القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية عن تراض الفصل الثالث عشر بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)

 رواية عن تراض الفصل الثالث عشر بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)



رواية عن تراض الفصل الثالث عشر بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)


#رواية_عن_تراضٍ

-رايحه فين! فهميني!

لم تجبها سراب وهرولت مبتعدة عنها، فوقفت تقى حائرة تخاطب نفسها:

-هتعمل ايه المجـ ـنونه دي! هو احنا ناقصين!


نظرت «تقى» لأثرها، وهرولت خلفها وهي تناديها، فالتفتت لها سراب ولوحت وهي تقول:

-روحي شغلك إنتِ، أنا هجيلك على هناك.

ثم أسرعت خطاها دون انتظار لتعليق تقى التي قالت:

-يا بنتي...

ثم ابتلعت كلماتها ووقفت مكانها وقد أحاطتها الحيرة من جميع الجهات، فسراب قصدت طريق العودة للبيت ولا تدري لمَ؟ وهي لا تريد العودة الآن، فلا تود الاصطدام بعامر مرة أخرى، توقفت هنيهة قبل أن تتوجه لعملها وهي تنفخ بضجر من تلك السراب، وبعد مسيرها مسافة توقفت مرة أخرى فقد انتبهت للتو أن هاتفيهما قد سُرقا، فكيف ستتواصل معها!

خشيت أن تفعل سراب شيء متهور، فارتدت على عقبها مسرعة الخطى لتلحقها...


وبعد سيرها عدة أمتار توقفت مرة أخرى، لا تريد لقاء عامر الآن! وماذا عن سراب؟!

تشنجت ملامحها التي تتجول الحيرة بها، وأخرجت الشريط الأحمر الذي وضعته بحقيبتها قبل قليل، وخاطبته:

-أعمل ايه؟

صمتت هنيهة وكأنها تنتظر منه ردًا، ثم تتنفست عميقًا وأطلقت الخطى نحو عملها وهي تردد:

-أعمل ايه ياربي أعمل ايه!! 

بقلم آيه شاكر 

استغفروا 🌸

                       ★★★★★★

وبمجرد وصول «سراب» للشارع قابلها صوت الأغاني الصاخبة تصدر من بيت سعيدة الذي يتوافد الجيران للدخول إليه، تهيُئًا لوليمة كبيرة على الغداء، رمقت البوابة وهي تمر جوارها وابتسمت حين تخيلت عامر وتقى يتزوجان، ستغمر السعادة قلوبهم وستضيء حياتهم بأنوار الفرحة، هي على يقين، فلا الحزن يدوم ولا الهم يطول، والكرب بعده فرج ولا ريب...


وصلت قبالة بيت دياب ووقفت مشدوهة للحظات تتذكر لماذا أتت هنا؟ ألم تكن في الطريق للعمل؟ توافد لمخيلتها صورة «رحمة ونادر»، فاومأت وهمت أن تقرع جرس المنزل لولا ظهور شيرين التي كادت تخرج من البوابة وفجأة ترنحت فأسندتها سراب وهي تقول بلهفة:

-مالك يا طنط شيرين؟

-مش عارفه إيه الدوار اللي ماسكني ده؟!


أجلستها سراب على الأريكة، وجلست جوارها حتى أفاقت من دُوارها تدريجيًا، فقالت سراب:

-حضرتك رايحه فين يا طنط؟

-كنت رايحه عند خالتك سعيده أباركلها بدل ما تمسك سيريتنا زي اللبانه وسط الجيران!

-طيب خليكِ بالليل وأنا أبقى أروح معاك يا طنط.

صمتت شيرين هنيهة وقالت:

-تصدقي مش هروح الا بالليل! 

نهضت سراب من جوارها وقالت بحمـ ـاس وبابتسامة:

-أيوه وأنا هاجي معاكِ أشوف العروسه وأتريق على مكياجها... تعالي يلا نطلع فوق.

قالت أخر جملة وهي تمد يدها لترتكز عليها شيرين وتنهض واقفة...

صعدتا معًا وسراب تلقي عليها الدعابات، وتضحكان حتى دخلتا للشقة، جلست سراب مع وئام وابنتها «مريم» وشيرين، تُحادثهن ويضحكن...


كان «عمرو» بغرفته يرتدي ملابسه للخروج وحين سمع صوتها، وضحكاتها تعجل وخرج وهو يرتدي ساعته، فرمقته سراب وتظاهرت بلامبالاة، فرنى عمرو إلى ابنة وئام «مريم» التي تجلس قبالتهن تحمل أخاها صاحب العام وتلاعبه، قبل عمرو الصغير ثم قبل رأس مريم، وقال دون أن يرفع بصره:

-شايف سراب مشرفانا من الصبح كده، هو مفيش شغل ولا ايه؟


أطلقت «سراب» شهقة منتبهة وهبت واقفة، فقد تناست سبب مجيئها، سألت بلهفة:

-هي فين أبله نداء؟!


قالت وئام:

-في الچيم، إنتِ ناسيه إنها بتاخد فترة صباحيه وعمرو بياخد مسائية!


طرقت سراب جبهتها وهي تقول:

-يا الله! أنا مش مركزه خالص...


تركهن عمرو وراح يرتدي حذاءه عند باب الشقة، وهو يلقي بسمعه معهن، ويبتسم إثر كل كلمة تنطق بها سراب، التي رشقتها شيرين بنظرةٍ ساخرةٍ وهي تقول:

-ما إنتِ لو بتفطري زي الخلق هتركزي، مش عاملالي صيام متقطع ودايت وكلام فاضي!


قالت وئام ضاحكة:

-هي ونداء نسخه من بعض!


قالت سراب:

-مش عارفه متغاظين مننا ليه! عشان يعني بنحافظ على صحتنا وجسمنا!!! يعني حضرتك يا أبله وئام محتاجه الچيم جدًا لأن وزنك زاد وحضرتك يا طنط...


قاطعتها شيرين:

-حضرتي إيه يابت، ملكيش دعوه بيا أنا مرتاحه كده.


قالت سراب ضاحكة:

-يا طنط دا احنا نطلع منك واحده تانيه!


قالت شيرين:

-لسانك أطول وأعرض منك.

ضحكن وعادت سراب تجلس بينهما «وئام وشيرين»، فسألتها شيرين:

-هو إنتِ كنتِ عايزه نداء ليه؟


زمت سراب جفونها وانحرفت زاوية فمها في تعجب، وهي تقول:

-أنا! أنا كنت عايزه أبله نداء!


فقد تناست سبب مجيئها مجددًا، لكزتها وئام بخفة وهي تقول:

-يا بت ركزي شويه...


تذكرت «رحمه ونادر» فشهقت ونهضت واقفة وهي تقول:

-أيوه صح...


اتجهت صوب الباب وهي تلوح لهما متجاهلة عمرو الذي كان يجلس قبالة الباب بعدما ارتدى حذاءه، ويحدق بشاشة هاتفه....


فتحت الباب وهي تقول:

-طيب باي بقا هروحلها الچيم ونتقابل بالليل.


خرجت من الباب فنهض عمرو واقفًا وقال:

-أنا ماشي يا ماما، عايزين حاجه؟

-أخوك عامر فين يا عمرو؟

-جوه شغال على اختراعه.

-اختراعه تاني! ربنا يستر النهارده.


كاد عمرو يخرج فنادته والدته وقالت:

-مش عاوزه مشاكل مع سراب يا عمرو، الشارع مليان ناس متفرجش الناس علينا.


رفع حاجبيه في غير رضًا وردد:

-أنا مش صغير يا ماما.


قالت شيرين:

-ماشي يا قلب أمك... في حفظ الله.


سألت وئام والدتها بهمس:

-هو لسه بيتخانق معاها؟

-بصراحه مش زي الأول، بس قولت أنبه عليه.

قالتها شيرين ونهضت وهي تقول:

-ابنك عبد الرحمن فين يا وئام؟

-هتلاقيه جوه مع عامر.

-طيب قومي هاتي ابنك وخليه في حضنك وخليكِ جاهزه عشان ممكن يحصل انفجـ ـار في أي وقت فنجري على بره.

ضحكت وئام، وتوجهت شيرين للشرفة لتراقب عمرو وسراب، بينما نظرت وئام لابنتها «مريم» الجالسة في صمت تحمل أخيها صاحب العام وتداعبه، قالت:

-وإنت يا قلب ماما معندكيش مذاكره؟

-عندي درس كمان ساعه يا ماما.

-طيب هاتي أخوكي وقومي ذاكري.


صلوا على خير الأنام ❤️ 

بقلم آيه شاكر 

                             ★★★★★

ومن ناحية أخرى

نزلت «سراب» الدرج ووقفت قبالة البيت قليلًا وهي تتذكر كيف قبل عمرو رأس مريم، راق لها فعلته تلك، اتسعت ابتسامتها وتخيلت حالها مكان مريم وتحمل صغيرهما وهو زوجها، حينها ستصبح فردًا من تلك العائلة التي تحبها، اتسعت ابتسامتها أكثر وحملتها تخيلاتها بعيدًا، أو لنقل وجد الشيطان مدخلًا لقلبها فأخذ يزين لها عمرو، تسائلت ولمَ لا تحبه؟ شاب مجتهد يقف جوارها و... وربما يحبها أيضًا...


انتبهت فجأة من خضم أفكارها، واستيقظت لنفسها، أخذت تهز رأسها بعنـ ـف وهي تستعيذ بالله من الشيطان لتطرد تلك الأفكار التي انْقَضْت عليها على حين غفلة منها، حدثت نفسها بصوت مسموع:

-لا لا لا... عمرو مستفز يا سراب إنتِ مالك النهارده؟

-بتكلمي نفسك؟

أجفلت حين قالها عمرو، رمقته بتوجس، ثم هدرت به:

-إنت إنسان مستفز جدًا ومينفعش الواحد يتعامل معاك أصلًا.

-لا والله! ودا من ايه بقا؟ أنا عملت إيه؟

قالها وعقد ذراعيه أمام صدره، فابتلعت لعابها وقالت:

-عمرو أنا بكرهك.

-وحدي الله بس ما أنا مش دايب فيك، القلوب عند بعضها...

تنهدت عميقًا وقالت بارتياح:

-لا إله إلا الله، طمنتني ربنا يطمنك يا عمرو، خليك كده مستفز ورخم بالله عليك.

أطلق عدة ضحكات خافتة ومستهزئة من كلماتها تلك، وسألها ساخرًا:

-إنتِ كويسه يا سراب؟! 


أومأت، فسألها:

-طيب ورايحه على فين كده؟

-هروح لابله نداء عشان...

صمتت هنيهة وهي تعض على شفتيها وتفكر «بنادر ورحمه» ثم نظرت له بطرف عينيها وأضافت وهي تفكر بكل كلمة قبل أن تنطقها متوجسة:

-هو إنت معاك رقم نادر، صح؟ وأكيد عارف عنوانه كمان؟ 

أومأ مغمغمًا بنعم، فقالت:

-طيب معاك رقم رحمه؟

-معايا، ليه؟

قالها مغضنًا جبينه ومتعجبًا من اضطرابها، وهو يتابعها تُعدل من حقيبتها ثم تركل حجرًا أمامها، سألها بجدية:

-خير يا سراب؟

-عمرو أنا... أنا... أنا عايزه اشتري موبايل ضروري.

-سراب هاتي المفيد، عايزه تقولي إيه؟

نفخت بضيق واعتدلت في وقفتها، وأخذت تتحسس وجهها الذي يشع بالحرارة، وهو يتابع بترقب شديد، فقالت:

-الواد نادر يا عمرو... شوفت رحمه وهي بتركب معاه العربيه وكنت رايحه أقول لابله نداء بس... 


جحظت عيناه وقال بصدمة:

-راحوا فين بالعربيه؟ ومن امته الكلام ده؟

-من حوالي نص ساعه أنا بس مكنتش مركزه وانشغلت بالكلام مع طنط شيرين وأبله وئام و...


قاطعها إشارة من عمرو وهو يلتفت حوله ثم قال بغضب:

-وقفتنا كده متنفعش نهائي.

أومأت وهي تقول بتفهم:

-أيوه، عشان خلوه!

-لا عشان الناس هتتفرج علينا وأنا عايز أتخانق معاكي عشان تتنيلي تركزي شويه.

قال جملته الأخيرة بنبرة مرتفعة، فهدرت به:

-إنت بتعلي صوتك عليا ليه!

-عشان حضرتك ناسيه نفسك، مجتيش قولتيلي علطول ليه ولا طلبتيني على الموبايل.

رفعت سبابتها بوجهه وهي تقول:

-الزم حدودك يا عمرو ومتتعصبش عليا، وبعدين ما إنت عارف موبايلي مسروق.

-سراب، امشي من قدامي.

قالها بوجه مكفهر وهو يصر على أسنانه، تجنبًا للجدال معها خاصة حين رفع رأسه فاخترقته نظرات والدته التي تتابع حديثهما...


رأت سراب الجدية على ملامحه، وهو يفتح هاتفه، فقالت بهدوء:

-هتعمل ايه طيب؟


-برن عليه، نادر الحيوان ده! 

وقفت قبالته وهو يزوم غاضبًا، ويلعن نادر ذلك الشاب الذي تحول فجأة وتبدلت أحواله...


أطلق عمرو خطاه، فتبعته سراب وهي تسأل:

-رايح فين؟ 

-رايحله شقته... 

-استنى هاجي معاك.

أسرع عمرو خطاه دون تعقيب وعلى وجهه تقطيبة تشي بمدى سخطه...

تبعته سراب وهي تُسرع لتلحق به فقد كانت خطواته أوسع من خاصتها فتأخرت عنه، وحين وجدت المكان فارغ ركضت إليه وكان يتحدث عبر هاتفه، مع عامر...

-انجز يا عامر سيب اختراعك وهات العربية من بابا وحصلني... أنا هركب اي حاجه...


أغلق عمرو ووضع الهاتف بجيبه فقالت سراب:

-إنت مكبر الموضوع ليه، ما يمكن راحوا كافيه ولا حاجه؟

-اخرصي يا سراب.

قالها بحنق، فسارت جواره في صمت دام لفترة وقطعته بسؤال:

-بتحبها؟

حدجها بنظرة حادة وتابع سيره، فسألت:

-على فكره مش هقول لحد، لو بتحبها قول...

لم يعلق، فصمتت هنيهة وعادت تسأل:

-هتتجوزها؟


لم يعقب أو يلتفت لها فأضافت:

-باين جدًا من لهفتك عليها، المشاعر بتظهر في العين أصلًا.

-سراب! إن كنتِ هتيجي معايا مش عايز صوت، نهائي.

قالها بصرامة، فتبعته في صمت، تمنت لو أجابها بنعم يحب رحمه، لتهدأ رياح الحب التي تعصف بداخلها وتُزحزح مشاعرها إليه رُغمًا عنها...


ظل عمرو يسير بخطوات سريعة يلتفت خلفه بين فنية وأخرى يشير لسيارة أجرة (تاكسي) إلى أن توقف أحدهم وركب هو بالأمام، وهي بالخلف ولازالت الأفكار تمور برأسها مورًا، تتسائل هل تحبه؟ هل يُكن لها أي مشاعر! أم يحب رحمه!! ظلت شاردة حتى أخرجها من خضم أفكارها صوت السائق الذي يتحدث عبر جواله المحمول...

-انا متاكد إنك بتحبيه، بس يا حبيبتي الحب لوحده مش كفايه، فيه حاجات أهم... 


اعتدلت في جلستها وانتبهت لذلك الحديث وهذا الصوت الذي تعرف صاحبه جيدًا،  لم يكن سواه هو نفسه الذي حذرها مرتين دون قصد وها هي الثالثة...

من أين يظهر لها هذا الرجل؟! 

قال:

-دا إنتوا مش بتشوفوا بعض إلا ما بتتخانقوا، هتعيشوا سوا ازاي؟!


انحنت سراب للأمام وحدثته:

-والله حضرتك معاك حق، وأنا بقتنع برأيك جدًا.


رمقها الرجل ثم تابع كلامه إلى أن أغلق المكالمة وعدل المرآة ليرى وجه سراب وهو يسألها:

-إنتِ تعرفيني؟


قالت بحـ ـماس وهي تقلد نبرة الرجل وقتها:

-حضرتك مش فاكرني! أنا اللي قولتلها متروحيش يا حماره وروحت وكانت النتيجه وحشه جدًا.


-مش فاكر بصراحه!

حدجها عمرو بنظرة ماقتة، ساخطة، فعادت تستند للخلف، وتتابع الطريق من نافذة السيارة وكأنها لم تتحدث للتو، فإلى متى ستظل هكذا!

                       ★★★★★★

     وعلى الصعيد الأخر 

كان «نادر» يرمقها بين فينة وأخرى بابتسامة ماكرة ثم يعود ويتابع الطريق، فريسة سهلة جدًا وقعت في شباكه، لم يدرك أنه صياد بارع إلا الآن.


التقطت «رحمة» نظرة خاطفة رماها بها، فابتسمت بحياء، وأطرقت.

إذًا فقد أُصيب قلبها بسُم الحب الذي لا عالج له!

أصبح مجرد وقع اسمه على قلبها يشعرها بدفئ ولذة ويُغمرها بسعادة لا مثيل لها، فهو منقذها وفارسها الذي ظل جوارها إلى أن أخذ بيدها من بين براثن تلك الفتاة التي ظهرت لها فجأة، ماذا كانت ستفعل دونه!! هكذا حاورت نفسها ليخلد ضميرها للنوم، وبالفعل غط في سباتٍ عميق...


فقد أُغشي على بصرها فجأة، أصبحت لا تكترث لأي شيء؛ حرام! حلال! كلام الناس! أو غيره، لا تفكر إلا به! لا تريد سوى كسب رضاه، خاصة بعدما أفصح لها عما يكنه لها من محبة، لم تُجبه حياءً، ولكنها تُحبه بالفعل.

أقنعت نفسها أنها لن تعترف له بحبها حتى يكون حلالها، وستتوب عما تفعل لاحقًا، ستساعده أولًا ليعود من الطريق الذي ضل فيه ومن ثم تتوب بعدما يتزوجا، بالطبع سيتزوجا فالحب دومًا يُكلل بالزواج في الأفلام الرومانسية والروايات...

حينها ستتصدق وتستغفر وتعود، نعم! ستتوب؟

رفعت بصرها وأطالت النظر إليه فلاحظ والتفت لها ليرميها بابتسامة ضغطت على زر مشاعرها، فزين وجهها حمرة خجلٍ، وأطرقت مرة أخرى...


كانت تفكر مثلما فكر هو قبلها، ظن قبلها أنه سيتوب عن كل شيء وسيُكفر عن أخطاءة والآن أُغشي على بصره فأصبح يتبع هوى نفسه ويتحكم به شيطانه، وها هو يقوده شيطانه لفعل كبيرة أخرى من الكبائر بعدما فُتن بـ رحمه...

تعملق شيطانه وضعف إيمانه فكيف سيتحكم في هوى نفسٍ يقودها شيطانها؟! بالله كيف؟! فقلب لا يسكنه حب الله كبيتٍ مجهور خاوي بلا أثاث ولا سكان، وقلب لا يراقب الله كشاردٍ في طريقٍ غريب معتم، يتحسس المكان ليهتدى وما هو بمهتدي.


أراد أن يلعب على أوتار قلبها قليلًا، فنطق:

-ممكن أقول حاجه؟


أخذت تفرك يدها وقالت دون أن ترفع رأسها:

-اتفضل.


رماها بنظرة سريعة وقال بصوت رخيم:

-إنتِ حلوه أوي النهاردة.

تسارعت دقات قلبها، ورأى أثر كلماته على وجهها الذي اشتد احمراره، وبنبرتها الخافتة حين ردت بحياء:

-شكرًا دا من ذوقك.

-معرفتش إن ذوقي حلو إلا لما اختارك.

أخذ يزيد من جرعة كلماته التي تخترق حصونها وتصطدم بقلبها بكل قـ وة فينتفض، كانت تعلم أنه خطأ، ولا يجوز الآن! ولكن...

قلبها بكر لم يذُق طعم الحب بعدُ، ولم يعرف ماهيته، فأصبحت كمن أُحضر له كأس فارغ، قيل أنه حب فصدق وشرب حتى ظن أن جوفه امتلئ فازدرد لعابه وتلذذ به!


أشاحت بصرها في حياء، فاستكمل:

-أنا بقول نروح نقعد في الشقة، خايف نروح مكان عام حد يشوفنا مع بعض، ولا تظهر البنت المنتقبه دي تاني واحنا ماصدقنا خلصنا منها.


قالت باضطراب:

-لـ... لأ، أنا مش هروح معاك الشقه تاني، مينفعش أصلًا إنت خليتني أجيلك تلت مرات هناك وأنا مش هعمل كده تاني.


-ليه يا رحمه، إنتِ مش واثقه فيا ولا ايه؟


-مش حكاية ثقة! حكاية حرام وحلال.


أصدر عدة ضحكات ساخرة ثم قال:

-يووووه إنتِ هتعملي زي الباقين! كل حاجه عندهم حرام! يا حبيبتي دول فاهمين الدين غلط أصلًا.


صمتت، وأطرقت، وأخذ يرمقها بنظراته، يتصفحها وكأنها كتاب مفتوح، يقرأ أفكارها، ويرى ترددها وقلقها حتى توقف بالسيارة أمام البناية، تنهد بعمق وقال باستعطاف ليحايلها:

-أنا عايز أتكلم معاكِ يا رحمه! عايز أفتحلك قلبي، كنت محضر كلام كتير أقولهولك لولا ظهور البنت المنتقبه دي! لو سمحتِ وافقي تيجي معايا، هنطلب أكل من بره ونقعد نتكلم براحتنا محدش هيقاطعنا...


نظرت صوب البناية لبرهة ثم نظرت إليه وقالت:

-ماشي بس دي أخر مره هطلع معاك الشقه، تمام؟

-تمام يا حبيبتي.

قالها بابتسامة مبتهجةٍ منتصرة، ارتجل من السيارة، فأغلقت هي جفونها لبرهة تفكر؛ ستتحدث معه لأخر مرة علها تجذبه من طريقه ذاك، عله يستيقظ ويعود فقد كان مثالًا للأخلاق، وبالطبع سيعود سيغلب الخير كما يحدث دائمًا، وهي على يقين أنه سيعود!


ارتجلت من السيارة ودخلت معه للبناية الهادئة، كانت ترتعد خوفًا، وبداخلها صوت يناشدها أن تهرب الآن! ولكن...

دلفت للمصعد وتبعها، وكان يبتسم لها يحاول طمئنتها بنظرة الحب الزائفة التي يقذفها نحو قلبها...


وأخشيرًا دخلت للشقة وأُغلق الباب، فقال نادر متخابثًا:

-الشقه نورت يا رحرح.


ارتعش فمها بابتسامة مضطربة، واتجهت تجلس على المقعد وهي تخلع حقيبتها بيد مرتعشة، ولم تلحظ أنه أوصد الباب بالمفتاح ووضعه في جيبه...


كانتا يداها ترتعشان وهي تفتح حقيبتها ثم تغلقها في اضطراب، لاحظها نادر فدنى منها وأمسك بيدها وهو يقول:

-بردانه ولا ايه يا قلبي؟


انتفضت ووثبت من جلستها بعدما جذبت يدها منه ثم ركضت نحو الباب، فتبعها وهو يقول:

-ايه يا بنتي فيه ايه؟!! رايحه فين؟

هدرت به:

-إنت ازاي تسمح لنفسك تمسك ايدي! حرام عليك، دا حرام يا نادر، دا حرام.


قال ساخرًا:

-هو إيه اللي حرام، إنتِ فاهمه الدين غلط خالص، يبقا حرام لو كانت اللمسه بشهوه إنما أنا والله عادي!


ازدردت لعابها وخاطبته بانفعال:

-إنت اللي فاهم غلط! مفيش حاجه اسمها كده!

ارتبك من صوتها المرتفع فقال بصوت رخيم:

-طيب خلاص أنا آسف مش هعمل كده تاني بس اقعدي نتكلم بهدوء، أنا فعلًا فاهم حاجات كتير غلط اقعدي اشرحيلي وجهة نظرك وأشرحلك ويا تقنعيني يا أقنعك.

أقنعها بنظراته الدافئة، فعادت تجلس مرة أخرى ودقات قلبها تتسارع، جالت بأعينها في الشقة ثم نهضت وفتحت الشرفة وجلست جوارها علها تطمئن قليلًا...


جلس نادر قبالتها، وقال بصوت رخيم:

-اهدي يا رحرح، مفيش حاجه حصلت...


فركت كلتا يديها علها تبث الدفئ لزمهرير قلبها، لاحظ نادر اضطرابها فقال بسخرية:

-إنتِ طالعه لمين يابنتي والدتك ووالدك مكنوش كده خالص.

-مش فاهمه!

-يعني كانوا أوبن ميند، ألا صحيح هما فين دلوقتي؟

-ماما اتجوزت وسافرت مع جوزها بره مصر، وبابا اتجوز وسافر مع مراته مرسى مطروح، واحنا بقا بنقعد شويه عند تيته أم ماما وشويه عند أهل بابا...


أطلق نادر تنهيدة عميقة وقال بمكر:

-اممم بهدله فعلًا، سوء اختيار الأم والأب مش بيدفع تمنه إلا ولادهم، أكيد وحشوكي!


-أكيد! وكان نفسي أعيش معاهم، بس الحمد لله كله خير.

قالتها وأطبقت شفتيها تكتم حزنها، فقال نادر:

-أنا جنبك مش عايزك تقلقي من حاجه أبدًا.

كان نادر يُحدثها بخبث، ينكأ جرح قلبها لتضعف، لتبكي، لتلين له، لكنها لم تفعل، بل كانت تراقبه وترى أنه يقترب منها بعد كل جملة فتبتعد هي، لاحظت نظراته المريبة، فهبت واقفة وقالت:

-آآ... أنا همشي...

-احنا لسه متكلمناش؟

-أنا همشي بقا عشان... عشان عندي درس.

سارت خطوتين نحو الباب وتفاجئت به يثب ويقف أمامها مباشرة، أخذ يقنعها لتجلس مرة أخرى فلم توافق وهمت أن ترحل ولكن... 


أمسكها من ذراعها فثارت عليه، وركضت للباب حاولت فتحه وكان مؤصدًا، فتسارعت دقات قلبها وقالت بذعر:

-افتح الباب والا والله هصوت.

-متقدريش تعملي حاجه...

قالها بحدة وهي تراقب في خوف ملامحه التي تغيرت فجأة من الحلم إلى الخبث، فتح هاتفه ووضع شاشته نصب أعينها وهو يقول:

-إن فتحتِ بوقك هقول إن إنتِ اللي بعتالي ده! وإنتِ اللي جيالي، وإنتِ اللي بترمي بلاكِ عليا.


أطبقت يدها على فمها وانسابت دموعها، ثم قالت بحشرجة:

-افتح لي يا نادر، بالله عليك يا أبيه افتحلي.


جذبها من ذراعها، ودفعها لتجلس مجددًا وهو يقول:

-مش هتمشي من هنا قبل ما أخد اللي أنا عايزه.


تاوهت وهي تسحب ذراعها من قبضته العنـ ـيفة، ولم تتوقف عبراتها الحارة وهي تتوسله:

-افتح لي يا أبيه نادر بالله عليك.


أطلق عدة ضحكات ساخرة وقال:

-إيه البراءه دي! يا بت دا إنتِ أبوكي وأمك جايبينكوا في الحرام!


صرخت به:

-متقولش على بابا وماما كده!


قال ببرود وبابتسامة جليدية:

-يا روحي دي الحقيقة، أنا هشرحلك، أصل زمان أنا كنت أصم ولما رجعلي سمعي عرفت بقا كل حاجه بتدور حوليا، أبوكي وأمك كانوا على علاقه ولما أمك حملت جدك ضياء أصر عليه يتجوزها ويتستر عليها بما إنها بنت عمته...


أمسك يدها فهدرت به:

-سيب إيدي، إنت كذاب.

أسبل عينيه وتغيرت نبرته، وارتخت ملامحه وهو يقول:

-أنا حبيتك أوي يا رحمه.


نهضت واقفة وابتعدت عنه خطوتين وهي تقول ببكاء:

-افتحلي بالله عليك وأنا والله مش هقول لحد حاجه، عشان خاطري...

رنى إليها وهو يقول بحنوٍ زائف:

-متخافيش يا حبيبتي أنا مش هأذيكِ، أنا بحبك.

طفقت تبتعد وهي تقول:

-إنت مش طبيعي؟!

-جننتيني بحبك يا رحمه.

قالها ووثب نحوها فدفعته وهي تصرخ به من خلف شهقاتها، وصرخات فؤادها الصغير:

-مفيش حب كده! أنا كنت غلطانه! أنا كنت عايزه أساعدك وأخليك تسيب الطريق اللي إنت ماشي فيه! بس مفيش حب كده... دا مش حب، أنا غلطانه... أنا غلطانه.

كادت تفتح الشرفة، فجذبها بعيدًا عنها هادرًا بها:

-رايحه فين!


وبأعين جاحظة، وانهيـ ـار وقفت قبالته هادرةً:

-إنت مين؟ إنت واحد تاني غير أبيه نادر اللي أنا أعرفه! أنا معرفكش.


ضحك ساخرًا وهو يجذبها من يده ويقول:

-تعالي بس وأنا أعرفك بنفسي.


رددوا

اللهم يا مُقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وعلى خشيتك وطاعتك❤️

                          ★★★★★

وضعت «رغده» يدها على صدرها الذي ضاق فجأة، حمدت الله أن الأستاذ اعتذر عن الحصة لظروفٍ طارئة...

وفي طريق عودتها للبيت أخذت تطلب رقم «رحمة» كثيرًا لم تجب مما أثار قلقها...


تنفست الصُعداء وزفرت بهدوء أكثر من مرة وهي تستغفر الله، لكن لازال هناك غصة بصدرها، شعرت بتقلب مفاجئ في مزاجها، أرادت أن تبكي، ولكن كيف بلا سبب! حاولت التنقيب داخل حقيبة ذكرياتها عن أي سبب سلبي تُرضي به نفسها لتبكي، حسنًا! وجدت، ستبكي لأنها اشتاقت لوالديها!


شهقت باكية، غشيتها الدموع فخلعت نظارتها وجففت دموعها بأناملها، ثم عادت ترتديها سارت وهي تكبح دموعها وتحاول التماسك لحين وصولها للبيت...


وتزامن دخولها للشارع مع خروج «عامر» وهو يزمجر بغضب من نادر وأفعاله المشينة، وحين رأته تذكرت كيف يتجاهلها دائمًا، يا الله! سبب أخر لترتفع شهقاتها وتهطل الدموع من مقلتيها، رآها عامر فهرول إليها متلهفًا وسألها بقلق عارم:

-مالك؟ فيه ايه إنت كمان؟


شهقت باكية، فالتفت حوله متوجسًا من الناس المتوافدين للشارع، وسألها ببعض الحدة:

-بتعيطي ليه يا رغده؟

قالت بصوت قطعته الشهقات:

-مش عارفه، أكيد فيه سبب بس ماما وحشتني، أو عشان إنت بتتجاهلني، هو أكيد فيه سبب، ورحمه برن عليها مش بترد، أنا مخنوقه جدًا.

-طيب اهدي، احنا في الشارع.

وحين انتهى من جملته ظهر بدر؛ الذي هاتفه قبل قليل فاضطر للإخباره بما حدث أشار له عامر، ثم أخرج من جيبه علبة من المناديل الورقيه وأعطاها لرغدة وهو يقول:

-امسحي دموعك وروحي البيت، وئام هناك اتكلمي معاها، عشان عندي مشوار مهم جدًا.


ألقى «بدر» السلام وحين رأى حالة رغدة سأل بقلق:

-هي رحمه مالها؟ أنا مفهمتش منك أي حاجه على التلفون.


جحظت عيني رغدة وقالت بصدمة:

-مالها؟ رحمه أختي مالها يا عامر؟


عض عامر على شفتيه وقبض على يده بغيظ من بدر المندفع، الذي أدرك أنه وللمرة الثانية يتسرع، فأطرق بحرج وهو يستمع لعامر الذي يحاول مراوغة رغدة بكلمات غير مرتبة، لكنها قالت:

-والله والله فيه حاجه أنا قلبي مقبوض، قولي يا عامر لو سمحت رحمه مالها! إنت مخبي ايه؟


صمت عامر هنيهة ثم نفخ بضجر، وبدل نظره بينهما قائلًا:

-استنوني هنا دقيقتين بالظبط هجيب العربيه من بابا في العطاره وأجي.


-آآ... أنا مش واقف هنا! أنا جاي معاك.

قالها بدر بارتباك وأسرع يتبعه، وقالت رغده:

-وأنا كمان جايه معاكوا...


وبعد فترة

استقل الثلاثة السيارة واتجهوا حيث بيت نادر، وأثناء الطريق لم تنفك رغده عن سؤاله عما يحدث وقد تحجرت الدموع بعينيها وأصبح القلق ينهش قلبها، فهدر بها عامر بنبرة مرتفعة وحاده:

-ما قولتلك معرفش مية مره ارحميني بقا واسكتِ.


انفجـ ـرت رغده باكية، وهدر به بدر:

-فيه ايه يا عامر ما براحه!


ضـ ـرب عامر على سطح أداة القيادة بعصبية، ولأول مرة يراه بدر بتلك الحالة! فقد ظنه حليم يتحكم بنوبات غضبه.

قال عامر بنبرة حادة ومنفعلة:

-أخت الهانم ركبت مع نادر العربية بمزاجها مطلعيني على ملى وشي وسايب شغلي عشان أجري ورا شوية عيال!


قال بدر:

-عامر! اهدى مينفعش كده!


-ومش أول مره تروح شقته الأنسه المحترمه، عمرو شافها خارجه من شقته أول امبارح، وقال يمكن صدفه لكن مطلعتش صدفه... والله أعلم إنتِ كمان بتعملي ايه ياست رغده!


قالت رغده بصوت بُح من البكاء:

-والله ما بعمل حاجه وأختي متعملش كده!


-اسكتي يا رغده اسكتي.

هدر بها عامر بعصبية شديدة، ومضى الطريق وهو يزمجر غاضبًا، ورغده تبكي وبدر يحاول تهدئة الاثنين.

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم 🌸 

                           ★★★★★

-يا نادر اتق الله، اتق الله، إنت شاب محترم، إنت مكنتش كده، أكيد دا شيطان، إستعيذ بالله من الشيطان، اتق الله، اتق الله... إنت مش كده إنت محترم أنا عارفه ده! اتق الله...


كانت تلك الكلمات هي أخر أمل لها ليبتعد، ليستيقظ، ليعود، قالتها هادرةً بصوت متهدجٍ باكٍ، وهي ترتجف خوفًا، يهم بها فتتوسله أن يتركها، كررت بنبرة أكثر ارتفاعًا:

-اتـــــــق اللــــــه.


رفع نادر كلتا يديه لأعلى وقد انطفأت جمرة شهوته فجأة، توقف كل شيء، ووقف مكانه وكأنه بُهل، وجملتها «اتق الله» تتردد بكل خلية في جسده وأخذ يعود للخلف وقد باغتته العبرات، كان ينظر لها لكنه لا يراها، فرك عيناه بأناملة ثم نظر لها، طفلة! نعم هي طفلة، كيف استطاع أن يفعل هذا!! وكأنه استيقظ فجأة من سبات عميق، غفلة طويلة، كلمتان زلزلتا كيانه، مسح وجهه باضطراب، وهو يراها تطالعه بتوجس وأنفاسها تتسارع، كغزالة شاردة عن قطيعها تنتظر أن يرحمها الصياد...


هوى جالسًا تذكر أستاذه يحيى، وكلماته تتردد في أذنه:

-الدنيا دار ابتلاء، كلنا بنقع في الذنوب، وطول ما إنت حاسس بتأنيب الضمير والذنب بيوجعك يبقا إنت لسه قلبك حي، مثلًا لو حد قالك اتق الله وأنت على وشك الوقوع في ذنب فرجعت عنه فأنت بخير أما إذا تماديت فقد مات قلبك، وإنا لله وإنا إليه راجعون...


أخرج المفتاح من جيبه وألقاه إليها وهو يقول:

-اخرجي...


أخذت المفتاح لتفتح الباب بأيدٍ مرتعشة قبل أن يعود في كلامه فقد أطلق سراحها، ولسوء الحظ أو لحُسنه، قابلاها عمرو وسراب، حالما فتحت الباب، فتصنمت مكانها، ولازالت دموعها تنهمر، وحين رأها «عمرو»، بلغ من الغضب ما دفعه للهجوم على نادر، لم يرَ دموع نادر، لم يشعر بندمه، عميته شرارة الغضب فظل يهزه بعنـ ـف ويقذفه بأبشع الكلمات التي لم يُخرجها من فمه قط...


صاحت سراب:

-كفايه بقا يا عمرو كفايه...

تركه عمرو ووقف يلهث، وكان نادر مشدوه الملامح، لم يبدِ أي رد فعل، رفع عمرو سبابته في وجهه وهدر به:

-إن قربت منها تاني هخلص عليك يا نادر، إبعد عننا طريقك غير طريقنا.


كان نادر مطأطأ الرأس لم ينبس ببنت شفه، وهو يراهم يخرجون من الشقة، إلا أنه نادى عمرو، وأعطاه حقيبة رحمه...


فجذبها عمرو من يده بعنـ ـف وخرجوا من البناية بأكملها، وقف عمرو أمام رحمه التي تبكي، قال بنبرة غاضبة أجفلت إثرها سراب قبل رحمه:

-عمل فيكِ إيه؟! وإيه اللي جابك شقته؟! انطقي...


ردت بحشرجة ويداها ترتعش:

-كـ... كنت... كـ...


هدر بها:

-كنــــــتِ ايـــــــه؟ عملك ايه؟ ردي...


ومن خلف دموعها هزت رأسها نافية وهي تقول:

-معملش حاجه!


ألقى عمرو الحقيبة بوجهها فألمتها، وازداد نحيبها هدرت به سراب:

-فيه ايه يا عمرو براحه، الله! 


ضمتها سراب ووقف عمرو يزوم غاضبًا إلى أن وصل عامر بالسيارة وحين رأى معه بدر ورغدة، أخذت الد**ماء تغلي برأسه أراد أن يتشابك مع أي أحد أمامه، ارتجل عامر من السيارة فجذبه عمرو من ذراعه بعنـ ـف وقال وهو يُصر على أسنانه:

-هو إنت مبتفهمش للدرجه دي! جايب دول معاك ليه؟


جذب عامر ذراعه منه وقال بعصبية:

-بقولك ايه يا عمرو أنا على أخري أصلًا، متتكلمش معايا، كفايه سيبت اختراعي وجيت...


ثم نظر عامر لرحمة وخاطبها بحدة:

-وإنتِ كنتِ بتعملي إيه عند الزفت نادر؟


هدر عمرو بانفعال:

-الهانم كانت في شقته، دي مشافتش تربية!


تدخلت رغده وقالت:

-متتكلمش مع أختي كده! وأصلًا إنت مالك؟


هدر بها عمرو وهو يوقع كلماته بنبرة حادة:

-اسكتِ يا رغده! أختك كانت في شقته ومش أول مره!


قالت رغده:

-إحنا محدش ليه دعوه بينا، نعمل اللي احنا عايزينه، وأنا واثقه في أختي... مش هتحاسبنا إنت ولا هو! يلا يا رحمه.


سحبتها رغدة من يدها وغادرت، فقال عمرو:

-وراهم يا سراب ومتخليهومش يقولوا لحد الموضوع اتقفل هنا...


تبعتهما سراب دون أن تنبس بكلمة بينما نظر عمرو نحو بدر الذي لم يبرح السيارة، مسح وجهه ليكظم غضبه ثم رمى عامر بنظرة حادة، وقال بنبرة حاول جعلها هادئة:

-جايبه معاك ليه!

-كلمني وأنا بلبس وكنت متضايق فقولتله.

-طيب يلا... اركب وسوق.

تنفس عمرو بعمق ثم دخل للسيارة حيى بدر وأوصاه أن ما حدث يجب أن يُنسى الآن وكأنه لم يكن...


ابتلعهم الصمت لفترة حتى سأل بدر:

-هتتجوزوهم؟


نظرا له ثم تبادلا النظرات قبل أن يقول عامر:

-أنا مش هتجوز إلا تقى.


جملته جعلت الإبتسامة تشق ثغر عمرو، فعاد بدر يسأل:

-وإنت يا عمرو؟


أطلق عمرو تنهيدة طويلة ثم قال:

-أنا مش ناوي أتجوز أصلًا يا بدر وبعدين أنا شايفهم أطفال مفيش أي مشاعر في قلبي ناحية حد فيهم...


تنهد بدر وقال:

-هما صحيح سنهم صغير، يعني ٣ إعدادي بس اللي يشوفهم يقول إنهم أكبر من كده واللهم بارك زي القمر و...


قاطعه عمرو:

-جرى إيه يا بدر؟

-خير يا هندسه.

قالها عامر، فحمحم بدر بحرج وقال:

-و... والله ما قصدي حاجه!


أشاح بدر وجهه بعيدًا منتبهًا لما قال، فقد أصابته عدوى ما! لم يكن هكذا أبدًا...

                    ★★★★★

مضي اليوم وألقى الليل ستاره المعتم، ولم يكن أشد عتمة من حياتها التي أسدل الخُذلان وشاحه المعتم عليها، خذلها النذل نادر! قُتـ ـل حبها الأول في مهده، وفُضحت! هل انتهى رصيدها من ستر الله عليها؟ لا لا ستر الله لا ينفذ، لقد نجاها الله مرتين، مرة من الفتاة الغامضة التي قابلتها ومرة من نادر! حمدت الله، ومسحت دموعها، اطمئنت لأن عمرو وعامر لن يخبرا جدها، سترها عمرو وكان قلقًا عليها رأت اللهفة في عينيه، شعرت أنها ليست وحدها، وأن هناك من يسندها...


ومن ناحية أخرى وكانت «رغدة» تقف بالشرفة متجهمة الملامح أيضًا، تتحاور وترد على نفسها دون أن تحرك شفتيها؛ الرجال لا يفهمون معنى الحب، لا يُقدرون قيمة المشاعر النقية بل تسيطر عليهم شهواتهم... أليس كذلك؟ وإلا لمَ فعل نادر هكذا؟ وهل إذا أخطأ رجل أُخذ البقية بذنبه؟ أجل! كلهم نوع واحد لا يختلف أحد عن الأخر!


فها قد خُذلت أختها وانتهت قصة حبها وهي أيضًا قصة حبها يجب أن تنهي الآن، فقد خططت الليالي الماضية، وتزوجت بدر في خيالها وأنجبا أيضًا...


ألم يكن الخيال مدينة بلا أسوار؟ كل شيء في الكون له حدود إلا الخيال! قرأت ذلك في كتاب ما، هل فعلًا الخيال عالم واسع بلا أسوار! أم أن له أسوار؟ لا لا الخيال يجب أن تُبنى له أسوار كي لا يؤثر على واقعنا...


لقائها وبدر اليوم كانت صدمة لها، سيظن أنها كأختها!

عرفته من صوته حين تحدث مع عامر، ولكن... انتهت صفحة بدر لابد أن تُركز بدراستها، لا يوجد حب، لا يوجد حب! الحب يأتي بعد الزواج وليس العكس!

الواقع أسوأ مما تخيلت...

الروايات الرومانسية ترسم عالم وردي مليء بالفراشات الملونة والزهور الخاطفة للأبصار، والواقع صحراء جرداء قاحلة وخالية من المشاعر.


خرجت من خضم أفكارها على صوت الأغاني الصاخبة، فهناك حفل زفاف زُين الشارع بالكامل كقاعة أفراح لأجله، ها هما اثنان سيدخلان عالم المتزوجين بتلك الطريقة الشائعة، فرح محفوف بالأغاني الصاخبة والرقص والاختلاط...

كم أن العروسه فرفوشه! ترقص وتدور بين الناس، والعريس أكثر فرفشة منها لانه يتركها تدور هكذا...


التفتت رغده وزحفت بنظراتها نحو أختها المنكسـ ـرة المهزومة، تنهدت وقالت:

 -تعالي اتفرجي العروسه جت.

-أنا هناك.

قالتها رحمه وسحبت الغطاء على وجهها، فرغدة تعاملها وكأن شيئًا لم يكن! وذلك يزعجها...

                  ★★★★★★

ارتدت سراب ملابسها لتذهب مع شيرين لحفل الزفاف كما وعدتها، ورغم امتلاكها للكثير من مساحيق التجميل إلا أنها لا تضع شيء على وجهها، تقابلت مع شيرين ونداء وتوجهن للحفل وحين رأتهم رغدة أوقفتهن ونزلت مسرعة لتدخل معهن للحفل...


وقفت سعيده تستقبل الجيران وتقول بابتسامة واسعة:

-أهلًا يا متواضعين، اتفضلوا...

-إزيك يا خالتي حسوده؟

لم تنتبه سعيده لكلمات سراب نظرًا لعلو الأغاني، فرحبت بسراب، وجلست سراب تضحك، وهي تتابع الحفل...

فجأة توقفت الأغاني وسكن الجو فالعروس تجيب على اتصال من أحد أفراد العائلة خارج البلاد، قالت سعيدة بأعلى صوتها وهي تُطالع الأضواء:

-بصراحه اللي عامل الأضواء أبدع في الزينه، إيه النور الحلو أوي اللي منور الشارع ده... 

 

انطفأت الأضواء فجأة، فضحكت سعيده وقالت:

-مش مهم، طبعًا مرات ابني اللي منوره الدنيا.


وفجأة فقدت العروس وعيها وانقلب الفرح، فجحظت عيني سراب وقالت:

-قوموا بينا من هنا، الفرح اتقلب...

-اصبري يا بت احنا لسه داخلين! دلوقتي النور يجي.

قالتها شيرين، فقالت سراب:

-يا طنط اسمعي مني، قومي قبل ما عين الست حسوده ترشق فينا... يلا نمشي احنا عملنا الواجب.


صممت سراب وأصرت على الانصراف فخرجن من الحفل ورغده تغمغم بنزق فكانت تود حضور جميع الفقرات...

قالت نداء:

-تعالوا عندنا شويه الولاد جايبين لعبة حلوه هنلعب معاهم، ونقعد مع بعض شويه، و... ونجيب تقى... 

-ورحمه كمان! أنا هخليها تيجي عشان نطلعها من حالتها دي...

قالتها رغدة، فسألت نداء:

-مالها؟

ارتبكت رغدة ورغم أنها ودت لو تخبر نداء بما فعله أخوها نادر لكنها قالت:

-آآ... أصلها محلتش كويس في الامتحان...


وبعد السير مسافة، عادت الأضواء وارتفعت الأغاني مجددًا فالتفتت رغدة خلفها وقالت:

-شوفتوا أهو محصلش حاجه والفرح لسه شغال...


ضحكت نداء ولم ترد، فوقفت رغدة أمام البناية حين أدركت أنها ستقابل عمرو وعامر، قالت بتردد:

-أنا مش هطلع، هروح لرحمه أصلها مش هتوافق تيجي أصلًا...


حاولن معها لتدخل لكنها آثرت الرحيل، فلا تريد لقاء عمرو وعامر بعد الآن، لا تدري أحياءًا مما فعلته أختها أم تبرمًا من طريقة كلامهما التي أثارت حفيظتها...


غادرت رغدة بينما وقفت سراب شاردة، تُرتب أفكارها لتخبر نداء بما فعله نادر مع رحمه...


دخلت لبيت شيرين وقد اتخذت قرارها ستخبر نداء بكل شيء...


كان عمرو يتحدث عبر الهاتف، اعتدل جالسًا حين قُرع جرس الباب ودخلن للبيت، نهض واقفًا بعدما رمق سراب بنظرة لم تفهم لها معنى! ربما نزق أو لا تدري! التقطت سراب جملة قالها:

-نادر خلاص لو سمحت، وسلام دلوقتي!


عادت إليه نداء وقالت بلهفة:

-دا نادر اخويا؟

أومأ عمرو وهو يقول:

-أيوه؟

وبعدما أغلق عمرو الهاتف، سألته نداء:

-كان عايز إيه؟

-مش عارف... هو عايز يقابلني.

قالها عمرو ودخل غرفته، ووقفت نداء تضع يدها على صدرها بعد تلك الخفقة التي انتابتها، وكانت سراب ترهف السمع، تمنت لو يخرج عمرو مرة أخرى لتسأله، عمَ حدثه نادر، لكنه لم يخرج من غرفته...

مضى الوقت وهي تجلس شاردة ونظراتها مسلطة على غرفة عمرو لم تخبر نداء بأي كلمة، لو أراد عمرو لأخبرها، لكنه لم يفعل، لذا خرجت من بيتهم والأفكار تقتات على عقلها، وانتشلها من أفكارها كلمات أغنية رومانسية تدوي عاليًا حينها ظهر عمرو بالشرفة، رفعت رأسها ونظرت إليه لبرهة حتى وقع بصره عليها، فأشارت له وقالت بارتباك:

-عـ... عايزه أشتري موبايل ضروري.

-حاضر هشوفلك حاجه كويسه.

-طيب كلمني على الماسنجر حالًا، عايزاك، هروح أفتح اللابتوب.

أومأ لها بوجه يخلو من التعابير، فابتسمت، وهرولت تدخل للبيت، ووقف ينظر لأثرها ويردد:

-آه يا قلبي يانا... مالي؟ بجد مالي؟

-مالك يا عمرو؟

قالتها شيرين فانتفض عمرو وأشار للسماء وهو يقول:

-لا كنت بـ... مفيش حاجه يا ماما.

ثم دخل مسرعًا، ووقفت شيرين تُطالع الطريق عاقدة ذراعيها أمام صدرها...


استغفروا ❤️ 

                         ★★★★★

دخلت سراب للشقة وهي تلهث، فقد قطعت الدرج بعدة وثبات واسعة، فتحت جهاز الابتوب، ودخلت غرفة وأغلقت عليها من الداخل، وتقى بالخارج تطرق الباب وتسألها عما يحدث؟ فقالت:

-سيبيني دقيقتين يا تقى وجيالك.


طلبته سراب فيديو، وتعجب عمرو من فعلتها، لكنه أجاب على الفور، قالت دون سلام:

-نادر كان عايز منك ايه؟ وليه مقولتش لأبله نداء؟

-متشغليش بالك.

قالها باقتضاب، فاتسعت حدقتيها وقالت بضجر:

-هو إيه ده؟ لا طبعًا هشغل بالي، قول!

-إنتِ عايزه إيه يا سراب الساعه دي؟ ومكلماني فيديو ليه دلوقتي؟

قالت بجدية:

-عشان أشوف رد فعلك وملامحك، أنا بعرف أقراك كويس أوي يا عمرو، وبفهمك كويس كويس جدًا من نظراتك، إوعى تستقل بيا.

زفر ضاحكًا وقال:

-ويا ترى بقا بتفهمي كل الناس كده ولا أنا بس؟


أطلقت ضحكة خافتة وقالت:

-هو أنا لو بفهم في الناس كان هيبقا دا حالي! إنت حاله استثنائية غير كل الناس...


أصر على أسنانه وصمت هنيهة ثم قال بحدة:

-سراب! قومي نامي.

-قولي الأول آآ...

لم تكمل جملتها فقد أظلمت الشاشة بعدما أغلق عمرو، فغمغمت سراب بامتعاض، وهمت أن تذهب إليه ولكن حين خرجت من الغرفة جذبتها تقى للحديث وأخذت تحكي لها كل شيء تفصيلًا حتى انتهت بأخر جملة قالتها لعمرو وعضت لسانها وكأنها أدركت معنى ما قالته الآن...

نظرت لتقى وقالت:

-عمرو ده مستفز جدًا أنا بكرهه يا تقى... بكرهه.


أما عمرو فقد وقف أمام المرآة يُحدث انعكاس صورته بصوت مسموع:

-إيه يا عمرو يا حبيبي! مالك؟ مالي؟ أنا بجد مالي؟ حد يلحقني ولا يضـ ـربني ولا يسحبني بعيد، دي سراب المستفزه الرخمه اللي بستمتع بنرفزتها! 


وضع يده على قلبه وقال:

-وبعدين!! مش هينفع سراب بالذات لااااااا.


                      ★★★★★

مرت الأيام تباعًا في هدوء، بدأ شهر مايو، ولا جديد، لا شيء سوى الروتين المعهود، البعض انغمس في عمله، والبعض في مذاكرته، وأخرون يُعدون العدة، يخططون ويرتبون ويمكرون ويتربصون بهؤلاء الذين قرروا غض طرفهم عن شيء هام! وبعدما نكشوا عش الدبابير ركضوا ولم يدركوا بعدُ أن الدبابير تتبعهم....

                        ★★★★★

وبعد الظهر بأكثر من ساعة 

خرج «عمرو» من المقهى بعد مقابلة «نادر»، التي جعلت التساؤلات تدور برأسه كالطواحين؛ من هي نرمين؟ وماذا تريد من سراب وتقى؟ فقد كشف له نادر ما أراد وأخفى ما أراد! كما أخبره عن اختفاء نرمين فجأة! 

زفر عمرو بحنق، اختفاء كارم واختفاء نيرمين، ما هذا الغموض؟! يخشى أن يستيقظ ذات يوم فيجد أن سراب اختفت وتقى تلاشت أيضًا!!


توجه لسنتر الدروس حيث عامر وبدر الذي شرع بتدريس الرياضيات للإعدادي...


هوى جالسًا على أقرب مقعد، ينتظر حالما يخرج إليه عامر أو بدر فيتحدث مع أحدهما...

وبعد فترة

خرج الطلاب وبعدهم «بدر» الذي حيى عمرو، وجلس جواره يسأله عما به؟ فقال عمرو:

-معضلة جديده، ولغز جديد جايبهولكم.

-خير؟

-قابلت نادر النهارده، بقاله فتره بيرن عليا وأنا بتجاهله والنهارده قررت أقابله، قالي حاجه غريبه جدًا، إن البنت المنتقبه اللي قابلت رغده هو عرف معلومات عنها، وهي سينارست في بداية مشوارها الفني اسمها نرمين، والغريب انها اختفت فجأه ومبقاش عارف عنها حاجه...

-نرمين!

قالها بدر ببعض الصدمة ثم مسح على ذقنه، وقال:

-أعتقد إن نرمين هي نفسها هند!


اعتدل عمرو في جلسته وقال:

-تعتقد! وإيه اللي خلاك تعتقد كده؟


أطبق بدر شفتيه وصمت، فلم يخبرهم عما عرفه عن عائلة اللبان إلا أن والد سراب حسين على قيد الحياة وهو رجل قاسي القلب خبيث الخبايا...


طالعه عمرو زامًا جفونه، فقال بدر:

-نيرمين! نرمين دي بنت عم سراب أهلها توفوا وهي طفله ورباها حسين أبو سراب وكان قاسي جدًا معاها وأجبرها تعمل حاجات كتير ويمكن من ضمنها تراقب سراب وتقى...


قال عمرو بريب:

-وإنت عرفت الكلام ده منين؟


حمحم بدر وحك عنقه وهو يقول:

-بص هو أنا مش متأكد بس احتمال يكون باسل أخويا باسل هو حل اللغز ده لكن... باسل مختفي بقاله أكتر من شهر ومش عارف أوصله...


نفخ عمرو متضجرًا وقد بدأت الدماء تغلى داخل أوردته وهو يهدر بغضب:

-اختفاء... اختفاء... اختفاء!!


هب عمرو واقفًا وأضاف:

-أنا خلاص مبقتش قادر اتحمل، اللي يحصل يحصل أنا مبقاش عندي طاقه.


وقف بدر قبالته ربت على كتفه وقال بهدوء:

-بص يا عمرو جدي قالي ابعد سراب وتقى عن أهلهم، وكلف رجاله يبحثوا عن الحاج كارم، وخلاص البنتين سكتوا واعتبروا أهلهم ماتوا وإنت شايف بنفسك إنهم بيعتبروا عيلتك عيلتهم وخلاص الموضوع انتهى، شاغل دماغك ليه؟

-خايف عليهم! خايف اصحى من النوم ألاقيهم اختفوا.

-اطمن مش هيحصل كده... كلنا حواليهم.


هدأت زوبعة غضبه وقال بهدوء:

-أنا حاسس إن إنت عارف حاجه ومخبيها عني!


هز بدر عنقه نافيًا وقال:

-صدقني مفيش حاجه، اطمن يا عمرو واهدى...


أومأ عمرو وقال:

-هحاول... هحاول أهدى...


هم عمرو أن يخرج من المكان، فسأله بدر:

-رايح فين؟


-هطلع على الچيم بقا، العصر قرب يأذن.


خرج عمرو، وجلس بدر يفرك لحيته باضطراب، وتزامن ذلك مع دخول رحمه ورغدة للدرس، نهض بدر واقفًا، وقال:

-هتمتحنوا؟

-أيوه.

قالتها رحمه، وكانت رغدة تتعمد تجاهله ولا تتحدث معه مطلقًا، وهو بدوره كان أكثر اقتضابًا في الحديث ليس معها فقط بل مع جميع الفتيات...


ولولا قلة حيلتها وقلة نقودها لما أتت للدرس هنا! لكن لا حيلة لها فأسعارهم بسيطة ورمزية، كما أن عامر لا يأخذ منهم أي نقود من الأساس...

                     ★★★★★★

أغلقت سراب البيوتي سنتر وخرجت نازقة، لا زبائن منذ يومين! وقد أتت قبل ساعة فتاة تطلب نمص حاجبيها فرفضت سراب وخرجت الفتاة تغمغم بحنق...


دخلت سراب للصالة الرياضية المجاورة التي تجلس بها نداء وحدها أيضًا، قالت سراب بضحك:

-إنتِ كمان قاعده لوحدك! هي مالها ناشفه كدا ليه اليومين دول!


قالت نداء:

-مفيش بنات بتيجي بس عمرو بيقول فيه رجاله بيتدربوا معاه من بعد العصر.


ران عليهما الصمت، حتى طرق أحدهم باب الصالة الرياضية فنهضت سراب وهي تقول:

-الظاهر إن فيه حد خليكِ هروح أشوف...


خرجت سراب، فرات رجل خمسيني يرتدي بدلة سوداء أنيقة، وقف قبالتها وابتسم فكُشف اللثام عن أسنانه الصفراء المتأثرة بالتدخين، قالت بتلعثم:

-لسه الرجاله بعد العصر.


قال بصوت خشن يشوبه بعض الغلظة:

-إزيك يا سراب؟

-حضرتك تعرفني؟

-طبعًا هو فيه حد مبعرفش بنته حبيبته! أنا بابا، حسين اللبان...

ازدردت لعابها باضطراب ومادت الأرض تحت قدميها، تحول عقلها لصفحة بيضاء، فهذا هو القاسي الذي حذرها منه عمرو، مر بمخيلتها الكثير من المشاهد، هل سيأخذها عنـ ـوة، هل سيخطفها الآن؟ هل سيذيقها من العذاب ألوانًا لم ترَ مثلها...

باغتها حسين حين جذبها لأحضانه فصرخت...

يتبع

جاري كتابة الفصل الجديد  للروايه حصريا لقصر الروايات اترك تعليق ليصلك كل جديد أو عاود زيارتنا الليله


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع