رواية عزلاء أمام سطوة ماله الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم مريم غريب
رواية عزلاء أمام سطوة ماله الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم مريم غريب
( 6 )
_ تهديد ! _
وصلت "سمر" إلي بيتها أخيرا بعد أن أطمئنت علي "ملك" و تعرفت علي أسباب علتها ..
أمسكت "ملك" بيد ، و باليد الأخري أدارت المفتاح في القفل ، ثم دفعت الباب و دخلت و هي تتنفس بصورة غير منتظمة بسبب درجات السلم الكثيرة التي صعدتها ..
أغلقت الباب بروية ، و أستدارت لتنظر في عمق الصالة
بالطبع .. كان "فادي" هناك ، واقفا في محاذاة الحائط قبالتها ، في الظل وراء باب النافذة المفتوحة ..
كان ينظر إليها صامتا ، وجهه جامد قاسٍ و جسده متوتر
لم يصعب عليها كثيرا فهم أنه شاهدها من خلال النافذة و هي تترجل من سيارة "عثمان" هذا بدا واضحا جدا من نظرات العنف و الإتهام المنطلقة كالأسهم من عينيه ..
إنقبضت في إنتظار السيل الجارف من اللوم و الإهانات
لكنه لم يأت بحرف ، بقي متفرسا في وجهها ، توقعت أنه لا يقو علي الكلام من شدة الغضب ، فباشرت هي بتبرير ما قامت به ..
سمر و هي تقول بإبتسامة مرتبكة :
-فادي ! .. إنت رجعت يا حبيبي ؟ أنا إتصلت بيك كذا مرة قبل ما أنزل عشان أقولك إن ملك سخنت فجأة بس إنت ماكنتش بترد ، فإضطريت أخدها أنا علي المستشفي .. و ألقت نظرة نحو الطاولة في الوسط حيث نسيت هاتفهها ، و تابعت :
-بس نسيت الموبايل هنا .. أسفة ، أكيد إنت إتصلت بيا كتير !
سمعت صدي حشرجة في حنجرته ، لكن بقيت ملامحه علي حالها ، إلي أن تحرك أخيرا و قال بهدوء شديد يختبئ ورائه غضب عظيم :
-سمر .. يا ريت من فضلك تشرحيلي دلوقتي حالا مين الشخص إللي جابك لحد البيت بعربيته ده ؟ و إيه هي علاقتك بيه بالظبط ؟؟؟
أخذت تتنفس بسرعة ، بينما إتسعت عيناه و كانتا باردتان و قاسيتان جدا ..
-علاقة إيه و زفت أيه ؟ .. صاحت بصوت عالٍ ، و أردفت بغضب :
-هو أنا لاقية آكل و لا آكلوكوا لما هروح أعمل علاقات ؟ إنت إتجننت ؟؟!
فادي بعصبية و هو يقترب منها :
-أومال تفسري إللي لسا شايفه بعنيا ده بإيه ؟ تفسري بإيه ركوبك عربية زي دي مع واحد زي ده ؟ و بعدين مين ده أصلا ؟ عرفتيه منين ؟؟؟
-ده يبقي صاحب الشغل يا مجنون .. أجابت بصراخ ثائر :
-ده يبقي عثمان بيه إللي حكيت لسيادتك عنه ، ده يبقي الإنسان الوحيد إللي وقف جمبنا و ساعدنا بعد ما كل الناس جم علينا و ظلمونا ، و شوف كمان .. و رفعت كيس الآدوية التي أوصي بها الطبيب لشقيقتها ، و أكملت :
-أصر إنه يشتري الدوا لملك رغم إنه دفع حق الكشف عند أكبر دكتور أطفال هنا في إسكندرية !
فادي متسائلا بحدة :
-و هو إيه إللي يخليه يعمل معانا كل كده أساسا ؟ عاشقنا في الضلمة !! .. نطق جملته الأخيرة بتهكم لاذع ، ثم قطب بإستغراب مكملا :
-و بعدين تعالي هنا ؟ إنتوا إتقابلتوا إزاي ؟ لما هو ماكلمكيش عشان تروحي تستلمي الوظيفة إللي قالك عليها ! شوفتيه إزاي ؟؟!!
تنهدت "سمر" بضيق ، لكنها حكت له كل ما حدث ، بدءاً من عراكه مع موظفة الإستقبال بالمشفي ، و حتي عودتها إلي هنا بعد أن قام بتوصيلها ..
-أنا بردو مش مقتنع ! .. قالها "فادي" بعدم إقتناع ، و أردف بشك :
-بيعمل معاكي إنتي بالذات كده ليه ؟ .. إشمعنا إنتي يعني ما المحتاجين كتير !!
سمر بسخرية :
-و إنت إيش عرفك إنه مش بيعمل كده مع ناس كتير ؟ عمرك ما شفت حد بيعمل خير مع ناس كتير ؟!!
لم يرد و ظل ينظر إليها في عدم إقتناع ..
فأدارت عيناها بضيق و هي تطلق زفرة حانقة ، ثم إختفت من أمامه بسرعة متجهة إلي غرفتها ، و أخذت "ملك" معها ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في مستشفي الأسكندرية العام ..
يعود "عثمان" إلي هناك و يصعد للطابق الثالث ، ليخبره المسؤول عن الدور بأنه تم نقل "صالح" إلي غرفة عادية لإستكمال العناية به ..
ذهب "عثمان" إلي غرفة رقم (407) حيث أرشده المسؤول ، ليجد أنها ليست غرفة بالمعني الحرفي ، و إنما هي مجرد عنبر كبير إكتظ بالمرضي بمختلف أنواعهم
رجال ، نساء ، و أطفال ..
وقف مشدوها للحظات يحدق في كمية الإهمال و المناظر المريعة الممتدة أمام ناظريه ، لكنه ما لبث أن راح يبحث بعيناه عن أفراد عائلته وسط هذا الكم الهائل من الناس
وجدهم بصعوبة .. هناك ، جمعيهم يقفون بركن قاصي من العنبر ملتفين حول سرير معين .. لابد أنه السرير الذي يرقد عليه "صالح" ..
-مساء الخير يا جماعة ! .. قالها "عثمان" و هو يقترب بخطوات واسعة ثم يقف بجوار والده الذي ما أن رآه حتي صاح به :
-إنت كنت فين يا بني آدم من الصبح ؟ و بكلمك قافل تليفونك ليه ؟ إزاي تسيبنا في موقف زي ده ؟؟؟
عثمان بفتوره المعتاد :
-كان ورايا مشوار مهم خلصته و رجعت علطول أهو .. ثم توجه بالنظر نحو عمه و "هالة" و قال :
-حمدلله علي السلامة يا عمي ، حمدلله علي السلامة يا هالة.
تجاهله "رفعت" متعمدا و أدار وجهه للجهة الأخري ، لكن "هالة" لم تفعل ..
هالة بصوتها الرقيق و المغلف بالحزن :
-الله يسلمك يا عثمان .. إزيك ؟
-تمام الحمدلله .. قالها بإبتسامة قصيرة ، ثم عاد إلي والده و قال و هو يصوب نظره نحو "صالح" الموارى تحت طبقات من الجبس و الشاش :
-إنتوا إزاي لسا مستنين هنا ؟ إزاي ما طلبتوش نقله لمستشفي خاصة ؟؟!
"يحيى" بنظرة عابثة :
-و إحنا كنا مستنين رأيك مثلا ؟ عملنا كده يا حبيبي ، حجزناله أوضة في أحسن مستشفي و خلاص عربية الإسعاف علي وصول.
أومأ "عثمان" متجاوزا رنة الإستهزاء في نبرة والده ، ثم إستأذن منهم لدقيقة و خرج أمام العنبر ليجري مكالمة خاصة ..
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في منزل "رشاد الحداد" .. داخل حجرة الطعام
يترأس المائدة كعادته بوقاره و هيبته الطاغية ، إبنتيه تجلسان معه ، الكبيرة علي يمينه ، و الصغيرة علي شماله ..
يتم الغداء في جو صامت متوتر ، لا يُسمع خلاله سوي أصوات الملعاق و بقية آدوات الطعام و هي تحتك بالصحون و الأطباق ..
يرن هاتفهه فجأة ، فيخرجه من جيب سترته و ينظر إلي إسم المتصل ... "عثمان البحيري" !!!
تصلبت عيناه عند رؤيته للإسم ، و لاحظت إبنتيه جمود تعابير وجهه
لكنه أعطي أمر بالتحفز لجميع حواسه ، و أجاب بنبرة تحدٍ :
-أهلا بالغالي !
صمت قصير علي الطرف الأخر ، ثم جاء صوت "عثمان" الناعم كجلد الأفعي :
-إزيك يا رشاد بيه .. إنشالله تكون كويس !
-كويس جدااا يا عثمان.
إنتفضت "چيچي" إثر سماع إسمه ، و مضغت الطعام بصورة خاطئة مما تسبب لها في نوبة سعال حادة ..
جاءتها أختها بكأس من الماء ، بينما تابع "رشاد" مكالمته :
-فيك الخير و الله يا عثمان .. بتتصل عشان تسأل ؟ بجد العيش و الملح مابيهونوش.
عثمان بضحكة مجلجلة سمعتها "چيچي" جيدا منبعثة من سماعة الهاتف :
-هو أنا أه ممكن أتصل أسأل عليك بس المرة دي أنا إتصلت عشان حاجة تانية.
-خير يا عثمان ؟؟ .. تساءل "رشاد" ببرود ، ليرد "عثمان" و قد تحولت نبرته تماما من اللين إلي الغضب الشديد :
-إسمعني كويس يا رشاد يا حداد .. إبن عمي في المستشفي دلوقتي بسببك ، أنا عارف إنك كنت قاصدني أنا ، بس خليني أقولك لو صالح ماقمش بالسلامة زي ما كان ، أنا همحيك إنت و بناتك من علي وش الأرض ده طبعا بعد ما أنشر الفضيحة التانية إللي لسا شايلهالك عندي.
رشاد بخشونة :
-فضيحة إيه ؟؟؟
-الفيلم الساخن بتاع بنتك المصونة .. قالها "عثمان" بصوته الخبيث ، و إستطاع "رشاد" أن يري الإبتسامة الشيطانية التي إرتسمت علي شفتيه الآن دون أن يراه ..
تابع "عثمان" بإسلوبه المنحرف الماكر :
-أنا لسا محتفظ بيه .. بصراحة لو تشوفوا هتفتخر ببنتك أوي ، ما شاء الله يعني مخلف ------- محترفة ، عارف لو كنت إتجوزتها أكيد كنت هتبسط معاها أوووي ، چيچي في نظري كانت أنسب بنت ، جميلة و بنت .. بنت عيلة ، بس نقول إيه بقي هي إللي إستعجلت و مشيت شمال ، و علي رأي المثل .. يا خسارة الجمال لما يمشي شمال .. ثم تنهد بخفة و قال :
-يلا بقي أنا مضطر أقفل دلوقتي ، بس يا ريت متنساش كلامي هه ! إفتكر كويس إني حذرتك يا رشاد بيه ، قبل ما تفكر تعمل أي حاجة تمسني أو تمس حد يخصني إفتكر الفضيحة بتاعة المرة الجاية و قدر حجمها كده هيكون أد إيه ... سلام يا باشا ، و إبقي سلملي علي چيچي ، قولها عثمان باعتلك سلام خصوصي أووووي.
و أغلق "عثمان" الخط و هو يضحك بشدة ، بينما جرش "رشاد" بأسنانه و إزدادت حمرة وجهه الغليظ ..
دوي فجأة صوت إنفجار علبة الصودا المغلقة التي كانت بين أصابعه ، فإنتشر السائل في كل مكان و بلل كلا من "چيچي" و أختها ..
لم تجرؤ واحدة منهما علي سؤال "رشاد" ماذا قال له "عثمان" ؟!
فآثرتا الصمت ، بينما غمغم "رشاد" و هو يشتعل غضبا و غيظا :
-بتعجزني يابن الـ--- .. ماشي ، ماشي يا عثمان !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في منزل "سمر" ... كانت بغرفتها
تغير لـ"ملك" ملابسها ، عندما ولج "فادي" في هدوء ممسكا في كلتا يداه كوبان من الشاي الأحمر ..
إقترب ببطء من السرير ، ثم مد يده إلي "سمر" قائلا :
-إتفضلي يا ستي ، عملتلك معايا كوباية شاي إنما إيه هتروقك عالأخر.
تطلعت "سمر" إليه في شك ، و لكنه بدا طبيعيا للغاية ، و كأن لم يحدث شجارا بينهما اليوم ..
أخذت منه كوب الشاي و لم تستطع إخفاء تعجبها ، فضحك بخفة و هو يسألها :
-إيه يا بنتي مالك ؟ مذبهلة كده ليه ؟!
سمر و هي تضع "ملك" في حجرها :
-أصل إللي يشوفك دلوقتي مايشوفكش لما كنت بتزعق و عصبي من شوية !
فادي بإبتسامة :
-و أنا يعني إتعصبت و زعقت ليه ؟ أكيد إنتي عارفة إني خايف عليكي .. صح ؟
سمر و هي ترد له الإبتسامة :
-طبعا عارفة يا حبيبي .. بس لازم يكون عندك ثقة شوية في أختك الكبيرة ، أنا دلوقتي يا فادي بقيت مكان ماما و بابا بالظبط ، إنت و ملك مسؤولين مني و واخدين كل وقتي ، يعني إطمن .. مافيش حاجة ممكن تشغلني عنكوا لا راجل و لا غيره ، أنا ماعدتش بفكر في مواضيع الإرتباط دي أساسا.
-طب أولا إنتي غلطانة .. لأن إنتي و ملك إللي مسؤولين مني أنا ، أنا هنا راجل البيت .. قالها بإسلوب مسرحي أضحكه و أضحكها معه ، و أكمل :
-ثانيا أنا واثق فيكي جدا جدا كمان ، لكن مش واثق في إللي حواليكي يا سمر ، ثالثا بقي و ده الأهم ليه يا حبيبتي مش بتفكري في الإرتباط ؟ لا تكوني عايزة تقعدي في أرابيزي ! لأ يا ماما ده أنا هزقك بدري بدري عشان أفوق لملوكة عمري أنا دي.
و راح يداعب أخته الصغيرة و يدغدغها من بطنها و أسفل إبطها فيجعلها تضحك بهستريا محببة لديه ..
-يا سيدي قول يا باسط .. قالتها "سمر" بإبتسامة باهتة ، ليرد "فادي" بحسه الفكاهي :
-يا باسط ياستي ، عايزاني أقول حاجة تاني ؟ ده إنتي قمر يا بت و بكره العرسان هيبقوا طوابير مش هلاحق عليهم يروح واحد يجوا عشرة لحد ما ألاقيلك الزوج إللي هو ، إللي عليه العين و النية.
ضحكت "سمر" من قلبها ، و قالت :
-يخرب عقلك يا فادي .. ضحكتني ، عرسان إيه إللي هيبقوا بالطوابير دول ؟ هيجوا علي إيه يا حسرة !!
-شوفي يا سمر يا حبيبتي ، إحنا مش أه معانا فلوس ، بس الحمدلله ربنا معوضنا بحاجات تانية.
سمر و هي تسأله بدهشة :
-ربنا معوضنا بإيه يا فادي ؟؟
أجابها و هو يأخذ منها "ملك" و يجلسها علي حضنه :
-أقولك ياستي .. مثلا ملك ، معوضها بينا إحنا الإتنين لما بابا و ماما ماتوا أنا و إنتي بقينا مكانهم بالنسبة لها يعني مش هتحس باليتم ، و أنا .. أنا بدرس الحمدلله و باقيلي السنة دي و هتخرج و هبقي مهندس زي ما كنت طول عمري بحلم باللقب ده .. و إنتي يا سمر ، إنتي أغني مني أنا و ملك.
سمر بفم مفتوح :
-هه ! غنية ؟ .. إزاي ؟!!
-ربنا مديكي وش جميل ، إنتي جميلة يا سمر ، و رأس مالك في جمالك .. أي راجل غني و معاه فلوس يتمناكي .. و رفع إصبعه السبابة مكملا بشرط :
-بس تعززي نفسك .. إوعي تحسسي إللي قدامك بحاجتك للفلوس ، ماتخليش حد يعرف نقطة ضعفك ، ده إللي أنا طول الوقت بحاول أوصلهولك ، لازم تستقوي شوية و ماتبقيش سهلة أبدا ، الكل بيحوم حواليكي و أنا علي أد ما بقدر بوقفهم عند حدهم ، لكن خوفي بقي من الناس إللي بتتعاملي معاهم برا .. مش عارف هتتصرفي إزاي لوحدك !
سمر بعد صمت طويل حاولت خلاله إحتواء حديث "فادي" كله داخل عقلها :
-إنت خيالك واسع أوي يا فادي .. أنا مش جميلة الجميلات علي فكرة ، و بعدين أنا مابشوفش حد بيحوم حواليا !
فادي مشددا علي كلامه بصرامة :
-عشان أنا موقف الكل عند حده زي ما قلتلك .. محدش هنا يقدر يهوب ناحيتك و أنا موجود.
رمقته بنظرات ساهمة و قد حلت علي ذاكرتها جميع المواقف ذات الدلالة علي كلامه
مثلا تذكرت مجيئ عم "صابر" مالك الشقة إلي هنا منذ أيام ، تذكرت كيف إرتبك عندما وجد "فادي" بوجهه و كيف أنه حاول إخفاء إرتباكه بكلماته اللاذعة
و تذكرت أيضا "كرم" شقيق الجارة "عطيات" التي تسكن فوقها ، كثيرا ما يدق بابها أثناء غياب "فادي" بحجة أشياء قام بإسقاطها رغما عنه من الشرفة بالأعلي فتدخل هي بحسن نية و تجلب إليه أشياؤه بإبتسامة رقيقة
و "مصطفي" الشاب الذي يملك محل كوي الثياب الرجالي ، هو الأخر يأتي بطلب ملابس "فادي" و لكن في غيابه طبعا ، و غيره و غيره ..
فهمت "سمر" معني كلام أخيها الآن عندما تجلت أمامها الأمور ، أحست و كأنها أخذت صفعة علي وجهها ، و لكن الصفعة مفيدة و جاءت بوقتها ، فقد أفاقت و أزداد وعيها بما يدور من حولها ..
-إيييه ياينتي ! روحتي فين ؟ .. قال "فادي" بتساؤل عندما أطالت في شرودها
بينما إنتبهت إليه "سمر" و قالت :
-أنا معاك أهو !
تمطي "فادي" بكسل و هو يقول :
-لا معايا إيه ، أنا هستأذنك بقي و هروح أنام مش قادر .. خدي الأميرة الصغيرة دي و نايميها هي كمان شكلها نعسانة.
و ناولها "ملك" ثم قام و مشي في إتجاه الباب ..
و لكن صوتها إستوقفه قبل أن يخرج :
-فادي !
فادي و هو يلتفت ثانيةً :
-في حاجة يا سمر ؟!
-أه .. كنت عايزة أقولك إني هبدأ الشغل من بكره.
-من بكره ؟ .. قال بدهشة ، و أردف بضيق :
-و عثمان بيه هو إللي قالك كده ؟
-أيوه.
زم شفتيه في إستسلام ، ثم قال :
-طيب يا سمر .. بس ملك مين هياخد باله منها ؟؟!
سمر و هي تطمئنه بثقة :
-ماتقلقش أنا إتفقت مع الحاجة زينب مرات عم صابر هسيبهلها الكام ساعة بتوع الشغل و هي هتاخد بالها منها ، ماتخافش يا فادي .. الحاجة زينب بتحب ملك و بتحب الأطفال عموما عشان إتحرمت منهم.
أومأ "فادي" بتفهم و قال :
-ماشي .. بس أوعديني ، خلي بالك من نفسك.
سمر بإبتسامة :
-ماتقلقش يا حبيبي .. أنا هبقي كويسة إن شاء الله !
يتبـــع ...
( 7 )
_ أول يوم عمل ! _
صباح يوم جديد ... تستيقظ "سمر" كالعادة علي صوت زقزقة العصافير و أيضا علي صوت بكاء "ملك" الذي ينذر بإستيقاظها ..
تترك "سمر" فراشها بسرعة تسد أي ثغرة ينفذ منها شعور النعاس و العودة للنوم ، تذهب نحو سرير أختها ، تحملها و تؤرجحها بين ذراعيها قليلا ثم تعد لها وجبة سريعة _ اللبن المجفف خاصتها _
يستيقظ "فادي" في هذه الأثناء ، لتسلمه "سمر" الطفلة ، ثم تتجه هي نحو الحمام
أدت روتينها اليومي و أغتسلت ، ثم عادت إلي غرفتها
فتحت خزانتها تستعرض الثياب المعلقة بها ، كلها قديمة و رثة ، لكن لا يهم ، هي لم تهتم يوما بالمظاهر ، و بما أنها ذاهبة للعمل فهذا الهدف سيكون أهم من أي شيء تتطلع إليه
يجب أن تكد و تعمل بجهد حتي تثبت لـ"عثمان" أنه لم يخطئ حين أختارها لهذه الوظيفة ، يجب أن تثبت إليه أنها تستطيع القيام بهذا العمل الذي ستمارسه لأول مرة
و ليس هكذا فقط ، ينبغي أن تجعله ينبهر بقدراتها أيضا و بالنتائج التي ستحصدها ، لما لا ؟ .. فهي ذكية و تملك عقل نبيه و ستتعلم بسرعة ..
إختارت "سمر" ثوب طويل باللون الأزرق إرتدت عليه حجاب أبيض اللون أبرز سمرة وجهها الناعمة الجذابة و عزز لون عيناها الممزوجتان بالأخضر و العسلي
إنتعلت حذائها البالي في الأخير ، ثم أخذت حقيبتها الصغيرة و خرجت إلي الصالة ، حيث "فادي" هناك يمشي طولا و عرضا بـ"ملك" التي لا تكف عن الصراخ كعادتها ..
توقف "فادي" عن الحركة لحظة ظهور "سمر" ثم قال و هو يشملها من بعيد بنظرة فاحصة :
-إيه ! خلاص ماشية يا سمر ؟
سمر بإبتسامة هادئة :
-أيوه يا فادي .. قبل ماتروح إنت بقي علي كليتك ماتنساش تلم حاجات ملك و تديهم كلهم للحاجة زينب و إن شاء الله مش هتأخر.
-هتروحي نفس الشركة ؟!
-لأ .. ما أنا قلتلك ، هو أسس شركة جديدة لنفسه قرر يشتغل لوحده يعني و لغي حفلة الإفتتاح عشان إللي حصل لإبن عمه ، فالشغل هيبدأ عادي من إنهاردة منغير أي حاجة.
فادي و هو يهز رأسه بتفهم :
-ماشي يا سمر .. ثم أوصاها مؤكدا :
-سمر .. خلي بالك من نفسك !
تنهدت بشئ من الضيق و قالت :
-حاضر .. حاضر يا فادي دي المرة المليون تقولي نفس الكلمة من إمبارح ، و الله هاخد باللي من نفسي ماتقلقش.
حدجها بنظرات مترددة ، لكنها إستأذنته بسرعة قبل أن يفه بكلمة أخري :
-يلا بقي أنا لازم أمشي دلوقتي عشان ماتأخرش مش معقول أتأخر من أول يوم كده .. يلا باي !
و هرولت إلي خارج المنزل تاركة إياه في حالة عدم رضا و عجز عن الرفض في آن ، فهم بحاجة إلي المال قبل كل شيء ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر آل "بحيري" ... يصحو "عثمان" من نومه إثر رنين جرس التنبيه المنبعث من هاتفهه
مد يده و أخذ الهاتف و أسكت ذلك الدوي المزعج ، ثم فرك عينه و هو يزفر بكسل ..
قام من سريره الوثير علي مضض ، ثم دلف إلي حمامه الفخم
أخذ دوشا ساخنا ليرخي عضلات جسده و يتخلص من رواسب اليوم الفائت ..
فرغ من إستحمامه بعد ثلث ساعة تقريبا ، ثم خرج و هو يلف المنشفة حول وسطه
توجه مبتل الخطي نحو غرفة الثياب الفاخرة الملحقة بغرفته
إنتقي بذلة سوداء اللون عصرية و بدون ربطة عنق من العلامة التجارية (چي كرو ) و أرفق معها ساعة يد مصنوعة من البلاتين الخالص ، ثم إختار حذاء أسود لامع علي جوارب بنفس اللون
إرتدي ملابسه كلها، ثم وقف أمام المرآة الضخمة ، قام بتمشيط خصيلات شعره الكستنائية الطويلة ، و مشط لحيته الكثيفة بعناية أيضا ..
نثر عطره الثقيل الجذاب علي وجهه و حول عنقه ، و أخيرا إنتهي ..
ألقي علي نفسه نظرة مغترة واثقة ، و عدل من هندامه للمرة الأخيرة ، ثم أخذ مفاتيحه و هاتفهه و غادر غرفته ..
إصطدم بـ"هالة" أثناء هبوطه الدرج ، فوقف و قال بإبتسامة إعتذار :
-هالة ! معلش خبطك ، ماخدتش بالي.
هالة بإبتسامة متيمة :
-و لا يهمك يا عثمان .. محصلش حاجة.
عثمان و قد لاحظ طريقتها الناعمة التي يعرفها جيدا :
-هو مافيش حد في البيت و لا إيه ؟؟
-لأ كلهم راحوا من شوية لصالح ، أصل إمبارح صافي أصرت تبات معاه في المستشفي و قالت مش هتروح إلا أما يجي حد يقعد معاه بدالها.
-أه .. طب و إنتي ماروحتيش معاهم ليه ؟
-بابي قالي خليكي دلوقتي عشان أستريح من السفر يعني ، و بعدين هيبقي يبعتلي السواق يوديني علي بليل كده .. ثم قالت بإبتسامة خجل :
-إنت رايح الشغل صح ؟ تحب أحضرلك الفطار طيب ؟؟
عثمان بعذوبة :
-شكرا يا هالة ، إنتي عارفة أنا فطاري فنجان قهوة مافيش غيره و ده هاخده في الشركة.
عبست بضيق قائلة :
-فنجان قهوة بس ؟ إنت لسا بردو متمسك بالعادة دي ؟ و الله هتقع من طولك يا عثمان و أبقي قول هالة قالت.
عثمان ضاحكا بخفة :
-ماتقلقيش يا لولا يا حبيبتي ، إبن عمك جاامد أوي .. و غمز لها بعينه ، فأغرمت أكثر بتفاصيله الساحرة ..
بينما إنحني "عثمان" قليلا و طبع قبلة سطحية بريئة علي شعرها من جهة أذنها ، و قال :
-يلا بقي أنا ماشي ، عايزة حاجة ؟
هالة بأنفاس متلاحقة :
-لا شكرا !
تجاوزها و يلوي ثغره بإبتسامة جانبية ، فيما هي لا زالت علي حالها ، ساكنة بمكانها ، مأخوذة ، مسرورة ، تتنفس بقية ذرات الهواء المعبقة بعطره ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في المستشفي الخصوصي التي نقل إليها "صالح" مساء أمس ..
داخل هذا الجناح الواسع النظيف و المزود بأحدث الأجهزة الطبية ، يرقد "صالح" فوق ذلك السرير الأبيض
بينما "صفية" غافية علي كرسي بجواره ، ملقية برأسها علي كتفه السليمة ..
فتح "صالح" عيناه بتثاقل ، و أطلق تآوها متألما إنتفضت "صفية" علي إثره مستيقظة ..
-صالح ! .. قالتها "صفية" بتلهف و هي تعتدل في جلستها بسرعة ، و تابعت :
-إنت كويس يا حبيبي ؟ حاسس بإيه ؟ أندهلك الدكتور ؟؟؟
حرك "صالح" رأسه للجهتين و هو يعصر جفناه من الألم ، ثم قال بصعوبة :
-تعبآاان .. مش قآاادر .. جسمي كله قايد نار .. آاااه.
صفية بعينان دامعتان :
-معلش يا صالح .. هتبقي كويس إن شاء الله ، هتقوم بالسلامة يا حبيبي .. ثم أرتمت علي صدره المضمد و هي تجهش بالبكاء و تقول من بين دموعها :
-أنا أسفة .. سامحني أنا السبب ، أنا إللي طلبت منك تنزل يومها ، لو ماكنتش نزلت ماكنش كل ده حصل .. سامحني يا صالح .. سامحني !
-صآا في ! .. قالها بخفوت شديد لعدم مقدرته علي الكلام ، و أكمل بوهن :
-صفـ ية . من فضلك .. خلاص . كفاية . إنتي كده بتتعبيني زيادة.
إبتعدت عنه و هي تمسح دموعها بسرعة ، ثم قالت :
-خلاص .. مش هتعبك ، أنا سكت أهو.
إبتسم بجهد ، و كم أراد أن يرفع يده ليربت علي شعرها ، لكن جسده خانه ، رافض كل أمر منه بالحركة ، فقط الآلم هو المسيطر الآن
حريق مستعر لا نهائي ، يمضي زاحفا بأصابع من لهب علي كافة أنحاء جسده و خاصة عظامه ..
-هو إيه إللي حصل بالظبط ؟ .. سألها بصوت متحشرج
-إنت مش فاكر أي حاجة ؟!
صالح بإستذكار :
-أنا كل إللي فاكره . إني كنت سايق بسرعة .. و فجأة نسيت عنوان المستشفي إللي خدته منك . قلت أتصل بيكي أخده منك تاني و قللت السرعة .. بس .. بس السرعة ماقلتش . زادت .. زادت أوي ، و كنت هخبط في عربية ، فدخلت في الطريق المعاكس .. و فجأة طلعت عربية تانية في وشي .. و مش فاكر أيه إللي حصل بعد كده !
أمسكت بيده و ضغطت برفق و هي تقول :
-حبيبي إنت كويس إطمن .. إن شاء الله مش هطول هنا.
-الدكتور قال إيه ؟
صفية و قد إنتابها التوتر :
-الدكتور ! .. الدكتور قال إنك كويس ، بس لازم تتعالج هنا فترة الأول.
عبس بغرابة ، بينما خشت أن يستفسر أكثر ، فقالت بشئ من الإرتباك :
-بقولك إيه إنت مش جعان ؟ أخليهم يجبولك إيه ؟؟!
صالح برفض :
-لأ مش عايز.
صفية بحزن :
-ليه بس يا صالح ؟ إنت بقالك يومين فاقد الوعي و عايش علي المحاليل .. إيه ماجعتش ؟!!
-لأ .. قالها بكدر و هو يشيح بوجهه عنها ، فعضت علي شفتها بإستياء
لكنها عادت تقول بدلال و هي تمد يدها و تدير وجهه إليها ثانيةً :
-عشان خاطري يا صلَّوحي .. Please .. وحياتي !
صالح و هو يبتسم رغما عنه :
-إنتي عارفة إني بضعف قدام السهوكة بتاعتك دي .. ماهي مش بالساهل ، طول عمرك مطلعة عيني و منشفة ريقي.
ضحكت بغنج ، ثم قالت بمزاح :
-و إنت طول عمرك بارد و رخم و مابتنزليش من زور .. مش عارفة هتجوزك إزاي !!!
-بقي كده ؟ مااشي ، خليكي بقي فاكرة كلامك ده و لما أخرجلك من هنا.
-هتعملي إيه يعني ؟ .. إستوضحت بحدة مصطنعة ، ليرد متقهقرا :
-مش هعمل حاجة يا حبيبتي .. هو أنا مجنون ، ده إنتي تسيبي عليا عنتر فيها.
-أيوه كده إتعدل.
في هذه اللحظة فـُتح باب الغرفة ، ليدخل "رفعت البحيري" و معه كلا من "يحيى" و "فريال" ..
وجدوا أن "صالح" قد أفاق من غيبويته ، فهرع إليه والده و جثي علي ركبتيه بجوار سريره و أخذ يبكي و يعانقه و يقول :
-يا حبيبي .. حمدلله علي سلامتك يا حبيبي ، الحمدلله .. إنت كويس يابني ؟؟؟
أجابه "صالح" بإبتسامة بسيطة تطمئنه :
-أنا كويس يا بابا الحمدلله .. ماتقلقش.
جال "رفعت" بنظره علي إبنه يتأكد بنفسه ، ثم إقترب منه أكثر و راح يقبل كتفيه و يتشممه متمتما بعاطفة أبوية :
-ألف حمدلله علي سلامتك يا صالح .. ألف حمدلله علي سلامتك.
-حمدلله علي السلامة يا صالح .. قالها "يحيى" بإبتسامة ، ليرد "صالح" إبتسامته قائلا :
-الله يسلمك يا عمو.
فريال بإبتسامة رقيقة هي الأخري :
-حمدلله علي سلامتك يا صالح.
-الله يسلمك يا طنط فريال.
-شد حيلك بقي عشان تقوم بالسلامة و ترجع البيت معانا.
إبتسم "صالح" و هو يهز رأسه قائلا :
-إن شاء الله .. ثم تساءل بإهتمام :
-أومال فين عثمان صحيح ؟؟
أجاب يحيى :
-عثمان يا سيدي في شركته الجديدة .. راح يفتتحها ، بس قال إنه هيخلص و هيجي علي هنا علطول.
صالح بتفهم :
-ربنا يعينه !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
أمام مؤسسة ( البحيري للتسويق و التجارة ) .. تترجل "سمر" من سيارة الآجرة
و أخيرا وصلت بعد معاناة في الطريق ، حيث الإزدحام سائد و العثور علي أي وسيلة مواصلات صعب ..
توجهت إلي الداخل و هي تري المناظر البديعة ممتدة علي طول بصرها و تشم الروائح الطيبة منتشرة في كل المكان
تلك إمارات الثراء .. قالت في نفسها ، ثم إتجهت نحو الإستقبال ، حيث هناك تجمهر بسيط و فتاة في مقتبل العمر تقف و تتكلم عبر ( المايك)
المكبر للصوت :
-من فضلكوا يا أساتذة . الكل يلزم مكانه ، دقايق بالظبط و مستر عثمان البحيري هيكون معانا ، هيقول كلمته و يسمعكم تعليماته و بعدين الكل هايروح علي شغله .. من فضلكوا نلتزم الصمت و ناخد أماكنا بهدوء !
يتبــــع ...
( 8 )
_ مدير صارم ! _
طالت مدة الإنتظار ، و مضت عدة دقائق طويلة و "سمر" تقف ككل الموظفين ، في إنتظار طلة المدير البهية ..
و أخير آتي .. لمحته من علي بـُعد ، و هو يأخذ مكان موظفة الإستقبال و يتناول (المايك) ثم يضعه في مستوي فمه و يبدأ ..
عثمان بصوت أجش و هو يرسم علي وجهه ملامح الصرامة المطلقة :
-صباح الخير .. رد الجميع تحيته ، ليتابع بسرعة :
-أهلا بيكوا في مؤسسة البحيري للتسويق و التجارة ، طبعا كلكوا أكيد عارفين إن الشركة دي منفصلة عن بقية مجموعات عيلتي ، بمعني أدق يعني عارفين إنها تخصني أنا لوحدي .. مش هخوض في تفاصيل كتير عشان مانضيعش الوقت و إحنا لسا في أول يوم بس هقول كلمة ، كلمة واحدة و ملهاش تاني ..
أنا ماعنديش هزار في الشغل .. إللي هيشتغل بجد في الشركة دي أهلا و سهلا هيشوف كل خير . أما إللي مش عايز يشتغل مع السلامة و الباب يفوت جمل ، الشركات المنافسة كلها ماشية بنظام قديم . نظام تقليدي و عقيم . ماشية بالبركة يعني . لكن شركتي مستحيل تبقي في المستوي ده ، عشان كده كل موظف هنا مكانه مهدد بالسحب . يعني كل 3 شهور هنصفي موظفين . هنشوف مين إللي كفاءاته عالية هنخليه . أما إللي هنشوفه مش بيضيفلنا حاجة هنقوله مع السلامة ..
اليوم هنا 8 ساعات .. في إستراحة طبعا لكن باقي الوقت شغل يعني شغل ، مش عايز أسمع مشاكل ، مش عايز أشوف تدني في مستوي العمل ، مش عايز كسل في الشغل ، و الأهم من ده كله مش عايز نفر يتأخر عن معاد شغله ، كلكوا تبقوا هنا قبلي ، و طبعا في جزي للي ممكن يتأخر و ممكن توصل للرفد !
صمت "عثمان" قليلا ، يمرر نظره علي وجوه الموظفين التي شحبت تدريجيا إثر كلامه الشديد الحازم ، ثم أكمل بلهجة فاترة :
-زي ما في شدة و حزم في الشغل في كمان ترفيهات و حاجات كتير كويسة ، أنا عمري ما ببخل أبدا علي موظفيني . و أظن معظمكوا عارف كده .. أشوف بس التقدم بعيني ، ساعتها المرتبات هتزيد و العلاوات و الحوافز هتبقي الضِعف.
دوي التصفيق الحار فجأة بعد أن أنهي جملته ، ليهز رأسه بإبتسامة رزينة يشكرهم ، ثم عاد و قال :
-يلا بقي كل واحد علي شغله من فضلكوا !
تفرق الحشد من أمامه شيئا فشيء ، لتقع عيناه عليها و يلتقطها من بين الجميع ..
كانت مرتبكة ، متوترة .. واقفة لا تعرف ماذا تفعل أو أين تذهب ، فنادي هو عليها دون أن يستخدم (المايك) :
-أنسة سمر !
نظرت إليه فورا ، بينما أشار لها بيده لتأتي له
فعلت ذلك في الحال و مضت إليه مهرولة ..
-صباح الخير يا أنسة سمر .. قالها بإبتسامته الجذابة و قد تخلي عن جديته السابقة تماما ، لترد بصوت مبحوح :
-صباح النور يا عثمان بيه !
-جاهزة للشغل ؟
سمر و هي تهز رأسها بشيء من التوتر :
-جاهزة حضرتك.
-طيب إتفضلي .. قال و هو يمد لها يده بحقيبته الخاصة
أخذتها منه في إضطراب ، لكنها تساءلت :
-أعمل بيها حضرتك ؟
عثمان و قد عاد لجديته ثانيةً :
-إنتي مش بقيتي سكرتيرتي ؟
أومأت بالإيجاب ، ليرد :
-يبقي كل حاجة تخصني من إنهاردة تحت مسؤوليتك .. ثم قال بلهجة آمرة :
-إتفضلي هاتي الشنطة و تعالي ورايا.
تبعته "سمر" و هي تكاد تتعثر من وسع خطواته ، إلي أن إستقلا المصعد
أخيرا إلتقطت أنفاسها .. أُغلق الباب علي كليهما و ضغط "عثمان" زر الطابق الثالث
لم يحاول أن ينظر لها إطلاقا خلال تلك الثوان القصيرة ، بل أظهر برودا بالغا في تصرفاته و بقي متحفظا في شخصيته الواثقة و المغرورة في آن ..
وصل المصعد إلي الطابق المنشود ، ليخطي "عثمان" إلي الخارج أولا و يتجه إلي غرفة مكتبه مباشرةً دون أن يلتفت خلفه
لحقته "سمر" و هي تلهث قليلا ، بينما ينزع هو سترته و يستدير و يعطيها إليها قائلا :
-خدي الچاكيتة دي علقيها هناك .. و أشار إلي المشجب المستقيم علي بعد مترين من جهة يمين المكتب
أخذتها منه بإضطراب أشد و فعلت ما قاله ثم عادت إليه مرة أخري ..
كان قد جلس مسترخيا وراء مكتبه ، أخذ يحدق فيها لوقت من الزمن ، نظراته فارغة غير مقروؤة ، فعبست "سمر" متساءلة :
-في حاجة حضرتك ؟
لم يجيبها في الحال ، صمت لبرهة ، ثم قال :
-و لا حاجة يا سمر .. ببصلك بس ، تعرفي إن شكلك حلو أوي !
توردت خجلا إثر جملته الأخيرة ، و أطرقت رأسها بسرعة و هي تعض علي شفتها السفلي بقوة ..
-إنتي إتكسفتي مني و لا إيه ؟ .. قالها بتساؤل ، و أردف :
-الجمال مابيكسفش صاحبه بالعكس . لازم تتباهي بيه !
سمر بتلعثم و هي لا زالت مخفضة رأسها :
-حـ حضرتك .. أنا . مش متعودة حد . يقولي كده !
عثمان ببراءة متكلفة :
-إتضايقتي يعني ؟ .. عموما أنا ماقصدتش أضايقك ، كل الحكاية إن هي دي طريقتي في التعبير ، طول عمري متعود أقول رأيي بصراحة .. ثم أضاف بحزن مصطنع و هو يشيح بوجهه للجهة الأخري :
-أنا آسف لو ضايقتك.
سمر و هي ترفع رأسها بسرعة :
-لا أبدا .. أنا مش مضايقة ، بس . زي ما قلت لحضرتك .. مش متعودة حد يقولي كلام زي ده.
-مش متعودة حد يقولك إنك حلوة ؟
أومأت له ، فضحك بخفة و قال :
-إزاي إللي حواليكي مش مقدرين جمالك ؟ أكيد ناس عندهم مشاكل ! .. ثم أكمل و هو ينظر بفضول إلي ذلك الوشاح الذي يحجب عنه رؤية شعرها :
-بس هتبقي أحلي أكيد لو شيلتي الإشارب ده !
سمر بحدة و هي تضع يدها علي رأسها :
-إيه ؟ لأ طبعا . مستحيل في يوم أقلع الحجاب . مستحيل !
عثمان بإبتسامة مرتبكة :
-إيه إيه مالك بس ؟ إهدي أنا ماقولتلكيش إقلعيه . إنتي حرة طبعا . ده كان مجرد رأي مش أكتر.
عكفت حاجبيها بشيء من الضيق ، بينما قال "عثمان" بجدية و هو يهم بمباشرة أعماله :
-طيب .. إتفضلي إنتي علي مكتبك دلوقتي و يا ريت تبدأي شغلك فورا . إتأخرنا في الإفتتاح و بالتالي شغلنا إتأخر . شوفي شغلك بقي و أي رسايل مبعوتة من برا إطبعيلي منها نسخة و هاتيهالي علطول.
سمر بلهجة رسمية :
-حاضر يافندم.
و خرجت مسرعة ، لتتوقف حركة "عثمان" لحظة أغلاق الباب ، ثم يطلق زفرة حارة و هو يتمتم لنفسه :
-إنتي هتتعبيني و لا إيه ؟؟؟ و لو أنا حاطتك في دماغي خلاص !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في المستشفي .. أمام غرفة "صالح
وقف الطبيب المسؤول عن حالته ، يتحدث إلي أفراد العائلة و يناقشهم بخصوص خطة العلاج ..
الطبيب بنبرة هادئة :
-يا جماعة آجلا أم عاجلا لازم هيعرف . بس مش لازم نتأخر إحنا في العلاج بالذات العلاج الطبيعي . في أجزاء في جسمه لازم نتعامل معاها بسرعة . ماينفعش الكسور إللي ضهره تلحم علي بعضها كده خطر !
رفعت بصوت واهن :
-أنا أكيد مش معارض يا دكتور .. أنا بس خايف عليه من الصدمة.
الطبيب بإبتسامة :
-ماتخافش حضرتك أنا بنفسي هقعد معاه و هشرحله وضعه و كل حاجة بخصوص حالته و هو أكيد هيفهم و هيساعدني كمان.
و هنا تدخلت "صفية" :
-طيب يا دكتور بعد أذنك .. بلاش نكلمه في حاجة إنهاردة ، هو لسا فايق . بلاش عشان مايتصدمش زي ما قال عمي . ينفع بكره مثلا ؟!
زم الطبيب شفتيه بتفكير ، ثم قال :
-ماشي يا أنسة ، حل معقول بردو .. خلاص . يبقي بكره الصبح إن شاء الله هاجيله و أشرحله كل حاجة عشان نبدأ في العلاج بأسرع وقت.
و تركهم بعد أن إتفقوا علي هذا الحل ..
بينما مال "رفعت" علي الحائط و هو يردد محزونا :
-بدري عليك يا صالح .. و الله بدري عليك العجز يابني !
يحيى صائحا بإنزعاج :
-في إيه يا رفعت ؟ هتعدد زي الستات و لا إيه ؟!
رفعت و هو يحدجه بعدائية :
-إنت ماتتكلمش معايا خالص .. ليك عين تتكلم و إنت السبب في إللي حصل لأبني !
يحيى بحدة :
-إنت إتجننت صح ؟ أنا السبب أزاي يعني ؟ شكل زعلك علي إبنك لسا مأثر عليك.
-إنت السبب ! .. هتف "رفعت" بإنفعال ، و تابع :
-إنت و إبنك السبب في إللي حصل لأبني . إنتوا الإتنين السبب في رميته دي . بس و رحمة أبوك و أمك ياخويا ، لو إبني ماقمش و وقف علي رجليه من تاني هـ آا ..
-هتعمل إيه ؟ .. قاطعه "يحيى" بغضب و قد إتقدت عيناه بلهب مستعر :
-هتعمل إيه يا رفعت ؟ قول .. و شرع في الإقتراب منه ، لتقف "فريال" بوجهه و تقبض علي ذراعه قائلة :
-يحيى ! .. من فضلك خلاص .. ثم إلتفتت إلي "رفعت" و قالت :
-و إنت يا رفعت .. إهدا ، صالح هيبقي كويس ماتقلقش.
و أضافت "صفية" بسأم ممزوج بالدهشة :
-يعني بجد مش وقتكوا خالص .. صالح جوا تعبان و إنتوا واقفين هنا بتتخانقوا ؟ بجد مش مصدقاكوا !!
و تآففت بضيق و هي تتجه إلي غرفة "صالح"
بينما وقفا الأخوين يحدقان ببعضهما في غضبٍ و تحد ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في مكان أخر .. تحديدا في ( كاڤيتريا ) الجامعة
يجلس "فادي" مع رفاقه علي طاولة في الوسط ، كان شارد منذ جلوسه معهم ، إلي أن أنتشله صوت أحدهم :
-إييييه ياعم فاادي ؟ فينك من الصبح !!
إنتبه "فادي" لصديقه ، و أدار وجهه قائلا :
-إيه يا كيمو .. أنا معاكوا أهو يا معلم ، كنتوا بتقولوا إيه ؟؟؟
صديق ثانٍ :
-معانا إيه يابني ! إنت من ساعة ما جيت و إنت سرحان ، مالك يا فادي إنت كويس ؟
رد عليه الأول :
-ياعم ما هو قدامك زي الفل أهو .. تلاقي بس في حب جديد و لا حاجة !
فادي بضيق :
-حب إيه ياخويا إنت كمان . أنا فاضي أهرش في راسي ؟!
-أومال مالك طيب ؟؟!
فادي و هو يفرك عينه بأرق :
-مافيش بس حاسس إني مرهق شوية .. يمكن من السهر و المذاكرة .. ثم قام فجأة ، ليسألونه رفاقه :
-رايح فين ؟؟؟
فادي و هو يخرج هاتفهه من جيب بنطاله الخلفي :
-هعمل مكالمة بس.
صديقه المشاكس :
-أيوه ياعم . و عملنا فيها برئ.
فادي بتهكم :
-أنا هتصل أطمن علي أختي يا ذكي زمانك.
-أختك ؟ ماااشي .. إبقي سلملي عليها بقي.
فادي بحدة :
-إنت هتستعبط ياض ؟!
ضحك الأخير بإرتباك و قال :
-ياعم بهزر إيه !
رماه "فادي" بنظرة غاضبة ، ثم إستدار مبتعدا ليجري مكالمته ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
عند "صالح" و "صفية" ..
-بردو مش عايزة تقوليلي في إيه ؟ .. قالها بتساؤل و إلحاح ، لترد "صفية" بشيء من الضيق :
-قولتلك مافيش حاجة يا صالح . لو في حاجة أكيد هقولك هخبي عليك ليه يعني ؟!
صالح و هو يرمقها بشك :
-أنا كنت سامع بابا عمو يحيى زي ما يكونوا بيتخانقوا .. قوليلي يا صافي حصل إيه ؟ عثمان عمل حاجة تاني ؟؟!
تنهدت "صفية" تنهيدة طويلة ، ثم أمسكت بيده و ضغطت بحنان قائلة :
-صالح . حبيبي .. إطمن ، مافيش حاجة حصلت . كله تمام صدقني.
صالح متسائلا بحيرة :
-طيب كانوا بيزعقوا ليه ؟؟؟
-ما إنت عارفهم ساعات بيشدوا مع بعض لأسباب تافهة . الإتنين عصبيين ، مش أول مرة يتعصبوا علي بعض يعني.
رمقها بعدم إقتناع و كاد يتكلم مجددا ، فسبقته قائلة بإبتسامة رقيقة :
-قولتلك إطمن .. مافيش حاجة تقلق ، صدقني !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في مؤسسة ( البحيري للتسويق و التجارة ) .. إستلمت "سمر" مكتبها مرفق بمكتب "عثمان" مباشرةً و لكن من الخارج
كانت منخرطة في إستكشاف تفاصيل عملها الجديد و التعرف علي كل صغيرة و كبيرة ، و إنهمكت أيضا في إعداد الرسائل التي طلبها "عثمان" و طباعة بعض الأخر المرسل منها ..
سمعت رنين هاتفهها ، فتناولته و نظرت لأسم المتصل
إبتسمت بخفة ، ثم أجابت :
-ألو يا حبيبي !
رد "فادي" :
-إيه يا سمر . مش قلتلك إبقي إتصلي طمنيني عليكي ؟!
-كنت هخلص الشغل إللي في إيدي ده و كنت هكلمك و الله.
-إيه الشغل لحق يرف فوق دماغك ؟!!
ضحكت "سمر" بمرح ، و قالت :
-الله أكبر في عينك ياخويا هتحسدني !
فادي بحدة :
-وطي صوت ضحكتك دي . فاكرة نفسك في البيت و لا إيه ؟!
-حاضر ياسيدي مش هضحك خالص أهو . ممكن تقفل دلوقتي بقي عشان ألحق أخلص الحاجات إللي في إيدي ؟ مديري عايزهم بسرعة.
فادي بضيق :
-طيب هترجعي إمتي ؟
-علي الساعة 4 أو 5 بالكتير.
-ماشي .. خلي بالك من نفسك.
سمر بحب :
-ماشي يا حبيبي .. يلا باي !
و أغلقت معه
و ما كادت تعود لمتابعة عملها ، إلا آتاها هذا الصوت الرجولي الجذاب :
-لو سمحتي يا أنسة !
يتبــــع ...
( 9 )
_ مفاجآت ! _
رفعت "سمر" رأسها بسرعة لتنظر إلي محدثها
كان شابا في مقتبل عمره ، ملامحه نبيلة و جذابة ، يرنو إليها بعينان بنيتان تتسمان بالجرآة و الثقة ، و علي فمه إرتسمت إبتسامة خفيفة جدا ..
-نعم حضرتك ! .. قالتها "سمر" بإستفهام :
-أقدر أساعدك في حاجة ؟!
تحدث الأخير بإتزان ممزوج بالهدوء :
-أنا جاي أقابل المدير.
-في معاد سابق طيب ؟؟
-لأ .. قوليله بس مراد أبو المجد.
أومأت "سمر" بينما أرسلت يدها إلي موضع الهاتف الذي يصل بين مكتبها و مكتب مديرها
رفعت السماعة ، ليأتيها صوته بعد ثوان :
-في إيه يا سمر ؟
سمر بصوت ثابت و رقيق :
-آسفة يافندم . بس في واحد عندي هنا طالب يقابل حضرتك . بيقول إسمه مراد أبو المجد !
عثمان بسرعة :
-دخليه حاالا !
-حاضر يافندم.
و وضعت السماعة ، ثم نظرت إليه و قالت بإبتسامة :
-إتفضل حضرتك .. عثمان بيه منتظرك جوا.
و أشارت نحو مكتب المدير
شملها "مراد" بنظرة فاحصة سريعة ، ثم حيد عنها و توجه صوب غرفة المكتب ..
ولج بإبتسامة واسعة و هو يهتف :
-أنا قلت أعملهالك مفاجأة و أطب عليك يوم الإفتتاح علي غفلة منها أخضك و منها أباركلك !
قهقه "عثمان" بمرح كبير و هو ينهض من خلف مكتبه و يتجه نحو صديقه المقرب قائلا :
-مش أنا إللي أتخض ياض يا --- ده أن أخض عشرة زيك و أنا واقف هنا مكاني.
و فتح ذراعاه ليحتضنه بقوة
إحتضنه "مراد" هو الأخر و ربت بقوة علي كتفه و هو يقول :
-واحشني يا عثمان.
عثمان بغبطة :
-و إنت كمان ياض .. عامل إيه ؟
و تباعدا ، ليجيبه "مراد" :
-تمام الحمدلله . إنت إيه أخبارك ؟
عثمان و هو يلوح بيده في حركة دائرية :
-أهو زي ما إنت شايف . مطحون في الشغل الجديد .. تعالي نقعد.
و جلسا في الجهة الأخري من الغرفة فوق آريكة عصرية الشكل ..
-قولي بقي يا سيدي . جاي في إيه ؟ .. قالها "عثمان" بتساؤل و هو يرمق صديقه بنظرات فرحة
بينما قال "مراد" :
-مش في حاجة . أنا نويت بس إستقر هنا.
عثمان بغرابة :
-لا و الله ! ليه كده يابني ؟ أوام زهقت من أوروبا و من بنات أوروبا ؟؟؟
نطق جملته الأخيرة مبتسما بخبث ، ليرد الأخير ضاحكا :
-يابني أنا راجل صحتي علي أدي مش أد الحاجات دي ، ده أنا ماشي بالبركة.
عثمان بغمزة :
-علي بابا يالا ؟ .. إطلع منهم ده أنا عاجنك و خابزك.
-طب يا عم أنا لسا في ليڤل المبتدئين إنما إنت دكتور في الموضوع.
عثمان ببراءة مصطنعة :
-ده أنا ؟ أستغفر الله العظيم !
مراد رافعا أحد حاجبيه :
- لا يا راجل ؟ إسم الله عليك قال يعني قلبت شيخ جامع في 7 شهور ! ده إنت حرمجي أد الدنيا.
-آه يابن الـ---- !
-ده إنت إللي فسدت أخلاقي ، ملفاتك السودا كلها معايا.
-طب أسطر عليا.
و إنفجرا في الضحك معا ، ليكمل "مراد" :
-نسيت عملت إيه في العجمي الصيف إللي فات ؟ إنت يا صاحبي مابتعرفش حريم لأ . ده إنت بتفطر و بتتغدي و بتتعشي حريم.
-خلااااص الله يخربيتك هتجبني الأرض بعين أمك دي . يا صديق السوء .. ثم إبتسم و قال :
-و الله يابني بقالي كتير مانزلتش الملعب .. زهقت ، تصدق محتاج أجدد نشاطي ! محتاج أعمل Refresh.
و هنا صاح "مراد" بإستذكار :
-آاااه صحيح كنت هتنسيني .. إنت إيه إللي هببته مع چيچي ده ؟ إنت كنت في وعيك لما عملت ده كله ؟؟؟!!
عثمان و قد تجهم وجهه فجأة علي إثر سيرة زوجته السابقة ..
عثمان بإقتضاب :
-إفتكرلي حاجة حلوة ونبي .. ماتعكرش مزاجي في يوم زي ده.
مراد بحذر :
-إيه إللي حصل بس يا عثمان ؟ ده إنتوا إتجوزتوا !!!
ما زال علي صمته ، فتنهد "مراد" بثقل و حاول مرة أخري ..
مراد بلهجة هادئة :
-عثمان .. إحكيلي يا صاحبي . طول عمرنا بنحكي لبعض .. قولي بس ليه طلقتها ليلة جوازكوا ؟ شفت عليها حاجة ؟!
-خاينة ! .. قالها "عثمان" بغضب شديد ، ليرتد "مراد" متمتما :
-خاينة ؟ .. إنت . إنت إتأكدت كويس طيب ؟ مش يمكن تكون بريئة ؟ مش يمكن إنت ماخدتش بالك من حاجة !
عثمان و هو يقول بإستهجان :
-هو أنا تلميذ و لا إيه ؟ .. ثم أردف بعدم إهتمام :
-و بعدين أنا مالمستهاش أصلا.
مراد بدهشة :
-الله ! طب بناءاً علي إيه بتقول خاينة ؟؟!!
نظر إليه "عثمان" في صمت لبعض الوقت ، ثم بدأ يسرد عليه كافة التفاصيل ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر آل "بحيري" ... يصلا كلا من "يحيى" و "فريال" إلي المنزل أخيرا ، و بمفردهما
يعبرا البوابة الضخمة بتلك السيارة الفارهة ، يصفها "يحيى" بإهمال وسط الساحة الداخلية ، ليأتي البستاني و يأخذ مكانه ليدخلها إلي الكراچ ..
تتجه "فريال" في هذه الأثناء إلي الدرج المؤدي لباب المنزل ، يلحق بها "يحيى" مسرعا ، ثم يمسك بذراعها و يديرها إليه مغمغما بغلظة :
-إنتي كده بتزويدها أوي يا فريال .. مش شايفة إنك مكبرة الموضوع ؟؟؟
فريال بجفاء و هي تحاول أن تخلص ذراعها من قبضته :
-الموضوع كبير يا يحيى . إنت فعلا مش مهتم بإللي حصل لإبن أخوك و فوق كده رايح تشد معاه في المستشفي إنهاردة.
يحيى بعصبية :
-عايزاني أعمل يعني ؟ ما أنا علي إيدك روحت قابلت رئيس النيابة عشان أقدم بلاغ في رشاد بس قالي طالما مافيش دليل يبقي ماينفعش يتوجهله إتهام عشان عضو زفت مجلس شعب.
-بردو إنت مش عايز تتعب نفسك في الموضوع . و مش مقدر إن صالح فدا إبننا يعني لو ماكنش هو إللي أخد العربية و طلع بيها في الليلة دي كان عثمان هو إللي ركبها و كان زمانه مكانه دلوقتي .. الله لا يقدر طبعا !
يحيى متآففا بضيق :
-أنا مابقتش عارف أرضي مين و لا مين في البيت ده . مهما بعمل محدش فيكوا بيحس . بفضل أصلح في غلط كل واحد و في الأخر كلكوا بتضغطوا علي أعصابي بطريقة مستفزة !
و كاد يتجازوها إلي الداخل ، فأمسكت بيده قائلة :
-خلاص .. خلاص يا يحيى . أنا آسفة.
أغمض عيناه لبرهة و هو يتنفس بعمق ، ثم إستدار إليها و قال بهدوء :
-أنا مش فرحان في إللي حصل لإبن أخويا يا فريال . صالح ده إبني . زيه زي عثمان و صفية بالظبط .. رفعت بس إللي طول عمره واخد مني موقف و لا مرة قدرت أفهمه !
إبتسمت "فريال" بخفة ، ثم وضعت كفها علي وجهه و قالت :
-أنا عارفة إن مافيش في الدنيا قلب أطيب من قلبك .. عشان كده حبيتك يا يحيى . ماتزعلش مني.
يحيى مبتسما بحب :
-أنا مش ممكن أزعل منك يا فريال .. إنتي حبيبتي . و أنا إللي مقدرش أزعلك أبدا.
و أرسل نظرات عاشقة إلي عيناها الملونتين ، ثم أخذ كفها الذي إحتضن وجهه ، و رفعه إلي فمه ليطبع قبلة عميقة مطولة في باطنه
إتسعت بسمتها أكثر ، و ألقت برأسها خجلة علي كتفه ، ليلف ذراعه حول خصرها و يكملا معا طريقهما إلي الداخل ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
-يانهار أزرق ! .. قالها "مراد" بصيحة ذاهلة ، و تابع :
-عملت كده قبل فرحكوا بإسبوع ؟ جالها قلب تعملها إزاي بنت الـ--- دي ؟! .. ثم تساءل بإهتمام :
-طيب و إنت عرفت إزاي الحوار ده ؟؟؟
عثمان و هو يشعل سيكارة بحاجبين معكوفين :
-أبدا .. في الفترة الأخيرة لاقيت أحوالها معايا مش متظبطة . مابتقابلنيش كتير . مابتتصلش بيا ، و الكبيرة بقي !
مراد بإصغاء :
-إيه ؟؟؟
عثمان و هو ينفث الدخان من فمه بترو ، ثم قال :
-كنا بنتعشا مع بعض برا .. و إحنا بنتكلم . فجأة إتلغبطت و قالت إسمه بدل إسمي.
مراد بتركيز :
-ها و بعدين ؟!
-و لا حاجة بقي .. عملت فيها عبيط و فوتها . بس تاني يوم كنت مكلف واحد يراقبهالي 24 ساعة . هما يومين . و كان جايبلي الڤيديو الجميل بتاعها .. قال جملته الأخيرة بتهكم مرير ، و أكمل :
-ماخلتهاش تحس بأي حاجة .. بالعكس . إتصرفت عااادي جدا . و زودت إهتمامي بيها كمان . مثلت كويس يعني .. لحد ليلة الفرح.
-أه .. أكيد إدتها العلقة التمام.
عثمان بسخرية مرحة :
-إنت تعرف عني كده ؟ يابني أنا مابحبش العنف . كل حاجة بتيجي معايا بالحب.
ضحك "مراد" من قلبه ، ثم قال :
-ماشي يا حكيم عصرك .. طب عملت إيه قولي ؟؟
عثمان و هو يتأمل وهج السيكارة بين إصبعيه :
-ماعملتش حاجة .. مضيتها بس علي تنازل.
-تنازل عن إيه ؟!
-عن حقوقها و عن حصتها في الشركة دي ، ما أنت عارف . أبوها دخلها شريكة معايا .. بس أهو . أديها ماطلتش قشاية . و أنا خرجت منها كسبان و عوضت فلوس الفرح إللي عملتهولها.
مراد بإعجاب :
-معلم يا صاحبي .. معلم و منك نتعلم . شيطان بجد !
عثمان بضحك :
-جري إيه ياعم ! كلكوا ماعندكوش إلا الكلمة دي ؟ حتي صالح ماسكلي فيها.
-آاااه صاالح ! كنت هتنسيني تاني .. هو عامل إيه دلوقتي ؟ أنا قريت الخبر من يومين !
عثمان بجدية :
-أهو كويس الحمدلله . إتصلت بأبويا من شوية و قالي إنه فاق إنهاردة الصبح .. إن شاء الله هخلص شغل و هروح المستشفي أشوفه.
-طيب هروح معاك بقي . لازم أزوره و أطمن عليه.
-أووك .. شوية كده و هنقوم نروحله سوا .. ثم سأله :
-إنت لسا جاي إنهاردة صح ؟
-أنا جاي من عالمطار عليك علطول.
-طيب أكيد جعان بقي و أنا كمان مافطرطش أصلا .. دلوقتي معاد الـBreak يجي و هخلي سمر تطلبنا غدا.
مراد بإستفسار و هو يشير بإصبعه نحو الباب :
-سمر دي السكرتيرة إللي قاعدة برا ؟!
عثمان عابسا بإستغراب :
-آه .. بتسأل ليه ؟!
-أصلي بصراحة أول ما شوفتها إتصدمت !
-إتصدمت ؟ .. ليه ؟؟!
-مش تيبك يعني . جايبلي بنت محجبة و لبسها واسع و مقعدها برا . حسيت إني داخل محل عبايات في التوحيد و النور .. و ضحك إثر جملته الأخيرة
بينما رد عثمان في لامبالاه :
-هنا مكان شغل يا مراد .. مش Night Club هاجيب نسوان حلوة ليه ؟ أنا جاي أشتغل مش جاي أعمل حاجة تانية.
مراد بجدية :
-لأ يا عثمان بصراحة البت حلوة أوووي و Babyface كده . أومال أنا ليه قلت مش تيبك ؟ إنت متعود عالبجحين . إنما دي شكلها غير . رغم إنها كانت نازلة حب في التليفون برا مع واحد بس شكلها بردو آا ..
-نازلة حب مع واحد ! .. قاطعه "عثمان" بتساؤل ، ليرد :
-أه . و أنا داخل عليها سمعتها بتكلم واحد و نازلة فيه حب . شكله خطيبها !
عثمان بوجوم :
-لأ . مش مخطوبة.
-و إنت إيش عرفك ؟؟
عثمان . بعد صمت قصير :
-مافيش دبلة في إيديها .. ثم تنفس بعمق ، و قال مغيرا مجري الحديث :
-المهم .. ماقولتليش أمك و أبوك عاملين إيه ؟؟
مراد و هو يهز كتفاه بخفة :
-كويسين .. مارضيوش يجوا معايا ، قالوا قاعدين هناك !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
إنتهي الدوام أخيرا .. و عادت "سمر" إلي بيتها
لم يكن يومها شاق ، ربما لأنه أول يوم ..
دخلت "سمر" إلي البيت ، و بدأت في صعود الدرج ، لتسمع صوت جلبة آتية من الطابق الثاني حيث يقطن العم "صابر" و زوجته السيدة "زينب" ..
صعدت "سمر" الدرجات المتبقية بسرعة ، حتي وصلت إلي الطابق المنشود
توجهت صوب هذه الشقة المفتوحة ، لتري أخيها واقفا هناك في الداخل
عرفته من ظهره و .. من صوته العال ..
-لو سمحتي يا حجة زينب دي حاجة تخصني أنا ، أنا مش موافق . أنا حر .. قالها "فادي" بهتاف حاد و قد كان يحمل "ملك" علي ذراعه ..
إقتربت "سمر" في اللحظة التالية و تساءلت بقلق :
-في إيه يا جماعة ؟ في إيه يا فادي بتزعق كده ليه ؟؟؟
إلتفت إليها و قال بغضب :
-إطلعي إنتي فوق دلوقتي !
سمر بإستغراب :
-حصل إيه طيـ ..
و ما كادت تكمل جملتها ، ليصرخ بوجهها :
-قولتلك إطلعي فوق . و خدي ملك معاكي.
و ناولها الصغيرة و عيناه تشعان نارا ..
أخذت "سمر" أختها و صعدت إلي شقتها حين أدركت أنه لا مناص من إطاعة "فادي"
تركت الباب مفتوح ، و جلست بالصالون المقابل في إنتظار مجيئ أخيها ..
لم يغيب طويلا ، حضر "فادي" بعد دقيقة تقريبا
كانت "ملك" مستيقظة و لكنها هادئة ، فتركتها "سمر" علي الآريكة ، ثم مشت نحو شقيقها ..
-إيه إللي حصل ؟ .. تساءلت "سمر" متجهمة :
-كنت بتزعق للحاجة زينب ليه ؟؟؟
فادي بغضب مضاعف و قد أحمـّر وجهه أكثر :
-جايبالك عريس !!!
يتبـــع ....
( 10 )
_ كبرياء ! _
أجفلت في إستغراب ممزوج بالتوتر ، و رددت :
-جايبالي عريس ! .. ثم إنتفضت بعد برهة و هي تكمل بإستنكار حاد :
-بس بردو ده مش مبرر يخليك تزعق للست كده . دي في مقام ماما الله يرحمها و يعتبر مربيانا !
فادي بغضب :
-في مقام ماما و مربيانا علي عيني و راسي . لكن تفتكر نفسها واصية علينا لأ.
-إنت شوفتها جابت بندقية و هددتك بيها يا توافق يا تقتلك ؟ الست عرضت عليك الموضوع و إنت رفضت خلاص خلصنا.
فادي بعصبية مفرطة :
-لأ ماخلصناش . لازم الكل هنا يلزم حدوده و محدش يفكر يتدخل فينا.
سمر بغضب :
-عايز تعمل إيه ؟ هه ؟ هتروح تتخانق معاها تاني ؟ بقت دي أخلاقك دلوقتي ؟!
ضغط "فادي" علي فكيه بحنق شديد و هو يشيح بوجهه عنها ، بينما تابعت "سمر" متسائلة :
-ثم تعالي هنا قولي ! .. إنت عصبي كده ليه ؟ فيها إيه لو جالي عريس ؟ ده إنت أكتر واحد متحمس للفكرة و إمبارح بس كنت بتشجعني عليها .. إيه إللي حصل بقي ؟!!
فادي و قد عاوده الغضب الشديد مرة أخري :
-إللي حصل إن الست إللي في مقام ماما و مربيانا زي ما بتقولي كانت عايزة تجوزك خميس إبن المعلم رجب الجزار !
ذهلت "سمر" في البادئ و هي تتخيل كلامه !
إذن له الحق .. نعم له ملء الحق ليغضب ، إذ أن هذه العائلة كلها أرباب سجون و محبي للمشاكل ، صيتهم ذائع في كل مكان بأنهم أشد شرا عن غيرهم داخل منطقتهم أو خارجها ..
-طيب .. قالتها بهدوء غامض ، ليستوضحها "فادي" بحدة :
-طيب إيه ؟؟!!
-طيب خلاص الموضوع إنتهي .. و لو إني شايفة إننا خسرنا.
فادي بإستهجان :
-نعم ياختي !!
سمر ضاحكة بمزاح :
-أه و الله خسرنا . علي الأقل كنا هناكل لحمة ببلاش.
و إستمرت في الضحك ، ليتحول عبوس "فادي" إلي تعبيرات منفرجة ، ثم يقول مقاوما الإبتسام :
-إنتي بتهرجي صح ؟ .. طيب إسكتي بقي عشان ماتعصبش عليكي !
و إنفجر ضاحكا هو الأخر ..
تشاركا معا الضحك للحظات قبل أن يصيح "فادي" بإستذكار :
-أه صحيح .. قوليلي عملتي إيه في الشغل ؟ أول يوم كان كويس و لا إيه ؟!!
سمر و هي تهز كتفاها بخفة :
-الحمدلله .. كان كويس أه.
-محدش ضايقك يعني ؟؟
سمر بضحك :
-مين إللي هيضايقني بس يابني ؟ ده مكان شغل . حد هناك فاضي للكلام ده بردو ؟!
فادي بشيء من الحدة :
-أه فاضيين . و خدي بالك كويس بالذات من مديرك ده . أنا مش مرتاحله أصلا.
-يابني إنت كنت شوفته قبل كده !!
فادي بعدم إرتياح :
-مش مرتاحله و خلاص . خدي بالك منه و لو حاول يعمل معاكي أي حاجة تسيبي الشغل فورا سامعة ؟؟
أدارت عيناها معبرة عن ضيقها و هي تقول :
-اففف .. حاضر يا فادي . لو صدر منه ليا أي حاجة مخلة للآداب هسيبله الشغل علطول.
فادي بغيظ :
-بتتريقي ؟؟؟!
ضحكت "سمر" بخفة ، ثم إقتربت منه و ربتت علي كتفه قائلة :
-بس لو تبطل الوساوس بتاعتك دي يا فادي ! إطمن يا حبيبي . أنا هبقي كويسة . كلنا هنبقي كويسين إن شاء الله و قريب مش هنحتاج لأي حد.
و هنا برز صوت نشيج "ملك" المتقطع ، لتبتسم "سمر" و تستدير ماشية صوب الآريكة حيث تجلس أختها ، ثم تقول :
-حاضر يا حبيبتي . عارفة . عارفة إنك جوعتي . هحضرلك أحلي أكل دلوقتي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في المشفي الخاصة بإستقبال النزلاء الأثرياء فقط ..
يصعد كلا من "عثمان" و "مراد" إلي الطابق الرابع حيث جناح "صالح" المترف يقع هناك
ينقر "عثمان" علي الباب نقرتين متتاليتن ، ثم يدير المقبض و يدفعه
كانت "هالة" تجلس بجوار شقيقها عندما دخل إبن عمها و صديقه و قد إتخذت مكان "صفية" التي ذهبت إلي المنزل لتنول لتقسطا من الراحة ..
-أهلا عثمان . إزيك .. قالتها "هالة" بإبتسامة خاصة لـ"عثمان" وحده ، ليرد عليها بإبتسامة عادية :
-أهلا يا هالة .. الحمدلله كويس . إزيك إنتي ؟
-كويسة.
-أهلا أهلا بإبن عمي الندل . لسا فاكر تيجي تطمن عليا ؟ .. قالها "صالح" مبتسما بصعوبة
فضحك "عثمان" و هو يقترب ليجلس في كرسي أخر مجاور لسريره ، ثم قال بلطافة :
-عامل إيه يا واد ؟ تمام و لا خلاص بركت زي الجمل ؟!
-بتتريق يا خويا ! ما أنا لو بركت زي الجمل هتبقي إنت السبب مش كنت سايق عربيتك ؟ .. ثم نظر إلي "مراد" و صاح :
-و مراااد كمان هنا ! لا لا ده كتير عليا و الله.
مراد بإبتسامة :
-إزيك يا صالح ؟ ألف سلامة عليك.
-الله يسلمك يا سيدي . تعالي أقعد .. ثم طلب من "هالة" :
-لو سمحتي يا هالة قومي خلي مراد يقعد.
مراد يرفض :
-لأ تقوم إزاي ! خليكي يا هالة أنا مستريح كده.
هالة بإبتسامتها الرقيقة :
-تعالي يا مراد أقعد مكاني . أنا أصلا تعبت من القعدة . هروح أجيب قهوة من البوفيه تحت و هجيب كرسي كمان و أنا جاية .. تحبوا أجيبلكوا قهوة معايا ؟؟
عثمان / مراد :
-أه يا ريت !
رمقتهم بإبتسامة أخيرة ، ثم خرجت ..
-إيه يا عم مراد . جاي إقامة و لا زيارة ؟ .. قال "صالح" بتساؤل ، ليجيب "مراد" :
-جاي إقامة يا صاحبي . نويت إستقر هنا خلاص . بس و الله ما كنت مخطط أرجع اليومين دول أصلا أنا نزلت بسرعة عشانك . لما قريت الخبر حجزت تذكرة تاني يوم علطول.
-فيك الخير .. طمرت فيك العشرة ياض.
و هنا تدخل "عثمان" ..
عثمان بجدية :
-المهم قولي .. إنت كويس ؟ حاسس إنك تمام يعني ؟؟؟
صالح بوساطة :
-يعني ! .. مش قادر أتحرك خالص و جسمي كله بيوجعني خصوصا ضهري . بس تمام . أكيد كل ده هيتعالج بسرعة إن شاء الله.
عثمان و هو يربت بلطف علي كتفه :
-إن شاء الله .. ثم قال بصوته العميق :
-رشاد الحداد كان قاصدني أنا . بس جت فيك . للآسف ماعرفتش أثبت عليه حاجة . بس قولي يا صالح .. إنت حاطط الموضوع في دماغك ؟ لو شايلها في نفسك قولي و أنا أساويهولك بالأرض . مش هيهمني حد و إنت عارف.
تنهد "صالح" تنهيدة طويلة ، ثم قال :
-خلاص يا عثمان .. سيبه . إحنا مش ناقصين مشاكل تاني . و أنا قريب هقوم علي رجلي بإذن الله.
عثمان بإلحاح ممزوج بالغضب :
-مش إحنا إللي عملنا المشاكل . و كمان أنا مش عايز أسيب حقك . يعني أنا لو كنت مكانك كنت هتقف ساكت ؟؟؟
صالح بدون تردد :
-لأ طبعا ! .. ثم أكمل و هو ينظر إلي "مراد" :
-بس أنا بقول طالما بقيت كويس يبقي مافيش داعي نشوشر علي نفسنا . و لا إنت إيه رأيك يا مراد ؟!
مراد موافقا :
-صالح بيتكلم صح يا عثمان . أي حاجة ممكن تعملها ممكن تتقلب ضدك و كمان مافيش حاجة هترجع إللي فات . تقدر تقولي لو إتعرضتله بالآذي هتستفيد إيه ؟!
عثمان بشراسة :
-هبقي رديت إعتباري و إعتبار عيلتي كلها و فهمته كويس أنا مين عشان يفكر ألف مرة بعد كده قبل ما يحاول يآذيني.
-هو خلاص هيحرم يتعرض لأي واحد فيكوا تاتي . متنساش رقبته تحت رجلك و لسا الڤيديو بتاع بنته معاك .. المهم ماتتهورش و عديها المرة دي علي خير !
عادت "هالة" في هذه اللحظة حاملة طقم القهوة بين يديها ، لينقطع حديثهم الحاد ، و يتطوع "مراد" بالإبتسام عن صديقيه الصامتين الواجمين ..
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
صباح يوم جديد ... تستيقظ "سمر" باكرا و تهم من فراشها بنشاط
إستغلت إستغراق "ملك" في النوم و ذهبت لتؤدي بعض الواجبات المنزلية ..
نظفت الشقة سريعا ، أحضرت الفطور ، إيقظت "فادي" كي لا يتأخر علي جامعته ، ثم إتجهت إلي الحمام
إغتسلت و توضأت ، ثم خرجت و أدت سنة الضحى ..
إنتهت من صلاتها و قامت لتبدل ملابسها
كانت تثبت ربطة حجابها عندما إستيقظت "ملك" في هذه الأثناء و كالعادة باكية ، هرولت "سمر" إليها و حملتها من سريرها الصغير
ضمتها إلي صدرها بحنان و هي تتمتم مغنية بعذوبة في أذنها ..
هدأت "ملك" نسبيا ، بينما أخذتها "سمر" إلي "فادي" حيث كان يجلس هناك بالصالة و يتناول فطوره
أقبلت عليه "سمر" و هي تتحسس جبين أختها و تقول بقلق :
-فادي ! .. شكل ملك تعبت تاني و لا إيه ؟!
ترك "فادي" طعامه في الحال ، و مد يده و إحتوي وجهها الصغير بكفه الكبير ..
فادي بإبتسامة هادئة :
-لأ .. مافيهاش حاجة.
-أومال أنا حاسة إن حرارتها عليت ليه ؟؟
-إنتي بتقلقي عليها دايما يا سمر .. إطمني مافيهاش حاجة.
سمر و هي تحتضنها بقوة :
-يا رب .. ربنا يشفيكي يا حبيبتي !
ثم طبعت قبلة عميقة علي وجنتها المكتنزة
بينما قام "فادي" و هو يلتقط حقيبة ظهره من فوق الطاولة ، و قال :
-يلا بقي أنا لازم أمشي دلوقتي عشان ورايا إمتحان بعد ربع ساعة . يدوب يعني مسافة سكة .. ثم سألها بإهتمام :
-إنتي هتعملي إيه دلوقتي ؟؟؟
-و لا حاجة . هخلي ملك عند الحاجة زينب زي إمبارح و بعدين هروح علي شغلي.
فادي بضيق :
-تاني الحاجة زينب !
سمر بلوم :
-إسكت بقي مش كفاية إللي عملته إمبارح . يا رب بس ماتكونش زعلت منك أوي .. ثم قالت مقترحة :
-بقولك إيه ! .. ماتنزل معايا و إعتذرلها.
فادي برعونة خفيفة :
-نعم يا ماما ؟ أنا مابعتذرش لحد . و إنتي كمان إياكي تفتحي الموضوع سامعة ؟ .. يلا أنا ماشي.
و غادر "فادي" بينما جمعت "سمر" أغراض "ملك" ثم أخذتها و هبطت إلي شقة السيدة "زينب"
طرقت بابها و إنتظرت لثوان ، فتحت لها السيدة و رحبت بها ..
"زينب" ببشاشة :
-أهلا أهلا ببناتي الحلوين . إزيك سمر ؟ إزيك يا ملوووكة ؟
و مدت ذراعيها لتتلقي "ملك" ..
فناولتها "سمر" الصغيرة و هي تقول بإبتسامة :
-الحمدلله يا ماما زينب كويسة . إنتي إزي حضرتك ؟
-في نعمة يابنتي . نشكر ربنا . تعالي إدخلي واقفة عالباب ليه ؟!
ولجت "سمر" و تبعت السيدة إلي حجرة الجلوس
جلست قبالتها و هي تبحث عن الكلمات المناسبة لتبدأ بها حديثها ..
سمر بإرتباك و حيرة :
-ماما زينب أنآاا . إحم . أنا كنت عايزة .. كنت عايزة أقول يعني آاا ..
زينب بضحك :
-في إيه بس يابنتي ؟ علي مهلك عايزة تقولي إيه ؟!
سمر بشجاعة :
-كنت عايزة أقولك يعني ماتزعليش من فادي . هو مايقصدش يزعلك و الله . ده حتي كان عايز ينزل معايا يعتذرلك بس إتكسف منك !
-سمر يا حبيبتي .. إنتي أكيد عارفة غلاوتكوا عندي . أنا ست طول عمري عايشة مع جوزي لوحدي . ربنا مارزقنيش بالولاد . بس رزقني بيكوا أنا ربيتكوا مع أمكوا الله يرحمها .. ثم قالت و هي تداعب "ملك" بتحبب :
-و إن شاء الله ربنا يديني العمر و أربي الصغننة دي كمان.
سمر بإبتسامة :
-يا رب . ربنا يديكي الصحة.
-أنا عمري ما أزعل منكوا .. و ماكنش قصدي أضايق أخوكي . و الله يابنتي فكرت الموضوع ممكن يكون لمصلحتك . خميس إبن المعلم رجب كسيب و حياته حلوه و مبسوط.
-أيوه يا ماما زينب بس إنتي عارفة سمعته و سمعة عيلته كلها عاملة إزاي !
-و الله يابنتي أنا ما إتكلمت إلا عشان مصلحتك . و علي رأي المثل الراجل مايعبوش إلا جيبه و الجدع باينه شاريكي هو إللي إتكلم عليكي بنفسه.
تنفست "سمر" بعمق ، ثم قالت :
-يلا . مافيش نصيب يا ماما زينب . ربنا يوفقه مع واحدة أحسن .. ثم أكملت و تقوم عن المقعد :
-أنا همشي بقي عشان ماتأخرش علي الشغل .. عايزة مني حاجة قبل ما أمشي ؟
-ماتحرمش يا حبيبتي . طريق السلامة !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر آل "بحيري" .. علي مائدة الفطور إجتمع الجميع
تنهي "صفية" طعامها بسرعة ، لتنتبه إليها "فريال" و تسألها بإستغراب :
-في إيه صافي ؟ بتاكلي بسرعة كده ليه ؟ علي مهلك !
صفية بصوت شبه واضح بسبب كمية الطعام التي تملأ فمها :
-عايزة أخلص بسرعة يا مامي . عشان ماتأخرش علي صالح.
ثم ران صمت قصير بعد ذلك ، قطعته "هالة" بسؤال متوتر :
-هو . هو عثمان لسا نايم و لا إيه ؟!
أجابتها "فريال" مبتسمة و هي تعلم تماما ماهية سؤالها :
-لأ يا حبيبتي . عثمان صحي من بدري و راح علي شركته لسا ماشي من ساعة تقريبا.
-ياااه . مشي بدري أوي.
-أه . ما إنتي عارفة بقي شركته لسا جديدة و لازم يظبط كل حاجة بنفسه في الأيام الأولي.
أومأت "هالة" بتفهم ، بينما تحدث "يحيى" إلي "رفعت" ..
يحيى بنبرة هادئة :
-رفعت ! كمان شوية هروح أبص علي المجموعة . تيجي معايا ؟ بقالك كتير ماروحتش.
لم يرفع "رفعت" إليه بصرا ، ما زال غاضبا منه
لكنه قال ببساطة :
-مرة تانية أبقي أروح . مش معقول هسيب إبني و أروح أبص علي الشغل . إبني أهم.
إزدرد "يحيى" برودة أخيه معه ، و قال بلطف :
-إحنا مش هنطول هناك . هنروح بسرعة و بعد كده نبقي نطلع أنا و إنت علي المستشفي .. إيه رأيك ؟؟
رفعت بعد تفكير :
-ماشي .. قالها بإقتضاب
لينظر "يحيى" نحو زوجته ، وجدها تبتسم له برضا ، بدالها بإبتسامة حب ، و من دون أن يراه أحد أرسل إليها قبلة في الهواء
توردت "فريال" خجلا ، و خفضت رأسها بسرعة و هي تزم شفتيها مقاومة تلك البسمة الواسعة ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في مؤسسة ( البحيري للتسويق و التجارة ) ... تجلس "سمر" في المكان المخصص لها
تقوم بطباعة بعض الرسائل المرسلة إلي الشركة من الخارج ، ثم تجمعها كلها و تضعها بملف خاص لتسلمها الآن لمديرها كما طلب منذ قليل ..
كادت تنهض ، لولا رنين هاتفهها الذي أعادها لتجلس ثانيةً
كانت "السيدة زينب" هي من تتصل بها ، عبست "سمر" بقلق ، لكنها ردت :
-آلو ! .. أيوه يا ماما زينب . في حاجة ؟ .. ثم صاحات بهلع :
-بتقولي إييييييه ؟؟!!!!!
يتبــــع ...
تكملة الرواية بعد قليل
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا