رواية هل الضربة قاضية الفصل الخامس والسادس بقلم نهال عبد الواحد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية هل الضربة قاضية الفصل الخامس والسادس بقلم نهال عبد الواحد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
(الفصل الخامس) و( الفصل السادس)
بقلم : نهال عبدالواحد
مرت عدة أيام ولا جديد في حياة أحد سوى المزيد من شرود رياض والمزيد من انشغاله؛ فصارت تلك النادلة الفاتنة تشغل تفكيره بشكل مبالغ فيه، وباتت بطلة أحلامه الشبه يومية، فيستيقظ من نومه ويضرب نفسه يريد الانتباه وطرد صورتها من رأسه، بل زاد الحد معه وصار دائم الحديث مع نفسه خاصةً أمام المرآة!
يا إلهي! اخشى على نفسك يا رياض! أرى أنك على حافة الجنون، و بالطبع أنت مقتنع تمامًا أن كل شيء على ما يرام وأن تلك الأمور عادية وطبيعية جدًا؛ فهي ليست المرة الأولى التي أعرف فيها فتاة وإن كان الأمر قد بدأ يزيد عن حده نوعًا ما.
لكن حتى يستقر تفكيري عليّ أن أتعرف عليها، وما الغريب في الأمر؟! فهي ليست أول فتاة أصادقها ولن تكون آخر فتاة، وستكون مجرد فترة وينتهي ذكراها من حياته كما انتهى ذكري غيرها....
هكذا يحدّث نفسه.
وذات يوم قرر الذهاب لذلك المحل الذي تعمل فيه، وصل إلى المحل وجلس إلى إحدى الطاولات وهو يتلفت حوله باحثًا عنها بعينيه ويتمنى من داخله أن تكون هي من تقوم بخدمته اليوم.
وبالفعل، ما كانت إلا لحظات قليلة حتى جاءت حبيبة تقدم إليه قائمة المأكولات والمشروبات وعلى وجهها ابتسامة مصطنعة قائلة بهدوء: مساء الخير يا فندم.
وضعت تلك القائمة وهمّت بالابتعاد لتعطيه فرصة بانتقاء طلبه بحرية، لكنها تفاجئت به ينادي عليها: إزيك يا حبيبة؟! أخبارك إيه!
فاستوقفها حديثه ووجمت قليلًا وهي تضيق عينيها تحاول تذكره؛ رغم أنها تشعر بألفة نحو تلك الملامح، فأجابت بصوت مملوء بالدهشة: حضرتك تعرفني!
فرفع عينيه إليها ثم قال بابتسامة: كنت هنا من كام يوم.
فزمت شفتيها ورفعت كتفيها بعدم اكتراث وهمّت مجددًا بالانصراف فناداها قائلًا: واحد قهوة مظبوط من فضلك.
فأومأت برأسها ثم أخذت تلك القائمة وانصرفت فتنهد وهو يتابعها بعينيه.
كان رياض يطرق بأصابعه على الطاولة ويهز رجليه في حالة من التوتر التي لا يدرك لها أي مبرر، ثم وجد نفسه يتذكر تلك المنامات التي رآها فيها، وتلك اللحظة التي كلما همّ بتقبيلها استيقظ من نومه، فوجد نفسه يهز رأسه لينفض تلك المشاهد والأفكار من رأسه وهو يحدث نفسه..
- لا لا إهدى وبطّل هبل أبوس إيدك! ما ينفعش كده، شكلك اتسخط ولا رجعت مراهق! لا لا لا دي لو عرفت أنا بفكر ف إيه والله لترزعني كام بوكس...
ووجد نفسه يضع يده على خديه يطمئن على ملامحه أنها بخير، وإذ فجأة...
وجد وجهًا محملقًا فيه وعينان رائعتان جاحظتين أمامه مباشرةً، بالطبع هي حبيبة، والتي لم يكف عقلها عن العصف الذهني ومخاطبة نفسها...
أنا شبه متأكدة أني قد رأيت هذا الوسيم من قبل، وأن تلك الملامح مألوفة لي، ثم بعد فترة عُدت إليه بطلبه، وما أن اقتربتُ حتى وجدته يتحدث إلى نفسه بصوت مسموع بل ويضرب نفسه ثم يتحسس ملامحه، حقيقةً لم أتبين ما يقول فوضعت طلبه على الطاولة واحتضنت تلك الصينية وانحنيت قليلًا للأمام؛ ربما أتمكن من سماع مايقول...
