رواية هل الضربة قاضية الفصل التاسع والثلاثون والاربعون بقلم نهال عبد الواحد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية هل الضربة قاضية الفصل التاسع والثلاثون والاربعون بقلم نهال عبد الواحد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
(الفصل التاسع والثلاثين)
بقلم نهال عبدالواحد
سار نبيل وخلفه حبيبة حتى وصلا إلى مكان تواجد رياض وصافي وما أن لمحه رياض حتى ابتهلت ملامحه وأشرقت كأنما غريق قد وجد من سينقذه في بحرٍ عميق.
أرخت صافي يدها قليلًا فسحبها بسرعة، وأخيرًا قد جاء الفرج، اقترب نبيل وصافحه مرحّبًا وهو باشًّا: أهلًا يا رياض نورتنا واتشرفنا بحضورك إنت وأهلك.
فأجابه مبتسمًا: أنا اللي ازدت شرف يا نبيل باشا، كل سنة وحضراتكم طيبين.
قال الأخيرة موجهًا حديثه إلى حبيبة فابتسمت له هي الأخرى، فقطع نبيل هذه الابتسامات والنظرات المتبادلة قائلًا: رياض، تسمح تتفضل معايا شوية.
فتفاجأ قائلًا: هه! آه طبعًا، خير إن شاء الله.
فابتسم له نبيل وكاد أن يقهقه ضاحكًا من هيئة رياض المفزوعة وقال: إنت مالك خُفت كده ليه؟ عايزك ف حاجة، إتفضل.
فأجابه: آه طبعًا، عل إذنكم.
قالها موجهًا حديثه إلى حبيبة وسار وخلفه نبيل الذي تباطأ قليلًا وأمسك بساعد صافي بقوة ومال نحوها بطريقة ما حتى لا يلحظه أحد وهمس إليها وهو جازًّا على أسنانه: حسابك معايا بعدين.
فنزعت يدها بقوة قائلة بغضب: إنت إتجننت! ولا نسيت نفسك!
فضيق عينيه وقال: هبقى أوريكِ الجنان شكله إيه!
تركها وانصرف يلحق رياض بينما هي وقفت تزفر شرزًا تدلك مكان مسكة يده وتتوعد له: حسابك قرّب يا نبيل، والحساب يجمع...
ثم لمحت حبيبة تحمل فستانها وتهمّ لتنصرف هي الأخرى فقد قلقت من اجتماع نبيل برياض وتتساءل بداخلها تُرى ما هذا اللقاء الذي لا يريد أن يكتمل! ولا حتى سلام مكتمل!
لكن قطعها صوت صافي تنادي عليها: حبيبة.
فرفعت حاجبيها بدهشة والتفتت نحوها قائلة بدهشةٍ وتعجب شديدين: بتناديني أنا!
فابتسمت بسخرية وقالت: هو في حبيبة هنا غيرك!
فقالت بنفس سخريتها: ويا ترى عايزاني ليه؟!
فتساءلت: ما قُلتيش إن عندك أصدقاء ظراف كده!
فضيقت عينها قائلة بتهكم: ليه؟! هو أنا قُلتلك على حاجة قبل كده! وبعدين بتسألي ليه؟! ويهمك ف إيه يا مرات أخويا؟!
استاءت صافي من طريقة حبيبة وتلميحاتها وقالت: ياريت تبطلي أسلوب الحواري ده وتحاولي ترتقي وتتأقلمي بأسلوب العائلات الراقية.
فقوست حبيبة شفتيها بعدم رضا قائلة: وهي فين تصرفات العائلات الراقية دي! أنا ما شوفتش غير لا مؤاخذة تصرفات... ولا بلاش!
فجحظت صافي بعينيها وقالت: إيه! إنتِ إتجننتِ! بصي بأه يا حلوة، إعرفي كويس إن كل وقت وله أدانه، يعني ما دمت ما اتحسبتِ علينا فرد من عيلة القاضي باشا يبقى تنسي تربية الحواري اللي إتربتيها.
فقالت حبيبة: والله تربية الحواري اللي مش عجباكِ دي أحسن من العك اللي شُفته.
-هو إنتِ فاهمة إيه! دي مجرد علاقات اجتماعية هو أنا بقولك تعملي إيه! إيه المشكلة إنك تبقي لطيفة مع الناس؟
فرفعت حبيبة حاجبيها بفجأة قائلة بتهكم: واضح إننا مش هنتفق ولا هنتقابل في أي نقطة، أما تربية الحواري فأنا متمسكة بيها لآخر لحظة في عمري، مش فاهمة أصلًا إيه علاقة التربية والأخلاق بالرُقي! ده لو كان رُقي... عل إذنك...
وانصرفت من أمامها بينما أخرجت صافي هاتفها تحدث شخص ما.
سار رياض بصحبة نبيل إلى داخل القصر ثم بدءا يصعدان على الدرج الداخلي وخلفه رياض، التفت نبيل إلى رياض وقال: ما تقلقش ، كل الحكاية إن بابا عايز يقابلك وما كانش ينفع أقول كده أدام حبيبة.
فقال متأففًا: هي لسه برضو!
فأومأ نبيل رأسه وقال بتنهيدة حارة: والله الدنيا كانت ماشية كويس لحد كام حاجة حصلت الأيام الأخيرة غيرت الوضع شوية!
وصل نبيل إلى باب غرفة والده، طرق الباب عدة طرقات ثم فتحه ودخل وأشار إلى رياض بالدخول فدخل خلفه.
كان رأفت جالسًا على الأريكة متكئًا على عصاه بهيئة رسمية مرتديًّا بذة كلاسيكية بنية اللون، فقال مبتسمًا بترحاب: أهلًا وسهلًا، إتفضل.
فدخل رياض وصافح رأفت بوجهه الباش قائلًا: أهلًا بحضرتك، إزي الصحة دلوقتي؟
فأومأ رأفت قائلًا: الحمد لله في نعمة! إتفضل يا ابني واقف ليه؟!
فجلس رياض على كرسيٍّ جواره ثم جلس أيضًا نبيل.
فقال رأفت: أنا مش عارف أشكرك إزاي ولا أقولك إيه على شهامتك ومواقفك مع حبيبة بنتي! نبيل حكالي عنك وعن رجولتك وأخلاقك وأنا ارتاحتلك خصوصًا بعد اللي عرفته عنك ولما شوفتك كمان.
فابتسم رياض بحرج قائلًا: ده شرف كبير لي إن حضرتك ترتاحلي، وإن كنت ما عملتش حاجة تستحق ده.
_ لا إزاي؟!
_ المهم نطمن على حضرتك.
_ أنا الحمد لله بخير خصوصًا بعد ما بنتي حبيبتي رجعتلي وعايشة معايا ف نفس البيت، وده طبعًا بفضل الله ثم بسببك إنت اللي أقنعتها وساعدتها تتخطى فترة عصيبة من حياتها.
فتنهد رياض لاإراديًا وقال: والله ما في حاجة عملتها غير العادي!
فابتسم رأفت وقال: العادي! ولا اللي قلبك بيدلك عليه!
فارتبك رياض وقال بتردد واضح: هه! لأ! قصدي آه! قصدي...
فضحك رأفت منه وقال: مالك يا بني اتوترت كده ليه؟ هو أنا أتمنى إيه لبنتي غير راجل زيك عصامي بنى نفسه بنفسه، وكمان بيحبها وبيعمل عشانها كل ده !
فابتلع رياض ريقه وتنهد مجددًا وأومأ برأسه قائلًا: دي حقيقة يا فندم، أنا فعلًا بحبها أوي، بس والله من قبل ما اعرف إنها بنت حضرتك! ولولا كده كان زماني خطبتها أنا راجل دغري مش بتاع لف ودوران، بس... قصدي...
فقاطعه رأفت قائلًا: عارف يا ابني إنك مش طمعان ف حاجة، الشيبة دي مش من فراغ.
أشار لشعره الذي اشتعل شيبا، ثم أكمل متسائلًا: يعني إنت بتحبها وكنت ناوي تخطبها!
فأجاب رياض مسرعًا: يا ريت! بس...
فتساءل الأب بدهشة: بس إيه!
فسكت قليلًا ونظر ناحية نبيل ثم قال بتوتر: علاقتها بحضرتك... يعني... هي لسه!
فقال رأفت مبتسمًا: ما انكرش إني إفتقدتها سنين طويلة اتمنيتها تكون جنبي ومعايا لكن شاء الله وحصل اللي حصل، وطبعًا المفروض زي ما خطر في بالك يعني إني أحتفظ بيها جنبي شوية عشان أشبع منها!
فأومأ رياض برأسه، فابتسم الأب وقال: لكن سعادة الأب الحقيقية لما يشوف بنته حقيقي فرحانة وعايشة حياتها اللي بتتمناها، مش يقيدها ويخنقها بالشكل ده، خصوصًا لو في إنسان بيحبها كل الحب ده و بيخاف عليها، يبقى ليه لأ؟ وهي كمان واضح إنها ميّالة، يبقى ليه أنكد عليهم وأبعدهم عن بعض وأنا ف إيدي أقرب قلوبهم مع بعض! أنا جربت الحب وعِشت أحلى قصة حب وجت الظروف وحرمتني من الإنسانة الوحيدة اللي حبيتها واتألمت واتوجعت كتير باقي حياتي لحد دلوقتي، فراق هناء واجعني ومأثر فيّ مش بس عشان حبيبة اللي اتظلمت من غير ذنب، لكن قلوبنا اللي اتحرمت من بعض عشان أسباب تافهة وحكمت على قلوبنا بالشقاء إلى ما شاء الله.
كان يتحدث وينظر لابنه كأنه يوجه له الحديث وقد لاحظ نبيل ذلك فبدأ يتوتر وقد لاحظ رياض ذلك أيضًا، لكنه سكت ولم يعقّب.
فأكمل: يبقى بأي منطق أحرم قلوب من بعض!
فقال رياض بسعادة بالغة: يعني حضرتك مرحب بخطوبتي لحبيبة!
فأجاب مبتسمًا: ومبارك كمان، ألف مبروك يا بني.
قالها ومدّ ذراعيه فنهض رياض مسرعًا لا يصدق أن الأمر قد حُلَّ بهذه البساطة؛ فصحيح أن الرجل الوحيد الذي يهدي السعادة بلا مقابل هو الأب.
وبعد قليل استأذن رياض بالإنصراف وعندما همّ نبيل بالإنصراف هو الآخر ناداه أبوه: إستنى يا نبيل عايزك شوية.
ففهم رياض أن هناك أمرًا خاصًّ فاستأذن وانصرف ، بينما جلس نبيل: خير يا بابا!
فظلّ رأفت ناظرًا لابنه فترة ثم قال: ناوي على إيه إنت كمان!
فتصنع نبيل البلاهة قائلًا: ناوي على إيه ف إيه!
فقال الأب: بطّل لف ودوران! هتعمل إيه مع هاجر وصافي!
فوجم نبيل وصُدم من سؤال أبيه، فسكت ولم يعقّب، فأكمل الأب: هو ده موضوع محتاج تفكر فيه! هاجر بنت ممتازة بكل المقاييس وإنت و واقع فيها بشكل وحش يبقى مستني إيه! حلو العذاب المتبادل بينكم ده!
صُدم نبيل ثانيًا من حديث والده فقال: يا بابا الموضوع مش بالسهولة دي!
فقال الأب: لا هو بالسهولة دي.
فقال نبيل: وصافي!
اندهش الأب وأكمل: صافي! إنت صدقت إنك زوج ولا دي حياة متجوزين! إنتو زي اللي بينفذ حُكم طول عمره، لا بتحبوا بعض ولا بتقبلوا بعض! يبقى ليه؟! من يوم ما جدك اتوفى وأنا قُلتلك خلاص إنت بآيت حر تقدر تطلقها ونفضها سيرة لكن إنت مستني إيه ما أعرفش! واحدة طول الوقت هجراك وعملاك بنك فلوس، حتى الخلفة رفضاها! متجوز بآلك عشر سنين و زي قلتهم! هو العمر فيه كام عشر سنين عشان تضيعهم؟!
تنهد نبيل ولم يعقّب، فأكمل الأب: مش عارف إزاي موافق تربي تعابين وتفضل محتفظ بيهم وهم بيحوموا حواليك وهيلدعوك بسمّهم؟!
فأكمل الأب: سيبك من هاجر اللي مش هتعوض ضفرها ولا هتلاقي واحدة زيها، إزاي سايب ولاد عمك كده! وإنت عارف إنهم ما بيسكتوش وعمالين يبخوا ف سمّ عمال على بطّال لما شوية والسمّ ده هيموتهم، عندك فكرة هم ملمومين على مين اليومين دول؟!
فنظر نبيل لأبيه و أومأ برأسه أن لا، فقال الأب: فادي مختار زكي، إيه مش عارف مين مختار زكي! مختار زكي اللي كان ملازم عمك نشأت زي ضله واستغله وهو سكران وخسران على ترابيزة القمار ومضّاه على بيع أملاك العيلة حتة حتة، لحد ما رهن الشركة ولما عرف عمل نفسه ما عملش حاجة ولبسهالي مااعرفش إزاي! وفهّم أخويا إني السبب عشان أستولى ع الشركة، قال عشان أستولى ع الشركة أرهنها الأول! عمرك شُفت! ولحد ما مات وهو معاديني وخصوصًا لما شاف الشركة بعد ما تعبت وشقيت عليها وكبرت وخدت وضعها، وطبعًا جدك لزّق ولاده ليكم وربنا نجّى أختك من عادل وجدك إتوفى قبل ما يحدد ميعاد كتب الكتاب على آخر وقت، المشكلة إن عمرهم ما نسوا اللي أبوهم وأمهم زرعوه ناحيتي وناحيتكم ، هيفضلوا يكرهوكنا كلنا، إنت متخيل يعني إيه تعيش مع حد كارهك! وبعد كل ده جاي على نفسك وحارمها! لا و حق اللي خلقك لمجوزك اللي اختارها قلبك زي ما هجوز أختك اللي اختاره قلبها! يا خايب لو جربت تعيش مع واحدة بتحبها هتندم على عمرك اللي عيشته من غيرها قبل كده، وإنت قال رافض ومحافظ على تقاليد العائلة! يا أخي ملعون أبو دي تقاليد! دي أمك اللي ما كانتش ربع صافي لما بعدت عن هناء كنت متعذّب معاها، لكن في الآخر ما كانتش سيئة عشان أعاقبها إن قلبي ما حبهاش خصوصًا إنها أم ولادي، والحمد لله ما ظلمتهاش، الوحيدة اللي إتظلمت هي الوحيدة اللي حبيتها بكل كياني، وإنت عايز تعيد الكَرّة وتتعذب باقي حياتك على إيه! وبقولك أهو هجوزكم يعني هجوزكم!
فاتسعت ابتسامة نبيل وأهدر بسعادة: بجد يا بابا!
فأجاب الأب: لا والله ! وعامل نفسك الراجل المتجمد اللي مش همّه حاجة ولا بيأثر فيه حاجة ! كتك الهَم! ولا كفاية عليك هَم...
فضحك بشدة وضحك نبيل معانقًا أبيه بحرارة، ليقطع عناقهما رنة هاتف والده فابتعد عنه ليتيح له فرصة الإجابة وما أن فتح الخط وسمع الطرف الثاني حتى تبدّلت ملامحه، احتقنت وتشنجت بشدة، وسكت قليلًا كأنه يفكر في أمرٍ ما، ففزع نبيل قائلًا: في إيه يا بابا!
فقال الأب وهو ينهض واقفًا: أنا نازل الحفلة و فورًا، لازم ألحق الموقف.
أما حبيبة ففي الأسفل تحمل فستانها وتسير بين الجميع تبحث عن رياض ونبيل؛ فلا تعلم لأين ذهبا! ولم يدلها عقلها ولا حدسها كونه قد ذهب للقاء والدها!
حتى أخيرًا وجدته فاتجهت نحوه وتبدو ملامحها غاضبة بعكس ملامحه شديدة السعادة ووجهه المبتسم لها ابتسامة عريضة لا تفهمها.
اقتربت منه حبيبة قائلة بغضب: ممكن أفهم كنتوا فين وبتعملوا إيه؟
وما أن همَّ رياض بالإجابة حتى تبدّلت ملامحه لأخرى أكثر تشنجًا وغضبًا وصاح مشيرًا بسبابته: إيه اللي جاب الحيوان ده هنا!
(الفصل الأربعون)
بقلم نهال عبدالواحد
اقتربت حبيبة من رياض وتبدو غاضبة للغاية بعكس ملامحه شديدة السعادة ووجهه المبتسم لها ابتسامة عريضة لا تفهمها.
فقالت بغضب: ممكن أفهم كنتوا فين وبتعملوا إيه كل ده!
وما أن هَمّ رياض بالإجابة حتى تبدّلت ملامحه لأخرى أكثر تشنجًا وغضبًا، فقال مشيرًا بسبابته: إيه اللي جاب الحيوان ده هنا!
فتفاجأت حبيبة بتغيره المفاجئ والتفتت لحيث نظر لتتفاجأ هي الأخرى بمن رأت!
ظلت هي ورياض على وضعهما وذلك الشاب القادم بتبختر وخُيلاء يقترب منهما بابتسامته اللزجة حتى وقف قبالتهما مباشرةً.
فقال بنفس ابتسامته المستفزة: ياه! دي الدنيا دي صغيرة أوي!
فقال رياض بحدة: كلّمني أنا! إنت هنا بتعمل إيه!
وقبل أن يجيبه جاء صوت صافي مناديًا بغنج: عادل! إنت جيت يا حبيبي!
فاقتربت وتعانقا ثم التفتت إلى حبيبة ورياض وقالت: إنتوا إتعرفتوا على بعض خلاص!
فقال وعيناه تتفحّص حبيبة بجراءة مقصودة: ده حساب قديم، أصلنا معرفة قديمة... أوي.
فقال رياض بنفس حدته: ما قُلتش برضو إنت جاي ليه؟!
فابتسم ساخرًا منه وقال: أنا اللي المفروض أسأل سؤال زي ده، لما ألاقيك في بيت عمي ومع بنت عمي!
كان يتحدث لرياض بتحدّيٍ كبير وتلفت بنظراته الوقحة ناحية حبيبة كأن يود أن يرسل إلى رياض رسالة أنه لا شيء وها هو جوارها بل ويذكّره بإيماءاته بما فعله سابقًا!
أجل! عادل هو ذلك الشاب المتحرش الذي حاول التحرش بحبيبة يوم التقت مع رياض لأول مرة عندما كانت نادلة في المطعم.
كانت حبيبة قد بدأت تُستفز بالفعل وكانت مُقدمة على تلكيم ذلك الوقح لولا أن طرأت بعض التحركات الملحوظة، يبدو أن نبيل قد جاء برجاله، هكذا هو الملحوظ!
فاستأذنت قوت من الضيوف الواقفة معهم واقتربت من بنات أخيها، ابتسمت ابتسامة مصطنعة ناحية عادل و قالت له : أهلًا يا عادل، حمد الله على سلامتك!
فأجابها: ميرسيه يا طنط.
ثم سحبت البنتين في يدها قائلة: يلا معايا.
سارت حبيبة وشاهندة كأنهما قد وجدا طوق النجاة، لكن حبيبة كانت تسير حاملة فستانها مزمجرة من حملها له في وقتٍ وموقفٍ غير مناسبين تمامًا! وتمت: يقطع الفساتين عل عايز يلبسها! كان مالي أنا ومالها.
فضحكت منها شاهندة، فقالت قوت وقد سمعتهما: بس يا بنات.
حتى توقفت قوت وتوقف معها حبيبة وشاهندة ولم تدرك حبيبة موقعها إلا الآن فقط! عندما وجدت نفسها تقف أمام أبيها وأخيها وبعض رجالهما.
لم تتمكن حبيبة من تحديد إحساسها الآن! توتر، اضطراب، خوف ولهفة و... وكل الأحاسيس مجتمعة! كانت تطرف بعينيها قليلًا محاولة تنظيم أنفاسها، كم تمنت ذلك اللقاء لكنها الآن خائفة لا تدري السبب!
لاحظ رياض ذلك عن بُعد فتحرّك مسرعًا نحوها، فهي الآن حتمًا تحتاجه جوارها؛ تستمد قوتها.
فاقترب ووقف جوارها وما أن وقف حتى أمسكت بيده بقوة فأومأ لها بطرف عينه مشجعًا لها أن تتقدم، فشددت في قبضتها على يده كأنها تقول لا تتركني، كن معي، مِدّني بالقوة والطاقة والاحتمال، وأيضًا اقتربت هاجر ووقفت جوارها من الناحية الأخرى تمسك بها بقوة أيضًا.
وقف رأفت يتأمل ابنته الجميلة حبيبة وابنة الحبيبة، وبدأ المدعوين يقبلون ويسلّمون عليه وعلى أبناءه مهنئين، وأيضًا كان متواجد عدد من الصحفيين باعتبار أن عائلة القاضي من العائلات العريقة والمشهورة.
أشار رأفت للجميع بيده لينصتوا إليه وهو يتحدث، فقال: أشكركم جميعًا على حضوركم وتشريفكم لينا، أتمنى إن الحفلة تنال إعجابكم، لكن الأول لازم أهني بناتي الأول بعيد ميلادهم.
فاقتربت شاهندة أولًا ناحية أبيها فعانقته فأشار لأحد رجاله فأعطاه علبة فتحها وأخرج منها سلسلة من الذهب الأبيض بداخلها قلب صغير مرصّع بفصوص الألماس، قدّمها لشاهندة وألبسها لها ثم قبل جبهتها.
والآن دور حبيبة، كم هذا اللقاء صعب بكل المقاييس!
تقدّم نبيل ليلحق الموقف فأخذ بيد حبيبة من يد رياض وتصنّع عناقها أمام الجميع ثم سار بها نحو أبيها، حقيقةً كان يحملها بيده؛ فقدماها لا تحملاها الآن على الإطلاق ولا قدرة لها على السير! وكانت هاجر لا تزال من الناحية الأخرى محلها تعاونها على السير بطريقة غير ملحوظة.
تقدّم ثلاثتهم نحو الأب حتى صارت أمامه مباشرةً، ثم عانقها بعمقٍ شديد، فلم تستطع مقاومة ذلك الشعور الجارف نحو تذوق حضن الأب والمكوث فيه، وقد سعد بذلك إخوتها، العمة ورياض وكل من يعرف حقيقة الأمر.
وبعد قليل أشار الأب لأحد رجاله ليحضر بعلبة مماثلة بعلبة أختها، فتحها وأخرج منها سلسلة مشابهة وقام بتلبيسها لها وثم قبلها على جبهتها بعمقٍ شديد.
لكن قد قطع تلك اللحظات السعيدة أحد الصحفيين الفضوليين الباحثين عن السبق الصفحي، بفضولية شديدة اقتحم لقاءهما وقال متسائلًا: رأفت باشا القاضي دي أول مرة نعرف إن حضرتك عندك بنتين، وإن كابتن حبيبة القاضي بطلة مصر وأفريقيا تبقى بنت حضرتك رغم إن عمرها ما صرّحت بده وقالت إنها وحيدة وبتشتغل وبتصرف على نفسها لأنها من غير أهل، حتى سمعنا إنها كانت جارسونة، وكمان أول مرة نشوفها في حفلة معمولة تبع العائلة أو حتى ظهرت مع العائلة في أي وقت.
كان نبيل يشتعل غضبًا ويود أن يمسك بذلك الصحفي الوقح من تلابيبه وخنقه من عنقه حتى يلفظ أنفاسه خاصةً مع طريقة تحدثه التي تحمل إيماءات مقصودة، بل بالفعل هَمَّ بالتحرك لولا جذبه أبوه بخفة من ساعده، ثم أجاب رأفت بهدوء وابتسامة صادقة محتلة كل ملامحه لا يعرف الغالبية سببها: فعلًا كل ده حصل، لكن ده لأن طبيعة حبيبة ما بتحبش الظهور ولا الحفلات...
ثم ضحك وقال مقرّبًا لحبيبة له ضامًّا لها: هي عملية أكتر من اللازم، ومش بتحب الوسايط حتى عمرها ما قالت اسمها بالكامل، حبيبتي مجتهدة وبتحب تشتغل بإيدها وأنا احترمت ده فيها وشجعتها عليه كمان.
فابتسم الصفحي ابتسامة صفراء ثم تساءل: طب إشمعنى إنهاردة حضرت الحفلة دي!
فضحك الأب مجددًا وقال: لأن إنهاردة وببساطة يوم خاص جدًا ومناسبة خاصة ولازم تحضرها.
فتساءل الصحفي: يا ترى إيه هي!
فأجاب الأب بسعادة بالغة: خطوبة حبيبة على الأستاذ رياض نصّار.
ثم صفّق رأفت بسعادة شديدة وصفّق الجميع بين مصفقٍ بحرارة وسعادة ومصفقٍ بفتور وحقد يغلي داخل قلبه كالحمم البركانية التي على وشك الانفجار في وجه أي شخص.
بينما ظلت حبيبة ورياض في حالة وجوم شديد! فنادى رأفت على رياض فاقترب حتى وقف جانب حبيبة متلفتًا حوله ناظرًا في عيون الآخرين لا يصدق أن أمنيته قد تحققت بهذه السهولة! بل هي أمنية أمه الغالية فهاهي قادمة بسعادة بالغة حتى وصلت لابنها وعانقته بشدة ثم حبيبة أيضًا، ثم عانقتهما رباب، ثم سلّم عليهما إيهاب وطارق، عانقتها بشدة وسعادة شديدة كل من شاهندة وهاجر، ثم جاء الأخ الحنون فسلّم على رياض بحرارة ودسّ شيئًا ما في جيبه دون أن يلحظه أحد فنظر له رياض فهمس له نبيل: إبقى حاسبني بعد كده بس إنقذ الموقف بابا بيقولك.
وقبل أن يسأل كان نبيل قد اتجه لحبيبة يعانقها بحرارة بينما هي لا زالت لا تستوعب شيء، فهذا التتابع قد وقّف عقلها عن الاستيعاب والإدراك.
أدخل رياض يده في جيبه ليخرج ذلك الشيء الذي دسه نبيل وكان علبة قطيفية صغيرة، فتحها، أخرج منها خاتم ماسي رقيق ثم ألبسه لحبيبة وهي غير مصدقة، ثم أخرج علبة أخرى كان فيها سلسال رقيق لساعدها من الذهب الأبيض كان قد أحضره لها بنفسه من أجل عيد ميلادها، كان يلبّسها ذلك ويداه ترتعشان ومتوترًا للغاية، بينما هي لا تزال مغيبة لا تشعر بشيء وكأن كل ما حدث هو مجرد حلم وستستيقظ منه بعد قليل.
بدأت موسيقى هادئة كما هو المعهود في حفلات الأعراس ليتراقص العروسان.
مدَّ رياض يده وقال متلعثمًا يحاول تذكر الكلام، فأومأت له بعدم الفهم، ثم همس بعد محاولة طويلة من تذكر الكلام: إيه! هو... قصدي... كل سنة وانت طيبة... قصدي مبروك... مبروك عليّ...
فابتسمت وهي لا تصدق، تصافحت الأيادي، تعانقت العيون والتحمت القلوب، حان وقت البوح، يا شمس أشرقي! يا زهور أزهري! يا فراشات حلّقي! يا طيور غردي بأجمل الألحان! تمر على القلوب وتحرر الأرواح
فتحلّق بلا حدود أو تمشي فوق الماء، تدغدغها الأمواج وتداعبها النوارس، تلعب معها الأسماك، تعلو معًا لأعلى، تجلس على القمر وتلامس النجوم
ليت اللقاء يطول!
كان يتراقصا لا يصدق أي منهما ما يحدث، لفّ يده حول خصرها لكنه خشى عليها حتى من ضغطته، أسند يدها بكفها دون أن يغلق عليها لألا يخنقها، ذلك الإحساس بالتملك والاحتواء لكن خالطه خوف شديد على من يحب أن يغضبه أو يضايقه حتى لو كانت من ضغطة ضمته!
لكنها كانت تتمايل معه كأنه لا يوجد غيرهما بالمكان وكأن أقدامهما هي آلة العزف تعزف مقطوعة معًا لآخر العمر.
مرت الليلة كأسعد ما يكون على أناس وأتعس ما يكون على الآخرين، وفي الليل حاولت حبيبة استرجاع كل ما حدث لتتأكد أنه لم يكن حلمًا، ما أروع هذه الليلة!
هي أسعد ليلة، اكتمل حبهما وتُوّج بخطبتهما لا تدري كيف حدث لكنه قد حدث!
مقابلتها لوالدها دون صعوبة وهاهي ستحتك به يوميًا، لكن مشاعرها لا تزال مضطربة، كانت تتمنى هذا اللقاء لكنها لم تتوقع مشاعرها، تشعر أن مشاعرها لا زال يحبسها حابس، لا تدري ما هو! ولا إلى متى!
لكن المهم هو... خطوة اللقاء.
فتحت مواقع التواصل الاجتماعي وقد امتلأت صور الحفل جميع المواقع، شاهدت الصور وتوقفت عند كل صورة محاولة استرجاع الموقف، كم كانت غبية ومغيبة! فلم تتذكر شيء أو تستمتع بشيء، لكنها تتعجب من هيئتها التي تشبه الأميرات وكأنها تتساءل هل هذه هي أنا!
لم يكن هذا حالها وحدها، بل هاجر أيضًا، فقد استوقفتها صورة بعينها، لحظة أن التقت حبيبة بوالدها وكانت هاجر قريبة منها ونبيل أيضًا، فعندما تقدمت من بينهما صارا متقاربين وقام أحدهم بالتقاط صورة لهما خلسة.
كانت تتأمل الصورة بدقة واهتمام، كم كانا منسجمين معًا! كأنما خُلقا لبعضهما البعض! ليس فقط في توافق الملابس وتوحيد اللون الأسود بلا موعد، بل شعرت بتقارب ملامحهما؛ فكثيرًا ما نلحظ ذلك بين الخطّاب والأزواج عندما تكون ملامحهما متقاربة فتشعر وكأنما نضح كلًا منهما على الآخر، كانت هيئة هاجر ونبيل هكذا بالضبط... ولاإراديًا قد حفظت الصورة في هاتفها!
واستوقفت نبيل نفس الصورة وظل يتأملها ويتأمل ملامحهما المتقاربة وهو لايصدق ذلك! وسرعان ما تذكر وعد والده له أن سيزوجها له لا يدري كيف ولا متى! وفجأة قد تحول من رجلٍ راشد إلى شابٍ مراهق! ووجد نفسه لاإراديًا هو الآخر يحفظ الصورة.
مرت الأيام وصار رأفت متواجدًا داخل القصر وليس حبيسًا لغرفته، تعاملت حبيبة معه لكن لا تزال تشعر وجود حاجز ما، وهو أيضًا يشعر بذلك لكنه رضيّ بما حصل عليه من اقترابٍ وبما تطور في حالة حبيبة.
ألم أقل لكم أن الأب هو الرجل الوحيد الذي يصدّر السعادة بلا مقابل!
كان رياض يداوم على زيارة حبيبة أو الخروج أحيانًا معًا بعد الاستئذان من أبيها وأخيها و كانت تصحبهما شاهندة أحيانًا أو رباب كما هو المتعارف عليه؛ فرياض يهتم بالتقاليد والأعراف ومحافظًا عليها، وقد جاء لزيارتهم بصحبة أمه وأخته ذات مرة من أجل اتفاقات الزواج المعتادة، فهذه الجلسة قد تأخرت وكان ينبغي أن تكون قبل إعلان الخطبة.
لكن يومها أراد الأب أن يحمي ابنته من كيد ابن عمها وأيضًا الصحافة، لكن لا زال أبناء أخيه يثيران الشكوك داخله، خاصةً وأن عادل قد عاود المجئ إلى القصر.
أما هاجر فقد اتخذت من فترة الإمتحانات حجة لتختفي تمامًا عن نبيل فكانت ملازمة لغرفتها لا تخرج منها، لكن ما أدهشها أن نبيل لم يعد يتصل بها أو يرسل لها أي رسالة، تُرى ماذا يعني هذا؟ هل ملّ منها ونسيها أم شيء آخر؟
وذات يوم بينما كانت حبيبة جالسة مع رياض في حديقة القصر فوجدت عادل قد جاء زائرًا على غفلة، وكان دائمًا يثير غيرة وغضب رياض باستفزازه وتلميحاته الوقحة، فبمجرد وجوده ينتهي اللقاء بخلاف ومشاداة بين حبيبة ورياض.
فصاحت: هو كل مرة يا رياض! ما قُلتلك سيبك منه! ما تركزش معاه هو قاصد يغيظك.
فأجابها بغضب: المفروض إني أسيبه يعاكسك عادي وأسكت وأعديها! ليه شايفاني مين؟!
فزفرت غيظًا وقالت: ما أنا كل ما أنوي أضربه تمسك إيدي، هعمل إيه يعني! الصنف ده ما يجيش غير بالسَك على دماغه.
- تقومي تضربيه إنتِ في وجودي عشان أنا مش راجل وعويل مش كده! ياريت بأه تنسي حكاية البوكس دي.
- ياريت إيه!
_ كفاية يا حبيبة، مش معقول هنتجوز وإنتِ لسه بتلعبي!
_ إنت عارف م البداية إن ده حلمي وعمري ما هسيبه إيه اللي جَد!
_ اللي بيحصل إن كل ما تتحطي ف موقف بلاقيكِ رايحة تستخدمي دراعك وبتنسي دايمًا إنك بآيتي مسئولة من راجل، يبقى معلش نفضها سيرة وكفاية عليكِ شغل الشركة.
_ وإنت جاي تقولّي كده وأنا خلاص فاضل شهرين وأروح بطولة المغرب، لا يا رياض آسفة!
_ يعني إيه!
_ يعني مش هتلوي دراعي، ولو ناوي تخيرني بينك وبين البوكس يبقى بتحكم على حبنا بالإعدام!
_ ده آخر كلام عندك!
فضمت ساعديها أمام صدرها سكتت ولم تعقّب، فهَمَّ رياض بالانصراف مسرعًا فالتقى بنبيل فلاحظ غضبه الشديد، فتساءل: تاني! إنتو إيه ما بتبطلوش خناق أبدًا؟!
فقال بضيق: شوف أختك ودماغها الناشفة.
فأكمل نبيل: عادل كان هنا برضو!
فزفر رياض وقال: للأسف، عملي الرضي.
فضحك نبيل وقال: إهدى كده وكل حاجة بالهداوة، حبيبة عنيدة وما ينفعش معاها الطريقة دي، هو أنا اللي هقولك!
فتنهد وقال: ربنا يهديها!
فقال نبيل: يا رب! بس إهدى وبطّل تحكمات، بلاش تحسسها إنك بتتحكم فيها، وسايسها كده.
فزفر رياض قائلًا: بس أنا مخنوق دلوقتي ومش قادر لا أتكلم ولا أسايس... عل إذنك...
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا