماحبتش أصلحله الغلط لإني بجد حبيت ملوكة أوووي و من هنا و رايح خلاص هعتبرها فعلا زي بنتي.


و مد يده و ربت علي خد الصغيرة بلطف ، لتحمـّر "سمر" خجلا و هي تقول :


-حضرتك كل شوية بتكسفني بكرم أخلاقك أكتر .. مش عارفة أقولك إيه !!


عثمان بإبتسامته الجذابة :


-ماتقوليش حاجة .. أنا إتبسطت لما شوفت ملك إنهاردة ، و إن شاء الله في معاد الإستشارة الجاية هاجي معاكوا تاني.


سمر ضاحكة بخفة :


-لأ إستشارة جاية إيه ! مافيش الكلام ده ، كفاية أوي كده علي حضرتك ، أنا هبقي أخدها أوديها لدكتور تاني تكون الفزيتا بتاعته أقل شوية.


-كلام إيه ده يا أنسة سمر ! ماينفعش تسيبي دكتور خلاص شخـَّص حالة أختك و تروحي لواحد غيره لسا هيشخص من أول و جديد ، ماينفعش.


-بس آا ..


-مافيش بس .. قاطعها بصرامة ، و أكمل :


-الأسبوع الجاي زي إنهاردة هجيبكوا بنفسي لحد هنا و هحضر الإستشارة كمان.


إبتسمت "سمر" و قالت بإستسلام :


-خلاص .. إللي تشوفه حضرتك !


رد لها الإبتسامة و هو يقول :


-أيوه كده .. و يا ريت ماتنسيش معاد شغلك من بكره ، و بعتذرلك تاني بالنيابة عن شيري ، إحنا كنا ملخومين في إبن عمي زي ماقلتلك و كل حاجة عندنا واقفة من إمبارح.


-لا أبدا مافيش حاجة ربنا يقومه بالسلامة.


-أمين .. طيب ، يلا بقي عشان أوصلكوا.


سمر بحرج :


-يا خبر .. كمان !


عثمان بإصرار :


-أيوه .. إنتي ساكنة فين ؟؟؟


-عند محطة الرمل كده !


أومأ مرارا و هو يقول مبتسما :


-تمام ، إتفضلي بقي .. و أشار لها لتتقدمه نحو سيارته المصفوفة أمامهم


ففعلت ذلك علي إستحياء ...


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


-ما أنا مشغل معايا شوية أغبية ! .. قالها "رشاد الحداد" بصياح غاضب دوي عاليا بأرجاء حجرة مكتبه ، ليرد عليه أحد رجاله بحذر شديد :


-طب و إحنا ذنبنا إيه بس يا رشاد باشا ؟ مافيش حاجة بتخفي عن الصحافة ، و بعدين كل المعلومات إللي إتنشرت دي خدوها من المستشفي.


رشاد بإنفعال :


-ما إنتوا لو رجالة عدلين ماكنتوش سمحتوا لشوية كلاب تعلي صوتها علينا .. ثم إلتفت إلي المدعو "عباس" الذي كلفه بمهمة إغتيال "عثمان" بدلا من "صالح" :


-و إنت يا عباس بيه .. فين نتايج خطتك إللي ماتخرش المايه ؟ بجد خيبت أملي فيك !


عباس عاقدا حاجبيه في إنزعاج :


-أنا ماليش ذنب يا باشا ، أنا عملت المطلوب و لو ماكتش إبن عمه هو إللي طلع بالعربية كنت هتسمع خبره زي أمرت.


رشاد بتهكم :


-طيب و ليه ماسمعتش خبر إبن عمه لحد دلوقتي يا مستر عباس ؟ ده كمان في ناس كلموني و قالوا إنه خرج من العمليات و بقي زي الفل.


بـُهت "عباس" و ما عاد للكلام جدوي أمام تصريحات "رشاد" الأكيدة ..


-إخفوا من قدامي .. هتف "رشاد" بحدة ، و تابع :


-مش عايز أشوف واحد فيكوا لحد ما الموضوع ده ينتهي ، أنا أسف إني إعتمدت عليكوا.


أطرقوا رؤوسهم جميعا و هم ينسحبون الواحد تلو الأخر من مكتبه ، بينما إستدار هو بعنف ، و ضرب الطاولة بقبضته المضمومة و هو يتمتم من بين أسنانه :


-فلت من إيدي المرة دي يابن يحيى .. بس و الله ما هسيبك !


يتبـــع ...


تكملة الرواية من هناااااااا


تعليقات

التنقل السريع