وفجأة... إنتبه إليّ! يا إلهي! ما هذا الإحراج؟!
انتفض رياض عندما وجدها تحملق فيه بتعجب فانتفضت هي الأخرى على أثره وأخذت تلهث، ثم صاحت ببعض الحدة: في إيه!
ففتنحنح قائلًا وقد بدا عليه الإحراج: آسف مش قصدي.
فقالت بتساءل ونبرة بها بعض السخرية: هو حضرتك بتكلم نفسك!
فأجابها بوجهٍ باشٍ وبعض التوتر: لا أبدًا، بس بفكر بصوت عالي.
فاقتربت منحنية نحوه وتقول بنبرة تشبه المعلمات عندما تتحدث إلى طفل: بس كده غلط، الناس ممكن تفهمك حاجة تانية...
ثم أخفضت صوتها وقالت بأسلوب مصطنع: هيقولوا عليك مجنون.
قالت الأخيرة ووهي تشير بيدها حركة الجنون، ثم أغمضت عينيها وأومأت برأسها أن نعم بطريقة فكاهية، فنظر إليها رياض وانفجر ضاحكًا، فنظرت له رافعة حاجبيها باستخفاف ثم انصرفت وهي تهمهم: ربنا يشفي المجانين! بلاوي وبتتحدف علينا، أصحاب العقول في راحة!
كانت تهمهم هكذا وهي متجهة نحو المطبخ فرأتها هاجر فتبعتها وهي تسألها بتعجب: إيه يا بيبو إتهبلتي وبتكلمي نفسك!
فانتفضت حبيبة فجأة؛ فهي لا تتوقع أن يتحدث إليها أحد في تلك اللحظة، ثم قالت لها: فجعتيني يا زفتة!
فضحكت هاجر ونظرت إليها حبيبة فترة ثم ضحكت وقالت: أصل في زبون مجنون هنا وبيكلم نفسه.
فقالت هاجر وهي تتلفت بعينيها في المكان: فين؟
فأشارت حبيبة نحو رياض لتتفاجأ به ينظر إليها بابتسامة رائعة فاستدارت بوجهها بسرعة، فنظرت هاجر نحوه ثم التفت لابنة خالتها قائلة: ده مستر رياض صاحب مستر مصطفى، معقول نستيه!
فقالت لها باندهاش: وعرفتِ منين يا شيخة الحارة؟!
- يا بت ده اللي شهد معاكِ أدام مستر مصطفى يوم ما ضربتِ الجيست، وبعد كده مستر مصطفى اكتشف إنه صاحبه هو وكان واحد تاني كان معاه.
فتأففت منها حبيبة ثم قالت: طب تعالي نشوف شغلنا.
مرت أيام أخرى، وقد قرر رياض السير خلفها ومعرفة كل شيء عنها، دون إبداء أي سبب مقنع !
وذات صباح استيقظت حبيبة، رتبت البيت ونظفته ثم بدلت ملابسها الرياضية ورفعت شعرها إلى الخلف في هيئة ذيل حصان، ثم حملت حقيبة كبيرة ووضعت داخلها طاقم رياضي آخر، ثم أحضرت حذاءها الرياضي وهمّت بالجلوس جوار باب الشقة لترتديه، فخرجت إليها هاجر متثائبة وممسدة على شعرها للخلف بتكاسل.
- صباح الخير يا بيبو.
- صباح النور، أنا روقت البيت، عليكِ إنت بأه تجهزي الأكل عبال ما آجي م التمرين.
فشبكت ذراعيها أمام صدرها وأجابت معترضة: اللي يسمعك كده يحسب إني هطبخ ولا حاجة!
فنهضت حبيبة بعد أن ربطت حذاءها وقالت: طبيخ إيه بس! ما احنا بناكل ف الشغل.
- طب فطرتي حاجة؟
- آه، شربت لبن وسلقت بيضتين وكلتهم م الساعة سبعة الصبح قبل ما أروق ولا أعمل حاجة ف الشقة.
فقالت متأففة: ياادي اللبن والبيض!
- لا باقولك إيه ما.....
