رواية هل الضربة قاضية الفصل الواحد وعشرون والثانى وعشرون بقلم نهال عبد الواحد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية هل الضربة قاضية الفصل الواحد وعشرون والثانى وعشرون بقلم نهال عبد الواحد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
(الفصل الواحد والعشرين)
بقلم نهال عبدالواحد
قطعت حبيبة الاتصال فوجم رياض قليلًا وكأنه قد تفاجأ من ردة فعلها ثم اتسعت ابتسامته، نظر ناحية إيهاب المتابع لحوارهما مومئًا بحاجبيه، فأجابه إيهاب: أيوة بتغيير عليك يا خروف!
فاتسعت عينا رياض وأسرع مستنكرًا: هو مين ده اللي خروف؟! مش شايف إن لسانك طول اليومين دول شويتين تلاتة!
فضحك إيهاب قائلًا: لا ده أنا كده من يومي بس إنت مش واخد بالك، وبطّل تتوه في المواضيع، بأه مش عجبك الخروف! عل أقل لما تعجبه نعجة بيروح على طول مش بيفضل يعند ويكابر زي ناس.
فرمقه رياض، فقال إيهاب متصنعًا البلاهة: مالك! هو حد جاب سيرتك؟!
فنهض رياض واقفًا باحثًا بعينيه عن النادلة ليدفع الحساب، فجاءته فنظر في ورقة الحساب، أخرج عدة ورقات نقدية من عملة الدولار و وضعها على الطاولة وأشار لإيهاب بضيق.
وزاد من ضيقه تلك الفتاة الشقراء التي تحوم حوله من كل اتجاه فقال لها بنظرة قاتمة وصاح بالإنجليزية: معذرةً أود الذهاب!
ثم قال بصوتٍ خافت: الله يخربيتك يا شيخة شبهتيني.
فضحك منه إيهاب فرمقه رياض مرة أخرى ثم غادرا المكان.
أما حبيبة فأغلقت الاتصال وبكت بشدة كأن لم تبكي من قبل، أخذت ترتفع شهقاتها وعويلها كأن عزيزٍ لها قد وافته المنية، لدرجة أن صوت بكاءها قد أيقظ الفتاتين قرينتيها الموجودتين معها في الغرفة.
فزعت زميلتيها واتجهتا نحوها تحاولان تهدئتها أو معرفة ما الخطب! لكنها لم تهدأ ولم تعرف أيٍ منهما ماذا جرى!
كانت حبيبة تسبُّ نفسها من داخلها، فهاهي لم تتعظ بعد ولا زالت تتبع هوى قلبها وهاهو يوقع بها متسببًا في وجعٍ وألمٍ شديد.
ماذا كنتِ تنتظري أيتها الحمقاء؟! افهمي ولو مرة واحدة في حياتك! إنه مجرد شاب يتعرف على الفتيات من أجل التسلية لا حب ولا زواج، وقد قالها مرارًا أمامك ولم يُخفي ذلك ولم ينكره، لكنك حمقاء وبكل بساطة سقطتِ في شباك هواه ولم تسمعي لأي إنذارت قد أطلقها عقلك ولا تحذيراته، خطوتي نحوه تقتربي بكل ما أُوتيتي من طاقة لكن بلا فائدة، لم يشعر بك ولن يشعر هو فقط يحب قضاء أوقات لطيفة مع الجنس الناعم، ولِمَ لا إن كان وسيمًا وتتهافت عليه الجميلات! و هاهو في مكانٍ يعرض الملذات المحرمة بمنتهى السهولة ولن يمنعه أحد بل لو حاول أحدهم لتعدّي عليه أن ذلك لا يعنيه.
يا لكِ من غبية! صرتِ تُشبهين الببغاء وتكررين نفس الكلام مرة بعد مرة بلا أي فهم ولا حتى مرور على العقل! قولي متى ستتعلمين وتفهمين؟! متى ستفكرين بعقلٍ ناضج؟! ماذا دهاكِ؟!
لقد كنتِ نموذج للقوة والمقاومة، كنتِ لا تخشي أحد ولا تكترثي لأحد، كان لديك مبدأً ثابتًا لا يتغير، لا أمان لأي رجل، أي رجل هو خائن! إياكِ والثقة في أحدهم! إياكِ واقتراب أيٍ منهم من حياتك! فجميعهم نفس الطينة لا فرق بين متعلّمٍ وجاهل ولا صاحب جاه أو معدم، كلهم واحد...
أين ذهبت مبادئك؟ كيف تخليتِ عنها؟!
كيف صرتِ بهذا الضعف وسمحتِ لقلبك بخروج صوتٍ له؟! فقد كان مجرد عضو يعمل كالآلة تنفذ الأوامر، ماذا جرى؟!
لقد أهدرتِ كرامتك بما يكفي، وأضعفتِ نفسك ولم يعد لديكِ سوى البكاء، البكاء فقط مثل الضعفاء والحمقى.
كانت تحدّث نفسها، و تعيد اسطوانات ذكراياتها الطويلة من جديد بكل مآسيها وآلامها لعلها ترتدع عما تقدم عليه، لعلها تعود لرشدها وتحطّم هذا القلب الذي لم تجني منه سوى التعاسة وآلامٍ مبرحة.
هيا عودي لرشدك، هيا رددي بداخلك أن كل الرجال أعداء، كل الرجال أوغاد، كل الرجال لا يصلحون لشيء لا زوج أو حبيب ولا حتى... ولا حتى أب.
أب!
لتبكي من جديد، هي لا تعرف أب ولا حتى كلمة أب أو كيف تُقال! ذلك الشخص الذي تركها طفلة صغيرة لا زال عودها أخضر، تركها وأمها وبمنتهى اللامبالاة قد رحل دون أن يفكر فيهما يومًا، يشتاق إليهما أو يفتقدهما ويقلق على مصيرهما، قد تجد الرجل يهمل زوجته .... لكن ماذا عن ابنته؟! قطعة منه! نفس الدم و نفس النسب! نفس العرق ونفس الأصل! كيف تركها؟ كيف فعل بها كل هذا؟ كيف هو سر عقدتها وشقاءها؟! لا تعرف كلمة أب ولم تعد بحاجة إليها.
ومن هو الأب؟ هو مجرد رجل، إذن هي على صواب.
إذن لماذا تبكين؟! هيا انهضي وكفي عن بكاءك !
هيا انهضي وتدرّبي وحققي أحلامك!
هيا انهضي فلا سند لكِ إلا نفسك!
لكن رغم كل ذلك الحوار لم تتحرك ولم تكف عن ذلك النحيب بل ازداد وازداد حتى ملّ منها الجميع وتركوها لتقضي ليلتها وحيدة مع أحزانها وأسوأ ذكرياتها ربما تعود لرشدها و يعود قلبها صخرة.
أما رياض فقد عاد إلى الفندق بصحبة بن عمه إيهاب الذي لم يتوقف ولا لحظة عن ثرثراته ومزحاته التي لا تنتهي، لكن رياض كان في عالمٍ آخر، كان يستعيد كل كلمة قالتها حبيبة بل وكيف قالتها وكيف شعر بها!
إذن فإيهاب محق هي تحبني وتغار عليّ وقذفت بنيران غيرتها وغضبها عليّ وأنا لا زلت كالأحمق المغيّب! لكني لست بأحمق أنا أشعر بها وكل كلمة تقولها تلمس قلبي وكل حواسي، لكن لماذا أرواغ؟!
لماذا لا أصدق وأعترف؟ أعترف أني أحبها!
أجل أحبها! ماذا عن سعادتي عندما أراها أو بمجرد سماع اسمها؟ ماذا عن طيفها الذي يطاردني في صحوي ومنامي منذ أول يوم قد رأيتها فيه؟
ماذا عن إحساسي الجارف نحوها بمجرد وقوع عيني عليها؟ ماذا عن أشواقي وشعوري بافتقادها بمجرد غيابها عني؟ ماذا عن حزني العميق بمجرد رؤيتها حزينة، تتوجع أو حتى يؤرقها أي شيء؟
كل هذا ليس مجرد شهامة ولا موقفًا رجوليًّا، كل هذا لا يعني إلا شيء واحد... أنت تحبها يا رياض وبأعمق وأشد مما تتخيل ومهما بحثت عن كلمات لتصف شعورك هذا فلن تجد على الإطلاق.
هكذا هو الآخر يحدث نفسه!
مرت تلك الليلة أخيرًا وأصبح صباح جديد، بداية يوم جديد يُنتظر قدوم السعادة والفرحة معه، لكن مع الأسف أصبحت حبيبة مريضة كأشد ما يكون، لقد أصيبت بحمى شديدة بلا سببٍ طبي، مؤكد هو من شدة حزنها وحسرتها على نفسها، لكنها بالطبع لم تنطق فتحيّر الطبيب الذي يفحصها فلم يفلح في إيجاد تشخيص لحالتها، واكتفى بإعطاءها مجرد مسكنات ومخفضات للحرارة ومضاد إلتهابات.
كانت حبيبة طريحة الفراش تهاجمها تلك الحمى اللعينة، تفتك بجسدها وعظامها فلا تقوى على الحركة ولا تجد أي شهية لتناول أي شيء، حتى لم تكن ترغب بالحديث مع أحد، ولا حتى مع هاجر التي قد اتصلت مرارًا بلا فائدة حتى أخبرتها إحداهن بمرض حبيبة الشديد فحزنت هاجر بشدة وازداد قلقها هي ونادية على حبيبة، وكان تعجّب هاجر في كون حبيبة قلّما تمرض، تُرى ماذا أصابها! وقد صار الأمر لغزًا كبيرًا!
منذ ذلك اليوم افتقد رياض أي اتصال بحبيبة، وانتظر يومًا بعد يوم حتى علم بمرض حبيبة الشديد من أمه فحزن حزنًا شديدًا، فقد تأكد أنه أُس هذا البلاء وهاهي صارت مريضة طريحة الفراش.
قد أوهنت الحمى جسد حبيبة بشدة خاصةً مع انعدام الغذاء بشكل جيد فلم تكن تتناول سوى بضع لقيمات وبعد إلحاحٍ شديد.
بالطبع لم تتدرب حبيبة منذ ذلك اليوم وها هو اقترب لقاء النهائيات، حلمها، لكن لا يمكن لها الانسحاب فلتخوض التجربة كتحصيل حاصل ليس إلا، فلا شيء بيدها.
وجاء يوم المباراة النهائية، كانت حبيبة هذا اليوم أفضل من الأيام السابقة لكنها ليست أفضل بل ليست حبيبة التي يعرفها الجميع.
بدت حبيبة أكثر شحوبًا، فوجهها مائل للصفرة بشكلٍ كبير، عيناها غائرتين للداخل قليلًا وقد ظهر عليها فقدانها لوزنها، بدت بلا ملامح، فلا يمكن أن تدرك حالها الآن حزينة أم سعيدة، غاضبة أم متبلدة، خائفة أم متوترة!
دخلت حبيبة مع أفراد فريقها يحملون العلم المصري ثم وقفوا وعُزفت موسيقى السلام الجمهوري بعد موسيقى السلام الجمهوري لدولة اللاعبة خصمتها.
صعدت حبيبة بزيها الأحمر الشورت وفانلة ذات حمالات عريضة منقوشًا عليه رسمة صغيرة للعلم المصري، و نقش آخر للعلم عند حافة الشورت من الخصر وهاهي ترتدي خوذتها وتضع تلك القطعة المطاطية التي تعض عليها بأسنانها لتحمي الأسنان من الإصابة أثناء المباراة، وبدأت تعفّر يديها بمسحوق البودرة البيضاء ثم ربطت رسغيها كما المعتاد ثم ارتدت قفازيها وصارت على أتم استعداد.
بدأت المباراة وبدأت الجولة الأولى بدت حبيبة فيها أقل اتزانًا من طبيعتها فاستطاعت اللاعبة خصمتها الحصول على نقاط وانتهت دقائق الجولة الأولى.. وهاهي دقيقة الاستراحة وبدا على حبيبة الإنهاك.
وها هي الجولة الثانية والتي لم تختلف كثيرًا عن الجولة الأولى وصار الوضع ينذر بخسارة فادحة لحبيبة... وانتهت الجولة الثانية ولا زالت بلا ملامح أو تعبير، لكنها لمحت وجه مدربها وملامحه المستاءة والمتحسرة فقد كان يبني آماله عليها، ثم رفعت بعينيها مبتلعة الماء الذي تشربه، نظرت إلى جمهور الجالية المصرية الذي يشجعها وهاهي ستحطم آمالهم وتخيّب رجاءهم جميعًا.
تُرى ماذنب كل هؤلاء أن يشجعوا فتاة حمقاء تلقي بنفسها في تهلكة العشق؟! ماذا يا حبيبة هل ستخيّبي رجاءهم وتفقدي حلمك قبلهم؟!
هيا إنها لحظات الحسم!
نهضت من جديد واقتحمت الجولة الثالثة بنظرة قاتمة سددت لكمات متتالية تفاجأت بها خصمتها، في الحقيقة هي لم تكن ترى خصمتها في تلك الدقائق، هي فقط ترى وجهه، وجه رياض وهاهي تخرج كل طاقتها وتنفث عن كل غضبها الثائر داخلها.
ومع بداية الجولة الرابعة والأخيرة صارت خصيمتها فجأة هي المنهكة والتي لم تصدق كيف وصل بها الحال هكذا وهي خصمة قوية لها قدرات ومهارة لا يُستهان بها.
لكن قد تابعت حبيبة تنفيسها عن ثورتها المدفونة وظلت تلكم خصمتها المزيد من اللكمات، بل تلكم رياض سبب وجعها وإحباطها، ودت لو كان لأبيها صورة في خيالها لتضعها أمامها الآن وتصوّب عليها، لكنها ترسم اسم ذلك الأب في خيالها وتصوب عليه، ذلك الاسم الذي لم تحب يومًا أن تذكره إلا في أمورٍ مشددة وتذكر حتى كم كانت متضررة عندما كانت تكتب اسمه ملاصقًا لاسمها في وقت الإمتحانات وتعبئة الأوراق الرسمية، فهي لا تراه أبًا من الأساس!
وقبل نهاية الدقيقة الثالثة في الجولة الأخيرة كانت قد تمددت خصمتها أرضًا لا تقوى على الاستمرار إطلاقًا في ضربة قاضية تقنية قد سددتها حبيبة لها، وهاهو الحكم يبدأ العد التنازلي وهي تقف شاخصة ببصرها على تلك اللاعبة الممدة تتألم بينما حبيبة تلهث وتنصت إلى عد الحكم: عشرة! تسعة! ثمانية! سبعة! ستة! خمسة! أربعة! ثلاثة، اثنان، واحد...
و صوت صفارة الحكم معلنة فوز اللاعبة المصرية على قرينتها الأوربية وهو ممسكًا بيدها رافعها لأعلى ولا زال وجهها لا يحمل سوى ابتسامة باهتة.
ثم انحنت تساعد تلك اللاعبة على النهوض ثم تعانقتا وتصافحتا بروحٍ رياضية...
و لكن فجأة...
***
(الفصل الثاني والعشرين)
بقلم نهال عبدالواحد
انحنت حبيبة تساعد اللاعبة الخصمة لتنهض واقفة تعانقتا وتصافحتا بروحٍ رياضية، شبكتا يدهما ورفعتاها لأعلى معًا مرسومًا على وجهيهما ابتسامة صافية.
لكن فجأة... ووسط الجماهير المشجعة!
التقطت عيناها شخصًا بعينه، ارتجفت فجأة! ربما هو حلم! لا! هي مستيقظة وفي كامل وعيها والدليل فوزها الآن!
إذن قد صارت تعاني من الهلاوس لتصبح كاملة الأوصاف! أغمضت عينيها وفتحهما مرارًا، لكنها متأكدة، هي تراه بالفعل!
إنه رياض يحمل علم مصر صائحًا وسط الجموع مشجّعًا في نداءاتٍ ذات إيقاعٍ واحد: مصر! مصر! مصر!
ثم تشجيع آخر وهو يتقدم: بيبو! بيبو! بيبو!
ظلت واجمة وعيناها متمركزةً عليه شاخصةً ببصرها لا يرتّد طرفها، لا تزال محتفظةً بشموخها وكبرياءها، تود الانتقام، تود تنفيذ ما كانت تتخيله منذ قليل، تود أن تلكمه حتى تفسد وجهه الوسيم.
لتتخذ القرار وتنوي التنفيذ، وفجأة و في لمح البصر...
كانت خارج حلبة المباراة وداخل أحضانه!
أجل لقد خرجت مندفعة تنوي الانتقام وتلقينه درسًا لا ينساه... ولكن...
إنه العشق الأحمق الذي يدفع بعشاقه دائمًا إلى الهاوية ومزيدًا من تجرّع الألم وكأنهم يتلذذون كلما عانوا!
ضمها رياض بين ذراعيه بقوة مرددًا من داخله، لأول مرة أعترف بيني وبين نفسي أني أحبك بل أهيم بكِ عشقًا كأشد ما يكون العشق، بل كأن لم يكن هناك عشق ولا حب قبلنا.
ترى كيف كنت سأتركك هكذا؟! وحيدة وفي بلدٍ غريب، مريضة ومحطّمة بسببي، وإن لم تتحسني قبل المباراة لتخوضيها كما تمنّيتِ لا أدري ماذا كان سيحدث لكِ!
وجدتُ نفسي أبحث كالمجنون عن طائرة متجهة إلى (طرّاكونة)، بالطبع لم أجد طائرة مباشرة لكني لم أنتظر وركبت طائرة ذاهبة إلى قبرص ثم إلى روما وأخيرًا إلى طرّاكونة.
وصلتُ اليوم وأخذتُ أبحثُ جاهدًا عن مكان إقامة المباراة بصعوبة كبيرة فأنا لا أعرف الأسبانية ومن قابلتهم لا يجيدون الإنجليزية.
وبعد محاولات كثيرة أخيرًا وصلت إلى هنا وفزعتُ بشدة حينما علمت أن اللاعبة المصرية ليست على ما يرام وأنها قد خسرت الجولة الأولى والثانية.
وضعتُ يدي على قلبي أتألم بشدة فقد شعرتُ بوجعك حتى تمكنت أخيرًا من الدخول لأجد الحكم يبدأ العد الأخير وأنت واقفة ظاهرًا عليكِ الإعياء وخصمتك ممدة أرضًا لا تتحرك، ولما أعلن الفوز وجدتك تساعديها لتنهض ثم صافحتيها وعانقتيها، ما ألطفلك حبيبتي!
تذكرتُ نظراتك لي، كانت بحق لا تريحني على الإطلاق وأيقنت أنكِ لن تتركني إلا ومؤكد ستلكّمني لكمتين تنفّسي غضبك، لكنكِ الآن تتوسطي أحضاني!
لا أصدق حبيبة بين يديّ! بين ذراعيّ! طوقتكِ لاإراديًا كأن ذراعيّ معتادة على هذا، وكأن رأسك تعرف طريق صدري لتستند عليه وتدفن وجهها تلاصق صدري! أشعر بأنفاسك الحارة تلامس صدري، بل أشعر بدقات قلبك القوية تعبث بصدري، وها هي معلّقة ذراعيها حول رقبتي تجذبني لأسفل بسبب فارق الطول، لأجدني أحتضنها من خصرها وأرفعها لمستوايّ معتدلًا ظهري مشددًا على خصرها ويدي شاعرة بنحت جسدها المثالي، ولا تزال مستكينة لا تقاوم بل هي من جاءت بقدميها وكامل إرادتها، وأخيرًا تحقق حلمي أن أقترب منكِ وأضمكِ بشدة إليّ، كم أتمنى لو أدخلك داخل ضلوعي فتظلي داخلي لا تخرجي أبدًا، وأخيرًا دفنتُ رأسي في عمق عنقكِ كما تمنيتُ وحلمتُ، كم تمنيت في هذه اللحظة أن أكون ألفا من مصاصي الدماء وأقوم بوسم عنقك الآن حتى لا تكوني لغيري أبدًا، لكني تذكّرتُ أمنيةً أخرى لكن حقنًا للدماء يُستحسن إبعادها عن عقلي تمامًا، فإن فعلت ما أتمناه حتمًا سيكون هذا آخر عهدي بالحياة!
لكني لم أنعم بذلك العناق الرائع حتى شعرت ببكاءها ونحيبها فأرخيت ذراعيّ عنها فهبطت بهدوء أرضًا منزلقة على صدري تدريجيًا، ما أروع هذا الإحساس! و ما أحمقني إذ كنت سأحرم نفسي من كل هذا الفيض!
أبعدتها قليلًا ناظرًا إلى وجهها ثم رفعته إليّ قليلًا وهمست: حقك عليّ، طب والله ما تزعلي! والله ما عملت أي حاجة م اللي بالك فيها! سماح بأه.
ثم مسح دموعها واقترب قليلًا يريد أن يقبّل رأسها لكنها لا تزال مرتدية خوذتها فتراجع، ثم ابتسم قائلًا بسعادة: ألف مبروك يا بطلة مصر!
انحني ليقبل يدها لكنها لا تزال أيضًا مرتدية قفازيها فتأفف قائلًا: يعني لابسة الخوذة ولابسة الجلفز! أبوسك إزاي بأه؟!
فرمقته فجأة رافعة حاجبيها قائلة بهدوءٍ مصطنع: والله! بأه عايز تبوس!
وقبل أن ينطق أو يفعل أي شيء كان قد تلقّي لكمة قوية في كتفه جعلته يترك يدها مدلّكًا مكان اللكمة، وفجأة اختفت من أمامه كالسكر في الماء.
ذهبت حبيبة تبدل ملابسها وترتدي سترة رياضية منقوشًا عليه لوجو الفعالية، بطولة دول البحر المتوسط وأيضًا علم مصر، كانت تقف مع قريناتها من الفريق، وها هن على استعداد لتوزيع الميداليات على كل لاعبة، وقد حصلت حبيبة على الميدالية الذهبية أخيرًا مع عددٍ من الميداليات الفضية والبرونزية، بدا على وجهها الإشراق والسعادة الشديدة أكثر من ذي قبل.
وفي اليوم التالي استعدت حبيبة في هيئة كلاسيكية مرتدية بذة سوداء وحذاء كلاسيكي أنثوي أيضًا من اون الأسود مجدلة شعرها عدة ضفائر متداخلة بدأت من منبت الرأس فوق جبهتها ثم صارت متداخلة حتى نهاية شعرها على ظهرها، اكتحلت قليلًا، وضعت طلاء شفاه نفس لون شفتيها مع تورد طبيعي لوجنتيها فصارت ملامحها هادئة وأنيقة بل رائعة.
هبطت حبيبة إلى استقبال الفندق وبينما هي تتجول إذ نادى عليها أحدهم...
بالطبع لم يكن سوى رياض هو الذي ناداها فابتسمت إليه بعذوبة متجهةً نحوه في خطواتٍ ثابتة رنّ فيها صوت كعب حذاءها العالي، وما أن و صلت إليه تمامًا حتى نادتها أحد العاملات بالفندق وتحدثت معها باللغة الأسبانية.
- مرحبًا يا آنسة.
فابتسمت حبيبة بلطف قائلة: مرحبًا!
- كنت أود تذكيرك بموعد المؤتمر الصفحي بعد ساعة بالضبط.
فأكملت حبيبة بنفس لطفها: حسنًا سأحضر في الموعد المناسب.
فاستأذنت الفتاة وانصرفت، وما كانت حبيبة تلتفت ناحية رياض حتى لاحظت عيون الموجودات المتمركزة على رياض مباشرةً حتى أن منهن من لوحت له تشاكسه، تمازحه ومنهن من تغمز له.
فقالت بغضب تحاول إخفاءه: خير! في حاجة ولا ما كفكش البنات اللي ف تركيا فجيت للبنات اللي هنا كمان!
قالت الأخيرة وقد زادت نبرة صوتها قليلًا مما جعل الفتيات لا تزلن تتابع رياض بعيونهن.
فابتسم قائلًا: وأنا ما بصتش على ولا واحدة فيهم لا اللي هنا ولا بتوع تركيا، طب إزاي وإنتِ معايا وأدام عينيّ! تفتكري ممكن أبص لحد غيرك! إنتِ ما بصتيش ف المراية قبل ما تنزلي ولا إيه؟!
كانت تجاهد نفسها لألّا تبتسم، لكن مع استمرار نظراتهن أمسكت بذراعه متأبطة وسحبته ليخرجا من الفندق، وقد أثرت فيه وأذابته هذه الحركة التلقائية.
وما أن خرجا حتى سحبت حبيبة ذراعها، فقال معترضًا: ليه كده؟! ما كنا كويسين!
فرمقته بنظرة غير راضية، فتابع قائلًا: وطلعتِ بتتكلمي أسباني!
فأجابته: أمال آجي أطبش هنا!
فقال بتعجب وإعجاب معًا: و لحقتي إمتى تاخدي كورس وتتقني اللغة كده؟
فابتسمت مجيبة: هي مين دي اللي خدت كورسات؟!
ثم ضحكت بملء صوتها وأكملت: ده كتاب صغير بيتباع عند بتاع الجرايد بسبعة جنيه، كيف تتحدث الأسبانية في سبعة أيام ؟ وبس...
فابتسم بتعجب وإعجاب مجددًا: لا ناصحة!
فضحكت مرة أخرى، لكن انتبه رياض لعيون الكثير من الشباب التي تتفحصها فاشتعل غضبًا وجذبها فجأة من يده ليسيرا معًا بعيدًا عن الجميع ولم يتمكن من إخفاء هذا الغضب والغيرة إطلاقًا.
ظل رياض ممسكًا بيدها جاذبها نحوه مقرّبها إليه كأنه يعلن للجميع أنها تخصه وممنوع الاقتراب أو التصوير حتى وصلا إلى شاطئ البحر وكان أقرب مكان من الفندق، فقال رياض: أنا جبت ورقة من الفندق، خريطة بالأماكن اللي ممكن نروحها، هنخرج مع بعض إنهاردة، هه إيه رأيك؟
فسكتت قليلًا ثم نظرت أرضًا مجيبة بخجل: معلش مش هينفع، أنا آسفة جدًا، بس المؤتمر هيبدأ كمان شوية وأنا الوحيدة اللي بتكلم أسباني من الفريق معقول ولازم أكون موجودة، متشكرة ليك جدًا.
فتأفف قائلًا: مش كفاية مفيش حتت كتير تتراح، مش كنتوا روحتوا برشلونة أحسن من هنا كان الواحد لقى أماكن يروحها! أقله كنت روحت شُفت ملعب برشلونة.
فرفعت حاجبيها بدهشة وقالت بتهكم: بأه مش عجباك طرّكونة! أمال كنت شوفنا في 2015 لما كنا في الكونغو، كنت عملت إيه!
فوجم وقال: الكونغو! لا الطيب أحسن، ومالها طرّكونة؟! ودول بيتكلموا إيه إن شاء الله الكونغويين دول؟!
فضحكت مكررة: كونغويين!
ثم تابعت ببعض الجدية: مش عارفة بالظبط هو بيتكلموا إيه! بس كنت بتكلم إنجليزي هناك.
فابتسم وتابع: كيف تتعلم الإنجليزية برضو!
فأومأت برأسها مبتسمة، ثم أكمل: سمعت إن البطولة الجاية هتكون ف المغرب!
فأومأت برأسها قائلة: فعلًا بس لسه التشكيل ما اتحددش، وبعدها بطولة العالم في اليابان 2020 .
فقال: لا إركني اليابان دلوقتي وخلينا ف المغرب، المغاربة أسمع إنهم بيتكلموا فرنساوي، سيبيلي أنا بأه الطلعة دي، أن بعرف فرنساوي وهعلمك.
فضحكت بشدة وقالت: لا شكرًا، أنا بعرف أعتمد على نفسي.
ثم قالت بمكر: ما هو كان جنب كتاب كيف تتعلم الأسبانية، واحد تاني كيف تتعلم الفرنسية فأخدت الاتنين بعشرة جنيه، وبعدين هم في الآخر عرب وأكيد بيعرفوا عربي حتى لو لهجة صعبة علينا، ده أنا حاسة إن هلاقيهم بيتكلموا مصري كمان! بس أنا بحب ءأمن نفسي عشان ما احتاجش حاجة من حد.
فزم شفتيه بعدم رضا ثم زفر قائلًا: يبقي نعوض اليوم اللي انضرب ده بكرة ونخرج مع بعض اليوم كله.
فأجابت بحرج: للأسف مش هينفع إحنا مسافرين بكرة.
فزفر بشدة، فتساءلت: مالك بس! ليه كل ده؟!
فسكت قليلًا ناظرًا في عينيها ثم تنهد وقال: إنهاردة يوم مهم بالنسبة لي، و كنت عايز نقضيه سوا.
فنظرت له بتساؤل فأكمل قائلًا: زي إنهاردة من سنة كان أول مرة أشوفك فيها.
فجحظت عيناها لا تصدق في دهشة، ألتلك الدرجة يحسب الأيام؟ فأكمل قائلًا: كان يوم مهم بالنسبة لي، كنت بخرج فيه مع إيهاب نحتفل في أي مكان، نحتفل بيوم العزوبية وإننا سنة بعد سنة وإحنا محافظين على حريتنا.
ثم سكت قليلًا ملتقطًا أنفاسه وزفرها بهدوء مكملًا: وشاء الله إن اليوم ده أشوفك وتتغير حاجات كتير، وبدأت تتغير مفاهيمي وآرائي و...
وقاطعه فجأة صوت فتاة تنادي حبيبة فالتفتت إليها، فقالت لها الفتاة بالأسبانية: المؤتمر الصحفي سيبدأ بعد قليل، الوفود والجميع في انتظارك يا آنسة.
فابتسمت حبيبة وقالت مومئة برأسها: حسنًا! أنا قادمة الآن.
ثم التفتت ناحية رياض فابتسمت قائلة: المؤتمر هيبدأ ومضطرة أستأذن، أشوف وشك بخير، أشوفك في اسكندرية بأه، مع السلامة.
فتصافحا بعمق وهو يحاول إخفاء ضيقه ثم انصرفت وهي تشعر برجفة شديدة تسري داخلها، لكنها لم تعد تقوى على قوة ضربات قلبها تلك، فأخذت تتنفس بهدوء ربما تنظم ضربات قلبها...
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا