القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية شبح حياتي الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم نورهان محسن

 

رواية شبح حياتي الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم نورهان محسن 




رواية شبح حياتي الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم نورهان محسن 


الفصل الاول شبح حياتي عزة النفس ليست شخصًا ساخرًا أو طبعاً متعجرفًا ، بل أنها إحترام للذات والابتعاد عن كل ما يقلل من قيمتك. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فتاة في ريعان الشباب إنتبهت من شرودها علي صوت سائق التاكسي الذي قال بصوت أبح : يا انسة .. وصلنا يا انسة!! نظرت من النافذة المجاورة لها ، ورأت أنها توقفت أمام مبنى يكاد يكون قديمًا بعض الشيء ، لكنه لم يفقد رونقه في حي هادئ وأنيق في محافظة القاهرة. أومأت إليه بهدوء ، ثم فتحت حقيبة يدها ، و مدت يدها ببضع أوراق نقدية للسائق ليأخذها منها ، قائلا بصوت عالٍ بينما يتفقد المال الذي يمسكه بين يديه : محتاجين 30 جنيه كمان علي دول يا انسة حدقت في هاتفها لترى كم مضى منذ أن خرجت من محطة القطار وركبت معه ، ثم تساءلت بإستنكار : 30 جنيه ليه يا اسطا؟ دا المشوار كله نص ساعة!! واصلت حديثها بصوت حاد ، عندما شعرت أنه يعتقد أنها ساذجة ، ويمكن أن يستغلها لمجرد كونها بمفردها : والمفروض كنت تقول من الاول ولا عشان شوفت المكان هنا نظيف شوية هتفكر اني من ولاد الذوات يعني ظهرت ابتسامة وقحة على فمه الغليظ ، وكأن نبرة صوتها الشرسة قد راقت له ، وعيناه تلمعان ببريقًا خبيثًا تمكنت من أن تراه عندما أدار رقبته إلى الوراء ، ناظراً إليها وهو يمرر أصابعه الكبيرة على لحيته الغير المرتبة ، قائلًا بسماجة : خلاص خلاص .. احنا جدعان اوي ونحب نعمل الواجب .. خليها علينا المرة دي عشان خاطر حلاوتك يا ست البنات جعدت حاجبيها ، وشعرت بالاشمئزاز منه ، وقررت تجاهل ما قاله حتى لا تتشاجر معه ، فإذا أطلقت عنان لسانها يرد ، فسوف تقضي تلك الليلة في زنزانة السجن لقيامها بفتح رأس ذلك الوغد بحقيبتها ، ثم نزلت من السيارة قائلة بغضب مكتوم : كتر خيرك .. نزلي الشنط دي اذا سمحت!! ساعدها السائق في تنزيل الحقائب ، بينما كانت عيناه تتبعها واقفة صامتة تعبث في هاتفها ببرود ، وعندما أنهى تلك المهمة تركها و رحل في حال سبيله. نفخت بخديها وهي تحمل حقائبها بضجر ، ثم توجهت نحو المبنى مباشرة ، وهي تتمتم في سرها : البداية باين عليها مبشرة شكلها ربنا يستر مشيت إلى الداخل بخطوات هادئة ، وهي ترتدي ذلك الحذاء الرياضي الذي تفضله على الآخرين لسهولة الحركة فيه ، ثم توقفت بعد أن رأت طفلة صغيرة تجلس على مقعد عريض بجوار الحائط ، فقالت بابتسامة صغيرة : صباح الخير ردت الطفلة بصوت خجول ، بعد أن رفعت عينيها للتحديق في تلك الشابة النحيفة ذات الشعر البرتقالي الداكن المنتفش المائل إلى اللون البنى ، وترتدي نظارة كبيرة تغطي عينيها بها : صباح الخير! تجولت عيناها بإهتمام في المكان بعد أن خلعت نظارتها ، ووضعت حقائبها على الأرض بجانبها ، ثم تساءلت بينما يدها إرتفعت تلقائيا ، و أصلحت وضع حقيبة يدها التي كانت تحملها على كتفها : هو في حد كبير موجود اكلمه يا امورة!! هزت الطفلة رأسها بالإيجاب ، وقالت بصوت منخفض بعد أن قامت من مكانها ، ثم توجهت إلى غرفة جانبية : اخويا راح يشتري دخان لجدي وهو جوه لحظة هناديه ارتفعت ابتسامة على وجهها ، وقالت بنبرة رقيقة بعد أن استندت على حقيبة السفر التي بجانبها : ماشي مرت عدة لحظات قبل أن يطل رجل في أوائل الستينيات من عمره ، ذو طول فارع و جسد عريض ، مما يشير إلى أنه لا يزال محتفظًا بقوته ، لكنه بدا كهل قليلا بسبب شيب شعره وتجاعيد وجهه البشوش ، و يبدو أنه حارس المبنى قائلا باحترام بصوت أجش : أمري يا بنتي اي خدمة!! تنفست الصعداء براحة ، و شكرت الله سرًا على وجود شخص مازالت تتذكره في هذا المبنى ، وتساءلت بابتسامة عريضة : ايه دا يا عم حمزة!! انت مش فاكرني؟ ضيق العجوز عينيه على تلك الفتاة التي تكاد تكون ملامحها مألوفة له ، لكنه لم يستطع التذكر بسبب تقدمه في السن ، وقال بإستفهام : لا مؤاخذة يا بنتي مش واخد بالي مين حضرتك!؟ سحبت نفسا عميقا في صدرها قبل أن تقول بنبرة هادئة ، تتناقض تماما مع الحدة التي تحدثت بها للسائق منذ قليل ، وكأنها شخص آخر : انا حياة مجدي يا عم حمزة .. كنا ساكنين هنا في الدور الخامس من 12 سنة تقريبا ظل ينظر لها في صمت مطول ، ثم إرتسمت ابتسامة واسعة على فم حمزة قائلا بصدق ، بعد انتعاش ذاكرته من خلال وميض الصور الذي مر علي مخيلته عن تلك الفتاة الصغيرة ذات الشعر البرتقالي : الله اكبر .. مصير الحي يتلاقي .. لسه فاكرك طبعا وفاكر شقاوتك .. معلش حقك عليا يا ست حياة اصلك اتغيرتي اوي خصوصا شعرك ثم أسترسل كلماته بعتاب واضح في نبرة صوته : ليه كدا يا بنتي تغيري لونه هو كان فيه حد مميز في الشارع كله بلون شعرك الا انتي!! أدارت عينيها بملل ثم أجابت بلا مبالاة : مافيش حاجة بتفضل علي حالها ودي حكاية تطول شرحها يا عم حمزة أومأ حمزة برأسه بفهم ثم قال لها باحترام ، وهو يمد يده لحمل حقائب السفر الخاصة بها : ايوه عندك حق ما تأخذنيش مش وقتها الحكاوي دي .. هاتي عنك الشنط انا هطلعهالك عشان الاسانسير بايظ بقاله مدة تبعته حياة ، ثم بدأوا في صعود الدرج الرخامي ، ثم هتفت بسؤال مازحة : الله يكرمك يا راجل يا طيب .. حرام الشقا دا ماصلحتهوش ليه؟ يعني هطلع خمس ادوار علي رجلي كل يوم!! أجاب حمزة علي سؤالها بصدق بينما مازال يصعد السلالم ، و هي تلاحق خطواته بأنفاس لاهثة : اصل الاستاذ بدر غايب بقاله كام يوم .. وباقي السكان بيطلعو مصاريف التصليح بالعافية وانا كبرت حيلي مابقاش يستحمل المعافرة معهم .. قولت اسيب الامور علي حالها لحد لما يرجع بالسلامة لم تكن تعرف سبب ضربات قلبها السريعة التي طرقت صدرها بشدة. هل لأنها صعدت خمسة طوابق على قدميها ، أم بسبب ذكر اسمه الذي تمقته بشدة منذ طفولتها بسبب كراهية أختها الكبرى له؟ رغم أنها لا تتذكر ملامحه مطلقا ، لكنها شكرت ربها على تأجيل لقائها به ، فهي لا تريد أن تراه ، على الأقل الآن ، لأن ما تعانيه يكفيها. قالت حياة وهي تتنفس بسرعة ، إذ أخرجت مفتاحًا من حقيبة يدها ، بعد أن وقفت معه أمام باب الشقة : ربنا يرجعه بالسلامة يا عم حمزة .. اتفضل المفتاح اهو يارب بس يفتح معاك زمان قفل الباب صدي أخذ حمزة المفتاح منها بتردد ، وشعر بضيق بسيط ظهر في صوته عندما قال : بصي يا ست حياة الحقيقة في حاجة عايز اقولهالك! ارتابت حياة من نبرة صوته القلقة ، وكأنه يضمر عنها شيئا ، ثم قالت بتركيز مشوب بالفضول لترى ماذا سيقول لها : ايه هي .. قول!! تحدث الحارس ببعض التوتر ، وهو يخفض عينيه إلى يده وهو يعبث بالمفتاح بين أطراف أصابعه ، بينما عقله يعمل سريعا محاولًا التفكير في طريقة لحل هذا المأزق : انتي عارفة انكو غيبتو سنين كتير و البيت اكيد مش مناسب عشان تقعدي فيه تردد صدى ضحكات حياة في المكان بارتياح ، ثم قالت بمرح وهي تربت بيدها على أعلي صدرها : خضيتني يا عم حمزة .. انا عارفة ان البيت اكيد مليان تراب ومبهدل شوية بس انا عاملة حسابي جبت فارشة نظيفة انام عليها مؤقتا وحبه حبه هبقي اوضب البيت ضحك حمزة بداخله ، سخرًا منها ، ثم أعطاها مفتاح المنزل ، و قال محاولًا إقناعها بعدم الدخول : لا يا ست حياة انتي مافهمتنيش البيت متبهدل اوي أضافت حياة بلا مبالاة أثناء ما كانت تضع المفتاح في باب المنزل حتي تفتحه : ماتقلقش يا عم حمزة قولتلك خلاص... تلاشى صوتها فجأة ، و فرت الحروف من لسانها هاربة بسبب الصدمة التي تلقتها بمجرد ضغطها على زر الضوء الصغير الموجود بجوار الباب من الداخل. أردفت حياة بشك مضحك ، وكأن عقلها يكذب ما تراه عيناها التي اتسعت أثر صدمتها القوية : عم حمزة متأكد اننا في الدور الصح و لا انت دخلتني شقة غلط!! أجابها حمزة مؤكداً بعد أن أطلق سعال منظفا حلقه ، وهو يشبك يديه خلف ظهره من التوتر : لا يا بنتي .. هي الشقة حتي اسم ابوكي علي الباب زي ماهو هزت حياة رأسها في حالة إنكار ، بينما لم يستطع عقلها استيعاب الفوضى العارمة الموجودة أمامها ، قائلة بعدم تصديق عندما قفزت تلك الفكرة إلى عقلها : بس دي مش شقة يا عم حمزة دا مخزن .. ايه اللي جاب الحاجات دي كلها هنا و فين عفش البيت؟!! حاول حمزة تهدئتها قائلًا بتلعثم : احم .. استهدي بالله كدا بس يا ست حياة .. وانا هفهمك نظرت إليه حياة بعيون جاحظة كادت أن تخرج من محجرها ، وقد تمكن الغضب منها تمامًا قائلة باتهام : تفهمني ايه!! انت قالب شقة بابا مخزن للعمارة في غيابنا أومأ حمزة برأسه و لوح بكلتا يديه في نفي سريع ، قائلا بإندفاع : ابدا وحياة عيالي ماحصل .. مش انا اللي عملت كدا حدقت به حياة بنظرة حادة ، وهي تسأله بإمتعاض : اومال مين!!؟ ابتلع حمزة لعابه بصعوبة قبل أن ينطق بتردد : استاذ بدر رفعت حياة حاجبيها بتعجب ، واضحًا في ملامحها ، وتمتمت بصدمة : نعم!! سارع حمزة في شرح الأمر لها ، قائلا بتبرير جعلها تستشيط غضباً أكثر من الأول : الحكاية انه لما غير عفش بيت والده الله يرحمه وجاب عفش جديد عشان الست مراته اصرت علي كدا .. ماهانش عليه يفرط في حاجة اهله .. حطهم هنا بشكل مؤقت عشان يعني الشقة قصاد الشقة وانتو كدا كدا مش موجودين هتفت حياة مستنكرة ما تسمعه ، واحمر خديها من الغضب : دي قلة ذوق منه هو عشان صاحب العمارة خلاص يتصرف علي راحته لدرجادي .. احنا لسه أصحاب الشقة .. وبعدين دا مافيش مكان اقف فيه حتي .. كل حاجة فوق بعضها .. ايه هبات علي السلم!! هز حمزة رأسه رافضاً ، ووصل عقله إلى فكرة عادلة قد تحل الأمر مؤقتاً : العفو يا بنتي ماتقوليش كدا .. انا عندي حل تمشي بيه الكام يوم الجايين لحد مايرجع بدر بيه لمعت عيناها بأمل سرعان ما إختفي ، وقالت بإستفسار مشيرة إليه بإصبعها السبابة في تحذير وتصميم قويين : ايه هو يا عم حمزة !؟ اوعي تقولي اروح اقعد في اوتيل انا مش هتحرك من هنا أجابها حمزة بجدية ، وهو يضع يده في جيب ثيابه الغامقة ، ويخرج شيئاً يلمع ويعطيه إلى حياة : لا انا معايا مفتاح شقة استاذ بدر .. عشان مراتي بتطلع تنظفها كل كام يوم .. ممكن تقعدي فيها لحد مايرجع ساعتها هو يشيل حاجته من شقتك وتسيبيلو شقته قطبت حياة حواجبها استنكارًا لما قاله ، ثم صاحت احتجاجًا ، وهناك ناقوس الخطر يدق في عقلها يخبرها بعدم فعل ذلك : ازاي عايزني اقعد في شقته لوحدي يا عم حمزة مايصحش!!؟ زفر حمزة بإرهاق من عنادها ، ثم تكلم مرة أخرى بلطف محاولا إقناعها بذلك ، لأنه لن يستطيع فعل شيئا أخر حيال هذا الأمر ، فالمسؤل الأول و الأخير هو صاحب البناية : يا بنتي الشقة مقفولة بقالها اكتر من اسبوع وهو مش موجود والست مراته في بيتهم التاني تنهدت حياة بأسي على حظها العاثر ، فلم يكن ينقصها إلا ذلك البدر حتى تتأكد من أنها لن ترتاح مهما هربت من المشاكل ، ثم هتفت بإستسلام ، وهي ترفع يديها وتفتح باطن كفيها للأعلي : خلاص امري لله .. ما انا معنديش حل تاني.. وأردفت بعد أن رفعت إصبعها السبابة في وجهه لتحذيره مجددا : بس لازم تكلمو او تبعتلو رسالة تعرفه اني هقعد في شقته مش عايزة ادخل في مشاكل و حوارات معاه "حياة مجدي عبدالغفور" بطلة الرواية .. 23 عام .. .. تخرجت بدرجة الليسانس في الأدب الإنجليزي ، وتعمل معلمة أطفال في الإسكندرية .. "والدها ووالدتها متوفيان ، وتعيش مع أختها التي تكبرها بسبع سنوات" "صاحبة جاذبية طبيعية تلفت الانتباه إليها ، لديها وجه مستدير منبسط في منطقة الذقن والخدين ، حيث تكمن فيه ملامح البراءة والعفوية واللطف الذي يتناقض مع شخصيتها النارية ، حادة المزاج عندما تكون منفعلة ، لكنه يتناسب تمامًا مع لون شعرها المتموج ، الذي يتميز بلونه البرتقالي المائل للأحمر الناري ، مما يجعله مميزًا ومختلفًا ، ولكن بسبب تنمر الآخرين عليه منذ طفولتها ، كرهته كثيرًا ، حيث كانت تسعي جاهدة لإخفائه خلف قبعة ترتديها دائما عند الخروج من المنزل حتي لا ينتعها الأطفال بالساحرة الشريرة ، كما يشع من عينيها الجميلتين ، لون عسل نقي ، و بريق لا يمكن تجاهله ، من السهل له أن يخترق القلوب كالسهم الناري ، وهي محاطة بأسوار من الرموش الكثيفة مع حواجبها الجميلة المتناغمة مع بشاشة الوجه ، والابتسامة الدائمة على شفتيها الممتلئة بلون قرمزي طبيعي ، وهو مصدر جاذبيتها وجمالها الذي تغفل عنه ، حيث أنها ذات بشرة بيضاء ناعمة و نضرة كالأطفال ، كما أنها تتميز بجسدها الرشيق والنحيل." من أهم صفات شخصيتها أنها مرحة جدا .. تغضب بسهولة .. تعشق الأطفال و تحب التعامل معهم .. تكره الأوامر .. كسولة و فوضوية عندما تكون وحدها .. حساسة جدا .. سليطة اللسان اذا حاول أحد العبث معها. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• داخل شقة بدر بعد مرور ساعة تجولت حياة في جميع أرجاء هذا المنزل بعد أن غيرت ملابسها إلى بيجامة مريحة وواسعة ، وأنبهرت عيناها بأثاث البيت الرائع الذي يعكس الذوق الرفيع لصاحبها ، حيث كانت الشقة ذات مساحة كبيرة بها صالة كبيرة ومفروشة بأثاث أنيق وفاخر مزيج من النبيذ والأسود ، وتحتوي على العديد من الغرف من بينها غرفة نوم واسعة وغرفة أطفال فقط الذين لم تجدهم مغلقين كما الباقي. وقفت حياة أمام النافذة مربعة الشكل المطلة على الشارع الواسع ، وعيناها تتبعان حركة السيارات بصمت. رأت من انعكاس زجاج النافذة طيفًا خلفها ، لذا استدارت بسرعة ، لكنها لم تجد شيئًا سوى القط الصغير ذو الفراء الكثيف باللون البرتقالي والأبيض من أسفل عينيه الخضراء ، مروراً بأنفه الصغير ورقبته ، فقد أخبرها حمزة أنه ملك صاحب المنزل ، وأنه يعتني بإطعامه في حالة غيابه. كان يقف على حافة الأريكة يحدق بها بنظرات بريئة ، يصدر صوتًا ضعيفًا ، دليلًا على أنه جائع. تنهدت حياة براحة ، وشعرت بالأسف على ذلك الصغير لوجوده في هذا المنزل بمفرده. ذهبت ناحيته ، وأخذته بين يديها بلطف ووضعته على صدرها ، ثم قادتها قدميها إلى المطبخ ذو الطراز الحديث ، أثناء حديثها معه بخفوت : يلا نعملك أكل يا صغنون صبت بعض من الحليب الذي وجدته في البراد بطبق صغير إلى القط الذي كان يحوم تحت قدميها ، ثم وضعته بجانبه على الأرض. جلست حياة على الأريكة أمام التلفزيون في غرفة المعيشة ، وثنت ركبتها إلى الأسفل ووضعت راحة يدها تحت ذقنها بعبوس لطيف ، ثم تحدثت إلى نفسها بصوت مسموع وهي تنظر حولها بغيظ : بيته حلو و مترتب و شيك اخر حاجة وانا مبهدلي شقتي و رمي فيها كراكيبه .. منه للي كلت دراع جوزها واصلا انا هقعد هنا ازاي لوحدي!! بس والله لا اخد راحتي وابهدلو شقته زي ما عمل معايا كانت تشاهد التلفاز بملل ، وأخذت الطبق الموجود على المنضدة أمامها ، والذي كان يحتوي على بعض الخضروات التي وجدتها في الثلاجة. رفعت حياة الجزرة إلى فمها ، وقطمتها بصوت عالٍ قائلةً لنفسها باستياءً : انا مالي قلبت علي ارنبة في نفسي كدا ليه!! وكمان الخس و الجزر دول ماشبعنيش أمسكت هاتفها من جانبها ، وشكرت ربها على تسجيل رقم حمزة بعد أن فتح لها بيت بدر ، ثم نزل حتى يصلى صلاة المغرب. قالت حياة بهدوء : ايوه يا عم حمزة .. انا حياة أردفت بحرج : معلش هتعبك معايا .. ممكن تجيبلي شوية حاجات من السوبر ماركت التلاجة هنا مافهاش غير خضار بس كانت صامتة ، تستمع إلى رده المهذب عليها. قالت بتفكير أثناء ما كانت تفرك فروة شعرها ، وهي تربع قدميها على الأريكة ، وتعد علي أصابع يدها بتمهل ، مما جعل حمزة يوشك علي أن ينفجر غيظاً منها : الله يخليك .. لا مش حاجة معينه يعني شوية شيبسيهات و جبن و عيش و بقسماط وبيض وبلوبيف و لبن عشان القط و شوية لب علي كاجو ومربي يا عم حمزة بالفراولة والنبي و عصير .. لا أي نوع عادي .. ميرسي كتر خيرك كفاية كدا هاتهم ولما تطلع هنتحاسب .. تمام شكرا .. باي خفضت حياة الهاتف من أذنها بعد أن أنهت المكالمة ، ونظرت إلى الساعة الموجودة فيه لتجد أن الوقت قد مر بسرعة وأنها مكثت هنا لمدة أربع ساعات ، ثم خطر ببالها ما حدث بعد دخولها الشقة ، وإجراء المكالمة الصوتية العميقة مع أختها ميساء التي ظلت تصرخ في أذنيها بغضب عندما أخبرتها بما حدث معها. Flash Back ميساء تحدثت بسخط لإعادة ذكريات مراهقتها إلى مخيلتها مرة أخرى ، حيث كانت هوائية المشاعر ومنجذبة لمن رفضها ، فيما كانت آنذاك ذلك الوقت فخورة بجمالها الذي برز منذ صغرها : انتي اكيد اتهبلتي!! قاعدة في شقة راجل غريب يا حياة .. مش كفاية المشاكل اللي حصلت بسببك هنا!! ردت حياة بهدوء مصطنع : ممكن تهدي بقي .. انا سيبتك تزعقي زي عوايدك اللي مابقتش طيقها دي خلاص اسكتي واسمعيني شوية التوي شدقها ساخرا ، ثم صاحت في استياء : هتقولي ايه يعني!! من الاول وانا مكنتش عايزاكي تنزلي القاهرة لوحدك وانتي عاندتيني ونفذتي اللي في دماغك .. حتي خطيبك ماديتلوش فرصة يتفاهم معاكي قالت حياة بنبرة حازمة مليئة بالتحذير حتى لا تواصل شقيقتها هذا الحديث غير المجدي معها : ميساء .. انتي مش امي بطلي دور المتحكمة اللي عايشة فيه دا .. كفاية عليكي بيتك وعيالك مسيطرة عليهم براحتك .. وكلمة خطيبك دي ماتقوليهاش تاني معاذ كان خطيبي و دلوقتي مالوش كلمة عليا تغيرت نبرة ميساء التي حزنت لما تقوله أختها لها ، وتمتمت بتوبيخ : بقي دي طريقة بنت محترمة بتكلم اختها الكبيرة!! ماينفعش ترميلو دبلته وتسافري من غير ماتتناقشو .. هو لولا شغله مقيده كان جه وراكي أضاءت ومضة من الذكريات التي مرت عليها يومين فقط ، عندما وجدت خطيبها الموقر جالسًا في مطعم على البحر مع فتاة أخرى ، ويده على ظهرها وشعرها بطريقة مقززة ، لكنها أغلقت عينيها بإحكام ، حتى لا تذرف المزيد من الدموع على كرامتها المجروحة ، ثم فتحتها من جديد ، وكان في حلقها غصة إبتلعتها بصعوبة قائلة بعزم : انا مش صغيرة يا ميساء .. دي حياتي ماتدخليش فيها .. مستحيل هرجع لواحد خاني واللي خلاني سكت ومابهدلتش الدنيا فوق دماغه انه اخو جوزك .. بس انا مش هربط نفسي بإنسان عصبي ومعندوش تفاهم وفاكرني عروسة لعبة في ايده يحركني علي كيفه .. وفوق كدا خاني من قبل حتي مانتجوز اومال بعد الجواز كان هيعمل فيا ايه!! اسمعي انا سيبتلكو اسكندرية بحالها و هستقر هنا .. خلص باب المناقشة في الموضوع تنهدت ميساء حزنًا على حالتهما ، إذ ابتعدت عنها أختها التي ربتها ، وأيضًا لتلك المشاكل التي نشبت بينها وبين زوجها بسبب أخيه الأصغر المدعو معاذ ، ثم قالت بغيظ طفيف رغما عنها لأن أختها تقطن في بيت بدر الآن : يا حبيبتي انا قلقانة عليكي .. افرضي وانتي نايمة هو جه اللي مايتسماش دا علي فجأة .. مايصحش كدا ضغطت حياة على قبضتها من أجل السيطرة على نفسها بصعوبة ، حتى لا تنفجر بغضب على أختها التي تفهمها من نبرة صوتها التي تفضحها ، ثم قالت بسخرية لاذعة : عارفة ايه المشكلة؟ اني متأكدة ان كلامك دا مش من خوف عليا .. بس هطمنك برده أنهت جملتها وهي تتجه نحو باب المنزل ، ثم فتحت مكالمة فيديو بينهما ، قائلة بجدية بعد أن وجهت كاميرا الهاتف نحو الباب : بصي قافلة علي نفسي بالترباس من جوا تمام ماتقلقيش عليا أغمضت ميساء عيناها بقوة ، وتملكها شعور بالحرج من نفسها ، وهمست : ماشي يا حياة خلي بالك علي نفسك و كلميني الصبح غمغمت حياة بإختصار : ماشي سلام Back ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


الفصل الثاني شبح حياتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كل شئ في حياتك هو درس من لجئت اليه خوفا ، ولم تجد عنده السلام والطمأنينة.. من أحببته بدفء ، وحول دفئك الى صقيع.. من عجزت عن النوم ذات يوم بسبب خيبة أملك به ، فحولها إلى أرق يهدم أمانك.. من كان بريقه في عينيك ، واليوم هو نفسه سبب إمتلائها بدموع القهر.. الحياة مجرد دروس ، وإذا قامت بسحقك ، فسوف تأخذ روحك لتضع فيك روحًا أشد قوة لمواجهتها والتغلب عليها. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ "ميساء مجدي عبدالغفور" "30 عام" "حاصلة على بكالوريوس تجارة" "متزوجة ولديها طفلان ، فتاة تبلغ من العمر تسع سنوات ، وابن يبلغ من العمر خمسة أعوام" "لا تعرف كيف تسامح بسهولة ، خاصة عندما يشعرها أحدهم بأنها ليست جميلة جدًا ، كان ذلك في الماضي ، لكنها الآن لم تعد تهتم كثيرًا ، حيث أصبحت واثقة جدًا من مقاومتها الأنثوية ، لكن هذا لم يمنع من وجود بعض آثار الندوب التي حدثت في الماضي ، فهي تميل إلى حب السيطرة واتخاذ القرارات بدلاً من الآخرين ، لكن هذا لا يقلل إطلاقا من حبها الشديد لأختها الصغرى حياة ، وذلك لأنها تحملت مسؤوليتها منذ أن كانت طفلة ، حيث تعتبرها ابنتها الكبرى و ليست شقيقتها فحسب" "جسدها ممتلئ بشكل متناسق ويميل إلى السمنة أكثر من النحافة ، وطولها متوسط ​​، ووجهها مستدير بملامح حادة ، وبشرة خمرية ناعمة ، وعيناها واسعتان باللون البنى ورموشها طويلة ، وأنفها صغير ، وفمها عريض قليلاً بذقن مدببة وشفتين ممتلئتين بشكل معتدل ، وتتميز بشعرها الناعم والطويل الاسود على عكس شقيقتها البرتقالية بشعرها المجعد و ترتدي الحجاب ، باختصار جمالها مميز وسحرها فاتن." فتحت حياة عينيها ، ثم قلبتها بملل من تسلط أختها الكبرى على حياة الآخرين من حولها ، وكيف جعلتها تخاف من ذلك البدر الذي لا تتذكر ملامحه قط ، حتى أنها لاحظت أنه لم تكن هناك صورة له معلقة على جدران منزله ، لكنها سعيدة رغم كل شيء ، لأنها عادت للقاهرة وأخيراً تحررت من قيود تلك الخطوبة التي استمرت لأكثر من سنة ضاعت هباءاً من عمرها. عادت ذاكرتها سنوات للوراء عندما انتقلت مع والدها ، وأختها الكبرى بعد وفاة والدتهما إلى الإسكندرية ، لأن والدها جاء إليه فرصة عمل جيدة هناك ، بينما كانت أختها تتحدث دائماً بشكل سيء عن بدر أمامها بسبب حبها المراهق له ورفضه الغير مبرر لها ، ورغم أنها كانت جميلة ، إلا أنها كانت في الماضي مندفعة ومتهورة ، أرادت أن ترتبط بشاب ثري وتعيش الحياة في رفاهية. بينما كان بدر شابًا جادًا منذ طفولته بسبب نشأة والده الصارمة له ، وإصراره على أن يكون محامياً مثله عندما يتخرج من كلية الحقوق. لا يتذكر عقل حياة أنها تعاملت معه من قبل ، لأنها كانت أصغر من أختها بسبع سنوات ، حيث كانت حياة الفتاة ذات الشعر البرتقالي بسبب جينات وراثية و بيضاء ونحيلة ، وكان جسدها صغيرًا جدًا ، لكنها كانت شقية للغاية ، ودائما كانت تخفي خصلاتها المتموجة تحت قبعة كبيرة بسبب تنمر الأطفال عليها ، ولكن عندما كبرت قليلا ، غيرت لون شعرها إلى البني الداكن ، و أصبح لديها شخصية مشاغبة أكثر من ذي قبل ، فهي لا تغفر ولا تسكت عن كل من أخطأ في حقها مهما حدث. تثاءبت حياة بتكاسل ، وتفكر بصوت عال كالمعتاد : خليني اريح انهاردة والصبح هبهدلو ام الشقة الحلوة دي برواقة وكويس ان بكرا اجازة هخليه مايعرفش يحدد ملامحها زي ماعمل في بيتنا .. بس انا هنام فين ؟ نظرت إلى غرفة النوم بشكل لا إرادي بنظرة محيرة ، قائلة وهي تداعب ذقنها في تفكير عميق : و فيها ايه لما انام علي السرير بتاعه!؟ ما انا تعبانة من السفر عادي خرجت من أفكارها عند سماع صوت طرق باب المنزل ، فوقفت منتصبة على رجليها اللتين كانتا مخدرتين من ثني ساقها علي الأريكة أثناء جلوسها ، واندفعت نحو الباب ، ثم فتحته ورفعت وجهها لتلتقي بوجه حمزة الذي قال بابتسامة : سلامو عليكو يا ست العرايس ردت حياة عليه بإبتسامة مرحة : وعليكم السلام يا عم حمزة رفع كلتا يديه حاملاً عدة أكياس قائلاً ببشاشة : جبتلك كل طلبات اهي يا بنتي ابتهجت أسارير وجهها وهي تلمح ما كان بيده ، وقد نسيت أنها طلبت منه منذ قليل شراء هذه الأشياء قائلة بامتنان : الله يكرمك و يخليك يارب تعبتك معايا يا عم حمزة .. ثواني هجيبلك الفلوس ★★★ توجهت حياة نحو المطبخ بعد أن أعطت حمزة النقود التي أنفقها على المشتريات ، ثم وضعتها على طاولة المطبخ ، وتفحص الأشياء التي أحضرها باهتمام بينما القط يدور حول قدميها ، يموء بشكل ضعيف ورأسه مرفوع نحو حياة ، التي هتفت بضحكة : دا انت قط طماع و عينك فارغة شبهي .. مش لسه شارب طبق لبن بحالو من نص ساعة .. حاضر يا زنان اصبر بس لحظة هرتب الحاجة دي بدأت حياة في وضع الأشياء في الثلاجة ثم تمتمت ، وعيناها تلمع بفرحة طفل بينما تلعب بكيس اللب في يدها : عيني شافتكو طار منها النوم .. احسن حاجة احضر قعدة برا واشغلي فيلم و نقضي السهرة مع بعضينا يا قطقوط ★★★ حياة تجلس على الأريكة أمام التلفاز ، عيناها تشاهدان أحداث فيلم الرعب أمامها وهي تأكل رقائق البطاطس ، و مبعثرة حولها أطباق تحتوي على قشور لبّ ، الذي سرعان ما انهت عليه من فرط تركيزها و حماسها ، ثم فجأة صرخت في رعب وألقت كيس الرقائق على الأرض وهي تنتفض ، وتناثرت الأطباق بفوضى أكبر بعد أن قفز القط واقفا على ساقيها : يالهوي يمه.. تذمرت حياة وهي تشاكسه في بطنه : منك لله ياللي معندكش دم قطعت خلفي .. مش كفاية الشبح ابن التيت موت كل الابطال اللي عجبوني واصلت حديثها بعد الانحناء لتجمع ما سقط على الأرض ، وترتب المكان قدر الإمكان : دا انت افظع من ولاد اختي كنت فاكرهم عفاريت طلعت معفرت اكتر منهم... بترت ثرثرتها عندما سمعت صوت جرس باب الشقة ، لتنهض بشكل مستقيم وذهبت حتى تعرف من يطرق الباب ، و دعت سرًا أن يكون الطارق ليس من معارف صاحب المنزل عندها لن يكون الوضع لطيفًا على الإطلاق. نظرت حياة للأعلى بعد أن فتحت الباب ووجدت امرأة أطول منها ، ترتدي تنورة سوداء طويلة وواسعة ، لكنها أنيقة للغاية ، وبلوزة ذهبية اللون ، وسترة من نفس لون التنورة ، بينما هناك حجاب ملفوف بشكل جميل حول وجهها ، قالت بابتسامة مضمومة : مساء الخير .. ازيك!! ردت حياة بنبرة حذرة ، وهي تقطب حاجبيها : اهلا!! .. مساء النور تساءلت المرأة ، وهي تعدل من وضع حقيبة يدها على كتفها : انتي حياة مش كدا!!؟ تحرك حاجبها الرقيق للأعلي ، وأومأت متسائلة بدهشة : ايوه انا .. حضرتك تعرفيني؟ ضحكت المرأة بخفة ، وأجابت بلطف : مش فاكراني طبعا ليكي حق شكلي اتغير اوي بس انتي ماتغيرتيش خالص يا مشمشاية نظرت إليها حياة بعيون مملوءة بالحيرة والتساؤل ، والآخري قرأتها بسهولة ، ثم أجابت دون أن تضطر إلى انتظار سؤالها : انا مروة كمال .. ساكنة في الدور اللي فوقك علي طول .. احنا جيران من زمان اوي وصاحبة اختك ميساء انفرجت شفتاها بابتسامة حلوة بعد أن فهمت ، ثم عادت للوراء قليلاً حتى أتاحت مكانًا للآخري للدخول قائلة بصوت ناعم : اها .. اهلا و سهلا .. أتفضلي جوا ماينفعش نفضل واقفين كدا علي الباب أعطتها مروة ابتسامة واسعة جعلت وجهها أجمل ، قائلة لها وهي تمشي بالداخل : يزيد فضلك يا جميل أردفت مروة بعد جلوسها على أحد الكراسي في الصالة : انا عرفت من الحج حمزة انك جيتي انهاردة وقعدتي في شقة بدر فقولت اجي واسلم عليكي أومأت حياة بفهم ، قائلة بنبرة هادئة ، فهي إعتادت أن تتوخى الحذر في أول معاملة لها مع أي شخص : الله يسلمك .. ميرسي اوي يا مدام مروة عبست مروة بلطف قائلة مازحة برحابة صدر : مدام ايه ابت!! خلي البساط احمدي بينا كدا .. ومالك متخشبة ليه اقعدي يا يويا .. انا بحب اللي ياخد عليا بسرعة شعرت حياة بالحرج لكنها ابتسمت ، وقالت بود عندما شعرت أن مروة حقاً طيبة القلب : معلش .. تشربي ايه؟ نفت مروة برأسها وقالت بسرعة ، بينما مدت يدها إلى حقيبتها وسحبت هاتفها : ولا أي حاجة بصي انا مش هطول في القعدة المرة دي .. عشان جوزي جاي ياخدني بعد شوية انا قولت اجيلك ونتعرف و ناخد ارقام بعض .. عشان اذا احتجتي حاجة تكلميني!! سجلت حياة رقم مروة على الهاتف ، وقالت بنبرة عفوية طفولية ، بحواجب مرفوعة من السعادة والحماس : ربنا يخليكي .. الحمدلله انك ظهرتي .. انا كنت بكلم نفسي من كتر الزهق مش متعودة علي الهدوء دا خالص استأنفت مروة حديثها بإبتسامة : ولا تقلقي انا باجي هنا تقريبا كل يومين عشان اشوف ماما و احتياجاتها هي واخويا اكيد مش فاكراه هو كمان!! هزت حياة رأسها قائلة بنفي : الحقيقة لا انا يدوب فاكرة عم حمزة بالعافية قالت مروة بفخر ، شارحة كلماتها التي يبدو أن لها معنى معينًا وراءها : اخويا يا ستي اسمه مازن و بيشتغل دكتور باطنة و معظم الوقت برا البيت عشان شغلو في عيادته ولسه مش متجوز شعرت حياة بالحرج من نبرة صوتها كأنها تبعث لها رسالة مطنة ادركتها حياة مع نهاية كلامها بغمزة شقية في عينها ، فحاولت تغيير مسار الحديث متسائلة : ها .. انتي عندك عيال؟ أغمضت مروة عينيها ، وقالت بحسرة مضحكة ظهرت في صوتها تزامناً مع وضع مرفقها على حافة الكرسي ، متكئة خدها على باطن كفها : اه عندي واد بعيد عنك وعن السامعين معجون بمية عفاريت مطلع عين امي .. بالمناسبة ماما بعتالك السلام معايا هي صحتها بعافية شوية ماقدرتش تنزل تسلم عليكي قالت حياة بإبتسامة ودودة : الله يشفيها و يعافيها الف سلامة عليها تساءلت مروة بمزاح : يسلملي الحلو دا .. قوليلي اختك الواطية اخبارها ايه؟ اكتر من سنتين ماسمعتش صوتها انتبهت حواسها إلى الجملة الأخيرة ، لتسألها باهتمام : انتو كنتو بتكلمو!؟ أومأت مروة بقوة وأجابت بثقة : يوووه كتير وكنت لما اروح اسكندرية نتقابل بس مشاغل الحياة بقي والواد ابن العفاريت دا مش مخليني اشم نفسي زي الناس ضحكت حياة بخفة وقالت بلطف : ربنا يحميهولك .. نفس العينه دي سيبتها في اسكندرية ولاد اختي اشقياء جدا برده دوي صوت قهقة مروة أيضًا ، ثم تقوَّست شفتيها قائلة بأسي متصنع : كل العيال كدا يا اختي .. الا قوليلي انتي متجوزة ولا مخطوبة!!؟ همست حياة ضامة شفتيها الوردية : لا دي ولا دي كنت مخطوبة بس محصلش نص...يب قطعت كلماتها عندما قفز القط في حجرها فجأة ، لترفع راحة يدها بشكل عفوي ، وتمسد علي رأسه برفق اعجب القط ، وشكرته سرا لأنه جعلها تتجنب التمادي في ذكر هذا الموضوع. قالت مروة المتابعة للموقف من البداية : شكلك انتي و ميجو بقيتو صحاب بسرعة!! تمتمت حياة بينما كانت عيناها مثبتتين على القط ، وتداعبه بيدها : اسمه ميجو!! أكدت مروة ما قالته بشرح موجز : ايوه بدر مسميه كدا مراته ماتحبش القطط ابدا فسابو هنا .. اوقات لما بيروح بيته التاني بيسيبو مع ماما فوق بيسليها بس المرة دي شكله نسي يطلعه توقفت حياة عن اللعب مع القط ، وهي ترفع وجهها حتى التقت بوجه مروة متسائلة بإندهاش متصنع : بيته !! هو مش دا بيته ولا عنده بيت تاني!؟ أردفت مروة تجيب على سؤال حياة بتفسير : اه دا بيته طبعا . . بس انا قصدي بيته اللي هو ومراته قعدين فيه .. الشقة دي بتاعت مامته و باباه الله يرحم...هم قاطعت مروة حديثها ، واتسعت عيناها بصدمة عندما سمعت رنين الهاتف الذي كانت تمسكه في يدها ، ودون الحاجة إلى النظر إليه ، قالت على عجل ، تزامناً مع قيامها من الكرسي : يا خبر بنتنجاني الكلام خدنا و بهاء وصل تحت وبيرن عليا لازم انزلو .. بس اعملي حسابك لينا قعدات كتير مع بعضينا الايام الجاية اتفقنا هزت حياة رأسها مؤيدة ، قائلة بنبرة رقيقة بعد أن وقفت هي أيضا ، وتحركت معها نحو باب المنزل : ماشي تسلمي يا مروة وخدي بالك علي نفسك ودعتها مروة ، وهي تقبل خديها بخفة ، وقالت بابتسامة لطيفة : وانتي كمان يا جميل .. باي باي ردت حياة بابتسامة مماثلة ، وانتظرت حتى نزلت الدرج ، ثم أغلقت الباب مجددًا : باي "مروة كمال منصور" "29 عام" "متزوجة ولديها طفل عمره ست سنوات" "تتميز بخفة الروح وحيوية ومبهجة وصديقة ممتعة ، وامرأة نشطة تستطيع الدخول في القلوب بحركاتها الشخصية واهتماماتها الجذابة ، ولباقتها اللطيفة ، لكنها فضولية وتحب الحديث وتعتبره وسيلة لمعرفة الكثير من المعلومات ، متواضعة جدا ، لديها ذوق راقي في اختيار الأزياء والإطلالات الفريدة ، لديها وجه مرح ، وشعر بني طويل ممزوج بلون أشقر صناعي ، يتدفق على كتفيها العاجيين ، وعيون بنية واسعة ، وابتسامة حلوة تزين شفتيها الناعمتين." ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• حدقت حياة في غرفة نومه بعد أن ضغطت على زر الإضاءة ، حيث لم تجد سريرًا في أي غرفة أخرى. قادتها ساقاها نحو منتصف الغرفة ، وهي تمشي حافية القدمين كالمعتاد ، ثم استدارت ببؤبؤ عينيها حول الغرفة الأنيقة ، حيث يوجد السرير الوثير الذي يتسع لأكثر من شخصين ، وإلى يمين الغرفة توجد طاولة عليها قوارير عطور وبعض الأشياء الأخرى ، وعلى اليسار خزانة كبيرة خاصة بالملابس. اقتربت حياة من الطاولة ، وحدقت في انعكاس صورتها في المرأة ، ثم رفعت يديها ولفت خصلات شعرها الكثيفة للخلف ، ولفتها للأعلي بمشبك شعر بلاستيكي ، ثم أمسكت بقارورة عطر غريبة الشكل كانت واقفة بشكل منظم ، وقربتها بفضول من أنفها. أغمضت عينيها حيث راقت لها الرائحة المنبعثة من فوهتها ، والتي بدت وكأنها من النوع الفاخر والغالي. غابت عما حولها بتلك الرائحة الرائعة التي أخذتها إلى عالم آخر مليء بالألوان الزاهية ، لكنها عادت إلى وعيها بصدمة على صوت اصطدام قوي. دون قصد ، انزلقت القارورة من يدها على الأرض ، محطمة إلى شظايا زجاجية صغيرة متناثرة بفوضى ، ورائحة العطر الفواحة ملأت جميع أنحاء الغرفة. سقطت حياة على قدميها بجانب شظايا الزجاج المتناثر ، وقلبها يخفق بقوة وخوف مما فعلته ، ومن شدة توترها جرحت إصبعها من قطعة مكسورة أمسكتها بعجلة ، ثم سالت منه قطرات من الدم. شهقت بهلع وهي تصفع بيدها الأخرى على خدها ، وملامحها تبدو على وشك البكاء : يا خبر حبري و مهبب البرفان ادشدش اعمل ايه انا دلوقتي!! تجعدت جبهتها من الألم وهي تحدق في إصبعها ، ثم فكرت في تجاهل أمر الاهتمام به الآن ، وأردفت بخفوت محاولة تهدئة جسدها المرتعش الذي تشنج من الارتباك : مش مشكلة دا خدش بسيط ماتتخضيش يا حياة .. خلاص بكرا هدور علي علبة البرفان بتاعته واجيب وحدة جديدة وارجعها مكانها .. لا من شاف ولا من داري و ربنا يعوض عليا الفلوس اللي هكوعها فيه حار و نار في جتتك يا بدر الزفت قامت من الأرض وخرجت من الغرفة لإحضار أداة التنظيف لإزالة قطع الزجاج من الأرض ، لكنها تسببت بطريق الخطأ في إصابة قدمها العارية عندما داست على قطع الزجاج ، فرفعت ساقها من الألم ودمدمت بأنين غاضب ، وهي تمشي على أطراف أصابعها : يووه هو في ايه بيحصل!! دا بيت متعفرت مش طبيعي باين عليه تحركت بخطوات حذرة و بطيئة بسبب ألم كاحلها ، وهي في طريقها إلى المطبخ ، لكن قدميها توقفتا عن الحركة في حالة صدمة ، وشعر عقلها للحظة وكأنه توقف عن العمل عندما سمعت صوتًا هادئًا يتخلله بعض السخرية يقول بنبرة لوم متهكمة : عيب لما نمد إيدنا علي حاجة مش بتاعتنا وكمان نكسرها!! التفتت حياة إلى مصدر الصوت ، الذي صدر من جانب النافذة الكبيرة المغلقة خلف الستائر ، ولكن بسبب الإضاءة الخافتة ، لم تكن ترى بوضوح. رفرفت عيناها بتوتر ، وكان السؤال الأول الذي خطر ببالها هو هل أغلقت باب المنزل من الداخل بعد مغادرة مروة؟ ربما يكون صاحب المنزل قد عاد ودخل دون أن تشعر به ؟ لكن شيئًا بداخلها استبعد هذا الاحتمال. ملأ الخوف ملامحها ، لم يكن هناك سوى استنتاج واحد قفز في ذهنها المرتبك أن من تحدث الآن ليس إلا لص ، لذلك بحثت بعينيها جيدًا في المكان ، لكنه فارغ ، لا أحد على الإطلاق. همست حياة بقشعريرة سرت علي طول جسدها ، وعيناها المذعورتين تجولت يمينًا ويسارًا : مين .. مين اتكلم!!؟ انتظرت بضع ثوانٍ ، لكن لم يكن هناك رد ، فأطلقت أنفاسها المحصورة في صدرها من شدة ذعرها ، و مسحت الدموع التي هطلت من الخوف رغم إرادتها ، ثم غمغمت : اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ركضت سريعاً نحو باب الشقة ، فوجدت انه مقفل كما تركته. واصلت حديثها بضحكة ممزوجة بالدموع ، وهي تفرك فروة رأسها بعد أن مسحت خديها بظهر كفها كالأطفال : انا لازم ابطل اتكلم بصوت عالي وانا لوحدي .. اكيد من كتر تفكيري واعصابي التعبانة دي كان بيتهيألي.. سخرت من نفسها ، وهي تبتعد عن الباب : لا كمان كنت بتفرج علي فيلم رعب .. عايزة يعني يحصلك ايه كاتك الارف في جبنك .. جبانة وتتفرجي علي رعب يخربيت الادمان وسنينو أنهت كلماتها مع حالها بعد أن تذكرت ما كانت تفعله منذ قليل ، وهرولت بخطوات سريعة أشبه بالركض نحو المطبخ ، ثم بعد فترة عادت إلى غرفة النوم لتنظيف الأرضية من الزجاج بسرعة قبل أن تتوجه مرة أخرى إلى المطبخ لإلقاء القمامة في سلة المهملات ، ونسيت ما حدث بعد أن تشتت انتباهها بشيء آخر. ★★★ وقفت حياة تدندن بألحان أغنية تحبها بصوتها العذب للغاية ، وهي تصنع لها شطيرة صغيرة ، حيث شعرت بالجوع بعد أن خافت منذ قليل ، و قد فر من عينيها النوم مرة أخرى ، ثم سكبت لها كوبًا من عصير البرتقال الموجود في الثلاجة ، وتمتمت بضحكة ساخرة : قال بيقولو ان الخوف بيطفش الجوع .. اومال انا ليه لما بخاف شهيتي بتتفتح علي البحري!! دي حاجة عجيبة يا جدعان قامت حياة بإطفاء أضواء المطبخ قبل مغادرتها ، ولكن فجأة دوي صرخة فزع من حلقها بمجرد أن رأت رجلاً طويلاً يقف أمامها منتصباً ينظر إليها بابتسامة جانبية. تزامنت مع انتفاضة قوية من جسدها إلى الوراء ، حيث انزلق كأس العصير من يدها بسبب ذعرها ، و أحدث صوتًا عاليًا عند ارتطامه بالأرض. أغمضت عينيها بشهقة حين تناثرت بعض قطرات العصير الصفراء في الهواء ، ثم استقرت على ملابسها ووجهها. فتحت حياة عينيها ، وهمست في رعب بينما جحظت عيناها فزعاً ، عندما تأكدت من أن ما تراه أمامها حقيقي ، وليس مجرد وهم كما ظنت في البداية : انت .. مين..!؟ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


الفصل الثالث شبح حياتي يبدو تائهًا ، عيناه نجمتان ، يداه سلال من الريحان ، صدره وسادة من القمر ، وشعره أرجوحة للريح والزهور ، يبدو تائهًا ، مسافرًا لا يحسن السفر...!! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قامت حياة بإطفاء أضواء المطبخ قبل مغادرتها ، ولكن فجأة دوي صرخة فزع من حلقها بمجرد أن رأت رجلاً طويلاً يقف أمامها منتصباً ينظر إليها بابتسامة جانبية. تزامنت مع انتفاضة قوية من جسدها إلى الوراء ، حيث انزلق كأس العصير من يدها بسبب ذعرها ، و أحدث صوتًا عاليًا عند ارتطامه بالأرض. أغمضت عينيها بشهقة حين تناثرت بعض قطرات العصير الصفراء في الهواء ، ثم استقرت على ملابسها ووجهها. فتحت حياة عينيها ، وهمست في رعب بينما جحظت عيناها فزعاً ، عندما تأكدت من أن ما كانت تراه أمامها حقيقي ، وليس مجرد وهم كما ظنت في البداية : انت .. مين..!؟ تحرك نحوها خطوة واحدة محاولاً الاقتراب منها ، بينما كانت عيناها مثبتتين عليه بمجرد أن تحرك نحوها بسرعة ، خرجت من حالة الصدمة التي أوقفت عقلها ثوان. توقفت قدمي ذلك الرجل دون أي حركة أخرى فور أن رآها إنحنت على الأرض ، وأخذت الكأس المكسور في يديها المرتعشتين بوضوح ، ثم نصبت بقامتها القصيرة نسبيا بطوله الفارع ، ووجهته على الفور بتهديد مباشر تجاه من يقف أمامها. نظر إليها بملامح مبهمة لم تستطع قراءتها لأن وجهه كان مثل صفحة بيضاء تمامًا لم يُكتب عليها أي تعبير ، لكنه فجأة قام بعقد حاجبيه بغموض. أطلقت حياة صرخة سريعة فجأة ، و قالت بنبرة تهديد مليئة بالذعر بعد أن ابتلعت لعابها برعب شديد ، بينما قلبها ينبض داخل ضلوعها بسرعة كبيرة نتيجة الخطر ، الذي شعرت به في تلك اللحظة التي تواجهها لأول مرة في حياتها : اثبت مكانك و اوعي تفكر تقرب مني والله ماهتردد ثانية و هموتك.. أردفت حياة بإستنتاج سريع أكثر منه بسؤال ، وعيناها تراقبان حركة يديه وقدميه الثابتين بتمعن : اكيد انت حرامي .. استغليت غياب صاحب الشقة وجيت تسرقها مش كدا!! واصلت بنبرة صوت متلعثمة مشوبة بالإنفعال ، بعد أن سيطر عليها الهلع التام من صمته المريب : مااا.. ما ترد عليا يا صنم .. انت دخلت هنا ازاي!! زم شفتيه في خط مستقيم ، وأغمض عينيه مع عقده حاجبيه بانزعاج من صراخها بصوت عال في وجهه ، ثم بدأ يقترب منها بخطوات هادئة ومتوازنة. ارتسمت على محياه الجدية ، وقال بغموض ممزوج بالثقة جعل الخوف يتغلغل أكثر في قلب حياة : نزلي اللي في ايدك دا تراجعت حياة عدة خطوات إلى الوراء حتى أصبحت المسافة بينهما كبيرة إلى حد ما ، و صاحت بهستيريا ورفض : لاااا .. بقولك اثبت مكانك .. انت مابتفهمش!! اِمتثل الآخر لأمرها ووقف دون أن يرد على مضض ، لا يعرف ماذا يقول ، ويبدو عليه عدم الفهم ، من يجب أن يخاف من الآخر ، فهذه المجنونة هي التي تهدده بسلاح ، وليس هو. كما أنه ليس لديه إجابة على أسئلتها الكثيرة ، بينما كانت تخطو ببطء إلى الوراء بحذر شديد تريد إستغلال وضعه الشارد أمامها ، وقلبها يرتجف برعب ، لكن ما يطمئنها قليلاً أنها ما زالت تمسك الكأس المكسور في يديها بتهديد ودفاعا عن النفس حتى لا يقترب منها. ظلت حياة تحسب الأمر في ذهنها ، إذا حاولت الركض نحو باب الشقة البعيد عن موقعها الحالي ، فسوف يمسك بها بسهولة بسبب طول ساقيه. إذن ليس هناك إلا مهرب واحد فقط ، حتى لو كان مؤقتًا. لم تفكر كثيرًا في الأمر ، حيث استدارت بسرعة ، وركضت نحو المطبخ خلفها مباشرة ، وأغلقت الباب جيدًا بالمزلاج لأنها لم تجد مفتاحًا فيه. أمالت رأسها على الباب ، ووجهها مواجه له ، وعيناها مغمضتان ، ودموعها تتساقط بغزارة ، وتشهق بعنف ، وقلبها يرتعد من الخوف. همست حياة بشكل متقطع ، وهي تحاول إيجاد حل للكارثة الواقعة فيها ، وهي تدفع يدها اليسرى على الباب بينما الأخرى لا تزال تحمل الكأس المكسور : يالهوووي .. اعمل ايه . . اعمل ايه .. فكري بسرعة يا حياة..!!؟ أنزلت يدها ، ووضعتها في بنطالها تتفقده ، قائلة بلهفة : اه .. اكلم عم حمزة يلحقني كادت تنهار وتبكي أكثر عندما وجدت جيوبها فارغة ، وقالت بتشوش : لا .. تليفوني راح فين؟!! : قدام التليفزيون برا فغرت فاهها ، وعينيها بصدمة و عدم تصديق ، و فرت الدماء هاربة من وجهها عندما سمعت صوته مرة أخرى ، فالتفتت بجسدها ورأته يقف خلفها مباشرة. استدارت يمينًا ويسارًا محاولة أن تجد المكان الذي كان قادرًا على الدخول منه ، لكنها لم تجد أي مدخل أو مخرج سوى الباب خلفها. ومضت عيناها بغرابة ، وبدون لحظة من التردد قذفت الكأس في وجهه بقوة ، واستدارت لتفتح الباب وهرولت بأسرع ما يمكن إلى باب الشقة ، ثم فتحته بأصابع ترتجف من خوفها الشديد ، وفور خروجها ، بدأت بالصراخ طلباً للمساعدة من سكان المبنى : حد يلحقني .. الحقوووني .. الحقوووني ياااا ناس!! في ذلك الوقت كان يصعد بخطوات هادئة ، وهو يتنهد متذمراً على درج المبنى بسبب تعطل المصعد ، لكنه رفع رأسه متفاجئًا عندما سمع صوت امرأة تستنجد بصراخ ، فأسرع خطواته علي السلم بإندفاع. وجد امرأة شابة في ملابس المنزل متسخة ، تخرج من شقة بدر وتجري نحوه مذعورة. سألها وهو يلتقطها بين ذراعيه ، ممسكًا بمعصميها الباردة من رعبها الرهيب : ايه .. بتصرخي كدا ليه .. في ايه!! فتحت حياة فمها ، وأغلقته عدة مرات متتالية ، تحاول أن تجد صوتها حتى استطاعت أن تنطق بتلعثم : ف..ي ف...ي عقد حاجبيه ونظر إليها ، محاولاً فهم شيء ، لكنه لم يستطع. قال محاولاً تهدئتها بعد النظر إلى وجهها الشاحب ورعشة جسدها ، مما قد يتسبب في إصابتها بنوبة قلبية : ممكن تهدي .. خدي نفسك بعدها اكلمي عشان افهم!! ابتلعت لعابها بصعوبة بسبب حلقها الجاف ، ووجهت يدها إلى باب المنزل ، تهمس بصوت مبحوح ، وعيناها تحدقان للأمام بذعر : في .. حد .. جوا!! ضيق عينيه وقوس شفتيه في حالة من عدم الفهم ، ثم قال بريبة وهو يشير في اتجاه الشقة : قصدك علي شقة بدر .. مين اللي جوا؟ مش فاهم حاجة!! تحدثت حياة باندفاع ، وهي تنظر إلى عينيه الخضروتين : حرامي .. في حرامي جوا الشقة ترك يدها تزامناً مع صعود حارس المبنى وعائلته ، وبعض السكان الآخرين الذين استمعوا إلى ما قالته ، ثم اندفع الجميع إلى الداخل. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد مرور عدة دقائق خرج حمزة من المطبخ ، ووقف أمام حياة ، ثم قال بهدوء : يا ست حياة احنا دورنا في الشقة كلها محدش موجود خالص كانت حياة جالسة على الكنبة بصمت ، ولكن حالما سمعت ما قاله حمزة ، هزت رأسها غير مقتنعة ، وصاحت بإصرار وكل إنش في جسدها ارتجف من الخوف : لا يا عم حمزة .. والله انا شوفته قدامي واقف زي ما انت واقف في نفس المكان حتي تحدث ذلك الرجل ذو العيون الخضراء بنبرة هادئة حتى لا يثير فزعها مرة أخرى : ماينفعش يكون حرامي .. انتي بتقولي كنتي قافلة الباب علي نفسك وفي الدور الخامس و كمان الشبابيك كلها مقفولة كويس اهي تطلعت به حياة ، وهو يقف عند النافذة ، ثم أخذت نفسا عميقا محاولة السيطرة على أعصابها فما قاله كان صحيحا ، لكنها همست في حيرة وهي تخفض رأسها : مش عارفة .. مش عارفة .. بس انا شوفته بعيني صدقوني!! ربتت زوجة حمزة على كتف حياة ، قائلة بلطف قبل ان تبتعد وتدخل المطبخ : اهدي يا بنتي .. اهدي جايز كان بيتهيألك دا بيجرا مع اي حد تنهدت حياة مستسلمة ، فهي ليست في حالة جيدة تسمح لها بالمجادلة أكثر من ذلك : يمكن!! ظهر رجل في منتصف الثلاثينيات من عمره يدعي كرم هو الابن الأكبر لحمزة ، الذي كان يبحث في الغرف لعله يجد شيء ، لكنه قال بثقة : صعب حد يدخل العمارة يا انسة حياة من غير ما نحس بيه .. العمارة ليها باب واحد بس واكيد مش استاذ بدر اللي كان هنا عشان عربيته مش واقفة تحت خرجت ابنة كرم البالغة من العمر 11 عاما ، وتقول بفخر طفولي لطيف لانها قد اديت مهمتها بنجاح : خلاص يا ابلة حياة انا نظفت الارض و المطبخ ضمت شفتيها في حرج ، ثم قالت بابتسامة صغيرة : تسلمي حبيبتي .. انا اسفة اوي علي اللي حصل تعبتكو معايا و قلقتكو علي الفاضي تحدث حمزة بصوت عطوف طمئن قلبها قليلاً : ماتقوليش كدا يا بنتي نامي و ارتاحي .. كرم اطمن علي كل الشبابيك مقفولة وانتي اقفلي باب الشقة كويس عليكي من جوا حياة بتمتمة : تمام خرجت زوجة حمزة من المطبخ ، وقالت بابتسامة حنونة : اتفضلي يا بنتي عملتلك ليمون يروقلك دمك و يهديكي نظرت حياة إليها بصمت ووجه باهت ، وهي تأخذ الكأس منها بكلتا يديها ، و لسان حالها يقول بسخرية مضحكة : يروق دمي ايام ما كان عندي دم .. ما طفش خلاص .. كل دمي قطع تذكرة للمالديف يروق نفسه بنفسه ابن الجبانة لكنها بدأت في استعادة زمام أمور نفسها ، ووجدت أنه لا داعي للمبالغة أكثر في هذا الأمر ، ربما كانت متوهمة كما قالوا ، وبغض النظر عما قالته ، فيبدو أنهم لن يصدقوا ذلك بأي حال من الأحوال. كانت آخر من خرج من باب المنزل ، والدة كرم تقول بابتسامة : تصبحي علي خير يا بنتي ردت حياة بابتسامة قبل أن تغلق الباب جيداً من الداخل : و انتو من اهله ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• في غرفة نوم بدر في وقت متأخر من الليل كانت حياة منغمسة في النوم بينما كانت مستلقية بشكل فوضوي على بطنها على السرير ، ثم شعرت بشيء ناعم يسير على وجهها ، مما تسبب لها في دغدغة لطيفة جعلتها تستيقظ من سباتها. فتحت عينيها ببطء وبانزعاج ، لتنصدم بوجود القط أمامها جالس على الوسادة فوق رأسها. همست بتذمر ناعس : هو انا مش هرتاح في الليلة الهباب دي ولا ايه!! أضافت ، بعد أن إعتدلت على السرير ، بينما إمتدت يديها تمسك القط ووضعته في حضنها ، وقالت له بصوت مبحوح : يعني عشان نسيت أقفل باب الاوضة عليا .. تقوم تقلق راحتي من غير لا احم ولا دستور .. مش كفاية اللي انا فيه هتبقي عليا انت و الزمن كمان!! كان القط يموء بصوت منخفض ، محدق بعينه الخضراء البريئة إلى حياة ، التي نظرت إليه في حيرة وقالت بصوت خافت ، متزامنة مع ثني جسدها حتى تنزل القط على الأرض : ولا فاهم حاجة طبعا!! يلا بقي يا عسلية خلي عندك حبه من أبو أحمر واطلع نام برا علي الكنبة ان شاء الله تعمل بيبيه عليها مش فارقلي بس سيبني انام شوية خلاص الفجر هيأذن استلقت حياة على السرير مجددًا ، وقالت بحسرة مرهقة بينما تضع إحدى يديها على عينيها : ايه الليلة الغريبة دي!! معقولة اللي شوفته دا كان بيتهيألي .. بس دي أول مرة تحصلي .. انا خايفة لا اكون اجننت و يودوني العباسية و يشمت فيا معاذ و امه الحيزبونة : انتي لسه ما طهرتيش جرح صباعك كدا يعمل صديد فتحت عينيها بتفاجئ عندما سمعت ذلك الصوت الجميل والعميق مرة أخرى ، ورأت مجددا ذلك الشاب غريب الأطوار يقف فوق رأسها ناظرا إليها ، وقد مال بجسده قليلا تجاهها. سرعان ما صرخت بعد أن قفزت ووقفت على السرير ، ولوّحت بكلتا يديها في الهواء بعفوية وعنف : اسمع انت ايه بالظبط!! حرامي و لا عفريت ولا أنا بحلم و لا ايه حكايتك في الليلة اللي مش عايزة تعدي دي!! كان يحدق فيها بعيون بنية تتلألأ بالأمل ، متسائلاً بصوته الرجولي المميز : انتي شايفاني مش كدا!! رفعت حاجبها في إنشداه كأن من يقف أمامها معتوه ، وأجابت على سؤاله بسؤال : يعني ايه شايفاك؟! أشار إلى نفسه قائلا بإستفهام : يعني شايفاني و سمعاني ردت عليه حياة وهي تؤمي برأسها وهي بداخلها ، أقسمت أنه مجنون أو أنها مجنونة ، لا يمكنها التحديد بعد ، لكنها قررت أن تسايره ، ربما تفهم شيئًا : ايوه!! وضع كلتا يديه على وجهه ، وتنهد بارتياح واضح كأن هناك حجر ضخم على صدره يعيق تنفسه ، وإنزاح بعد أن كاد أن يفقد الأمل ، ثم ابتهج فرحًا وابتعد قليلاً عن السرير : الحمدلله .. اخيرا لاقيت حد حاسس بوجودي .. انا كنت قربت اتجنن!! هزت حياة رأسها برفض ، وهي ترفع يدها وتلوح بها في الهواء بإشارة توحي بأن الشخص الذي يقف أمامها كان بالفعل مجنونًا و مختل عقليًا ، ثم صاحت مؤكدة أفكارها الداخلية ونفاد صبرها : لا انت شكلك مجنون اصلا .. انا مش فاهمه منك حاجة .. انت مين و بتعمل ايه هنا!!؟ شعر بالطمأنينة تتغلغل بعمق في داخله ، فتنهد ونظر إليها ، وتغيرت نبرة صوته قائلا بأمر ، وعينين ثاقبتين موجهتين إليها بنظرة بغيضة من الطريقة التي وقفت بها أمامه فوق فراشه : اسكتي شوية وانزلي من فوق السرير بهدلتيه ونص الحاجات في البيت اتكسرت بسببك أضاف بنبرة واثقة ، وهو يشير بإصبع السبابة لأعلى ثم لأسفل : ولعلمك انا مش حرامي .. انا عايش هنا زاد التشوش والارتباك في عقلها من أسلوبه الحازم والثقة بالنفس التي يتحدث بها ، فقالت مرة أخرى بتساؤل : ازاي يعني عايش هنا!! وتطلع مين اصلا؟ مد يده اليمنى ليصافحها ​​قائلا بثقة مطلقة ، بينما ظهرت ابتسامة جانبية على شفتيه جعلته أكثر وسامة : اسمي بدر ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• في الصباح التالي تملمت حياة بانزعاج من أشعة الشمس التي تسللت عبر النافذة إلى عينيها عسليتين ، فتحتهما ورفرفت حتى تعتاد على الضوء الساطع من حولها. نظرت من حولها بعدم إستيعاب من آثار النوم والاجهاد ، ووجدت أنها مستلقية على سرير كبير ، ثم تذكرت أنها في غرفة فندق. نهضت حياة بجذعها ببطء ، ووجهها شاحب ، ثم إستندت بجسدها على ظهر السرير ، وفركت جبهتها بألم من صداع يهاجم رأسها. اتسعت عيناها من الخوف ، ونبضات قلبها أصبحت فوق الطبيعي ، حين عادت إليها ومضات من أحداث الليلة الماضية. Flash Back مد يده اليمنى ليصافحها ​​قائلا بثقة مطلقة ، بينما ظهرت ابتسامة جانبية على شفتيه جعلته أكثر وسامة : اسمي بدر حدقت في يده الممدودة بخجل واضح على ملامحها ، من علمه أنها كسرت بعض أغراضه ، واستطاعت أن تشعر من نبرة صوته الواثقة أنه بالفعل صاحب المنزل. شعرت بمزيج من الإحراج والاضطراب لكونها وحيدة مع هذا البدر ، و في غرفة نومه ، بينما كانت ترتدي إحدى بيجاماتها الطفولية السخيفة ، وقبل أن تمنح نفسها فرصة للتفكير وجعله ينتظر أكثر. نزلت من السرير بهدوء إلى الأرض ، ومدت يدها لمصافحته بتردد ، لكن يدها مرت في يده ، وكأنها مسكت الفراغ. نظروا إلى بعضهم البعض بصدمة متوازية ، ثم اختفي من أمامها دون ترك أي أثر ، وكأنه لم يكون موجود اطلاقاً. ظلت محدقة بوجه باهت في المكان الذي كان يقف فيه لعدة ثوان في ذهول كبير ، ثم همست برهبة وشهقة قوية ، ورفعت كلتا يديها إلى فمها : شبح!!!!! Back ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

الفصل الرابع شبح حياتي عالقاً بكِ كأنما لا حيلةً لدي سِواكٍ ، و أرى بكِ طمأنينة كما لو أنكِ المكان المُناسب لروحي التائهة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إنفرجت شفتيها قليلاً عن بعضها البعض ، لتسمح للهواء بدخول رئتيها ، حيث أخذت نفسًا قويًا ، مع ارتفاع صدرها وهبوطه بقوة ، والعرق يملأ جوانب وجهها ، مما جعل شعرها يلتصق بخدها وجبينها. لا تفهم أي شيء ، هل الذي رأته حقيقة أم كانت تحلم أم أنها فقدت عقلها؟ يصعب على عقلها استيعاب الموقف ، إذ لم يحدث لها شيء مثل هذا من قبل ، وإذا أخبرها أحدهم بأن ذلك حدث له ، فلن تصدقه بالطبع. أغمضت حياة عينيها بقوة ، وأخذت نفسًا عميقًا ، ثم زفرته ببطء مرة أخرى. كررت هذه الحركة عدة مرات لتنظيم تنفسها ، لمنع نوبة الهلع التي بدأت تتشعب في أعماقها مجدداً ، بعد أن هاجمتها تفاصيل ما حدث لها بعد إختفائه من أمامها. غيرت ملابسها بأسرع ما يمكن ، ووضعت معظم أغراضها في حقيبة واحدة ، ثم غادرت هذا المنزل ، ثم ذهبت إلى فندق واستأجرت غرفة صغيرة ، وقررت أنها ستبقى هنا ولن تعود إلى ذلك المنزل اللعين أبدًا. مدت يدها إلى الطاولة المجاورة لرأسها ، ممسكة بكوب الماء الموضوع عليها. قربت الكأس إلى شفتيها ، ثم تجرعت قليلاً من الماء ، لتروي حلقها المتيبس من عطشها. تمتمت بعيون تجول في الفراغ : ايه اللي بيجرالي دا!! اكيد ماكنتش بحلم!! خايفة لا اكون اتجننت ولا بهلوس من خوفي من اللي اسمه بدر دا ضحكت بسخرية على حالتها البائسة عندما نهضت من السرير ، تمسح وجهها بيد مرتجفة ، تزيل خصلات شعرها الملتصقة بها ، وتمشي نحو الحمام : منه لله اكيد كانت تهيؤات .. وقال ايه هعفرتلو الشقة دي شقته هي اللي طلعت متعفرته .. توبة لو هبات علي السلم مش هدخل شقته الزفت دي تاني لحد لما يرجع ويرجعلي عفشي زي ما كان أقنعت نفسها أن عليها فقط أن تنسى الليلة الماضية كما لو أنها لم تكن مطلقاً. بعد فترة زمنية من دخولها الحمام قامت حياة بتجفيف جسدها بمنشفة كبيرة بعد نهوضها من البانيو ، حيث أخذت حماما دافئًا ينعش جسدها مرة أخرى بعد أن كان متيبسًا من الرعب والضغط من قلة النوم. وقفت أمام مرآة الحمام برداء حمام طويل وواسع نوعا ما ، تزيل البخار بيدها حتى تتضح صورتها في المرآة. أمعنت النظر في شعرها الذي بدأت الصبغة تتلاشى منه ، وكأن لونه الحقيقي على وشك الظهور من جديد. ....: حياة ارتجفت أوصالها وتجمدت في مكانها ، حيث وضعت كلتا يديها على صدرها لمنع قلبها من القفز من بين ضلوعها على الأرض ، ثم تمتمت بصوت مذعور وعينين واسعتين بعد أن استدارت ، ووقفت على قدم واحدة بخوف : سلاما قولا من ربا رحيم .. انت تاني ازاي!! أمال بدر رأسه قليلا ، وابتسامة جانبية على شفتيه من نظرتها المرتعبة دون أدنى سبب من وجهة نظره ، قائلا بجدية : انا مش هأذيكي يا حياة زي ما انتي فاكرة .. اهدي كدا وماتخافيش مني حدقت فيه حياة وعيناها مفتوحتان على مصراعيها مصدومة ، ثم سألته بغباء وفمها مفتوح : عرفت إسمي منين!!؟ زفر بدر بنفاذ الصبر ، ثم أجاب ببساطة : سمعت عم حمزة وهو بيناديكي بيه أعطته حياة نظرة فاحصة من أعلى إلى أسفل ، وهي تفكر في إطلالته التي لم تكن مختلفة عن الأمس ، حيث كان يرتدي نفس القميص الأسود ، ويفتح الأزرار الثلاثة الأولى ، يكشف عن بشرته البرونزية ، وبنطاله الأسود القماش وحزامه الأسود اللامع. تمتمت حياة بتساؤل ، وكأن عقلها على وشك الجنون لما يحدث ولا تستطع إستيعابه : ازاي دخلت هنا وعرفت مكاني ازاي من اصلو!! كان بدر منغمسًا في التفكير بمكان آخر ، لا يعرف كيف تشتت انتباهه برائحة عبق شعرها ، قائلاً دون وعي : انا ماسيبتكيش من امبارح ولا لحظة قوست حياة شفتيها بحركة طفولية ، دليل على استهجانها واستيائها من كلماته ، حيث اجتاح الإحراج حصونها من نظرته المتفحصة إليها ، لكنها صرخت بصوت عالٍ لإخفاء خجلها الذي كشفه احمرار خديها : هو انت ايه بالظبط!! ماهو انا اكيد ماتجننتش ولا بيتهيألي؟ انت موجود اهو وبكلمك وتكلمني جفل بدر من صراخها ، وزم شفتيه في سخط ، ثم سألها بصوت مذهول : انتي ليه كل ما تشوفيني بتسألي اسئلة عاجز عن الرد عليها؟! عقدت حياة ذراعيها أمام صدرها ، وسألت باستياء : اومال مين يجاوبني عليها ها؟ أشتعلت سخطًا وإنفعال عندما أدركت أين يقفان وماذا كانت ترتديه ، حيث وضعت يديها على رداء الحمام للتأكد من إغلاقه جيدًا ، وقالت بإستنكار غاضب يشوبه الكثير من الخجل : وازاي واقف قدامي وانا بالشكل دا!! حتي لو كنت عفريت لازم تحترم نفسك .. اطلع برا أغلق بدر عينيه بقوة بعد أن أزعجته نبرة صوتها العالية أثناء حديثها معه ، وأوامرها له بمثل هذه الوقاحة التي لا تناسب شكلها إطلاقا. خفض بدر رأسه عندما أدرك صحة كلامها ، ورفع يده بشكل عفوي وفرك رقبته من الخلف في حرج محاولاً إخفاء ذلك خلف صوته المتذمر : بطلي صريخ عشان انا صدعت منه .. هستناكي برا البسي وتعالي وضعت حياة يديها على فمها بصدمة عندما رأته خارج أمامها عبر باب الحمام المغلق ، لتتمتم بصوت مكتوم : دا اكيد مش طبيعي او انا للي محتاجة اشوف دكتور نفسي بسرعة هرولت بتبعثر إلى صندوق صغير بجوار المرآة ، ثم فتحته وظلت تبحث قليلاً بعشوائية ، ثم أخرجت مغلفاً صغيرًا يحتوي على قطعة من الشوكولاتة ، وبدأت في امتصاصه ببطء ، ووجهها شاحباً حيث شعرت بالدوار وأنها على وشك الإغماء من الرعب. ★★★ بعد دقائق خرجت حياة من الحمام مرتدية سروالا من الجينز الأسود الطويل وبلوزة قطنية رمادية ، وشعرها لا يزال مبللا وأشعث ، ثم بدأت تفحص بعينيها المكان الهادئ الذي لا أثر له فيه. همست لنفسها وكأنها فقدت عقلها حقًا : مش موجود .. انا خلاص اجننت كلو من الزفت معاذ .. اكيد انا جاتلي حالة نفسية بسببه تمتم بدر بنبرة ساخرة ، وكأنه يريد استفزازها : محدش له سبب في حاجة .. ومفيش عاقل بيكلم نفسه عمال علي بطال كدا استدارت حياة بسرعة إلى الجانب الآخر ، فوجدته متكئًا بجسده على الخزانة ، وذراعيه متشابكتان أمام صدره. تفوهت حياة بضجر ممزوج بالغيظ ، وهي تضع يديها على خصرها : ربنا يخليك في حالك .. مالكش دعوة بيا .. وانا مش مجنونة رد بدر بإبتسامة باردة : كلامك مع نفسك دي اول علامات الجنان كانت حياة على وشك أن توبخه بغضب ، لكن قاطعهم طرق خافت على باب الغرفة ، فذهبت حياة إلى الباب حتى تعرف من يطرق. ظهر شاب في منتصف العمر ، وأمامه منضدة متحركة مع وجبة الإفطار التي طلبتها حياة قبل دخول الحمام ، قائلا بإبتسامة : صباح الخير يا فندم همست حياة بإرتباك ، وهي تنظر خلفها تلقائياً ، فوجدت بدر يتحرك نحو الأريكة الموجودة أمام الباب مباشرة : صباح النور قال الشاب بأدب بعد أن أدخل الطاولة في وسط الغرفة ، ولم يبدو عليه أنه رأي أي شيء غير عادي على الإطلاق : تأمري بأي خدمة تانية حضرتك!! رمقت حياة ذلك الجالس على الأريكة ، بطرف عينيها ، ثم نظرت إلى الشاب ، وقالت بابتسامة مزيفة : معلش ممكن اسألك سؤال!! تحدث الشاب بإهتمام : اوي اوي اتفضلي.. ابتلعت حياة لعابها وهي تخفض جفونها وسألت بأمل : احنا كام واحد واقفين في الاوضة؟ رفع الشاب حاجبه مندهشا ، ونظر حوله بعفوية ، وقال بسؤال : نعم .. مش فاهم قصد حضرتك!! سعلت حياة بخفة من شدة الإحراج الذي كانت تشعر به ميقنة أنه يراها الآن حمقاء بالفعل ، لتدفع خصلة من شعرها خلف أذنها ، ثم سألت بصيغة أخرى : اقصد في حد سأل عليا وطلعلي هنا !؟ نفي الشاب برأسه وأجاب بجدية : لا حضرتك أي حد بيطلع لنزيل عندنا بنتصل بيه قبلها نديلو خبر أعادت حياة بصرها إلى الذي كان يجلس أمامها ، بينما كان يفرد يديه على طول الأريكة ، بابتسامة جانبية على وجهه. ضيقت عينيها عليه في سخط ، ثم شكرت الشاب بلطف : تمام .. شكرا أغلقت حياة الباب خلف الشاب ، متمنية أن يكون ما تراه مجرد وهم بسبب الضغط الذي تمر به مؤخراً ، ولكن عندما استدارت مرة أخرى ، وجدته جالسًا على الأريكة بهدوء ، استنكرته بشدة وهتفت صارخة بعنف : انت طلعتلي منين و ازاي انت هادي كدا!!؟ زفر بدر منها بحنق ، وهو ينظر إلى الجانب الآخر ، ويقول في انزعاج و سأم : يوووه انا زهقت من كلمة ازاي للي مابتقوليش غيرها دي أطلقت حياة ضحكة ساخرة ، وهي تضع إحدى يديها على خصرها والأخرى تحت ذقنها متظاهرة بالتفكير ، وعيناها تتجهان نحوه في غضب مشتعل قائلة بتهكم : المفروض اقولك ايه مثلا؟ اهلا بيك في حياتي المكعبلة.. اردفت حياة بينما تتمايل ، وهي تمشي أمام عينيه التي حركها نحوها مجدداً : قولت لنفسي يمكن تكون عفريت و مأجر شقة الزفت بدر اللي معرفوش دا .. سيبتلك العمارة كلها وطفشت .. جاي ورايا هنا ليه!!! يبقي العيب فيا انا اكيد اجننت تحرك جسده إلى الأمام من الغضب ، وزأر عليها بحدة لدرجة أنها جعلتها تتجمد في مكانها ، وتقف بشكل مستقيم : اكلمي بإحترام عني .. قولتلك انا بدر صاحب العمارة اللي بتقولي ليكي شقة فيها شهقت حياة خوفاً من غضبه ، لكنها حاولت الحفاظ على رباطة جأشها قائلة بسخرية لطيفة : وعايز مني ايه يا اونكل بدر!؟ تمتم بدر فيما استقرت نظرته على شفتيها المقوستين بلطف : زي ما شوفتي كدا محدش بيشوفني غيرك ابتسمت حياة ببلاهة ، وكأنها قد جن جنونها بالفعل ثم همست وهي تميل قليلاً بجسدها في إتجاهه : يعني زي ما انا قولت عليك انت عفريت قام بدر من مقعده ، ثم مشى نحوها شارحاً لها ما كان يحدث له : انا متأكد في سبب للي بيحصل .. انا فضلت ايام كتير جوا شقتي كل ما حد يدخل احاول اتكلم معه مايردش عليا حتي طليقتي .. كنت قربت اتجنن لحد ما لاحظت انك شايفاني و رديتي عليا لما حاولت اكلمك فتحت حياة فمها بإنشداه ، متسائلة بغرابة : طليقتك مين!! اللي أعرفه انك متجوز هز بدر رأسه رافضاً ، وقال لها بإصرار : كنت متجوز وطليقتي اسمها أميرة لم تهتم حياة بهذا الحديث ، وسألته بزمجرة ، وهي تنفخ خديها بحنق : برده انا مالي و مال كل دا أضافت راسمة تعبيراً توسلياً على وجهها الطفولي ، وهي تشبك كلتا يديها تحت ذقنها : لو كنت عفريت اللي اسمه بدر دا .. ارجوك انصرف من حياتي انا مش نقصاك ابدا عقد بدر حاجبيه بتفكير ، ثم صاح بقلة حيلة و تردد إنجلى على ملامحه الرجولية : مابقتش قادر .. دا مش بمزاجي انا بتحرك وراكي غصب عني .. انتي الوحيدة اللي وانا معاها مش حاسس اني ميت غمغمت حياة بصوت خافت بينما حدقتيها العسليتين يهتزون بخوف : ميت!! رفع بدر رأسه ، ونظر إلى الأعلى ، وتحدث بثقة مصطنعة ، رغم أنه كان خائفًا داخليًا ، لكن هذا كان الاستنتاج الوحيد الذي توصل إليه : مفيش غير التفسير دا قدامي .. اكيد انا موت و محدش يعرف باللي حصلي ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• في أحد الشوارع القريبة من عمارة بدر كانت حياة تسير بخطوات هادئة وكان عقلها مستغرقاً في التفكير ، وبجانبها كان بدر يسير موازيًا لخطواتها. صاح بدر شاكياً بطء سرعتها : انتي ليه خطوتك بطيئة كدا ومارضتيش تركبي تاكسي ليه!؟ عادت حياة من شرودها إلى الواقع عندما استمعت لسؤاله ، وأجابت ببرود : بحب اتمشي لما بيكون تفكيري مشغول بحاجة غمغم بدر بسؤال آخر : ماشي .. هتروحي علي البيت؟ تمتمت حياة بحنق من بين أسنانها عندما لاحظت المارة بجانبها ، وهم يحدقون فيها : ممكن تمشي وانت ساكت .. الناس حواليا بتبصلي وانا بكلم مع نفسي همس بدر ضاحكًا على أسلوبها الطفولي في الغضب : خلاص بقي الاثنان صامتين بعد ذلك حتى وصلت حياة إلى المبنى السكني الذي تعيش فيه. عندما دخلت المبنى رأت الفتاة الصغيرة مرة أخرى وأختها تلعب معها ، فابتسمت وقالت بمرح : سلامو عليكو حيا الاثنان معا : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ابتسمت عينا حياة على منظر الفتاتين الجميلتين ، وتساءلت بنبرة رقيقة : اخباركم ايه!! ردت الفتاة الكبيرة بأدب : الحمدلله سألت الفتاة الصغيرة ببراءة : حضرتك هتسافري تاني؟ نظرت حياة إلى الحقيبة التي كانت تحملها بضيق ، فهي قررت العودة إلى شقة بدر مرة أخرى ، لا يوجد باليد حيلة سيبقى وراءها في أي مكان ستذهب إليه ، إذن لا داعي إلى إنفاق أموالها في الفنادق ، ثم نظرت إلى الفتاة وأجابت بأول حجة خطرت ببالها : لا انا كنت بجيب شوية حاجات ليا وطالعة علي فوق واصلت حديثها بعد أن نظرت من زاوية عينها إلى بدر الذي كان يقف بصمت بجانبها : ممكن اسألكم سؤال صغير واللي هتجاوب عليه ليها عندي شيكولاته كبيرة تحمست الأختان ، وقالوا في نفس واحد : موافقين رمشت حياة بأهدابها عدة مرات بتوتر قبل أن تسأل فيما كانت تفكر فيه طوال الطريق إلى هنا : جدو معندوش أي صورة لأستاذ بدر .. اصل انا ماشوفتوش ولا فاكرة شكله عشان لما ابقي اشوفه اعرفه علي طول أعطاها بدر نظرة ساخرة ، وهز رأسه يمينًا ويسارًا دون رضا وهو يدحرج عينيه بملل. يبدو أنها ما زالت لا تصدقه في حين رأت عبوسه لكنها تجاهلته. رفعت الأخت الكبرى يدها ، وأجابت بحماس لأنها ستحصل بسهولة على مكافأة لذيذة دون عناء : انا عندي صورة لعمو بدر علي تليفوني اتسعت عيناها بدهشة من كلام الفتاة ، وقالت بشك : بتكلمي بجد!! أشارت الفتاة برأسها بقوة ، و ردت بصدق : اه والله خلاني اتصور معاه قدام عربيته الجديدة لما اشتراها أومأت لها حياة بفهم ، قائلة بحماسة زائفة ودت بها إخفاء توترها الذي تفاقم بداخلها مما هو قادم : ماشي وريهالي عندما نظرت إلى الصورة على الشاشة الصغيرة أمامها ، شعرت كما لو أن ماءَ بارداً قد سكب عليها بغفلة منها. كيف يحدث ذلك ؟ فأمامها صورة مصغرة للشخص الذي ظهر لها من العدم ، و من دون العالم كله يقف بجانبها بنفس العيون السوداء بنظراتها الثاقبة ، والابتسامة الجانبية الصغيرة التي تزين شفتيه ، وكذلك اللحية المهذبة على جانبى فكه و بشعره الداكن. شعرت حياة بجفاف في حلقها وضيق ، كأن أحدهم أمسك برقبتها ، قاصداً أن يخنقها بشدة ، فأصبحت تتنفس بلهاث ، لكنها حاولت جاهدة السيطرة على نفسها بأقصى طاقتها ، لكي لا تفزع الصغيرتين منها ، واغتصبت ابتسامة صغيرة على شفتيها قائلة بخفوت : ممكن اسيب الشنطة دي هنا .. افتكرت حاجة هجيبها واجي خرجت حياة بسرعة من المبنى ، سارت بخطوات سريعة أشبه بالركض ، متحدثة إلى نفسها بصوت هامس : مش معقول!! "بدر عز الدين بدر" 33 عام "محامي ولديه مكتب محاماة ورثه عن والده ، متزوج منذ عامين" "ناجح في عمله ، دافئ القلب وحنون. كل ما كان يسعى إليه هو مستقبل أكثر سعادة وحياة هانئة مع زوجته. يحب التفكير مليًا والتأمل كثيرًا قبل اتخاذ أي قرار ، أن طبيعته مليئة بالتناقضات. يبدو هادئًا وصلبًا ، لكن يختبئ وراء هذا الهدوء إنفعالاً قوياً ينفجر في لحظات معدودة ، لكنه أيضًا مرح وخفيف الظل ، ليس فقط وسيمًا ، بل يتميز بالرجولة الكاملة. له سحر إِستثنائي ، وكاريزما تجذبك إليه دون قرار منك ، وأسلوب خاص يسرق من عينيك نظرة تقدير يستحقها بجدارة ، وأحياناً يسوده الإحراج من الأشياء الغير المتوقعة. له ابتسامة جانبية مميزة عندما يسخر من أحد ، وهناك غمازة في كل خد تزيد من جاذبيته عندما يبتسم ابتسامته الساحرة ، بالإضافة إلى لحيته المنمقة التي تزيد من وسامته أضعاف مضعفة ، لديه شعر أسود حالك ، وعينان بنيتان لامعتان تجذبان الآخرين بسهولة للغوص في أعماقهم ، وله بشرة برونزية ، ويمتلك جسم رياضي ذو ارتفاع مهيب." ظهر بدر بجانبها من العدم ، وهو يسأل بهدوء : مالك همست بكلمات أشبه بالهذيان ، تحاول السيطرة على ارتعاش جسدها المرعوب من الأفكار المتضاربة في رأسها ، ثم لفظت كلماتها المبعثرة وهي ترفع رأسها ، وتنظر إليه بعينين مملوءتين بالدموع : هتجنن .. انت نفس الراجل اللي في الصورة .. نفس الملامح والوش و الطول و العرض .. يعني فعلا انت بدر زي ماقولت .. وانا الوحيدة اللي شيفاك معني كدا ايه!! أشاح بدر بنظره بعيدًا عنها قائلاً بخفوت : معنديش اجابة ثارت أعصابها بسبب برودة كلماته ، فتوقفت عن المشي ، والتفتت إليه مسرعة حتى واجهته بكل جسدها ، تنظر في عينيه الداكنتين بينما قلبها ينبض بقوة غير مفسرة ، ولم تعط نفسها مجالاً للتفكير ، متسائلة بإستنكار : ايه هو دا اللي معندكش اجابة .. اومال مين هيجاوبني ها!!؟ صرخت حياة بجنون ، مشيرة إلى نفسها بكلتا يديها : اشمعنا انا بس اللي قادرة اشوفك وانا اصلا معرفكش!! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


الفصل الخامس شبح حياتي أسوأ المتاهات التي من الممكن أن يمر بها المرء هي متاهة العقل، أن يكون ساكن جدًا من الخارج وبداخل عقله يركض في تلك المتاهة ليجد آخرها ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ظهر بدر بجانبها من العدم ، وهو يسأل بهدوء : مالك همست بكلمات أشبه بالهذيان ، تحاول السيطرة على ارتعاش جسدها المرعوب من الأفكار المتضاربة في رأسها ، ثم لفظت كلماتها الأخيرة وهي ترفع رأسها وتنظر إليه بعينين مملوءتين بالدموع : هتجنن .. انت نفس الراجل اللي في الصورة .. نفس الملامح والوش و الطول و العرض .. يعني فعلا انت بدر زي ماقولت .. وانا الوحيدة اللي شيفاك معني كدا ايه!! أشاح بدر بنظره بعيدًا عنها قائلاً بخفوت : معنديش اجابة ثارت أعصابها بسبب برودة كلماته ، فتوقفت عن المشي ، والتفتت إليه مسرعة حتى واجهته بكل جسدها ، تنظر في عينيه الداكنتين بينما قلبها ينبض بقوة غير مفسرة ، ولم تعط نفسها مجالاً للتفكير ، متسائلة بإستنكار : ايه هو دا اللي معندكش اجابة .. اومال مين هيجاوبني ها!!؟ صرخت بجنون مجدداً ، مشيرة إلى نفسها بكلتا يديها : اشمعنا انا بس اللي قادرة اشوفك وانا اصلا معرفكش؟ تطلع بدر حوله ، ولاحظ التحديق المستنكر للمارة في شارع على حياة ، التي فعلياً كانت تتحدث إلى نفسها في شارع مليء بالناس ، ودمدم جازاً على أسنانه : وطي صوتك وامشي .. الناس بتتفرج عليكي!! زفرت حياة بقهر وهي تخفض بصرها عن عينيه ، ثم تابعت طريقها قائلة بصوت يائس : ما انا خلاص بقيت مجنونة و بكلم شبح راجل ميت!! غضب بدر مما قلته ، وهمس من بين شفتيه طاحناً أسنانه بقوة من الغيظ ، فما يحدث له أصبح يفوق قدرته على التحمل أيضًا : بطلي تقولي الجملة دي بدأ الحزن والإحباط يطغى عليها تماما ، وتطايرت الأسئلة والاستفسارات مثل طائر فوق رأسها ، ليزيد من ارتباكها الذي ظهر في نظراتها الضائعة وهي تقول بتشوش : مش دا كان كلامك ليا الصبح .. مفيش تفسير غير كدا .. رغم ان دا اصلا مش منطقي برده!! رفعت حياة وجهها إليه ، وامتلأت عسليتها بالدموع ، وقالت بصوت ضعيف متوسل : ارجوك حاول ترجع بأي وسيلة للعالم اللي جيت منه .. وسيبني في حالي ومضت عيناه ببريق حزين عندما استمع إلى كلماتها المترجية إليه أن يتركها وشأنها ، لكنه لا يفهم سبب حزنه !! بل يفهم سبب هذا الحزن ، ولا يمكنه إنكاره بدونها سيضيع في هذا العالم وحيداً. ابتلع بدر غصة ألم في حلقه بسبب العجز الذي شعر به ، لكنه أبى ان يظهر هذا الشعور محاولاً السيطرة علي نبرة صوته أمامها ، وهتف باستنكار : ارجع فين يا مجنونه!! انا مش هسيبك قطبت حاجبيها بإستغراب عندما رأت امرأة تنظر إليها بشفقة ، حيث إنتبهت فقط الآن أنها تتحدث إلى شبح غير مرئي في وضح النهار ، فأخرجت هاتفها من حقيبتها الصغيرة المعلقة على كتفها ، وقالت بحسرة : انا بقيت مجنونة بجد الناس فعلا بتتفرج عليا .. فين تليفوني!!؟ وضعت حياة الهاتف على أذنها ، وهي تعدل الحقيبة مرة أخرى على كتفها متظاهرة بالحديث فيه. لا يعرف بدر كيف وجد نفسه دون سابق إنذار ، يضحك من كل قلبه على فعلتها التي جعلته ينسى في لحظة كل الآلام العاصفة التي بداخله ، قائلاً من بين قهقاته الرجولية بغمزة من عينيه : لا ذكية حدقت به حياة بإنشداه من ضحكته الجذابة ، فهذه كانت المرة الأولى التي ترى فيها أسنانه بشكل كامل ، ووجدت نفسها تضحك أيضًا دون تفسير ، قالت بمزحة بائسة : ابوس ايدك قولي اعمل ايه!! يا تعتقني لوجه الله وتبعد انا حياتي مش ناقصة عفاريت كمان هدأ بدر قليلا من نوبة الضحك التي غرق فيها ، وضيق عينيه عليها وهو يسألها بمرح يلهث : ارسيلك علي بر .. انا روح و لا عفريت ولا شبح رفعت حياة كتفيها ، دلالة إلى أنها لا تملك إجابة على هذا السؤال ، قالت بنبرة ساخرة : حاسة كأني في فيلم عربي قديم .. عارفو بتاع اسماعيل يس و العفريته كيتي عقد بدر حاجبيه بعدم فهم ، وسألها بفضول : انا فاكر اسمي بالعافية .. و دا ايه حكايته؟ نظرت حياة إليه حياة بحاجب مرتفع ، وقالت بذهول : انت ماشوفتوش!! أومأ بدر إليها بنفي صامت ، فأجابت بشرح : العفريتة دي كانت رقاصة واتفق مدير الكباريه والراجل بتاعه علي قتلها .. عشان يستفادو بفلوسها بعد موتها .. قامت طلعت العفريته بتاعتها لراجل غلبان وطيب و في حاله زي حالتي كدا ضحك بدر على نبرة الحسرة في حديثها ، بينما كان منتبهًا لما تقوله ، ثم سألها باستفسار : يعني هي اتقتلت .. فطلع عفريتها لواحد بس!؟ أومأت حياة بالإيجاب ، وما زالت تحمل الهاتف على أذنها : بالظبط كدا اتسعت حدقتي بدر في ذهول ، وزاد الفضول داخل عقله ، متسائلاً في حيرة : طيب و دا كانت تعرفه قبل كدا!! أجابت حياة غير مبالية ، وهي تعبر التقاطع ، بعد أن نظرت يمينًا ويسارًا : ايوه كان بيغني معها علي المسرح توقف بدر عن المشي ، ولمعت عيناه باهتمام ، و سألها بهدوء : واذا فرضنا ان اللي بيحصل معانا شبه اللي بتحكيه !! معني كدا ان انا وانتي نعرف بعض نظرت حياة في عينيه مباشرة بعد أن وقفت أمامه ، وخلفه كان هناك متجر لبيع الملابس ، وبدا كما لو كانت تقف تنظر إلى المعروضات. أومأت حياة برأسها و فسرت كلماتها : ايوه بابا كان ساكن في الشقة للي قصادك وانا وقتها كنت صغيرة اوي وانت كبير .. ماكنش فيه اي كلام بينا هز بدر رأسه ، مجعداً حاجبيه بتشوش ، ثم تنهد بضيق عندما لم يصل لشيئا وأردف : انا مش فاكر حاجة من اللي بتقوليها! زمت شفتيها في التفكير أيضًا ، وقالت بتعب : وانا كمان مش فاكرة اي حاجة عنك .. انا تعبت خلاص من المشي يلا نرجع البيت ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد مرور فترة وجيزة كانت حياة واقفة أمام باب الشقة ، تنظر إليه بشرود حتى استيقظت على صوت بدر الذي قال بضجر : هتفضلي واقفة كدا كتير!! رفعت حياة رأسها ، ونظرت إليه بعيون واسعة ببراءة ، ثم قالت بتذمر : نسيت اعدي علي عم حمزة عشان اخد منه مفتاح الشقة .. وكدا مضطرة انزل خمس ادوار من تاني وانا ماصدقت طلعت اصلا أجابها بدر بلا مبالاة : مش مستاهلة تنزلي ولا حاجة في مفتاح استيبن تحت المشاية دي خفضت حياة نظرها مندهشة ، حيث أشار برأسه تحت قدميها ، ووجدت نفسها واقفة على مشاية صغيرة ، تراجعت خطوة إلى الوراء ، ثم هبطت على ساقيها ، ورفعتها قائلة بستهزاء منه : مفيش حاجة تحتها يا ذكي إستطرد بدر كلماته بإصرار مشيراً إليها بإصبعه السبابة : هتلاقي المفتاح جوا بطانة المشاية .. افتحي السوسته دي و هتلاقيها عقدت حياة حاجبيها بعدم تصديق من وجود مشاية ذات سحاب خلفي ، لكنها فعلت ما قاله ، ثم ابتلعت لعابها بغرابة عندما أخرجت مفتاحًا صغيرًا حقًا ، لكنها لم تعلق علي الأمر ، بل إستقامت ، وفتحت الباب ، ثم دخل كلاهما إلي الشقة. أشار بدر بإصبعه نحو غرفة النوم قائلاً بهدوء : دخلي شنطتك جوا و تعالي نتكلم شوية خطت حياة خطوات هادئة تجاهه ، تنظر إليه بريبة قبل أن تسأله بإستفهام : قبل ما اعمل اي حاجة .. انت كنت عارف مكان المفتاح بالتفصيل !! يعني اللي بيحصلي مش تهيوأت من خيالي .. ممكن تقولي ايه اللي حصلك وصلك لكدا!! أغلق بدر عينيه بضيق من تكرار هذا السؤال الغبي منها ، لأنه لو توفرت له الإجابة لكان بإمكانه أن يساعد نفسه. رد بدر بتنهيدة عميقة : مش عارف ولا فاكر حاجة عن حياتي .. كل اللي اعرفه اسمي بدر و اني صاحب العمارة دي أردفت حياة بتساؤل أخر : وقولتلي انك كنت متجوز وحدة اسمها اميرة أجابها بدر بعد أن وضع يديه في جيوبه ، ونظر إليها وهو يشعر بالسأم : ايوه رفعت حياة حاجبيها بدهشة ، وسألته بعدم إقتناع : ازاي هي طليقتك وتدخل شقتك وانت مش موجود وكمان البواب بيقول انها مراتك؟! سحب بدر يديه من جيوبه ، ورفع باطن كفيه للأعلي ، ثم غمغم في حيرة من أمره : علمي علمك.. صمت بدر برهة ، ثم استأنف حديثه بصوت واثق : بس كان واضح عليها لما دخلت هما انها جت لغرض معين عشان فضلت تدور جوا الدواليب و في أوضة مكتبي اتسعت حدقتا حياة بصدمة ، واستدارت يسارًا ويمينًا متسائلة : مكتبك فين الأوضة دي!؟ أشار بدر ذقنه إلى اليسار ودمدم : هي دي عضت حياة علي شفتيها بغيظ ، وهي تفرك فروة رأسها ، ثم قالت بإحباط ، بعد أن كانت تأمل أن تجد شيئًا مفيدًا من خلال هذه الغرفة : الاوضة دي حاولت أفتحها امبارح بس مقفولة!! كاد بدر أن يرد ، لكنه سكت عندما سمعوا صوت خافت يطرق على باب المنزل ، فذهبت حياة لترى من الذي أتى. ★★★ في مدخل الشقة عندما فتحت حياة الباب هتفت زوجة حمزة بقلق : انتي كنتي فين يا بنتي؟ خبطنا عليكي كتير الصبح!! حركت حياة جسدها بعيدًا عن الباب قليلاً لإفساح المجال لهم للدخول ، قائلة بهدوء : اتفضلو الاول وقفوا جميعًا في منتصف الصالة حيث وقف بدر بجوار حياة يشبِك يديه للأمام دون أن يدركوا وجوده باستثناء حياة التي لمست أنفها برفق وتلفظت بالكذب ، وتقسم في سرها أنها ستلجأ إليه كثيرًا في الفترة المقبلة : انا خرجت بدري تمشيت شوية .. ورجعت من عشر دقايق تقريبا قال حمزة بابتسامة ، وهو ينظر إلى زوجته : ماشي .. كريمة خشي اعملي اكلة حلوة كدا من بتوعك لست حياة ردت كريمة ببشاشة : من عيني حاضر .. انا عملت حسابي و نزلت السوق اشتريتلك شوية حاجات .. البت إسراء هتطلعهم وأضافت ، وهي تمسد بحنان على ظهر حياة : ها تحبي اعملك اكل يا ست البنات شكلك لسه تعبان ووشك اصفر هزت حياة رأسها في رفض ، وهي تبتسم قائلة بامتنان : لا انا ماليش نفس .. تسلمي يا ام كرم ماتقلقيش بقيت كويسة و كتر خيرك تعبتك معايا ماتحرمش منك ضرب حمزة جبينه برفق ، وقال بسرعة : صحيح يا ست حياة قبل ما انسي زي كل مرة.. أردف بتخمين ، وهو يخرج من جيبه شيئاً لامعاً ، ثم أعطاه إلى حياة : اتفضلي مفتاح الشقة .. اكيد انتي سيبتي باب الشقة مفتوح لما خرجتي ورجعتي!! ردت حياة باندفاع دون أن تدرك أثناء إخراجها نسخة المفتاح الآخرى من جيب بنطالها : لا يا عم حمزة .. انا معايا مفتاح الشقة لاقيته تحت المشاية تمعن بدر النظر في وجه حمزة الذي بهت لونه عندما رأى هذا المفتاح بيد حياة ، ثم عاود النظر إلى حياة عندما سمعها تتساءل : قولي يا عم حمزة .. معلش هي طليقة استاذ بدر اسمها ايه!!؟ حياة بسؤالها أوقفت كل الأفكار التي إنهمرت كالمطر على عقل حمزة ، فنظر إليها بحاجبين مرفوعين بدهشة وقال بتصحيح : استاذ بدر متجوز يا ست حياة مدام أميرة رفعت عينيها لأعلى مرتبكة عندما شعرت بوتيرة أنفاس بدر التي ارتفعت إلى جوارها ، ثم استجوبت حمزة بارتياب : يعني اميرة دي مراته .. انت متأكد؟ أومأ حمزة برأسه بقوة ، وقال بثقة : اومال طبعا .. دي حتي كانت هنا من كام يوم بعد سفر استاذ بدر تمتمت حياة بهدوء وهي تفرك بتوتر مؤخرة رقبتها : طيب انت كلمت استاذ بدر .. وقولتلو اني قاعدة في شقته أشار إليها حمزة بالسلب ، ورد عليها بمبرر : تليفونه مقفول .. بس مدام اميرة موصياني اي حاجة تحصل في غيابه ابلغها بيها وانا عرفتها ان حضرتك قاعدة هنا مؤقتا حدقت فيه بعيون ضيقة ، متسائلة بفضول : هو بيشتغل ايه؟ رد حمزة بابتسامة واسعة : استاذ بدر محامي كبير ماسك مكتب والده الله يرحمه... همهمت حياة ، وعيناها ما زالتا مثبتتين على سجادة الأرض ، بفكر شارد : الله يرحمه جاءت كريمة من المطبخ ممسكة بيد إسراء وقالت بابتسامة سمحة : كل حاجة حطيتهالك في التلاجة يا ست العرايس وأكلت القطة .. لو احتجتي حاجة عرفيني و انا عيني ليكي نظرت إليها حياة ، وظهرت ابتسامة خجولة على شفتيها بشكل عفوي ، وقالت بامتنان : ربنا يخليكي يا ام كرم و شكرا يا عم حمزة قلقتكو معايا أغلقت الباب من خلفهما ، وعاودت بنظرها إلى بدر الصامت بوجوم منجلى علي ملامحه. مشيت حياة نحوه ، ووقفت أمامه محدقة في عينيه قائلة بتأييد : واضح محدش يعرف بموضوع الطلاق دا وهي فعلا كانت هنا من كام يوم زي ماقولت ضمت حياة شفتيها بصمت لوهلة ، ثم قالت بقلق : الموضوع دا مش مريحني تنفس بدر بعمق وهو يسحب شعره للخلف ، هو أيضا يشك في الأمر ، لكن عقله سئم من التفكير وقرر تأجيل المناقشة لوقت أخر. وقال محاولاً تغيير الموضوع : علي فكرة عم حمزة استغرب لما عرف ان معاكي المفتاح الاستيبن وضعت حياة باطن كفها على خدها بصدمة ، وقالت بندم : اوبس تفتكر ماكنش له لزوم اقوله ولا ايه!! مدّ بدر شفتيه إلى الخارج ، في إشارة إلى عدم تأكده من الأمر ، ثم قال بلهجة هادئة : مش عارف .. يمكن!! قضمت حياة شفتيها ، ثم همست بتردد طفيف : طيب .. انا .. كنت عايزة اتفق معاك علي كام حاجة كدا حدقها بدر بأعين ضيقة ، وهمهم بقلق من نبرة صوتها الخجولة التي نادرا ما تتحدث بها منذ أن إلتقى بها : ايه!! تنحنحت تصفي حلقها المتحشرج ، ثم هتفت بشجاعة لأنها يجب أن تضع النقاط على الحروف معه من البداية كما يقال : اول حاجة لازم تسيبلي حرية التحرك في الشقة هنا حك بدر جبهته بخفة ، ثم قال بدهشة : يعني ايه مافهمتش!! تساءلت حياة بداخلها لماذا يطلب منها شرح الأمور في كثير من الأحيان ، وخاصة المحرجة منها ، لكنها قاومت ذلك الشعور ، وأجابت بعد أن أدارت عينيها لتجنب النظر إليه : يعني الحمام طول ما انا فيه ماينفعش تدخل عليا او تشوفني وانا بغير هدومي مثلا دا مايصحش رفع حاجبيه بذهول ، ثم غمغم ، وهو يعدل ياقة قميصه في حرج بعد أن رأى أنها على حق : ماشي وتاني حاجة أخذت حياة نفسا عميقا كمكافأة بعد أن اجتازت المرحلة الأولى التي كانت محرجة للغاية بالنسبة لها ، ثم أردفت بنبرة مليئة بالتذمر : وياريت تبطل تصحيني من النوم مخضوضة كل شوية .. وسيبني اخد راحتي في النوم نمت ابتسامة صغيرة على شفتيه من تغير مزاجها في لحظات معدودة ، ثم دني لمستواها قليلا لمواجهة عينيها ، وقال بتهكم تحذيري مزيف : تمام وياريت انتي كمان تبطلي تتحركي بهرجلة و تكسري في البيت أشاحت نظرها بسرعة عن عينيه اللتين كانتا تحدقان بها بنظرة لن تستطع تفسرها ، لكنها جعلت نبض قلبها يرتفع داخل صدرها ، وهمهمت بتوتر من تحت أنفاسها : ماقدرش اوعدك أبقى بصره معلقًا عليها ، ثم تساءل : في حاجة كمان عايزة تضفيها رفعت حياة يدها بعفوية وفركت ذقنها في تفكير ، ثم صاحت بسرعة ، ورفعت إصبعها السبابة أمام وجهه بتحذير : اهم حاجة .. ممنوع الاقيك داخلي من الحيطة تاني انا كدا هتجيلي جلطة في عز شبابي رفع بدر حاجب واحد في استنكار ، وهو يطلق ضحكة عالية ، ثم قال بأسلوب ساخر : لا والله .. انا ايه يجبرني اسمع كلامك من اساسو!! رفعت حياة حاجبها الأيسر كما فعل لكن بتعبير ماكر ، ثم هتفت بتهديد مضحك مشيرة إلى رقبتها : ماهو لو ماسمعتوش انا هموت نفسي و تطلعلك عفريتي تتعامل معاك بقي و تمرمطك عبست ملامح بدر بتصنع يخفي وراءه الابتسامة العريضة التي كانت بداخله على حركاتها المرحة ، والتي لم ينكر أبدا أنها تروق إليه ، وقال باستياء مزيف : مش ملاحظة ان انتي اللي في بيتي وضيفة عندي تحرك بؤبؤ عينيها إلى اليمين ، وضمت شفتيها أثناء تفكيرها ، ثم غمغمت بنبرة سلسة : اه هو بيتك صح .. بس انا بنت يعني عيب تتجول براحتك من غير حدود ولا انا كلامي غلط لم يعد يستطيع مقاومة الضحك أكثر من تعبيرتها الغريبة عندما تتحدث بتعقل وخجل ، وقال من بين شهقاته ، وهو يمد يده ليصافحها بتلقائية : طيب .. ماشي حدقت حياة في يده الممدودة بملامح متقلصة ، وهي تتذكر آخر مرة أراد فيها مصافحتها ، ثم دمدمت بتوجس : تاني بتمد ايدك .. انت مصمم ترجعلي نوبة الخوف ليه!! لوى بدر شفتيه إلى الجنب ، ثم غيّر وضع يديه عموديًا ، بحيث كان باطن راحتيه الكبيرين مواجهتين لها ، وقال بإيماءة من رأسه لحثها على أداء نفس الحركة : طيب ارفعي ايدك نظرت إليه حياة مندهشة ، ثم خفضت بصرها إلى راحتي يديه المرفوعتين أمامها ، وفعلت كما قال ، ثم قالت بخفوت : كدا!! قرب راحتيه يلامس باطن راحتيها مما سبب لها دغدغة لطيفة ، قائلا بابتسامة جذابة : خلي دا يكون السلام بينا بعد كدا همست بضحكة خافتة لأنها أحبت تلك الحركة ، رغم أنها بالكاد شعرت بلمسته : اتفقنا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 



تكملة الرواية من هنااااااااااا

تعليقات

التنقل السريع