وقطع حديثها صوت دق على الباب، فنظرت كلتاهما لبعضهما البعض وتوقفتا قليلًا مع بعض الفزغ، ثم اقتربتا كل منهما إلى الأخرى ممسكتا بيدي بعضهما البعض، ثم نظرتا لبعضهما بخوف.
لكن لازال صوت الدق على الباب لم يتوقف، فتقدمت حبيبة ببعض التوتر وتتخفي في ظهرها هاجر تتشبث بملابسها.
فقالت حبيبة وهي تحرك كتفيها لتتركها هاجر: ما تسيبيني بأه!
فهمست إليها هاجر بصوتٍ خافت: وانت بتترعشي ليه؟! إنت مش عاملة فيها الشحّات مبروك!
فحررت حبيبة نفسها من هاجر وفتحت الباب، ثم تراجعت الاثنتان للخلف بضع خطوات وعلى وجهيهما بعض الانزعاج.
وكان رجلًا ستينيًّا غزا شعره الكثير من الشيب، ومعتدل الطول والقامة لكنه عابس الملامح.
تقدم الرجل داخلًا وصاح مستنكرًا: إيه مفيش أهلًا وسهلًا ولا اتفضل!
فقالت حبيبة ببعض التحدي وهي تشبك ذراعيها أمام صدرها: خير يا حاج! إحنا دافعينلك الإيجار بالكامل وسايبينه في الحي.
فقال ببعض الحدة: وانتو بتسموا الملاليم دي إيجار!
فقالت متأففة: ما لناش فيه، الشقة دي متأجرة كده وإحنا مالنا!
فقال الرجل بحدة: متأجرة كده من سنين! الإيجار ده من أيام جدك الله يرحمه ما كان لسه عايش! يعني الزمن غير الزمن! وانتو قاعدين ومتبتين ف الشقة ومش عايزين لا تسيبوها ولا ترفعوا الإيجار.
فقالت هاجر: ما يقدر القدرة إلا صاحب القدرة، وبعدين إحنا ما دفعناش الإيجار في الحي إلا لأنك رافع علينا قضية طرد.
- عشان الشقة باسم جدكم، يعني مش من حقكم، إيه هتورثوني بالحيا ولا يكونش حق مكتسب! عمومًا إسمعي إنتِ وهي كويس اللي جاي أقوله! البيت ده الوحيد في المنطقة اللي لسه على قديمه، وكده كده البيت مهكع و آيل للسقوط، فأخيرًا جه مقاول وقرر يهده ويطلع مكانه عمارة زي باقي الناس ما عملت، وانتو لازم تسيبوا البيت ده.
فصاحت حبيبة: نسيبه ونروح فين؟! ما إنت عارف يا حاج مالناش مكان تاني !
- وأنا مش فاتحها سبيل وكفاية بأه!
فقالت هاجر ببعض التفاهم: بس يا حاج المقاولين اللي بيهدوا البيوت دول ويطلعوا سكانها بيجيبولهم شقق تانية يقعدوا فيها لحد ما يخلصوا ويطلع بيها عمارة مش بيطردهم!
فقال بصوتٍ أشبه بالصياح: وأنا مش عايزكم! كفاية عليّ السنين دي كلها..
ثم رفع سبابته محذرًا كلتا الفتاتين: هديكم وقت عقبال ما تلاقوا فيه سكن تاني! وبكده أبقى عملت بأصلي يا حلوة منك ليها.
ثم خرج وصفق خلفه الباب، فقالت هاجر بنبرة خائفة: طب والعمل!
فقالت حبيبة ببعض الثقة: ولا يقدر يعمل حاجة.
- بس البيت فعلًا آيل للسقوط، ولو ما مشيناش هيقع فوق دماغنا.
فاقتربت منها حبيبة مربتة على كتفيها وقالت بهدوء و نبرة حانية: إطمني ربك هيفرجها، ربنا ما يرضاش بالظلم أبدًا...
ثم قالت غاضبة وهي تضرب كفًا بآخر: فوّر دمي ع الصبح إلهي يفوّر دمه!
ثم قالت بمكر: عارفة نفسي ف إيه!
فتأففت هاجر وقالت: خير!
حبيبة بنفس نبرة المكر: نفسي وأنا ف التمرين إنهاردة يقع تحت إيدي واحد وأدربه وأطلع عليه القديم والجديد، ما هو اللي بيجوا عايزيني أدرّبهم بيبقوا جايين يتسلوا، يستظرفوا، يتفرجوا على كابتن الملاكمة البنت، نفسي ف واحد إنهاردة وبدل ما أدرّبه .... أضربه...
ثم ابتسمت بشيطنة بينما نظرت إليها هاجر في بلاهة، فاقتربت منها حبيبة وقبلت وجنتها ثم انصرفت، فتأوهت هاجر بنفاذ صبر وقالت: عوض عليّ يا رب بعوض الصابرين!
ثم ضربت كفًا بكف وهي تكاد تأكل بعضها بعضًا.
(الفصل السادس)
بقلم نهال عبدالواحد
وصلت حبيبة إلى مكان تدريبها ، تدربت بعدائية شديدة؛ أخرجت غضبها، طاقتها ومعاناتها في ذلك الكيس المعلّق فضربته بكل ما أوتيت من قوة.
كانت تلكم الكيس وشريط حياتها وذكرياتها يمر أمامها، تري ما ترتيب هذه المرة؟
المئة! الألف! المليون!
حقيقةً لم يعد لديها طاقة للعد؛ فذكرياتها تلك ملازمة لها لا تتركها.
معاناة أمها في العمل مع سوء المعاملة، معاناتها هي أيضًا والحرمان من الكثير؛ حُرمت من وجود أب، من حياة كريمة، أن تحلم و تتمنى حتى بأقل الأشياء، فكانت تضطر إلى الاستغناء عن الكثير حتى لا ترهق أمها أكثر من اللازم.
أمها التي كدت وتعبت لتربيها وصارت لها الأب والأم...
الأب!
فتحدث نفسها وتعيد تساؤلاتها لماذا تركتنا؟ لماذا ذهبت واختفيت دون سؤال؟ ألم تشتاق لزوجتك يومًا؟ لقد كانت تحبك حتى آخر أيامها لدرجة تكاد تصيبني بالجنون؛ فأي حب هذا؟!
كيف استطاعت وتقبّلت أن تظل مكتوبة زوجةً لك رغم كل ما حدث؟! كيف استطاعت أن تتحدث عنك بكل خير دون حتى أن يمتعق وجهها؟!
أي حب هذا؟! اللعنة على الحب و على الرجال جميعًا!
حتى أحلامي ورغبتي في إتمام تعليمي وأصبح فتاة جامعية -وهي رغبة مشروعة- لكني حُرمت منها، لم أحققها إلا بعد تحقيقي لتلك البطولات واكتسابي لبعض الأموال فأنفقتها في التحاقي بإحدى الجامعات المفتوحة لأحصل على شهادة أعلى، أي شهادة، لكن أحلامي كانت غير ذلك.
بطولاتي!
لعبت تلك اللعبة بالصدفة البحتة؛ كنا فتاتين وحيدتين بعد وفاة أمي بمرضها اللعين ومن بعدها وفاة خالتي، وكان قد توفي زوج خالتي منذ زمن، فهاجر أيضًا قد حُرمت من الأب في سنٍ مبكرة، ربما افتقدته بعد أن وعت إليه وعاشرته، ربما هذا أصعب!
لكن هاجر متصالحة مع نفسها ومع حالها وظروفها كلها؛ فهي تشتاق لأبيها وأمها، لم تأبه لكونها لم تتعلم تعليمًا جامعيًا ولم توافق أن تكمل دراستها معي، لازالت فتاة حالمة رغم كل شيء، تحلم بالزواج وفارس الأحلام والفستان الأبيض.
لكني غيرها، تراني ساخطة كما تتهمني دائمًا!
حتى لو كنت هكذا أرى أني محقة.
التحقت لألعب لعبةً قتالية، لم يكن لديّ رغبة في لعبة بعينها، لكني وجدتُ لعبة الملاكمة متاحة أمامي فاختارتها وأجبرت هاجر أن تلعب مثلي؛ فنحن بحاجة لوسيلة حماية أنفسنا تجاه الطامعين فينا.
لم يكن لهاجر من الصبر ولا المثابرة لتواظب على التدريب ولا لعب هذه اللعبة، عكسي تمامًا فبمجرد أن بدأت بلعبها حتى أحببتها وتفوقتُ فيها بشكلٍ ملفت، وبدأت ألفت انتباه مدربيني إليّ، وبدأت ألتحق ببطولات عديدة حتى وصلت إلى بطولة الجمهورية وحصلت عليها، صحيح أنها كانت ميدالية برونزية لكنها وسام على صدري، ثم تبعتها العديد من البطولات المحلية والدولية التي التحقت فيها وحققت العديد من الميداليات البرونزية والفضية بعدها التحقت بفريق المنتخب الوطني وصرت أمثّل وطني في العديد من البطولات.
حقيقةً التحاقي بفريق المنتخب الوطني قد وفر عليّ الكثير؛ فصار هناك رُعاة رسميين هم من يتولون احتياجات اللاعبين وتوفير كل شيء لهم.
لكن حتى هذا النجاح الذي حققته نجاحًا ناقصًا، فلازالت الألعاب الفردية تعاني من التهميش في بلدي...
لازالت تفكر وتحدث نفسها، ولازالت تلكّم كيس الملاكمة المعلّق بقوة وانفعال، حتى بدأت تشعر ببعض الانهيار، وفجأة ضمت ذلك الكيس وعانقته بشدة وتمنت لو انفجرت بالبكاء؛ فلازال صدرها متكدّسًا بالهموم والآلام!
حتى جاءها صوت مدرّبها: إده يا بيبو! ده إيه التمرين الجديد ده؟!
فانتبهت لصوت المدرّب وتركت ذلك الكيس وهي تحاول جاهدة حجب كل تلك المعاناة، وقبل أن تنطق بكلمة تابعها المدرّب قائلًا: في واحد جاي يتدرب، جهّزي نفسك عشان تتعرفي عليه.
فأجابته وهي تبتعد عن كيس الملاكمة: خليه يجهز ويجي.
جلست أرضًا فخلعت قفازيها ثم فكت تلك الأربطة التي تربط بها رسغيها، ثم خبطت كفيها ببعضهما ببعض لتُنفض ما فيه من آثارٍ للبودرة، وكانت تلهث وتتلاقط أنفاسها متصببة عرقًا، فأمسكت بزجاجة الماء وبدأت تشرب...
ثم شردت في صاحب البيت وفي حالة البيت المتهالكة، فماذا لو طُردتا من البيت؟! ماذا لو هُدم البيت علي رؤسهم؟! كيف ستخرج من ذلك المأزق؟!
ليته ينتظر حتى انتهاء البطولة القادمة؛ ربما بالمال الذي ستحصل عليه تستأجر بيتًا آخر، رغم أنها ليست بأموالٍ طائلة، فهي ليست لاعبة كرة قدم!
رفعت رأسها لأعلى وهي تهمس في نفسها: إفرجها يا رب! قوينا وعنا وما تحوجناش لحد من عبيدك!
وفجأة وجدت المدرب يقف أمامها وهو يتحدث معها مشيرًا لذلك الذي يقف خلفه: يلا يا كابتن عشان تدربي، الأستاذ جهّز نفسه واستعد تمامًا.
فتابع الرجل قائلًا: معاك كابتن حبيبة القاضي، بطلة مصر وأفريقيا.
بدأت حبيبة تنهض واقفة بينما اقترب ذلك المتدرب الجديد منها مرتديًا ملابسًا وحذاءً رياضيًّا حاملًا على كتفه حقيبة رياضية.
اقترب وهو يعرّفها بنفسه قائلًا: رياض نصّار، صاحب محلات نصّار للملابس الكاجوال الرجالي.
شبّهت على ذلك الصوت فرفعت عينيها بسرعة لتتفاجأ بذلك الوسيم الذي قد رأته من قبل في المطعم، لكنها ضيقت عينيها بعدم تصديق وقد ظنت فيه كل ظنون السوء، ثم حدثت نفسها بمكرٍ داخلها لم تظهره على وجهها أن قد تحققت أمنيتي، وقد جئت بقدمك، إذن فلتذهب إلى الجحيم!
ابتسم الشاب ابتسامة عريضة ومد يده ليصافحها، بينما هي ظلت ترمقه بنظراتها، ثم تجاهلت يده الممتدة لمصافحتها وسارت لبضع خطوات في وسط قاعة التدريب المتسعة، ثم تحدثت برسمية: معاك كابتن حبيبة القاضي، هتدرّب تلات أيام في الأسبوع و مدة التمرين من ساعة ونص إلى ساعتين، والمواعيد نهارية قبل الساعة اتنين؛ لأني بعد كده ما عنديش مواعيد فاضية.
فأجابها رياض بهدوء: تمام، الكابتن قاللي واتفق معايا على كل ده.
- هتتمرن بوكس ولا كيك بوكس؟
- بوكس!
فأجابت بنفس حدتها: تمام، هنبدأ نسخّن الأول...
وقبل أي جواب منه وجدها تبدأ بالجري حول تلك القاعة الكبيرة مشيرة إليه ليلحق بها، وبالفعل لحق بها، وبعد جريا عددًا من الدورات، بدأت تقفز بقفزات مختلفة وهي تتحرك في نفس الاتجاه، ثم الجري للجانبين يمينًا و يسارًا، ثم جري مع تحريك الذراعين بحركاتٍ مختلفة.
ثم عدد من تمارين البطن والضغط ،كانت تشاركه التمارين؛ فهي في الأساس تريد أن تتدرب هي أيضًا، ولم يُسمع سوى صوت عدّاتها أو ما تأمر متدربها به.
ثم استراحة قليلة فجلسا أرضًا لشرب الماء وهما متصببان عرقًا، وبينما هو جالسًا أرضًا إذ اتجهت إلى إحدي الجوانب لتحضر بعض الأوزان المختلفة لبداية تدريب اليدين.
وبدأت بالفعل لتدريبه بتلك الأوزان، بعمل التمرين أمامه ليقوم بتقليدها، بالطبع سرعة استجابته ولياقته لم تغيبا عنها.
ثم استراحة قليلة فجلسا مجددًا لشرب بعض رشفات الماء، ثم نهضت لتعيد الأوزان مكانها وتحضر تلك الصدادات وهي أداة يمسكها المدرّب لها هيئة مستطيلة وسميكة، خامتها تشبه كيس الملاكمة ومغطاة بطبقة من الجلد، لكنها تُمسك بكل يدٍ واحدة و يقوم المتدرب بتسديد الضربات فيها باليدين كما هو الحال في لعبة الملاكمة أو اليدين والقدمين كما هو الحال في ألعاب الدفاع الأخرى.
وقفت أمامه وقد ارتدى قفازيه، بدأ يسدد الضربات وهي تقف ثابتة في مكانها ويرتفع صوتها بالعد وفي وصف كيفية الوقفة وكيفية تنظيم عملية التنفس.
ومع اتقانه الملحوظ بدأت تتحرك أثناء تسديد ضرباته فيتحرك معها، للأمام، الخلف والجانبين، ثم بدأت تزيد من سرعة حركاتها، ثم تحرك يديها الممسكتين لتلك الصدادتين وكأنها تسدد ضربات بهما وهو لازال يسدد ضرباته فيهما، ثم مع اندماجه أخذت تزيد من سرعتها لتنتقل بشرودها من جديد فتصبح حاضرة جسدًا لا عقلًا ولا روحًا، لكن وكأن تلك اليدين مبرمجة على الضربات السريعة فصارت تسرع في الحركات بتلقائية ولاوعيٍ منها، ولم تنتبه إلا من صوت صرخة!
فانتبهت لتجد رياض ملقى أرضًا على ظهره مبللًا تمامًا بالعرق، يتلاقط أنفاسه بالكاد ويصرخ بصوتٍ مبحوح وسط الأنفاس المتلاحقة: كفاية!
وكأنما أُفيقت فجأة من غيبوبة لترى حالة رياض هكذا، فقالت بهدوء ناظرة إلى الساعة: التمرين انتهى.
ثم انصرفت تجمع أشياءها واتجهت نحو الحمام دون أن تلتفت لما أحدثته فيه، فاضطر رياض للنهوض وفعل ما فعلته.
كان وجه حبيبة أثناء التدريب والذي يقسم أنها كانت شاردة بل وفي أمرٍ ليس هين، من الواضح أنها تعاني من الكثير... هكذا كان يحدّث نفسه و هو يقف تحت مرش الماء.
أما هي فلازالت تعيد اسطوانات ذكراياتها الطويلة ومعاناتها الكثيرة بلا توقف، كم تتمنى لو غسل ذلك الماء المتساقط فوق رأسها كل تلك الذكريات ومحاها تمامًا لكن هيهات!
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا