القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية فى حي الزمالك الفصل الواحد والثلاثون والثانى والثلاثون والثالث والثلاثون والرابع والثلاثون والخامس والثلاثون بقلم ايمان عادل كامله

 


رواية فى حي الزمالك الفصل الواحد والثلاثون والثانى والثلاثون والثالث والثلاثون والرابع والثلاثون والخامس والثلاثون بقلم ايمان عادل كامله 



رواية فى حي الزمالك الفصل الواحد والثلاثون والثانى والثلاثون والثالث والثلاثون والرابع والثلاثون والخامس والثلاثون بقلم ايمان عادل كامله 


الفصل الواحد والثلاثون: طَلَب مُتَابَعَة. 🦋🤎✨


أكتر حاجة أخدتها جد في حياتي، أنس أنا قررت أتهور..."


"رحيم أوعى تكون بتفكر في اللي جيه في دماغي!!!" صاح أنس في وجهه ليحك رحيم جبهته بيده بينما يسأل بمزاح:


"أيه اللي جيه في دماغ طيب؟ أنت أصلًا دماغك قذرة فحدد من فضلك."


"نفس اللي في دماغك وأنا بصراحة مش مقتنع ومش موافق."


"أيه ده؟! أنت مالك أصلًا؟!!"


استنكر رحيم وهو ينكز أنس بخفه بينما صاح الآخر مُعترضًا ومحاولًا أن يُعيد رحيم إلى صوابه:


"ده كمين يسطا عشان تتقدملها، بتختفي بقى عشان تجري وراها وبتاع، فوق!!!"


"طب وايه المشكلة لما أتقدملها؟"


"شيت! يعني بتفكر تتقدملها فعلًا؟!"


"أنا مش عارف... أنا مش هقدر أبعد عنها ولا هقدر أشوفها مع حد غيري فأنا عايز أبقى جنبها بالطريقة اللي تريحها وتخليها مبسوطة، فين المشكلة مش فاهم؟"


"المشكلة انك هتقول نعمل فترة خطوبة عشان نتعرف على بعض اكتر بما أنك متعرفهاش كويس، فترة وهتزهق وعشان تحاول تخلع من الجوازة هتلاقي أهلها دبسوك في شبكة وعفش وأجهزة وترتيبات الهاني مون عقبال ما تحاول تفلفص ولا تفوق لنفسك هتلاقيك بقيت معاك عيلين وكرشك دلدل!!!"


فسر أنس وجهة نظرة وبالرغم من أن حديثه كان مشوب بالسخرية إلا أن تعابير وجهه كانت جادة تمامًا لينظر نحوه رحيم بإزدراء قبل أن يُردف الآتي:


"أنس أنا شاكك أن عندك fear of commitment 'خوف من الإلتزام' بس أنت شرحت الموضوع بأحقر طريقة ممكنه."


"هو أنا أكيد عندي اه، بس أنا بكلمك بالعقل يا ابني ده كفاية أصلًا المشاكل اللي هتبقى بين عائلتك وعائلتها!"


كان أنس مُحقًا في تلك النقطة لكن رحيم لم يتفق معه، فرحيم يرى أن الأمور يجب أن تؤخذ ببساطة أكثر فلا داعي للتعقيدات لذا علق رحيم على حديثه مُردفًا:


"ليه كل ده؟ ما هو يمكن نعرف نتفاهم!"


"طبعًا لازم تقول كده، أنت مشوفتش هي ساكنة فين أو بيتهم عامل ازاي أو الشارع نفسه والمنطقة!"


"بس أنا هتجوز أفي لوحدها مش هتجوز كل الحاجات دي معاها وبعدين مالو بيتها يعني؟ ما هو زي أي بيت!"


تمتم رحيم مستنكرًا حديث أنس، فنظرة رحيم للزواج كانت أوربية بحتة حيث يظن أنه بعد عقد القران سيكون له حياة مستقلة تمامًا هو وأفنان بعيدًا عن عائلته وعائلتها وأنهم لن يذهبوا لزيارتهم سوى في الأعياد والمناسبات الرسمية لكن ذلك الوضع لا يتماشى مع المجتمع العربي بصورة عامة والمصري بصورة خاصة، فهو لن يقدر على عزل نفسه وأفنان بعيدًا عن الجميع وتدخلهم وتعليقاتهم والزيارات المتكررة بداعي وبدون.


"لا يا رحيم، بيت صغير في حارة مش زي قصر في الزمالك صدقني أنا مش قصدي أتكلم بطبقية زي ما أكيد باين من نبرتي وعارف أن أنتَ ممكن تحاول بكل طاقتك أنك تتجاهل الحاجات دي بس الحاجة إيڤلين هتوافق عالكلام ده؟"


سأل أنس سؤاله بوضوح ودون مراوغة وقد كان الحديث مُباغتًا لرحيم الذي بصق المياه التي في فمه وهو يسعل بقوة فلقد نسي تمامًا أمر والدته حينما كان يحلم بحياته الوردية برفقة أفنان، قهقه أنس بقوة على ردة فعل رحيم ليرمقه الآخر بحدة بينما يجذب المناديل الورقية ليجفف فمه ولحيته.


"ألحق جبنا في سيرة القط جيه ينط!"


"أيه؟!"


"أبوك بيتصل عليك." عقد رحيم حاجبيه قبل أن يسحب الهاتف من يد أنس ويُجيب على والده وقد كانت المُحادثة كالآتي:


'بابي، خير في حاجة؟'


'لو أنس جنبك روح أتكلم بعيد.' حمحم رحيم قبل أن يستقيم من مقعده ويتجه نحو الحديقة الأمامية دون أن يتفوه بحرفًا واحد بينما كانت أعين أنس تراقبه بشك.


'في حاجة حصلت ل Uncle فريد؟'


'عرف أن أروى مش في المستشفى وقلب الدنيا.' أعلن والده بنبرة جادة هادئة ليلعن رحيم أسفل أنفاسه لكنه حافظ على ربأطة جأشه وعاود السؤال بهدوء:


'وبعدين؟ عرف يوصل لحاجة؟ وبعدين هو عرف منين أصلًا؟'


'مراتة راحت تزور أروى ملقتهاش وطبعًا اتخانقت في المستشفى واتصلت بفريد وهو راحلها على هناك.'


'لا لا ثواني بس، هي مامت أنس خرجت أمتى؟' هنا بدأت نبرة رحيم تختلف قليلًا وقد كان واضحًا فيها الإضطراب لكنه سرعان ما حاول خفض صوته لكي لا يصل إلى الجالس بالداخل.


'معرفش المهم دلوقتي أن أنت تفضل عندك شوية لحد ما الدنيا تهدأ وكمان عشان أنس لو رجع دلوقتي المشاكل هتكبر ونفسيته هتتعب زيادة.'


'تمام يا بابي، شكرًا لحضرتك.. تصبح على خير.'


تنهد رحيم بضيق قبل أن يُخرج لفافة تبغ من العُلبة الفاخرة الموضوعة بإحدى جيوبه، ينفث الدخان بقوة وكأنه يحاول أن يُخرج همومه مع دخان السجائر، ازداد اضطراب مشاعره الآن.. هو حقًا يشعر بالحزن اتجاه أنس، المسئولية، والخوف هو حقًا يخاف فقدان صديقه أو رؤيته في حالة نفسية سيئة كما كان في الماضي.


"فريد عرف صح؟" باغته أنس بسؤاله ليُغمض رحيم عيناه وهو يسب أسفل أنفاسة، لم يلتفت نحو أنس لكن الأخير تقدم بضع خطوات ليقف أمامه، يُدير رحيم وجهه نحو الجهة الآخرى متحاشيًا النظر إلى وجه أنس.


"رد عليا يا رحيم."


"لا."


"أومال uncle حامد بيكلمك في وقت متأخر زي ده ليه؟"


"أنس أنا حقيقي مش قادر أتكلم دلوقتي أنا مُرهق جدًا، تعالى ننام دلوقتي ونتكلم الصبح" حاول رحيم الهروب من تساؤلات أنس وفضوله وقد نجح في ذلك حيث نبس أنس بقلة حيله:


"ماشي يا رحيم، على راحتك."


في صباح اليوم التالي استيقظ رحيم على صوت رنين هاتفه وفي الوقت ذاته صوت جرس الباب، نهض بكسل وهو يتأفف متجهًا نحو الباب ليقوم بفتحه على الفور دون أن ينظر من الطارق، وقد كانت المفاجأة أنه وجد ناتالي تقف أمامه ومازال يبدو عليها بعضًا من آثار الثمالة، حك رحيم مؤخرة عنقه وهو يُردف بنبرة لا تخلو من التساؤلات:


"أوه ناتالي مرحبًا ما الذي جاء بكِ إلى هنا 'Oh Natalie Hello, what brought you heree.؟!"


"صباح الخير رحيم، ألا تظن أن ذلك كان وقحًا قليلًا 'Good  morning Rahem, don't you think thiw was a little bit rude'؟"


سألته بنبرة تجمع بين الجدية والسخرية في الوقت ذاته ليحمحم رحيم ويُدرك حقيقة كونه وقحًا بالفعل لذا حاول إصلاح الأمر قائلًا:


"أعتذر لم أقصد ذلك... أنا فقط... I am sorry, I didn't mean.. I am jsut'.."


"مين عالباب يا رحيم؟ يا فضحتي!!!" تفوه أنس وهو يُغطي صدره العاري بإحدى الوسادات فور تحرك رحيم بعيدًا عن الباب فيفاجئ أنس بناتالي تُحملق به بتعجب.


"أنتي ازاي تدخلي على اتنين رجالة لوحديهم كده؟ الناس تقول علينا أيه؟" سأل أنس بنبرة ساخرة خليعة لتنظر نحوه بتعجب وحيرة بينما رمقه رحيم بحده قبل أن ينظر نحوها وهو يُعيد خصلات شعره المُبعثرة نحو الخلف بقوة وهو لا يدري كيف يصوغ كلماته التي على وشك أن يتفوه بها بطريقة لائقة بينما طالعته هي بإندهاش شديد لأنه لم يعرض عليها أن تدلف إلى داخل المنزل بل على العكس تمامًا وقف أمام الباب وكأنه يمنعها من المرور.


"أعتذر ناتالي لا يمكنني إدخالكِ انتظريني في الحديقة الخلفية من فضلك سأبدل ثيابي وألحق بكِ  I am sorry  Natalie i can't let you in, please wait for me in the backyard i will change my clothes and follow you."


كانت كلمات رحيم نبيلة كالمعتاد فهو لا يستطيع السماح لها بالدخول وفي الوقت ذاته لن يقوى على طردها أو فعل شيء من هذا القبيل لكن ناتالي كانت فطنة كفاية لتستوعب ما يرمي إليه رحيم لذا منحته ابتسامة باردة وهي تنبس بالآتي:


"لا أنا سأغادر الآن وسأتصل بكَ لاحقًا لكي نقضي الليلة معًا ''No thank you, i'll leave now & i will call you later to spend the night with you'."


"للأسف رحيم سيكون منشغلًا طوال اليوم 'Unfortunately Rahem will be busy all dayy'."


"حسنًا، وداعًا 'Fine, Bye'."


بصقت كلماتها بإستياء شديد قبل أن تجذب حقيبتها وتُغادر، لقد كان أنس وقحًا وقد تعمد فعل ذلك، رمقه رحيم بحده قبل أن يلحق بناتالي ليودعها ويقوم بإيصالها إلى سيارتها، عاد بعد بضع دقائق ليجد أنس قد تمدد على الأريكة وقد قام بتشغيل أحدى الأفلام على التلفاز.


"أيه يا ابني قلة الذوق دي؟"


"قلة ذوق اه، روح شوفلك حاجة تعملها يا رحيم وأبعد عني.. أنا بحاول بكل طاقتي أن مقومش أكسر الشاشة دي على دماغك."


"طيب، أنا هنزل ال Basement 'القبو' أدور على كام حاجة كده."


"ماشي يا أخويا، أتكل على الله."


تركه رحيم واتجه نحو القبو والذي قد كسته الأتربة فلم تعد له أي ملامح، كان كبير نسبيًا وذو شرفه صغيرة ويمكنك الوصول للقبو عن طريق سُلم معدني قديم، خطى رحيم نحو الداخل بحظر وهو يبحث عن مصدر للإضاءة حتى وجد واحدًا بالفعل، تعجب رحيم من كون المكان بهذا السوء بالرغم من هوس والدته بالنظافة لكن ربما لا تهتم هي كثيرًا بهذا المكان فقد اعتبرته مقبرة جماعية لكل الذكريات التي لا قيمة لها؛ والتي أغلبها تنتمي لرحيم.


كان رحيم مُنتبهًا لخطواته وما تلمسه يده فبلا شك سيجد العديد من الحشرات الزاحفة هنا، بعد دقائق من العبث الذي لا جدوى منه وجد رحيم صندوقًا خشبيًا باللون الأزرق الداكن يعرفه جيدًا، ذلك الصندق يحوي أغلب صور المرحلة الجامعية خاصة رحيم وبضع صور لطفولته، ابتسامة واسعة شقت وجهه وقد لمعت عيناه من الحماس وهو يجذب الصندوق الثقيل نوعًا ما ويصعد نحو الأعلى، لم يجد أنس لذا توقع أنه ذهب لشراء بعض الأغراض أو ربما التسكع في الجوار، اتجه رحيم للجلوس في حجرته ومشاهدة الصور على ألحان أغاني أوروبية عريقة قد قام بتشغيلها على الحاسوب المُتنقل خاصته.


أمسك رحيم بعدة صور مُتجمعة سويًا جميعها تخص حياته الجامعية وبالتحديد السنة الأولى، كان يدرس رحيم في بريطانيا وقد كان أنس برفقته منذ اليوم الأول كما كان معاه منذ اليوم الأول في الروضة، ضحكة هادئة غادرت فم رحيم حينما نظر إلى أسلوبه في تمشيط شعره وذوقه في اختيار ملابسه فهي الآن مُضحكة للغاية لكن في وقتها كانت أكثر صيحات الموضة انتشارًا وكان رحيم وقتها من أوسم ثلاثة فتيان في كُليته فهو يمتاز بملامح عربية لا مثيل لها هناك بالإضافة إلا نكهة أوروبية لا تخفى عن الجميع كلون عيناه الخضراء مثلًا.


كانت ضحكات رحيم تنساب واحدة تلو الآخرى وهو ينظر إلى الصور وإلهي كم كان سعيدًا بمعطفه الأبيض الخاص بالجامعة حتى أن والده قد أمر بصنع واحدًا خصيصًا من أجله قد طُرز عليه أول حرفًا من اسمه، اسم والده واسم العائلة كذلك، بعد ثوانٍ اختفت ابتسامته حينما أمسك بأول صورة تظهر بها ناتالي، أميرة الجامعة، ذات الخصلات البُنية الداكنة المشوبه ببعض من اللون الذهبي والذي لم يعلم رحيم قط هل هذا لونًا طبيعي أم هي من قامت بصغبه لكن ذلك لم يُشكل فارقًا فهي بدت غاية في الجمال على أي حال، كانت ممشوقة القوام وتمتاز بساقين طويلتين جسدها كان أشبه بجسد عارضة أزياء ولم تكن تعمل هي في ذلك المجال حينها، عيناها خضراء مشوبه بالزرقة وليست كخاصة رحيم.


أخذ رحيم يُقلب الصور بين يديه حتى وصل إلى صورة له برفقة ناتالي كانت في أحدى حفلات الجامعة، ترتدي هي فستان باللون الوردي ورحيم يرتدي بذلة باللون الأسود ولقد كان أكثر نحافة من الآن، كانت ناتالي تقف بين أحضانه وتبتسم بينما يلف ذراعيه حولها ويبتسم ابتسامة واسعة، مازال يذكر شعوره في ذلك الوقت منذ أكثر من خمس سنوات، كيف كان سعيدًا في ذلك الوقت بل قد شعر بأنه يملك العالم أجمع، أموال لا نهاية لها، تفوق دراسي وشعبية عالية، وسامة يُحسد عليها وحبيبة مُبهرة مُخلصة يتمناها أي شخص... مُخلصة؟!


سأل رحيم نفسه بسخرية قبل أن يُمسك بالصورة بعنف وكاد أن يُمزقها لكنه سرعان ما تذكر كلمات أنس حول الإحتفاظ والذكريات حُلوها ومُرها فحتى وإن استطاع تمزيق الصورة التي في يده فكيف له أن يمحو تلك الذكريات من رأسه؟!!


"رحيم!" صاح أنس فور اقتحامه لغرفة رحيم ليقفز الآخر من موضعه وهو يوبخ الآخر مُردفًا:


"خضتني يا بني آدم أنت!  وبعدين أنت كنت فين؟"


"كنت بجيب أكل و... موبايلك رن و... أنا رديت بصراحة..."


تفوه أنس وهو يلهث بقوة لتضطرب معالم رحيم ظنًا منه أن المتصل والده وأن أنس قد علم بشأن ما حدث لكن ما قاله أنس كان عكس ذلك حيث كانت معالمه تجمع بين التوتر والأمل ربما.


"أتصلوا من المستشفى وعايزينا نروح دلوقتي."


"خير إن شاء الله، Good news or bad news 'أخبار جيدة أم سيئة'؟"


"مش عارف... المفروض Good news 'أخبار جيدة'."


أومئ رحيم بهدوء ووضع الصور الفوتوغرافية جانبًا واستقام على الفور لتبديل ثيابه وبعد مدة قصيرة نسبيًا وصل كلاهما إلى المستشفى، تسارعت نبضات قلب أنس كلما أقترب من حجرة شقيقته وقد رأى الطبيب على مرمى البصر يقف هناك بإنتظارهم وبالرغم من أنه يعلم أنه على وشك سماع أخبار سعيدة من المفترض إلا أنه شعر بقلبه على وشك التوقف من كثرة التوتر.


اقترب أنس بخطى بطيئة ليضع رحيم يده على كتف أنس وهو يمنحه ابتسامة صغيرة دافئة لعلها تجعله يهدأ قليلًا، رحب بهم الطبيب ثم أخبرهم بالمُستجدات في حالة أروى، وقد كان الأمر كالتالي: مؤشراتها الحيوية في تحسن وقد بدأت في تحريك يدها بحركات بسيطة وكذلك استطاعت فتح عينيها نسبيًا لكن بالطبع الرؤية ليست واضحة كليًا ربما لم تكن تطورات كبيرة لكنها مؤشر جيد على التحسن خاصة في حالة كحالتها تلك.


"أنس مُستعد تدخل؟" سأله رحيم بعد أن منحه عناقًا صغير ليُبادله أنس ثم يفصل العناق وهو يتمتم:


"لا أنا خايف..  أنت.. هتستناني هنا صح؟"


"اه، متخافش أجمد كده أول لما تخرج هتلاقيني واقفلك هنا."


"تمام." نبس أنس وكان على وشك الدخول إلى الحجرة لولا أن أوقفه صوت رحيم وهو ينصحه بالآتي:


"أنس خليك حاطت في بالك أن هي فاقت بس مش في كامل وعيها عشان متحطش توقعات عالية ماشي؟"


"عارف.. متقلقش.."


دلف أنس نحو الداخل ليجد شقيقته مُمدة على سريرها الأبيض كنقاء قلبها، كان وضعها يُشبه ما رأه سابقًا عدا أنها قامت بتحريك يدها حينما همس بإسمها وهو لا يدري هل قامت بتحريك أصابعها كردة فعل لسماع صوته أم أنها لم تسمعه وقامت بتحريك يدها من تلقاء نفسها لكن ذلك لم يُهم أنس في تلك اللحظة، فكل ما كان يشغله هو أن شقيقته تتحسن وقد أصبح تحسنها ملحوظًا، دنى من شقيقته ليُقبل يدها والتي بللتها العبرات التي انهمرت من عيناه بدون مُقدمات.


فتحت أروى عيناها نسبيًا وببطء شديد، أعين زائغة ورؤية مشوشة لكنها كانت خطوة  إيجابية في طريقها نحو الشفاء، اعتدل أنس وأقترب من وجهها قليلًا علها تستطيع رؤيته بينما شعر بقلبه يكاد يقفز خارج صدره من شدة السعادة والفرح أما عن عقله فقد توقف عن العمل لحظيًا ولم يشعر بنفسه سوى وهو يُردد كلمات الحمد والشكر لله بإستمرار دون توقف بينما يُمسك بيد شقيقته برفق.


بالعودة إلى مصر ففي صباح ذلك اليوم وبمجرد أن استيقظ والد أفنان بدل ثيابه واتجه مباشرة نحو منزل شقيقتها ليوبخها ومن ثم يضع حدٍ لما حدث مع ريماس، لم يُفسر لزوجته أي شيء حيال ذلك الأمر فهو لا يريد أن ينتشر الخبر بين الجميع ففي النهاية ريماس مثل ابنتيه تمامًا، بعد ساعة تقريبًا كان والد أفنان يقف أمام منزل شقيقته.. يطرق الباب بهدوء عكس الغضب والضجيج الذي كان بداخله.


"ايوا... خالو؟"


"صباح الخير يا حبيبتي، ماما صاحية؟"


"هي... هي أفنان حكتلك حاجة؟"


سألت ريماس بتوتر شديد وهي تُقرب ثيابها من جسدها في محاولة لإخفاء الكدمات، لم يُعلق أحمد بكلمة بل ابتسم ابتسامة صغيرة وهو يضع يده على كتفها بلطف بينما يطلب منها الآتي:


"ممكن تندهيلي ماما وتدخلي أوضتك؟"


"حاضر... اتفضل يا خالو."


"صباح الخير يا أخويا يادي النور يادي النور."


"صباح النور يا سميرة، أخبارك أيه؟ وجوزك أخباره أيه؟"


تحدث برسمية شديدة وبتعابير وجه جامدة بينما كانت الإبتسامة تزين وجه شقيقته لكنها سرعان ما أختفت حينما تفوه بإسمها لتسأله بقلق:


"خير يا أحمد؟ قلقتني أول ما تندهني بإسمي بعرف أن في مصيبة."


"أنتي عارفة أن خطيب ريماس بيضربها؟" سأل بنبرة هادئة مُحاولًا بدأ الحديث دون شجار، أجابته شقيقته بنبرة كاذبة واضحة مُردفة:


"أيه؟ مين اللي قالك الكلام الفارغ ده مفيش حاجة من الكلام ده حصلت."


"أنا مش بسألك هو بيضربها ولا لا، أنا بسألك أنتي عارفة ولا لا."


"وأنا بقولك بنتي محدش بيضربها... أيه أصلًا اللي جاب الفكرة دي في دماغك؟ أكيد المزغودة أفنان بنتك هو ده كلامها." تحدثت بنبرة هجومية لم تُحسن من وضع الحوار الذي يدور بينهم بل جعلت والد أفنان يستشيط غضبًا وهو يُوبخ شقيقته قائلًا:


"متدخليش بنتي في الكلام يا سميرة، أنا بسألك سؤال ومش عايز كذب! أنتي ازاي كده؟ أنتي بجد بني آدمة طبيعية يعني؟"


"مالك يا أحمد في أيه؟ دي أول مرة ترفع صوتك عليا من سنين في أيه مستاهل كل ده؟!"


"أيه مستاهل كل ده؟ يعني صحة وكرامة بنتك متستاهلش أني أتعصب وأكسر الشقة على دماغك أنتي وجوزك اللي محدش فيكوا واخد باله من بنتكوا!"


صاح بصوتًا مُرتفع والشرار يتطاير من عينيه على عكس طبيعته الهادئة في الأوقات العادية، كانت ريماس تراقب ما يحدث من بعيد بينما تنهمر دموعها في صمت وكانت تتمنى أن يستيقظ والدها لعله يستطيع نصرها وأن يكون في جانب خالها لكن ذلك لم يحدث نظرًا لكبر مساحة منزلهم فقد كانت غرفة والديها منعزلة في نهاية الشقة، كما أن والدها لم يكن ليأخذ ردة فعل قوية كخاصة خالها.


"هي اللي عصبته! وبعدين ما كل الستات بتضرب عادي في أيه يعني؟!"


"كل الستات بتضرب؟ مين كل الستات اللي بيتضربوا دول يا سميرة؟ وحتى لو ده السائد هل أنتي شايفة أن دي حاجة كويسة؟ أنتي مدركة أنتي بتقولي أيه؟ دي بنتك ضناكي المفروض متستحمليش عليها الهواء!" كان يتحدث والد أفنان بصدمة شديدة فعلقه لا يقدر على استيعاب ما يسمعه، شقيقته تتفوه بذلك الحديث الفارغ وهي تتحدث عن ابنتها!


"أنت مكبر الموضوع! البت عصبته وهو مستحملش مجراش حاجة يعني وبعدين ما أبونا كان بيضرب أمنا ولا أنت نسيت؟"


"لا منستش وعشان كده من يوم ما أتجوزت وأنا خدت عهد على نفسي أن أيدي متتمدش على مراتي ولا على بناتي وتتقطع ايدي لو عملت حاجة زي كده، أنا شوفت تعامل أبونا الله يرحمه مع أمنا ربنا يديها الصحة وعشان مكررش المأساة دي تاني قررت أكسر الدايرة دي وأبقى مختلف وأحسن."


"طبعًا ما أنت الملاك البرئ وأنا دايمًا الشيطان، ما هو أنت مشوفتش فرق المعاملة اللي بيني وبينك من وأحنا عيال!"


"سميرة بطلي تعيشي دور الضحية، لأن حتى لو اتظلمتي وأنتي طفلة فأنتي دلوقتي كبيرة ومسئولة عن كل تصرفاتك، وإن كان بابا الله يرحمه كان بيميزني عنك زمان فأنا كنت بدافع عنك طول الوقت ومصروفي كنت بجبلك بيه اللي نفسك فيه ومبجبش لنفسي حاجة، ومن ساعة ما بابا مات وماما بتدوس عليا وعلى حقوقي عشانك."


"بقولك أيه خلاصة الموضوع ملكش دعوة بريماس، دي بنتي وأنا حرة فيها أطلع أنت منها."


حاولت إنهاء الحديث عند ذلك الحد ظنًا منها أن شقيقها سيستسلم لكنه باغتها بسؤاله عن زوجها مُردفًا:


"جميل أوي الكلام ده، جوزك هنا؟"


"ملكش دعوة بجوزي ولا ببنتي واتفضل يا أحمد من غير مطرود."


"لا يا خالو متمشيش، أنا هصحي بابا."


"أنتي يا بت خدي هنا."


"ازيك يا أبو حميد عامل أيه؟ منور." تحدث بودٍ شديد لكن الآخر لم يبادله الإسلوب ذاته فلقد كان الإستياء مُسيطرًا عليه بالفعل.


"بنورك يا سامح، معلش عايزك في كلمتين على إنفراد."


"طبعًا يا أحمد تعالى نقعد في ال Living جوا."


بعد مرور خمسة عشرة دقيقة تقريبًا كان أحمد قد سرد كل ما يعرفه لزوج شقيقته والذي كانت تعابير وجهه مزيج بين الدهشة والغضب لكن أحمد شعر بالإحباط والإستياء فقد كان يظن أن ردة فعله على ما يقول ستكون أكثر حدة.


"أنا هجيب الولد ده وأهزقه عاللي عمله، هو فاكر أن ملهاش أهل؟"


"وبعد ما تجيبه؟"


"هخليه يعتذرلها ويبوس رجليها كمان."


"وبعدين يعني؟"


"وبعدين أيه مش فاهم؟"


"مش هتخليها تفسخ خطوبتها يعني؟ هو أنت بتفكر ازاي أنت ومراتك دي؟! أنتوا والله ما تستاهلوا تبقوا أب وأم، أنا ماشي."


"استنى بس يا أحمد الكلام أخد وعطاء، المواضيع مش بتتاخد بالطريقة دي."


"أبقى حلها أنت بطريقتك، أنا ماشي ولعلمك هاخد ريماس معايا تقعد مع أخواتها."


"مش هقدر أقولك حاجة ما هي بنتك زي ما هي بنتي وهبقى مطمن عليها وهي مع بناتك، أنا هتكلم مع سميرة وهشوف حل في موضوع فريد ده."


في عصر اليوم التالي عادت أفنان من الجامعة لتجد والدتها ترفع رأسها نحوها بشك بمجرد أن تخطو أفنان إلى داخل المنزل لتنظر نحوها أفنان برعب وهي تُردف:


"يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم، في أيه يا ماما خير إن شاء الله؟"


"أنتي يا سوسة أنتي العقل المُدبر للكوارث اللي بتحصل كلها، عملتي أيه في أبوكي خلتيه ينزل على ملا وشه كده النهاردة؟"


"يووه! أنا عملت أيه؟ تلاقيه رايح لمراته التانية شكلك ضايقتيه يا رورو." داعبت أفنان والدتها مُتعمدة إثارة غيظها لتضع والدتها يدها على خصرها وضيقت أحدى عينيها وهي تُردف:


"خلصي يا أفنان وقولي عملتي أيه الجو ده مش هياكل معايا وبعدين مراته التانية مين ده لو لف العالم كله مش هيلاقي زيي هو أنتوا في حد يستحملكوا غيري أصلًا؟!"


"الله! طب ليه الغلط ده يا حجة؟ اللي حصل إن... لا مش هينفع أحكيلك، سيبيني بقى أدخل أغير ده أنا من تمانية ونص واقفة على رجلي في السكشن."


"خلاص براحتك... طب بقولك أيه غيري هدومك وتعالي أقفي معايا في المطبخ شوية."


"بس كده؟ من عنيا."


علقت أفنان لتبتسم والدتها بنصر ثم تصطحبها إلى المطبخ، جلست أفنان على الطاولة الصغيرة التي توسطت المطبخ وهي تقوم 'بتفصيص' قروزن البازلاء التي أشترتها والدتها بينما تسرد لها كل ما حدث فلقد وضعتها والدتها في خانة اليك فلا أحد يستطيع مقاومة جلسة المطبخ برفقة والدته دون أن يتفوه بكل خباياه.


"بس يا ستي دي الحكاية من طق طق لسلامو عليكوا، فبابا غالبًا رايح يشوف حل للمشكلة دي مع عمتو بس يا ماما أوعي تفتني وتقولي أنك عرفتي."


"متقلقيش سرك في بير."


"سري في بير؟ أعتبره كده أتنشر بينك وبين خالتو وبين مية أربعة وسبعين آخرون."


"بقولك أيه سيبي البسلة اللي بقالك ساعة بتعمليها دي وشوفيلك حاجة تانية تعمليها، أنا بتخنق لما يبقى في حد معايا في المطبخ."


"والله؟ دلوقتي بقيت بتتخنقي يا ماما؟ طبعًا ما أنتي استفردتي بيا خلاص وعرفتي اللي عايزة تعرفيه! صحيح واقفة المطبخ ملهاش آمان."


نبست أفنان بنبرة درامية مُبتذلة قبل أن تقهقه هي ووالدتها لكن يقطع صوت ضحكهم صوت باب المنزل وهو يُصفع بقوة، تنتفض أفنان من قوة الصوت ثم تستقيم من جلستها لتذهب لرؤية من تسبب في ذلك وقد توقعت أن والدها قد نسي شيئًا وعاد في الغالب لكنها على عكس توقعها لم تكن سوى ميرال.


"أبقي دغدغيلنا الباب المرة الجاية بقى عشان قفلتيه براحة أوي."


"مش فايقه لهزارك خالص."


"أيه ده في أيه؟ وشك مقلوب كده ليه؟"


"مفيش."


"أقعدي هنا هو أيه اللي مفيش؟ ده شكله يوم نكد عالمي النهاردة."


"قولتلك مفيش بطلي زن بقى وسيبيني في حالي!" صاحت ميرال في وجه شقيقتها لتجفل أفنان لثوانٍ من نبرة ميرال الغريبة تلك فهي بالعادة لا تتحدث إليها بتلك الطريقة.


"اسيبك في حالك؟ بقى أنا يا ميرال الكلب تفضحيني وتحكي لبابا على موضوع رحيم؟!"


"أيه؟ لا طبعًا... محصلش!"


"يا شيخة كفاية كذب ده أنتي كذابة كذب الإبل، بابا فتن عليكي." وبختها أفنان بحنق ممتزج بالسخرية لتُعلق شقيقتها بالسخرية ذاتها قائلة:


"ما شاء الله أحنا أسرة كلها بتفتن على بعضها، وبعدين أنا عملت كده عشان كنت خايفة عليكي وبعدين أحمدي ربنا ده أنا كده أمتصيت شوية من عصبية بابا."


"ماشي في دي عندك حق، قوليلي بقى أيه اللي مزعلك وبعدين ثواني.. هو أنتي مش راجعة بدري شوية ولا أنا بتهيألي؟ اتخانقتي مع نوح صح؟"


"لا طبعًا، هو في اتنين مخطوبين هيتخانقوا في الأول كده؟!" استنكرت ميرال حديث أفنان وهي تبتسم ساخرة لكن نبرتها لم تكن مُطمئنة كثيرًا بالنسبة لأفنان.


"متأكدة؟ أصل عادي ده في ناس بتتخانق وهما قاعدين في الكوشة."


"بصراحة أصل المدير بتاع الشركة أتعصب عليا النهاردة ونوح كان معايا عالتليفون.. المدير كان مضغوط أصلًا وأتعصب علينا كلنا وبعدها أعتذر لكن نوح فضل متضايق ورأسه وألف سيف أني أسيب الشغل..."


"الله! ده عبيط ده ولا أيه؟ أحنا هنبتديها تحكمات من أولها يا سي نوح؟!"


"هو مش قصده هو خايف عليا... أكيد هو كمان مضغوط."


"صح فعلًا، أصل الناس كلها مضغوطين وأنتي قاعدة بتلعبي بالية، ما أنتي كمان مضغوطة يا بني آدمة! مش من حق حد يطلع عصبيته عليكي! طب عالأقل المدير أعتذر الدور والباقي على نوح!"


"ما هو عشان كده مكنتش عايزة احكيلك عشان هتطلعي نوح غلطان في كل حاجة."


"يا خبر أبيض على بنات العيلة اللي طلعوا بيعشقوا 


الفصل الثاني والثلاثون: طَلَب زَوَاج 🤎🦋✨


 

"وكمان عملالي فولو ريكويست ياختي!!!"


صاحت بها أفنان بحنق لتجد ريماس وميرال يقفزان على السرير ورأسهم منكبة على هاتف أفنان لتُخفي الأخيرة الهاتف أسفل الوسادة وهي تُردف:


"في أيه أنتوا كمان؟ ما تدخلوا جوا التليفون أحسن!!!"


"مين اللي عملتلك فولو ها؟ مين؟ مين؟"


"هي دي محتاجة سؤال يعني؟ أكيد الإكس بتاعت الولد اللي بتحبه ده."


شعرت أفنان بخناجر تطعن قلبها من شدة الغيظ، لما تقوم تلك الحثالة بمتابعتها؟ ما الهدف وراء ذلك؟ أخذت أفنان تتجول بين الصور التي نشرتها الآخرى حتى وصلت إلا منشور يحتوي على صورتين لها برفقة رحيم وقد كانت تقف بين أحضانه لكن حينما نظرت أفنان إلى تاريخ الصورة لتجدها منذ أكثر من ثلاث سنوات لذا تنفست الصعداء كونها صورة قديمة بغض النظر عن التي أشارت لرحيم بها في السابق، لم تدري أفنان ماذا تفعل هل تقبل طلب المتابعة ام ترفضه؟


أخذت أفنان تفكر لبضع دقائق بينما تُدقق النظر إلى ملامح الفتاة، جسدها الممشوق وعينيها الزرقاواتين 

المنافسة محسومة من قبل أن تبدأ فكيف لرحيم أن يترك فتاة كتلك وأن يذهب للزواج بأفنان؟ يالها من مُغفلة كانت تظن أن رحيم يراها جميلة، يراها جميلة تبعًا لأيًا من مقايس الجمال؟


"أفنان أنتي كويسة؟"


"اه أنا كويسة."


تمتمت أفنان بنصف تركيز وهي مازالت متحيرة من أمرها في قصة طلب المتابعة تلك، فهي لا تريد رفض المتابعة كي لا يكون أمر غيرتها أو غيظها مُفتضحًا ولكن إن قبلت فذلك يعني أنها ستسمح لدمية باربي تلك برؤية صورها والتجول فيها بإريحية شديدة.


"هو ممكن تخرجوا عشان أغير هدومي؟"


"أيه يا بنتي الهبل ده أحنا بنات زي بعض."


علقت ميرال بسخرية وقد نسيت تمامًا كون ريماس الأبنة الوحيدة في أسرتها لذا لم تعتاد على مشاركة أحد في الغرفة لذا هي تتمتع بخصوصية عالية أو لنقول هذا هو الوضع الطبيعي، على عكس ميرال وأفنان مثلًا نظرًا لأنه لا مجال عندهم لحصول كل واحدة على حجرة منفصلة.


على أي حال أقتنصت أفنان الفرصة لتدعم طلب ريماس وهي تُردف من بين أسنانها:


"لا لا ريماس عندها حق، يلا يا ألوان أنتي نستناها برا عقبال ما تغير براحتها."


"أيه في أيه؟" سألت ميرال ببلاهة بينما تدفعها أفنان نحو الخارج وحتى وصلوا إلى الشرفة، تضع أفنان الوشاح على رأس ميرال بعشوائية وهي توبخها قائلة:


"عماله أشاورلك وأغمزلك بعيني والبعيدة كفيفة، كنت عايزه اقولك حاجة مينفعش أقولها قدام ريماس."


"خير، حاجة في التليفون صح؟ رحيم بعتلك مسدچ؟" سألت ميرال بحماس لكنه سرعان ما تحول إلى الخيبة حينما نفت أفنان بسخرية:


"ده اللي هو ازاي؟ ما أنا عملاله بلوك في كل حتة هيبعتلي مسدچ عاليوتيوب ولا أيه؟"


"أومال أيه طيب؟"


"ناتالي عملتي فولو."


"أيه؟ هو مش أنتينال ده دواء باين؟" سألت ميرال ببلاهة وهي تضحك لتنظر نحوها أفنان بإزدراء قبل أن تُردف بنفاذ صبر:


"أنتينال أيه؟! بقولك ناتالي، بصي والله وأعلم هي صاحبة رحيم، بس السؤال بقى هل يا ترى هي صاحبته بس ولا هما مرتبطين؟"


"أنتي بتسأليني أنا؟"


"لا مش بسألك أنتي يا ذكية أنا بتسأل في الدنيا، بصي هو كان متصور وهو حاضنها قبل كده وأنا مش عارفة بصراحة الحضن ده معناه أيه لأن رحيم بيحضن أي كائن حي عمومًا."


"ما هي طالما عملتلك فولو يبقى أكيد مش صاحبته وبس، اللي يخلي واحدة تقلب في ال Following list 'قائمة المتابعة' بتاعته يبقى أكيد مش مجرد صاحبه عادية."


كانت وجهه نظر ميرال منطقية لذا ساد الصمت لثوانٍ بينما تفكر أفنان وهي تحك ذقنها بيديها قبل أن تؤكد على حديث ميرال قائلة:


"صح وجهه نظر برضوا.. بس دي صاروخ أوي يا ميرال بجد."


"أفنان ثواني كده.. هو مش أنتي المفروض عاملة بلوك لرحيم؟ هي جابت الأكونت ازاي؟"


"نهاري أبيض هو أنا نسيت أعمله بلوك ولا أيه؟" سألت أفنان نفسها وهي تصفع وجهها بيدها لتُعلق ميرال مستنكرة:


"أنتي بتسأليني أنا؟!"


"أصل أنا مش بفتح انستا كتير أساسًا.. يادي الوكسة!"


"بسيطة أدخلي أعمليله بلوك، عاملة حوار ليه؟"


"صح عندك حق."


"بس أنا برضوا مش قادرة أشمعنا جابتني أنا من وسط كل البنات يعني؟ ما رحيم عامل فولو لبنات كتير غيري."


"ما شاء الله هو أنتي كمان كنتي بتقلبي في ال Following list 'قائمة المتابعة' بتاعته؟" سألت ميرال بخبث لتراوغها أفنان وهي تسألها:


"يا سلام وأنتي معملتيش كده مع نوح؟"


"عملت بس نوح خطيبي."


"مكنش خطيبك يا ميرال بلاش استهبال، بقولك أيه ريماس خرجت روحوا ألعبوا سوا ولا شوفلكوا حاجة تعملوها عقبال ما أخلص موضوع رحيم ده."


أومئت ميرال ورحلت لتجلس برفقة ريماس بينما أغتنمت أفنان تلك الفرصة لتختلس النظر إلى الصور التي نشرها رحيم قبل أن تقوم بحظره وهنا كانت الصدمة، كاد ثغر أفنان يصل إلى الأرض وهي تنظر إلى المنشور الأخير الذي قام رحيم بنشره والذي كان يحوي صور الحفل وقد قام بالإشارة إلى أفنان بالصورة 'عملها Tag'، كانت الصورة الأولى صور مجمعة لكل المتدربين بينما يتوسطهم أفنان ورحيم والتي تليها كانت صورتها برفقة رحيم وحدهم، مشاعر مختلطة أحتلت كيانها، صدمة كونها لم تتوقع أن يفعل شيء كهذا وكذلك استياء لأنه قام بنشر صورتهما معًا؛ لا عجب أن تلك ال 'ناتالي' استطاعت أن تجد حسابها بسهولة وأن تستشعر أن هناك شيء خاص بينها وبين رحيم.


لكن بعيدًا عن الغضب وبعد أن سكنت أفنان ابتسمت ابتسامة واسعة وهي تتأمل ملامح رحيم الرجولية والتي لا تخلو من الهدوء والنُبل بينما ألقت نظرة على وجهها وكيف أنها بدت أجمل بكثير وهي تقف بجانبه، كيف لمعت عيناها وكيف اتسعت ابتسامتها، كيف له أن يؤثر عليها كل ذلك التأثير بتلك السهولة؟


ويا إلهي على الفارق الملحوظ بينهما في الطول بالرغم أن أفنان ليست بقصيرة القامة إلا أن رحيم يفوقها طولًا، وقد كان ذلك لطيفًا للغاية بالنسبة إليها فالطالما تمنت هي الزواج بشخصًا يفوقها في الطول.


استفاقت من شرودها حينما أخترق أذنها صوت والدها وهو يناديها لتعود للواقع على الفور وترمش لثوانٍ قبل أن تأخذ Screenshot 'لقطة شاشة' لصورتها برفقة رحيم ثم تقوم بحظره فهي لن تخاطر بثقة والدها مجددًا.


مرت الأيام بطيئة كما هي أسبوعًا كاملًا قد انتهى، والذي لم يخلو بالطبع من شجار أفنان وريماس، إلا أن ريماس كانت اكثر هدوءًا وطيبة من المعتاد فعلى ما يبدو أن ابتعادها عن والدتها وكلماتها السلبية يجعلها شخصًا أفضل، حاولت والدة أفنان جاهدة أن تُعامل ريماس بلطف بالرغم من أنها تشعر بالإستياء من ناحيتها لأنها أعتادت أن تسخر من ابنتيها، لكنها قررت تجاهل تلك الأمور مؤقتًا على الأقل من أجل زوجها الذي يُحب ريماس فمهما حدث هي مازالت ابنة شقيقته.


وفي تلك الأيام ايضًا تعمد والدها ألا يتحدث قط بشأن زوج ريماس المستقبلي ولم تذكر أفنان رحيم قط خلال تلك الأيام لكنه بالطبع لم يفارق رأسها لكن ابقاء رأسها منشغلًا بالجامعة وثرثرة ريماس وميرال جعلها تستطيع تخطي أمر رحيم نسبيًا.


وفي يوم الجمعة صباحًا استيقظت أفنان باكرًا واتجهت نحو الخارج لتجد والدتها، ووالدها وميرال يجلسون ويتحدثون بصوتٍ خافت وهم يقهقهون، رمقتهم أفنان ببعض الشك قبل أن تذهب للجلوس على الأريكة وهي تُعق بإزدراء:


"خير متجمعين عند النبي ﷺ إن شاء الله، القاعدة دي مش مطمناني."


"تعالي دي قاعدة آخرتها خير إن شاء الله."


نبست والدتها وهي تبتسم ابتسامة واسعة لتتوتر أفنان لكنها تُخفي قلقها وتوترها كالمعتاد عن طريق التحدث بسخرية لذا علقت على حديث والدتها قائلة:


"استر يارب، نوح هيجي يتقدم تاني ولا أيه؟"


"أنتي عبيطة يا بت ما هو خطب ميرال خلاص."


"أومال أيه طيب؟" سألت بحيرة لتنظر نحوها والدتها بإبتسامة خبيثة بينما تدعي البراءة مُردفة:


"مفيش ده أنا بقول لأبوكي يعني عايزين نودي السجاد يتغسل ويتنضف ونغير نظام الصالة وكده."


"وده ليه بقى؟ هو أحنا كام في الشهر العربي؟ يكونش رمضان يوم الجمعة وأنا معرفش؟"


"أنتي يا بت أنتي مبتعرفيش تتكلمي جد ابدًا؟ ولا يا سُكر مش رمضان، ده عشان أحنا هيجلنا ضيوف يوم الجمعة الجاية إن شاء الله ولازم الدنيا تبقى نضيفة ومتضبطة."


"ضيوف من أني نوع يعني؟"


أدعت أفنان الغباء ليبتسم والدها ابتسامة جانبية فهو قد توقع ردة فعل أفنان تلك بل توقع أن تكون أكثر عصبيًا من الآن، تنهدت زوجته بغيظ قبل أن تُردف:


"ميرال أختك ومخطوبة وبقولك جايلنا ضيوف هيكونوا جاين ليه ولمين مثلًا؟"


"لعم محمد بتاع الكشك؟"


"بت أنتي متستعبطيش واضبطي نفسك كده مش عايزة طوله لسان مع الناس متحرجنيش ها!"


"أحرجك مع مين وناس أيه؟ مين قال أصلًا أني هقعد مع حد؟ بابا هو أنت موافق عالكلام ده ولا أيه؟" سألت أفنان عدة اسألة متتالية بإنفعال شديد لينظر نحوها والدها بهدوءه المعتاد وهو يقول:


"أوافق أو أرفض أيه بس يا حبيبتي مش لما الناس يجوا ونشوفهم الأول؟ مش يمكن العريس يعجبك." 


"لا طبعًا! انتوا بتقولوا أيه؟ أنا مبفكرش في موضوع الجواز ده أساسًا أنا لسه بدرس ومش فاضيه للمواضيع دي! حد قالكوا أني عايزة أتجوز؟ بتقترحوا حاجات من دماغكوا ليه؟!"


أنفعلت أفنان بشكلًا مبالغ فيه ليجفلوا جميعًا وبعد انتهاء أفنان من جملتها الطويلة تلك أخذت تلتقط أنفاسها بصعوبة لتنظر نحوها والدتها بحنق وهي تُردف مستنكرة: 


"وأيه المشكلة ياختي إن شاء الله؟ ما يخطبك وتتجوزوا بعد ما تتخرجي عادي يعني كلها سنة ولا سنتين وتخلصي وبعدين يعني أيه مين قالكوا أني عايزة أتجوز؟ ما أكيد هتتجوزي ولا هتتكاثري بالتبرعم ولا أيه؟"


أنهت والدتها كلامها بحديث علمي ساخر ليقهقه جميعهم بينما ترمقهم أفنان بغيظ شديد قبل أن تنبس مُشددة على كل كلمة قائلة:


"أنا مش موافقة! مش.. مواف..قة..!"


"عنك ما وفقتي هما كده كده جايين."


"يا بابا!!" وجهت أفنان حديثها نحو والدها محاولة استعطافه لينظر نحوها بإبتسامة لطيفة وهو يُردف:


"ياستي قابليهم ولو معجبكيش العريس خلاص محدش هيجبرك على حاجة يعني، وبعدين أدي لنفسك فرصة مش يمكن تشوفيه مناسب؟"


تأفأفت أفنان بغيظ شديد وهي تضرب الأرض بقدمها عدة مرات متتالية بينما يقهقه الجميع من حولها، تزفر بضيق قبل أن تُتمتم بقلة حيلة:


"خلاص بقى خلصنا، ماشي هتنيل أقابله وياريت ريماس متعرفش حاجة عن الموضوع ده!"


بالعودة إلى بريطانيا، وداخل أحدى الغرف في واحدة من أشهر المستشفيات، فتحت أروى عيناها بينما جلس أنس إلى جانبها يتأملها بهدوء كما أعتاد أن يفعل في الأيام الماضية بينما بادلته النظرات بعينيها الغائمة وإن كانت الرؤية أصبحت أكثر وضوحًا الآن، وللمرة الأولى منذ أن استعادت وعيها.. فتحت فمها لتنبس بشيئًا ما، لم يكن حديثها مُرتبًا أو ذو جملة مُفيدة لكنها استطاعت أن تتفوه بحروف اسم شقيقها الحبيب. 


"أنس..." كان هذا ما استطاع أن يستوعب من حديثها،  خرجت حروف اسمه من فمه بصوتًا مبحوح أشبه بالحشرجة، توقف أنس عن الحراك لثوانٍ وقد توقف عقله عن العمل، نظر نحوها بأعين مُتسعة قبل أن تتجمع الدموع في عيناه سريعًا وهو يقترب منها ليغمر يدها بالقُبلات بينما يحمد الله كثيرًا أنه استطاع رؤية اليوم الذي تعود فيه شقيقته إلى الحياة.


"حمدلله على سلامتك يا أروى، أنتي مش متخيلة صوتك كان واحشني ازاي!!! عارفة أول مرة أعرف أن اسمي حلو كده كل ده عشان أنتي نطقتيه!" نمت ابتسامة صغيرة على ثغرها بإرهاق بينما أمسك هو بيديها ليمنحها شعور بالأمان والحب.


قضى أنس أغلب اليوم برفقة شقيقته وبرفقة الأطباء يستفسر عن حالتها كل ساعة تقريبًا، أما عن رحيم فأضطر إلى الذهاب إلى العمل لقضاء بعض الأمور، حاول مهاتفة والده لكنه لم يُجيب ووالدته كذلك.. أثار الأمر ريبة رحيم قليلًا لكنه قرر تجاهل الأمر فهو ليس بحاجة للمزيد من التفكير.


أمسك رحيم بهاتفه وأخذ يتجول داخل الصور المحفوظة على هاتفه حتى مرت أمامه صور حفل التكريم، ابتسم تلقائيًا وهو يتأمل الصور التي أُلتقطت لأفنان بواسطة المصور على غفلة ودون أن تنتبه، كيف لتعبيراتها التلقائية الغير مقصودة أن تكون بهذا اللطف؟ وتعبيرات وجهها حينما تشعر بالملل أو الإعتراض مثلًا...


كيف لها أن تؤثر كل ذلك التأثير القوي على ذلك الشاب الذي قد اختلط بفتيات بعدد شعر رأسه وقد رأى مختلف الجنسيات، الشخصيات والجمال لكن لم تكن لأي واحدة منهم تلك الهالة الجذابة التي تحيط بأفنان، لم يشعر رحيم برفقة واحدة منهم أنه قد وجد الإستقرار، الأمان والدفء لكن برفقة أفنان وفي خلال هذه المدة القصيرة شعر بأنه قد وجد الفتاة المناسبة التي قد ترتقي لمرتبة الزوجة بالنسبة إليه لكن ما يشغل باله هل تراه هي مناسبًا ليرتقي لمرتبة الزوج عندها؟ هل صفاته تلك تتوافق مع ما تتمناه هي؟!


شعر رحيم بالحيرة والشوق في الوقت ذاته، يريد أن يعود إلى مصر كي يصارح والديه بحقيقة مشاعره تجاه أفنان وما ينوي فعله لكنه لا يستطيع ترك أنس وأروى وحدهما وبشكل خاص بعد معرفة والد أنس بأنه من قام بأخذها إلى بريطانيا، فقد أصبح الأمر شبه مستحيلًا في الوقت الحالي لذا قرر أن يجد حلًا بديلًا بصورة مؤقتة.


في مساء ذلك اليوم عاد رحيم في وقتٍ متأخر نسبيًا، دلف نحو الداخل ليُلقي بسترة بذلته الرسمية على الأريكة بتعب ثم يجلس ليُباغته صوت أنس وهو يُردف بحماس:


"رحيم مش هتصدق!!!"


" أيه ده أنت هنا؟ قول، خير إن شاء الله؟" حاول رحيم أن يُظهر قدرًا من الإهتمام لحديث أنس بالرغم من كونه مشوش الذهن.


"أروى بقت تتكلم!!! هي طبعًا مش بتقول كلام مفهوم ومش بتكون جمل سليمة عشان لسه في الأول بس المهم أنها بدأت تتحسن الحمدلله وكمان الدكتور قال ممكن نبدأ التأهيل النفسي والعلاج الطبيعي في الفترة الجاية."


"كويس جدًا، الحمدلله أنها بقت بخير وإن شاء الله قريب تبقى قاعدة معانا ووسطنا."


حاول رحيم التحدث بنبرة حماسية قدر الإمكان لكن إرهاقه كان طاغي على نبرته، فمنذ أن جاء إلى بريطانيا وهو لا يستطيع النوم بشكل جيد فلقد اعتاد النوم في حجرته في منزله بمصر أو بمنزل أنس لكنه يشعر بالغربة هنا، لاحظ أنس نبرة رحيم تلك فسأله بقلق:


"إن شاء الله، أنت كويس؟ شكلك مرهق أوي."


"ده حقيقي، هدخل أخد Shower وأنام."


"تمام."


في فجر ذلك اليوم وبتوقيت بريطانيا كان رحيم مستيقظًا وجالسًا في حجرته حينما سمع صوت خطوات بطيئة في الخارج وكأن صاحبها يتعمد عدم كونه مسموعًا، توجه رحيم نحو الخارج بتوجس وهو يحمل في يده عصا البيسبول الموجود في حجرته، كان المكان مُظلم نسبيًا وكاد رحيم أن ينقض على رأس الشخص المجهول قبل أن يصرخ الآخر بهلع:


"هتعمل يخرب عقلك!!!"


"هو أنت!! You scared the shit out of me 'لقد أخفتني حد اللعنة'!!! في حد يعمل كده؟!"


وبخه رحيم بقوة لينظر نحوه أنس بإمتعاض وهو يُردف:


"الحق عليا! أنا قولت أمشي براحة عشان متصحاش على صوتي."


"تقوم تعمل زي ال thieves 'السارقون' كده؟!"


"مكنش قصدي بقول وبعدين أنت أيه اللي مصحيك دلوقتي؟" سأله أنس وكاد رحيم أن يُجيبه لكنه قرر مراوغته.


"كنت.. ثواني أنت مالك؟ وأيه اللي مخلي شعرك ووشك مبلول كده؟"


"مش هقولك، أهو شغل عيال بشغل عيال بقى!" تمتم أنس  بغيظ ليتنهد رحيم ويسود الصمت لثوانٍ قبل أن يجيبه رحيم قائلًا:


"كنت بصلي الفجر."


"وأنا كمان."


ومجددًا ساد الصمت لثوانٍ كان يفكر فيها رحيم في مدى سعادته بأن صديقه كان يصلي وكيف أنه بدأ في الإبتعاد عن فعل أي مُحرمات، قطع الصمت صوت أنس وهو يسأل رحيم الآتي:


"طب أنت كنت بتدعي بإيه؟"


"مش المفروض أني مقولش لحد؟" سأل رحيم بنبرة طفولة ليُجيبه أنس بالنبرة ذاتها:


"اه.. بس أنا عندي فضول بصراحة، قول بقى بلاش رخامة."


"كنت بدعي أن أفنان تبقى من نصيبي، حاجة عمري ما تخيلت أني هدعي بيها أصلًا.."


"وأنا دعيت أن ربنا يتم شفاء أروى على خير وتبقى كويسة ودعيت أن ربنا ينتقم من فريد، وحاجة كمان مش مهمة.."


"أيه هي؟"


"لا مش هقولك مش هينفع."


"انجز يلا أنا قولتلك لما سألتني."


"دعيت أقابل واحدة كويسة وتحبني وتتقابلني بعيوبي هي وأهلها." تحدث أنس بهدوء وجدية وهو يتحاشى النظر نحو رحيم ليضع الآخر يده على كتفه وهو يُحمسه قائلًا:


"إن شاء الله هتلاقيها متقلقش، بس لو تحترم نفسك وتبطل صياعة شوية ربنا هيكرمك."


"إن شاء الله، يلا ننام بقى عشان قدامنا يوم طويل بكرة إن شاء الله."


في منزل أفنان، استيقظت في يوم الأحد صباحًا لتجد غرفتها فارغة لا وجود لريماس وميرال لذا اتجهت نحو الخارج لتجد والديها يجلسون لتناول الفطور لتُحييهم وتبتسم ثم تسأل والدها وهي تجلس:


"أومال ميرال وريماس فين؟"


"ريماس راحت الجامعة وهترجع من الجامعة على بيت عمتك وميرال راحت الشغل بدري ساعة عشان تعرف تستأذن عشان ناخدك تروحي تشوفي شقة أختك."


"امم.. تمام حلو، هو نوح هيكون معانا؟"


"اه أكيد ما هو المفتاح معاه هو."


"طيب."


في مساء ذلك اليوم وبعد أن انتهت أفنان من أخذ جولة في منزل شقيقتها مستقبلًا ذهبت لتجلس في شرفة المنزل الواسعة والتي كانت تحوي ثلاثة كراسي وطاولة صغيرة، جلست ميرال في الكرسي المقابل لها وهي تسألها بحماس:


"مقولتليش يا أفنان أيه رأيك في الشقة؟"


"حلوة جميلة ما شاء الله."


"مش باين يعني من صوتك أومال لو كانت وحشة كنتي هتتكلمي ازاي؟"


"مش هعلق على حاجة عشان أنتي شغاله في هيئة الدفاع من ورايا باين."


تمتمت أفنان بسخرية لتعقد ميرال حاجبيها وتضم يديها أمام صدرها بضيق وهي تقول:


"لا لا قولي اللي عندك."


"يعني بغض النظر أنكوا استعبطوني ومخدتونيش أول مرا روحتوا تشوفوا الشقة فيها بحجة إن ريماس قاعدة معانا ومش هينفع تروح ومش هينفع برضوا نسيبها لوحدها وبلعتها وقولت يا بت عديها مع أني كنت عايزة أرنك علقة يعني، أروح النهاردة ألاقي سي نوح عامل شغل في الشقة وألوان أنتي أصلًا مش بتحبيها ولا ذوقك؟"


"عادي يعني يا أفنان ذوقي أو ذوقه أحنا الأتنين واحد." كالعادة لم تستوعب ميرال مقصد أفنان وقامت بالدفاع عن نوح بسذاجتها المعتادة، تنهدت أفنان بضيق وساد الصمت لبرهة.


"يا ميرال الألوان اللي هو مختارها كلها ملهاش علاقة بذوقك، ده مفيش لون يوحد ربنا من الألوان اللي أنتي بتحبيها!"


حاولت أفنان أن تصوغ الكلام إلى شقيقتها بأفضل طريقة ممكنه حرصًا على شعورها الذي لم يُلقي نوح له بالًا من الأساس لكن كالعادة لم يروق لها حديث أفنان لذا عقبت على حديثها قائلة:


"أنا شايفة أنها عجباني يا أفنان بصراحة ومش فاهمة وجه الإعتراض، عمتًا أحنا اتفقنا أن الأوضة بتاعتنا هنغير لون الحيطان للون اللي أنا اختاره."


"لا كتر خير أمه الصراحة." همست أفنان بصوتٍ منخفض لكن ميرال استطاعت سماع ما قالته لتُعلق:


"يا بنتي نوح مرتبة مش كبير وأنتي عارفة أن عمو متوفي فنوح طبعًا بيساهم في مصروف البيت بشكل كبير فهو طول الوقت اللي فات كان بيحاول يجهز الشقة واحدة واحدة فعشان كده مكنش في فرصة أني اختار معظم الحاجة وبصراحة الحاجة عجباني وأنا راضية بيها."


"طيب يا حبيبتي ربنا يسعدك ويهديه."


"ها يا أفنان أيه رأيك؟ مسمعناش صوتك من ساعة ما وصلنا يعني."


ظهر نوح من اللامكان لتُبسمل أفنان بصوتٍ خافت قبل أن تبتسم ابتسامة مُزيفة وهي تُجيبه:


"حلوة ما شاء الله بس الألوان غامقة شوية يمكن."


"يا سلام طب ما أنتي بتحبي الغوامق."


"اه في ألوان غامقة بحبها فعلًا بس اللبس حاجة ولون دهان الحيطة حاجة تانية، وبعدين مش مهم أنا بحب أيه المهم أنت وميرال تحبوا أيه."


"أيه يولاد مش هتمشوا ولا أيه؟"


"هنمشي يا بابا بس نوح هيوصلنا وهيتمشى شوية هو وميرال مش كده يا نوح؟" أعلنت أفنان لينظر نحوها نوح بإندهاش نظرًا لأنه لم يتفوه بحرفًا يخص قضاء الوقت مع ميرال وحدهم، رمقته أفنان بإبتسامة خبيثة ونظرات حارقة لذا شعر الأخير بالخوف وحمحم ثم أردف:


"اه ده بعد إذن حضرتك يا عمو، أنا كنت مزعل ميرال شوية وعايز أصالحها."


"ماشي يا حبيبي بس الساعة تسعة ونصف تكونوا تحت البيت."


"حاضر متقلقش."


بعد عودة أفنان ووالديها إلى منزل جلست لإنهاء أحد التقارير المطلوبة للجامعة لكن قاطعها صوت طرقات خفيفة على باب الحجرة لتسمح للطارق بالدخول والذي كان والدها.


"محتاج حاجة يا حج؟"


"لا، كنت بطمن عليكي بس.. فاضية ندردش شوية؟"


"ولو مش فاضية أفضي نفسي لحضرتك مخصوص."


"لا أنا مش هعطلك متقلقيش، صحيح أنتي مش ناوية تروحي تستلمي الشهادة بتاعتك؟"


"صحيح فكرتني أنا كنت ناسية الحوار ده خالص."


"خلي نوح يوصلك بقى."


"لا لا ملهاش لازمة، أصلًا نوح هيبقى في الجامعة أكيد أنا هخلص بدري في الكلية الخميس إن شاء الله وأعدي أجيب الشهادة وأروح."


"تمام بس خليكي معايا عالتليفون عشان ابقى مطمن عليكي."


"حاضر يا حبيبي."


"أنتي واخده جنب من نوح ليه؟ حاسس أنك متغيره معاه بغض النظر أن أنتوا طول الوقت بتتخانقوا يعني."


"عشان مينفعش أبقى ظاهرة في الصورة خالص يا بابا، أنا عايزة ابعد عن نوح بكل الطرق، أنا واثقة أن نوح كان جواه مشاعر ناحيتي في يوم من الأيام، معرفش المشاعر دي انتهت ولا لا بس أيًا كان أنا مش هسمح لنفسي أني أكون سبب في تعاسة أختي."


"ربنا يكملك بعقلك يا أفنان، أنا حقيقي فخور بيكي وبالتطور اللي حصل في شخصيتك الفترة الأخيرة خاصة وقفتك جنب ريماس."


"ريماس دي غلبانة وعبيطة والله مفهاش غير لسان، عمتو نافخاها عالفاضي وهي من جواها هشة ومُحطمة أصلًا."


"أيوا ده حقيقي، ربنا يهدي الحال ويسامح سميرة عاللي عملته في بنتها."


"يارب، طب هو دلوقتي يا بابا أنتوا المفروض هتعملوا أيه؟"


"المفروض أنها هتفسخ الخطوبة ده آخر كلام اتفقت مع جوز عمتك عليه بس يارب يصدق في كلامه."


"يارب."


في يوم الخميس انهت أفنان يومها الدراسي باكرًا واتجهت إلى الشركة مباشرة، كانت ثياب أفنان منمقة وقد تأكدت من أن مظهرها مُرتب وأن وشاح رأسها في مكانه السليم، وصلت أفنان إلى الشركة بعد مدة ليست بقصيرة، كانت تشعر بقلبها يكاد يقفز من موضعه ويدها باردة وترتجف هي على وشك مقابلة رحيم بعد تلك المدة وبعد ما حدث، أقتربت أفنان نحو موظف الإستقبال والذي ابتسم لها بلطف وعلى الأغلب قد تذكرها.


"مساء الخير، لو سمحت كنت عايزة استلم الشهادة بتاعت التدريب، أنا خلصته من شهر ونص تقريبًا."


"للأسف دكتور رحيم ودكتور أنس مسافرين وهما اللي معاهم كل الورق والشهادات الخاصة بالتدريبات."


"طيب معندكش فكرة هيرجعوا أمتى؟"


"لا معنديش أي فكرة للأسف."


"تمام شكرًا لحضرتك."


ألقت أفنان نظرة أخيرة على المكان قبل أن تتنهد ثم تغادر، وبمجرد أن غادرت الشركة جاءها اتصال من رقم هاتف مجهول بالنسبة إليها، أجابت على الفور وكان الحديث كالآتي:


"مرحبًا هل هذا رقم أفنانHello, is this Afnan's numberr'؟"


"وكمان بتكلميني في التليفون!!!"


"معذرة؟ Sorry"


"نعم هذه أنا أفنان، وأنتِ ناتالي أليس كذلك؟ yes it's me Afnan, and you are Natalie aren't you."


كانت لغة الفتاة المتحدثة لا تقارن بالإنجليزية خاصة أفنان لكن ذلك لم يهم أفنان كثيرًا فالوقت الحالي فهي ليست في إختبار لمدى قوة الإنجليزية خاصتها.


"إذًا أنتِ تعرفين بشأن ناتالي ' So you know about Nataliee'."


"نعم أعرف، مهلًا هذا يعني أنكِ لستِ هي ' Yes i know about her, wait so you are not her'؟" سألت أفنان ببلاهة لتقهقه الآخرى وتُجيبها:


"هذا صحيح، أنا ميا That's true, i am Mia not Nat."


"هو يوم أبيض من أوله، وعايزة أيه يعني؟"


"عايزة نتقابل." فتحت أفنان ثغرها بصدمة غير متوقعة أن  تُجيبها الآخرى بالعربية لكنها فعلت بغض النظر عن لغتها العربية الركيكة التي سحقها قطار لكن تلك الأفعى مازالت قادرة على فهم العربية والتحدث بها.


"نعم ياختي نتقابل ليه؟ وفين أصلًا؟!"


"أود أن أخبركِ بشيء هام يخص رحيم، أرسلي لي موقعك الجغرافي وسأقلكِ بسيارتي  I wanna tell you  something  Important related to Rahem, send me your location & i will pick you with my car."


"حسنًا Okay." 


انتظرت أفنان بضع دقائق قبل أن تأتي الآخرى بسيارتها لترحب بأفنان بحرارة لتُقابل أفنان حماسها بفتور، تُطالعها أفنان بعدم راحة وهي تسألها:


"عايزة أيه بقى؟!"


"اصعدي للسيارة 'Get in the car' أفنان مش هنتكلم في الشارع."


"عايزة أيه خلصي، وبعدين تعرفيني منين أنتي عشان تقعدي معايا ولا عشان أركب معاكي عربية؟!"


تمتمت أفنان بإعتراض شديد وهي تدلف إلى داخل سيارتها الفخمة لتضحك الآخرى على أسلوب أفنان المُبهر بالنسبة إليها وهي تُفكر أن رحيم كان مُحقًا في اندهاشه بشأنها، نظرت نحوها ميا لثوانٍ قبل أن تُجيبها بالآتي:


"أخبرني رحيم عنكِ كثيرًا 'Rahem told me about you a lott'."


"والله؟ وقالك أيه بقى إن شاء الله؟"


سألت أفنان لترمقها الآخرى بحيرة، فأفنان تتحدث بسرعة شديدة وعربية ميا ليست جيدة كفاية لتفهمها لكنها استطاعت أن تستشف ما قالته أفنان من سياق الحديث لذا منحتها ابتسامة صغيرة وهي تُردف:


"لقد أخبرني الكثير من الأشياء الجيدة، على سبيل المثال كيف أن لكِ تأثيرًا سحريًا عليه  He told me a lot of  good things don't worry, like how you have a magical effect over him!"


"هل قال ذلك حقًا Did he really say that؟" سألت أفنان بلهفة وبأعين لامعة لتُطمئنها ميا مؤكدة على ما قالته قبل دقيقتين مُردفة:


"لقد فعل ولقد طلب مني ايضًا إخباركِ بأنه سيعود من بريطانيا في أقرب فرصة ممكنة  Yes he did, he also  asked me to tell you that he will be back as soon as possible." 


"يرجع بألف سلامة، بس ده يخصني بإيه؟"


"مش عارفة، 'He just asked me to tell you this, he said you will  understand لقد طلب مني رحيم قول أن أخبركِ بذلك، لقد قال أنكِ ستفهمين ما يقصده'."


"هو رحيم قال كده بس؟ مفيش حاجة تانية؟"


"لا يمكنني إخباركِ I can't tell you، بس هو هيجي يقولك كل حاجة، استنيه أفنان!"


كانت نبرة ميا جادة خاصة في جملتها الأخيرة ، لذا نظرت نحوها أفنان بإهتمام وفضول حارق وهي تسألها: 


"كل حاجة؟ يعني أيه كل حاجة؟ أيه كل حاجة أصلًا؟ لا أنا كده فضولي هيموتني حرام عليكي!!"


"إنه سر لكن يمكنني إعطائكِ تلميحًا بسيط 'It's a secret but i can give you a small hintt'."


"ايوا ايوا قولي!!!"


كانت تتحدث أفنان بحماس شديد وهي تُطالع الآخرى والتي قامت بإيقاف السيارة على أحدى جوانب الشارع، وقبل أن تتفوه ميا بحرفًا واحد قاطعهم صوت رنين هاتف أفنان وقد كان المتصل والدتها والتي أخذت توبخها بصوتٍ مسموع نسبيًا لتضحك ميا بصوتٍ خافت، تتنهد أفنان بضيق وهي تُجيب على والدتها قائلة:


"في ايه يا ماما هو مش العريس هيجي بكرة؟ أومال بتستعجلوني ليه؟! خلاص هرجع دلوقتي أهو كفاية صويت ودني أتخرمت!!"


"أنا أسفة بس أنا لازم أمشي دلوقتي، عمتًا هسجل رقمك يعني وشكرًا أنك وصلتيلي كلام رحيم."


"أنا مبسوطة أننا أتكلمنا كمان، You're welcome Afnan 'على الرحب والسعة أفنان'."


غادرت أفنان السيارة ولوحت لميا قبل أن تذهب للبحث عن سيارة أجرى كي تعود إلى المنزل، بمجرد أن اطمئنت ميا أن أفنان قد وجدت المواصلة المناسبة قامت بمهاتفة رحيم وهي تُخبره بهلع:


"رحيم!!! I don't know how to say this but i think Afnan is getting freaking married 'لا أدري كيف أصوغ ذلك لكن أعتقد أن أفنان على وشك الزواج واللعنة'!!!" 


بالإنتقال إلى بريطانيا، بعد أن انتهى رحيم من مكالمته مع ميا ذهب للإستحمام وترك هاتفه على الأريكة، صدع صوت هاتفه في المكان ليذهب أنس لإلقاء نظرة سريعة على من المتصل وحينما وجده والد رحيم أجاب على الهاتف بدون تردد وقبل أن يُخبره بهويته وأنه أنس وليس رحيم سبقه حامد وهو يُحذره بجدية شديدة:


"رحيم! خليك عندك وأوعى ترجع، فريد عرف أنكوا سافرتوا أروى تتعالج برا أنا مش عارف هو عرف الموضوع ده منين، المهم أن أنس مينفعش يرجع أنت مش متخيل المجنون ده عمل أيه!!"


"عمل أيه يا Uncle حامد؟"


"أنس!!!" نطق حروف اسمه بصدمة ليسأله الآخر مجددًا:


"فريد عمل أيه لما عرف؟"


"أنس ممكن أكلم رحيم من فضلك؟"


"لو سمحت يا Uncle 'عمو' عرفني فريد عمل أيه؟"


سأل أنس بنبرة حادة نسبيًا وقبل أن يُجيب حامد أنار هاتف أنس مُعلنًا عن اتصال أحدهم، طلب أنس من حامد الإنتظار ليُجيب على الهاتف...


بعد بضع دقائق انتهى رحيم من الإستحمام وتوجه نحو الخارج بينما يقوم بتجفيف خصلات شعره المبتلة، كان أنس يقف بالقرب من زجاج باب المنزل الشفاف فلم يرى رحيم تعبيرات وجهه بوضوح، أقترب رحيم منه بضع خطوات وهو يُردف:


"أنس أنا عايز أقولك على حاجة.. أنا محتاج أرجع مصر ضروري وهجيلك تاني مش هتأخر عليك يعني.. متقلقش وكمان هسيب Bodyguards 'حراس' عشانك أنت وأروى."


أعلن رحيم بصوتٍ خافت نسبيًا فهو يشعر بالحرج كونه يُخبر أنس بذلك فهو لا يريد تركه وحيدًا هنا وفي الوقت ذاته عليه أن يعود من أجل إنهاء قصة أفنان تلك، لم يُعلق أنس بحرفًا واحد ولم يستدير وحتى تعابير وجهه كانت جامدة كما هي، أقترب رحيم منه أكثر ليضع يده على كتفه وهو يسأله بقلق:


"أنس أنت كويس؟"


"أنا هرجع مصر وفريد ده أنا مش هرحمه!"


__________________________________


(تذكره: اللهم اجعل وفاتي في صلاتي بين سجدة وتسبيح وركوع واجعل آخر كلامي في حياتي قول الشهادة في خشوع.)



الفصل الثالث والثلاثون: سَعَادَة غَيْر مَسْبُوقَة 🤎🦋✨


"أنس أنت كويس؟"


"أنا هرجع مصر وفريد ده أنا مش هرحمه!"


كان الشرار يتطاير من أعين أنس وهو يتفوه بكلماته تلك، نبرته كانت حادة مليئة بالحقد والكراهية.. ازدرد رحيم ما فيه فمه ببطء وهو يُراقب تعابير وجه أنس المُرعبة ولأول مرة يشعر رحيم بأنه لا يعرف أنس..


"ممكن تفهمني حصل أيه؟"


"مفيش وقت للكلام، ومحدش هيقدر يوقفني المرة دي! مش هعمل خاطر لأي حد يا رحيم، فريد ده زودها أوي وجه وقت الحساب وهو حسابه تقيل معايا."


"استنى هنا مش هسيبك تروح في حتة لوحدك من غير ما تفهمني!" صاح رحيم وهو يحاول جذب ذراع أنس لمنعه من الخروج لكنه تفاجئ بأنس يدفعه بعيدًا حتى كاد رحيم أن يسقط أرضًا لولا أن أستوعب أنس ما قد فعله ومد يده على الفور ليلحق برحيم.


"رحيم أنا أسف! أنت كويس؟"


"أنا كويس، بس أنت مش كويس، في أيه؟!"


"فريد أتهجم على بيتي! كسر البيت وكان هيحرقه عشان كان فاكر أني فيه! عمرك شوفت أب.. لا.. عمرك شوفت بني آدم طبيعي بيعمل كده؟!"


بنبرة أقرب للصراخ بصق أنس كلماته بينما صدره يعلو ويهبط بقوة قبل أن يقترب من زجاج المرآة الكبيرة ويلكمه بيده فيتناثر الزجاج في كل مكان بينما تتساقط قطرات الدماء الدافئة من يد أنس ومعها دموعه، أقترب منه رحيم ليعانقه، حاول أنس أن يفلت منه لكن رحيم شدد على العناق.


"أنا هحبسه! وحياة أغلى حاجة عندي لأحبسه!"


"هنحبسه وهيتعاقب وهنعمل كل اللي أنت عايزة بس الأمور مبتتحلش بالشكل ده! على الأقل يا أخي عشان أروى!" حاول رحيم تهدأته وقد نجح قليلًا حيث أرتخت معالم وجه أنس نسبيًا وهو يُعقب على حديث رحيم قائلًا:


"ما هو عشان أروى يا رحيم ولا أنت نسيت اللي حصل؟!!"


"منستش يا أنس.. بس أنت لو سافرت دلوقتي مين هيفضل مع أروى؟ ماهو أكيد أنا مش هسيبك تسافر لوحدك يعني!"


"هناخدها معانا."


"مش بمزاجنا لما الدكتور يسمحلنا بالسفر وكمان.." أردف رحيم لكن أنس قاطعة على الفور وهو يقول:


"أنا هروحله بكرة وهسأله لو ينفع ناخد أروى معانا."


"طيب ممكن أقول حاجة وتسمعها من غير ما تتعصب؟" سأل رحيم بهدوء لينظر نحوه أنس بنصف تركيز، يأخذ رحيم نفس عميق قبل أن يتمتم متسائلًا:


"أفرض رجعنا مصر وخدنا أروى معانا هتبقى متطمن عليها هناك وفريد ممكن يوصلها في أي وقت؟"


"ده على اعتبار أن فريد هيبقى حر طليق طبعًا مش في السجن أو جثة هامدة." تفوه أنس ساخرًا لينظر نحوه رحيم بإمتعاض ثم يُعقب على حديثه بحدة:


"أنس فوق! أنت مش هتضيع نفسك عشان واحد زي ده! قولتلك هنعمل فيه اللي أنت عايزه بس بالقانون من غير ما تودي نفسك في داهية!"


"أنا خارج." جاء رد أنس باردًا مقتضبًا للغاية ليتنهد رحيم وهو يسأله:


"رايح فين؟"


"أبعد عني يا رحيم أنا محتاج أبقى لوحدي."


دفع أنس رحيم مجددًا ليبعتد رحيم عنه سامحًا له بالمغادرة، سار أنس بخطواتٍ سريعة بينما تبعه رحيم بخطوات بطيئة وهو يراقبه في صمت، فهو يدري كم أن صاحبه عنيد وهو لن يقدر على منعه من المغادرة لكنه من داخله يدعو الله ألا يرتكب الآخر فعلًا أحمق.


"ألو، عايزك تروح بيت دكتور أنس وتفرغلي الكاميرات بتاعت الڤيلا بكل هدوء كده ولو عرفت تجيب نسخة من تسجيلات كاميرات المراقبة اللي حوالين البيت كمان، عايز كل حاجة ممكن تثبت حادثة الإعتداء على بيته وياريت تعرفني كل تحركات فريد ومراتة."


أنهى رحيم المكالمة قبل أن ينهض من على الأريكة ويُبدل ثيابه قبل أن يتجه نحو الخارج، أما عن أنس فقد ذهب ليفعل ما أعتاد على فعله في الشهور الماضية، تناول المشروبات الكحولية.. توجه أنس إلى أحدى الحانات الشهيرة وبدأ في احتساء كل ما وقعت يده عليه ونظرًا لأن أنس قد أكثر من الشرب في الآونة الأخيرة فلم يصل إلى مرحلة الثمالة سريعًا.


بعد حوالي ثلاثون دقيقة قابل أنس أحدى أصدقائه القدامى في تلك الحانة والذي قام بدعوته إلى منزله للحصول على المزيد من 'المرح' هناك، لم تكن حالة أنس تسمح له بالرفض أو الموافقة بل أخذه صديقه هذا دون أن ينبس الآخر بحرفٍ واحد.


كان منزل صديقه الكبير قد امتلأ بعددٍ لا بأس به من البشر، فتيان وشبابًا من سن السادسة عشرة وحتى الثلاثون وفتيات من سن الخامسة عشرة وحتى الخمسة والعشرون، العديد من المشروبات الكحولية والسجائر المحشوة وبعض الحبوب مجهولة الهوية، كان المكان أشبه بمجمع لكل ما هو مُحرم وضار بل وما يعاقب عليه القانون كذلك.


جلس أنس على أحدى الآرائك في الحديقة الخلفية وفي يده زجاجة خمر، يراقب ما يحدث من حوله بأعين زائغة وعقلًا شارد، عيناه لا ترى سوى خيالات لوالديه وشقيقته، وأذنه لا تسمع سوى صراخ أروى في ذلك اليوم؛ يوم الحادث...


أصبح عقله كمسجل الموسيقى المُعطل لا يفعل شيء سوى إعادة الأحداث مرارًا وتكرارًا دون توقف! شعر أنس بآلم لا يُحتمل في رأسه، ضغط على رأسه بكلتا يديه بكل ما أوتي من قوة بينما أنهمرت الدموع من عيناه لا إراديًا.


استقام من مقعده وبقي يتحرك بتخبط بينما ازدادت حالته سوءًا وقل إدراكه بما حوله حتى أخترق أذنه صوتٍ عالٍ صدح في المكان، صوتٍ لم يُبشر بالخير، أنوار زرقاء اختلط بالحمرة أنعكست على المنزل... إنها الشرطة!!! وقف أنس بصعوبة وهو يرى الجميع يهرولون والأجساد تتخبط ببعضها البعض وهو لا يقوى على الحراك أو الكلام، حينما عاد عقله للإستيعاب كان حينما شعر بجسده يُجذب بقوة بواسطة رحيم!


"أتحرك يا أنس مفيش وقت!"


سحبه رحيم نحو الخارج رغمًا عنه قبل أن يُلقيه كالدمية داخل السيارة، دلف رحيم إلى السيارة من الجهه الآخرى ليقود السيارة على السرعة المسموح بها وإن كانت تحركاته عنيفة بعض الشيء، كان رحيم غاضبًا، بل كلمة غضب لا يمكنها وصف ما شعر به رحيم في تلك اللحظة أو كم الشرار الذي تطاير من عيناه وهو يقود لكن لم يكن متجهًا نحو المنزل، بل إلى الشاطئ.


كان الصمت سائدًا في المكان، لا شيء سوى صوت الرياح الباردة التي أخذت تضرب السيارة لتحركها، توقف رحيم أمام المكان المنشود قبل أن يغادر السيارة ويتجه نحو الجهة الآخرى ويقوم بفتح الباب بقوة قبل أن يجذب أنس بعنف من خصلات شعره الطويلة نحو الخارج، تآوه أنس بشدة بينما لم يُبالي رحيم وأكمل سحبه حتى وصلوا إلى الرمال وبالقرب من المياه وحينها ألقى رحيم أنس على الرمال بلا مُبالة.


حاول أنس أن يستجمع قواه ويستقيم وقد نجح في ذلك بالرغم من كونه يسير مترنحًا، أقترب من رحيم بأعين باكية وهو يُردف:


"رحيم أنا..." وقبل أن يُكمل أنس جملته قابلته قبضة رحيم ليسقط الآخر أرضًا بقوة بينما تعابير الصدمة بادية على وجهه، وضع يده يتحسس موضع اللكمة كرد فعل تلقائي بينما عاد رحيم إلى موضعه الثابت عدا أن خصلات شعره تبعثرت أثر حركته تلك.


"أنت بتضربني يا.. رحيم؟ حتى أنت.."


"حتى أنا أيه؟ حتى أنا أيه رد عليا؟! أنت مُدرك أنت كنت فين وبتعمل أيه؟ طب مدرك كان أيه اللي بيحصل حواليك واللي كان ممكن يحصلك؟!!"


صاح رحيم بعدة تساؤلات غاضبة وهو يجذب أنس بقوة من ثيابه لينظر نحوه أنس بأعين مُحمرة وهو يهمس بتيه:


"أنا مش.. مش عارف حاجة!"


"أنا قولت كده برضوا." تمتم رحيم بهدوء وساد الصمت لثوانٍ بينما يحك ذقنه بيده ويعيد خصلاته المبعثرة نحو الخلف بعصبيه قبل أن يصيح بنبرة حازمة:


"قوم.. قوم معايا!" جذبه رحيم من أذنيه كما تجذب الأم طفلها المُذنب، أقترب رحيم من المياه الباردة قبل أن يدفع أنس نحوها فيسقط وتبتل ثيابها ووجهه، يشهق أنس من برودة المياه.


"فوقت؟ خلاص بقيت مدرك أنت فين؟"


"رحيم أنا أسف.."


"أسف؟ رجعت تشرب تاني بعد ما وعدتني أنا وأروى أنك تبطل القرف ده وتقولي أسف؟ رايح بيت في مخدرات وقاصرات وكان فرق ثواني ويتقبض عليك وتروح في داهية وتقولي أسف؟ يا أخي حرام عليك بقى!"


وبخه رحيم بقسوة لم يعتادها أنس منه وحتى رحيم نفسه قد تعجب من ردة فعله العنيفة تلك لكن في مثل هذه المواقف التعامل بلين ولطف ليس هو الحل المناسب بل أحيانًا يجب أن نقسو على من نُحب من أجل مصلحتهم كما يفعل رحيم في الوقت الحالي...


"أنت هتحاسبني ولا أيه؟ أنا حر على فكرة!! هو عشان قولتلك أسف هتبقى فاكر بقى إن ليك سلطة عليا؟! فوق أنا مش شغال عندك! كفاية نرجسية بقى وتسلط يا دكتور!"


هنا تلقى أنس صفعة على وجهه ساعدته على استرداد المزيد من وعيه، كان ثغره يكاد يصل إلى الأرض من شدة الصدمة، لم يتوقع أن يفعل رحيم ذلك مجددًا، رحيم الذي لم يرتفع صوته قط يُعنف أحدهم وليس أي شخص بل أنس!


"آخر كلمتين عندي يا أنس ومفيش بعدهم، أنت لو الزفت اللي بتشربه ده دخل بوقك تاني أنت لا صاحبي ولا أعرفك أنت سامع!!"


"أنت مش حاسس بيا ومش فاهم أنا بمر بإيه! أنت زيك زيهم باصص عليا من برا ومش هتقول عني غير واحد صايع وإنسان زبالة! عمرك ما هتحس بالوجع اللي في قلبي ولا هتشوف الطفل اللي اتدفن جوايا قبل آوانة!"


بصق أنس كلماته بنبرة يفوح منها الحزن والخذلان، كانت دموعه تنهمر بقوة كما لم تفعل من قبل، كان جسده يرتجف نتيجة لبكاءه ولكون الجو باردٍ للغاية، نظر نحوه رحيم بنظرات هادئة قبل أن ينبس بالآتي:


"أنت مش الوحيد اللي عنده مشاكل يا أنس."


"لا! متتكلمش عن حاجة أنت ممرتش بيها! أنت أبوك عمره ما ضربك يا رحيم! أبوك عمره ما كان مُدمن وبيعنفك أنت وأمك وأختك! أبوك محاولش يقتلك يا رحيم!"


صاح أنس بإستياء حتى كادت أحباله الصوتيه أن تتقطع، انتهى من جملته ليأخذ نفس عميق قبل أن يُكمل بنبرة مُنكسرة:


"أنت عمرك ما عشت سنين في الرعب والخوف والقلق من كل حاجة وأي حاجة.. متجيش تلومني دلوقتي عاللي أنا بقيت فيه.. روح لومه هو عاللي عمله فيا!!!"


"لو كل واحد راح يشرب ويحاول ينهي حياته بالطريقة دي عشان أتعرض ل trauma 'صدمة' عمر ما هيبقى في بشر طبيعين عالكوكب يا أنس، اللي أنت فيه ده مش هو الصح واللي بتعمله ده مش هو الحل!!"


"أنا مش إنسان طبيعي ومبسوط كده بنفسي! سيبني بقى وروح شوف حياتك ملكش دعوة بيا!"


"أنس أنت أخويا وصاحبي الوحيد، وأنا مش هقدر أشوفك في الوضع وأفضل ساكت!" أردف رحيم بنبرة صادقة وهو ينظر نحو رفيقة بتأثر شديد، لم تؤثر جملة رحيم في أنس سوى أنها جعلته أكثر حساسية.


"أنا تعبت.. أنا بكرهه! أنا عايزه يموت يا رحيم ' Maybe this will help relief the pain in here 'ربما سيساعد ذلك على تخفيف الآلم هنا'..."


تفوه أنس بصعوبة بالغة بينما جثى على ركبتيه وهو يضرب صدره بقوة حيث يقع قلبه، نظر نحوه رحيم بآلم وأعين دامعة وهو لا يدري ماذا يفعل لكي ينقذ صديقه الوحيد من الضياع والهلاك الذي يشعر به! هل حقًا سجن أو موت والد أنس سيخلصه من ذلك العذاب؟! لا يدري لكنه سيحاول فعل أي شيء يجعل وضع صديقه أفضل.


"أنس أحنا هنرجع مصر بكرة ومعانا أروى وقبل ما شروق اليوم اللي بعده ما يجي، فريد هيكون في السجن."


أعلن رحيم بهدوء وحزم قبل أن يجثو على قدميه ويقترب من أنس ليضمه إلى صدره بقوة فيجهش الأخير بالبكاء داخل أحضان صديقه فهذا هو المكان الوحيد الذي يشعر فيه بالأمان، حينما يكون إلى جانب رحيم.


في مساء يوم الجمعة كان رحيم قد وصل إلى مصر وبرفقته أنس، أروى وطاقم طبي على أعلى مستوى لمتابعة حالة أروى التي بدأت تتحسن بالفعل لكن لحسن الحظ أنها لم تكن مدركة لما يحدث وأنها لم ترى بوضوح أعين أنس المنتخفة أو وجهه الشاحب.


"أنا هسيب Body guards 'حراس' في المستشفى مع أروى ومعاك أنت كمان، وعلى فكرة أنا كلمتلك المحامي بتاعنا عشان نشوف هنعمل أيه في موضوع القضية ده."


أعلن رحيم وهو ينظر إلى هاتفه حيث كان يراسل المُحامي ليسأله عن الخطوات التي يجب عليهم إتباعها بشأن قضية والد أنس، نظر نحوه أنس بإرهاق وشرود وهو يهمس:


"أروى هتفرح أوي لما تعرف أنه اتسجن."


"أكيد."


"رحيم هو أنت كنت عايز ترجع مصر ليه؟" سأله أنس لينتبه له رحيم ويُغلق الهاتف ويضعه في أحدى جيوبه قبل أن يُجيبه كاذبًا:


"حاجة مش مهمة.. خلينا في موضوع uncle فريد الأول."


"لا أكيد حاجة مهمة اللي كانت هتخليك عايز ترجع أو عايزنا نرجع." راوغة رحيم لبضع دقائق لكن مع إصرار أنس لم يكن أمام رحيم حلًا سوى إخباره بالحقيقة.


"أفنان هتتجوز، أنا مش فاهم تفاصيل.. هي ميا بس قالتلي كده.."


"تتجوز ازاي يعني؟! هي مالها جرحها بيلم بسرعة كده ليه؟!"


"مش عارف اعمل أيه.. وهي أصلًا عملالي بلوك في كل حتة يعني حتى مش هعرف أكلمها."


"أنا هقولك هنعمل أيه.. تعالى معايا عالعربية." أردف أنس ليوافقه رحيم على الفور.


"حاضر."


"رحيم بقولك أيه هو أنت عرفت مكاني منين؟"


"ال Location 'الموقع' بتاعك بيظهر عندي عالموبايل."


"تمام، بتراقبني يعني."


"حاجة زي كده، أبعد أنا هسوق."


داخل غرفة أفنان، وقفت هي تنظر نحو إنعكاسها في المرآة وهي تتنهد بضيق، كانت قد بدأت في ارتداء ثيابها وتبقى الوشاح فقط، اقتحمت ميرال الحجرة بحماس وهي تُردف:


"أفنان ماما بتقولك اجهزي عشان الناس على وصول."


"خلاص جهزت فاضلي الطرحة بس."


"ماشي وابتسمي كده للحياة يا أفنان ده أنتي عروسة."


"عروسة في عينك! أنا مش عروسة ولا زفت.. أنا مش هبقى عروسة غير لحد واحد بس ولو مجاش الحد ده فأنا هفضل قاعدة على قلبكوا مدى الحياة."


تفوهت أفنان بحنق وهي تنظر نحو ميرال قبل أن تُنهي كلماته بتلك الجملة بنبرة هادئة وواثقة، نظرت نحوها ميرال بدهشة شديدة فأفنان لم تتحدث عنها هي ورحيم بتلك الطريقة من قبل بل كانت تتهرب من ذكر اسمه من الإساس طوال الأيام الماضية ومنذ ما حدث في خطبة ميرال.


"هتبقي عروسة لحد واحد؟ يعني بتتكلمي عن الجواز منه أهو أومال ليه لما كنت بقول الجملة دي زمان كنتي بتمسكي في خناقي؟ هو جد جديد ولا أيه؟"


"لا، محصلش حاجة جديدة."


أجابت أفنان بإختصار وهي تقوم بضبط وشاحها بالمرآة بينما تبتسم ابتسامة جانبية صغيرة حينما تذكرت الحديث الذي دار بينها وبين والدها حينما أخبرته بمقابلتها بميا ليُخبرها هو بدوره أنه يتوقع أن يأتي رحيم ليزورهم في المنزل عما قريب، لكن في الوقت الحالي قد عقد اتفاقًا مع والدها أن تُقابل ذلك الشاب الذي سيأتي للتقدم لخطبتها اليوم وأن تعامله هو وأهله بُلطف ففي النهاية هم ضيوفًا في بيتهم بالإضافة إلا أنهم أقرباء والدتها من بعيد.


"وريني القمر يا أفنان، بسم الله ما شاء الله عندي عروستين زي القمر."


"حبيبي يا بابا ربنا يخليك."


"يلا خليكوا هنا وأنا ورانيا ونوح هنبقى برا وشوية وهخلي رانيا تيجي تيجبكوا عشان تسلموا."


"نوح؟ يادي العكننة، ونوح يجي ليه بقى إن شاء الله؟!"


"جيه عشان ابن خالتك وفي مقام أخوكي وخطيب أختك، كل ده مش عاجبك يا ست أفنان؟!!" أجابتها والدتها بإستنكار والتي جاءت من اللامكان لينتفض ثلاثتهم ثم يُبسملوا جميعًا.


"لازم يحشر نفسه في كل حاجة أو أنتوا اللي بتحشروه مش عارفة، ماما جرس الباب."


"متحرجنيش يا أفنان أبوس أيديك." قالت والدتها لتنظر نحوها أفنان بإبتسامة ساخرة وهي تُعقب على حديثها هامسة:


"متقلقيش يا ماما أنا والسيطرة تحت الأمور."


أغلقت والدتهم الباب بعد خروجها وبعد دقيقة سمعت أفنان صوت باب المنزل وهو يُفتح ثم يُغلق قبل أن تسمع أفنان جمل ترحيبية متبادلة من الطرفين، كان حديثهم يدور بهدوء ونظرًا لإبتعاد حجرة أفنان وشقيقتها عن منطقة الجلوس فلم تستطع أفنان سماع نصف الحديث الذي كان يدور في الخارج، بعد بضع دقايق فوجئت أفنان بباب الحجرة وهو يُفتح حتى كادت أن تسقط هي أرضًا لإستنادها على الباب في محاولة لإستراق السمع.


"ميرال هتخرج تسلم وأنتي بعدها."


"حاضر يا ماما أما نشوف آخرتها."


"وأدي أفنان عروستنا وآخر العنقود." قالت والدتها وهي تقوم بتقديم أفنان للجالسين مع ابتسامة كبيرة.


"عنقود أيه أحنا اتنين بس أصلًا!" همست أفنان ساخرة بينما ترسم على ثغرها ابتسامة مُزيفة وهي تُرحب بالضيوف.


كان قد حضر الشاب برفقة والديه وشقيقته والذي كان اسمه حسام، هذا ما عرفته أفنان حينما قاموا بتعريفها به، حسام تخرج في كلية الهندسة منذ ثلاثة سنوات تقريبًا ويعمل في أحدى الشركات وله أخت واحدة وتصغره بخمسة أعوام، وبعيدًا عن كون بال أفنان منشغلًا برحيم ففي ظروفًا آخرى كانت أفنان سترفض هذا الشاب على أي حال فهو لديه أختًا وحيدة وتصغره! هذه لعنة مجسدة بلا شك ومن نظرات الفتاة الحادة استطاعت أفنان أن تستشف أنها شديدة الغيرة على شقيقها.


"أخبارك أيه يا عروسة ابني؟"


"الحمدلله يا طنط ربنا يخليكي."


"طيب عشان نكون على نور يا أستاذ أحمد، أنا حسام ابني عنده شقة ملك في العمارة بتاعتنا في الهرم، الشقة كبيرة  ٣ أوض وحمام ومطبخ.. أحنا مجهزين أوضتين منهم وجايبين كمان جزء من الأجهزء الكهربائية واللي تأمروا بيه مش هنختلف عليه."


بدأ والده في إعلامهم بإمكانيات ابنه بينما لم تنتبه أفنان للحديث كثيرًا حيث كانت تتأمل الشاب، كان متوسط القامة ويميل إلى القصر وليس فارع الطول كرحيم، كانت خصلات شعره المموج تميل إلى الأشقر وليست سوداء كخاصة رحيم، لم يُطلق العنان للحيته وكان واضحًا أنه قد أزالها اليوم أو بالأمس لكن رحيم كان يمتلك لحية كثيفة ناعمة، حمحمت أفنان تحاول إخراج نفسها من شرودها فهي لم تُدرك كم أنها تعقمت بتفكيرها بشأن رحيم بل ومقارنة ذلك الشاب به عن غير عمد..


"ما شاء الله ربنا يزيد ويبارك، بس خلينا بس نشوف الولاد بينهم قبول ولا لا والحاجات التانية دي هنتفق عليها كلها."


"إن شاء الله هنتفق ما أحنا مش هنلاقي أغلى من بنتكوا ولا أعز من أبننا يعني."


"وأنتي يا أفنان بقى ارتبطتي قبل كده؟" سألها حسام بغتة لتنظر نحوه ببغض التعجب من سؤاله بل ومن صيغته الصريحة لتُجيبه ساخرة:


"لا، أمتى يا ابني أنا لسه في الكلية وكليتي مش بتديني وقت أعمل حاجة زي كده."


"خلاص هانت بقى يا عروسة كلها سنة ولا اتنين وتخلصي الكلية دي خالص وتفضي لحسام بقى." علقت والدته بضحكة مصطنعة لتعقد أفنان حاجبيها على الفور وهي تُردف مستنكرة:


"لا مش فاهمة."


"ماما تقصد أن بعد التخرج مش هيكون في دماغك حاجة غير بيتنا وولادنا في المستقبل إن شاء الله."


"ما شاء الله ده أحنا بنط مراحل مرة واحدة، وبعدين لو حصل نصيب يعني هيكون وقتي مقسوم بين البيت والشغل أكيد مش هاجي على حاجة فيهم على حساب التانية."


"الشغل؟"


"اه الشغل ولا في اعتراض يا باشمهندس؟"


"بصراحة اه، أنا محبش أن مراتي تشتغل، أنا الحمدلله مرتبي كويس وحتى لو كان نقص في الماديات في بداية حياتنا فبابا هيساعد معانا."


تحدث الشاب بثقة شديدة وهو يعتدل في جلسته بينما طالعته أفنان بإزدراء ونظرات حارقة، تنتبه ميرال لها لذا تدعس على قدمها بخفة لتنبهها، ابتسمت أفنان ابتسامة متكلفة قبل أن تأخذ نفس عميق ثم تُعلق على حديثة بنبرة هادئة بينما كلماتها كانت أشبه بالطلقات النارية:


"لا أنت فاهم غلط خالص يا باشمهندس، أنا مش هشتغل عشان محتاجة فلوس أو عشان أساعد بيها في البيت، أنا هشتغل عشان أنا تعبت في الدراسة السنين دي كلها ودخلت مجال بحبه ومش هضحي بكل ده وأقعد في البيت ولو أنت فاكر إن الشغل عشان الفلوس بس فأنا قاعدة هنا في بيت أبويا معززة مكرمة واكلة شاربة نايمة ومع ذلك بنزل تدريب وهشتغل part time  'نصف دوام' الترم الجاي إن شاء الله."


"خلاص يا ستي تشتغلي لحد أما ربنا يكرمنا ونخلف أظن وقتها مش هيبقى في أعتراض بقى إنك تقعدي في البيت."


"باشمهندس حسام، رأيك أيه في موضوع الماچستير والدكتورة؟ يعني لو قررت أني أحضر ماچستير بس أو الإتنين يعني." سألته أفنان بمراوغة وقد توقعت بالفعل إجابته لكنها أرادت أن تُثبت لوالديها كم أنه شخصًا متعجرف وغير مناسب لها بتاتًا.


"بصراحة أنا شايف أنه تضيع وقت ومجهود وفلوس عالفاضي طالما أنتي مش جايلك تعيين أصلًا وبعدين بصراحة أنا شايف أن مجال الصيدلة ملهوش شغل أوي ولا ليه دور فعال يعني."


"ده أنت لُقطة!" همست أفنان ساخرة، وقبل أن تُعلق على  حديثه موبخة إياه سبقها نوح وهو يُعقب على حديث حسام بحدة:


"بس أفنان شاطرة جدًا في الكلية وتقديراتها عالية ومش بعيد إنها تتعين وأنا بصفتي أخوها الكبير وجوز أختها قريبًا إن شاء الله وكمان أنا معيد عندها في الكلية وشايف إن مفيش حاجة تستاهل أنها تضيع كل ده عشانه."


نظر الكُل بدهشة نحو نوح وكانت دهشة أفنات تفوقهم جميعًا فنوح الذي لم يفوت فرصة لإغاظة أفنان والشجار معها بل وجرح كرامتها يُدافع عنها الآن أمام الجميع؟!! ابتسمت أفنان بنصر قبل أن تُعطي نوح نظرة جانبيه ذات مغزى وكأنها تصفع كفه بكفها 'High five'.


"كلامك طبعًا يُحترم يا دكتور نوح وربنا يجعل اللي فيه الصالح، ما تقوم كده يا حسام تقف مع أفنان في البلكونة تتكلموا شوية."


قاطع حديثه صوت رنين هاتف أفنان لتتوتر الأخيرة وهي تستوعب لتوها أنها لم تترك هاتفها في الغرفة، كان رقمًا مجهولًا لذا أغلقت أفنان المكالمة ولكن لم تمر بضع ثوانٍ قبل أن يصدح رنين الهاتف مجددًا ومجددًا، ترمقها والدتها بحدة ليزداد توتر أفنان وتحمحم قبل أن تعتذر منهم بآدب مُردفة:


"معلش يا جماعة عن إذنكوا، في مكالمة ضرورية من الكلية." تححجت أفنان واستقامت من موضعها دون انتظار رد أحدٍ منهم.


"ألو؟ ين معايا؟"


"أنا يا أفي، مش عارفة صوتي؟" سألها رحيم بنبرة مُستاءة غير معتادة منه لتتفوه الآخرى بإسمه بدهشة شديدة.


"رحيم؟!!!"


"مستغربة أوي؟ ولا نسيتيني ولا أيه؟"


"أيه الأوڤر ده هنساك في كام يوم يعني؟ بقولك أيه أنا لازم اقفل دلوقتي الناس برا ومش هينفع أطول."


قالت محاولة الهروب من التحدث إليه وإنهاء المكالمة باقصى سرعة لكن جاءها رده سريع وحاد وهو يسألها مستنكرًا:


"والله خايفة على شعوره أوي كده؟ وشعوري مش فارق معاك؟!!"


"أفنان ماما بتستحلفلك وبتقولك انجزي!" أردفت ميرال بتوجس والتي جاءت من خلف أفنان لتنظر نحوها بذعر وهي تنبس:


"حاضر حاضر!!"


"يا رحيم أديك سامع أنا لازم أقفل بجد!"


"أفنان أنتي لو مشرحتيش موضوع خطوبتك ده دلوقتي حالًا أنا هركب عربيتي وأجيلك! وأنس عارف العنوان  By the way 'بالمناسبة'."


أفصح رحيم عن ما يجول في خاطره لتفتع أفنان عيناها على مصرعيها وهي تتحدث بإنفعال لكنها خفضت صوتها قدر الإمكان وهي تقول:


"يخرب عقلك يا رحيم! أنت أتجننت تيجي فين؟!!"


"أفنان أنتي بجد هتتجوزي حد تاني؟ جاوبيني من فضلك!"


"حد تاني مين؟ وهو مين الأولاني أصلًا؟ رحيم أبوس إيدك مش عايزة فضايح لو سمحت أوعى تيجي! أنا هكلمك أفهمك كل حاجة لما يمشوا بس أقفل دلوقتي من فضلك."


"ماشي يا أفي، قدامك لحد الساعة عشرة."


"أنا أسفة جدًا يا جماعة بس كان في حاجة ضروري تبع الكلية."


"أهو لسه متخطبناش والكلية وخداكي مني من أولها." علق الشاب قاصدًا أن يُلطف الأجواء أو أن يكون مُضحكًا لكن الأمر جاء بنتيجة عكسية حيث نظرت نحوه أفنان بإبتسامة صفراء أقرب إلى الإزدراء.


نصف ساعة آخرى مملة انقضت في تلك الجلسة السخيفة، لم تجلس أفنان وحدها مع حسام وقد كان ذلك من حسن حظها وبمجرد أن غادروا زفرت أفنان براحة شديدة قبل أن تجلس على الأريكة بإريحية ويعود الجميع للجلوس مجددًا.


"ها أيه رأيكوا؟" سأل والد أفنان وهو يضحك فهو يعلم رأي أفنان بالفعل لكن باغته نوح وهو يُردف:


"أنا شايفة مش مناسب خالص بصراحة."


"ما تخليك محضر خير يا روحي." عقبت ميرال على حديث نوح وقبل أن يُدافع عن نفسه سبقته أفنان وهي تدافع عنه مُضيفة:


"تصدقي نوح لأول مرة بيتكلم صح، أنا بصراحة مش حاسة الموضوع خالص."


"طب نقرأ فاتحة وتقعدوا مع بعض مرة أو اتنين ولو مفيش قبول خلاص."


"لا يا ماما مش عايزة، أنتوا ضغطوا عليا أقابلهم وأديني قابلتهم وبعدين ده عبيط ده عايزني بعد المرمطة السنين دي كلها في التعليم وبعد سحلة الكلية دي أني أقعد في البيت!! بجد دماغه مسوحاه ده أنتوا تحمدوا ربنا أني مقومتش قسمته اتنين."


"يعني هو مقتدر ماديًا وعايز يريحك تقومي تعترضي؟ وبعدين أنتي عملتي كام حركة قليلة الذوق جدًا وحوار التليفون ده!"


"اه أعترض عشان ده مش قراره هو ولا حاجة تخصه أساسًا، أنا يوم ما هرتبط بشخص يا ماما هرتبط بواحد يشجعني أطور من نفسي ويساعدني، وموضوع التليفون ده أنا ذنبي أيه؟ مكالمة ضروري وجاتلي."


"طبعًا لازم يكون بيشجعك وبيساعدك ويا سلام بقى لو يبقى عنده شركة أدوية، مش كده؟" سألها نوح بدون مقدمات لترمقه بحدة ثم تبتسم بخبث وهي تسأله بجدية:


"أيه ده يا نوح؟"


"أيه في أيه؟" سأل بفزع وهو يلتفت حوله بينما نظرت نحوه هي بجدية قبل أن تُردف:


"مفيش لاصلي استغربت لما لاقيت مناخيرك فوشك أصلها على طول في حياتي."


سخرت منه أفنان قبل أن تستقيم من موضعها وتتجه نحو المطبخ لتبحث عن شيئًا لتأكله وفي طريقها إلى هناك سمعت حديث والديها بالمصادفة وقد كان حديثهم كالآتي:


"ها أيه رأيك في العريس يا أحمد؟"


"هتكلم مع أفنان بس الجواب باين من عنوانه."


"قصدك أيه؟"


"قصدي أنه مش مناسب ليها وأصلًا مش وقتوا موضوع جواز أفنان ده أنتي شايفة الظروف ضيقة ازاي وبعدين ميرال لسه محتاجة مصاريف كتير."


"بقولك يا أحمد العريس جاهز وعمتًا هما مش هيختلفوا معانا في تقسيمه حاجة يعني اللي هنقدر عليه هنجيبه ونوح لسه قدامه شوية هو وميرال، ومش معنى أن أفنان اختلفت معاه في نقطة ولا اتنين أنهم مش هينفعوا لبعض."


"طيب يا رانيا لما نخلص بس جهاز أختها نبقى نتكلم في الموضوع ده، أنا هخرج أقعد مع نوح وميرال عشان ميبقوش لوحدهم."


"بابا تليفونك بيرن!" صاحت أفنان وهي تنادي والدها الذي ترك هاتفه فوق الثلاجة.


"طب شوفي مين."


"مش عارفة رقم غريب." أردفت بصياح ايضًا وهي تتجه نحو حجرة والديها لتعطي والدها هاتفه.


"خلاص قفل."


"موبايلك أنتي بقى بيرن." نبهها والدها إلى هاتفها المُضيء الذي في يدها لتنظر نحو الرقم لثوانٍ ثم تُعلق ببلاهة:


"سبحان الله ده نفس الرقم الغريب!"


"لا والله؟"


"اه!"


"طب ردي طيب." نبس والدها لتنظر نحوه بأطراف متجمدة وملامح متوترة قبل أن تُجيب على الهاتف ليأتيها صوت رحيم للمرة الثانية وفي هذه المرة يُردف بجدية شديدة:


"أفنان من فضلك هاتي Uncle أكلمه."


"أونكل مين؟" سألته بغباءٍ واضح ليضحك هو على الجانب الآخر بضحكته الساحرة تلك قبل أن يُجيبها بنبرة جادة:


"أيه يا أفنان ركزي مالك؟ Uncle أحمد، Your dad 'أباكِ'."


"أونكل أحمد ده اللي هو أبويا؟"


"خلاص لو مش عايزاه يتكلم من تليفونك قوليله يرد على تليفونه هو."


"أنت.. عايز.. تكلم.. أبويا أنا؟" سألت أفنان بإستنكار وعقلها لا يستطيع ترجمة ما يطلبه رحيم منها وقبل أن يتفوه بحرفٍ واحد كانت قد سقطت هي فاقدة للوعي ليرتطم كلًا من الهاتف وجسدها بالأرض، جاء صوت رحيم ملهوفًا من داخل الهاتف قبل أن يُغلق الخط.


"أفنان! أفنان أنتي كويسة؟ يا ميرال هاتي برفان بسرعة!!" صاح والدها وهو يُحرك وجهها بلطف محاولًا جعلها تسترد وعيها، هرولت ميرال نحوه وهي تحمل العطر قبل أن تساعد والدها في حملها على السرير، لم يستغرق الأمر وقتٍ طويل حتى فتحت أفنان عيناها لتُقابل نظرات القلق على وجه الجميع عدا نوح الذي كان في الخارج بالطبع.


"أنتي كويسة؟"


"ها؟ اه.. أنا أصلي.. مكلتش خالص من الصبح!"


"بابا تليفونك بيرن."


"متردش!"


"مردش؟" سألها والدها بدهشة لتومئ له بنعم على الفور.


"هو في أيه يا بت أنتي شكلك عاملة مصيبة." وبختها والدتها بشك لينظر نحوها زوجها ثم يقول:


"رانيا خدي ميرال واستنوا برا الأوضة لو سمحتوا."


"في أيه بقى ممكن افهم؟ وموضوع مكالمة الكلية دي مش داخلة دماغي."


"يا بابا بصراحة رحيم كلمني بس والله العظيم من رقم غريب ومكنتش أعرف أن هو أصلًا." بدأت في سرد ما حدث لينظر نحوها والدها ببعض الشك ثم يتمتم:


"وبعدين؟"


"وبعدين ولما عرفت إن هو وكنت عايزه اقفل فضل يقولي هو أنتي بجد هتتخطبي لحد تاني ولو مفهتمنيش أنا هاجيلك تحت البيت دلوقتي فأنا قولتله هكلمك تاني عشان ميجيش ويعمل فضايح ودلوقتي هو أتصل بيا تاني وعايز يكلمك!"


"ماشي خليه يكلمني أما نشوف آخرتها معاه." تفوه والدها وهو يزفر بضيق لتنظر نحوه أفنان بتوتر ثم تسأله:


"بجد؟ يعني بجد حضرتك موافق أنه يكلمك؟"


"اه موافق كلميه وخليه يكلمني بس بشرط."


"اشرط زي ما أنت عايز يا أحلى حجوج في الدنيا." علقت وهي تنهال على والدها وتُقبل وجنتيه ليقول من بين ضحكاته:


"هتخرجي برا ومش هتقعدي معايا وأنا بتكلم وهتخرجي تتعاملي عادي ومتقوليش لحد فيهم حاجة لحد أما أجيلك ماشي؟"


"حاضر." تمتمت أفنان بسعادة شديدة وعلى الفور قامت  بمهاتفه رحيم والذي أجاب على الفور.


'ألو..'


'أفنان أنتي كويسة؟ أنا جايلك حالًا.'


'لا لا تيجي فين؟!! متجيش أنا كويسة.. أنا بس أغم عليا وفوقوني.'


'تاني يا أفنان؟ هو أنا بعملك هبوط في الدورة الدموية ولا أيه؟'


'ما علينا من اللي بتقوله، أنت كنت عايز تكلم بابا صح؟'


'اه من فضلك.'


'طيب هو معاك.. أتكلم عربي ها!' نبهته أفنان وهي تضحك بتوتر لينظر نحوها والدها بسخرية وهو يسألها:


"ليه هو بيتكلم أيه؟"


"نص كلامه إنجليزي يا بابا تحس أنه خواجة كده."


"ما شاء الله على مجايبك، هاتي التليفون وأتكلي على الله بقى." سخر منها والدها بتعابيره الهادئة المعتادة لتبتسم هي بتوتر وتُتمتم:


"حاضر.." انتظر والدها لثوانٍ حتى تغادر الحجرة قبل أن يضع الهاتف على أذنه وهو يُرحب بالآخر.


'أهلًا يا ابني، رحيم مش كده؟'


'اه يا Uncle أنا رحيم.. أنا مش عارف أفنان حكت لحضرتك أيه عني بس أنا عايز أخد من حضرتك ميعاد وأجي أقابلك Face to face 'وجهًا لوجه' ونتكلم في كل حاجة.'


تحدث رحيم دفعة واحدة وقد حاول أن تكون نبرتة ثابتة على عكس التوتر الذي عصب بكيانه كاملًا، مرت ثوانٍ قليلة قبل أن يأتيه رد والد أفنان وقد مرت تلك الثواني كأعوام بالنسبة إليه.. لكن جاءه رد والدها لطيفًا لينًا وهو يُردف:


'مفيش مشكلة طبعًا تنور في أي وقت يا ابني، بس أنا محتاج أعرف هل هتكون مجرد زيارة ولا ليها مُسمى؟'


'هيكون ليها مُسمى طبعًا.. أنا جاي لحضرتك عشان أطلب أيد أفنان..'  تفوه رحيم بنبرة جادة لا تخلو من السعادة الواضحة ومشوبة بالتوتر والقلق.


بعد عشرة دقائق تقريبًا غادر والدها الحجرة، كانوا جميعهم يثرثرون بينما كانت أفنان هادئة على غير العادة تنتظر خروج والدها على أحر من جمر وبمجرد أن فعل نظرت نحوه بلهفة وكادت أن تستقيم من مجلسها لولا أن منحها والدها نظرة بأن تجلس في موضعها كما هي، أقترب منهم والدهم ونظر نحوهم بنظرة جادة قبل أن يفتح فمه مناديًا على زوجته بجدية:


"رانيا.." ألتفت جميعهم نحوه منتظرين ما سيأتي بعد ذلك، لم تكن نظرته ولا نبرته تلك مُبشرة بالخير، أطلق تنهيدة طويلة قبل أن يُردف:


"ودي السجاجيد تتغسل تاني وابعتي هاتي طبق حلويات، أفنان جايلها عريس تاني."


تسارعت نبضات قلب وكأنها خيولًا تركض في حلبة سباق، استقامت من موضعها تنظر نحو والدها بعدم تصديق قبل أن تبتسم ابتسامة واسعة بينما لمعت عيناها وتراقصت فرحًا في محجريهما، نظر جميعهم نحو والدها بإندهاش لا يقوى عقلهم على إستيعاب ما يحدث لتقطاعهم أفنان وقد أطلقت زغرودة عالية اهتزت لها جدران المنزل!


__________________________________


(تذكره: اللّهم ارزقني الرّضى وراحة البال، اللهم لا تكسر لي ظهرًا ولا تصعب لي حاجة ولا تعظّم عليّ أمرًا.)


الفصل الرابع والثلاثون: الْمُقَابَلَة الْأُولَى 🤎🦋✨


"رانيا.." ألتفت جميعهم نحوه منتظرين ما سيأتي بعد ذلك، لم  تكن نظرته ولا نبرته تلك مُبشرة بالخير، أطلق تنهيدة طويلة قبل أن يُردف:


"ودي السجاجيد تتغسل تاني وابعتي هاتي طبق حلويات، أفنان جايلها عريس تاني."


تسارعت نبضات قلب وكأنها خيولًا تركض في حلبة سباق، استقامت من موضعها تنظر نحو والدها بعدم تصديق قبل أن تبتسم ابتسامة واسعة بينما لمعت عيناها وتراقصت فرحًا في محجريهما، نظر جميعهم نحو والدها بإندهاش لا يقوى عقلهم على إستيعاب ما يحدث لتقاطعهم أفنان وقد أطلقت زغرودة عالية اهتزت لها جدران المنزل! 


نظر جميعهم نحو أفنان بحيرة وعدم فهم، ساد الصمت لثوانٍ بعد إطلاق أفنان للزغرودة قبل أن تنظر نحوها ميرال وتُبادلها أفنان نظرات السعادة والحماس لتفهم ميرال على الفور ما يحدث، تقفز ميرال من موضعها لتأخذ أفنان في عناق كبير بينما تقفز كلتاهما بعشوائية.


"عريس أيه يا أحمد أنا مش فاهمة حاجة؟" سألت والدة أفنان بحيرة شديدة وخاصة بعد ردة فعل أفنان وميرال المبالغ فيها، ساد الصمت لثوانٍ بينما ينظر والد أفنان نحو نوح ثم أفنان التي أخذت تنظر نحوه بمعنى 'لا' كي لا يُعلن الخبر أمام نوح لكن والدها فعل على أي حال مُردفًا:


"محدش غريب نوح أخوها، بصراحة في دكتور متقدم لأفنان وعايز يجي يقعد ويكلمنا ونتعرف عليه."


"رحيم؟!" سأل نوح بمزيج من الدهشة والإمتعاض فلم يكن من الصعب عليه توقع أن رحيم هو ذلك الشاب، فلو شخصًا آخر غيره ما كانت أفنان لتبدو بهذه السعادة، وعلى الفور قفز إلى رأس نوح كيف كانت أفنان مستاءة وغاضبة حينما جاء لطلب يدها بدلًا من ميرال وبسبب ردة فعلها السيئة تلك اضطر إلى تغير مجرى حياته تمامًا والتفوه بإسم ميرال بدلًا من أفنان.


"أنت تعرفه يا نوح؟" سألت والدة أفنان بإهتمام كونها تثق في رأي وحديث نوح لينظر نحو أفنان بإبتسامة جانبيه وهو يُجيب خالته قائلًا:


"أعرفه بس.. أعرفه عز المعرفة طبعًا، ده يا خالتو اللي كان بيدرب أفنان في الشركة."


"هو ده اللي كان عايز.."


"مكنش عايز حاجة يا ماما، نوح وقتها قال كده عشان كانت متخانق معاه ومعايا!


" قاطعت أفنان حديثهم على الفور قبل أن يُفتح ذلك الموضوع مجددًا وأمام والدها والذي بالطبع سأل الآتي:


"كان عايز أيه يا أفنان؟"


"مفيش حاجة يا بابا! ملكش دعوة بنوح ولا بأي حاجة هيقولها عمتًا، رحيم جاي وحضرتك هتشوفه وهتحكم عليه بنفسك."


"مبسوطة أوي يا أفنان؟" سألها نوح ساخرًا لتنظر نحوه بحده ثم تتنهد قبل أن تُبدل تعبيرات وجهها بتعبيرات سخيفة لم تفعل شيئًا سوى أنها زادت من غيظ نوح وهي تُتمتم:


"ومتبسطش ليه يا نوح؟ جالي اللي استحقه واللس يليق بيا، وبعدين يا نوح أنا مبسوطة وطايرة من الفرحة لو ناوي تنكد عليا يبقى خد بعضك وأمشي من هنا."


"أفنان عيب كده! مينفعش تكلمي ابن خالتك بالإسلوب ده!"


"خليها على راحتها يا عمو، بعد إذنكوا أنا لازم امشي، وهسيبكوا تحتفلوا كعائلة مع بعض."


"نوح استنى." قالت ميرال وهي تذهب خلف نوح مُسرعة  بينما نظرت نحوها والدها بغضب وهي تسألها بإستياء:


"عاجبك كده؟"


"اه يا ماما عاجبني وسيبيني احتفل بقى على راحتي بعد إذنك ولو لمرة واحدة سيبوني اتبسط زي ما أنا عايزة."


"خلاص يا رانيا سيبيها ونبقى نتكلم بعدين، تعالي يا أفنان عايزك لوحدنا."


"حاضر يا بابا."


"دلوقتي سي الأفندي اتفق معايا أنه هيجي يزورنا الجمعة الجاية إن شاء الله."


"يووه! لسه هنستنى للجمعة الجاية؟ ما خير البر عاجله!!"


"أيه ده أيه ده الدلقة دي؟ احترمي وجودي طيب!"


"أنا أسفة يا بابا والله مش قصدي، الظاهر أني اتحمست شوية زيادة."


"شوية؟ ما علينا، هو قال هيجي نتعرف عليه ويعرفنا ظروفه وكده ولو اتفقنا هنحدد ميعاد لقراءة الفاتحة وشراء الشبكة إن شاء الله."


"ايوا ان شاء الله هنتفق يارب.."


بالإنتقال إلى منزل حامد البكري، جلس رحيم برفقة أنس وهو يشعر بعقله على وشك الإنفجار من فرط الحماس والقلق في وقتٍ واحد.


"خلاص كلمت أبوها وأرتحت؟"


"ايوا! أنت مش متخيل أنا فرحان ازاي، أنا عمري ما فرحت بالشكل ده في حياتي!"


"أنا كمان أول مرة أشوفك مبسوط ومتوتر كده، بس في تفصيلة صغيرة لو مش هيضايق ساعدتك يعني أنبهك ليها."


"اتفضل يا أنس." علق رحيم بجدية منتظرًا ما سيقوله أنس بإهتمام لكن الآخر في المقابل لم ينبس سوى بكلمة واحدة:


"أمك!"


"ما تحترم نفسك يا حيوان أنت!" وبخه رحيم وهو ينظر نحوه بحنق ليقهقه أنس ثم يُردف بنبرة حاول جاهدًا أن تكون جادة:


"لا والله ما بشتمك بس أمك فعلًا، أنت مكلمتهاش ولا هي ولا Uncle حامد."


"اه ما أنا عارف، بابي أكيد مش هيبقى عنده مشكلة لكن مامي هي اللي هتحتاج وقت."


"طيب مش شايف إن المفروض كنت تعرفهم قبل ما تدي ميعاد للراجل؟"


"أنس يا حبيبي أولًا، دي قاعدة تعارف وغالبًا مش هيبقى في اتفاقات كبيرة وحتى لو أنا كبير وأنا اللي هتجوز فأنا اللي هحدد مع أونكل أحنا هنتفق على أيه، ثانيًا بقى والأهم إن سواء ماما وبابا وافقوا أو موافقوش أنا هعمل اللي في دماغي وهتجوز أفنان."


"بس العند وحش يا رحيم، تليين الدماغ والإقناع هيبقى أحسن بكتير."


كان حديث أنس مقنعًا لكن الآوان قد فات على كل ذلك، ساد الصمت لثوانٍ قبل أن يُفصح رحيم عن ما يدور في خاطره منذ مدة طويلة قائلًا:


"أنس أنا عمري ما قولت لمامي لا على حاجة ابدًا، طول الوقت بخاف على زعلها وبحترم مطالبها وبحاول دايمًا أكون الإبن المثالي اللي هي بتحلم بي وطبعًا كوني الإبن الوحيد ده بيزود الضغط عليا، فأنا طول عمري بنفذ أوامرها And i never broke the rules 'ولم أخترق القواعد قط' لكن في الموضوع ده تحديدًا محدش تاني ليه حكم ولا ليه قرار غيري أنا."


"استر يارب.. طب أنت ناوي تكلمها أمتى؟"


"النهاردة عالعشاء إن شاء الله."


"جميل أوي أنا هروح أتعشى في المستشفى مع أروى بقى."


"اه يا واطي! هتسبني في وقت الجد."


"مش حوار، عارف لو أنت بتتخانق مع عيل والموضوع فيه عوق أنا مكنتش هحله لكن دي أمك يا رحيم ودي مشكلة أسرية مينفعش حد غريب يبقى قاعد فيها."


تفوه أنس مستخدمًا ألفاظ بدت مُريبة للغاية بالنسبة لرحيم الذي تجاهل معظم حديثه وعلق على جزء واحد وهو يقول:


"بس أنت مش غريب يا أنس!"


"يا سيدي أنا غريب أيش فاهمك أنت؟!"


"خلاص براحتك بس متتحركش من غير bodyguards 'حراس'."


"يعم ده أنت اللي محتاج Bodyguards مش أنا، عمومًا حاضر."


"حضرلك الخير يلا Take care about yourself 'أعتني بنفسك'."


ودع رحيم أنس ثم وقف يراقبه من الشرفة ليتأكد من صعوده إلى السيارة بسلام برفقة الحرس فهو لن يسمح بحدوث أي مكروه لأنس بسبب والده بالطبع ذلك لم يكن ليُغير شيئًا مقدرًا له لكن ليطمئن قلب رحيم، تنهد رحيم تنهيدة طويلة قبل أن يُخرج علبة سجائر كان قد أخفاها في حجرته قبل رحيله إلى إنجلترا وبدأ في تدخين إحدي اللفافات وهو ينتظر بفارغ الصبر موعد العشاء كي يستطيع التحدث إلى والدته على إنفراد نظرًا لإنشغال والده في هذه الأمسية.


في موعد العشاء جلس رحيم يأكل في هدوء هو ووالدته، لم يتناول رحيم سوى القليل من الطعام فشعوره بالتحفذ تجاه المحادثة التي ستدور بعد قليل جعله يفقد شهيته، لاحظت والدته بالطبع توتره ولغة جسده المضطربة فهي في النهاية لن يصعب عليها فهم ابنها الوحيد.


بعد الإنتهاء من العشاء استقام رحيم من موضعه وكان على وشك العودة لحجرته لإحضار شيء ما لكن أوقفه صوت والدته وهي تطلب منه البقاء قائلة:


"رحيم تعالى أقعد أنا عايزة أتكلم معاك شوية."


"أنا كمان عايز اتكلم مع حضرتك."


"أظن موضوعي أهم فهنبدأ بيه." تحدثت والدته بنبرتها الواثقة التي لا تخلو من الأمر ليبتسم رحيم بتكلف وهو يُعدل على جملتها قائلًا:


"مفيش موضوع أهم من موضوعي، ولكن مفيش مشكلة ممكن أسمع حضرتك الأول."


"انا جايبالك ٣ عرايس، هوريك صورتهم ونبذة عن كل واحدة فيهم و اللي تعجبك هنروح نطلب ايديها، كلهم بنات عائلات كبيرة وليهم أصول أوربية إن ما كنوش هما أصلهم أوروبيين، هي دي الزوجة اللي تليق بمكانتك ومستوى العيلة."


أعلنت والدته لينظر نحوها رحيم بصدمة، نظرت نحوه هي ببعض الحيرة مُتعجبة من ردة فعله، حمحم رحيم قبل أن يُعقب على حديثها بثقة شديدة مُردفًا:


"بس أنا اخترت خلاص يا مامي البنت اللي عايز أكمل معاها حياتي."


"اخترت؟ من نفسك كده؟ وتطلع مين بقى البنت دي؟ من عائلة مين يعني؟"


"لا ما هو حضرتك متعرفيش عائلتها، هي بنت بسيطة يعني."


"بسيطة؟ I don't understand, be more specific Rahem 'أنا لا أفهم، كن أكثر وضوحًا يا رحيم'."


تحدثت والدته بنبرة لا تخلو من بعض الحده وهي تضع أحدى قدميها فوق الآخر، تحاشى رحيم النظر نحو والدته وتابع حديثه:


"يعني بنت من أسرة متوسطة ماديًا، مش من عائلة كبيرة أو معروفة."


"ودي ناوي تعطف عليها يعني؟ تجيبها تشتغل عندنا ولا أيه؟"


"مامي من فضلك أنا بقولك أن دي البنت اللي أنا بحبها فياريت حضرتك تتكلمي عنها With more respect 'بمزيد من الإحترام/التقدير' شوية من فضلك."


"أنت هتعلمني أتكلم ازاي يا رحيم؟"


"العفو، بس أنا برضوا مش هسمح لحضرتك أو لأي حد أنه يهينها، هو معنى أن البنت أقل مننا ماديًا شوية أنها تشتغل خدامة عندنا؟"


"شوية؟ شوية يا رحيم؟ أنت عارف في مسافة أد أيه بين قصرنا في الزمالك وبين البيت اللي في الحارة اللي هي ساكنة فيها؟ عارف في كام ألف جنيه فرق بين مرتبك وبين مرتب باباها؟ أنت عارف إن عائلتها لو أشتغلوا كلهم مع بعض سنة كاملة مش هيجيبوا مرتب شهرين من اللي بتاخدهم؟"


صاحت والدته موبخة إياه، ضاربة بمكانة أفنان وعائلتها كاملة عرض الحائط، كان حديثها صادقًا من الناحية الواقعية لكنه صاغت الحديث بأقسى وأبشع الصور الممكنة ولم يجعل حديثها الوضع أفضل بل ازداد الوضع سوءًا وبدأت الإنفعال الشديد يظهر على نبرة رحيم ولغة جسده.


"ده حضرتك عارفة كل حاجة بقى!"


"أنت ساذج يا رحيم Did you really think you can  hide anything from me you silly! I know about every breath you take! 'هل كنت حقًا تعتقد أنه بإمكانك إخفاء أي شيء عن يا مُغفل، أنا على علم بشأن كل نفسًا تلتقطه'."


"كويس يعني حضرتك هتوفري عليا شرح التفاصيل."


"ليه دايمًا بتعند وبتغلبني يا رحيم؟ ليه متسمعش كلامي من أول مرة؟"


"بعند؟ حضرتك بجد شايفاني بعند!! أنا طول حياتي بسمع كلامك وبنفذ كل اللي حضرتك بتطلبيه لكن ده عمره ما كان كافي، You never thought that i am good enough no matter what i do 'لم تظني قط أنني جيد كفاية مهما فعلت/بذلت من مجهود'."


"رحيم أنت هتتجوز بنت تليق بينا وبإسم عليتنا، ده آخر كلام عندي."


"تليق بينا وبإسم عيلتنا وحضرتك تبقي عرفاها.. Natalie was pretty, wealthy, from a well known family and you knew her and at the end she Freaking cheated on me Mum 'ناتالي كانت جميلة، ثرية، من عائلة معروفة وكنتِ تعرفينها وفي نهاية المطاف قامت بخيانتي أمي.'!!"


بصق رحيم كلماته بآلم شديد وهو يتمنى لو أن يرق قلب والدته عليه ولو لمرة واحدة في حياتها، لكنه كان مخطئ حيث لم يزيده حديثها سوى عنادًا وإصرار على قرارها.


"أنت ابني الوحيد ولو اتجوزت البنت دي انا هتبرأ منك."


"وأنا يا مامي لو متجوزتش أفنان فإعتبري أن ملكيش ابن، وحتى الشغل مع بابي هسيبه ومحدش هيعرفلي طريق."


"أنت بتهددني يا رحيم؟"


"لا، أنا بعرف حضرتك اللي هيحصل، وعمتًا أنا لو متجوزتش أفنان مش هتجوز غيرها.. أديني حرية الإختيار مرة في حياتي!"


"اسمحلك تختار لما أكون شايفة أن اختباراتك صح!"


"ده الإختيار الصح الوحيد في حياتي يا مامي ومش هتنازل عنه."


"ده أسوء اختيار أنت بتختاره في حياتك يا رحيم."


"يعني حضرتك كنتِ أسوء اختيار في حياة بابي؟" باغت والدته بالسؤال، استقامت من موضعها ولم تتردد ولو لثانية لأن تصفعه على وجهه، تلقى رحيم الصفعة بهدوء تام قبل أن يتجه نحو طاولة الطعام ليأخذ من أعلاها مفتاح السيارة وهاتفه ويتجه نحو الخارج دون أن ينبس بينت شفة.


"رحيم استنى!"


"أنت لو خرجت من الباب ده دلوقتي I will disown you 'سأتبرأ منك'."


لم يُبالي رحيم بما قالته والدته واتجه نحو الخارج، كان الشرار يتطاير من عينه وقد أمتعض وجهه.. لم يدرِ إلى أين يذهب وهو في هذه الحالة، أخذ رحيم يتنقل بين الشوارع بتيه راكبًا سيارته قبل أن يتوقف قرب أحدى مساجد الصلاة والذي لم يكن ذو مساحة كبيرة لكن المكان كان مُريحًا للغاية بالنسبة إليه.


ذهب رحيم أولًا ليتوضأ ثم دلف إلى داخل المسجد ولم ينتبه لكم من الوقت لبث هناك، حينما وصل رحيم كانت الساعة الحادية عشر تقريبًا، قام رحيم بأداء فريضة العشاء ثم أخذ يرتل بعد الآيات ودون أن يستوعب غلبه النعاس ولم يستيقظ سوى على آذان صلاة الفجر ويد تُربت على كتفه، فتح عيناه في فزع ثم ألتفت إلى جانبه ليجد شيخًا متقدم في العمر يُحدث قائلًا:


"قوم يا حبيبي أتوضى وتعالى صلي الفجر معانا جماعة."


"أنا ازاي نمت هنا؟! حاضر هقوم.."


"عادي يا ابني، مفيش مكان هيبقى مريح ولا آمن أكتر من بيت ربنا." تمتم الشيخ ليمنحه رحيم ابتسامة صغيرة وهو يومئ مؤيدًا ما قاله، أدى رحيم الفريضة ولم يخلو دعائه قط من اسم أفنان.


لاحقًا اتحه رحيم إلى أحدى الفنادق ليقوم بحجز غرفة تحوي سريرين واحدًا له والآخر لأنس، أنس! تذكر رحيم على الفور أنه لم يهاتف أنس ولم يُخبره بما حدث وفي الغالب قد عاد الآخر إلى المنزل ليجده مُشتعلًا بسب ما حدث بين رحيم ووالدته، أخرج رحيم هاتفه من جيب بنطاله لينتبه أنه قد جعل هاتفه على وضع الصامت وأنه هناك عدة مكالمات بين أنس، والده وميا.


تنهد رحيم بضيق وهو يفكر في من عليه أن يُحادث أولًا، بشكلًا مبدأي لقد استبعد والده فهو لا طاقة له لسماع المزيد من التوبيخ لليوم.. لكن مهلًا، أنس وميا سيقومون بفعل الشيء ذاته لذا قرر رحيم أن يحصل على قسطًا من الراحة ويتجاهل إتصالاتهم المستمرة مؤقتًا حتى الصباح والذي لم يكن يبعد سوى بضع سويعات.


في ظهيرة اليوم التالي استيقظ رحيم على صوت طرقات هادئة على باب الغرفة وبالرغم من كون الطرقات هادئة إلا أن رحيم كان سريع الإستيقاظ في حالة وجود اي ضوضاء، استقام بإرهاق ليفتح الباب متوقعًا أن تكون خدمة الغرف لكن لم يكن توقعه في محله.


"كنت متأكدة أنك هنا." تمتمت ميا وهي تنظر إلى شعر رحيم  المُبعثر وثيابه الغير مرتبة والتي اضطر للنوم بها نظرًا لعدم وجود ثيابه معه، تثأب رحيم وهو ينظر نحوها قبل أن يُردف بكسل بينما يحاول عقله استيعاب ما يحدث:


"ميا؟ أهلًا.. I was about to call you 'كنت على وشك مهاتفتك'."


"أنا أختصرت الوقت وجيت، So you won't let me in 'ألن تدعني أدخل'؟"


"مش هينفع نقعد هنا لوحدنا، هغسل وشي وأجيلك على تحت."


"تمام، By the way i am not alone 'بالمناسبة أن لست وحدي'." نبست لينظر نحوها رحيم بشك وقبل أن يفتح فمه ليتحدث بإستياء وضعت كلتا كفيها أمامه لتهدأته وهي تقول:


"'أهدأ 'Calm down'، أنا قصدي أنس مش Auntie 'خالتي' إيڤلين." 


"تمام."


بعد بضع دقائق اتجه رحيم إلى حيث يجلس أنس وميا، نظى نحوهم رحيم بنظرات باردة بينما بادله أنس نظرات مستاءة.


"هو أنت يلا خنزير؟ تتخانق مع أمك وتسيبلها البيت ونفضل طول الليل ندور عليك وأنت نايم هنا في اللا لا لاند!"


"والله أنا مقولتش لحد يدور عليا ده أولًا، ثانيًا أنا مغلطتش في موضوع مامي ده وأنا اتخنقت وكنت محتاج أقعد لوحدي شوية."


تحدث رحيم بحنق شديد غير مباليًا بمدى سُخف كلماته، لم يُعلق أنس على جملته تلك لكن ميا فعلت حيث نبست بنبرتها الرقيقة المعتادة:


"ماشي حقك تقعد لوحدك بس المفروض تطمنا، we were so worried about you 'لقد كنا قلقين للغاية بشأنك'."


"لا ازاي نقلق وازاي يفرق معاه قلقنا، أصل رحيم بيه مقموص عشان 'مامي' مش موافقة عالعروسة اللي هو شبطان فيها."


"أتكلم عدل يا أنس وبلاش استفزاز يا إما والله هسيبك وأقوم!"


"لا وعلى أيه هقوم أنا، بس كنت عايز أفكرك إن كان في ميعاد بينا النهاردة الصبح بس الظاهر موضوع أفنان لحس عقلك وأبقى كمان روح الشركة اللي أنت ناسيها خالص دي."


بصق أنس حديثه بإمتعاض واضح قبل أن يرمق رحيم بنظرة نارية قبل أن يرحل، نظر رحيم نحو ميا بحيرة والتي أكتفت بالحمحمة وهي لا تدري ماذا تقول لكن سرعان ما تذكر رحيم ما يقصده أنس ليقفز من مقعده ويلحق به جاذبًا ذراعه بقوة كي يجعله يتوقف عن السير.


"أنا أسف جدًا يا أنس أنا مش عارف ازاي مركزتش.. موضوع مامي ده ملغبط دماغي عالآخر."


"لا يا رحيم ولا يهمك عمتًا أنا كب اللي محتاجة تسجيلات الكاميرات ومش محتاج منك حاجة تاني."


"يا أنس بقى، قولتلك أنا أسف.. أنا هاجي معاك وهنروح نعمل المحضر مع بعض."


"بجد؟ So you both gonna leave me all by myself 'هل ستتركوني أنتم الإثنين وحيدة/بمفردي'؟!"


"ميا أحنا رايحين مكان مظنش أنك هتبقي Interested 'متحمسة' أنك تروحيه معانا."


"ليه؟"


"أحنا رايحين القسم."


لاحقًا في ذلك اليوم كان قد انتهى أنس ورحيم من القيام بالإجراءات المطلوبة لطلب القبض على فريد، والد أنس.. ونظرًا لفظاعة ما أرتكبه والد أنس الذي قام بتحطيم المنزل بل كان ينوي تحطيمه على رأس ابنه ولكن لحسن الحظ لم يكن أنس هناك.


بعد مرور يومان استيقظ أنس على خبر إلقاء القبض على والده والذي ضُبط وهو يتعاطى المخدرات في منزله مما جعل وضعه القانوني أسوء بكثير.


"رحيم.. اصحى يا رحيم.. رحيم!!!"


"أيه في أيه؟! What's wrong with you 'ما مشكلتك'؟"


"فريد اتقبض عليه قوم!!"


"بجد؟!!!"


"بجد، يلا قوم بقى خد Shower عشان ننزل نشتري البدل."


"بدل لأيه؟ بدلة إعدام ليه ولا أيه؟" سأله رحيم بحماقه شديد ليقهقه أنس بقوة قبل أن يُجيبه ساخرًا:


"بدلة إعدام أيه يلا يا أهبل أنت! البدلة اللي هتلبسها يوم الجمعة وأنت رايح لأفنان."


"اه صح أفنان.. طيب ما نطلب بدلة مخصوص من برا أحسن."


"لا متضيعش عليا الشعور ده.. طول السنين اللي فاتت وأنت بتكتبر قدام عيني وأنا مستني اليوم اللي هجبلك بيه بدلة فرحك."


"أيه يالا الأوڤر ده؟ أنت نايم على فيلم رد قلبي ولا أيه؟"


"أيوا أنا أوڤر فعلًا بس بجد عايز ننزل نعمل Shopping 'نتسوق' سوا ولما تبقى تيجي تخطب يا سيدي نبقى نسافر نجيب بِدل من برا."


"خلاص تمام."


"رحيم هو أنت هتفضل بتتجاهل مامتك وباباك كتير كده؟ أنا شايف أنك تحاول توصل معاهم لحل وسط.."


"أنس من فضلك متجبش سيرة الموضوع ده خالص، أنا عايز أفضل مبسوط ومتحمس ليوم الجمعة إن شاء الله."


"على راحتك يا رحيم."


في مساء يوم الخميس جلست أفنان لتناول الغداء برفقة عائلتها، كان التوتر قد نال من أفنان كما لم يفعل من قبل أو ربما آخر مرة كان قد انتابتها نوبة الهلع تلك كانت في أيام الثانوية، كانت أفراد أسرتها تتحدث في مواضيع شتى أثناء تناولهم للطعام بينما كانت أفنان صامتة شاردة فهنالك الكثير من الضوضاء التي اتخذت موضعًا لها داخل رأس أفنان.


"أفنان أنتي معايا؟"


"ها بتكلموني؟"


"دي دماغها مش معانا خالص، سرحانة في العريس طبعًا مع إني واثقة إن العريس اللي كنت جايباه أحسن بكتير."


"مفيش وجه مقارنة أصلًا يا ماما، المهم ميرال عايزة أقولك على حاجة."


"اه ست العروسة بقى هتبدأ تطلب وتتشرط."


"هو في الحقيقة هو مش طلب هو قرار، أنا مش عايزة نوح يبقى موجود بكرة إن شاء الله."


أعلنت أفنان بثبات شديد وهدوء لتترك ميرال ملعقة الطعام وتشعر في غصة في حلقها، استطاعت أفنان أن تشعر بالحزن الذي أصاب شقيقتها لتفوهها بجملة كتلك لكن ليس هناك ما يمكنها فعله بشأن ذلك فهي لن تسمح بحضور نوح ونزعه ليومٍ مميز كالذي على وشك الحدوث.


"ليه بقى إن شاء الله مش قد المقام ولا مش قد المقام يا ست أفنان؟ ابن مين ده ولا بيشتغل أيه رحيم عشان متبقيش عايزة ابن خالتك يقعد معاه."


"بيشتغل أيه؟ هو مدير شركة، ابن مين ابن عائلة كبيرة أوي يا ماما ومش دي الأسباب اللي تخليني ارفض مجي نوح، أنا ونوح متربين سوا وأنا عارفاه كويس وهو توبنا من توبة عادي جدًا وهو معيد في الجامعة وافتخر بيه قدام الكبير قبل الصغير."


حاولت أفنان توضيح وجهة نظرها فهي ترفض وجود نوح ليس لأنها تخجل منه أو شيء من هذا القبيل كما تفكر والدتها بل لأنه سيعمل تخريب الزيجة قبل أن تبدأ، لك يروق حديث أفنان بالنسبة لوالدتها التي سألتها مستنكرة:


"أومال في أيه بقى إن شاء الله؟"


"في إن دي قاعدة أسرية وحاجة خاصة بينا أحنا بس ومش من المفترض إن حد تاني يعرف أو يكون موجود ده أولًا، ثانيًا بقى إن نوح مش بيحب رحيم ولأسباب شخصية بينهم هما ملهاش علاقة بيا في حاجة ومتأثرش على مستقبلي أنا ورحيم."


"خلاص بقى مستقبلك أنتي ورحيم؟ طب حتى احترمي إن أبوكي قاعد معانا."


"ماما أنا مقولتش حاجة..."


"خلاص انتهينا مش أنتي مش عايزة يجي؟ خلاص مش هيجي ومش مهم تكسري بخاطري أنا وأختك."


"يووه بقى هو أنا مينفعش أعمل حاجة على مزاجي مرة." تذمرت أفنان وهي تُبعد الصحن من أمامها ثم تستقيم من مقعدها بضيق شديد تاركة طاولة الطعام، نظرت نحوها والدتها بإستياء وهي تُردف:


"أتشنجي كمان يا دكتورة يا متربية."


دلفت أفنان إلى حجرتها وأغلقت الباب سريعًا قبل أن تستمع للمزيد من التوبيخ والتي لم تكن هي بحاجة إليه، كانت أفنان على وشك البكاء من شدة الغيظ لما دار في الحوار السابق ولكن قبل أن تفعل أخرجها من شرودها صوت طرقات والدها المميزة على باب الحجرة قبل أن يفتح الباب بهدوء شديد ويُغلقه من بعده، تتحاشى أفنان النظر نحوه وتُخفض رأسها ليقترب هو يجلس إلى جانبها ويضع يده أسفل ذقنها بحنان وهو يتمتم:


"بقى ينفع عروستي القمر دي تبقى زعلانة؟ وبعدين أيه يا ستي مش عايزة تكلي عشان تخسي وأهل العريس يقولوا إننا مجوعينك ولا أيه؟"


"لا أنا مش زعلانة يا حبيبي متقلقش."


"على بابا برضوا؟"


"ما هو يا بابا بصراحة يعني..."


"براحة يا أفنان، أتكلمي وعبري عن غضبك بهدوء وفكري في الكلام قبل ما تقوليه عشان متغلطيش."


"حاضر أنا أسفة، دلوقتي يا بابا أنا بسمع كلام حضرتك وماما طول الوقت ودايمًا بعمل خاطر لميرال ولكل الناس بس لما يكون الموضوع يخصني أنا بس فمن حقي إني أمشي اليوم على مزاجي."


"صح أنتي عندك حق، رانيا زودتها شوية بس أنتي عارفة إنها بتعمل كده عشان هو ابن أختها الوحيدة بعد ما خالك أتوفى يعني."


"أنا عارفة يا بابا وعلى رأسي الكلام ده كله، بس نوح مش بيحب رحيم ولو جيه وقعد هيبوظ الجوازة وأنا ما صدقت المراكب تسير."


كانت أفنان صادقة في حديثها فنوح ورحيم يمقتان بعضهم البعض بشدة وعند حضور عائلة رحيم معه سيكون الوضع أسوء بكثير، فلقد أعتادت أفنان أن تلاحظ نيران الغيرة تشتعل في عين الإثنين كلما ذكرت أو تحدثت إلى أحد منهم أمام الآخر وإن حدث ذلك بالغد فستؤذى مشاعر ميرال كثيرًا وهذا ما لا تريده أفنان بالطبع.


"خلاص زي ما أنتي عايزة، أنا مش هسمح لحد يعمل أي حاجة مش على هواكي بس راضي أمك وأختك بكلمتين معلشي، أنا عارف أن هما اللي غلطانين بس أهو هنعمل أيه بقى حكم القوي." 

ضحكة هادئة صدرت من أفنان قبل أن تقترب من والدها لتضمه برفق ويُبادلها العناق وهو يهمس:


"مش مصدق إن بناتي الصغيرين كبروا وخلاص هيتجوزوا ويسبوني."


"لا يا حبيبي متقولش كده هعيط... ده أنا ممكن أفركش كل حاجة عشانك."


"لا بعد الشر متقوليش الكلام ده وبعدين بزمتك أنتي هتفركشي الجوازة عشاني؟"


"يا بابا أنا ممكن أعمل أي حاجة عشانك، مش أي حاجة أوي يعني." 


"ماشي ياختي كُلي بعقلي حلاوة، المهم أنا هتكلم مع رانيا في موضوع نوح ده وأنتي طيبي خاطر أختك بكلمتين."


"حاضر يا حبيبي." تفوهت أفنان بلطف ليمنحها والدها ابتسامة صغيرة قبل أن يترك الحجرة لتصيح أفنان منادية على شقيقتها.


لم يستطع رحيم أن ينام في تلك الليلة من كثرة التوتر وكذلك أفنان بالطبع ولكن لكل منهم سببًا يختلف عن الآخر، فأفنان كانت تشعر بالتوتر حيال ما سيقوله رحيم وأسرته حينما يروا الحي الذي تقطن فيه وحينما يعلموا بالفارق الكبير بينهم من حيث المستوى لكن ما طمئن قلبها قليلًا هو أنها لم تكذب على رحيم قط بخصوص ذلك الشأن بل جعلته يعرف منذ اليوم الأول أن عالمها يختلف تمامًا عن خاصته، والشيء الثاني الذي كان يقلقها هو عدم موافقة والدها لأي سبب من الأسباب..


رحيم كان يخشى السبب الآخير مثله مثل أفنان، فهو لا يعرف شخصية والدها ولا يعرف إن كان شخصًا عصبيًا حادًا الطباع أم شخصًا لينًا وحنونًا.. ايضًا ذهابه بدون مرافقة أحد أفراق عائلته جعلته أشبه بالغصن الذي قُطع عن الشجرة لكن لحسن الحظ أن أنس كان إلى جانبه منذ بداية الأمر فبدونه لشعر رحيم بأنه يتيم حتى في وجود أبويه على قيد الحياة.


"يا عريس!!! اصحي يا عريس!!"


صاح أنس في أذن رحيم الذي انتفض من نومته قبل أن يُلقي بكل ما هو جانبه على أنس بينما يوبخه قائلًا:


"بقى يا بني آدم أنت  When i finally get to sleep 'حينما استطيع النوم اخيرًا' تصحيني بالطريقة دي؟!!"


"يعم نوم أيه ما أنت نمت كتير في حياتك قبل كده، النهاردة أنت عريس."


"يارب، يارب بس الموضوع يكمل على خير وأبقى عريس فعلًا.. خلاص مفهاش نوم تاني منك لله."


بعد تناول كلاهما وجبة خفيفة من الطعام توجه رحيم وأنس إلى 'الحلاق' ولو أن المكان كان أقرب إلى ال 'Spa' حيث قام كلاهما بالحصول على جلسة 'سونة' والجلوس قليلًا في 'الچاكوزي' والحصول على قصة شعر جديدة وبعد الإنتهاء من كل ذلك عاد كلاهما إلى الفندق مجددًا لإرتداء البذل الرسمية؛ كانت خاصة رحيم سوداء بالإضافة إلى قميص أسود اللون بينما كانت خاصة أنس باللون الرمادي الداكن مع قميص أبيض كذلك، كان رحيم يبدو أقرب إلى عارض أزياء لإحدي المجلات الشهيرة عوضًا عن كونه شابًا مُقدم على الزواج.


"بسم الله ما شاء الله، تصدق لو كان ليا بنت جوزتهالك."


"بنتك؟ Eww she would be too young for me 'صوت يعبر عن التقزز/ سوف تكون صغيرة في العمر مقارنة بي'."


"اه صح ده أنت كده هتبقى بيدوفيلي أيه القرف ده."


"بس تصدق يا أنس أنت كمان شكلك قمر أوي، تحس إنك بني آدم كده ليك قيمة."


علق رحيم بمزيج من اللطف والسخرية وهو ينظر نحو أنس والذي تفوه ردًا على حديثه بإمتعاض:


"ولما أهينك يا رينبو بتزعل، يلا بقى عشان نلحق نعدي نجيب الحاجة قبل ما نروح عند عمو أبو أفنان."


"اه صح، يلا بينا."


بعد ساعة ونصف من تلك المحادثة كان رحيم وأنس في طريقهما إلى منزل أفنان، كان أنس يقود نظرًا لأنه يتذكر أين يقع المنزل إلى حدٍ كبير لكنه كان يستعين بال 'GPS' من حين لآخر.


"هي أفنان ساكنة هنا؟"


"لا، مش هقولك هي ساكنة فين هسيبهالك مفاجأة، هو أنت غالبًا أصلًا متعرفش اسم المنطقة اللي هي ساكنة فيها يعني."


"تمام، مش مشكلة.. أديني هعرف."


استغرق الطريق نصف ساعة آخرى قبل أن تتوقف السيارة في أحدى الحارات العشوائية الضيقة نسبيًا، كان رحيم ينظر إلى المكان من حوله بدهشة شديدة هو لم يرى مثل تلك المنازل أو مثل تلك المنطقة في حياته قط ولربما لمح ما يُشبهها في أحدى أفلام السينيما.


"هي.. أفي ساكنة هنا؟"


"اه، عايز تقنعني بقى إنك هتجيب طنط الحجة إيڤيلين وأونكل حامد هنا؟"


"في الواقع.. مش عارف.. بس عادي يعني ما هو بيت زي أي بيت.."


حاول رحيم تكوين جملة مُفيدة لكنه لم يستطع حيث كان منشغلًا بمراقبة المكان من حوله بدهشة شديدة، وكان بعض من حوله يراقبوه ايضًا فلقد كانت السيارة خاصة رحيم غاية في الفخامة ولم يكن لأحد من القاطنين في هذه المنطقة القدرة على إمتلاك سيارة كتلك، كما كانت هيئة أنس ورحيم مختلفة بنسبة كبيرة عن المكان، قهقه أنس على تعبيرات وجه رحيم وهو يُعلق ساخرًا:


"يا أخي ده أنت لسانك مش مطاوعك تقول الجملة حتى."


"خلاص بقى يا أنس متبقاش سخيف، بقولك أيه متعرفش هي أني بلكونة في دول؟"


"وأنا هعرف منين يعني هو أنا ساكن معاهم؟"


"استنى أنا هعرف لوحدي.. هي دي." كان رحيم ينظر بتمعن في كل الشرفات حتى وجد واحدة يظهر منها الأزهار التي قد ابتاعها لأفنان منذ مدة، ابتسم ابتسامة واسعة حينما أدرك كم أعتنت هي بالهدية خاصته وتمنى لو أن تعطيه نصف الإهتمام والإعتناء الذي تمنحه هي للزهور.


"يلا بينا." أومئ رحيم بتوتر وتقدم أنس ودلف إلى الداخل.

وضع رحيم يده على جرس الباب برفق، يده الحاملة لباقة الزهور ترتجف وشعر بأن قدمه لم تعد قادرة على حمله بعد الآن، إنه على بعد خطوات من أمنية حياته، نظر نحوه أنس بطرف عيناه قبل أن يبتسم ابتسامة جانبية وهو يهمس:


"أيه يسطا هيغم عليك ولا أيه؟"


"غالبًا." نبس رحيم بصوتٍ منخفض قبل أن يُفتح الباب بهدوء  ليظهر من خلفه رجلًا ذو وجه بشوش وملامح يظهر عليها الطيبة والألفة، كان والد أفنان والذي بمجرد أن رأهم ابتسم ابتسامة واسعة وهو يُرحب بهم قائلًا:


"اتفضلوا يا حبايبي نورتوا." وبالرغم من ابتسام والد أفنان إلا أن معالم وجهه تبدلت قليلًا حينما لاحظ أن رحيم وحده أو بمعنى أدق بدون والديه.


"بنور حضرتك، Thank you 'شكرًا لكَ'." أردف رحيم بتوتر  ملحوظ ليدعس أنس على قدمه بسبب تحدثه بالإنجليزية ليحمحم رحيم بإحراج لأنه قد فعل ذلك بسبب توتره وليس لأي سبب آخر، جلس رحيم على الأريكة إلى جانب أنس ثم وضع باقة الزهور وعلبة الشيكولاتة الفاخرة أعلى الطاولة ووضع أنس عُلبة 'الجاتو' التي كان يحملها هو، والتي استطاع والد أفنان ان يستشف بسهولة أنها باهظة الثمن.


"مكنش في داعي تكلفوا نفسكوا كده يا حبايبي."


"لا يا uncle دي حاجة بسيطة جدًا مفيش حاجة تيجي من مقام أفنان."


"من مقامكوا مفيش حاجة تيجي من مقامكوا." صحح له  أنس ليومئ رحيم بطفولية مؤكدًا على حديثه ليضحك والد أفنان بخفه ثم يسود الصمت لثوانٍ.


"معلش عشان أنا مش عارف مين فيكوا رحيم؟" سأل والد  أفنان بمزاح قاطعًا الصمت المُريب ليقهقه ثلاثتهم قبل أن يُعلن رحيم عن نفسه.


"أنا رحيم يا Uncle."


"نورت يا رحيم يا ابني، أفنان حكتلي كتير عنك بس مشوفتش صورتك قبل كده.. ده أخوك مش كده؟"


"لا هو صاحبي وجاري من زمان.. متربين سوا زي الأخوات بالضبط."


"ربنا يخليكوا لبعض إن شاء الله، هو دكتور زيك برضوا؟"


"اه هو خريج صيدلة برضوا بس هو أغلب تركيزه في الشغل على جزء ال Human resources 'الموارد البشرية' أكتر من الجزء ال Technical 'الفني/التقني'."


"هو يقصد يعني إن أغلب شغلي ليه علاقة بالموظفين والشغل الإداري أكتر من الصيدلة."


"جميل ربنا يوفقكوا، الحاجة الساقعة يا رانيا." طلب والد  أفنان وبعد دقيقة واحدة كانت والدة أفنان كانت قد أحضرت أطباق تحوي أنواع مختلفة من التحلية وأكواب من المشروبات الغازية.


"أهلًا بيكوا يا حبايبي نورتوا."


"أهلًا بحضرتك يا طنط."


"عن إذنكوا." استأذنت والدة أفنان واتجهت نحو الداخل  ولكن ليس نحو المطبخ هذه المرة بل نحو غرفة أفنان والتي أخذت تراقب الأوضاع بالخارج بتوتر شديد عن طريق الثقب الخاص بمفتاح باب الحجرة.


"طيب يا رحيم كلمني عن نفسك شوية."


"هي أفنان مشرحتش لحضرتك وضعي..؟"


"أدتني نبذة طبعًا بس أنا حابب اسمع منك."


قال والد أفنان فهو حقًا بحاجة لسماع ما سيقوله رحيم فهو قد توقع أن أفنان قد هولت من شأن رحيم فهي منذ أن كانت صغيرة تهيم بأي شيء يُعجبها ولربما تُكسبه قدرًا لا يستحقه لكن هذه المرة لم تكن تبالغ حقًا في وصفها لرحيم والذي كان على وشك أن يُعلم والدها بأشياء مُبهرة لم تعلمها أفنان نفسها من قبل.


"تمام أنا هحكي لحضرتك عن نفسي كل التفاصيل اللي حضرتك هتحتاجها.. أولًا أنا منين.. أنا بابي مصري، مامي نص إنجليزية نص مصرية ولكن معظم حياتها كانت هناك طبعًا، أنا كمان أتولدت في إنجلترا وعشت معظم حياتي هناك لكن لما كبرت شوية بقيت بين هنا وهناك ولكن الاغلب هناك، أنا يعني معايا الجنسيتين أنا نص ونص، بابي عنده مجموعة شركات ومصانع للأدوية وهو وارثها عن جدو الله يرحمه وأحنا لينا فيها النسبة الأكبر وبقيت العائلة عاملين توكيل لبابي بإدارة ممتلكاتهم ونصيبهم يعني.."


"عظيم جدًا ما شاء الله، أنت بقى شغال مع والدك في الشركة؟"


" يعني، أنا حاليًا ماسك إدارة فرع من فروع الشركة اللي أفنان كانت بتدرب فيه وكمان بتابع إدارة فرع من الفروع في لندن، أنا الحمدلله مرتاح ماديًا، يعني معايا عربيتين وعندي شقتين في مصر وبيت في England.. وإن شاء الله هجيب ڤيلا ليا أنا وأفنان في المكان اللي هي تحبه وتختاره وأنا تحت أمر حضرتك في أي حاجة.."


"ما شاء الله ربنا يزيدك من فضله، بس أنا عايزك تفهم يا رحيم يا ابني إن أحنا اه مستوانا مش عالي لكن أحنا راضيين والماديات حاجة متهمنيش أصلًا أنا أهم حاجة بالنسبالي الأصل وراحة بنتي."


"طبعًا يا Uncle.. أنا مش قصدي حاجة صدقني، تقريبًا أنا كلامي وصل لحضرتك بطريقة غلط.."


اضطربت معالم رحيم وحاول من تعديل جملته لكن التوتر تمكن منه لذا ساعده أنس وحاول تصحيح مجرى الحديث بدلًا منه قائلًا:


"هو حضرتك رحيم مش قصده حاجة هو قصده بس أنه مستعد يعمل أي حاجة عشان بنت حضرتك وفي سبيل سعادتها."


"باين يا حبيبي أنا فاهم قصده أنا بس حبيت أنبهه للجزئية دي عشان الصورة تكون واضحة من الأول وأنتوا باين عليكوا شباب زي الفل ومتربيين كويس."


"شكرًا لحضرتك يا Uncle، بس أنا عايز أكون صريح مع حضرتك، أنا مش ملاك ومش قصدي حتى أبان اني ملاك.. أنا انسان فيا عيوب وفيا حاجات محتاجة تتعدل بس صدقني يا Uncle أنا ممكن أعمل أي حاجة عشان أفنان، مستعد اتغير عشانها وأعدل من نفسي لحد أما ابقى الشخص اللي هي تتمنى أنه يكون أب لأطفالها."


"إن شاء الله يا حبيبي ربنا هيجعلكوا نصيب مع بعض لو خير ليكوا."


"طب أيه يا عمو مش هنقرأ الفاتحة؟" سأل أنس بغتة ليزداد  توتر رحيم، تختفي ابتسامة والد أفنان ويحمحم وهو يتحاشى النظر نحوهم قبل أن يسأل رحيم السؤال الذي كان يخشاه منذ أن خطت قدماه إلى داخل المنزل.


"رحيم هو أنت والدك ووالدتك مش معاك ليه النهاردة؟ عشان جالسة تعارف يعني ولا عشان حاجة تانية؟"


كان والد أفنان قد توقع الإجابة مسبقًا لكنه أراد أن يسمعها من رحيم أو لربما كانت لرحيم أسباب آخرى غير ما خطر على باله لكن ذلك كان أمرًا مستبعدًا، فتح رحيم ثغره قليلًا بصدمة وقد شعر بأن الكلمات قد غادرته، إلهي من سحب الأكسچين من المكان؟


"هو في الواقع.. أنا مش عارف أقول لحضرتك أيه.. هو أنا فعلًا جاي النهاردة عشان تعارف وكده بس في نفس الوقت كنت عايز نقرأ فاتحة ونتفق.. يعني أصل بابي ومامي.."


"مش موافقين مش كده؟"


"لا هو حضرتك الوضع مش كده، هو بس الموضوع جيه بسرعة عشان يعني رحيم عرف إن أفنان متقدملها عريس فهو كان عايز ياخد خطوة بسرعة قبل ما هي ترتبط بشخص تاني فده مكنش مخلي عنده وقت كافي يتناقش مع أسرته في الموضوع.."


حاول أنس التبرير بقدر الإمكان وتحسين موقف رحيم لكن ذلك الحديث كله لم يُقنع والد أفنان الذي أخذ يُطالهم في هدوء منتظرًا انتهاء حديثهم، بعد أن فرغ أنس من حديثه ابتسم والد أفنان بهدوء وهو يقول:


"طيب خليني أقول حاجة بس، طبعًا أنا مش بكدب اللي أنتوا قولتوه وممكن يكون اللي قولتوها دي بعض الأسباب لكن يا رحيم يا ابني أنا مش صعب عليا أني اتوقع أن اهلك مش موافقين عالجوازة عشان كده محدش فيهم جيه معاك وده شيء أنا نوعًا ما كنت متوقعه لأن أفنان أدتني نبذة من الأول عن وضعك الاجتماعي ومستواك المادي."


"حضرتك أنا هقنعهم، أحنا لسه معانا وقت يعني أنا بس كنت عايز حضرتك تشوفني الأول وتسمع مني عشان تعرف أني مش بتسلى ولا بلعب ببنت حضرتك أنا مستجراش أصلًا أعمل حاجة زي كده، فلو حضرتك وافقت مبدأيًا النهاردة وأنا أوعدك إن الزيارة الجاية هجيب مامي وبابي.. وحتى لو موفقوش.. أنا معنديش أي استعداد أخسر أفنان لأي سبب من الأسباب.."


"بص يا رحيم أنت باين عليك شاب كويس ومتربي وبتفهم في الأصول، أنا ارتاحتلك وفاتحلك بيتي تنور أنت وأهلك في أي وقت وتيجوا ونتقابل ونتفق لكن غير كده.. أنا أسف يا ابني أنا مقدرش أوافق وأهلك رافضيين.. رضا أهلك عليك ومباركتهم في خطوة زي ديه أهم من أي حاجة حتى لو الحاجة دي هي أفنان بنتي."


__________________________________


( تذكره: اللهم إني اعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.)


الفصل الخامس والثلاثون: مَنَادِيل وَرُقَيّة 🤎✨


 

"بص يا رحيم أنت باين عليك شاب كويس ومتربي وبتفهم  في الأصول، أنا ارتاحتلك وفاتحلك بيتي تنور أنت وأهلك في أي وقت وتيجوا ونتقابل ونتفق لكن غير كده.. أنا أسف يا ابني أنا مقدرش أوافق وأهلك رافضيين.. رضا أهلك عليك ومباركتهم في خطوة زي ديه أهم من أي حاجة حتى لو الحاجة دي هي أفنان بنتي."


اضطربت معالم رحيم وهو يحاول إبتلاع الغصة في حلقه، شعر رحيم بالكون يتجمد من حوله ولم يدري ماذا يقول، نظر نحو أنس الذي بادله نبرات حيرة واستياء.


"أحنا كده أتطردنا ولا أيه؟" سأل أنس هامسًا في أذن رحيم الذي بقى صامتًا لدقيقة قبل أن يُردف:


"أنا طبعًا مقدر لكل اللي حضرتك قولته.. وحضرتك يعني عندك حق في كل كلمة قولتها، وأنا أوعدك أني هحل مشاكلي مع بابي وما..."


"مع باباه ومامته، هيحل المشكلة مع باباه ومامته وهنيجي كلنا سوا الزيارة الجاية إن شاء الله." نظر رحيم نحو أنس بدون استيعاب وهو يتسأل بداخله لماذا قاطع الأخير حديثه وعدله ليدعس أنس على قدمه بخفة.


"تنوروني يا حبيبي في أي وقت البيت بيتكوا، وأنا حبيتك جدًا يا رحيم يا ابني ومُرحب بيك في أي وقت."


"شكرًا لحضرتك.. طيب هو ينفع أخد من حضرتك وعد."  تمتم رحيم بإحراج ليبتسم والد أفنان وهو يقول:


"لو كان في استطاعتي فأكيد اتفضل."


"ممكن حضرتك متوافقش عالعريس اللي كان متقدم لأفنان؟ أنا مش هتأخر على حضرتك أنا إن شاء الله هاجي على طول عشان نقرأ الفاتحة ونجيب الشبكة."


تحدث رحيم بحماس شديد خاصة عند جزئية قراءة الفاتحة ليمنحه والده أفنان نظرات مُطمئنة وهو ينبس بكلمة واحدة والتي أثلجت صدر رحيم:


"أوعدك."


"شكرًا جدًا لحضرتك.. إن شاء الله هكلم حضرتك تاني في أقرب وقت عشان نحدد ميعاد."


"تنور في أي وقت يا حبيبي."


"طيب يا عمو نستأذن أحنا بقى." أردف أنس وهو يُنبه رحيم أن عليهم الرحيل فلقد انتهى الحديث عند هذا الحد ولا يوجد معنى لمكوثهم الآن.


"ليه يا حبيبي ما أنتوا مشرفينا."


"إن شاء الله هنقعد كتير كلنا الفترة الجاية لما يتم المراد." تمتم أنس بنبرة درامية قليلًا مستخدمًا لفظة قديمة للغاية لم يفهمها رحيم لكن فهمها والد أفنان بسهولة بالطبع.


"إن شاء الله."


ودع والد أفنان الشابان بلطف شديد وبمجرد أن أُغلق باب المنزل بعد تأكد والد أفنان من رحيلهم نظر رحيم نحو أنس بحيرة وهو يقول:


"مراد مين؟ أنا مش فاهم حاجة!"


"بس اسكت."


"أنت بتسكتني جوا ليه؟ كل أما أقول جملة تعدل عليا!!"


"يا عم الراجل رافضك أصلًا من الأول تقوم قايله مامي وبابي؟ ده كده هيضربنا بالنار."


"فين المشكلة؟ مش فاهم."


"هي مش مشكلة ولكنها اختلاف ثقافات مش أكتر، الناس في المستوى ده هيبقوا شايفين إنك مايع أو مايص لمجرد أنك بتستخدم مصطلح أو لفظ غير دارج بالنسبالهم."


"بعيدًا عن جملة 'في المستوى ده' عشان طبقية جدًا، بس اللي أنت بتقوله ده سيء أوي.. دي Toxic masculinity 'ذكورة سامة'."


"بالضبط كده، بس أنت لوقلتلهم المصطلح ده برضوا هيفتكروك بتشتمهم."


"عالعموم مش مهم كل الكلام ده دلوقتي.. أنا حاسس بإحراج فظيع ومتضايق أوي، حتى أفنان مشوفتهاش النهاردة.."


"ما ده المتوقع يا رحيم، أنا قولتلك من الأول إن الموضوع مش هيمشي بس أنت اللي صممت إننا نيجي والحمدلله إن الراجل محترم ومطردناش."


"خلاص بقى متقعدش تلومني وبعدين أنا أصلًا أنا مش ندمان.."


أردف رحيم وهو على وشك أن يدلف داخل السيارة لكنه شعر بشيء صلب يرتطم بكتفه وقبل أن يسب من فعل ذلك وجد صوت 'بسبسة' من الأعلى، رفع عيناه ليرى أفنان تنظر نحوه من الشرفة وهي تختبأ بين الستائر.


"يا عيال يا معفنة ياللي بترموا حجارة عالناس!!" صاح أنس بصوتٍ مرتفع نسبيًا ليقترب منه رحيم واضعًا يده على فم أنس كي يُجبره على الصمت.


"بس اسكت دي أفي."


"أيه أفي دي؟"


"أفنان يا أنس أفنان!"


"طب ما تنده ولا ترن، بتحدف على قفانا طوب ولا مشابك ليه؟!"


"أنت غبي بجد، يلا.. يلا نمشي أركب."


نبس رحيم بحنق وهو يدفع أنس إلى داخل السيارة قبل أن يرفع عيناه ليُلقي نظرة أخيرة على أفنان قبل أن يرحل، منحها ابتسامة مُنكسرة لكن لم تستطيع هي أن تبادله الإبتسام حيث كانت دموعها تنهمر لكنه لم يستطع رؤية ذلك بوضوح نظرًا لبعد المسافة، لوح لها رحيم مودعًا إياها قبل أن يدلف إلى داخل السيارة.


بالعودة إلى منزل أفنان، جلس والدها بضع دقائق في انتظار خروج أفنان من حجرتها لكنها لم تفعل بل فعلت ميرال والتي دنت من والدها لتُخبره بأن شقيقتها قد أجهشت في البكاء في حجرتها بسبب سماعها لرفض والدها لزواجها من رحيم، تنهد والدها بضيق قبل أن يمنح ميرال ابتسامة حنونة مُرهقة وهو يُردف:


"متقلقيش أنا هدخل أتكلم معاها."


استقام من مقعده واتجه نحو غرفة أفنان واستطاع سماع صوت بكائها حتى قبل أن يدلف إلى الحجرة، شعر بالآلم يتسلل إلى قلبه فلم تكن ابنته من الشخصيات سريعة البكاء، طرق الباب مرتين بطرقته المميزة لتقول أفنان بصوتٍ مبحوح:


"اتفضل."


"عروستي القمر عاملة أيه؟"


"عروسة أيه بقى يا بابا.."


"طبعًا عروسة وأحلى عروسة كمان." تفوه والدها بنبرته الحنونة المعتادة وهو يضع يده أسفل ذقنها ليرفع وجهها الذي خفضته هي لتظهر عيناه الباكية ووجنتها المُحمرة.


"أنتي بتعيطي ليه يا عبيطة؟ عشان مقولتش أني موافق؟ ده انا كده برفع قيمتك وببين أد ايه أنك غالية وإن عمري ما هقبل أنه يكون متجوزك في الدراء ولا أنه ميقدرش يمشي جنبك وهو حاطط عينه في عين أي حد قصاده."


"أنا فاهمة يا بابا وأنا عارفة أن حضرتك عندك حق و اللي عملته هو الصح بس أنا.." تحدثت أفنان من بين شهقاتها ليُكمل والدها ما لم تستطع هي إكماله قائلًا:


"متضايقة، عارف أنك متضايقة وأن كان نفسك كل حاجة تتم، بس صدقيني يا أفنان يا بنتي الشخصك اللي مش بيحارب عشان الحاجة ويتعب عشان يوصلها مبيحسش بقيمتها وأنتي قيمتك غالية أوي يا حبيبتي."


"شكرًا يا بابا أنك بتعمل كل حاجة عشان مصلحتنا حتى لو أحنا مش فاهمين."


"أنا أهم حاجة عندي سعادتكوا يا نور عيني، المهم يلا قومي بقى عشان نشوف المحروس جايب أيه معاه."


"اه صح هو جاب أيه؟" سألت بفضول ليضحك والدها ثم يُجيبها بسخرية:


"سي روميو جايبلك ورد وشيكولاتة وحلويات."


"أكيد مكلف ما أنا عارفاه ابن البكري بيحب المنظرة."


"البكري؟"


"اه هو اسمه رحيم البكري، بس مش عارفة اسم باباه أيه حاجة بحرف ال ح كده.." نظر والد أفنان نحوها بحيرة وكأنه يحاول تذكر شيئًا ما قبل أن تُباغته هي بسؤالها:


"هو حضرتك بتشبه عالإسم ولا أيه؟"


"حاسس أني سمعته قبل كده، اسم العيلة مميز."


"أكيد الإسم عدى على حضرتك في الجرايد أو أخبار رجال الأعمال أو المستثمرين مثلًا."


"ممكن، المهم يلا قومي أغسلي وشك وتعالي أقعدي معانا برا."


"حاضر."


داخل السيارة جلس رحيم إلى جانب أنس في صمت، مازال يشعر بالضيق والإحباط لما حدث في مقابلة والد أفنان وما زاد الطين بلة هو تلك الأغنية الحزينة التي تتحدث عن الفشل والتعاسة والتي قام أنس بتشغيلها بصوتٍ مرتفع وكأنه متعمد جعل حالة رحيم أسوء.


"أيه يا عم القرف اللي أنت مشغله ده؟"


"اه لا مؤاخذه الأغنية جت عالجرح، طب تحب أدورلك عن أغنية بتحكي عن واحد راح يتقدم لواحده فأبوها طرده؟"


"طب تحب أنا أشغلك أغنية عن واحد أتعصب من صاحبه So he got rid of him 'تخلص منه' ؟"


"لا خلاص أنا أسف، قولي بقى أوصلك على فين؟"


"هو أنا كنت عايز أرجع عال Hotel 'الفندق' طبعًا، بس بيقولولي في مشكلة في الشركة ولازم أروح أشوفها ضروري."


"تمام هاجي معاك ولما نخلص هعدي عالمستشفى أشوف أروى."


"ماشي."


وصل رحيم إلى الشركة وبمجرد أن دلف إلى داخل انتبه الجميع له، فمنذ أن عاد من بريطانيا لم يحضر إلى الشركة تقريبًا وقد كان الفضول يلتهم الجميع ليعرفوا سر الإختفاء المفاجئ لشخصية صارمة كرحيم، تركه أنس واتجه إلى مكتبه بينما فعل رحيم المثل ولكن قبل أن يفعل اتجه إلى المساعدة الشخصية خاصته أولًا.


"دخليلي كل الورق اللي محتاج يتمضي عالمكتب و reports 'تقارير' الشهر كله من فضلك." طلب رحيم من  المساعدة خاصته التي أومئت بهدوء وهي تستقيم من مقعدها لتقوم بإحضار ما طلبه رحيم.


"ثواني هو أنتي أيه اللي مقعدك لحد دلوقتي في الشركة؟ الساعة Almost 9 pm 'تقريبًا التاسعة مساءًا'."


"ما هو يا فندم حضرتك في ضغط شغل جامد جدًا اليومين دول وحضرتك مكنتش هنا فأوقات كنا بنقعد زيادة عن مواعيد العمل الرسمية ومستر حامد قال إن هيبقى في Over time 'المقصود زيادة في الراتب نتيجة العمل لساعات أطول'."


"تمام، بعد ما تجيبي الحاجات اللي طلبتها تقدري تتفضلي."


"تحت أمرك يا فندم."


جلس رحيم على المكتب خاصته بضيق وهو ينزع رابطة عنقه بإستياء، ثم يعيد خصلات شعره نحو الخلف، عشرة دقائق تقريبًا مرت قبل أن يسمع رحيم طرقات هادئة على الباب يسمح للمساعدة بالدخول وهو يعبث في أحد الأوراق التي أمامه بينما يُعلق دون رفع عيناه نحوها:


"حطيهم عالمكتب وأتفضلي."


"طب ينفع متفضلش وأقعد معاك شوية؟" صدر هذا السؤال بغتة من صوت رجولي يعرفه رحيم جيدًا بالتزامن مع ملاحظة رحيم أن اليد التي وضعت الاوراق هي يد رجل وليست يد مساعدته.


"بابي؟ أهلًا بحضرتك اتفضل طبعًا." نبس رحيم بمزيج من الدهشة والتوتر وهو يستقيم من مقعده على كرسي المُدير مُشيرًا لوالده بأن يجلس مكانه كنوعًا من الأدب والذوق، ابتسم والده تلقائيًا من فعلة رحيم تلك وهو يشعر بالفخر كونه استطاع تربية ابنًا بهذه السلوكيات.


"خليك مستريح يا رحيم ده مكانك."


"العفو يا بابي، حضرتك أتفضل وأنا هقعد عالكرسي اللي قصاد حضرتك."


"طب أنا عندي حل وسط، أحنا نقعد عال Couch 'الأريكة' اللي هناك دي."


"تمام أتفضل." نبس رحيم وهو يُشير إلى والده ليجلس الإثنين على الأريكة، تسلل التوتر إلى قلب رحيم وهو ينتظر سماع ما سيقوله والده بقلق.


"خليني أدخل في الكلام على طول، أظن أنت عارف أنا جاي لحد هنا عشان أتكلم في أيه."


"عارف طبعًا.."


"طيب بعيدًا عن أعتراضي أو موافقتي على البنت والجوازة بشكل عام، مش شايف إنك كان المفروض ترجعلي أنا الأول يا رحيم في موضوع زي ده قبل ما تاخد أي خطوة؟


سأله والده بنبرة تحمل في طياتها اللوم لكنه لم يكن حادٍ كذلك، اضطربت ملامح رحيم أكثر وهو يحك مؤخرة رأسه بينما يُردف:


"حضرتك عندك حق أنا غلطت، بس أنا لو كنت عرفتك اللي بخططله كنت هتقولي استنى وكنت هتقولي أنك هتكلم مامي بهدوء وهتحاول توصل معاها لحل، وده هياخد وقت طويل ده فحالة أنك قدرت تقنعها أساسًا وأنا مكنش عندي أي استعداد استنى لما البنت تروح من إيدي."


"ولما روحت لوحدك كانت أيه النتيجة؟"


"مش فارقة النتيجة دلوقتي يا بابي، لأني لسه هحاول تاني وتالت وعاشر لحد ما اللي أنا بطمح ليه يحصل."


"بتحبها أوي كده؟ شايف إن الجوازه دي تستحق المخاطرة بكرامتك وكرامتنا وإنك تخسر رضاء أمك؟"


سأل والده بنبرة جادة ليسود الصمت لثوانٍ حيث كان يحاول رحيم ترتيب الحديث في رأسه أولًا قبل أن يُجيب على سؤال والده، أخذ رحيم نفسٍ عميق ثم نبس بالآتي بكل صدق:


"بابي، أنا عمري في حياتي ابدًا ما أعمل أي حاجة تمس كرامتنا بسوء، أما عن جزء المخاطرة بقى فإيه المانع أني أخاطر زي ما حضرتك خاطرت زمان يا بابي وأتجوزت مامي بالرغم من رفض عائلة حضرتك للموضوع ورغبتهم في إنك تتجوز بنت من بنات عائلة البكري؟"


صمت والد رحيم وقد ذم شفتيه، فرحيم محق بهذا الشأن، فلم يتردد حامد منذ أكثر من عشرون عامًا في الوقوف أمام كل أفراد عائلته وليس أبويه فقط من أجل الزواج من إيڤلين والتي كانت تختلف عنهم كثيرًا من حيث التربية والتعليم بل من ناحية العادات، التقاليد، والجنسية كذلك حتى وإن كانت العائلتين متقاربتين من ناحية المستوى المادي.


"بابي، أنا كنت تايه.. كنت تايه ولاقيت نفسي لما لاقيت أفنان، يمكن أنا معرفهاش كويس.. يمكن أحنا محتاجين نعرف بعض أكتر ويمكن يحصل بينا مشاكل وخناقات لكن  All of this won't change my mind about the proposing 'لكن كل ذلك لن يُغير رأي/فكري حول موضوع طلب يدها للزواج'."


"أنت عندك حق في كل كلمة قولتها بس صدقني يا رحيم أنت هتتعب جدًا لإختلاف المستوى والتربية ده الموضوع مش سهل زي ما أنت متخيل، أنا تعبت كتير لحد ما وصلت للتفاهم اللي بيني وبين والدتك."


"أنا وأفنان مدركين ده كويس يا بابي أحنا مش صغيرين، وأحنا عندنا رغبة إننا نحاول فياريت تدولنا فرصتنا."


"على راحتك يا رحيم، طالما ده اللي أنت بتتمناه فأنا عمري ما همنع عنك حاجة أنت نفسك توصلها وهتمنالك كل خير وهقف في صفك وأدعمك، أنت ابني الوحيد ولكن هفكرك أنت اللي هتتحمل نتيجة كل حاجة لوحدك في الآخر." تفوه والده بهدوء شديد ونبره جادة.


"عارف حضرتك متقلقش، شكرًا جدًا يا بابي أنا حقيقي محتاجلك تقف جنبي في الوقت ده أكتر من أي وقت تاني."


"أوعدك أني مش هخذلك يا ابني، ألف مبروك يا رحيم."


نبس والده بنبرة حنونة وهو يُقربه إليه ليضمه بقوة، لقد مر وقتًا طويل منذ أن ضم رحيم والده بهذا الشكل، كان الأمر برمته يأخذ منحنى عاطفي مؤثر، لحظة لا تتكرر كثيرًا بين الأب وابنه في هذا الزمان لكن بالطبع تم قطع المشهد حينما صدح في المكان صوت حذاء أنثوي وصوتٍ مستاء يتحدث بإستنكار مُتسائلًا:


"ألف مبروك على أيه يا حامد؟ أنت موافق عالمهزلة دي؟"


"بعدين يا إيڤلين."


"أيه يا رحيم مش هتسلم عليا؟"


"لا طبعًا مقدرش.. أهلًا بحضرتك يا مامي."


"أيه مش ناوي ترجع البيت ولا أيه؟ it seems like you are enjoying staying away from home like a homeless person 'يبدو الأمر وكأنك تستمتع بالبقاء بعيدًا عن المنزل وكأنك شخص بلا مأوى/مشرد'."


"لا، محتاج أفضل لوحدي أحسن ليا وللكل ده أولًا، ثانيًا I  am staying at a hotel, and homeless people can't afford staying at a hotel mum' أنا أمكث في فندق، الأشخاص الذين لا مأوى لهم/المشردين لا يمكنهم تحمل تكلفة البقاء في فندق أمي'."


سخر رحيم في نهاية جملته من حديث والدته ولكنه حاول جاهدًا الحفاظ على نبرته الهادئة ففي النهاية هو يتحدث إلى والدته.


"واللي أنت بتعمله ده آخرته أيه؟"


"آخرته أني هتجوز أفي يا مامي."


"شايف آخرة دلعك ليه يا حامد؟ بقى بعد السنين دي كلها تعصاني يا دكتور رحيم عشان بنت ملهاش قيمة زي دي آخر تشتغل خدامة عندنا!"


"بعد إذن حضرتك!"


"إيڤلين! استنى أنت يا رحيم، مش من حقك ابدًا أنك تتكلمي عن البنت أو عن أي حد بالطريقة المُهينة دي ابدًا! وبعدين دلع أيه اللي بتتكلمي عليه يا هانم وأنتي طول عمرك معيشه الولد في ضغط وقلق من إن تعليماتك لازم تتنفذ بالحرف؟! وبعدين لو كنت أنا غلطت في حاجة تبقى في أني سيبتك تربي الولد بالإسلوب ده!"


صاح والد رحيم بإنفعال شديد للمرة الأولى في حياته تقريبًا، فالطالما كانت والد رحيم يلجأ إلى النقاش الهادئ والدبلوماسي لكن الكيل قد طفح به حينما تعلق الأمر بإبنه الوحيد، أخذت تطالعه زوجته بنظرات تنم عن عدم الرضا والسخط ولا تخلو من الإندهاش كذلك فهي لم تتوقع قط أن تسمع مثل تلك الكلمات من زوجها.


كان رحيم يراقب ما يحدث بشعور كبير من الذنب في أنه جعل الحوار بين والديه يحتد بهذا الشكل لكن لم تكن بيده حيلة فما حدث ليس عن قصد وهو مازال معه كامل الحق في اختيار فتاة أحلامه والدفاع عنها، وكم تمنى أن تسير الأمور بوتيرة هادئة وأكثر بهجة لكن كل ما يتمناه المرء يدركه.


"أنت بتكلمني أنا يا حامد بالإسلوب ده؟ وعشان مين؟ عشان واحدة ابنك ميعرفهاش غير من كام شهر؟"


"افهمي بقى يا إيڤلين! أنا بتكلم عشان ابني.. ابني اللي يخصني اللي حته مني مش عشان البنت أو غيرها!"


نبس حامد بإنفعال شديد وهو يُمسك رأسه بآلم نتيجة ارتفاع ضغط دمه في الغالب، أقترب منه رحيم بلهفة وقلق بينما يحاول معرفة بماذا يشعر بالضبط ولكن قبل أن يسأله باغته أحدهم بسؤالًا آخر:


"رحيم أنا هطلب طاجن مكرونة وعلبة كشري أجبلك معايا؟!"


سأل أنس ببلاهة شديدة لينظر ثلاثتهم نحوه بحيرة وعدم فهم، حمحم أنس بإحراج وقد تحول وجهه إلى لون ثمرة الطماطم وهو يعتذر منهم على الفور قائلًا:


"أنا أسف جدًا شكلي جيت في وقت غلط.."


"خد هنا يا أنس! You truly disappointed me 'لقد خيبت ظني حقًا' بقى تطاوع رحيم وتساعده في الكارثة اللي عايز يعملها دي؟"


"الله! وأنا مالي يا Auntie؟ وبعدين حضرتك وعمو مكبرين الموضوع جدًا، يعني أيه المشكلة أنه أُعجب ببنت وعايز يتجوزها في الحلال؟ مش أحسن ما يضرب ورقتين عرفي ولا يشرب سجاير محشية؟"


"أنت بتقول أيه؟ أنس Shut up 'أخرس'!!"


"أنا بتكلم جد والله، يعني هو عايز يعمل حاجة ترضي ربنا أولًا وتتوافق مع العادات والتقاليد بتاعت المكان اللي أحنا فيه وهو عرض على حضرتك الموضوع بهدوء وأنتي رفضتي ولمح لحضرتك قبل كده برضوا يا عمو والنتيجة كانت صفر، فمحدش يلومه دلوقتي أنه اتصرف من دماغه وراح نفذ لوحده."


نظر رحيم نحو أنس بإمتنان شديد لدفاعه عنه بتلك الإستماته بينما استنكرت والدة رحيم ما قاله أنس، حمحم حامد ببعض الحرج وهو يتمتم:


"أنت عندك حق فعلًا يا أنس، أحنا غلطنا.. رحيم حدد معاد مع والد البنت دي وهنروح معاك ونطلب إيدها زي ما الأصول بتقول."


"حامد أنت لو عملت كده أنا.."


"أنتي أيه؟ هتعملي أيه؟ فوقي بقى يا إيڤلين رحيم مش صغير ومحدش واصي عليه، هتتبسطي لما يتجوز من وراكي؟ ولا هتتبسطي أكتر لما ميتجوزش خالص ويفضل طول حياته تعيس؟! أنتي نسيتي الحالة اللي كان فيها لما ساب ناتالي؟"


"ما شاء الله، موضوع ناتالي ده وراك وراك يخربيت الذل."


"أنا كنت لسه بشكر فيك فأخرس من فضلك." قال رحيم من بين أسنانه، لكن أنس لم يُعلق حيث قاطعتهم والدة رحيم وهي تقول بكل جدية:


"روح معاه يا حامد بس من النهاردة يا رحيم انسى إن ليك أم!"


"كليشية أوي الحركة دي يا إيڤو والله، يعني روحي لمستوى أعلى شوية يعني مثلًا روحي أعرضي عليها فلوس عشان تسيب رحيم.. أو مثلًا سيبيهم يتخطبوا وبعدين طلعي عينيها كده يعني.."


علق أنس بحديثٍ ساخر كالمعتاد لكن ملامحه كانت جادة تمامًا، نظر رحيم نحو أنس بحدة وهو يسأله:


"أنت بتقول أيه يا بني آدم أنت؟!"


"حامد I will be waiting for you outside 'سأكون في انتظار بالخارج'." بصقت كلماتها وغادرت المكان لينظر والد رحيم نحوه بإبتسامة جاهد لرسمها على فمه وهو يُردف:


"متقلقش، أوعدك أن كل اللي أنت عايزه هيحصل بس أديني وقت أحسم الموضوع مع والدتك."


"تمام يا حبيبي."


"أظن أنا دافعت عنك وضبطك عالآخر، قدرني بقى."


"مسمعش صوتك لحد بكرة الصبح، ويلا نروح لإن الوقت اتأخر وأكيد مفيش زيارة لأروى دلوقتي."


"اه صح.. طيب يلا."


مر أسبوعًا آخر ولم يحدث جديد، مازال رحيم يمكث في الفندق ولم يأتيه الخبر اليقين من والده ولم يتحدث هو إلى أفنان والتي قضت أيامها بصعوبة تحاول جاهدة تشتيت نفسها بالجامعة وصب تركيزها في المذاكرة لكن الأمر لم يكن سهلًا بتاتًا.


"يعني دلوقتي عدى أسبوع ويوم والبيه لسه متصلش."


"في أيه يا أفنان هو لحق؟ وبعدين عقبال يا بنتي ما يقنع أهله أنتي فاكرة كل الأهالي كويسين مع ولادهم وبيقتنعوا بسرعة زي ماما وبابا ولا أيه؟"


"وهي ماما بتقتنع أصلًا أنتي كمان؟ أو هي بتقتنع اه بس بتشتمني في سرها."


"المهم سيبك من الكلام ده كله، حلو الطقم ده ولا مش أد كده؟" سألت ميرال أفنان وهي تتأمل ثيابها أمام المرآة.


"اه حلو، أنا من بدري عايزة اسألك رايحة فين وبنسى."


"هكون رايحة فين مثلًا؟ خارجة مع خطيبي."


أجابتها ميرال وهي تُأشر بيدها على خاتم الخطبة بطريقة مبتذلة لتقلب أفنان عينيها بتملل وهي تُعلق ساخرة:


"خطيبك؟ طيب ياختي ربنا يوفقكوا، نازلين عادي ولا هتشوفوا حاجة ليها علاقة بالشقة؟"


"لا هنخرج نتغدى وكده وهنبص على محلات الموبيليا عشان لو في موديل عاجبنا نبقى نعمل زيه."


"طيب كويس، إنچوي 'استمتعي'."


بالفعل جاء نوح لإصطحاب ميرال ليقضوا بعض الوقت سويًا، بدأو أولًا بالتجول بين محلات 'الموبيليا' وبعد أن شعروا بالإرهاق قرروا الذهاب لتناول الغداء، كان نوح لطيفًا هادئًا في ذلك اليوم على غير المُعتاد مما جعل ميرال تشعر بالسعادة والسكينة لكن ذلك لم يدوم طويلًا فبمجرد جلوسهم في أحدى المطاعم باغتها نوح بسؤاله الآتي:


"إلا قوليلي يا ميرال، الشملول جيه أتقدم بقى ولا لغى المعاد؟"


"لا ملغاش حاجة.. جيه اه بس.."


"بس أيه؟" سأل نوح بإهتمام واضح لتتنهد ميرال بضيق قبل أن تُردف:


"هقولك بس متقولش لأفنان أني قولتلك."


"خلصي يا ميرال أكيد مش هقولها شايفاني عيل صغير؟"


تذمر نوح بضيق بينما أخذت ميرال تنظر إليه بحيرة، كيف لنبرته ونظراته أن تتحول بتلك السرعة؟ ولما يسألها بكل هذا الإهتمام المُبالغ فيه؟ أخرجها من شرودها صوت نوح وهو يُسمعها بعضًا من توقعاته للسيناريو الذي حدث بنبرة انتصار مُردفًا:


"أنا هتوقع.. أهله مش موافقين صح؟ أو شايفينكوا طمعانين طبعًا ومش أد المقام."


"لا هو مش ده اللي حصل وبعدين مالك بتقولها بشماته ليه كده؟" ذمت ميرال شفتيها بعد أن سألته مُستنكرة نبرته تلك وبدلًا من الإعتذار ابتسم ابتسامة جانبية وهو ينبس بالآتي:


"مش شماته، أنا بس مبسوط إن كان عندي حق واللي قولته هو اللي حصل."


"يعني أنت مش فارق معاك مشاعر أفنان اللي هي أختك وزعلها وكل اللي فارق معاك إن كلامك يطلع صح؟ وبعدين أنا مش فاهمة أنت حاطط أفنان في دماغك كده ليه يا نوح؟ ما تسيبها في حالها شوية."


"في أيه يا ميرال هو كل مرة هتيجي سيرة أفنان هنتخانق فيها؟" تسأل نوح بنبرة حادة وصوت مرتفع نسبيًا، تُصدم ميرال من نبرته لكنها تُجيبه بنبرة منفعلة كذلك وهي تقول:


"اسأل نفسك، وبعدين أصلك مش شايف أنت بتتكلم ازاي! وبعدين هو مفيش سيرة غير سيرة أفنان نتكلم فيها؟! مفيش مرة قعدنا فيها إلا لو أتكلمنا عنها أيه مفيش مواضيع تانية ولا ناس تانية في حياتنا؟ ده أنت مريم أختك مبتجبش سيرتها كده!"


"أنتي الكلام معاكي بقى صعب أوي يا ميرال."


"ده على أساس أننا بنتكلم كتير أوي يعني." سخرت من ميرال وهي تعقد كلتا يديها أمام صدرها، زفر نوح بضيق قبل أن يتراجع سريعًا ويحاول إصلاح الأمر ويقول:


"طيب.. خلاص حقك عليا، متزعليش."


"خلاص مش زعلانة، أنا عايزة أروح."


"طيب تعالي هوصلك."


"لا مش عايزة! أنا هروح لوحدي."


"بلاش عِند بقى يا ميرال ويلا هطلب الحساب ونقوم."


"قولتلك مش عايزاك توصلني أنا همشي لوحدي."


"ما خلاص يا ميرال قولت! ما تسمعي الكلام ولا أنتي هتعملي إن ليكي شخصية عليا!"


بصق نوح كلماته القاسية في لحظة غضب، شعرت ميرال وكأن أحدهم قد سكب 'جردل' مياه مُثلجة فوق رأسها، نظرت لي نحو نوح بإنكسار وصدمة وهي تسأله مستنكرة:


"يعني أنت شايف أني مليش شخصية يا نوح؟"


"أنا مقولتش كده.."


لم تسمح له ميرال بالتفوه بحرفًا آخر واستقامت من مقعدها بعد أن جذبت حقيبتها مهرولة نحو الخارج، حينما حاول نوح استيعاب ما يحدث كانت ميرال قد غادرت بالفعل، حاول اللحاق بها لكنها كانت داخل سيارة الأجرة 'تاكسي' بالفعل، وقف يضرب كفيه ببعضهم وهو لا يدري ما العمل.. فماذا سيحدث له إن سردت ميرال ما حدث لوالديها والأسوء لو علمت أفنان بالحوار الذي دار بينهم.


أخذت ميرال تنظر من شرفة سيارة الأجرى إلى الطريق بشرود، لا وجهة محدد تنوي الوصول إليها.. دموعها تنهمر في صمت وآلم شديد يجتاح رأسها، يصدح صوت هاتفها بالإتصالات المُتكررة من نوح لكنها لا تجيب فلا طاقة لها للشجار ولا تود سماع صوته قط في الوقت الحالي، في نهاية الأمر وبعد مرور نصف ساعة تقريبًا طلبت من السائق أن يتوقف بالقرب من النيل، منحت السائق أمواله وغادرت السيارة.


وقفت تستند على السور المعدني الصدئ في بعض البقع وهي تتأمل مياه النيل السوداء والتي أكتسبت لمعة نتيجة لإنعكاس ضوء القمر عليها بينما تتسأل بداخلها متى ستلمع هي مثل تلك المياة والتي من دون القمر لكانت منطفئة كئيبة المنظر.. ولكن تُرى هل نوح هو قمرها الذي سيساعدها على التلألأ أم هو سحابة سوداء ستحجب الضوء عنها؟


بالإنتقال إلى مقر شركة البكري، جلس رحيم يُنهي عمله بعد رحيل معظم الموظفين تقريبًا.. كان يُخرج بعض الأوراق من أحدى الأدراج حتى وقعت أمامه شهادة تحوي اسم أفنان والتي لم تأتي لإستلامها قط، ابتسامة صغيرة زينت ثغره وهو يتأمل اسمها بينما تقفز إلى ذاكرته المواقف اللطيفة التي جمعتهم سويًا.


"أيه ده أنا جيت في وقت مش مناسب ولا أيه؟"


"يا ابني هو أنت محدش علمك إن من الآدب إننا نخبط على الباب قبل ما ندخل؟"


"لا محدش علمني، وبعدين الحق عليا كنت جاي أقولك خبر عدل بدل ما أنت قاعد تحب في شهادة التقدير كده."


"خبر أيه ده إن شاء الله؟"


"الحاج أبوك أتصل بيا بما إن حضرتك عامل الموبايل Silent 'صامت' كالعادة وبيقولك نخلص ونروح عالبيت عندكوا نتعشى معاه عشان عايز يكلمك في موضوع أفنان."


"تمام، بس هي مامي هتكون هناك؟ عشان لو هناك مش هروح."


"لا بيقول إنه في البيت لوحده، معرفش خلص عليها بقى ولا أيه.. عالبركة عمتًا."


"احترم نفسك بعد الشر عنها.. عمومًا أنا هخلص الورق اللي في إيدي ونتحرك سوا."


"تمام."


بعد نصف ساعة غادر رحيم وأنس مقر الشركة لكن رحيم كان يسبق أنس ببضع خطوات حيث وقف يثرثر قليلًا مع أفراد الآمن.


"لا..لا.. Oh shit 'تبًا'!!"


همس رحيم من بين أسنانه حينما رأى المرآة التي تتكئ على سيارة أنس، كانت ملامحها متوترة ويديها ترتجف بقوة بينما تنهمر دموعها بلا سبب واضح، بمجرد أن لمحت أنس هرولت نحوه وهي تسأله بينما تحاول أن تُمسك بيده:


"أنس!! أنس، فريد فين؟ رد عليا! أنا مش عارفة أوصله."


"متلمسنيش! معرفش هو فين روحي دوري عليه بعيد عني."


صاح أنس بإستنكار وهو يرفع كلتا ذراعيه كي يمنعها من لمسه ثم يعود نحو الخلف بضع خطوات، أقتربت هي منه مجددًا وهي تحاول التحدث من بين دموعها التي تنهمر بغزارة مُردفة بترجي:


"أنس أنا مليش في الدنيا غير فريد مينفعش تعمل معايا كده حرام عليك، قولي هو فين بس وأنا أوعدك همشي."


"حرام عليا أنا؟ حرام عليا أنا يا ما.. حتى لساني مش مطاوعني أناديلك باللقب ده عشان أنتي متستحقيهوش أساسًا!"


"طيب على الأقل قولي أروى فين طيب، أنا عايزة أشوفها..أختك فين؟"


"أروى؟ أنتي لسه فاكرة أن ليكي بنت اسمها أروى؟ أنسيها وأنسيني مش أنتي مردتيش تشهدي إن فريد كان هو السبب في اللي حصلنا، خلاص انسي بقى إنك خلفتي من الأساس."


"أنس أبوس إيدك متعملش فيا كده يا ابني.."


"أنا مش ابنك!" صرخ أنس في وجهها بقوة وهو يدفعها بعيدًا عنه حتى كادت أن تسقط لولا أن رحيم أمسك بها برفق بينما يصيح موبخًا أنس:


"أنس أنت أتجننت! أنت ازاي تزقها كده؟"


"اه أتجننت وخليها معاك بقى طالما خايف عليها كده، أنا ماشي." بصق أنس كلماته قبل أن يدلف إلى داخل سيارته  تاركًا والدته منهارة من البكاء ورحيم يقف في حيرة من أمره، تحرك أنس لمسافة قصيرة بالسيارة قبل أن يتوقف بالقرب من أفراد الأمن عند البوابة الخارجية للشركة ثم يفتح الشرفة التي بجانبه وهو يُردف بصوتٍ مسموع:


"الست اللي جوا ديه لو حد سمحلها بالدخول تاني للشركة اعتبروا نفسكوا مرفودين."


"أنا أسف حقك عليا.." كان هذا آخر ما سمعه أنس قبل أن يرحل تاركًا المكان بأكمله.


كان يقود بسرعة جنونية غير مهتم بكم المخالفات التي سيحصل عليها في الغالب وبالطبع غير مُهتم لما قد يُصيبه في حالة وقوع حادث فغضبه وإستياءه جعله لا يُفكر بمنطقية.. أخذ يتنقل بين الشوارع دون وجهة محددة حتى انتهى به المطاف بالتوقف بالقرب من النيل.


أوقف السيارة فجاءة وبقوة حتى تسببت في صوتٍ مزعج ليلتفت الجميع نحوه لكنه لم يأبه بأحد، غادر سيارته صافعًا الباب بقوة قبل أن يركل إطار السيارة عدة مرات بإستياء شديد، لم ينتبه لتلك التي تتأمل فعلته بفضول فهو لم يكن في حالة تسمح له بالإنتباه لما حوله، أعاد خصلات شعره نحو الخلف وهو يذهب للإتكاء على السور المعدني الصلب.


لفحته نسمات الهواء الباردة وتخللت خصلات شعره البُنية، ألحان الست تسللت إلى أذنه والتي كانت صادرة من أحدى عربات 'الحمص' التي توقفت بالقرب منه، كانت الألحان تجمع بين الحزن.. الشوق.. العتاب واللوم، لم يستطع كبح دموعه من الإنهمار بغزارة رغمًا عنه فلقد كانت الاجواء مناسبة للبكاء وقد احتمل هو كثيرًا بحيث لم يعد يستطيع فعل ذلك مجددًا.


مرت دقيقتين تقريبًا ومازال أنس يبكي بشرود حتى انتبه حينما سمع صوت شهقات تصدر بالقرب منه، كانت التي بجانبه تحاول كتم شهقاتها قدر الإمكان لكن يبدو أنها حاولت كثيرًا حتى فقدت السيطرة على نفسها، ابتسم أنس ساخرًا وهو يكفكف دموعه فلقد تحول المكان من مكانًا رومانسيًا لطيف إلى ساحة للبكاء والعويل منه ومن غيره.


"منديل يا بيه؟" سألت فتاة تبدو في الثامنة من عمرها وهي  تُقدم إلى أنس 'كيس مناديل' صغير، كان أنس على وشك أن يرفض لكن هيئة الفتاة ذات الملامح البريئة والوجه المنهك جعلته يُغير رأيه على الفور، منحها ابتسامة صغيرة وهو يأخذ منها اثنين ويمنحها ورقة مالية تفوق ثمن ما أخذه بكثير، نظرت نحوه الفتاة بإمتنان شديد وهي تدعو له بكل ما جاء في خاطرها:


"ربنا يوسع رزقك يا بيه، ربنا يكرمك، يارب يرزقك ببنت الحلال.." كان هذا آخر ما سمعه أنس من الدعاء ولم يهتم  لسماع الباقي، أن يُرزق بإبنة الحلال.. هذا هو ما يحتاجه في الوقت الحالي بالفعل.. أن يجد من تُشاركه همومه ويُشاركها همومها لعلهم يساعدون بعضهم البعض في تخطي الأحزان والبحث عن السلام النفسي.


"منديل؟" سأل أنس الواقفة على بعد خطوات منه والتي  كانت تبكي قبل قليل، كانت تنوي الرفض ظنًا منها أنه بائع أو أحد الشحاذين لكنها رفعت رأسها لتُقابل عيناه العسلية اللامعة.. تأخذ المنديل من يده وتُشيح بنظرها سريعًا بعيدًا عنه بينما لم يستطيع هو أن يفعل المثل بل أخذ يتأمل ملامحها الهادئة ووشاح رأسها ذو التصميم اللطيف.. عيناها المُنتفخة من البكاء، وتلك البشرة الخمرية.. مهلًا، لقد رأى تلك الملامح من قبل لكن لا يذكر أين.. كان على وشك أن يسألها لكن سرعان ما أدرك أنه يتعدى على مساحتها الشخصية لذا هم بالإبتعاد عنها والنظر إلى الجهة الآخرى.


بعد بضع دقائق كان أنس يحاول إختلاس النظرات نحوها فقط للتأكد من رحيلها من عدمه ليجد أنها قد فعلت المثل معه ولكن بمجرد أن أستوعبت هي أنه رأها وهي تنظر نحوه همت بالرحيل مُبتعدة عن المكان بسرعة وحينما عاود هو النظر نحوها وجد أنها اختفت وكأنها لم تكن.


"ودي بني آدمه دي ولا جنية ولا نداهة؟ وبعدين نداهة أيه دي اللي بتوقف عالنيل؟ مش كانت بتبقى في الترعة باين؟" همس إلى نفسه بمزيج من السخرية والدهشة، من تلك الفتاة التي جعلته يتناسى همومه وما حدث اليوم بهذه السرعة؟


بعد مرور ساعة تقريبًا كانت ميرال قد عادت سالمة إلى منزلها، دلفت إلى حجرتها سريعًا وهي تحاول تجنب والديها قدر الإمكان كي لا يلاحظ أحد عيناها المُنتفخة المُحمرة، استطاعت بالفعل اجتياز الأمر بنجاح لكنها لم تستطع الفرار من شباك أفنان التي أردفت بمجرد دخولها إلى الحجرة:


"أيه يا ميرال أنتي كنتي فين كل ده؟ بكلمك من بدري مش بتردي وسي زفت ده كمان مش بيرد عليا."


"مفيش أصل.."


"أنتي معيطة؟" سألتها أفنان بقلق فور رؤيتها لوجه ميرال  لتقترب منها ميرال وتضع يدها على فمها وهي تُردف بنبرة أقرب إلى الهمس:


"وطي صوتك يا أفنان مفيش حاجة.."


"عملك أيه الحيوان ده وأنا أكسرلك دماغه! انطقي زعقلك ولا عمل أيه؟"


"مفيش شدينا مع بعض شوية في الكلام عشان أنا كنت مصممة على حاجة يعني.. في الآخر سبته ومشيت."


"ميرال متكدبيش عليا لو سمحتي، أنتي مش محتاجة تداري عليه في حاجة هو ماسك عليكي ذلة يا بنتي ولا أيه؟" تحدثت أفنان بحنق وهي تُفكر كيف ستنتقم من نوح لإحزانه لشقيقتها لتلك الدرجة.


"اه يا أفنان.. ذلة! قلبي.. قلبي اللي بيحبه ومشاعري اللي كلها متوجهة ليه بتذلني وبتخليني استحمل سخافته وخناقاته عشان أنا بحبه ومش متخيلة حياتي من غيره.." أفصحت ميرال عما تشعر به ويجول في خاطرها بنبرة أقرب إلى البكاء.


"وعليكي من ده كله بإيه يا بنتي؟ دوسي على قلبك ودوسي عليه هو شخصيًا وصوني نفسك وكرامتك! يا ميرال أنتي غالية أوي والله وتستحقي واحد أحسن منه مليون مرة وقولتلك قبل كده أحنا لسه عالبر يعني لو حصل حاجة هترميله الشبكة في وشه ويا دار ما دخلك شر."


"ما هو أنتي شايفة الموضوع بالسهولة دي عشان أنتي مش مكاني ومش حاسة باللي أنا حاسه بيه.. يعني رحيم لو زعلك ولا عمل حاجة هتسبيه بكل سهولة؟"


باغتتها ميرال بالسؤال لتصمت أفنان وقد أمتعض وجهها، ميرال محقة في تلك النقطة فإنهاء العلاقات ليس بالأمر السهل لكن أفنان لم تكن لتسمح لرحيم بفعل ما يفعله نوح، حمحمت أفنان قبل أن تحاول من تصحيح مسار الحديث على النحو التالي:


"ماشي يا حبيبتي أنتي عندك حق الموضوع مش سهل فعلًا، بس أنا قصدي يا ميرال إنك لازم تاخدي موقف وأوعي تحسسيه إنك باقية عليه مهما عمل عشان ده هيخليه يسوء فيها يا حبيبتي."


"حاضر يا أفنان حاضر."


"حضرلك الخير، بقولك أيه معاكي مناديل؟ مناديلي خلصت ومكسلة أجيب من برا."


"ها؟ اه معايا.. أصلي اشتريت كيس وكده.. وأنا جايه، كان في بنت بتبيع." أجابت ميرال بتلعثم شديد وهي تسرد تفاصيل لم تسأل أفنان عنها لتقهقه الأخيرة وهي تُعلق ساخرة:


"في أيه يا ميرال أنا بطلب منك منديل مش بقولك أحكيلي قصة حياة كيس المناديل."


"تصدقي أنك إنسانة رخمة بجد والله."


في منزل حامد البكري، دلف رحيم إلى داخل المنزل بضيق وهو مازال يحاول مهاتفة أنس والذي لم يُجيب مجددًا، استقبلته المُربية خاصته ذات الوجه البشوش وهي تُردف:


"حمدلله عالسلامة يا ابني، حامد بيه مستني حضرتك عالسفرة جوا عشان تتعشوا سوا."


"تمام يا دادة شكرًا."


تمتم رحيم بإبتسامة صغيرة حاول جاهدًا أن يرسمها على ثغره قبل أن يتجه لغرفته ليبدل ثيابه ثم يعود للطابق السفلي لتناول العشاء برفقة والده.


"بعتذر إني اتأخرت على حضرتك يا بابي، بس كان في ضغط شغل جامد النهاردة."


"ولا يهمك، الله أومال فين أنس؟"


"شوية وهيجي.." كذب رحيم وهو يتنهد بضيق.


"تمام يوصل بالسلامة، طيب خلينا نتكلم وأحنا بناكل."


"اتفضل."


"طبعًا أنت كنت متضايق الأيام اللي فاتت وفاكر أني نسيت موضوعك بس ده محصلش طبعًا، في الواقع الأيام اللي فاتت كانت كابوس بالنسبالي.. نقاشات وجدالات وخناق بيني أنا وإيڤلين محصلش من سنين أو تقريبًا محصلش بالحدة دي قبل كده."


"أنا أسف إني خليت حضرتك أنت ومامي في الوضع ده.."


"أنا مش بقولك كده عشان تعتذر أنا بوصلك بس إني واقف في ضهرك، المهم أني توصلت لحل."


"بجد؟ يعني مامي وافقت؟"


"لا، لكن هتوافق."


"أمتى طيب؟" سأل رحيم بخيبة أمل ووجه عابس ليقهقه والده على تعبيراته الطفولية الذي اعتاد أن يفعلها منذ أن كان صغيرًا.


"أنا وأنت وأنس طبعًا هنروح لوالد البنت وهنتفق معاه، بمعنى تاني هنحط إيڤلين قدام الأمر الواقع."


"لا ما هو في مشكلتين.. أولًا أنا وأنس أتخانقنا تقريبًا وأنا مش هينفع أروح من غيره، ثانيًا هنحط مامي قدام الأمر الواقع ازاي؟ دي عارفة مكان بيت أفنان يعني ممكن تيجي يومها وتبوظ كل حاجة."


"طيب وهو فين أنس دلوقتي؟ خليه يجي وأنا هصالحكوا على بعض زي ما كنت بعمل زمان وتبقى المشكلة أتحلت وسيب موضوع إيڤلين ده دلوقتي."


"لا ما هو.. أنا مش عارف برضوا هو فين.."


"أيه اللي حصل لكل ده؟"


"مامت أنس جت الشركة النهاردة.. وهو طبعًا أتخانق معاها وكان هيوقعها غصب عنه وأنا لحقتها وزعقت فيه وهو اتضايق مني وسابني ومشي.."


"طبعًا هو حس أنك واقف ضده، نظره سطحية لكن نظرًا للوضع الحساس اللي هو فيه فأنا عذره.. المهم هي راحت على فين دلوقتي؟"


"أنا وصلتها لحد بيت Uncle فريد وطلبت من ال Maids 'الخدم' اللي هناك أنهم يهتموا بيها بس."


"كويس جدًا، عالعموم متقلقش من موضوع أنس أنا هوصله وهجيبه لأن وجوده هيبقى مهم جدًا معانا وأحنا رايحين."


"بابي هو حضرتك بتتكلم بجد؟ يعني أحنا فعلًا هنروح نطلب أيد أفنان؟" سأله رحيم بلهفة شديدة لينظر نحوه والده بإبتسامة صغيرة وهو يسأله بثقة زائدة:


"هو أنا عمري قولتلك حاجة ومنفذتهاش؟"


"لا.."


"خلاص يبقى أتصل بوالد البنت وحدد معاه معاد وكمان خلي حد يكلم الجواهرجي اللي بنتعامل معاه عشان يجهز أغلى شبكة عنده."


__________________________________


(تذكره: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم بِه مِنّي، اللهم اغفر لي جَدِّي وهزلي وخَطئي وعَمدي وكُلّ ذلك عِندي، اللهُمَّ اغفر لي ما قَدَّمت وما أخَّرت وما أسرَرت وما أعلَنت وما أنت أعلَم بِه مِني، أنت المُقَدِّم وأنت المُؤَخِّر وأنت على كُلّ شَيءٍ قَدير.💗)


وحشتوني جدًا يا كتاكيت أخباركوا أيه؟💗 كل سنة وأنتوا طيبين وبخير وصحة وسعادة يارب.💗


ملحوظة: تم ذكر مصطلح: Toxic Masculinity أو الذكورة السامة وهشرحلكوا معنى المصطلح ده: وهو إعتقاد الناس إن لازم الراجل أو الذكر يكون فيه صفات معينة ويتكلم بطريقة معينة، يتعامل بطريقة معينة، ميعبرش عن مشاعره مثلا، يستخدم ألفاظ معينة.. وديه كلها تصنيفات خاطئة وغير صحيحة وبتحط الولاد في ضغط كبير جدًا وبتخليهم يتصرفوا تصرفات غير آدمية وسيئة في محاولة لإظهار رجولتهم (أكبر مثال عالكلام ده هو سخرية بعضكم من استخدام رحيم لكلمات زي بابي ومامي وبعض المصطلحات الإنجليزية وبعضكوا شايف أنه كده مسهوك أو مش راجل وده غير صحيح بالمرة).



تكملة الرواية من هنا اااااا


لمتابعة  باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله اضغط من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا



تعليقات

التنقل السريع