القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية آصرة العزايزه الجزء الاول" من يعيد لي قلبي " الآصرة الخامسة عشر والسادسة عشر بقلم الكاتبه نهال مصطفى (حصريه وجديده على مدونة قصر الروايات كامله)

 

رواية آصرة العزايزه الجزء الاول" من يعيد لي قلبي " الآصرة الخامسة عشر والسادسة عشر بقلم الكاتبه نهال مصطفى (حصريه وجديده على مدونة قصر الروايات كامله)




رواية آصرة العزايزه الجزء الاول" من يعيد لي قلبي " الآصرة الخامسة عشر والسادسة عشر بقلم الكاتبه نهال مصطفى (حصريه وجديده على مدونة قصر الروايات كامله)


🦋 الآصرة الخامسـة عشر 🦋


لقد كتب غسان كنفاني إلى غادة السمان عندما تمردت على حبه  :

-"ولكن قولي لي :

 ماذا يستحق أن نخسره في هذه الحياة العابرة؟

تدركين ما أعني!! 

"إنّنا في نهاية المطاف سنموت"


وكتب قلبي المكوي بداء التمرد ليُجادلـه بعد عشرات السنوات :

أخطأت هذه المرة يا غسان ، حتمًا الموت هو المصير المنتظر لكُل مولود  ولكني أرى دومًا أن المرء لا يموت فقط عندما ينتهى عمره وينقضي أجله ، بل هناك موت من نوع آخر وهو ذلك الحب الذي يلامس القلب ليدثره ويخبره كيف يكون الدفء ثم يرحل ليتركه وحيدًا لصقيع الحياة منتظرًا كفن الموت الحتمي بجسد قُتل بخنجر العشق المسموم .. لا يموت المرء إلا عندما يقتل الحب كُل دواخله .... 

فجاء غسان ليُجيب ويُلخص فوضى أقوالي ويؤيدها :

-يبدو أن هناك رجال لا يمكن قتلهم إلا من الداخل ..


#نهال_مصطفى . 


•••••••••••••••••


مازالت الأجواء بالداخل يعُمها الفرح وترنيم الغناء الصعيدي وبعض الهتافات المعتادة ، تتراقص الفرحة على وجوه الجميع ما عدا العروس ، الشاردة في عالم آخر غير عالمهم ، غِصة قلبها تعوق شعورها بالفرحة ؛ نوبة من الهلع لمصيرها المنتظر الذي لا تعلم عواقبة ، ابتسامات مزيفة ترسلها لمن يوجه لها المباركات .. انسحبت من أجواء الرقص والفرحة لتجلس على مقعدها تُراقب الناس عن بُعد ، سيدات النجع والقبيلة اللاتي لا يجتمعن إلا في الأفراح والمناسبات العائليـة ، الأعين متلصصة نحوها ونحو هاجر أختها التي يتهامس عليها السيدات ، كل منهما تريد أن تظفر بها لابنها ... 


وعلى الجهة الأخرى كانت زينة تتفقد المعازيـم وتعرفهم بنفسها وبكنيتها الجديدة وزواجها القريب من كبير العائلة هارون العزايزي ، كانت تتمايل بغنج بين السيدات بشعرها الأسود الذي يغطى ظهرها بأكمله حتى أوقفتها سيدة فضولية لا يشع من عينيها إلا الحقد :


-وعلى إكده لبسك ولا بعد فرحة أخته .. 


ترنحت بدلال أنثوي وهي تتفاخر بينهن :

-لسه هنچيبوا الشبكة قِريب ، أصل سي هارون موصي الجواهرچي على شبكة عِليوي شيع يجيبها من بحري .. 


ثم تمايل عودها كمن يراقصه هواء الكبرياء ؛ وأكملت :

-أصلو قال لي مراة العُمدة لازمًا تلبس غير الكُل ، طبعًا ماهي هتبقى الكبيرة وكلمتها مسموعة.. 


ألتوى ثغر السيدة العجوز بسخط وهي تتمايل على الأخرى لتهمس في أذانها بعد ما انشغلت زينة في الحديث مع سيدة غيرهن  :

-حظ الملايح في صفايح، وحظ القبايح في السما لايح .. شوفتي يا بهيجة البخت !! 


فتهامست الأخرى وهي تفحص زينة من رأسها للكاحل وقالت :

-بس البت ملفوفة وحِلوة وطول بعرض .. 


-بس نبتها غبرة وقلبها أسود ، دي بت بتاعت مشاكل مش طالعة لأمها ، أمها دي آية ، أنا عارفة صفية ملقيتش غيرها !!


لكزتها الثانية لتصمت :

-طب وطي حِسك ، وبصي على العروسة شكلها مچبورة على الچوازة ، بوزها ممدود شبرين .. 


حانت نظرة من عين السيدة صوب هيام الشاردة :

-ومين يقدر يغصبها هما أخواتها شوية !! تلاقيها مكسوفة زي البنات ...


ظل الحديث يدور في ساقية همسـه حتى ظهرت "ليلة" من غُرفة أحلام التي كانت تساعدها في السير إثر رُكبتها الموجوعة ، بعد ما ذهبت لها بدلًا من هاجر التي انشغلت مع المعازيم .. حِدق من الأعين المتسعة انفرجت نحو تلك الفتاة التي يشع البياض من وجهها كأنها جاءت من بلاد لا تشرق فيها الشمس ، ملامحها البريئة التي يزينها القليل من مستحضرات التجميل ، شعرها الكستنائي المنسدل على كتفيها ، شالها الصوف المتناسق مع لون عباءتها والملفوف حول عنقها .. مع ذلك الجلباب الأشبه بالقفطان المغربي بعدساتها اللاصقة الرمادية التي تتجول هنا وهناك بإحراج ... حتى مالت نحو أحلام متهامسة بخجل :


-طنت أحلام هما بيبصوا عليا كده ليه ؟! أنا شكلي فيه حاجة ! 


وشوشت لها أحلام :

-ده عشان أحلى منهم يا عبيطة ، أبقى خُشي لفردوس چوة تبخرك أحسن عنيهم تندب فيها رصاصة .. 


ساعدتها " ليلة " في الجلوس وهي تستقبل نصيحتها بابتسامة واسعة وهي تومئ بالإيجاب ، هنا سُحب بساط الأضواء من تحت أقدام زينة وباتت النظرات كلها تتصوب نحو تلك الغزالة المجهولة التي تقطن في بيت خليفة ، الجميع يتهامس ويتساءل عمن تكون هذه الفتاة التي أبدع الخالق في تصورها .. 


~بالمطبخ ..


جمر الغضب يتوقد من بين ثنايا وجهه ولكنه أجبر أن يتعامـل بهدوء كأن مازال لمخططه بقيـة بعد ، أخذ هارون يفتش في رفوف المطبخ وهو يتساءل :

-فردوس ؛ البن بتاعي في منه إهنه ، چايين ناس مهمـين وعاوز القهوجي يعمل منيها .. 


تحركت فردوس المشغولة بصُنع الحنـاء لتنزع قفازات يدها البلاستيكية وتبحث معه على علبة البن مُؤكده إنها ما زالت هنا .. في تلك اللحظة جاءت " ليلة " على سجيتهـا دون علمها بأنه موجودًا بالمكان ولكن ربما خلقت للقلوب أعين تبصر بها ما لا تبصره العين وهي تتفوه بعفوية لتلك السيدة التي تعرفت عليها في صباح اليوم ، دخلت وهي تحرر حلقها العالق مع شالها الصوفي  :


-داده فردوس ، طنت أحلام بتقولك بخريني عشان الناس اللي برة تندب في عينهم رصاصة !!  


هتف فردوس على الفور :

-اسم الله عليكِ ؛ حصوة مِلح في عينيهم ، تعالى تعالي !! ما أنتِ الصلاة على النبي عليكي مفكيش غلطة .. يحرسك ويصونك يا أميرة يابت الأمراء.


دار هارون بتلقائية عند سماعه لصوتها لتسقط عيناه على حوريـة جاءت من الجنة لمرمى أنظاره على الفور ، لتقع عيناه على أجمل إمراة يراها بعمره ، ربما خُلقن الكثير من الجميلات ولكن مقاييس الجمال عند القلب فريدة للغاية ، قط يصور لصحابها أنها أجمل جميلات الأرض ويهنئ الفؤاد نفسه إنه نال حظه الوفير بها ، تحمحم بخفوت وهو لا يستطيع مقاومة سحرها في زيها الصعيدي وقال ليشتت انتباه عقله الذي استقر عندها :


-أحلام بس بتحب تچامل اللي حبايبها .. 


حالها لم يختلف عن حالة السُكر التي أصابته عند رؤيتها ، بل تفاقم الأمر وتراقص القلب عند رؤيته وكإنما خُلق له جناحين من نسل أهدابه الشائكة ، تزحزحت الأنظار عنه وهي تشكو لفردوس :


-صحيح الكلام ده يا دادة !! يعني أنا مش حلوة وطنت أحلام بتجاملني !!


عاتبته فردوس :

-مالكش حق يا سي هارون ، بقا فرخ الحمام النمساوي دهوت فيه بعده حديت !


حدجته ليلة بانتصار :

-عندك حق يا دادة ، واضح أن جناب العمدة محتاج يروح لدكتور عيون .. يظبط له الرؤية .


ختمت جملتهـا بشهقة كبيرة عند رؤيتها للحنـة فأقبلت نحوها بلهفة :

-الله حِنة !! أنا بعشقها وبعشق ريحتها .


مسحت فردوس على ظهرها بإعجاب :

-عكس سي هارون ، ده مش عيطيق ريحتها .. والود وده يقلبها دِلوق .. مش شايفاه مزرزر كيف! 


ما ذكر اسمه فأصابها داء الثرثرة من جديد ، نصبت قامتها واقتربت منه وهو يقاتل نفسه بألا يناظرها وقالت بدلال وهي تقعد ذراعيها أمام صدرها وترفع جفونها لأعلى لتسائله :


-أنت على طول كده كاره كُل حاجة !! وبعدين فيك ؟! أومال بتحب أيه على كده ؟! 


رد بجمود :

-أنا حُر ... 


-لا مش حُر في دي بالذات ، عمرك سألت نفسك ليه العروسة لازم تحط حنـة قبل فرحها ، والعريس كذلك . 


تأرجحت عيني فردوس وهي تراقبهم بنظرات متلألئة وكأنها تشاهد فيلم كرتوني أمامها ، هذا لست هارون الرجل اليافع الصلد الذي تربى تحت عينيها ، يقف أمام تلك التي لم يتجاوز طولها المائة وستون سنتيمتر وهي تلقنه درسًا في الحكايات ، عاد ليبحث عن قهوته كي يهرب من سطو عينيه المنجذبة لها دومًا  :


-لا ، ومش عاوز أعرف ..


تحركت لتقف أمامه لتُجبره على سماعها:

-مش بمزاجك بس أنا لازم أعرفك ، وأعرف دادة فردوس ؛ آكيد هي كمان متعرفش .. وحتى تعرف خطيبتك عشان تحس إنك مهتم بتفاصيلهم الصغيرة دي . 


هرولت فردوس لعندهم بحماس :

-ما تسيبها تقول يا سي هارون ، قولي قولي .. 


رمقته بنظرة انتصار وهي تُعلن التحدي أمامه وقالت وهي لم تحرك عينيها من عليه :


-أصل يا دادة الأسطورة بتقول ..... 


رفع حاجبه والضحكة مرسومة على ثغره متعجبًا :

-أساطير تاني!! أنت ما عتزهقيش ؟! 


-وأنت زعلان ليـه !! ولا عشان حضرة العمدة مش بيحب حد ينافسه في معلوماته ! وأنت مش عندك معلومة .. فبتحس بالجهل قُصادي ؟ 


رد هارون نافيًا :

-لا عشان مش ناقصة خوتة ، عاوز اسمع كلام يتعقل .. ويدخل النفوخ . 


استند كفها على رُخامة المطبخ وهي تناطحه مع اقترابها منها أكثر :

-اسمع وبعدين احكم .. 


جاء صوت فردوس من الخلف متحمسًا :

-كملي يا ست البنات ، طول عمري عاوزة أعرف السبب بتاع الحِنة .. 


تناظره بتحـدٍ وهي تقول بنبرة تجبره على سماعها :

-زمان .. أيام الفراعنة " إيزيس " لما جوزها " أوزوريس " مات .. وهي بتجمع كل أشلاءه صُبغت يدها كلها باللون الأحمر ، فالفراعنة اعتبروه كنوع من أنواع الوفاء والحب والإخلاص .. 


ثم اقترب منه إنشًا وهي تُكمل بنفس النظر الثاقبة التي تخترق قلبه :

-ومن وقتها طلعت العادة أن العريس والعروسة لازم يحطوا حنة كرمز للوفاء ما بينهم وإنها هتفضل تحبه طول العمر .. 


-حديت فارغ ، يعني أنا لو محطتش حِنة هطلع عين الست اللي هتچوزها !! 


رغم إعجابه بما قالته إلا أنا كبريائه لم يسمح له بالاعتراف والهزيمة ، قال جملته الأخيرة متعمدًا اثارة غضبها بهدوءه المعتاد مما جعلها تعانده وتقول :

-سبق وقولتلك دي اسطورة يعني عايز تصدقها صدقها مش عايز براحتك ، لكن ده مش يديك الحق تنفي وجودها .. 


صاحت فردوس من الخلف :

-كلامك كله دهب يا ست ليلة ، عتقول كلام حلو قوي يا سي هارون .. 


ما زالت حبال نظرات التحدي متواصلة بينهم حتى هتف قائلًا :

-القهوة يا فردوس ، ريحة الحِنة كتمت على صدري .. 


ثم صاحت بنفس النبرة وكأنها تنافسـه :

-تعالى بخريني يا فردوس ، عشان اللي عنده معلومات قيمة الزمن ده زيي بيتحسد .. 


تمتم بسخط !!

-هيتحسد على ايه يعني !! دي تخاريف .. دانا شفقان عليكِ . 


هتفت متوعدة بدون نيـة منها لذلك : 

-تخاريف بحبها ، وهفضل وراك لحد ما تحبها أنت كمان ... 


هارون بنصح :

-طلعيني من راسك ! 


سبقت عفويتها منطوق لسانها :

-لا أنت مش جوة  أصلًا عشان أخرجك منها !! 


غرق في ضباب عينيها الرمادية وغمغم متعمدًا إثارة غضبها كعادته :

-ربنا يشفيكي !! 


تدخلت فردوس كي توقف فصل العناد بينهمـا ؛ ولكنها زادت من الطين بلل :

-چرالك أيه يا هارون بيه !! من ميتى عتعمل عقلك بعقل الحريم !! 


سكبت فردوس فوق رأسه دلو من الماء المثلج عندما طرحت على مسامعه سؤالها الذي تجول بعقله للحظات يتساءل:-لِم يناطحها الحديث هكذا على غير العادة !!!! 


في تلك اللحظة جاءت زينـة لتجعل من فردوس :

-ماتشهلي يا فردوس ..


فابتلعت كلماتها عندما سقطت أنظارها على الثنائي المتقارب من بعضه البعض وبينهما نظرات واضحة للأعمى ، فتبدلت نبرة صوتها وحركاتها هي تعبث بشعرها لتُلملمه كله على كتفها الأيمن وتقول بخجل مزيف :

-سي هارون ، أنت إهنه .. ما دتنيش ليه حس أجيلك .. 


ثم دنت منهم لتتوسط موقفهم بدلال وهي تغازل شعرها :

-تؤمر بحاچة يا سيد الناس ، ولا انا وحشتك چيت تشوفني !! 


تدخلت ليلة بدون وجه حق :

-لا جيه ياخد القهوة بتاعته ..


للحظة راق له رد ليلة الذي بدله على الفور وهو يرمقها زينة  بسخط ونفر قلبه من قربها وهو يقول بصوت متهدج :

-غطي راسك قِدامي يا زينـة ، لساتني غريب عنِكِ . 


-يووه يادي العيبة يا سي هارون ، ما أنت راچلي وكلها كام شهر ونتچوزوا .. 


-ااه لما نتچوزوا أبقى أعملي اللي عاوزاه لكن دلوق مش عاوز أشوف المسخرة دي !!


قال جملته الأخيرة وهو ينسحب من المكان عند قدومها إثر غُمة قلبه التي هجمت مرة واحدة، رغم بقائه لفترة طويلة مع ليلة التي يسمع لحديثها الذي لا يعتقد فيه ولكن بناءً على رغبة قلبه اختار مجاوراتها والإنصات لها ، انصرف هارون من المكان تحت نظرات ليلة المعجبة ونظرات زينة الفارحة بعبط المغرور وهي تروي لفردوس :


-شوفتي بعينك يا فردوس غيرته عليّ ، مش مستحمل حد غيره يشوف شعري .. يالهوي على الحُب وسنينه !! 


-متأكدة أنها حُب وغيره !! 

طالعتها ليلة بنظرات غريبة مزيج من الشفقة والتعجب ودمدمت متأهبة للذهاب :

-أنتِ كمان محتاجة تروحي لدكتور عيون يظبط لك الرادار زي اللي اسمه سي هارون بتاعك .


دبت زينة على صدرها بدهشة :

-يقطعني !! ماله هارون يا فردوس هو عيان !! ولا المقصوفة دي عتفول عليه !! 


انكمشت ملامح فردوس التي كان ينبت منها زهر الضحك أمام ليلة وهارون ، تبدلت ملامحها على الفور وهي تحمل الحنة وتقول لها بملل:

-الحنة أهي يا ستِ زينة !!!


•••••••••••••••


~بالخارج .. 


-هويش ، ركـز معاي عقولك سيبك من المحمول .

أقبل نحو وهو يتخذ أنفاسـه من شِدة الركض ليزف لأخيه الخبـر العاجل ، أغلق هاشم هاتفه أثناء مراسلتـه مع رغد وقال بتأفف :


-مادامت قولت هويش دي يبقى جايب خبر زي وشك .. 


مسح هيثم على صدره وهو يقفز ليقعد جار أخيه وهو يمسح المكان بأعينه كي لا يسمعه أحد :


-أنا لمحت حتـة بت يا بوووي ، چمالها يدوخ يا وِلد أبوي .. 


امتص سخريته الثائرة عليه وفعل أجواء الجدية :

-نط لـ صفية تخطبهالك ، يلا حلاوتها في حموتها يا جدع قبل ما تشوف الأنقح منها !! ألحق نفسك .


-بص أنا هرقدلها لحدت ما تطلع إكده ولا إكده وهعرف هي بت مين فـ النجع ونخطبوها ، الليلة يا هاشم .


تبعه وهو يقول بجدية مزيفة:

-الليـلة يا وِلد أبوي .. 


وضع ساق على الأخرى وقال حالمًا :

-هبقى عريس !! 


-روح أنتَ بس اقطر البت الأول عشان لو عجبتني أنا كمان هنتشاركوا عليها. 


لهتفه لم تمهله الفرصة ليعقل الكلمة بل وثب متحمسًا وهو يقول :

-قُضيت ... راچعلك . 


تابعه صوت هاشم الساخر :

-منصور ان شاء الله .. 


ثم تمتم في سره :

-أخوي ولازمًا استحمل جنانه ، الحريم هوسته .


ظل هيثم يحوم حول بيتهم وبالأخص الساحـة التي يجتمعن فيهـا السيدات يتلصص النظر هُنا وهناك عساه أن يلتقى بمراده .. انتبهت له ليلة المندسة في حِمى أحلام من سطو نظرات السيدات حولها وأسئلتهم الكثيرة عن هويتها حيث كانت أحلام متولي مهمة الجواب ، وثبت " ليلة " من مكانها لفضولها الذي جذبها نحو أعين هيثم المرتبكة بهدوء ، وفي أحد زوايا المنزل تمايلت إحدى السيدات على أذان زينة التي لم تتوقف عن الرقص والغناء وكأنها هي العروس :


-قوليلي هي مين البت اللي لابسه أحمر دي ؟! 


لقد ملت زينة من كثرة السؤال عن شخص ليلة ، فغمغمت بإجابتها المعتادة :

-دي واحدة من بحري عمتى صفية جابتها عشان تساعد فردوس في شغل البيت ، خدامة يعني .. 


خيمت نظرات الشك حول ملامح وجه السيدة وهي تقول بسخط :

-بقا الأميرة بت الأمراء دي خدامة !! 


ردت بجزعٍ وبنبرة يقينة لصدق كذبها :

-وأنا هكدب عليكِ ليه ! روحي اساليها بنفسك وسيبني ارقص  .. 


كانت تتفقد المكان حولها كاللصـة وهي تُقبل نحو هيثم المتواري خلف احد الأعمدة ويلوح لها ، حتى وقفت أمامه تتساءل :

-أخدت بالي إنك بتدور على حاجة !!في حاجة وقعت منك ؟!


-قلبي وقع مني ومش لاقيه يا ليلة .


قال جملتـه وهو يضع كفه فوق قلبه مترنحًا بهيام ، فتراجعت خطوة للوراء متبعة نهجه وهي تتفقد المكان حولهم بمزاحٍ :

-وقع هنا يعني ممكن ندور عليه سوا !! 


اتسعت ابتسامتـه وهو يشكو لها صبابته :

-هو اتخلع لما شافك ، ووقع وتاه لما شافها ! 


أسبلت عينيها بدهاء وهي تُشير لها بسبابتها :

-هيثم أنتَ بتتكلم عن بنت ؟! صح ، حبيبتك جوه هنا في الفرح وحابب تشـوفها ؟! 


-نبيـه ، والله ما حد هيفهمني كدك ..أنا قولت .


-طيب هي اسمها ايه ادخل انادي عليها ، أنت ممنوع تدخل جوه صح ؟! 


صاح هيثم مادحًا :

-عليّ النعمة أنتِ چدعة وبمية راچل وخدتي قلبي من ساعة ما شوفتك  . 


تمتمت بحماقة : 

-هو أنت كمان شايفني راجل بشنب زي أخوك العمدة ده ؟! 


-يخربيته !! هو قال لك راچل بشنب ؟! 


-وات إيڤر مش بالظبط ، بس يعتبر قالها ؟!


دنى منها خطوة وهو يعازلها بعينيه المفضوحة :

-معذور أصلو عمرهُ ماشاف ستات على حق قبل إكده ! فالعداد عنده ضرب لما شافك .


خرجت الكلمات من بين شفتيها المنتفضة لتنبس وراء تلك الفتاة التي بات وجودها يزعجها كثيرًا :

-وهي خطيبته دي مش ستات ! 


-لا زينة دي نسوان  !!لما تقابلها تكون عاوز تنسى اليوم اللي شوفتها فيه وتنسى الصنف كله .. 


أطلقت تلك الضحكة المسموعة والمتوارية خلف أناملها وهي تصفه :

-هيثم أنت مشكلة بجد !! 


-سيبك أنتِ ، الچلابية الصعيدي هتاكل منك حتة .. ومش حتت ، قولي ليه ؟!


ثم دنى منها خطوة ليسرد بعينيه المعجبة :

-لان باقي الحتت كلهم عشاني !! 


من نظرات هيثم المغازلة التي اعتادت على الضحك معه تفهمت أن مقصد حديثـه يشير لمغزى أخر ، فهبت محتمية بذكر اسم الرجل الوحيد الذي وثقت به دون ان يمنحها وسام الثقة لذلك :


-أنا هشتكيك للعمده وأقوله أخوك هيثم بيعاكسني ؟!


-ليه ؟! وأنا سايبك معاه كُل ديه ومحاولش حتى يصف ابداع الخالق فما خلق  ؟! يخربيت فقره ! 


-لا حضرة العُمدة متربي جدًا .


-ديه خايب چدًا  .. 


هنـا أطلق صدى صوت دهشته عندما سقطت عينيه على فتاته التي تعثر بلقائها قبل دقائق خارجة من ساحة البيت وهي تتحدث بالهاتف ، وعلى الجهة الأخرى هارون الذي لم يتحمل وقوفها مع أخيه أكثر من ذلك محتجًا بالصورة العامة وحرصًا على تشويه سمعة ليـلة وأهل بيته ، قطع الخطوات بغضب يسكن رأسه وقلبـه عندما طالت مدة وقوفهـم ، وهو تحيرت عيني هيثم بين الجنة والنار ، بين السماء والأرض وهو يشكو لليلة :


-أوبا القمر على شمالي ، والنيازك على يميني ، أروح على فين بسرعة ؟دي فرصتي الأخيرة ..


تأرجحت أعين ليلة في الجهتين لتقول مرتبكة :

-أحيه ،ده  أخوك جاي علينا !! هو بيجي على السيرة ولا أيـه !! 


-هيعلقني !! 

قبل أن تطأ أقدام هارون لعندهم ، هب هيثم بالحـل :

-روحي اصطدمي بـ النيازك الله يعينك لحدت ما ما أجيب  أنا القمر في حِچري . 


-هتودينـا في داهية ! أنا بسمع كلامك ليـه ؟! 

قالت جُملتها وهي تهرول لتصطدم بهارون قبل أن يفشل مخطط أخيه .. تفرق مجمع الاثنين في خطين منعكسيـن لكل منهما يرتطم بهدفه ، اقترب هيثم من الفتاة ذات الوجه المستدير كالقمر والأعين الخضراء الساطعة كالنجوم وهو يستغل دخلاته القديمة المستوحاه من الأفلام العربية:


-لقـد أعلنت هيئة الأرصاد الجوية عن اختفاء القـمر ، قولت أما  أچي رمح ألحقك أحسن يمسكوكي !! 


جاء هيثم من الخلف مردفًا جملته الأولى على آذان تلك الفتاة ذات الجسد الممتلئ وحجابها الذي يزين ملامحها و التي لا يعرف حتى اسمها ، دارت له الفتاة وهي تنهي مكالمتها وترمقه بعدم فهم :

-أنت عم هيثم صُوح ! 


-والله ما في حد عم الناس كُلهم غيرك ! اسمك أيه الأول وبت مين ؟! 


-أنا خلود بت الحج عارف ... 


-ااااه ، عمي الحچ عارف !! ده حبيبي ، أنتِ مخطوبة يا خلود ، ولا في حد قايل عليكِ عشان أقطع خبره من على وش الأرض ؟ 


انكمشت معالم وجه الفتاة إثر اسئلته الكثيرة وقالت بسذاجة :

-أنا لساتني في الإعداديـة يا عم هيثم ، وناوية أخش الكُلية .


تفحصها من رأسها للكاحل وهو يندهش حول بنيتها الأنثوية حيت تفوه ساخطًا :

-وأما أنتِ لساتك في الإعدادية ، القالب قالب عشريني و جرجرني ليه !! 


رمقته بحماقة :

-عتقول حاچة يا عم هيثم ؟! 


تلقى صدمته وخيبته بضيق :

-عم أيه عاد !! قوليلي يا حچ هيثم !!! 


وصلت لهارون في مسافة خطوات معدودة وهي تمسك بكفه بلهفة وتسحبه في الجهة المعاكسة كي تشتت انتباه عن أفعال هيثم الدنيئة ، هبت مهلوفة بدون ترتيب :


-هارون بيه ! كويس إنك جيت لسه كنت بسأل هيثم عليك !! تعالى تعالى عايزة أقول لك حاجة مهمة ومحدش هيعرف يحلها غيرك .. 


لم تمنحه الفرصة حتى للمعارضة ، بل سحبـته ببراءتها كي تخدع مناطق عقله المتمردة دومًا ، فانساق القلب خلف عفويتها كما تتبع  الفراشات مسار الرحيق ، وقف الاثنان بأحد الزوايـا المتوارية عن الأعين إلى حد ما ، وهنا كان الاختبار الحقيقي لأكذوبة "ليلة" التي كيف ستُكملهـا لمواجـهة دهاء الطوفان الذي يملكه ، كانت مرتكبة لا تعرف من أين ستبدأ ولكن قلبها سهل عليها الطريق وقطع درب المسافـة ؛ طافت في حدق عينيه المتسائلة وهي تقرأهم :


-شكلك مضايـق !! 


ثم قفزت في رأسها جُملة " غوين " الشهيـرة من الفيلم الكارتوني " الهجرة " متقمصة تلك الشخصية التي تُشبه عفويتها كثيرًا وأكملت لتكسر فخارية ارتباكها واكاذيبها عليه بخفة دمها المعتادة وأكملت بروح تلك الطفلة التي تسكنها ممثلة دور "غوين" ببراعة :


-شكلك مضايق .. وأنت ؛ وأنت محتاج حضن .


غرقت  في وادٍ ضحكها وتاه هو في سحر عفويتهـا ، لأول مرة يحظى بامراة في سجيتها وجمال روحهـا ، وقع جملة " أنت محتاج حضن "  كانت كخيوط العنكبوت حول قلبه وكأنه جاء ليُعلن ملكيته للمكان ، فنسجت حوله جدارًا فاصلًا بينه وبين الجميـع ، أفاقت من غيبوبة ضحكتها فرسيت على معالم وجهه الجامدة المتصلبـة التي تغرق فيها بدون أدني تلميح منه ، فأدركت أنها وقعت بورطة أخرى بسبب عفويتهـا ، فبررت بارتباك :


-دي غوين قالت كده في فيلم migration .. أنت ما شوفتش الفيلم ولا ايه !! آكيد مش هحضنك بس ده إيفيه مشهور جدًا ..


ثم رجعت خصلات شعرها للوراء إثر توترها البالغ :

-أي الرخامة دي !! كمان هشرح لك الإيفيه !!! 


رد بجمـود :

-كُنتِ عايزة أيه ؟!


تنسات كل شيء و أجابته :

-أنا ؟! مش عايزة أي حاجة خالص ... هكون عايزة أيه يعني !!انا ايه جابني هنـا أصلا !! 


-أنتِ نساية ليـه !! 


ما ذاب أثر "ليلة" بالساحة أشعل نيران الغيرة برأس "زينة" التي تغير من نسمة الهواء المحيطة بهارون ، رمت الوشاح على رأسها وأخذت تتفقد المكان باحثـة عنهـا في كل صوب وحدب حتى لاحظتهم من بعيدًا ، فجاءت نحوهم ركضًا وهي تلوح بكفها الذي تُثقله الأساور الذهبية :


-جرالك ايه يا سُهنـة أنتِ !! وأنا كُل ما عيني تغفل عنِكِ أجي ألقاكي واقعة على ودان چوزي وشغاله لوكلوك !! هما اللي اختشـوا ماتوا ولا أيه !! لا عقولك أيه اظبط وإلا ورب الكعبة معنديش غير الشبشب !! 


هلع قلب "ليلة" من اقتحام " زينة" الثائر عليهما ففرت للتتحامى بكتفه على الفور وكإنه بات مكان مأمنها الدائم .. وقف هارون بوجهه وبنظراته الصارمة ليضع لها حدًا :


-ما تبطلي هلفطة إنتِ چرى لعقلك أيه !!


-أوعا ياهارون دي كهن نسوان وأنا قارياها زين !! تعاليلي .


رفع سبابته بوجهه :

-يمين عظيم يا زينة لو ما دخلتي چوة واحترمتي نفسك لأفض مشوارنا ده كله ، أنا مش ناقص خوته .


ندبت على صدرها بدهشة :

-يا ندامتي !! لا لا ... اتكتمت أهو وربنا ما هحرك لساني - ثم تلفظت بحرقة - بس البت المسهوكة دي كانت عاوزة منك أيه ؟!!! 


جاء هاشم مهرولًا من الخلف :

-ايه يا هارون سايبني مع الرجالة - ثم تفحصت عينيه حول زينة وليلة حيث قال مغازلًا في ليلة - وواقف هنا مع الغزالة ! ولا هما عيچوا زاحفين للكارفين !! 


فلحق بهِ هلال الذي لاحظ موقفهم فجاء ليتساءل على هيثم :


-أين هيثـم ؟! 


هبت زينة لتبث شكوى أخيه وهي ترمقها بسخط :

-احضرنا يا هاشم ويا شيخنا تعالى شوف أخوك عاوز يسيبني عشان دي ؟! 


حانت من ها نظرة سريعة نحو ليلة :

-عيفهم  .. 


خاب رجاؤها من هاشم فتعلقت بتقوى هلال :

-يرضيك يا شيخنا !! 


تحمحم بهدوء وهو يطالع هاشم أخيه ليمزاحه كعتادهم معًا  :

-يالله !! لقد رُد له بصـره . 


فعادت لتشكو همها لهارون الكاظم لضحكه :

-شايف أخواتك عيتمقلدو عليّ يا هارون !! 


فانضم لهم صوت هيثم من الخلف حاملًا أسفار خيبته :

-مزعلين زيّنو ليه ؟! 


-أنت اللي هتنصفني يا هيثم ، تعالى شوف حال أخوك مش عاجبه إني غيرانه عليه وعيحلف عليّ يسيبني عشان البت دي ..


هتفت من وراءه بلماضة :

-دي ليها اسم على فكرة ، اسمي ليلة ، اتعلمي الذوق شوية بقا .. 


أيدها هيثم الواقع برقة ليلة :

-ما تسمعي الحديت وتتعلمي منيها .. عتتكلم صُح . 


ونظر لهارون واعظًا وهو يرسل نحو زينة القليل من النظرات الماكرة :

-هِرن يا خوي اشتري مني ، اللي ما تعرفش تغيره بدله .. 


فأيده الشيخ هلال الذي يسحب أخيه من بينهم :

-وتذكر قول الله تعالى " يبدل الله سيئاتهم حسنات " 


ربت هاشم على كتف أخيه بمزاح وهو يراقب ليلة التي تقف على يمينه وزينة التي تقيم على يساره :

-الله يفتح عليك يا مولانا .. اتوكل على الله يا هارون وكن من أهل اليميـن .... 


نفذ صبر هارون من سخافات إخوته فجهر وهو يطالع هاتفه كالمنتظر لقدوم شيء مهم :

-هنفضلوا نتسايروا إكده وسايبين أبوكم ، أنتوا التلاتة قِدامي ولو لمحت فيكم واحد غايب ما هحله  .. 


جاءت نجاة تركض على نفس واحد وهي تقول بفزع :

-هارون ألحق ، هيام شغالة تبكي وسابت الحنة وعتقول مش عاوزة تتچوز .. وعمتي عاوز الشيخ هلال يرقيها شكلها خدت عين ... 



🦋الآصرة السادسة عشر🦋


كتب أحد الرجال الذين لم ينصفهم الحب :

-عزيزتي الجميـلة:

لقد أخطأت بحقنا عندما أحببتك بهذا العالم القاهر للغاية .. لو كُنا بـ عالم آخر موازي لانقلبت الموازين وتعانقت قلوبنا ..و كُنا الآن معًا نطل عليه من نافذة غُرفتنا .. 

أما هذا العالم مستبد لدرجة الجنـون ، فمن باب الرحمة بتلك القلوب المحترقة أن توضع قوانين لتحمي القلب قبل حماية المواطن .. ويحصل منها كل فرد على حقه من الحقوق العاطفية ، وينال كُل منـا مُراد قلبـه … ومن يسعى خلف تحطيم قلبين عاشقين يصدر عليـه حُكم الإعدام كما كان يسعى لفعل ذلك معنا ومع قلوبنا المُتيمة ..


#نهال_مصطفى .


••••••••••


-" اللهم أذهب البأس رب النـاس ، و اشف أنتَ الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك .. شفاء لا يُغادر سقمًا " 


طلب هارون من هِلال أن يصعد لأختـه ليرى ما بها بعد ما أكد عليه أن يرسل ريح الطمأنينة لقلبها بمجيئه إليها بعـد توديع الضيوف مع بقية أخوته ، ذهب هلال لعندها وأمر بمغادرة الجميع من الغُرفة فلم يتبقى معهما إلا هاجر ، ختم مراسم الرقية الشرعيـة بدعائه الأخير وهو يضمن رأسها لصدره ويمسح على رأسها بحنان زاخـر ، فطالع وجهها الباكي وأخذ ينفث بهدوء على ملامحهـا الذابلة فسألها :


-حسيتي حاچة !! 


تشبثت بكف أخيها وهي تشكو همها :

-مش عاوزة الچوازة تتم يا هلال ، جبـل يا أخوي وكاتم على نفسي .. عاوزة أصرخ وما قادراش .. 


بطرف كُمه كفكف دموع صغيرته المصبوغة بكُحل حزنهـا ، وهو يواسيهـا قائلًا :

-كُل هذا من العين أم هناك أسباب آخرى ؟ 


تدخلت هاجر بمزاح لتُلطف الأجواء :

-شكلها مش عاوزة تهملنا وتمشي ..


ثم فتحت ذراعيها لتضم أختها باحتواء:

-ولا أنا كمان قادرة اتخيـل البيت من غيـرك . 


رفع هلال رأسه ليُقبل جبين أختـه الحزينة وقال بدفء :

-مفيش حاچة هتحصل من غير رضاكي .. طمني قلبك بهذا  . 


في تلك اللحظة ؛ مال مقبض الباب الذي فُتح ليظهر منه هارون الذي تملص من حشد المعازيم المتزايدة وقال بحزم :


-هلال خد هاجـر واطلعوا ..


عارضته هاجر وهي تتشبث بأختهـا :

-لا مش ههملها يا هارون ، سيبني معاكم أنت مش واعي لحالتها .


نظر لأخيه بهدوء ما يسبق عواصفه ، ففهم هلال على أخيه فقال بصوت متزن :

-هاجر لا تجادليـن !! 


تقهقرت هاجر من جوار أختها بعد ما قبلت وجنتها وهي تقول بحزن وخيـم :

-متبكيش تاني وإلا هروح اخلص على ضيا دهون ونستريحوا منه . 


تبادلن الابتسامات الحزينـة حتى تمسكت هاجر بكف هلال أخيها وغادر الثنائي الغرفة ، أحكم هارون غلق الباب خلفـهم ثم دار لأخته فاتحًا ذراعيـه بحنان أب:


-خبر أيه !! حُصل ايه لده كُله !! 


ثم جلس على طرف الفراش أمامها وكفكف بإبهامه دموعها :

-دموعك دي تنزل وأخوكي في ضهرك !! أومال لو متت ؟! 


هبت بهلع :

-بعد الشر عنك يا خوي ، حِسك في الدنيا .. 


بنبرته الخفيضة أكمل :

-جرى أيه ما أنتِ كُنتِ زينه من الصبح وفرحانة ؟


-حاجة كتمت على قلبي يا هارون ومبقتش قادرة اتحمل هملت المكان وقومت  ، أنا مش فاهمة روحي ، ليّ شهور عاوز أبعد وكل ما افتح السيرة مع أمك تهت فيّ كإني عاملة عملة ، كنت بنزل المية بنفسي اذوق المراكب الواقفة عشان تسير وأقول معلش يابت بكرة ربك يحلها ويهديه أهي چوازة والسلام هتقعدي لحدت ميتى ..وهو كان يجي يضحك عليّ بكلمتين وبعديهم يقلب تاني ، تعبت يا هارون تعبت .. ومابقتش عارفة أعمل إيه!!!! 


تأرجحت عينيه بغضب دفين :

-صفية كانت عارفة كل ديه وساكتـه !! 


تدلت عينيها بانكسار على حالتها ، فأمسك بذقنها لترفع جفونه لعنده قائلًا :

-أبوكي وأخواتك حسهم في الدنيا ، وما عاش ولا كان اللي يكسر عينك .. 


ثم جلى حلقه وتعاهدت أعينه قبل الألسن :

-واثقه في أخوكي !! وواثقة في كلامه !! 


ردت هيام ملهوفة :

-لو قولت لي أرمي روحك البحر مش هفكر حتى.. 


-وأنا عمري ما هسمح بحاچة تضرك ، وكلمة من أخوكي الچوازة دي مش هتتم ، بس عاوزك تسمعي كلامي زين ! 


اتسع بؤبؤ عينيها :

-كيف يا خوي!! ده الفرح بكرة وخـ… 


-ويمين الله ما هيلمس منك شعره ، بس أنتِ فتحي مخك معاي وأنا هقول لك تعمـلي أيه .. 


لقد كانت لديه القدرة الكافية على احتواء وترميم شقوق روح الجميع أما عن مصائبه هو عاجز تمامًا … فقط كُل ما يحتاجـه المرء منا وبالأخص الأنثى هو والاحساس بالأحتواء والدفء وأن هناك كتف قوي يتلقى من عنها الطعنات؛ اكتفت بإلقاء رأسها على صدر أخيها وهي ترتجف من الحزن وتعتذر له :


-حقك عليّ يا خوي عشان هحطك في موقف محرچ زي ديه ، بس… 


ربت على كتف صغيرته بهدوء :

-بطلي عبط … أنا أرمى روحي في النار ولا دخانها يطولك . 


ثم تحمحم بهدوء لا يتناسب مع حرارة الموقف :

-قومي اغسلي وشك ونامي وسيبك من العالم اللي تحت وانا هتصرف معاهم …


••••••••••••••

~بالأسفـل … 


-"قالوا شقيـة قُولت من يومي ، قسمـوا النوايب طلع النايب الكبيـر كومي "


جلسـت صفية على أحد درجات السُلم وهي تنوح على بختها المائل بجملتها الأخيرة وسط السيدات اللاتي انقلبـن من اماكنهما ليواسوها ، فاردفت أحداهن :

-وحدي الله يا حچـة .. 


وضعت كفها على وجنتها وأكملت فقرة النواح على حال ابنتها :

-"لما قالولي ده ولد اتشد ضهري واتسند ، ولما قالولي دي بِنية جات الدِنيـا وحطت عليا .. يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات .. "


فأعقبت الأخرى :

-عين وصابتها يا خالتي متقهريش روحك ، بكرة هتبقى زي الفل والياسمين … 


مالت ليلة على مسامع أحلام التي تُسبح على أحجار مسبحتها البنية وسألتها بحيرة :

-طنت صفية بتغني ولا هي زعلانة كده ولا هي بتقول أيه ؟


صاحت "أحلام" بضيق كي تكف عن تعديدها :

-ما خلصنا يا صفية ، استغفري ربك وقومي اطمني على بتك .. وبطلي حديت فارغ . 


صاحت الأخرى بجهل وقلة دين :

-اللي تكوي قلبي ما تبقاش بتي يا أحلام .. بتي مش عاوزاني أفرح بسترتها ولما اشوفها في بيتها متهنية .. ياريتني چبتهم كلهم ولاد ولا حرقة القلب دي .. 


جاء هلال في تلك اللحظة وكلمات أمه تقع على قلبه كجمر يحرقه ، فاقترب من أمه واعظًا ومستدلًا بحديث الرسول :

-يا أمي لا يجوز لواحدة مثلك زارت بيت الله أن تقول أقوال جهالة .. ألا تتذكرين قول النبي "ليس منا من ضرب الخدود أو شق الجيوب أو دعا بدعوى الجاهلية"


لم تكف صفيـة عن ندبها :

-واللي عملته أختك ، دي عاوزة تجرسنا وچوزها زمانو چاي يهنيها ويتحنى .. هتخلي سيرتنا على كل لسـان .


-أختي لم تفعل شيء نخجل منه ، ويحق لها الاختيار لمن سيرافقهـا الدرب .. نحن معهـا على أي حال .. أختي لم تقترف ذنبًا واحدًا .. 


ألقت " رقية " نظرة لأمها كإنها تستأذنها للتحدث بما ما أعجبت بحديث ولطف هلال مع أمه ؛ فتدخلت قائلة برغبة منها  :

-يا خالة صفية متزعليش واسمعي كلام الشيـخ هلال .. 


ثم ألقت على وجهه المتدلي بالأرض وأكملت :

-أهم حاجة عندنا راحتها وفرحتها ، يعني هتفرحي لما تشوفيها متنكدة وقرفانة في عيشتها !!


-لا ، المهم تتچوز وتتسر .. 


فأكملت رقية بجملتها التي رُدت بقلب مولانا المغرم بصوتها :

-تتچوز وتتهنى وبعدين نقولوا دي اتسترت .. لكن تتجوز ووتتنكد إكده مسهماش سترة دي جُرسة ياخالة.. 


-الله يفتح عليكِ يا أخت رُقية .. 

قال جملته وهو ينهض من مكانه ليُقبل رأس أمه ويتأهب منصرفًا من مجمع النساء الذي اقتحمه إثر ثرثرة أمه الباغضة وقال :

-بالأذن .. استهدي بالله وقومي توضي وصلي وربك يرسل تيسيره إلينا …


ثم انحنت رأسه بالأرض تحت أعين بعض النسوة الخبيثات :

-تأمري بشيء يا أخت رقيـة ؟


أحمر وجهها وقبل ما تجيبه تدخلت زينـه لتقول بقلة حياء :

-هتعوز أيه يعني واجبها واتاخد - ثم صاحت بالباقية- ولو سمحتوا الحنة باظت ومفيش عروسـة يلا يلا كل مراه على بيتها أهل البيت عاوزين يرتاحـوا … المولد فض . 


كظمت رقية غضبها من بجاحتها واكتفت بنظرة ثاقبة لها وهي تزيح كفها من عليها وبدون أي كلمة تخصها ، فخير رد على السفيه الصمت ، استغفر هلال بسـره وهو يعلن انسحابه فأوقفه زمجرة صوت هارون أخيه الواقف بمقدمة درجات السُلم وهو يقول بتأدب  :

-"العروسة تعبانة شوية من الشقى  ، وبكرة مستنينكم على الفرح في معاده ، نورتونـا … "


رمقه هلال بنظرات معارضة سايسها هارون بإشارة منه بأن هناك أمر جديد لا يعلمه ، وثبت صفية لتستنشق نسـيم الراحة وهو تصدح بالزغاريـد :

-يعني الفرح هيتم !! يا فرحة قلبي .. مش قولتلكم چلع بنته !! بتي متعملش في أمها إكده واصل ، ربنا يخليكي لقلب أمك يا هيام …..


•••••••••••


~السـاعـة الثانيـة بعد منتصف الليـل .


نام الجميع من الساعة العاشـرة مساءً ، كان الهدوء يـعم النجع بأكمله لا يقطعه إلا عواء الذئاب ونباح الكلاب ..اجتمع الأخوة بالحديقـة حول بؤرة النيران المتقـدة للتدفئة حتى قص عليهما هارون كل ما يتعلق بأمر أخته .. قفل هاشم هاتفه إثر رنين رغد المتواصل بعد ما ارسل لها جملته الأخيرة " هكلمك لما اطلع " وقال بنبرته القاطعة كالسيف:


-وكيف صفية تسكت على الكلام ده لحدت ما ورطتها !! هي مش هيام كانت حباه ورايداه وهو ديه اللي خلانا نحطو مركوب ونوافقوا بيه  !


فأكمل هيثم مغلولًا :

-الناقص، ورب الكعبة ما هعتقده يا هارون.. 


لم يكف هلال عن ذكر الله الذي يفرغ به دخانه غضبه المحترق ، فقال :

-الجزاء من جنس العمل .. وهو يستحق كل ما يناله منا .. يستغل عرضنا ليؤذينا فيه .. الدنيء.


فتدخل هيثم مقترحًا :

-أحنا نروح له بربطة المعلم ونرنه العلقة التمـام لحد ما يقول حقي برقبتي ويطلقها ، أنا مش هسيبله أختي يا هارون ..


فتدخل هاشم بحدة :

-محدش هيسيبها ، الواد ديه لازمًا يتصفى ويشقش عليه نهار ، ودي سيبهوالي . 


تقابلت أعين هلال وهارون المتزنـة والتي تُحكم عقلهـا حتى ترجم هلال مقصد أخيه وقال :

-المچلس أنا هحلهـا ، بس التسچيل مش حُجة يُأخذ بهـا .. 


أشعل هارون سجارتـه بهدوء وهو يهز رأسه عالمًا بسير بخُطاه :

-عالم حسابه ..


قاطعهم هاشم الذي يحترق داخله كما تحرق النيران الفحم أمامهم:

-أنتوا أيه البرود اللي أنتو فيه ده !!! أنا هروح بيتهم أخلص عليه الـ*** ابن الـ*** .. 


فوثب هيثـم متحمسًا :

-وانا معاك ، أحنا نروح نولعو فيه وفي دارهم وفي اللي معرفوش يربوه .. الناقص ولِد الـ***، جاي يلعب مع أسياده ..


وقف هارون ليثبط من ثروة أخوته برزانة :

-اللي عدى البحر في سفينة نايم .. غير اللي عدى وسط القروش عايم .. يعني اركزوا عشان أنا عارف هعمل أيه لان لو غلطة واحدة هتغرقنا كُلنا ..


عارضه هيثم :

-يعني ايه يا هارون ؟! ما تفطمنا يا وِلد أبوي ؟ 


-يعني تروح تنام أنت وهاشـم والصُبـح هتعرفوا . 

عارضه هاشم بضيق :

-ما دامت عارف هتعمل ايه قولت لنا ليه من أصلو ،، هارون افهمني اقطع عرق وسيح دمه أنا عاوز اختي تترمل ، أحسن من ندخلو في حوارات ومجالس وو 


-وأنا قدامك مش عتحنجـل ، قولت لك الموضوع خلصان ومحدش هيفتح خشـمه .. روح نام واشبع نوم .. 


ثم سحب عباءته الصعيدية بنفور وقال :

-بالإذن … 


تراقصت النظرات الحائرة بينهم حتى أيده هلال قائلًا :

-اسمعوا كلام هارون هو عارف عيعمـل أيه .. 


ثم ربت على كتف هاشم قائلًا :

-مش بالباع والذراع ، المخ له أحكامه يا سيادة الرائد .. 


انتظر هثيم رحيل هلال فجهر مقترحًا على أخيه :

-أنا عارف فينو دِلوق ، تيچي نخلصـوا عليه ونتاووه في أي بير !


هناك مقولة عسكرية تقول : 

"إذا كان الطريق آمن فاعلم أن هنالك كمين" صحة هذه المقولة لمْ تثبتها الأحداث التاريخية فقط بل أثبتتها حتى المعاملة اليومية بين أبناء البشر! فإذا ما قابلت شخصًا كُلُّ صفاته الظاهرة نزيهة، ولا تدع في قلبك مجالًا للشك، فإنّك حتمًا وبموقفٍ واحدٍ _ربّما_ سيتّضح لك أنّك كنت على خطأ، وأنّ تلك الثقة التي قمت بمنحها قد صُنع بها كمينًا محكمًا للإيقاع بالمخدوعين أمثالك .


هرب هارون لجُحره الخاص وعالمـه الذي يهون عليه مرارة العيش ، فتح باب غُرفتـه الخشبيـة وأشعل إضاءتها وتحرر من كل ملابسه الصعيدية التي تشد أغلالها على عنقـه ، فتح خزانته الصغيرة وأخرج ملابسه الرياضيـة .. توضأ وصلي ما فاته من فروض أثناء يومه ثم أشعل النيران للتدفئة ووقف ليعد كوبًا من القهـوة يبدو أن هناك أمرًا يشغل رأسه فيود أن يصرف شبح النوم عن عينيـه حتى يتلقاه …


وعلى الجـهة الأخرى ؛ كانت ليلة متيقظة فهي لم تعهد النوم مبكرًا مثلهم فلم تنل إلا قسطًا قليلًا من النوم ونهضت على اتصال أمها التي لم تتوقف عن الرنين ، بعد ما انهت تلك المكالمة التي لا تخلو من الاوامر والتأكيد على تناول الأدوية بانتظام و التي اعتادت أن تنساها في الفترة الأخيرة .. فتحت باب غرفتها المُطل على الحديقة بعد ما ألقت وشاحًا على كتفيـها وأخذت تتفقد المكان بيأس .. تاه بها الفكر حول أي سبب آتى بها لهنا ؟! وأي قدر أوقعها مع أشخاص مثلهم ؟! وأي مجهول ينتظرها ؟! 


وهي تسير تحت ظل النجوم المختبئة وراء الغيوم كإختباء قدرها المجهول تقاوم صدح تذبذب الجرعات السامة برأسها فـ بدّ لها قرص القمر الساطع يتلألأ نوره في خد السمـاء ، اتسعت ابتسامتها بمرحٍ وهي تقول بصوت مسموع يملأه الانبهار :


-واو !! القمر مكتمـل يعني الخواتم  المفروض تكون اختفت في الوقت ده !! معقولة ؟ 


كان القمر ينعقد ضوءه فوق سطح غرفته المفتوحة والتي ينعكس منها النور فتعلن وجـوده ، مددت أنظارها للباب الموارب فخفق قلبها بدون أدنى إرادة منها بنبضة مجهولة لا تعلمهـا ، سارت خطوتين إليه ولكنها تراجعت برجفة قلب أصابتها :


-لالا .. عيب ميصحش آكيـد نايـم .. 


ولت ظهرها معلنةً غروبها من اي مكان يجمعهما معًا ، فـ ظهر من باب حجرته وهو يرتشف قهوتـه وهنـا انعقد حاجبيـه باستغراب ، فنادى جاهرًا :


-أنتِ !!!! 


تمنت ولو الأرض تنشق في تلك اللحظة وتبتلعها ، ما هذه الصدف التي تآمرت عليهمـا ؟! ما تلك الورطة التي وقعت بها في تلك الساعة التي تضم القمر والغيـوم ورجل مثير للفضول مثله !! أخذت نفسًا طويلًا وهي تدور نحوه وتدنو منه بخطوات مترددة :


-أنت لسه صاحي !! 


هبط درجتي السُلم الخشبي وقال متسائلًا :

-فين المُشكلة ؟! 


ردت مبررة :

-المفروض بكرة عندك يوم طويل وكمان النهاردة كان متعب ، وبتشرب قهوة في الوقت ده ،قصدي ترتاح شـوية عشان صحتك .


ارتشف رشفـة من فنجانه وهو يعقب على حديثها بشموخ :

-لا الصحـة بومب. 


ردت بعفوية :

-يبقى تحافظ عليها ، مش تضيعها  !! 


رفع حاجبه مع تلك الابتسامة الخفيفة وأكد :

-قولت لك بومب …


أحست بالارتباك قليلًا فسحبت من يديه كوب قهوته التي أحبتها كثيرًا  وأخذت منها رشفة بدون استئذان لتقول بمزاح يتنافس مع براءة ونقاء قلبها لا تقصده منه أي شيء :

-هشرب من كوبايتك عشان تجري ورايا ..


استقبل جُملتها باعتراض قطعه سيف حاجبه المرفوع :

-لا ياشيخة ؟!


-أنتَ مش مصدقني !! دي أسطورة شهيرة جدًا ، بتقول أن لو واحدة شربت من كوبايـة واحد أو العكس ؛ كده معناه أنه هيقع في حبها من أول وجديد وهيفضل العمر كله يجري وراها ومش هيشوف بنت أحلى منها .. 


ثم وضعت الكوب بيده وأكملت بثناء :

-وبعدين دي هو كل كلمة أقولها كده تقف عندها ؛ منا كلامي واضح أهو ؟! فين المشكلة مش فاهمة ؟! 


مال إليهـا وهو يُطيل النظر بعينيها الخضراء :

-أهي هي دي المشكلة في حد ذاتها ؛ مشكلتك حافظة مش فاهمة .. 


تعلقت بسحر عينيه التي تقرأ تعويذة الحُب عليها لتقول بخيبة أمل مواجهة تلك الحقيقة التي تحاول الهرب منها  :

-يعني أنت كمان شايفني فاشلة زيهم  ؟! 


خربشت قطته على جدار قلبه بسؤالها ، فـ رد بنبرته الهادئة وهو لا يفارق موجة عينيها المتقلبة :

-أنتِ مش فاشلة ، أنتِ لسـه يومك مچاش .. 


‏حقيقة: " فقد يهبط القبول قبل الحبّ بمدة" فيكونُ على هيئة انشراحٍ عجيبٍ وأُلفة غير مفهومة، وتلك منزلة عزيزة تُساق إليها قدرًا ولطفًا؛ لا بسعيٍ منك ولا سابق اجتهادٍ وترصّد.. مازالت "ليلة" تحت سُكر تلك النبرة الهادئة الجميلة التي تملك دفء وبرودة الغيوم وعزف النجوم :

-ولما يجي هنجح وكُل الناس هتشاور عليـا وهكون مبسوطة ! 


-لو قلبـك مستني كل ديه مسيره هيقابله ..


فأخذ نفسًا عميقًا وأكمل :

-وما زرعَ اللهُ في قلبِكَ رغبةً ‏في الوصُول لأمرٍ معيَّن .. ‏إلا لأنه يعلمُ أنك ستصلُ إليه.


تجلى حلقها الذي جف من نار ونور ذلك الحديث الدائر بينهم لتسأله بعفوية :

-وأنت قلبك قابل اللي كان مستنيه زمان ؟.


-أنا عمر قلبي ما استنى حاجـة عشان يقابلهـا .. أنا غيرك وغير أي حد .. أنا رامي قلبي تحت رچلي . 


‏غسان كنفاني اختصر القصة كلها لما قال :

أنا لا أستطيع أن أتحمل خذلاناً جديداً، ولو كان خذلاناً تافهاً .. هكذا هو حال شخص مثل هارون ، خذلته الحياة حتى أجبر على خلع ماتور الشعور بهذا الجسد كي لا يُعذب مرة آخرى ، عارضته ليلة السابحه بمعالم وجهه التي لم تكف عن تأملها :

-بس ده مش صح .. 


انتبه لتصبب قطرات العرق من جبينها التي توحي بارتباكها الشديد من حرارة نظراته التي ذوبت ملوحـة حزنها وطرقت على باب المجهول ؟! باب الحب أم باب العذاب يا ترى ؟! 


عاد له رُشده على الفور ، كمن نزع حذائه وحملق بالسمـاء وسارت قدميه الحافية على الرمل بدون وعى حتى ابتلت أقدامه كإنذار له عن الغرق ففاق للتو وتشتت عن أمر شروده ، تحمحم وهو يولي ظهره محتجًا بترك الكوب بأي مكان :


-لو مش هتنامي تعالي نشوفوا حابة تروحي فين عشان تصوري . 


ردت بصوتها المتهدج وهي تراقب بُنيته القوية التي تفتقدها بجسدها الضعيف وقالت :

-شوف أنتَ ، أنا معاك في أي حاجة … 


هرول للعودة لغرفته وفرغ محتوى الرفوف بطاقة غريبـة ، يبدو إنه كان يود الهرب من أمور كثيرة فتمسك بطرف اجتماعهما معًا .. أعطى لها كتابًا خاصًا بمعالم "قنا" وطلب منها ان تطلع عليه وهو الأخر مسك كتابًا ورزع بذور أعينه المحملة بـ داء التطلع لها بصفحات الكتاب ، فما سيثمره يا ترى ؟!!! 


مرة قرابة النصف ساعة فثاوبت ليلة وأحست بالملل من كآبة ذلك المحتوى الذي يقع بين يديها ؛استند مرفقها على سطح الطاولة التي تجمعهما ساندة وجنتها على راحة يدها وهي تتأمله بنظرات لم تعلم أنها تسحبها لقعر حُبه ، كان منشغلًا بالكتاب الذي بين يديه مرتديًا نظارته الطبية وما أن شرع في قلب الصفحة فتزحزحت عينيه عن ورقات الكتاب لورقتي أعينها المنفرجة نحوه وهي تقول :


-لايق عليـك جدًا تكون دكتور في الجامعة.. 


تحمحم بهدوء متجاهلًا خربشاتها على جروحه وسألها :

-خلصتي الكتاب اللي معاكي !! 


-تؤ…

أصدرت صوتًا نافيـًا ثم أتبعت :

-لا طبعًا ، لو خلصت أنتَ كتابك ، خُد خلص ده كمان عشان أنا بصدع بسرعة ! 


رفع ذلك الحاجب الذي يسبقه في أي اعتراض وسألها :

-وأنتِ هتعملي أيه لما أخلص كُل الكُتب دي بروحي !! 


هزت كتفيها ببراءة :

-مش لازم أعمل حاجة ، بس ممكن أحكي لك عن شهرزاد وقصص ألف ليلة وليلة وأنت بتذاكر ! 


رد متعجبًا:

-فاضية أنتِ تقري قصص لكن مش فاضية تعرفي لك معلومة تنفعك  .. 


هبت من مكانها لتنتقل لمقعد آخر أقرب له وقالت بحماس :

-ده كلام مفيد جدًا ، أنا أصلًا واقعة في حُب شهرزاد !! اسألني ليه يلا .. 


قفل الكتـاب مرغمًا ومغرمًا لينصت لها وقال :

-اشمعنى ؟! 


تكورت يديها المسنودة على الطاولة تحت ذقنها وهي تمارس على تمرده سحر النظرات وقالت :

-عشان هي الوحيدة اللي خلت الملك يتوقف عن بحور الد.م اللي كانت مغرقة المدينة في الوقت ده ، عارف ليه ؟! هقول لك أنا .. 


ثم سحبت كتاب التاريخ من تحت يدها بعبث وقالت :

-لأنها الوحيدة اللي حبها …. تحب أحكي لك ؟! 


هـنا لقد دق هاتفه بالرسالة المنتظرة التي سحبته من سطوها لهاتفه وهو يتفقده بلهفة حتى صاح فارحًا :

-ينصر دينك … 


فرمقها بسعادة بالغة تتلألأ من عينيـه وهو يغادر مقعده ليجري مكالمة تليفونية ويخبرها :

-وشـك حلو عليّ .. 


رمقتـه باندهاش عندما وجدته يغادر المكان :

-حصل أيه ؟! فهمني طيب ..


••••••••••


قضت ليلة بعض الوقت مع هارون حتى استقر الاثنان على مكان زيارتهم الجديد ثم عادت لغرفتها مع أذان الفجـر على صـوت الشيخ هلال الذي أشادت بجمال صوته ، ما أن رأتـه يتوضأ كي يستعد للوقوف بين يدي ربه ، أصابت الغيرة قلبها فطلبت منه أن تستأذن لتأدية الصلاة في غُرفتها وتدعه يرتاح قليلًا … 


انفلق الصباح وانفلقت معـه حكايات جديدة وأقدار لا يعلمها إلا الله .. بدأ اليوم من منزل " بكر فياض " الذي يرن قعر صـوته بالبيت بأقذر المصطلحات الدنيئة وتطاولـه المستمـر على أهل بيته ، جاءت زوجته حاملة كوب الشـاي بغل ووضعته أمامه على الطاولة وقالت بنفاذ صبر :


-ينفع توطي حِسك عشان البت نايمة .. 


رفثت قدمه الطاولة بما عليها وطالت يده زوجتها وهو يلعنها قائلًا :

-يعني ايه وطي حسك ؟ ديه بيتي واللي مش عاچبه يغور في ستين داهية ؟! هو أنتِ هتقوليلي أعمل أيـه ومعملش ايه ؟! 


ظل يفرج حممه البركانية من الغضب بتلك المسكينة التي مسحت الأرضية المبللة بدموع عينيها وملابسها ، سحبها من شعرها بقوة وظل يعنفها بجنـون ثائر ، كانت تصرف وتستغيث ولكن لا حيـاة لمن تنادي عليه ولكن الله الواحد القاهر يطلع على كل شيء .. دفعته بكل قوتها كي تهرب من سطو اثره وهي توبخه :


-فالح تعمل رجل عليّ روح اتشطر على اللي فتحت نفوخك وقعدتك في البيت زي الولايـا ..


لم تستطع الهرب من تحت يده بل فرغ فيها بمنتهى الوحشة تجبره وقوته الجسدية التي ميزها الله بها ليحميها لا ليستقوى عليها حتى تصبغ جسدها بكدمات الشر الزرقاء والحمراء …..


~وعلى الجهـة الأخرى :


تقف " رُقيـة " مع أمها بالمطبخ التي تغسل الصحون وهي لم تكُف الحديث عن هِلال الذي شغل حيزًا كبيرًا من رأسها ، قضمت ثمرة الخيار التي بين يدها المضمومة :


-عارفة ياما أنا أول ما شفت هِلال كأني شفت عفريت و مكنتش طايقاه ، بس بعد موقفه الچدع معانا ووقفته قصاد بكر ، كبر قوي في عيني وحسيته جدع ، وشوفتي كمان وهو عيتحدتت مع أمه !! أخلاقه عالية قوي ..


فتحت أمها الصنبور وهي تغسل ما بيدها وتقول بخبث :

-والله الراجل من ساعة ما شوفته وهو دخل قلبي .. ده مفيش زيه فالعزايزة كلهم .. أدب واحترام .. وحلاوة وعينه معتترفعش من الأرض .. يابختها يا هناها اللئ مكتوبـلها.


هزت رقية كتفيها باستنكار وهي تنفي تلميحات امها :

-آكيد مش أنا  ، أنا أصلًا مش هتچوز وهعيش العمر كله جارك .. أنا بس عحكي معاكي والكلام جاب بعضه .. وأصلا مش حِلو ولا حاچة دي لحيته وأكلة وشه .. 


ثم اقتربت منه أمها وقبلت وجنتها وأكملت بشغفِ :

-بس لما بشوفه قلبي بيدق بسرعة ، وبحس نفسي عبيطة قوي قدامه .. يمكن عشان هو هادي زيادة عن اللزوم وأنا أصلًا هبله ؟! 


قفلت أمها الصنبور وهي تتراقص على اوتار قلب ابنتها التي تنكرها :

-لا يابت بطني ميتة عاوزاكي تخللي چاري ، أعيش وأشوفك متهنية في بيت عدلك ، وياخد بكر ولد فياض ويريحنا .. 


ثم غمزت بطرف عينيها :

-ويچعل من نصيبك اللي دق له قلبك يا هبلة يا بت الهبلة .. 


أحمر وجهها بحياء وهي تفرغ خجلها بالخيارة :

-وبعدهالك ياما .. 


-متتكسفيش يابت ، دا أنا أمك ومحدش هيعرفك قدي .. 


قبلت رقية أمها بثغرها الضاحك شاكرة القدر على وجودها بحياتها ثم عادت لتروي لها عن تفاصيل أمس:

-شوفتي اللي اسمها زينة ، يا بوي منيها ياما ، بت سماوية قوي ، أنا مش عارفة كيف خالتي صفية مصرة عليها، ده حتى هارون ديه وِلد خلال ويستاهل الخير..


ردت صفاء بعد اقتناع :

-بت أخوها ولازمًا تچوزها لواحد من عيالها .. أومال هتسيبها وتسيب الخير اللي وراها لمين ؟ 


-وهما ناقصين خير ياما !!


-البحر يحب الزيادة يابتي ..


ختمت صفاء جملتها وهي تتأوه ممسكة بقلبها الذي عاد مرة آخرى ليؤلمها مستغيثة بابنتها :

-ألحقيني يا رقية يا بتي .. قلبي رچعت له الحالة من تاني و مش قادرة .. وديني الوِحدة يابتي ….. 


جن جنون رقية وهي تتحرك كالفاقد لعقله بالبيت ، وضعت وشاحًا فوق رأسهـا وأخذت مفاتيح سيارة أبيها ذات الطراز القديـم ، وهرولت بأمها للمستوصف الخاص بالنجع وهي تبكي تارة وتمنحها الأمل طورًا …..


••••••••••••


مر اليـوم سريعًا كل شخص منهم مشغولًا في مهام يومـه .. يوم نمطي لأي عروس بنجعهم ، الذبائح والولائم والازدحام والمارة في كل صـوب وحدب وجمهرة الأصوات ، الجميع يتحرك على قدم وساق والكل يتسابق مع عدد الساعات لينجزون ما يمكن انجازه …. 


قرعت الطبـول بعد صلاة المغرب ، وفرشت الأراضي بالورد والرمـل ، وتوافد المعازيم من كافة القبـائل المجاورة والمعروفـة .. تزينت العروس وهي تحت تأثيـر صدمتها حول كيف سيخلصها أخيها من ذلك المأزق ، لم تجب على اتصالات ضيا المتكررة حتى فاض بها الصبـر وقفلت هاتفها وهي تتساءل عن أخيها ؛ أين هو ؟! 


جهزت صفيـة مائدة عشاء العروس وأعطت له مفتاح البيت لهيثم كي يرسلها لبيت أخته بسيارته مع فردوس .. نفذ هيثم ما طُلب منه بنفور ، الأربع أخوة لم يلامس الفرح وجوههم ، بل كان الصمت يعُم الأجساد … 


قضت " ليلة " نهارها نصفه نائمة إثر تناولها جرعة الدواء القاتل لخلايا مخها والنصف الآخر جاءت لتُرافق أحلام الجالسة بمفردها بغرفتها وتتبادل معها الحديث …. 


أما عن "نغم" التي اغتالت مشاعرها وجاءت لحضور حفل الزفاف إثر إلحاح زوجة خالهـا ، كي لا تكن مضغة الأفواه .. كانت تتحاشى النظر تمامًا عن طيف هارون ، حتى الحوار الذي كانت تتعمد أن تخلقه معه ، اغتالته مع شوك مشاعرها …


مرت الساعات ولم يخلٌ الفرح من تهامـس وتنمر النسوة عن حادث الأمس وعن رفض العروس للزواج ، كانت هيام جالسة على مقعد العروس بصمت منتظرة مجيء عريسها ليأخذها لبيتهما كمن ينتظر قدوم قابض الأرواح .. الجميع يتحرك أمامها ويقومن السيدات بادعاء المعازيم للعشاء افواج أفواج وراء بعضهـا ومن بعدها يعودون ليضعوا نقوط العروس بذلك الصندوق الكائن بجوار قدميها كمباركة لها  .. الكل منشغل عنها أما هي وقلبـها لا يشغيلان بال أحد …


اقتربت منها " ليلة " التي ترتدي ملابسها العصرية لتجلس بجوارها بالكوشة وتربت على ظهرها :


-أنا واخدة بالي إنك مش مبسوطة ومدايقة ، أنا نفسي اساعدك بس مش عارفة إزاي؟


يبدو أن القلوب المتألمة تُنادي بعضها وتنجذب لبعضها البعض ، رمقتها هيام لتقول بخزي :


-عمري ما اتخيلت أعيش اليـوم ديه ويكون جوايا الحزن ده كُله … 


أشفقت ليلة على حالها :

-طيب ليه سكتي كل ده ؟! 


-النصيب ؟! ليلة ، هارون  أخوي فين؟! 


ليلة بحب لمساعدتها :

-تحبي أكلمه ؟! 


هنا لاحظت زينـة حديث هيام مع تلك الغريبة التي تشعل النيران بصدرها ، فاقتحمت مجلسهم :

-جرى أيه يا عروسـة ؟! هنقضيها حكاوي وحواديت مفيناش راس !!و مش فاضيين دي الليلة ليلتك وهنيالك هتنامي في حضن حبيبك …


ثم رمقت ليلة بتخابث:

-عقبالي يارب أنا وهارون وساعتها انا مش هبطل رقص لحدت ما يطلع علينا نهار ..


زفرت ليلة باختناق من ثرثرة زينة العبثية :

-ممكن تحترمي حزنها شوية !! أنتِ مش واخدة بالك أنها مضايقة ؟! بلاش أسلوبك الأناني ده .. 


صاحت زينة بامتعاض وهي تلوح بذراعيها :

-البيت بيت أبونا والغُرب چايين فيه يربونا !! 


ردت ليلة ببراءة :

-ااه لما تكوني بقلة الذوق دي يبقى لازم الغُرب يعلموكي الأوصول ..


ثم نظرت لهيام مستأذنـة :

-انا هكلم هارون بيه أقوله هيام بتسأل عليك .. 


وقفت زينة أمامها بإعتراض:

-وأنتِ تكلمي هارون چوزي ليه ؟! في ايه بينك وبينه …


تدخلت هيام التى فاض صبرها من حماقة زينة :

-أنا اللي قولت لها يا زينة ؛ ينفع تُسكتي وكفياكي حديت ..


لوحت بهاتفها أمامها وقالت :

-والله ما حد يكلم هارون غيري .. -فرمقت ليلة بسخط -اقعدي ريحي روحك من الفرك رجليكِ دابت ..


تمتمت ليلة بضيق وهي تشكو لهيام :

-بني آدمة لا تُطاق بجد ! 


حاولت زينة الاتصال بهارون مرارًا وتكرارًا ولكن دون جدوى عادت لهيام حاملة خبز خيبتها الساخن وقالت :

-ماعيردش ، شكلو مشغول مع الرچالة .. 


في تلك اللحظة فتحت " ليلة " هاتفها الذي يزاحمه الأنوار والغلاف الخارجي المفعم بالرسومات وهي تحرك أظافرها المزينة لتهاتف هارون وشغلت مُكبر الصوت وكأنها أعلنت الحرب على زينـة ، وضعت ساق على الأخرى ومع ثالث جرس للمكالمة آتاهن صوت هارون قائلًا بعجل رغم الازدحام حوله :


-اتفضلي يا أستاذة .


ضرب الغضب برأس زينة واتسعت ابتسامة ليلة التي وضعت ساق فوق الأخرى بانتصار وهي تقول بنبرتها المتغنجة التي تعزف على كمان قلبه  :

-يا حضرة العمدة ، هيام عايزاك ممكن تيجي لعندها دلوقتي  .


رد باختصار :

-قوليلها متفكريش كتير . 


سحبت زينة الهاتف من يد ليلة عنوة :

-هارون أنتَ اشمعنا رديت عليها وعليّ انا لا ؟! 


جز على فكّيه بامتعاض:

-كنت مشغول ولما فضيت رديت .. سلام يا زينة .. 


كانت ليلة تربت على كتف هيـام بحنان ، ففاقد الشيء هو الوحيد الذي يمنحه وبقوة وقالت :


-انا مش فاهمة حاجة بس هو بيقولك متفكريش كتير ، اسمعي كلامه هو لما بيقول حاجة بيكون أدها …. 


عادت زينة لـ ليلة المنشغلة بالحديث مع هيام وألقت لها الهاتف قائلة بغيظ:

-محمولك ، وأبقي امسحي رقم چوزي من عندك عشان أنا عغيـر عليه ؟!


ردت ليلة متعمدة إثارة غضبها وهي تفارق المكان كي لا تصطدم معهـا  :

-لا ده عشان بس انتِ مش واثقة في نفسك يا زينة … اللي بيني وبين حضرة العمدة شُغل وبس . 


•••••••••••••


~المشفى . 


-طمني يا دكتـور ، أمي مالها هي مش هتروح معاي ؟ 


خرج الطبيب من غرفة الفحص وقال بحزن :

-انا طلبت الإسعاف تيجي تأخدها لمستشفى الجامعة ، عشان لازم تتحجز هناك .. 


-طب فهمني هي مالها ؟


رد الطبيب بأمل :

-اطمني ، هتعمل الأشعة والتحاليل اللي قولت عليهـا وهنحدد حالتها بالظبط .. 


ثم تدخلت الممرضة مقترحة :

-تقدري تروحي تجيبيلها هدوم ووكل عشان هتتحجز في المستشفـى مش أقل من يومين .. 


جففت رقية عبراتها وهي تحس بالوحدة وثِقل الحمل عليها فقالت للممرضة موصية :

-خلي عينك عليها بالله عليكِ ، هروح أجيب طلباتها وخالتي چايلها دِلوق ، متهمليهاش واللي عاوزاه أنا هديهولك .. 


ربتت الممرضة على كتفها لتطمئنها :

-اطمني والله في عيني .. 


هرولت رقية الباكية لتغادر المشفى وتعود لبيتها لتحضر الملابس والثياب الشتوية والكثير من النقود المحفوظة بالخزانة من تحصيل إيجارات الأراضي .. تشعل كشافات سيارتها القديمة لترى الطرق الخالية من المارة إثر اجتماع أهلة البلدة كلهم بدوار العمدة .. فلم يشغلها شيء إلا العود لأمها في اسرع وقت ..


وصلت رقيـة البيت فهبطت من سيارتها وهي تركض وتدعو ربها أن يحفظها لها أمها ، بعد محاولات كثيرة من يديها المرتجفة آخيرًا فتح الباب ، دعت المفتاح بداخله وهرولت لأعلى بدون وعي …. 


ومن الخلف ، ظهرت تلك الأعين التي تتلصص النظر أمام بيتهم ، تجرع آخر جرعة من زجاجة السُكر بيده ثم مسح فاهه بكُم جلبـابه وهو يخطو نحو بيتهـا بخطواته التي تحمل لهب الانتقام متبعًا نصيحة أحد رفاق السوء " اغتصب من تُحب وسيزوجها لك عرف العزايزة قسرًا لأنها باتت ملكًا لك  " .. 

وقف على أعتاب البيت يراقبه بأعين الذئاب التي على موعد مع فرائسها ، منتظرًا اللحظة المناسبة للاقتحام ولقد حان موعـدها لشره .. خطوة واسعة من قدميـه المغبرة بداء الانتقام وكان بداخل بيتهم وهو يحكم غلق الباب بقوة ويحكم غلقـه بالمفتـاح .. 


فسقط صندوق النقود من يدها وهي بغرفة أمها وأبيهـا بهلع عند سماعها صوت قفل الباب :


-مين چيه تحت ؟!!!!!!!! 


•••••••••••••


~عودة لدوار العزايـزي . 


قيل :

"ستخوض غمار كل شيء حتى تؤمن أنك لن تُدرِك الأبد، ولن تبلغ الجبال طُولاً، وأنّ مغانمَ العمر في خلوِّ البال، وتمامِ الصحّة، وأيامٍ محايدةٍ تنام إثرها موفورًا بالرِّضا والأمان."


وصل ضيـا وصُحبته إلى البيت وأعلن ناقوس الفرح والغنـاء بساحة البيت الواسعة ، تلألأت طلقات النار في الهواء والجميع يغني ويتراقص ، مال الحج خليفة على مسامع ابنه هلال :


-أومال أخواتك فيـن يا ولدي مش واعي لولا واحد فيـهم ؟! 


رد هلال بهدوء يُحسد عليـه :

-الغائب حجتـه معه يا حچ .. 


-أختك مين هيسلمها لعريسها معاك !! 


-أهدأ يا حچ وكله سيكون على ما يرام.. 


ركضت زينة لمجلس النساء وهي تزف الخبـر السعيد وهي تتراقص :


-العريس چيه ياخد عروسـته ، يألف بركة .


وقفت هيـام تتفقد المشهـد حولها وإذًا بدخول " ضيـا "من باب البيت في جلبابه الأبيض ليستلم عروسـته ، فطافت عينيها بالمكان تبحث عن أخوتها فلم تجد أحدًا منهم ، أغرورقت عينيها بالدمع والخوف وهي تقول في سرها :

-أنتَ فين يا هارون ؟!


لتفيق على نداء ضيا ويده الممتدة لها ونظرته المُخيفة لها التي لأول مرة تراها على حقيقتها الخبيثة  :

-يالا بينا على بيتنا  يا عروسـة ..


••••••••••••

يتبع


يتبع 

********


تكملة الرواية من هنااااااااا


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا

الرواية كامله الجزء الثاني من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا






تعليقات

التنقل السريع