القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية شبح حياتي الفصل الحادي وعشرون والثانى وعشرون والثالث وعشرون والرابع وعشرون والخامس وعشرون بقلم نورهان محسن

 

رواية شبح حياتي الفصل الحادي وعشرون والثانى وعشرون والثالث وعشرون والرابع وعشرون والخامس وعشرون   بقلم نورهان محسن 




رواية شبح حياتي الفصل الحادي وعشرون والثانى وعشرون والثالث وعشرون والرابع وعشرون والخامس وعشرون   بقلم نورهان محسن 


الفصل الواحد والعشرون شبح حياتي تذكر جيدًا أن النهايات دائمًا تكون سعيدة ، إذا كانت لقصتك نهاية حزينة ، فاعلم أن الجزء الأخير منها مفقود وأن السعادة قادمة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ حدق فيها لثانية دون أن يجيب ، لقد اعترف للتو بمشاعره تجاهها وهذا كل ما تمكنت أن تقوله ردًا عليه ، مستفسراً بغرابة : دا كل اللي لفت انتباهك من كلامي كلو!! بدى الأمر كما لو أنه تلقى منها صفعة قوية زعزعت توازنه وهزت كبريائه ، أوقد في صدره حريق خنق أنفاسه ، حالما تساءل ببرود مزيف : انتي بتحبيه يا حياة!! طيب امتي حصل الحب دا و ازاي؟ قرع قلبها بعنف داخل ضلوعها ، حيث اتسعت عيناها لكونها بطريقة ما استطاعت ترجمة طلاسم هذا النقص الملازم لها ، منذ اللحظة التي ألتفت فيها بدر موليًا ظهره لها. عفوياً ، قالت بخفوت وهي توجّه عينيها نحو البحر بعد أن أصابتها الصدمة : بحبه من زمان اوي أخذ نفسا عميقا ، يستعيد السيطرة على نفسه ، بأعجوبة لأول مرة يصمد بهذه القوة في وجه غضبه السريع ، ليقف بعنفوان لن يقبل أن تصاب رجولته فى مقتل لأي سبب أو مهما كان مقدار حبه لها ، قائلا بنفس النبرة الباردة وملامح وجهه قاتمة بشدة : عشان كدا هربتي علي مصر بعد سوء التفاهم اللي حصل بينا نفت حياة برأسها بينما كانت الريح تهب محركة خصلات شعرها ، تحاول دفعها بعيدًا بمحاولات فاشلة ، وتنظر إليه لتقول بإرتباك من نظراته الغامضة : صدقني ماكنتش عارفة وقتها اني بحبه .. انا كمان اسفة علي كلامي الاخير ليك في المستشفي .. كنت خايفة ومنفعلة زيادة عن اللزوم ماكنتش دارية بقول ايه واصلت حديثها ببطء وهي تلوح بكلتا يديها في الهواء ، وتشدد على كل كلمة تنطقها لأنه حتى لو كان حبها لبدر مثل السراب ، فلن تتمكن من الاستمرار مع معاذ بعد أن شعرت بجدران قلبها تهتز لرجل آخر ، لن تخدع نفسها بعد الآن : انا مصدقة كلامك اللي قولته دلوقتي .. بس انا ماقدرش اخدعك و اكمل معاك وانا حاسة أن روحي في مكان تاني و قلبي متعلق بإنسان تاني... انقطعت كلماتها بسبب رنين هاتفه ، فأخرجه من جيبه وهو يحدق بها بلا تعبير ، وقال بلا مبالاة بعد إلقاء نظرة خاطفة على الشاشة الساطعة بإلحاح : انا فهمت خلاص يا حياة ماتكمليش .. لحظة هرد علي المكالمة دي واجي اوصلك البيت : لما انتي بتحبيه كدا ليه ماسفرتيش وراه؟ ظلت حياة شاردة في البحر بعد أن ابتعد عنها معاذ للتحدث فى الهاتف على انفراد ، حتى انقطع حبل أفكارها بمجرد أن سمعت صوتًا مليئًا بالتساءل خلفها ، فالتفتت وقالت متفاجئة : ميساء... انتي عرفتي ازاي اننا هنا؟ نظرت ميساء بحزن إلى ظهر معاذ الذي كان يقف على مسافة جيدة منهم ، لترد بهدوء ، بعد ان استدارت إلى حياة : جيت مع حازم سيبته في العربية وجيت اشوفكو خوفنا عليكي لا المناقشة بينك وبين معاذ تطور ابتسمت حياة لكلمات أختها ، وخفضت ميساء بصرها في تفكير ، بينما تمحو ابتسامتها تدريجياً وهي تسمعها تقول بصوت منخفض : شوفي يا حياة انا اسفة والله اسفة .. انا بحبك انتي اختي و بنتي ماكنش قصدي اخليكي مضايقة مني لدرجة دي الفترة اللي فاتت .. بس لما عرفت انك هتسافري واحتمال تقابلي بدر خوفت تتعلقي بيه و تتوجعي بعدها زي ما انا اتوجعت .. بس من بعد ما شوفت حبك له في عينك كبير قد ايه حب حقيقي مش حب مراهقة زي حالاتي .. كانت عينيك بتلمع وانتي بتدافعي عنه ماشوفتش دا في عينيك ولا في تصرفاتك ناحية معاذ يمكن انا فهمت متأخر بس انا من حقك تكوني جنبه لو دا هيريحك تنهدت ميساء حزينًا على حالة معاذ ، لكنها واصلت الكلام بحكمة ، في النهاية ، سعادة أختها أهم بالنسبة لها من أي شخص آخر : معاذ ممكن يكون بيحبك بس المهم انتي عايزة ايه .. ايه هيخليكي مبسوطة !!؟ أنهت حديثها بسؤال ، فإنفرجت شفتا حياة لتسحب المزيد من الهواء ، لعلمها أن ما يجعلها سعيدة بعيد جدا عنها. كورت قبضة يدها المرتجفة بقوة ، واغرورقت عينيها بالدموع ، ثم قالت بحزن ، وهى تسبل جفنيها إلى الأرض : متأخر الكلام دا يا ميساء مابقاش ينفع مهما قولتلك مش هتفهمي اللي انا فيه نظرت إليها ميساء مستفسرة ، لتستأنف حديثها بإصرار : لا مش متأخر سافري انتي بتحبيه و للي بيحب بيدافع عن حبه لاخر نفس فيه و بيحاول مرة واتنين وتلاته ماتتخليش عنه زفرت حياة أنفاسها الحارة ، لتكفكف ميساء دموعها من وجهها بأصابعها بحنان ، وتهمس بالقرب من أذنها : و لا عايزة مراته اللي شبه الكيكة دي تلهفو منك ضحكت على كلماتها المازحة ، وبدأ الأمل يسطع في سماء قلبها المشتاق من جديد ، رغم شعورها بالتوتر الذي بدأ يسيطر عليها من فكرة المحاولة مرة أخرى لكنها تمتمت بعفوية : كانت مراته ابتسمت ميساء بخفة ، سعيدة برؤية ابتسامة أختها الوحيدة المشاكسة تعود مشرقة مجدداً ، لتقول مازحة : ماشي يعني فعل ماضي مضروب بالجزمة القديمة.. عاد إليهم معاذ ، ليقول بضيق مختبئ وراء ابتسامة ساخرة بعد أن لمح سيارة شقيقه تركن على بعد بسيط منهم : لدرجادي مابقاش في ثقة .. كنتو فاكرني هاكلها انتي و جوزك يا ميساء؟ رفعت حياة يدها ومسحت دموعها بأصابعها ، لتقول بعد ذلك بهدوء مازحة : معلش حقهم يفكروا في كدا دي اول مرة نتناقش من غير زعيق نظر إليها معاذ بابتسامة صادقة لم يخفيها عندما سمع كلماتها ، بينما اتسعت مقل عيون ميساء بصدمة وصاحت بسرعة : انت ايه اللي عمل فيك كدا يا معاذ!! واقع في برطمان دقيق ولا ايه؟ امتعض وجهه فورًا و قال بابتسامة مزيفة خرجت على شكل وجه متهكم ، فابتسامته لا تتناسب مع الوضع الحالى ، فى حين وضعت حياة يدها علي فمها تخفى ضحكتها الخافتة : و انتي الصادقة البرطمان هو اللي وقع فوق راسي وأضاف معاذ بجدية وهو ينقل بصره بينهما : عارفين المكالمة دي من مين؟ استغربت حياة من كلامه ، لكنها لم تعلق على ذلك غير مهتمة كثيرا ، لتسأل ميساء بفضول : مين يا معاذ؟ تنهد مكملاً حديثه ، وهو ينظر إلى وجهها القلق : الظابط اللي مسك التحقيق في حادثة بدر .. بيقول انهم عرفو من شركة الاتصالات بدر كلم رقم اخوه جاسر و بعديها كلم مراته قبل الحادثة اللي عملها بكام ساعة أومأت حياة برأسها له ، وقالت مؤيدة : انا كنت عارفة انه كلمها و فالمكالمة دي اكيد طلقها عشان كدا جاسر مايعرفش حاجة عن الموضوع قطبت ميساء حاجبيها في حيرة قبل أن تقول بإحباط : بس محدش يقدر يثبت الكلام دا غير بدر و هو في غيبوبة زفرت حياة وهي تهتف بغيظ وحنق : ماهو دا اللي مطمن اميرة عشان محدش لحق يعرف بالطلاق دا اصلا : هي قالت في التحقيق الرسمي انه كلمها يطمن عليها و كلامها معايا في المستشفي بصفة ودية كان مختلف ماقالتش انه كلمها خالص جاءها صوته الجاد لينهي جملته ، ويمرر لسانه على خده من الداخل. اهتزت دواخلها من الصدمة ، وهي تمنع بأعجوبة ارتجفت جسدها بعد أن تمكنت من تحليل سبب إبعاد بدر لها ، وتذكرت ما فعلته ، هي التي كشفت سر طلاقه من أميرة ، فقط الآن فهمت الأمر بدر أراد حمايتها منهم ، لم يتخل عنها. هتفت بحسم وهي تنقل نظرها نحو أختها : انا عايزة انزل القاهرة يا ميساء ماكنش ينفع اسيبه من الاول تنهدت ميساء بقلة حيلة ، هي تعلم جيداً عناد أختها ، لتقول في استسلام : ماشي بس خلينا نروح البيت و الصبح سافري يا حياة فرك معاذ جانب صدغه قائلاً بهدوء : انا هجاي معاكي رفعت حاجبيها معًا ، وتغضنت ملامحها الرقيقة في عدم الرضا ، لتغمغم في شك : معاذ!! حدق فيها وهو يطحن أسنانه معًا ليومئ برأسه ببطء ، وقال ببرود لتؤمئ إليه بالموافقة : عندي شغل لازم اكون هناك الصبح .. خلينا ننسي اي حاجة دلوقتي و لما الحكاية دي تنتهي و نوصل للحقيقة هنتكلم و نحل كل حاجة لا تبحث عن سر شوق نبضات قلبك ، بل أطلقها لتطير خارج قفص صدرك وتصل إلى من تحب. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• في مستشفي بالقاهرة يجلس جاسر في كافيتريا المستشفى ، وأمامه شذى يحتسون الشاي. سألها بهدوء بعد أن ترك الكوب الفارغ على الطاولة : امتي هتروحي البيت؟ مطت شذى شفتيها قائلة بحزن مزيف : ايه يا جاسر انت عايز تخلص مني؟ هو انا قعدتي مضايقاك في حاجة!! ضيق جاسر عينيه عليها ، و زم شفتيه ليضرب جبهتها برفق بإصبعه السبابة : بطلي سوء الظن دا يا ام لسان طويل أومأت شذى برأسها بسرعة قائلة بنبرة ناعمة : الله بهزر عشان اخرجك من مودك الغامق دا فرك جاسر جبينه بخفة ، وأغمض عينيه قائلاً بتعب : دماغي هتتفرتك من الصداع والله يا شذي أخذت شذى نفسا عميقا وقالت بصوت هادئ ونبرة حزينة : حبيبي سيبها علي ربنا و ان شاء الله كل حاجة هتكون احسن حرك جاسر جسده للأمام قليلاً ، وربت على يدها بحنان ليقول بابتسامة مليئة بالحب : امين يارب .. صحة ابوكي عاملة ايه؟ بادلته الابتسامة و أجابت برقة : الحمدلله بقي احسن شوية انقطع حديثهم بسبب رنين هاتف جاسر ، ونظرت إليه شذى بسؤال تحول إلى فضول عندما سمعته يجيب : ازيك يا حياة!! كان يصغى إلى ما تقوله على الطرف الآخر ، ثم أجاب : انا موجود في المستشفي عند جاسر تفاجأ تمامًا بما سمعه ، وتساءل بدهشة : يعني انتو قربتو توصلو؟ رفع يده إلى شعره ، مُخللاً أصابعه من بين خصلاته الفحمية ، ليقول بهدوء : طيب توصلو بالسلامة ختم الحديث بإبتسامة : باي أدار جاسر رأسه ليلتقي بعيون شذى المتسائلة ، ليتنهد بصوت عالٍ ، ثم تحدث بصوت أجش ، مستندا جسده على الكرسي : حياة جاية ومعاها الرائد معاذ من اسكندرية هتجيلنا علي المستشفي رفعت شذى حاجبها في دهشة وأمالت رأسها إلى اليمين قليلاً ، تهمس باستفسار : صحيح هي ليه مارجعتش معاكو من هناك؟ أغمض عينيه متعبًا لبضع ثوان ، وأخذ نفسًا عميقًا ليعاود فتحهما ثم أجاب بصوت هادئ : قالتلي ان في شوية مشاكل مع اهلها و هتضطر تفضل في اسكندرية .. بس غريبة مافتش يومين و جاية!! أنهى كلماته بتعجب ، فى حين ظهرت ابتسامة على وجه شذى لتقول بغمزة من عينها : اكيد بدر وحشها و عايزة تشوفه قطب حاجبيه بتوجس ، ثم قال مستفسرًا بإرتياب : بس انا مستغرب عشان سمعت وانا في المستشفي من الدكتور مازن انها ومعاذ دا كانو مخطوبين وحاليا هو معاها وجايين علي هنا!! ضمت شذى شفتيها ، لتتحدث فى تفكير ، وهي تميل عبر الطاولة قليلا : مش قولتلي انه كان بيحقق في قضية بدر يمكن جاي معها عشان كدا همهم لها ، متمعنًا فى ملامحها الجذابة عن كثب : جايز ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد مرور عدة ساعات وصلت سيارة معاذ أمام بوابة المستشفي ليترجل منها ، وخلفه نزلت حياة ، ليسبقها في مشيته إلى الداخل ، لكنه توقف فجأة مفكرا لتصل هى عنده ، استدار بوجهه نحوها ، لتشير إليه بالتحرك فى تعجب من أمره ، ليكرر نفس الحركة لها حتي تتقدمه. قطبت حاجبيها مرتابة من فعلته ، لكنها لم تفكر كثيرا بل سارت برشاقة و ثقة أمامه. ابتسم معاذ بخفة لرد فعلها ، ربما كان من حقها أن تغضب منه ، حتى انه عذرها لشعورها بالحب تجاه شخص آخر ، منذ متى جعلها تشعر أنها من أولوياته ، ولكن هناك دائمًا فرصة أخرى وسيحاول تصحيح اخطاءه بها. ذهبت معه حتى يلتقون بجاسر وشذى الذين رحبوا بهما كثيرًا ، وتوجهوا جميعًا إلى مكتب الطبيب المعالج لحالة بدر. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد فترة وجيزة دخلت حياة غرفة بدر وقلبها يدق مثل الطبول بين ضلوعها ، كأن هناك عاصفة تزلزل جدرانه الرقيقة ، لكنها تتوق شوقًا لرؤيته والإطمئنان عليه ، وأيضًا متوترة من رد فعله. هناك مشاعر كثيرة مختلطة بقلبها فى تلك اللحظة بين الخجل و السعادة ، معتقدة أنه بمجرد رؤيته لها سيدرك مدى عشقها من عينيها ، لكنها في نفس الوقت تشفق على نفسها ، فهي لا تعرف ما إذا كان يبادلها مشاعرها أم لا؟ في تلك الأثناء كان بدر جالسًا بصمت على أحد الكراسي ، وجسده مستلقى على السرير أمامه ، بينما هو غارق في أفكاره بحزن منذ أن أبعدها عنه بهذه الطريقة القاسية عليه ، قبل أن تكون قاسية عليها وهو لم يعد يشعر بالرغبة في العودة إلى الحياة ، ولا مهتمًا بما يحدث من حوله. لقد أدرك مؤخرًا أنه لا يحتاج إليها للتواصل عبرها بالحياة ، بل هى الحياة التى يحتاج لها ، وتنتمى روحه إليها ولا يريد سواها ، لكنه لن يسمح لنفسه أن يكون سببًا في إلحاق الضرر بها ، لن يغفر لنفسه حينها ، انه غير قادر على مساعدة نفسه ، إذن كيف سيستطيع أن يساعدها؟ لماذا لم يقابلها قبل أن يحدث كل هذا ، لكان عالمه بالتأكيد مختلفًا تمامًا عن العالم الذي يعيش فيه الآن. تقدمت حياة إلى الداخل ، تبحث بعينيها عنه في كل زاوية بلهفة ، حتى وجدته أخيرًا جالسًا أمام سريره في هدوء يليق بكاريزمته ، فهو يمتلك هالة مميزة لم تجدها أبدًا فى أحد ، بل لا ترى الروح أحداً غيره ، لتجد لسانها يناديه بشوق : بدر حدق في الفراغ أمامه بعيون واسعة مندهشة. هل تخيل صوتها ، هل وصل إلى هذه المرحلة في حبها ، وأصبح يوهمه عقله أنه يستمع نبرة صوتها الرقيقة والعذبة تنادي اسمه. رددت مرة أخرى ، ولكن بصوت خافت حينما ظل ثابتًا بلا رد فعل ، لا ترى التعبير المرسوم على ملامحه ، ليطغى الحزن على قلبها ووجهها الشاحب بقلق : بدر .. انت مش عايز ترد عليا؟ أدار بدر رأسه نحو باب الغرفة وضيق عينيه ، محدقا بها ، ثم غمغم بعدم تصديق : حياة!! اهتزت عيناها ، وهي تبتسم بتردد عندما وجدته ينهض من الكرسي مستديرًا إليها بكل جسده ، لتقول بعفوية : شبيك لبيك تكلم بدر بذهول ، وهو يقترب منها دون أن يحيد نظره عنها ، بينما تقف بمكانها تفرك يديها ببعضها البعض بخجل : انتي رجعتي بحقيقي؟ أومأت حياة إليه دون أن تتكلم من ارتباكها ، وشعرت أن قلبها سيغادر من قفصه ويطير إليه من شدة شوقه. الآن فقط شعر بمدى افتقاده لتلك العيون الواسعة التي تشبه نهرًا من عسل الجنة ، وبدأت ابتسامة خفيفة تظهر ببطء على وجهه ، كما لو كان لا يزال يعتقد أن وجودها مجرد خدعة من عقله المجنون بها. مرت الثواني التالية دون كلام ، لكنها تنطق بإيضاح في العيون ، فكسر بدر ذلك الصمت قائلاً بصوت هامس : و ليه رجعتي!! ابتلعت حياة لعابها بخفة ، ثم أجابت بتلعثم واضح ، وغلبت دقات قلبها المدوية من وقوفه أمامها على نبرة صوتها المنخفضة : يمكن .. ماقدرتش اسيبك .. زي ما انت عملت معايا قد لا يكون قادرًا على احتضانها إلى صدره تعبيراً عن مدى شوقه لها ، لكن العناق لا يحتاج إلى ذراعين ، بل أيضًا تتمكن العيون من ذلك ، وعيناه العاشقتان عنوان لما يخفيه بين ثنايا قلبه المعذب ، ليهمس بصوت حزين : انا ماسبتكيش يا حياة .. خليني اشرحلك عملت كدا ليه.. مسحت دمعة هربت من عينها ، وبدأت تجمع شتات نفسها ، ثم قالت بتنهيدة عميقة : مش محتاج تقول .. انا فهمت السبب ولو كنت مكانك كنت هخاف اعرضك لأي خطر بسببي .. مش دا اللي عايز تشرحه؟ ارتفعت حواجبه بمفاجأة من كلماتها ، ثم قال مستفسراً : وعرفتي ازاي اني عملت كدا خوف عليكي؟ عضت حياة باطن شفتيها ، قائلة في استياء مزيف ، بدت مثل الطفلة متذمرة بينما ذراعيها متشابكتان إلى صدرها : عشان انت مش ندل تستخدمني و ترميني بعديها .. بس كان لازم تحترم عقلي و تخليني احدد قراري بنفسي أخذ بدر نفسا عميقا وواصل كلماته بهدوء رزين : عارف بس ماقدرتش اخاطر .. انتي ماشوفتيش نظرات كريم ليكي واللي ممكن جدا كان يأذيكي .. خصوصا لما قولتي اني مطلق اميرة ماستبعدتش يعمل فيكي حاجة خدشت أنفها بطرف إصبعها في نوع من الإحراج ، حيث سبق لها أن استنتجت ذلك ، ولن تنكر أنها أخطأت في ذلك الفعل ، لتبتسم بخفة وتحدثت بصدق : وانا مش جاية اعاتبك ولا الومك .. بس انا خلاص قررت اني هفضل معاك و قولي امشي زي ما انت عايز .. وانا هعمل اني مش سمعاك وهفضل قاعدة هنا غصب عنك أنهت جملتها وتحركت نحو السرير لتنظر إلى ملامحه الوسيمة ، ثم مررت يدها بلمسة رقيقة إلى ظهر كفه. ارتجفت روحه تحت تأثير لمساتها قبل أن تغلق أصابعها النحيلة على أصابعه الطويلة ، وتجلس على نفس الكرسي المقابل للسرير ارتفع جانب فمه بابتسامة ، لا يستطع حقًا وصف شعوره إلا أنها المطر الذي شفى روحه المحترقة. جلس بدر بإستقامة على حافة السرير أمامها ، يشعر أن قلبه غارق في السعادة بسبب إحساسه بلمستها قائلا بنبرة أجش عميقة : اوعي تسيبي ايدي يا حياة .. حتي لو اتجننت تاني في عقلي وقولتلك سبيني .. اياكي تسمعي كلامي أردف بحنان متناغم مع صوته الهامس ، و نظراته العميقة فى عينيها : انا كنت تايه و خايف من الخطر اللي حاسس انه بيزيد .. خوفت عليكي اكتر من نفسي .. كل ما اتخيل ان ممكن زي ما حاولو يخلصو مني يعملو كدا معاكي .. كنت ببقي عامل زي المجنون ضمت حياة شفتيها في محاولة للتغلب على ارتجافهما و تمتمت بتأثير : عشان كدا قولتلي ماتيجش معانا و خليكي في اسكندرية هز بدر رأسه بالإيجاب ، وظل الصمت سيد الموقف حتى تحدث بدر بصوت غامر بالمشاعر ، بينما كانت حياة تلعب دون وعي بأصابعه : مابحسش اني موجود غير لما بتلمسيني جعدت حاجبيها بدهشة ، وسألته في حيرة : ازاي يعني؟ صمت بدر قليلاً قبل أن يستأنف حديثه ، ووضع كلتا يديه على رأسه ، وغمر أصابعه في شعره : انتي فاكرة لما اميرة دخلت علينا في مستشفي اسكندرية ومسكت ايدي رفعت حياة حاجبها في امتعاض ، وهي تتذكر تلك اللحظة السوداء ، لتغمغم على مضض : ايوه فاكرة .. هي فين صحيح ماشوفتهاش لما جيت انا ومعاذ؟ أنهت كلماتها بسؤال عفوي ، لتصبح ملامحه مستاءة على الفور ، متناسيا ما كان على وشك قوله ، وهتف بصوت عالٍ نسبيًا : ايه اللي جاب السخيف دا هنا تاني!! مش في ظابط تاني حل محله؟ نظرت حياة إليه بذهول وعدم فهم لثوانٍ قليلة ، قبل أن تتلألأ عيناها بسعادة وهي تسأله برقة بالغة : ليه الانفعال دا كله يا بوده!! انت بتغير ولا ايه؟ أشاح بدر بنظراته عنها بحرج ، ليصر علي اسنانه مُغتاظًا من ردها اللئيم ، ليقُول بعدهَا بأخف نبرة هادئة يمتلكها : ايه بغير دي؟ انا مابغيرش .. ايه اللي جابه؟!! أنهى جملته بتكرار سؤاله السابق ، بينما كانت حياة تفكر في إخباره بما قالته لمعاذ ، لكنها تذكرت الجملة الأخيرة التي قالها بدر "عليها أن تعود إلى حياتها السابقة مع معاذ" قبل أن يغادر ويتركها خلفه. ارتسمت ابتسامة عريضة بمكر أنثى في ذهنها ، وإجابته بنبرة ناعمة : هو انا ماقولتلكش انه صالحني و اعتذرلي و اتغيرت معاملته معايا 180 درجة .. ومارضيش يخليني اجي لوحدي توقف عقله عن العمل بصدمة ، واندلع حريق في أعماقه لا يمكن إخماده ، هذا بالضبط هو شعور بدر الذي كانت روحه تغلي من شدة السخط والغضب ، لتغمره الغيرة مخاطبًا نفسه : لسه مخلصتش من المسبلاتي مازن لبست في اللي اسمه معاذ دا كمان نظرت حياة بتمعن إلى ملامحه التي تغضنت من تأثير كلماتها على أذنيه بل الأسوأ على قلبه ، لتزيد من ابتسامتها الماكرة وتردف ببراءة زائفة : وانا طالعة قابلت دكتور مازن في الاسانسير .. هو انت ماتعرفش انه بيشتغل هنا؟ هتف بدر بصرامة ، وثني كلتا يديه على صدره ، مطبطبًا على الأرض تحته : كمان!! هعرف منين وانا مابطلعش برا الاوضة دي.. صمتا كلاهما عندما سمعا صوت باب الغرفة يفتح ، ليدخل معاذ مباشرة دون أن يطرق الباب. بدأت الشياطين تحوم فوق رأسه ، بمجرد أن رأى حياة تسحب يدها التي كانت تمسك بها كف بدر إلى جانبها بسرعة ، ليشعر بأوصاله تحترق من الغضب تزامنا مع دخول جاسر ، تلاه شذى ، لذلك سرعان ما تدارك نفسه ، محاولًا كبح جماح كل إنفعالاته ، ولف شفتيه متهكمًا ممَ ستؤول إليه الأيام المقبلة معها. صمتت حياة عن الحديث مع بدر الذي كان سعيد لأنها عادت لأجله وإليه ، مطمئنًا أن الحياة ستكون بجانبه مرة أخرى رغم غيرته الشديدة ، لكن عودتها إليه تعني الكثير بالنسبة له. الطمأنينة التي تُداهم المرء لحظة النظر لوجه من يُحب نعمة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


الفصل الثاني والعشرون شبح حياتي لايوجد لديّ مبررات لهذا الحب ، كل ما بإمكاني قوله أني أحبك. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فى صباح اليوم التالي داخل غرفة بدر بالمستشفي سطع ضوء الشمس من خلال النافذة الكبيرة في منتصف الجدار ، لتضيء ثنايا الغرفة بالكامل بناء على طلب بدر المُلح. : انتي ليه مصممة علي اللي في دماغك دا؟ انا مش مستريحلك!!! أنهى جملته بعيون متلألئة بالتوجس ونبرة صوته توضح عدم رضاه التام عما كانت ستفعله ، بينما ابتسامة شقت شفتيها لتضيء وجهها كالأطفال عند شراء ملابس العيد مشيرة إلى وجه النائم بأصبعها ، لتقول ببساطة : دي نظافة ليك يا بوده .. اصبر بس و هبهرك بدر يحدق في شفتيها اللتين تشكلتا في ابتسامة مرحة بعيون ضيقة ، ليهتف احتجاجًا ، ويلوح بكلتا يديه في الهواء : بعد كلمة ابهرك دي .. مش عايز ابقي نظيف .. منظرك وانتي في ايدك الماكنة دي مرعب هزت حياة رأسها بإنكار وقالت بابتسامة عريضة ، وهي تربت براحة يدها على صدرها بفخر : ماتقلقش .. كل اللي اقدر اقولهولك انك في ايد امينة صاح ساخرًا ، محوّلًا بصره بين عينيها اللامعتين وشفرة الحلاقة الحادة التي كانت تحملها : امينة مين يا بنت الاوزعة!! طيب خلي حد غيرك يحلقلي يا حياة بلاش انتي تلاشت ابتسامة حياة ، وهي تعانق الآلة وكأنه سيأخذها منها لتصيح اعتراضًا : لا محدش هيعملها غيري .. وانت مالك خايف كدا ليه؟ أنهت جملتها بسؤال ماكر ، فحاول بدر رسم ابتسامة مزيفة على وجهه ، لكنه فشل ، ثم قال بإستنكار : مش هبقي في غيبوبة ومتشرح في وشي كمان الرحمة حلوة يا حياة قوست شفتيها للأسفل ، متظاهرة بالحزن ، ثم همست بنعومة : اخس عليك يا بدر .. بس انا عذراك انت لسه متعرفش قدراتي أدار بدر عينيه بضجر من إصرارها المجنون ، ليتنهد بحسرة قائلاً في استسلام : يا خوفي منها .. ربنا يستر ضحكت حياة بحماس ، وتحدثت بلهجة رقيقة استحوذت على ذهنه المرتبك قبل أن تتجه نحو جسده ، وتقترب منه بشدة ، وعيناها تركزان على لحيته النامية ، ثم بدأت تباشر عملها بدقة : اطمن يا بوده ايدي خفيفة خالص مرت دقائق طويلة جدًا على بدر الذي يشعر بالقلق حيال ما تفعله حياة ، أما هي متجاهلة ثرثرته وتركز على عملها فقط. سارت فى رفق وحذر شديد بالمنشفة المبللة على خديه ، وهي تزيل بقايا الشعر من لحيته. التفتت إليه لتقول بسعادة مفرطة ، وابتسامة راضية تعلو فمها : اهو خلصت .. شوف لاحت شبه ابتسامة مرتاحة على شفتيه بعدما خرج من تحت يديها دون خسائر فادحة ، ثم غمغم بهدوء : كويس .. مش بطال نظرت حياة إلى وجهه مرة أخرى ، وتفحصت تفاصيله الدقيقة والمذهلة محاولة مقارنته بالذي يقف أمامها ، وهو يكافح لكى لا يضحك على ملامحها العابسة ، حين صاحت بتذمر طفولي : ايه الوطينة دي .. بدل ما تقولي تسلم ايدك!! كاد يرد عليها ، لكنه سكت عندما رأى من دخل الغرفة. : انتي بتكلمي نفسك لا ايه؟ تبددت دهشة حياة من صمته ، حالما سمعت هذا الصوت الناعم من خلفها ، فأدارت رأسها لتبتسم بينما تخبرها بسرعة ، وتحول خديها إلى اللون الأحمر من الحرج ، وهي تضع الآلة على المنضدة المجاورة للفراش : ها .. لا انا كنت بحلق ذقن بدر صفقت شذى بكلتا يديها ، واقتربت منها ونظرت إلى وجه بدر لتقول بابتسامة مندهشة : برافو .. ايه شطارة دي !! ضحكت حياة بإعتزاز لأن هذه لم تكن المرة الأولى لها ، حيث اعتادت أن تفعل هذا مع والدها الحبيب حتى أتقنت عملها جيدًا ، لتجيبها بغرور مصطنع : اومال ايه نحن نختلف عن الاخرون خالص شاركتها شذى الضحك بمرح ، لتردف حياة سريعًا بدهشة : اومال فين جاسر؟ أشارت بيدها نحو الباب ، وقالت بنبرة صوتها الرقيقة : جاي ورايا كان بيكلم مع الدكتور و بعدين هنفطر مع بعض أومأت حياة بالموافقة ، وقالت بابتسامة واسعة ، بينما أعطت غمزة خفية من عينها لبدر الذي كان واقفا جانبا : تمام هدخل الحمام اغسل ايدي و ننزل عشان عموت من الجوع عند دخولها الحمام الملحق بالغرفة ، انفرجت شفتيه بابتسامة جميلة ، تظهر غمازاته ليهمس بعمق ، بينما صورة وجهها المبتسم مثل درع واقٍ يمنع أي قلق من التسلل إلى روحه : وانا بموت فيكي ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• مساءا فى منزل أميرة هتفت أسماء بتذمر وهي تلوح بكلتا يديها في الهواء : يوووه خنقتيني بالدخان دا كفاية يا اميرة مطت أميرة جسدها إلى الأمام ، ثم أطفأت السيجارة بأصابعها المرتجفة ، ثم اعتدلت في مقعدها ، وتحدثت بإنفعال عصبى : عقلي هيشت مني يا ماما من يوم ما البت الغريبة دي طلعت فجأة .. عرفت ازاي انه طلقني وهي جت علي القاهرة بعد حادثة بدر .. امتي عرفت اصلا ومين اللي قالها؟ تنهد كريم متابع الحديث بصمت ، مُرجعًا شعرُه للوراءِ بجُمودٍ فيما استطردت أسماء كلامها : يمكن بتخمن و لا بتقول اي كلام؟ هزت رأسها سلبًا وهي تشير بيدها إلى كريم وقالت بسرعة : لالا كريم شافها باين من طريقتها انها واثقة اوي من كلامها .. دي كانت هتفترسني قدام الكل وماكنش هاممها اي حد تومضت عيناها من الدهشة لما استدل عليه عقلها من كثرة التفكير ، وهتفت في اندفاع : البت دي في بينها و بين بدر حاجة اكيد .. طالما عندها معلومة الطلاق دي يبقي كان في بينهم رسايل وقالها اللي حصل ارتفعت حواجب كريم متعجبًا ممَ تقوله أميرة ، لأنه يعرف بدر أكثر من غيره ، وواثق أنه لم يكن على علاقة مع أنثى أخرى ، بينما ضيّقت أسماء عينيها وقالت في تفكير : لو عندها دليل علي كلامها كانت قدمته للنيابة .. دا غير جاسر اخوه ماكنش هيسكت .. بطلي خوفك دا يا اميرة هتكشفينا بجنانك أنهت أسماء جملتها ، محذرة إياها بنبرة حازمة ، بينما عقفت الأخرى يديها إلى صدرها ، وقالت بإضطراب : ايوه بس لو بدر قام من غيبوبته كل حاجة هتفلت من ايدينا و هنروح في داهية ابتسم كريم ساخرًا لكلماتها ، ومرر لسانه على خده من الداخل ، ثم قال بغموض : دا لو قام يا حبيبتي همهم في نهاية كلامه ، ليتجمد الدم فى عروقها ، ثم سألته بنبرة حذرة : قصدك ايه يا كريم؟ أدار عينيه بنفاذ صبر بسبب بطء فهمها من توترها المفرط ، قائلاً ببرود : بعد ما أخدتي أخر كارت ممكن يكون ضدنا من مستشفي اسكندرية و بقي معانا .. مابقاش فاضل الا اننا نخلص منه و سرنا يدفن معاه من سكات جفلت فور نطقه بتلك الكلمات الباردة ، وسرعان ما جحظت عيناها بهلع ، قائلة بصوت عال نسبيًا : تاني يا كريم .. تاني عايزنا نقتل!! زفر مللاً من تكرار نفس المجادلة منذ أن عرفوا مكان بدر ، ليزمجر بنبرة أجش بارد : حياته اصلا علي كف عفريت .. يعني الموضوع اسهل من الاول بطلي الجبن اللي فيكي دا اتسع مقل عينيها ، وتمتمت بتلعثم واضح من خوفها المفرط : شوفلك طريقة بعيد عني انا مش هعمل كدا تا... بترت كلامها حينما صرخ في وجهها بصرامة شديدة ، ورفع سبابته أمامها ، محاولًا إدخال الكلمات في رأسها : هتعملي يا اميرة ماعندكيش حلول تانية .. حريتنا كلنا قصاد موته واللي بدأنا لازم ننهيه أخذت أسماء نفسًا عميقًا ثم زفرته ببطء ، لتكمل الحديث بجدية : عنده حق يا اميرة ولو قلبك الرهيف دا ضعف .. افتكري انه طلقك و كان ناوي يودينا كلنا بإيده لحبل المشنقة من غير ماتصعبي عليه لحظة واحدة لولا انك كنتي اسرع منه بخطوة Flash Back خرجت من المرحاض على عجل ، بسبب رنين الهاتف بإلحاح. نظرت إلى الشاشة بحاجب مرتفع ، ثم أجابت ليباغتها صوته الحاد على الفور : مابترديش علي طول ليه؟ أغمضت عينيها ، منزعجة من نبرة صوته العالية ، لتقول بهمهمة غير مبالية : ماسمعتش كنت في الحمام باخد شاور .. مالك متعصب ليه؟ أجابها عابسًا بملامحه الحادة والوسيمة ، وهو يزرع الأرض ذهابًا وإيابًا في غرفة المكتب داخل منزله من الخوف والقلق : في مصيبة يا اميرة الكاميرات صورت بدر وهو طالع شقتي وفتح الخزنة اخد منها كل الورق اللي فيها بهتت أميرة من الصدمة ، وبدأ الرعب يدب فى قلبها بلا رحمة بسبب ما سمعته منه ، وهي تسأله بدهشة : ازاي عرف يفتح خزنتك؟ أطلق كريم زفيرًا حادًا ، معربًا عن مدى ضيقه وقلقه ، ثم هتف بعصبية : فتحها ببصمة صوباعي اكيد اخدها من علي اي حاجة مسكتها بإيديا عنده و نسخ مفتاحي من غير ما اخد بالي شعرت أميرة كما لو أنها تلقت صفعة قاسية تخل بتوازنها ، مما تسبب في سقوطها على السرير بقوة خلفها ، وتمتمت بصوت مرتعشًا : يعني ايه!! كشر كريم عن أسنانه صارخا بغضب وبجنون : يعني انا وانتي روحنا في داهية .. لا مش احنا بس دا كل دكاترة المستشفي يا اميرة الورق دا هيسجنا باقي عمرنا دا اذا اهالي الدكاترة دول سابونا عايشين اصلا .. عقود شراكتنا احنا التالتة في المستشفي و تقارير طبية مزورة كل دا اختفي من الخزنة اهتز قلبها بخوف واضح ، وهي تصرخ على عجل : الحقني يا كريم .. بدر معايا علي الانتظار سار ببطء ، بقدميه المرتعشتين ، بالكاد حمله إلى كرسي المكتب ، ويبدو أنه تائه في أفكاره ، ليقول بإندفاع مشوش : طب ردي عليه .. حاولي تعرفي عايز ايه و قوليلو هنفذلو طلباته .. يلا بسرعة قبضت على يدها المرتجفة بقوة ، ثم أجابت بأرق نبرة لديها ، لكنها خرجت رغم عنها ، مهزوزة من توترها : ايوه يا حبيبي .. فينك؟ فور أن سألت بخفوت ، أتى لها صوته العميق بسؤال مباغت : كنتي بتكلمي مين؟ هو لحق يوصلك الخبر بالسرعة دي!! ظلت أميرة صامتة للحظة ، تبحث فى عقلها المرعوب عما تفعله ، لكنها لم تكن لديها الشجاعة لمواجهته ، حتى لو لم يكن أمامها ، فتنهدت بخفة ، ونبست متظاهرة بالتساؤل ، فى محاولة معرفة ما يصبو إليه : انا مش فاهمة بتكلم عن ايه؟ احمر وجهه من الحنق بسبب إصرارها على ادعاء البراءة والجهل ، وطحن أسنانه بشدة لدرجة أنه كاد أن يحطمها من شدة غضبه ليهدر فيها بحدة : لا انتي فاهماني كويس اوي يا اميرة .. طول عمرك مابيملاش عينك غير التراب بس دي غلطتي اني حبيت وحدة قذ*ة و جشعة زيك عندها استعداد تخدع و تكذب و تقتل عشان مصلحتها شحب وجهها عند سماع كلماته المقهورة ، وشعرت بالاختناق يطغى على قلبها ، وكأن أحدًا قد ضغط عليه بقبضة من الفولاذ ، ثم اردفت بتقطع أثر الغصة المريرة في حلقها : ايه الجنان .. اللي بتقوله دا يا بدر!! قولي بس .. انت فين و هنتكلم.. قاطعها بدر هادرًا ، بصوت قاس زلزل كيانها من فورة مشاعر الكراهية والاستياء منها ، بينما كان صدره يعلو ويهبط من حدة أنفاسه المتلاحقة : وقت الكلام خلاص فات و بلغي الحيوان اللي مستخبية وراه اني هوصلكم بإيدي لحبل المشنقة و مايشرفنيش تكوني علي ذمتي انتي طالق .. طالق أنهى جملته الأخيرة بازدراء واحتقار شديد ، ثم أغلق المكالمة بعيون دامية ، دون أن يعطيها فرصة للرد بينما هناك ألم لا يطاق يخترق قلبه مثل خنجر مسموم بالخذلان والخداع. ★★★ نظرت اميرة إلى الهاتف في حالة صدمة ، وأعادت الهاتف إلى أذنها ، وتحدثت بصوت مكتوم لأنها وضعت يدها على فمها ، وانهمرت الدموع من عينيها ، بعدم تصديق وذعر : الحقني يا كريم بدر عرف كل حاجة و طلقني على الرغم من توقعه لكل ما تقوله ، سقط هذا الخبر عليه مثل صاعقة حقيقية بسبب اقتراب هلاكهم المحتوم ، صاح بصوت مذهول مليء بالارتباك : طلقك!! قالك ايه .. وهو فين!! سحبت الهواء إلى صدرها ببطء في محاولة للتفكير بسرعة ، وعيناها تتوهج بريق شيطاني ، ثم أجابت على عجل بينما تمسح وجهها بظهر كفها : معرفش .. اقفل و هكلمك تاني قامت بإنهاء المكالمة لإجراء مكالمة أخرى ، ثم هتفت بسؤال فور رد الطرف الآخر : الو .. بدر اخر مرة كان في البيت امتي؟ نمت ابتسامة لئيمة على شفتيها ، وهي تسمع ما يقوله الطرف الآخر ، وبسبب حدسها الفائق السرعة قفزت تلك الفكرة إلى ذهنها ، فيما انقشعت غيمة الخوف الذي كان يسيطر على دواخلها ، وقالت بنبرة خبيثة مليئة بالثقة لا علاقة لها بمشاعر الذعر والرعشة التي مرت بها منذ لحظات : اسمع اللي هقولك عليه واذا نفذته هديك 50 الف جنيه ينتشلوك انت وعيالك من الفقر اللي عايشين فيه Back أغمضت عينيها بندم وأسى على حالتها منذ ذلك اليوم المشؤوم الذي تتذكر تفاصيله بوضوح ، بل إن تأنيب ضميرها لم يجعلها تنسى للحظة ما فعلته في لحظة تهور. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد مرور أيام قليلة في توقيت العصر داخل المستشفى دلفت حياة دون أن تطرق باب الغرفة ، إذ ذهبت إلى كافيتريا المستشفى لإحضار فنجان من القهوة لها للحفاظ على تركيزها قليلاً ، حيث تعبت من جلوسها المستمر بجوار جسد بدر الذي دخل شبحه خلفها مباشرة. نظر إليها بنوع من الحيرة حينما رأى ابتسامتها المشرقة تتلاشى تدريجياً من شفتيها ، لتنتقل عيناه في عدم فهم بينها وبين الفتاة الواقفة بجانب سريره حيث يغرق في ثنايا غيبوبته ، يبدو دون أدنى شك أن هذه الممرضة هى المسؤولة عن رعاية فحصه. إذن أين المشكلة ، سؤال يطرحه عقل بدر بغرابة؟ أما حياة فقد احتدت عيناها فور أن سقطت عيناها على المرأة التي ألتقطتها ، وهي تلامس يد بدر وتتمعن النظر إليه براحة شديدة ، حيث كانت الأخرى على علم أنها ذاهبة إلى الكافيتريا ، لكنها صدمت عندما عادت في وقت أسرع مما كانت تتوقعه ، لذلك ارتبكت قليلا ، ثم ما لبث أن حاولت التصرف بشكل طبيعي رغم احمرار وجهها من الاحراج. : انا كنت .. كنت بفحص المريض زي ما الدكتور اكد عليا أنهت كلماتها بأحرف متذبذبة نظرا لإضطرابها ومحاولتها الفاشلة بالادعاء الكاذب الذي قالته للتو ، ثم ساد الصمت على الغرفة المشحونة بالتوتر والغضب فى آن واحد. خرجت الممرضة من أفكارها على صوت حياة الرقيق ، على عكس نظراتها الحادة : اظن انك دخلتي فحصتيه من ساعة ونص .. مافيش داعي لتكثيف جهودك المستشفي مليانه عيانين واذا لاحظت حاجة غريبة هبقي ابلغ بيها الدكتور بنفسي ابتسمت حياة بابتسامة صفراء ، قالت بنبرة باردة وهي تحدق بها بوجه متصلب وتشير بيدها نحو باب الغرفة : تقدري تتفضلي خضعت لها الأخرى بانزعاج ، يتخلله إحراج واضح على وجهها : تمام خرجت الفتاة من الغرفة ، تهمس بعدة شتائم تحت أنفاسها ، وهى تغلق الباب خلفها ، متزامنة مع همهمة خافتة من شفتي حياة وصلت إلى أذني بدر : اشكال ضالة اطبق الصمت في جميع أنحاء الغرفة رفعت حياة بصرها إلى الشخص الواقف إلى جانبها لتجده يحدق بها بتساؤل ، لتباغته بسؤال : بتبصلي كدا ليه؟ قوس بدر شفتيه إلى الأسفل قائلاً بهمهمة : مستغرب! أدارت جسدها لتلتقي به ، بينما تميل رأسها إلى اليمين وتشبك ذراعيها أمام صدرها ، وهي تتمتم بصوت منخفض : من ايه!! قال بدر بعدم فهم ، من كراهيتها المفاجئة للفتاة السمراء : فجأة اتقلب وشك 180 درجة اول مادخلنا الاوضة .. هو ايه حصل !! نظرت إليه حياة بغرابة من سؤاله ، هل يسخر منها بإدعائه عدم الفهم ، أم أنه غبي لدرجة أنه لم يلاحظ نظراتها التي كادت تلتهم جسده ، لتغمغم في عدم تصديق وهي تشير إلى السرير : يعني انت ماشوفتش؟ هز بدر برأسه نافيًا دون أن يتكلم ، لتبرم شفتيها باستياء قبل أن تقول بإنفعال : الهانم كانت ماسكة ايدك وبتبحلق فيك قبل ما ندخل ارتفع حاجبا بدر مما سمعه منها ، حيث لم يشعر بلمسة الأخرى له ، ولم ير حتى ما تقصه عليه الآن ، ربما لأن عينيه كانتا معلقتان بها بسبب عدم فهمه لتغيرها المفاجئ. مهلاً ، هل هذا الوميض النارى في عينيها ، ناهيك عن نبرتها غضبها ، تعني أنها تغار عليه من تلك الفتاة لمجرد أنها مسكت بيده. حاول السيطرة على الابتسامة العريضة التي ارتفعت من أعماقه ، وتجاهد للظهور على شفتيه ، ليحمحم بخشونة قائلا بنبرة هادئة تحتوي فى ثناياها على التلاعب والمكر : مش مستهلة كل العصبية دي يا حياة انفرجت شفتاها وهي ترفرف بأهدابها بسرعة من الارتباك الذي اجتاحها ، حينما لاحظت تغيير في نبرة صوته. ضحكت حياة بخفة وهي تهز رأسها بلامبالاة مزيفة ، وتلوح بكلتا يديها في حالة إنكار قائلة بسخرية : انا مش متعصبة خالص .. اقولك حاجة .. لما اشوفها مرة تانية هبقي اعتذرلها علي مقاطعتي ليها وهي بتتأمل في سيادتك براحتها انشالله تاكلك حتي ماليش دعوة ختمت كلماتها وهي تعقد ذراعيها على صدرها ، مدركة أنها تلوح بهما كثيرًا ، ليقهقه بدر بخفة مماثلة ، ملاحظٍ كلامها المتذبذب وحركات يديها غير المستقرة ، مما يدل على كذبها ، بينما رقص قلبه بفرح وسعادة بهذا الإرتباك شديد الوضوح عليها فى حين نظرت إليه بغيظ و قهر. حدقوا إلى بعضهم البعض لبضع لحظات قبل أن يقاطعهم طرق على الباب ، لينظروا إليه في نفس اللحظة ، و بدا كلاهما متفاجئًا تمامًا عندما فتح الباب. : مساء الخير يا حياة نطقت إحدى الممرضات بابتسامة بشوشة لتبادلها حياة الابتسامة ، وقالت بلطف : مساء النور يا ريم عاملة ايه؟ أخذت ريم نفسا عميقا وقالت برقة : بخير و انتي!! تحركت حياة عيناها إلى ما تحمله الآخرى في يديها ، لتسألها بحيرة : الحمدلله .. لمين الورد الجميل دا؟ ظلت ريم صامتة لبعض الوقت قبل أن تفرك جبينها في حرج ، ثم أجابت ببساطة : دا لأستاذ بدر .. دكتور مازن وصاني اوصله لحد أوضته .. بس قالي ان جواه كارت ليكي انتي : ليا انا!! جعدت حياة بين حاجبيها بدهشة استمرت لثوان ، ثم خطت صوبها عدة خطوات ، والتقطت باقة الورد بلطف ، لتردف بهدوء : ماشي يا ريم .. ميرسي يا قمر ابتسمت لها ريم واستدارت نحو الباب ، لتغادر بخطوات هادئة. : كارت و ورد جو ابيض واسود جدا قال بدر بسخرية تامة خلفها عندما تتحرك ، لتضع الورود على الطاولة. أردف ، عندما لم يتلق ردًا منها ، بينما كانت نظرته مثبتة على الورقة بين أصابعها : افتحي الكارت يا حياة شعرت بشكل غريزي أن المدون في هذه الورقة لن يرضيه على الإطلاق ، فهزت رأسها رافضة ، وقالت بابتسامة مرتبكة ، حيث استدارت تنظر إليه بحذر : اكيد هفتحه .. بس مش دلوقتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

الفصل الثالث والعشرون شبح حياتي أنتِ جميلة كـ قطرة يغوصُ من أجلها الماءُ ليعرف أين وقع قلبه؟ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ابتسمت لها ريم واستدارت نحو الباب لتغادر بخطوات هادئة. : كارت و ورد جو ابيض واسود جدا قال بدر بسخرية تامة خلفها عندما تتحرك ، لتضع الورود على الطاولة ، ثم أردف ، عندما لم يتلق ردًا منها ، بينما كانت نظرته مثبتة على الورقة بين أصابعها : افتحي الكارت يا حياة شعرت بشكل غريزي أن ما ورد في هذه الورقة لن يرضيه على الإطلاق ، فهزت رأسها رافضة ، وقالت بابتسامة مرتبكة ، حيث استدارت تنظر إليه بحذر : اكيد هفتحه بس .. مش دلوقتي رفع حاجبيه وشد صدغيه قائلاً بدهشة وتلاعب مزيفين : ليه حابب اعرف الدكتور المنحنح بعتلك ايه؟ رتل بصوت هادئ يخفي خلفه الغيرة المتوهجة في عينه : افتحي الكارت وخليني اقرأه بنفسى الغريب أن هذا الشعور يكتسح أعماقه في أقل من ثانية ، يفرض سيطرته عليه ، ويعيق تفكيره العقلاني ، ويفقده السيطرة على تعابيره وأفعاله. عبست حياة بلطافة ، ثم نظرت إليه من زاوية عينها ، وسألت بإمتعاض تدعى القوة : وانت مالك دي حاجة تخصني؟ حدجها بدر بنظرات محتدمة ، وهو يحاول السيطرة على هدوئه أمامها ، ثم هتف في سخط : وتخصني كمان نسيتي انك هنا بصفتك حبيبتي ومرتبطة بيا شعرت أن قلبها يرقص بفرح بين ضلوعها من قوله تلك الجملة الصريحة التي بها الكثير الغضب والإنفعال ، ولكنها في مقابل ذلك تحتوى على معاني أخرى. انهمكت بأفكارها الوردية شاردة فى نقطة واهية بحماقة شديدة لدرجة أنها نسيت للحظة أنه يقف أمامها منتظرًا بملل ردًا ، مجبراً اياها على العودة إلى الواقع حينما أضاف تحذيرًا خشنًا : يلا يا حياة ماتضطرنيش اخليكي توريهولي بالعافية نظرت مرة أخرى إلى ملامحه الحانقة بنوع من الحيرة ، علاوة على ذلك ، متوجسة من رد فعله ، حتى لو كان شبحًا غير مؤذٍ ، لكنه بدا مرعبًا فى غضبه. زفرت حياة ، قائلة بإستسلام لتصميمه الغريب ، وهي تفتح الورقة بأصابعها المرتجفة : ماشي قال ساخرا ، موزعا نظراته بين وجه حياة والورقة : ماشاءالله ماشاءالله .. حضرته بيطلب من سيادتك توافقي تخرجي تتغدو برا انهاردة على الرغم من ظهور علامات استغراب واضحة على وجهها ، إلا أنه سرعان ما ظهرت ابتسامة ملتوية على فمها ، وامتلأت عيناها بالشقاوة ، راغبة فى ردَّ له صاعًا بصاع بسبب ما حدث من دقائق قائلة بإعجاب : قد ايه هو دكتور ذوق بجد!! اكيد صعبت عليه من قعدتي هنا ففكر يغيرلي الجو شوية ظل ينظر إليها بحاجبين معقدين في سخط ، ثم تحدث باستهزاء : لا والله .. هو علي اي اساس و بصفته ايه يعمل كدا معاكي؟ أنهى كلماته بسؤال جاد لتشعر حياة بجفاف في حلقها من التوتر وحرارة تزحف ببطء إلى وجنتيها ، لا تعلم حقًا بماذا ترد ، لتهز كتفيها متمتمة : معرفش .. يعني .. عادي استفزته كلماتها جداً حيث لم يكن هذا الجواب الذي ينتظره ، ليهدر بعيون واسعة من الغضب : عادي!!! انهي راجل كاجول هيوافق بكدا؟ تراجعت خطوة للوراء عندما اقترب منها في فورة صراخه ، فازدرت لعابها وتساءلت بقلق : ايه المشكلة ؟ الموضوع على فكرة مش مستاهل كل العصبية دي يا بدر نفث الهواء الساخن من فمه حينما لاحظ حالته ، ليفرك مؤخرة رأسه ، متهربًا من نظراتها ، ثم أجاب بوجه مقتضب : مش متعصب .. بس مستغرب من جراءته ازاي يعزمك بقلب جامد!! سكت لوهلة ليعاود النظر إليها ببطء ، متسائلا بترقب : الا اذا كان شايف منك قبول سمحلو يتصرف كدا؟ هزت حياة رأسها نفيًا بسرعة ، موضحة له بكلمات متفرقة وهي تحرك يديها بشكل عشوائي أمامه : اااا ايه اللي بتقوله دا!! لا طبعا قبول ايه وانا مالي بيه .. انا ماليش ذنب ؟ كل الحكاية انه كان بيساعدنا .. هو اللي من نفسه عمل كدا انا ماليش دعوة مسح جبهته براحة يده والشعور بالغضب يتفاقم بداخله من هذا النقاش المثير للأعصاب ، لكنه تنفس بعمق وقال بصبر : يبقي اسمعي اللي هقولك عليه .. هتتصلي بيه حالا يا حياة و تنادي علي الممرضة ترجعلو الورد دا و... اتسعت عيناها بدهشة من حديثه لذا فتحت فاهها تتفوه بإعتراض : بس دا... ضغطت بأسنانها على شفتها بقهر ، من مقاطعته لإكمال كلامها حتى النهاية حينما صاح قائلا بنبرة لا تسمح لها بالجدال أو الاحتجاج ، بينما عيناه تفيضان اشتعالاً ويده على خصره : بإختصار .. هتقوليلو انك مش هتروحي معه في اي حته وانا شخصيا مش عايز منه حاجة .. لأني انا مش كبري عشان يتواصل معاكي علي قفايا نطق كلماته الأخيرة بانزعاج ، مجعدًا حاجبيه ، لتحاول إقناعه بالهدوء ، وكأنها تتحدث إلى طفل صغير : انت ليه مكبر القصة؟ ليه نعمل مشكلة معه علي حاجة مش مستاهلة!! هو اكيد عمل كدا بحسن نية على فكرة .. والورد ذنبه ايه نرجعو دا حتي ذوقه خطير!! زمجر بها محذرا حالما لاحظ تغير نبرتها ، وابتسامتها المضمومة بكلماتها الاخيرة ، وكأنها تحاول استفزازه : حياة!! رمشت جفنيها ببراءة وهي تحدق فيه ، وهناك ابتسامة عريضة في نفسها لتلك الفراشات التي ترفرف بسعادة حول قلبها ، والذي انتعشت دقاته بسبب غضبه من سيرة مازن. لقد أنقشع الضباب الذي كان يغطي عينيها عن كل ردود أفعاله الغريبة السابقة تجاهها ، منذ أن اكتشفت حبها له. أومأت له حياة بالموافقة ، مرددة بضجر ، على مضض ، محاولة عدم ترك ابتسامتها تفلت أمامه : خلاص ماشي هبقي ارجعلو الورد .. اصلا لعلمك انا مش حابة اروح معه اي حته يعني مش عشان انت قولت .. تمام كدا؟ بدأت ابتسامة راضية بالظهور تدريجياً على وجهه حيث لانت ملامحه العابسة ، بينما صمتت حياة لالتقاط أنفاسها ، ثم استدارت نحو النافذة ، ووقفت أمامها مبتسمة بخفة عندما شعرت بنفحة من الهواء البارد ، تطايرَت اثره بعضًا من خُصلاتٌ شعرها البرتقالي المجعد على ظهرها وحول وجهها الجميل. ★★★ مرت عدة دقائق ، ساد الصمت في جميع أنحاء الغرفة ، لم يقطعه سوى أصوات الرياح. وقف بدر مستقيماً ووضع يديه في جيوبه ، يراقب تلك التي آسرته دون أدنى جهد منها ، حيث تمنى بعمق أن يأتي ذات يوم ويغمر أصابعه بين تلك الخصلات النارية ويشعر بدفئها ويستمتع بمداعبتها. تبددت كل أفكاره ، وعادت تعابير وجهه متجهمة مرة أخرى ، بالأحرى احتدت عيناه حين أدار وجهه إلى الجانب الآخر على ذلك الفظ الذي دخل الغرفة دون أن يطرق الباب كالمعتاد. عقد ما بين حاجبيه أكثر حين ظل الأخر متصنمًا على عتبة الباب ، بصمت ، عيناه تراقبها بهدوء ، بينما حياة غافلة تمامًا ولم تشعر به يقف خلفها ، يتابعها لثوانٍ طويلة بعيون لامعة. هتف بدر قائلاً بنبرة صارمة : بصي وراكي استفاقت حياة من إلهاءها على صوته ، فالتفتت بعفوية لتتفاجأ بأن معاذ يقف خلفها ، الذي خرج من أفكاره بسرعة عندما استدارت نحوه ، محاولاً تدارك نفسه ، وتمتم متحكمًا في ثبات صوته : ازيك يا حياة؟ رمقت بدر بنظرة خاطفة قبل أن تنقل بصرها مرة أخرى نحو معاذ قائلة بابتسامة : الله يسلمك يا معاذ .. ايه اخبارك انت؟ حدق في ابتسامتها الحلوة لبضع ثوان بعينيه التي طغى عليها بريق غريب ، قبل أن يبادلها الابتسامة مجيبًا بتريث : كويس . . كنت عايزك برا في موضوع هستناكي في الكافيتريا تحت حركت رأسها بالموافقة ردًا على ذلك ، محاولة كبت الشعور بالقلق الذي هاجمها ، ثم غمغمت بهدوء : ماشى جاية وراك تفاجأت عندما وقف بدر أمامها في غمضة عين ، وعينيه مفعمة باستهجان غير مفهوم ، وازدادت ملامحه تعقيدًا ، وزأر بحدة وبنبرة منفعلة : اللي بيجرا دا كتير اوي .. اشمعنا مانجتي كلو باصص فيها ماعندهم موز وفراولة و تفاح ولا حتي بطيخ!!؟ هذا السؤال الغريب هرب من شفتيه بغير إرادته ، وكأن لسانه قد أصبحت لديه إرادة منفردة ، بينما تركزت نظراتها في عينيه كأنها تحثه على الإكمال. صمت بدر قليلا ، ينظر إلى ملامحها ، التي تغيرت من الدهشة إلى الاهتمام ، لترتخى تعابيره ببطء ، وهو يستوعب أخيرًا ما قاله بإندفاع. ظل يتأمل في عينيها بصمت ، قبل أن يستدير إلى الباب المفتوح ليغادر دون أن يقول أي شيء آخر. عضت خدها من الداخل بتعجب ، وجعدت حاجبيها بعدم فهم ، وهي تصفع راحة يدها على الأخرى ، لتتحدث بصوت مسموع مليء بالدهشة : مانجة ايه و بطيخ ايه!! ايه سوق العبور اللي بيخرف بيه المجنون دا .. كل مرة يرميلي لغز احتار فيه بعدها يسيبني و يمشي كدا أطلقت تنهيدة من أعماق قلبها ، وابتسامة عذبة سعيدة زينت شفتيها ، ثم ازاحت خصلة من شعرها خلف أذنها ، وانجرفت شلالات الفرح من عسليتها حينما أنارت تلك الفكرة عقلها ، لتخاطب نفسها مرة أخرى : بس شكلو غيران والله شكلك غيران يا ابو الهول هزت رأسها بقلة حيلة بسبب برودة قهوتها التي قد نسيت أمرها تمامًا ، ثم تبعته بنفس الابتسامة التي تزين وجهها. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• جلسوا جميعًا حول طاولة كبيرة في كافيتيريا المستشفى ، لمناقشة تفاصيل الحادث. عقفت حواجبها بانزعاج من الألم تشعر بقرع طبول داخل جمجمتها ، حيث يوجد صداع قوى في رأسها نتيجة قلة ساعات النوم ، وأيضًا لأن تلك الجلسة مرت عليها أكثر من ساعتين ، وظهرها تصلب من الكرسي. رفعت راحة يدها ، ودلكت رأسها بخفة ، وهي تسترق النظر إليه بين الحين والآخر ، وهو يقف خلف كرسي جاسر الذى يجلس أمامها من الجانب الآخر ، وتجاورها شذى على يمينها ومعاذ بالجهة اليسرى. تساءلت حياة أخيرًا بحيرة من كثرة التفكير دون أن تتمكن الوصول إلى أي شيء مفيد منه : لما بدر كلم اميرة بعد ما كلمك يا جاسر قبل الحادثة .. راح فين بعد كدا ومين اللي فك فرامل عربيته؟ رفع جاسر منكبيه للأعلى ، وعقب قائلا ، وهو يعقد كلتا يديه إلى صدره : هو كلمني يومها بليل و قالي انه معه اوراق تودي كريم في داهية و هيطلع بيها علي النائب العام .. دي كانت اخر مرة اتكلمنا فيها ومعرفش حصل ايه بعدها؟ رمشت بأهدابها فى فهم لكلماته ، ما لبث أن تحولت نظرتها إلى الأسفل عاقدة حاجبيها بتوتر ، حينما شعرت بلمسات أصابع خفيفة جدًا قد مرت على ظهرها ، مما تسبب في رجفة خوف سرت ﰲ جسدها ، بينما عقلها يدور بسرعة كبيرة ، وتفكر لمن هذه اللمسة ، فلا أحد بجانبها إلا معاذ ، لترمقه من زاوية عينها بإنشداه ، عندما رأت يديه متكئتين على الطاولة. تمتم لها بدر كإجابة لسؤالها الداخلي ، ليستطرد كلماته بعد أن دنى إلى جانب أذنها ، حيث أنه اقترب منها فى لجة أفكارها المتضاربة وهى غافلة تماما : انا ماحستش بلمسة الممرضة ليا الصبح .. هي واحدة بس اللي لمستها ليا بتحسسني بالحياة أنهى كلماته بابتسامة جانبية ، ثم ابتعد واقفًا في مكانه السابق بأعصاب هادئة تتناقض مع دقات قلبها التي كانت تقرع مثل أبواق القطارات من دهشتها المفرطة. حاولت الخروج من قوقعة الصدمة للتركيز على ما يقولون ، و للاستماع لمعاذ الذى قام بتوجيه سؤال لجاسر بجدية : انت ماشوفتش اللي جوا الورق دا؟ هز جاسر رأسه نفيًا ، وقال كلماته مملوءة بالحزن و قلة الحيلة : لا رفض يجيبو علي المكتب دوى صوت خشن من الجالس بجوار كرسي معاذ بالجهة الأخرى ، يخاطب جاسر متسائلا بجدية : تفتكر ليه ليلة الحادثة كان رايح اسكندرية .. مع انك لسه قايل انه كان هيروح للنائب العام ومعه الورق دا واتأكدنا من كدا فعلا عرجت الأنظار إلى طارق الضابط المسؤول عن التحقيق في حادثة بدر ، ليرد معاذ بدلاً من جاسر بنبرة حائرة : الغريبة انه لما جه المستشفي ماكنش معاه اي اوراق ولا حتي في العربية لما فتشناها يا طارق باشا تدحرج بصر حياة على بدر الذي رفع يده إلى صدره من فوق القميص وكأنه يبحث عن شيء ، ثم تحركت عينيه نحوها ، وقال بنبرة هادئة : ماكنش معايا ورق كانت فلاشة في جيبي ظلت حياة تتطلع إليه بذهول لعدة لحظات ، لتردد كلماته متعجبة بعفوية : فلاشة!! رفع معاذ رأسه إليها حينما سمع صوتها الهامس ، وهي جالسة على مسافة صغيرة جدًا منه ، مجعدًا حاجبيه بتساءل من كيفية معرفتها عن ذلك ، ليقول بتوتر خفى : ايوه كان في فلاشة واصل معاذ حديثه بعد أن أدار وجهه بعيدًا عنهم حين تحولت الأنظار إليه بتعجب : الدكتور قال ان بدر لما اتنقل للمستشفي في اسكندرية كانت في جيبه فلاشة وحطوها في الامانات و موظفة الاستقبال سلمتها لمدام اميرة لانها مراته ومن حقها تستلم حاجته فغرت حياة فاهها بصدمة وغضب مما قاله ، خلال ذلك جحظت عينا جاسر بإحمرار ، هادرًا في انفعال بعد أن هب من مقعده ، محاولاً أن ينقض عليه من غضبه المفرط ، الذي أعماه فى لحظة مزعزعًا ثباته الإنفعالى : بتقول ايه .. يعني ايه!! الفلاشة دي الدليل الوحيد علي الكلاب اللي حاولو يقتلو اخويا بسببه .. تقوم تضيعه مننا بالسهولة دي وكمان يقع في ايد الفاسدين دول؟ تحركت قدميه ، وأخذته إليها دون وعي ، ليقف بجانبها فى طرفة عين ، بينما كانت حياة جامدة بقلق بمكانها تراقب ما يحدث ، لتسمعه يقول بنبرة واثقة : لا مش الوحيد .. قوليلهم يا حياة ان الورق انا طبعته علي الفلاشة بس النسخة الورقية لسه موجودة اندفع طارق يحول بين معاذ الذي يقف ببرود يشوبه ارتباك داخلي ، وجاسر بوجهه المحتقن ، قائلا بصوت عالً محذرا بخشونة ، محاولا إقناع الأخير بالسيطرة على ثورة غضبه : اهدا يا استاذ جاسر مش هنوصل لحاجة بالطريقة دي .. احنا تحرياتنا شغالة وانت متابع بنفسك تكلمت شذى بنبرة هادئة مملوءة باللين رغم خوفها ، وهي تسعى لتهدئة جاسر و تلف أصابعها حول ذراعه ، وتضغط عليه برفق لكى تجذب انتباهه لها : لو سمحت يا جاسر اهدا أطلق زفيرًا بحرارة ، محاولاً قمع غضبه ، محدقاً في معاذ بعيون متصلبة ، وفم مفتوح ، بينما حياة أشاحت وجهها بعيدًا عن معاذ بانزعاج واضح ، قائلة بصوت هامس حينما أدركت أن الانتباه مسلطًا عليهم : خلاص يا جماعة اقعدو احنا في مستشفي والناس بتبص علينا .. مش وقت خناق.. امتثل الجميع لكلماتها الصحيحة ، ثم أضافت بعد أن جلسوا مرة أخرى : جاسر .. انت قولت ان بدر قالك معه ورق مستندات ورقية مش فلاشة صح؟ أومأ معاذ برأسه بالإيجاب بينما ارتفع صدره وهبط في سخط. أضاء عقل طارق فجأة بشيء ما ، وسرعان ما هتف ، وضرب بقبضته على سطح الطاولة : مش الفلاشة الدليل الوحيد الورق كمان موجود .. بس يفضل السؤال فين مكان الورق دا!!؟ أنهى جملته بسؤال وهو يفرك ذقنه بتفكير. رفعت حياة عينيها نحو بدر الذي قرأ السؤال بعينيها دون أن تضطر إلى النطق به ، لكنه هز رأسه محبطًا ، أي أنه لا يعرف. ظل معاذ يراقب ما يقولون بجمود بينما طارق يستأنف الحديث بإستفهام : لازم نعرف بدر بعد ما كلمك يا جاسر راح علي فين بالورق دا قبل ما يسافر اسكندرية؟ أغمض بدر عينيه وشتم نفسه داخليا ، هناك أشياء كثيرة لا يعرفها شقيقه بسبب كبريائه الذى أجبره على الكتمان. كيف يمكن أن يحاسبهم على ذلك الآن؟ مسح جاسر شفتيه بأصابعه ، وهو يفكر بصوت عالٍ : طالما ماجاش علي المكتب ولا راح الفيلا عند اميرة ممكن جدا يكون راح العمارة أومأت شذى برأسها قائلة داعمة اياه : احتمال كبير ومضت عسليتها التى تشبه شهد العسل الصافى بفكرة ، بينما نهضت بسرعة على قدميها وأخذت هاتفها من على الطاولة ، قائلة باختصار : انا هتصل بعم حمزة اسأله أنهت كلماتها بالضغط على زر الاتصال ووضع الهاتف على أذنها ، وفي غضون ثوانٍ تلقت ردًا من الطرف الأخر. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد مرور بضع ساعات داخل شقة بدر عز الدين هناك العديد من رجال الشرطة يبحثون في أماكن مختلفة ، بينما وقف طارق بهيبة تليق به ، موجهًا حديثه نحو الرجل العجوز بلهجة رسمية : متأكد من اللي قولته يا عم حمزة؟ رد حمزة بنبرة صادقة ، وهو يشعر بالرهبة من خطورة الموقف : ايوه طبعا يا سعادة الباشا متأكد استاذ بدر جه في اليوم دا قرب الساعة 9 تقريبا و ركن عربيته قدام العمارة و طلع شقته دغري تفحصه طارق بأعين ثاقبة ، وهو يضع إحدى يديه في جيب بنطاله ليقول مستفسرًا : و قعد قد ايه فوق يا عم حمزة؟ رفع حمزة كتفيه علامة على جهله بالإجابة ، ثم قال معللاً بتبرير : معرفش يا بيه والله يومها انا نمت بدري كان ضغطي واطي واللي فضل قاعد مكاني ابني كرم تمتم له طارق بملامح جامدة لا تعبر عن شيء ، حيث لا يستطع الناظر له أن يفهم ما يجري في عقله : تمام انزل انت امتثل حمزة لأمره ، ثم استدار ليغادر مسرعًا في صمت ، ليتوجه طارق بخطوات سريعة نحو جاسر وحياة الواقفين بجانب شذى أمام باب المنزل المفتوح على مصراعيه ، بينما كانت تتحدث معها لتصمت وهى تراه يقترب منهم قائلاً بهدوء : الورق مالوش اي اثر هنا هزت حياة كتفيها مزلقة شعرها خلف ظهرها وتكلمت بشرود : يمكن محطش الورق في شقته اصلا همست شذى بحيرة ، وهي تفرك رقبتها بإصبعها ، وبدأ الإرهاق يسيطر عليها : اومال هتكون فين الاوراق دي لو مش في شقة بدر؟ أدار بدر رأسه ، ناظرًا بعينيه اللامعتين فى وهج غريب نحو باب شقة حياة ، التي لاحظت حركته وهتفت تسرع بعد أن فهمت ما يفكر فيه : في شقتي ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• أسدل اللَّيلُ سدولَه سريعا داخل مديرية الأمن وقف ويداه في جيوب سرواله ناظرًا لها بارتياب ، ليقول بشك : بقولك ايه يا حياة في حاجة غلط في الموضوع؟ حادت حياة عينيها بقلق ، ونظرت في اتجاه آخر قائلة بهدوء ساخر : و ايه هي يا سيادة الرائد؟ حدجها مقوسًا شفتيه بتهكم حينما هربت بنظراتها عنه ، ليتساءل بغرابة : منين عرفتي ان الورق في شقتك انتي؟ ظلت صامتة لبعض الوقت لتفكر في إجابة مقنعة ، لكنها سئمت حقًا من هذا الموقف المجهد لجسدها وأعصابها ، لتقول بتوتر ، وهي تلامس خدها بكف يدها : هتصدقني لو قولتلك ان بدر هو اللي قالي جعلت عينيه تتوهج من الغضب ، بمجرد أن تلفظت بهذا الهراء أمامه ، حيث اقترب منها خطوة واحدة ، صائحا بضيق : هو بدر دا طلعلنا منين!! امتي دخل حياتنا و ليه متعلقة بيه بالمنظر دا و مصممة تفضلي جنبه؟ زمت حياة شفتيها بعبوس بعد أن رفعت عينيها إليه ، وشعرت أنها قد أسأت الظن به عندما تخيلت أنه تغير معها ، لكن ما تراه منه يتعارض مع ذلك ، لتجد نفسها تجيب عليه بتصميم غاضب تمكن أن يميزه بسهولة ، رغم نبرة صوتها المنخفضة بسبب وجودهم داخل مديرية الأمن : قولتلك اني انا بحبه بس واضح انك كنت واخدني علي قد عقلي تلاشت عقدة حاجبي معاذ ، ونسي للحظة من هو وأين يقف ، وقرب وجهه إليها قليلا هامسًا بصوت مليء بالفكر والعذاب : حبتيه امتي يا حياة .. امتي ريحيني وقوليلي؟ خفضت حياة عينيها عن نظراته ، وحركت رأسها إلى اليسار واليمين عدة مرات متتالية قائلة بصوت أبح : معرفش .. معنديش اجابة تريحك كل اللي اعرفه اني عايزة اكون معاه وبس .. مش عايزة حاجة غير انه يفوق ويكون كويس كان على وشك التحدث ، لكن صوتًا نادى به من الخلف قائلاً : معاذ باشا التفت لينظر إلى الوراء مبتعدا عن حياة قبل أن يرد عليها بتهور من شدة حنقه ، وأطلق تنهيدة حارة قبل أن يقترب من مجموعة الضباط المجتمعين يتحدثون بهمس. تنهدت حياة بصوت مسموع ، وهي تغلق عينيها من الألم و التعب ، لتفتحهما مرة أخرى عندما سمعت خطى تقترب منها ، لتهتف بلهفة : حصل ايه يا جاسر؟ وجهت عينيها نحو طارق ، حيث تكلم معه جاسر باحترام : طارق باشا هيقولنا أومأ طارق ردًا ، وعقد ذراعيه أمام خصره ليقول بنبرة عملية جادة : الورق اللي لاقيناه بيدين ناس كتير جدا و اولهم طبعا اميرة وأمها و كريم و طلع قرار من النيابة العامة بالقبض عليهم و حاليا بيتنفذ ارتسمت معالم الارتياح على وجهها قبل ان تقول بإبتسامة واهنة : الحمدلله انا هرجع لبدر في المستشفي سيبنا لوحده كتير بمجرد انتهاء كلامها همت بالتحرك ، ولكن صوت جاسر منعها عندما هتف من ورائها ، ليجعلها تستدير إليه برقبتها : استني لسه في حاجة كمان حصلت من شوية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


الفصل الرابع والعشرون شبح حياتي أن الحب الذي نتحدث عنه بين شخصين ، إنما هو أشبه بطاقة كامنة موجودة من ذي قبل و يتم تأجيل المشاعر إلى حين وصول اللحظة المادية التي تجمع الروحين بلقاء حاسم فيتم تلاقي الأرواح و​​تناغم الفكر. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ارتسمت معالم الارتياح على وجهها قبل ان تقول بإبتسامة واهنة : الحمدلله انا هرجع لبدر في المستشفي سيبنا لوحده كتير بمجرد انتهاء كلامها همت بالتحرك ، ولكن صوت جاسر منعها عندما هتف من ورائها ليجعلها تستدير إليه برقبتها : استني لسه في حاجة كمان حصلت من شوية التفتت إليه بقلب ينبض بالجزع عندما أنتبهت أن بدر ليس بجانبها ، لتقول بتعجب : خير في ايه!! تابع جاسر إخبارها بصوت ثابت : صاحب محل حلويات قدام عمارة بدر قدم تسجيلات كاميرات محله للنيابة متصور فيها بواب العمارة وهو بيفك فرامل عربية بدر اللي كانت مركونة قدام مدخل البيت جحظت عينيها لتهتف بتفاجئ : عم حمزة!! رد طارق بالنفي ، واضعًا يديه خلف ظهره منتصبًا فى وقوفه فارجًا بين قدميه قليلاً : لا اسمه كرم ابن حمزة اتسعت عينا حياة ، تهمس فى صدمة ، وقلبها إزدادت نبضاته بخوف ، موزعة نظراتها بينهما : معقولة هو اللي عمل كدا!! طيب مسكوه؟ زفر جاسر وسحب شعره متوسط ​​الطول إلى الخلف ، وأجاب على سؤالها : لا ابوه قال انه مختفي بقالو كام يوم ساد الصمت بضع ثوان ، لتتمتم حياة بعد أن ابتلعت الغصة التي تشكلت في حلقها بصعوبة : يعني في نفس التوقيت اللي عرفنا فيه مكان بدر!! أدارت حياة رأسها لطارق وحاجبيها مطويان ، حين استطرد بتأكيد : بالظبط واضح انه لما عرف خاف و هرب بس هيروح فين هنجيبو ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد أكثر من ساعة صف جاسر السيارة أمام بوابة المستشفى ، لتضع حياة يدها على مقبض الباب تنوى النزول ، لكنها توقفت حين وصل صوته إليها ، قائلا بتأنيب أخوى محبب عندما لاحظ التعب باديًا عليها : كان المفروض تستني في شقة بدر لحد الصبح عشان ترتاحي قطبت حاجبيها وهزت رأسها بإنكار ، قبل أن تقول بابتسامة : لا انا تمام اذا نعست هنام في اوضة المرافق ابتسم جاسر لها ، ثم حرك عينيه إلى ساعة يده وقال بنبرة عادية : ماشي هعدي علي شذي اطمن عليها و ارجع اشوفكو بعد شوية أومأت إليه بالموافقة ، ونزلت من السيارة ، قائلة بهدوء : ماشي .. سلام ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• دخلت حياة المستشفى مباشرة متجهة نحو المصعد ، لكنها غيرت رأيها وذهبت إلى الكافيتريا لتحضر لها كوب قهوة لمساعدتها على التركيز قليلا ، ثم عادت إلى المصعد وهي تنوي الذهاب إلى غرفة بدر. رفعت حياة كوب القهوة على شفتيها ، وارتشفت قليلاً منه بالتزامن مع ظهور بدر فجأة هامسًا بجانب أذنها : حياة غصت حياة وهي تبتلع ما في حلقها ، وخفق قلبها حينما استمتعت اسمها بلهجته العميقة ، لتصيح في تذمر من بين سعالها ، رفعت عينيها في حرج بعد مسح فمها بظهر كفها : مش تكح خضتني تشكلت ابتسامة جانبية على فمه ، وهو يسألها باستفزاز محركًا حاجبيه بشكل هزلي : وهي اول مرة يعني؟ انزعجت ملامحها حيث نظرت إليه بنظرة ازدراء ، ثم سألته مستفسرة : رخم .. كنت فين من ساعة ما كنا في النيابة ماشوفتكش جنبي؟ بدأت ابتسامة خافتة تظهر ببطء على وجهه ، بينما نظراته ثابتة عليها ، مغمغمًا بنفس النغمة العميقة : كنت موجود حواليكي بس ماردتش اكلمك وسطهم قوست حياة ثغرها بابتسامة صغيرة على كلماته ، بعد أن أسبلت جفنيها نحو الكوب ، تمسكه بكلتا يديها بخجل حتى أضاف قائلا بنبرة ذات مغزى : علي فكرة انا سمعت كلامك مع معاذ عني ابتلعت حياة ريقها بصعوبة ، وهى تشعر بجفاف حلقها ، لتنبس بصوتها الناعم بعد أن نظرت إليه : سمعت ايه؟ أجاب بدر بإيجاز على سؤالها : كل اللي قولتيه.. اشتعلت وجنتاها خجلاً ، بمجرد أن أدركت أن مشاعرها أصبحت الآن كتابًا مفتوحًا له ، لكن قلبها كان له رأي آخر ، حيث حلق بسعادة في سماء هذا البدر ، يترقص فرحًا وحبًا ، بينما استأنف بدر حديثه بعد ثوانً بأعين متلألأة بترقب : بس عايز اعرف لما قولتي كدا كان عشان تخلي معاذ يبعد عنك؟ حملقت به بعسليتها اللامعة بحب جارف وهزت رأسها نفيًا ، وقالت باندفاع : لا انا كنت قاصدة كلامي برقت عيناه بنظرة مفعمة بالأمل من جوابها الذي زعزع حصونه عشقًا ، وهمس لها بصوته العميق : يعني بجد بتحبيني يا حياة نظرت حياة إلى أسفل بخجل تارة ، ثم رفعت أهدابها تحدق بتردد فى عينيه تارة أخرى. لا تنكر إحراجها الشديد وخوفها من عدم تقبله مشاعرها ، لكنها لم تعد قادرة على إخفائها فى قلبها ، لتهمس بصوتها الرقيق الذي يتغلغل في روحه مثل أشعة الشمس دافئة مثل شعرها ، و عينيها تخترق نوافذه المظلمة ، تتألق في سماء قلبه بألوان قوس قزح : صدقني معرفش ازاي اتعلقت بيك في حياتي بالشكل دا .. مش عارفة اوصفلك الرعب اللي حاسة بيه وخوفي عليك من كل حاجة .. ولا اعرف امتي و ازاي لاقيت نفسي بحبك و عايزة افضل جنبك!! طافت عيناه على ملامحها بعشق ، متناغم مع نغمة السحر في صوته العذب ، بينما ارتسمت ابتسامة على شفتيه ، تحكي قصة عاشق أخفى حبه طويلاً : و انا دلوقتي خلاص مش عايز اعيش غير عشانك ومش خايف خلاص اللي كنت خايف منه انك ماتكونيش بتحبني زي ما انا بح...ب... لم يستطع بدر أن يكمل اعترافه بحبه لها حيث أنزل بصره نحو طيف جسده ، وشعر بإحساس غريب بالألم يسيطر عليه. رفعت حياة حاجبيها مندهشة ، وتلاشت ابتسامتها السعيدة بعد سماع كلماته الجميلة تدريجيًا ، و دب الذعر براثينه في قلبها مما تراه أمامها ، لتناديه بتردد : بدر .. مالك!! حدق بدر في عينيها المتسعة بهلع ، حالما أن رأت الضوء المنبعث منه والذي جعل طيفه شفافًا للغاية حيث يختفي ببطء ، بينما كافح بدر لإخراج صوته بشكل متقطع ضعيفًا كأنها تسمعه من بعيد على الرغم من صغر المسافة التى تفصلهما عن بعض : حياة .. في حاجة غلط .. احساس قوي بيسحبني بعيد .. غصب عني.. تجمدت قدماها في مكانها ، ولم ينكسر صمت المكان إلا بقرع قلبها بصوت عال ، عقلها يحاول ترجمة ما حدث الآن لكن الصدمة جعلتها تحرك رأسها في إنكار لما توصلت إليه ، لتمرر عينيها في جميع اتجاهات المصعد ، لكنه بالفعل تلاشى نهائيًا وكأنه لم يكن موجودًا. انسكب من يدها كوب القهوة من فرط فزعها ، في نفس الوقت وصل المصعد إلى الطابق المراد لتترجل حياة منه ، وهى تركض برعب في أروقة المستشفى مثل المجنونة ، تريد الوصول إلى غرفته في أسرع وقت ممكن. اقتربت حياة من الغرفة بأنفاس متلاحقة ، تزامنًا مع خروج أميرة من الغرفة بوجه مرتعد بشحوب ، لتنصدم بشدة من رؤيتها. فوجئت حياة حينما وجدتها أمامها بتلك الهيئة المريبة ، ليسقط قلبها أرضًا من خوفها الشديد ، وهى تجزم داخليًا أنها قتلته ، لكن أميرة لم تعطها فرصة لإكمال استنتاجها المصدوم أو حتى القدرة لأن تفعل شيئًا ، حيث تقدمت إليها على الفور دافعة اياها بقوة فى صدرها ، مما جعل وزن حياة يختل ، وتقع مرتطمة بقوة بالارض الصلبة بقسوة حتى تتمكن من الهروب منها. قطبت حياة جبينها وهي تقضم شفتيها بألم في عظام ظهرها ، لكنها حين انتبهت على أميرة تفر هاربة في الرواق ، صرخت بقوة في بعض العمال الذين تجمعوا على صوتها بتعجب : الحقو الست دي .. عملت حاجة في المريض اللي جوه .. امسكوها بسرعة.. هرعوا جميعًا بإندفاع في الاتجاه الذي أشرت إليه. نهضت من الأرض ببعض الألم ، وهرعت نحو غرفة بدر الذي كان مستلقيًا على السرير في صمت تام ، ثم لاحظت بفزع أن الأجهزة التي يتنفس من خلالها قد أزيلت عنه. استدارت بسرعة نحو الباب وهي تصرخ طلباً للمساعدة : يا ناس .. حد يلحقني لو سمحتوا .. بدر بيموت جاءت إحدى الممرضات تلبيةً لنداءها ، وقد صدمت من هيئة حياة الفوضوية ، لتربت على كتفيها وهي تسأل بقلق ، وتحرك عينيها بينها وبين السرير خلفها : ايه اللي بيحصل .. اهدي عشان اعرف افهم منك!! أشارت لها حياة على عجل ، وهي تدير رأسها للخلف وتصرخ متوسلة ، وتلهث لالتقاط أنفاسها : الاجهزة مفصولة عنه نادي للدكتور بسرعة بمجرد أن هرعت الممرضة إلى الخارج لتلبية طلبها ، عادت إلى الفراش ، وإنهمرت الدموع من مقل عينيها في تلك اللحظة ، وهي تنظر إلى ملامحه الشاحبة ، لتستسلم تمامًا لرعدة قاسية ، سرت على طول جسدها جعلت المطر يتساقط بغزارة من غيوم عسليتها الداكنة. اقتربت منه كثيرًا ، وهي تحاوط وجهه بيديها وإنحنت بجذعها العلوي نحوه ، ودموعها الكثيفة تتساقط على لحيته مبللة اياها وتذرف دموع الحب على جسده ، وهي تهذى فى انهيار بكلمات متقطعة من بين شهقاتها تفيض بالرجاء ، وهى تشعر أن روحها غادرت جسدها عندما اختفى مثل السراب من أمامها : بدر .. بدر .. ماتسيبنيش دلوقتي .. انت مش هتسيبني وتمشي بعد ما بقيت كل حاجة في حياتي .. فتح عينك أو اظهرلي تاني .. لو سمحت ماتسيبنيش .. انا ماسيبتكش لما كنت محتاجلي .. اصحي ماتموتش انا محتجالك وبحبك اوي ومش عايزة غيرك قوم عشان خطري : ايه اللي بيحصل هنا!! ابعديها عنه بسرعة يا ليلي كانت غافلة تماما عن من حولها ولم تسمع صوت الطبيب الذي صرخ على عجل ، إلا عندما انتزعتها يدا الممرضات من على جسد بدر. خرجت الكلمات من حلقها بصعوبة بالغة ، وقالت بصوت متحشرج ونحيب وهي تتراجع في خطوات بطيئة بينما تجرها الممرضة للخلف : دكتور الحقه .. الحقيرة اميرة شالت اجهزة التنفس عنه .. ارجوك ماتسيبهوش يموت اعمل اي حاجة استدعى الطبيب إحدى الممرضات بملامحه الجادة التي أثارت القلق فى قلب حياة قائلا على الفور : يارا كلمي الامن و شوفيلي مين دخل هنا و عمل كدا؟ وخرجو الانسة برا.. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد فترة وجيزة من الزمن ظل جاسر يتجول في الممر ذهابًا وإيابًا بتوتر وقلق ، بينما في الجهة المقابلة وقف معاذ متكئًا على الحائط خلفه ، في انتظار خروج الطبيب ليخبرهم بحالة بدر. تدحرجت عيناه تجاه ذات الشعر البرتقالى الجالسة ، تحدق بهدوء في الفراغ ، وتتحرك شفتيها من وقت لآخر في حركة سريعة كما لو كانتا ترتجفان والدموع تتساقط منها بشكل لا إرادي. تشابكت حواجبه بغضب عندما تذكر ما حدث قبل بضع دقائق. Flash Back فور وصوله إلى بداية الرواق ، رآها تبكي بصوت عالٍ في يدي الممرضات ، ركض إليها بقلق دون تفكير ، ليركع أمامها ، ويطوق وجهها بيديه ، متسائلاً في فزع عما حدث لها. لم يتلقى منها سوى مزيد من النحيب الذي جعل قلبه ينفطر عليها حتى وصل إلى أذنيه كلمات الممرضة قائلة بتوضيح ، مسببًا ارتسام الصدمة والألم على محياه : سمعناها بتصرخ واجهزة التنفس مفكوكة عن المريض .. بس الحمدلله الامن مسكو الست اللي عملت كدا علي السلم قبل ما تلحق تهرب ومن ساعتها الدكتور معه جواه Back أغمض عينيه بقوة عندما غزت الأسئلة عقله ، ألهذه الدرجة وصل معها الأمر إلى البكاء على شخص آخر غير والدها ، لم يسبق له أن رآها بهذا الشحوب ، وعيناها ذابلة وهيئتها مبعثرة إلا وقت وفاته فقط. أطلق زفيرًا بحرارة بعد أن فتح عينيه ، معترفاً بأن لديها مشاعر عميقة لهذا البدر لن يكون قادراً على جعلها تنساها بسهولة كما حاول إقناع نفسه سابقاً. استفاق معاذ من بؤرة أفكاره القاتمة حالما سمع صوت باب الغرفة ينفتح ، مطلاً منه الطبيب بمظهره الجاد. رفعت حياة عينيها المشوشة بالدموع إليه ، ومرت بضع ثوان قبل أن تنهض بسرعة لتركض نحوه بنظرات قلقة ، وهى تقف بجانب جاسر الذى سأله بترقب : بدر عايش يا دكتور .. طمنا من فضلك؟ ابتسم الطبيب ثم قال بنبرة هادئة ومتوازنة وهو ينقل عينيه بينهم : الحمدلله اطمنو هو كويس دلوقتي حالته مستقرة مافيش داعي للقلق ازدردت لعابها وهى تمسح وجنتيها الوردية من الدموع وقالت بشفتيها المرتجفة : ممكن ادخل اشوفه لو سمحت يا دكتور؟ رمقها الطبيب بنظرة شفقة على حالها ، لكنه أجاب بجدية : حاليا الزيارة ممنوعة للصبح و دا احسن عشانه اغرورقت عينيها بالدموع عينيها مرة أخرى ، وتمتمت برجاء حتى تستعطفه : دقيقتين بس من فضلك والله أومأ بالموافقة وواصل الحديث نفس اللهجة الجادة : ماشي .، بس مش اكتر من كدا فتح معاذ فمه محاولًا استنشاق أكبر قدر ممكن من الهواء لعل تهدأ النار في قلبه ، و فور دخولها الغرفة نظر إلى جاسر وقال ببرود ظاهرى وهو يشعل سيجارة ويستنشقها بقوة ، ثم ينفث الدخان ببرود : هنزل اجيب قهوة و ارجع .. اجيبلك معايا؟ هز جاسر رأسه رافضًا وقال بهدوء مهذب ، وهو يجلس على أحد الكراسي : تسلم يا معاذ باشا حرك معاذ جانب فمه بابتسامة جانبية صغيرة ، ثم نظر إلى الرجل الواقف أمام باب غرفة بدر وهو يأمره بجمود : تفضل هنا قدام الاوضة ماتتحركش للصبح أومأ الجندي برأسه مطيعًا مؤديا التحية العسكرية ، وهو يهتف باحترام : تمام سيادتك ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• داخل غرفة بدر مشيت ببطء صوب السرير ، وهى تقبض بأسنانها على شفتها السفلية ، مانعةً ارتجافها الواضح ، ثم زفرت براحة ، محدقة في ملامحه الوسيمة رغم سكونه ، غير مصدقة للآن أنه لا يزال على قيد الحياة بعد كل ما حدث. أخذتُ تردد كلمات الشكر والتسبيح لله ، ثم نظرت حولها بتمعن ، ربما سيظهر فجأة كالمعتاد ، لكنه سرعان ما زفرت بإحباط منذ أن اختفى شبحه ، ولم يظهر له أي أثر ، وهذا هو سبب أصابتها بنوبة هلع حيث اعتقدت أنه رحل إلى الأبد. صعدت السرير لا إراديًا بحذر شديد ، لتجلس بجانبه على جانبها الأيمن ، تتأمل ملامحه المرتخية والوسيمة للغاية ، على الرغم من شحوبها الطفيف ، شعرت بنبضات قلبه تضخ تحت يدها ، التي وضعتها على صدره لتتنهد بإرتياح. ظلت تنظر إليه بنوع من التردد قبل أن ترفع يدها اليسرى ببطء إلى أعلى لتستريح على جبهته العريضة ، وثمة ابتسامة خافتة على شفتيها ، تحتوي على مزيج من الحب والحزن والشوق وهي تناجى الله عز وجل أن ينقذه. أغمضت عينيها ومررت أصابعها على وجهه المتناسق كأنه منحوت بيد فنان ، وصولًا إلى أنفه البارز بشموخ ، ثم خده تتلامس مكان غمازته الذي وقعت في غرامها ، حينما يبتسم لها ابتسامته الساحرة ، لتنحدر أصابعها على عظام فكه لتستقر على ذقنه ، وتضع راحة يدها على الخد الآخر ، وهى تطبع في عقلها صورة لمعالمه التي تسكن خبايا الروح احتلالًا ، وتجعل قلبها ينبض بالحياة. تسارع قرع قلبها مثل الطبل لدرجة أنها شعرت به في حلقها ، وهي تتذكر حديثه الأخير معها ، والذي لم يستطع إكماله ، متسائلة بشوق و عذاب لماذا المسار نحو ما تريده بطيئًا للغاية ومتعثرًا. فتحت عينيها عندما سمعت صوت طرق عدة مرات متتالية ، فسارعت تنهض من بجانبه ، تزامنًا مع فتح الباب لتدخل الممرضة حتى تذكرها بما قاله الطبيب منذ قليل. أومأت برأسها فى انصياع ، وألقيت نظرة أخيرة عليه ، ثم خرجت معها بهدوء. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• فى رواق المستشفي بمجرد أن أغلقت الباب خلفها ، استدارت نحو جاسر فرأته جالسًا يضع رأسه في يديه ، ومخفضً بصره بشرود ، لتحمحم بخفة لجذب انتباهه إليها. مرت وهلة قبل أن يرفع رأسه ناظراً إليها بعيون ضيقة ، ويسألها بقلق بعد أن وقف منتصبًا واقترب منها : عاملة ايه دلوقتي؟ أجابت حياة بنبرة خافتة ، وهي ترمق الجندي بنظرة خاطفة : الحمدلله بقيت احسن .. وصلتو لحاجة؟ أنهت كلامها بنبرة تساءل ، ليجيب عليها زافرًا بغضب : طارق رئيس المباحث كلمني وقالي ان اميرة وامها اتحجزو علي ذمة القضية و هيتعرضو علي النيابة الصبح وللاسف كريم هرب قبل الشرطة ما توصلوه خفق قلبها خوفًا انجلى على محياها بسبب ما حدث منذ قليل ، بينما تقول سريعًا : يعني ممكن يحاول يأذي بدر تاني!! ابتعد بؤبؤ عينيه عنها في تفكير ، شابكًا ذراعيه أمام خصره ، وتابع حديثه بثقة واتزان : مش هيستفيد حاجة من محاولته .. عشان الاوراق دلوقتي في ايد الشرطة واتحولت لقضية يعني اي حاجة هيعملها هيزود بيها قايمة جرايمه .. دا لو ماتمسكش وقتها هزّت رأسها بسرعة ، مقنعةً نفسها بصحة حديثه ، ليكمل بنبرة هادئة ، محاولًا بث طمأنينة فى نفسها المتوترة : ماتقلقيش المستشفي متأمنة كويس برجالة الشرطة لاحت ابتسامة على وجهها ، إنمحت فورًا ، وهى تنطق بسؤال : وكرم لسه ماوصلوش لمكانه؟ رفع يده ومسح بها على وجهه قائلا بتعب : لسه تألقت عيناها ببريق ذعر من أفكارها القاتمة ، مما جعل طاقتها تنخفض شيئًا فشيئًا ، بينما لاحظ جاسر شحوب وجهها قائلاً بقلق : حياة .. يلا خليني اوصلك البيت ماينفعش تفضلي هنا هزت رأسها رافضة ، ليستطرد الكلام بحزم : ماتعمليش كدا وشك اصفر جدا والصدمة اللي اخدتيها من شوية مش قليلة عبست ملامح وجهها الرقيقة باستياء ، ونبست مستنكرة بإعتراض : لا انا... بتر جاسر باقي جملتها ليقول بابتسامة تشوبها الصبر يحاول ردع عنادها بألطف الطرق : اسمعيني روحي البيت و الصبح ارجعي حتي عشان تغيري هدومك وتستريحي شوية .. كدا كدا مش هتعرفي تشوفيه لحد الصبح يعني القعدة هنا مالهاش داعي قوست حياة شفتيها ، وتحدق فيه بعدم رضا ، لترد بتذمر : ماينفعش نسيبو تاني لوحده... ابتلعت حياة بقية اعتراضها الواهى من شدة إجهادها ، حالما وصل صوته ذو بحة المميزة إلى أذنيها من خلفها : انا هوصلك يا حياة التفتت نحو معاذ مغمغمة باستسلام ، وإطمئن قلبها قليلا من بقاء جاسر في المستشفى : طيب ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• في سيارة معاذ حدق بها خلسة ، ليراها عاقدة يديها إلى صدرها في سكون ، وبدا أنها غارقة في أفكارها لبعيد ، حتى استفاقت على صوته حينما حاول جذب أطراف الحديث معها بنبرة لينة ، بينما بصره مرتكزًا للأمام : شكلك لسه مضايقة مني عشان الكلام اللي قولنا اخر مرة .. الضغط اللي كنت فيه خلاني اتصرف كدا بس انا ماكنش قصدي اتعصب عليكي تكلمت حياة بحدة ، وهى ترمقه بنظرات جانبية فورًا أدرك معناها : عادي يا معاذ دا طبعك و مش هيتغير في يوم وليلة . . انت علي طول متسرع و لسانك سابق تفكيرك زاد من قوة قبضته على عجلة القيادة ، حانقًا على نفسه ، كيف يمكنه أن يلومها ، لقد كانت تلك المشكلة دائمًا ، من الصعب عليه كبح جماح غضبه السريع ، لكنه حاول ضبط نفسه بتحكم لاذع للرد في أهدأ نبرة يمتلكها : عندك حق يا حياة .. يمكن سبب عصبيتي معاكي عشان كان لسه جوايا امل اننا هنتصالح ونرجع لبعض .. وماكنتش متقبل ان في حد تاني في قلبك ارتخت ملامحها الحادة ، وهي تلتمس الندم في عبارته ، ثم تنهدت قائلة بنبرة رقيقة : مش نصيبنا نكون مع بعض يا معاذ .. لو كملنا كنا هنفشل عشان ماكناش هنقدر نتفاهم مع بعض ولا كنا هنريح بعض ابتسم معاذ ابتسامة جانبية مليئة بالمرارة ، وأومأ برأسه ، وتابع حديثه بضيق : جايز .. وانا مقدر صراحتك معايا .. واكيد مش هفرض نفسي عليكي .. لا كرامتي ولا رجولتي تسمحلي اجبرك عليا او اخليكي تحبني غصب عنك هزت رأسها بصمت حينما ألقي نظرة خاطفة عليها مزدردًا ريقه ، و يجز على أسنانه بقوة ، محاولًا التحكم في انفعالاته ، مضيفًا نفس الطبقة الصوت الهادئ : عشان محدش بيحب حد غصب عنه يا حياة .. بس احنا قرايب قبل كل حاجة و هفضل موجود اذا احتاجتي اي حاجة تشكلت ابتسامة طفيفة على شفتيها ، ورقص وميض ارتياح في عينيها معتقدة أنه تفهمها أخيرًا. حدقت به بينما عيناه مصوبتان نحو الطريق ، ثم ردت عليه بابتسامة : بغض النظر عن اسلوبك معايا .. بس شكرا يا معاذ علي اللي عملته أخذت نفسا عميقا ، واستطردت كلامها : و زي ما قولت احنا قرايب و مينفعش يكون بينا الا الاحترام و المودة اجاب بهدوء متناغم مع بروده الزائف محاولًا اخفاء جمرة تلهب صدره : اكيد يا حياة ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• داخل زنزانة الحجز في قسم الشرطة : مش قادرة اصدق للي حصل .. انا اتجرجر زي المتهمين وسط جيراني وصحابي!! أنهت أسماء كلماتها بصوت عالٍ لا شعوريًا من صدمتها المفرطة ، بينما تجولت عينا أميرة حول المكان المظلم إلى حد ما في رهبة وهي ملتصقة بها ، وقالت في تحذير هامس : وطي صوتك يا ماما انتي مش شايفة الاشكال الغريبة اللي مبحلقة فينا من وقت ما دخلنا هنا هتفت أسماء بنبرة هادئة نوعا ما ، ولا تزال علامات الغضب ظاهرة على وجهها : كله من غبائك .. ازاي تسمعي كلام الحيوان كريم وتروحي برجلك المستشفي عشان تعملي عملتك السودة دي ويتقبض عليكي!!؟ اطرقت أميرة رأسها ، لتتجنب النظرات اللاذعة التي ترسلها لها والدتها بعنف لتهمس بتبرير : كنتي عايزاني اعمل ايه وماعملتوش؟ كريم هددني بتسجيلات بينا بكلم فيها عن محاولتي الفاشلة لقتل بدر وعن الحادثة تجمعت الدموع في مقل عينيها ، وظل صدرها يرتفع وينخفض ​​من خوفها الشديد وألمها القابع فى قلبها ، ثم أضافت بانفعال خفيف : مالقتش حل قدامي غير اني اسمع كلامه .. فضل يقولي ان زيارتي لبدر امر طبيعي عشان انا مراته محدش هيشك فيا ووصلني للمستشفي طلعت نفذت اللي طلبو مني .. ولما خرجت من الاوضة لقيتها في وشي صرخت ولمت عليا عمال المستشفي مالحقتش اهرب منهم تنهدت أسماء في سخط بالغ ، وردّت بسخرية لاذعة : برافو عليكي و دلوقتي مبسوطة بعملتك .. الزفت كريم هرب المحامي اللي كلمته بيقول ان كاميرات المستشفي سجلت انه كان واقف بعربيته قدامها لما حس بقلق جوه خلع ومحدش عارف اختفي في انهي مصيبة تاخده : انتي يا حلوة منك ليها بقالكو ساعة بتتودودو في ودان بعض ايه العبارة بالظبط؟ هتفت فيها امرأة تبدو في الأربعينيات من عمرها ترتدي ثوب أسود طويل ، وتحمل سيجارة بين أصابعها السمراء ، لتنظر إليها أميرة بعيون جاحظة مليئة بالدموع والخوف ، لكنها كافحت لجعل صوتها غير مبال : و انتي مالك انتي .. بليز ابعدي شوية عشان ريحتك قلبت معدتي رفعت المرأة حاجبًا واحدًا عندما لاحظت تعبيرًا عن الاشمئزاز على ملامحها الجميلة ، وألمعت عيناها بوميض ماكر عندما لوحت أميرة أمام وجهها ، لتكشف عن شيء لامع على معصمها بدا باهظ الثمن وهذا ما خطر ببالها بطمع. ابتسمت بخبث ، ثم هتفت بسخرية : الله الله باين علي الحلوة انها مدلعة .. هنا الكلام دا مايكولش يا ماما منك ليها.. وأضافت ، بعد أن أخرجت موسًا حادًا من فمها في غمضة عين ، واشتهرت بتوجيهه إلى وجوههم التي انكمشت بخوف وبذعر بالغ : اطلعي باللي معاكي يا مزة انتي و البسبوسة اللي جنبك دي .. احسن ما بالمطوة دي اسلم بيها علي خد كل وحدة فيكو ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• يمشي وحيدًا بخطوات بطيئة وحذرة ، في طريق مظلم ، مرتديًا معطفًا أسود طويلاً ، يحاول تحديد وجهته والتعرف على المكان ، لكن بين الحين و الأخر يدخل ويخرج في أزقة متشابهة مغطاة بالظلام ، ومليئة بالمستنقعات الصغيرة التى تنزلق مرارًا وتكرارًا قدميه فيها رغمًا إرادته. طاف في الشوارع لفترة طويلة ، والآمل يتسرب من قلبه رويدًا رويدًا حتى جذب انتباهه ضوء ساطع خلفه ، فاستدار ، مقوسًا حاجبيه بتعجب ، وهو يقترب منها حيث تقف على بعد مسافة صغيرة منه. بمجرد أن وصل إليها ، زينت ابتسامة حنونة ملامحها ، هدأت من روعه ، ليبادلها البسمة ، وقلبه ينبض لها مطمئنًا ، وهو يقف أمامها متأملاً ابتسامتها الجميلة. حدق الاثنان في بعضهما البعض بصمت ، حتى تحولت ابتسامة بدر إلى دهشة كبيرة ، عندما وجد جسدها يتحول إلى وميض مشع ، سرعان ما ارتفع وحلّق أمام عينيه الواسعتين مبتعدًا عنه. تحرك للأمام بخطوات سريعة أشبه بالركض ، وهو يمد ذراعيه للأعلى ، محاولًا الإمساك بها ، لكن توارى طيفها حرفياً ، بالتزامن مع ظهور ضوء قوي للغاية ، فأغلق عينيه وتقهقهر للخلف ، واضعًا ذراعه على وجهه من أجل حجب هذا الضوء المفاجئ. ★★★ فى ذات الوقت في مكان يسود فيه الصمت ، بينما جسد البدر مسطحًا بسكون ، لكن داخليًا يشعر أنه خفيف جدًا ويطير بين السحب البيضاء ، بينما تتطاير خصلاته الناعمة بفعل الريح المنعشة من حوله ليغلق عينيه بغبطة ، بينما عقله في مرحلة اللاوعي. حاول فتح عينيه مرة أخرى ، لكنها لم تستجب له ، حتى أن جسده لم يستطع تحريكه قيد أنملة ، وكأنه مصاب بالشلل التام ، بينما كانت مقلتا ترتجفان من تحت جفنيه المغلقتين ، ويتحركان يمينًا ويسارًا. بعد عدة محاولات ، انقشع الستار المهدب أخيرًا عن بنيته القاتمة ، محدقًا في رؤية غير واضحة في السقف الأبيض ، ثم رمش عدة مرات متتالية قبل أن تتجعد ملامحه من الألم عندما داهمه صداع شديد ، فأغمض عينيه مجدداً وسقط في سبات عميق. : بدر شهقت حياة بصوت عالٍ بلا وعي ، وهى تستيقظ بإنتفاضة فجأة ، وتسند جسدها على ظهر السرير الوثير ، بينما صدرها يعلو ويهبط ​​بسرعة أثر تنفسها بشكل غير منتظم ، وعيناها تتحركان فى عشوائية بعقل مشوش لا يستطيع ترجمة أي شيء. تدحرج بصرها نحو الشيء الذي كانت تقبض بيديها عليه لم يكن سوى قميص بدر ، لتسترخى ملامحها بوعي ، وهى تستجمع الأحداث الأخيرة ، حيث بعد أن وصلها معاذ ، صعدت إلى منزل بدر وهي تشعر بصداع يفتك برأسها ، قارعًا الطبول داخل جمجمتها بعنف ، لتأخذ حمامًا مريحًا لأعصابها المتشنجة ، ثم دخلت غرفة نومه وهى تسحب أحد قمصانه من الخزانة. استنشقت رائحته الرائعة وعانقته بحب كبير وشوق مع وسادته التي افتقدت رائحتها العطرة طوال فترة إبتعادها عن المنزل ، ثم لا تعلم كيف انجرفت فى تيار النوم العميق لأول مرة منذ عدة أيام. إرتسمت على وجهها ابتسامة واسعة ، وهى تسترجع فى ذهنها تفاصيل الحلم الجميل الذي حلمت به ، وتمنت من كل قلبها أن يتحقق. نظرت إلى ساعة الحائط لتتعجب من أن الوقت ما زال مبكرًا ، وهى مستلقية على جانبها الأيمن ، وابتسامة حالمة لم تترك فمها قط ، وسرعان ما غفت مرة أخرى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

الفصل الخامس والعشرون شبح حياتي مثل طائر جريح تائه في الطرقات المظلمة ، ليجدها هى المأوى لكل جراحه ، تسعى لإنقاذ روحه الضالة بإستماته ، أنها بمثابة بزوغ فجر جديد لحياته ، أضاءت سماءه بنورها بعد ظلمة طويلة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ في الصَّباح الباكِر داخل غرفة المستشفى مستلقي على سرير وحيد محاطًا بالمعدات الطبية ، والصمت سائد من حوله. حرك جفنيه ، محاولاً فتحهما ببطء ، لينجح بعد عدة محاولات ، تزامنًا مع دخول الممرضة التي توجهت مباشرة لفتح النافذة حتى يتمكن ضوء الشمس الساطع من التسلل إلى الغرفة. أغمض عينيه بانزعاج ، وهو يقطب حاجبيه ثم حاول فتحهما مرة أخرى بتريث ، محاولاً أن يعتاد على الضوء ليرى ملامح المكان ، لكن عقله كان فارغًا ومشوشًا لمدة دقيقة ، ثم بدأ يستفيق بينما اقتربت منه الممرضة لتفقد علاماته الحيوية كالمعتاد. وقعت عيناها عليه وهو ينظر إليها بهدوء ، رفرفت رموشها عدة مرات متتالية في حالة صدمة ، وعلى الفور تحولت إلى ضحكة لتقول بسرعة : استاذ بدر .. حضرتك مفتح عينيك بجد ولا انا عشان مطبقة من امبارح بقي بيتهيألى حاجات!! ظهر شبح ابتسامة على فمه ، ولكن سرعان ما تلاشت عندما شعر ببعض الألم ، محاولاً إخراج صوته المتهدج بتقطع ، بسبب جفاف حلقه : عايز .. اشرب ابتسمت ريم بسعادة ، وهي تمد يدها لقياس نبضه قائلة بلطف : حاضر حاضر .. بس لحظة واحدة هنادي للدكتور و راجعة علي طول ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• فى منزل بدر رن جرس الهاتف في جميع أنحاء الغرفة بلا توقف. تملمت حياة تحت الغطاء بانزعاج ، في محاولة فاشلة لتجاهل الصوت والاستمتاع بنوم هادئ ، لكن إصرار المتصل لم يساعدها على ذلك. رفعت رأسها عن الوسادة ، وعيناها ما زالتا مغلقتين في نعاس ، ثم مدّت يدها بشكل عشوائي إلى الطاولة ، والتقطت الهاتف تحدق فيه بنصف عينين مفتوحتين لترى اسم المتصل ، ودون تردد أجابت ، وهى تعتدل على السرير : الو .. حصل حاجة يا شذى؟ تثاءبت وهي تفرك محجر عينها بإصبعها قائلة بإبتسامة : ماشى .. صباح الخير الاول يا ستي حياة وهى تمطى جسدها بتكاسل ، محاولة التخلص من آثار النوم ، لكن حركتها توقفت فجأة بينما تستمع للطرف الآخر ، ثم تمتمت بعدم فهم : بدر ماله!! عيدي اللي قولتيه تانى؟ اتسعت عيناها من الصدمة ، و رددت بإنشداه : فاق!!! اختلطت بداخلها مشاعر كثيرة تبكي وتضحك في نفس الوقت من أثر المفاجأة ، ثم تنفست بعمق وقالت بتردد طفيف : ماشى .. هلبس علي طول و جاية هبت من السرير وبدأت تجوب الأرض ذهابًا وإيابًا حافية القدمين من التوتر البالغ الذي طغى على كيانها ، ولتهدئة روعها شرعت التحدث إلى نفسها : هعمل ايه .. لما اشوفه هقوله ايه؟ طيب هو هيقولي ايه؟ ياربي دماغى سخنة كدا ليه؟ اهدى يا حياة .. اهدى بدر فاق و هتشوفيه و يشوفك ركضت بسرعة لتلتقط ملابسها بعناية فائقة ، ثم ذهبت إلى الحمام ، يترقص قلبها بفرح وشوق لرؤيته ، ولكن اهدأ أيها القلب ، لا تطير مثل طائرة ورقية عندما تراه عليك أن تتريث. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد فترة من الزمن سارت حياة بخطوات هادئة في المستشفى ، عكس نبضها المضطرب ، داخل الردهة الطويلة المؤدية إلى غرفته. : حياة .. صباح الفل يا حبيبتي أستدارت برأسها نحو الصوت ورأت شذى تأتي إليها مبتسمة ببشاشة ، لتبادلها أياها قائلة برقة : صباح النور اتسعت ابتسامة شذى ، لتقول بمرح مع غمزة بعينها : ايه الحلاوة دي كلها .. من أولها كدا !! طب خفى شوية دا الراجل لسه في النقاهة تلاشت ابتسامتها تدريجياً ، بينما تفرك بكفها على بنطالها ، لتقول بإرتباك : حلاوة ايه !! انا رجلي مش شيلاني و قلقانة اوي رفعت شذى حاجبيها بدهشة من توتر الآخرى ، وقالت بنبرة هادئة وهي تربت على ذراعها : من ايه بس!! اهدى كدا .. مالك متوترة ليه؟ أخذت حياة نفسا عميقا ، وثم زفرته بثقل ، لتقول بإرتجافة : امبارح كانت اكتر ليلة مرعبة مرت عليا في حياتي يا شذي .. كنت هموت من الخوف عليه وفجأة اقوم من النوم علي الخبر دا .. اعصابي بقت مهلبية علي الاخر أومأت شذى برأسها متفهمة قبل أن تسأل : هو فاق امتى؟ اتكأت حياة على الحائط ورائها ، وعيناها مثبتتان على باب الغرفة التي مازال يحرسها الجندي ، وهى تتذكر مكالمتها للممرضة واستفسرت عن حالته ، ثم ردت بابتسامة : ريم بتقول الصبح دخلت عليه لاقته مفتح عينيه .. في الاول ماكنش مركز وبعدين وحدة وحدة صحصح تنهدت شذى بارتياح وعلى شفتيها ابتسامة جميلة تقولها بحرج : يلا الحمدلله علي سلامته .. ماعرفتش اجي الا دلوقتي . . كلمتك وانا في البيت عشان بدي الدوا لبابا بنفسي الصبح و اللي قالي الخبر جاسر في التليفون أشارت حياة بأهدابها فى تفهم دون أن تعقب ، لأنها رأت جاسر يأتي إليهم من الجانب الآخر ، ليقول بابتسامة جذابة : صباحو يا حياة اتسعت ابتسامته ، وهو ينظر إلى شذى مردفًا : صباح الخير علي الحلو المنور تمتمت شذى بخجل محبب لقلبه : صباح العسل يا حبيبي وزعت حياة نظراتها بينهما ، وقالت بضحكة محرجة وهي تفرك أنفها برفق : نحن هنا راعو مشاعري شوية اكتفى جاسر برسم ابتسامة مرحة دون تعقيب ، فأردفت حياة متسائلة : ها يا جاسر طمني ايه اخباره دلوقتي؟ وضع يده في جيب بنطاله وأجاب بهدوء : الحمدلله الدكتور عملو شوية فحوصات وقال كله تمام .. بس عايزو يفضل فترة في المستشفي عشان يطمن اكتر.. سألته شذى بابتسامة ، وهي تراقب عيون حياة التي لم تفارق باب الغرفة : مش هتخليها تدخل تشوفه؟ لوى شفتيه ساخرا ليقول باستياء : انا نفسي مش عارف اشوفه عشان وكيل النيابة معه جوا من نص ساعة رغم اني المحامي بتاعه واخوه التفتت إليه حياة بنظرة مندهشة سرعان ما تحولت إلى غيظ قائلة بعبوس طفولي : يعني هشوفه امتي يعني!! وكزتها شذى على ذراعها برفق ، وهمست بضحكة مرحة : خبي الشوق دا شوية كدا المتر يشوف نفسه عليكي ضحكت حياة رغماً عنها على مزحة شذى ، وسرعان ما تلاشت الابتسامات من وجوههم عندما تحدث جاسر بعفوية : احسن حاجة عملتيها انك روحتي تستريحي شوفتي راجعة وشك مورد و زي القمر ازاي حدقت فيه شذى شرزاً ، ودمدمت بعبوس لطيف مؤنبة اياه ، وهى تتحرك بسرعة للوقوف بجانبه ، ثم لكمته في صدره بخفة : انا جنبك علي فكرة كتمت حياة ضحكاتها من نظرة جاسر المتوترة لغضب خطيبته التى اثار غيرتها رغم أنه لم يقصد ما اعتقدته ، فحاول اختيار كلمات أنسب قائلا : قصدي يعني .. كانت مصلحة ليها لو شافها بمنظرها المتبهدل بتاع امبارح .. انا متأكد انه هيرجع لغيبوبته تاني اتسعت عينا حياة ذهولاً ، وعلى الفور اتخذت خطوة لتتشاجر معه ، وهى تنبس بتهديد مضحكًا : واضح كدا انك عايز تاخدلك سرير جنب اخوك و تقعد في الجبس ست اشهر وقفت شذى حائل بينهما ترفع يديها في الهواء ، وهى بالكاد تمنع ضحكاتها بصعوبة ، قائلة بتوسل وبنظرات مترجية : لا في عرضك انا فرحي بعد كام شهر و ماعنديش استعداد اتزف في المستشفي فور أن أنهت كلامها ، رنَّت أصوات ضحكاتهم مرحًا. سكتوا جميعًا عندما سمعوا صوت معاذ الذي خرج لتوه من غرفة بدر : صباح الخير أضاف دون أن ينتظر منهم أن يقولوا تحية الصباح : وكيل النيابة اخد افادته بس قال محتاج يقعد معه تاني لما يركز شوية اكتر .. عشان لسه عقله مشوش من أثار الغيبوبة ابتسم جاسر بامتنان وتحدث بجدية : متشكرين جدا يا معاذ باشا على تعبك معانا ظهرت ابتسامة صغيرة على جانب فمه ، وأجاب ببحة صوته المميزة : ولا يهمك دا شغلي تأبطت شذى ذراع جاسر ، ومنحته نظرة ذات مغزى قبل أن تقول برقة : عن اذنكم احنا هنروح نطمن علي بدر فرك معاذ جبهته بإرهاق وصمت ينتظرها حتى تتكلم ، ليسمع صوتها الخافت بعد ثوان : شكلك تعبان يا معاذ .. شكرا علي وقفتك معاهم سحب نفسا عميقا وملأ رئتيه ، ليبدأ في التحدث بصوت ثابت مثل نظراته المحدقة فى عينيها ، و داخلهما تروى الكثير من المشاعر : انا عملت كدا عشانك انتي و مش عايز حاجة غير انك تبقي مبسوطة ومرتاحة يا حياة .. ساد الصمت لحظات قليلة قبل أن يشعر باليأس من عدم ردها على كلماته ، ليقول ببرود : على فكرة انا راجع اسكندرية انهاردة في حاجات هناك لازم اخلصها أطرقت رأسها للحظة قبل أن تنظر إليه ، وقالت بابتسامة لطيفة وهي تمد يدها لتصافحه : تمام .. خد بالك علي نفسك وتوصل بالسلامة.. نظر إليها معاذ مليًا قبل أن يصافحها ​​، قائلاً بهدوء نسبي : تسلمي .. سلام ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• داخل غرفة بدر : حمدلله علي سلامتك يا متر ابتسم بدر لها بلطف ، وهمس بصوت أجش : الله يسلمك يا شذي وجه بصره إلى شقيقه الواقف بجانب شذى ، ليكمل كلامه بسؤال : امتي هخرج من هنا يا جاسر؟ تغضنت ملامح جاسر بدهشة وهو يرى الضجر مرتسم على وجهه ، ليقول بغرابة : تخرج فين يا بدر!! انت لسه فايق من غيبوبة بقالك فيها اسابيع يا راجل هتف بدر فى سأم ، غير مباليًا بتاتًا بمشاكسة جاسر له في نهاية كلامه : اتخنقت من المستشفي و التحقيقات ماشوفتش غير ظباط وعساكر من وقت ما فتحت عيني.. هز جاسر رأسه نفيًا ، وكرر كلماته بإصرار وجدية : الدكتور قال ان لازملك كام يوم تحت الملاحظة عشان نطمن علي حالتك بعد كدا ابقي اخرج براحتك استنشق بدر الهواء بقوة ، وأغمض عينيه فى استسلام ، ثم رفع يده نحو ذقنه يمسده بعفوية ، ليعيد فتح جفنيه قائلاً بنوع من الحيرة : هي ذقني مالها خفيفة كدا وانا بقالي اسابيع نايم . . ايه كانت مابتطولش ولا ايه؟ : لا دي ح... انقطعت كلمات شذى عندما سمعوا قرع على الباب ، فهتف جاسر للسماح للطارق بالدخول ، طلت حياة من خلف الباب برأسها فى تردد قبل أن تدخل بجسدها كله ، حيث كانت واقفة بالخارج لبضع دقائق بعد مغادرة معاذ. تحاول جمع شجاعتها ، حيث تشعر أن الثواني قد تباطأت كأنها ساعات بسبب اضطرابها وحماسها في نفس الوقت. تقدمت إلى الداخل وهي ترتدي ثيابًا ثقيلة نوعًا ما بسبب الطقس البارد ، لكنها أنيقة جدًا ومتناسقة ، على رأسها هناك قبعة صوفية تحميها من البرد ، وتحمل في يديها باقة كبيرة رائعة من الورود ، لتقول بنبرة هادئة ومرتبكة مثل دقات قلبها التي تنبض بعنف في صدرها بسبب لقاءها الأول به بعد أن استعاد وعيه الكامل : سلامو عليكو!! رد الجميع بصوت هادئ : وعليكم السلام ألقى بدر نظرة فاحصة عليها ، عندما نظرت إليه وقالت بابتسامة رقيقة ، وهي تتخذ عدة خطوات بسيطة حتى جاءت أمامه وقدمت له الورد : حمدلله علي سلامتك استقام على السرير أكثر ، قائلا بابتسامة وهو يمد يديه ليأخذها منها دون أن ينظر إليها : الله يسلمك متشكر علي الورد .. عايز اشرب ممكن تنوليني الميه دي؟ أومأت حياة بالموافقة ، تدير ظهرها إليه وصبت إليه بعض الماء من الزجاجة على الطاولة وهي تبتلع لعابها بتوجس من أسلوبه الغامض و الجاف نوعا ما ، حيث أنها لا تستطيع قراءة تعابير وجهه الجامدة. قال جاسر بدهشة وهو يرفع حاجبه الأيمن : انت مخلص تلت ازايز مية لحد دلوقتي يا بدر!! ابتسم بدر بصمت ، وتناول الكوب منها ، ليقطب حاجبيه بدهشة حينما لاحظ ارتعاش يدها الممدودة تجاهه ، ليحدجها بنظرة غريبة ، بينما بدأت حياة تشعر بالتوتر من تلك النظرات الثاقبة. سرعان ما تحول شعورها إلى صدمة ، وتراجعت قليلاً عندما قال بصوت عميق : ياريت تناديلي الدكتور عشان اكلم معه يا انسة من فضلك نظر جاسر وشذى إلى بعضهما البعض بدهشة ، ثم وزع الأول نظراته بين بدر وحياة ، التى تجمدت في مكانها حرفياً ، ممَ جعله يقترب منهما ليسأل بتوجس : بدر .. هو انت مش عارفها؟ اتسعت عينا بدر مصدومًا من كلام شقيقه ، ليقول في اشارة الى نفسه : هو انا اعرفها!! صُدمت حياة و بهتت بشرتها بشدة ، وكأن دلو مليء بالثلج قد سكب على رأسها بسبب ما سمعته للتو ، وتمنت لو لم تأت قط. كيف فاتها هذا الأمر ، منذ أن نظرت في عينيه الباردتين وهى قلقة ، حتى تعابير وجهه وصوته ، يؤكدان من أنه يرآها لأول مرة ، ولا يتذكر من تكون أو بالأحرى لا يبدو أنه يعرفها البتة. تمكنت بمعجزة قبل أن يتطور الأمر ، وتصبح في وضع لا تحسد عليه أن تتظاهر بالضحك فى مرح ، لتقول بكذب : لا يا استاذ جاسر .. المتر هيعرفني ازاي و هو كان في غيبوبة كذا اسبوع..؟ أستطردت الحديث بإبتسامة زائفة : انا كنت ممرضة بتاعت حضرتك و لما عرفت انك قومت بالسلامة جيت اطمن عليك و هرجع علي شغلي عن اذنكم جعد حاجبيه بضعة لحظات وهو يحدق إليها ، ثم هز رأسه بإيماءة خفيفة ، مبتسمًا بفهم وهو يرفع الكوب إلى شفتيه ، وهو يرتشف قليلاً منه. اطرقت رأسها هربًا من عينيه الغامضتين ، مبتسمة ابتسامة لا تخلو من الحزن ، ثم أطلقت الريح لساقيها ، واندفعت خارج الغرفة ، تحت أعين الجميع ، شاكرة الله أن قلبها لم يفضحها بسبب خفقاته العنيفة أمامه ، ليتحدث جاسر فور مغادرتها : هروح انادي الدكتور يا بدر ريح انت شوية ركض جاسر و شذى خلف حياة التي كانت على وشك دخول المصعد ، لكن صوته أوقفها وهو نادى عليها متسائلاً بتعجب : انتي ليه قولتي كدا ؟ و رايحة علي فين ؟ خلينا نروح نكلم مع الدكتور ممكن يكون في مضاعفات بسبب الغيبوبة.. تجمعت العبرات في مقل عينيها ، و تبخرت أخر ذرة من المقاومة الواهية التي لم تكن موجودة ، محاولة ابتلاع تلك الغصة الحارقة في حلقها ، ثم قالت بخفوت : لا هو فعلا مايعرفنيش ولا قابلني من سنين طويلة يا جاسر اغرورقت الدموع عينيها أمام نظراتهما المذهولة للغاية ، ليهتف جاسر بغرابة : انا مش فاهم اي حاجة..؟ تنهدت حياة بقوة ، وأغمضت عينيها لبضع ثوان لتجمع رباطة جأشها ، وفتحتهما ، تهمس بحزن وقلب يئن من الألم : هفهمك كل حاجة بس قبل ما اقول ارجوك ماتجبلوش سيرتي خالص ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد مرور أسبوع تساءلت حياة كيف مروا تلك الأيام عليها دون رؤيته ، لكنها كانت تصبر نفسها وهى تطمئن على حالته وتطور صحته عبر جاسر وشذى التى أقامت في منزلها بشكل مؤقت ، حيث رفضت الذهاب إلى شقة بدر منذ آخر مرة رأته فيها. أيضًا ، خلال هذا الأسبوع ، عادت إلى المدرسة بعد أن أوضحت بإيجاز لمديرة المدرسة أسباب غيابها ، وبدأت في الحضور بانتظام ، وتسعى جاهدة للتعود على غيابه في حياتها ، لكن ما لا تستطيع السيطرة عليه هو ذلك الحنين إليه و التفكير الدائم فيه. لم تنكر إحساسها بفرح كبير لعودة بدر إلى الحياة من جديد ، لكنه بالمقابل سلب قلبها منها مدى الدهر. مر يوم آخر على نفس المنوال دخلت حياة منزل شذى بالمفتاح الذي أعطتها إياها ، لتتفاجأ بأن جاسر كان ينتظرها في غرفة المعيشة لتقول بابتسامة جميلة : ازيك يا جاسر!! قال جاسر ، وهو باسم الثغر : انا الحمدلله .. انتي عاملة ايه؟ ردت حياة بإيجاز ، وهي تجلس على مقعد منفرد : ماشي حالي وضع جاسر فنجان القهوة على المنضدة ، مائلاً إلى الأمام قليلاً ، وشبك أصابعه معًا ، ثم بابتسامة واثقة تحدث : انا قولت اجي اقولك علي الخبر دا بنفسي هزت حياة رأسها ، تحثه على الاكمال ، فأردف بذات الابتسامة : كرم اتقبض عليه اتسعت عيناها بذهول ، وهي تكرر سؤالاً خلفه : اتقبض عليه . . ازاي!! شرع في الحديث مباشرة ، بصوت هادئ ومتوازن : في بلاغ اتقدم من مجهول عن مكانه في الاسماعلية .. التحريات اثبتت ان المكان بتاع وحدة متجوزها عرفى وهى اللي بلغت عنه و هربت بعد ما سرقت الفلوس اللي كانت معه حدقت حياة فيه باهتمام وسألته بريبة : وهو جاب الفلوس دي منين؟ أخبرها بما حدث قائلاً بابتسامة ساخرة : اعترف في التحقيقات قال ان اميرة هي اللي وزته علي فك فرامل العربية و اديته مبلغ كبير وقتها .. لما اتصلت بيه وسألته عن مكان بدر تقريبا بعد مكالمته معها وساعتها بدر كان في العمارة بتاعته احتد غيظه في نهاية حديثه ، رغم خفوت صوته ، حرصًا منه لكى لا يلفت انتباهه والد شذى النائم في الغرفة المجاورة ، لتكمل شذى الكلام بصوت حزين ناعم ، اثناء جلوسها على الكنبة : ربنا كبير بيسلط ناس علي ناس .. شوفوا اللي اسمه كرم دا بسبب طمعه وقع في وحدة جشعة .. لما راح استخبي عندها و ساب مراته وبناته .. طمعت في الفلوس اللي معه سرقته و بلغت عنه و طفشت .. يستاهل جعدت حياة حاجبيها ، وأطلقت زفيرًا حارًا ، لتقول بدهشة ممزوجة بالعتاب : ليه يعمل كدا في بدر ؟ و اهله خير بدر عليهم كتير!! فرك زوايا عينيه بأصابعه ، ليجيب عليها بجدية : زي ما قالت شذي الطمع بيغير النفوس يا حياة و اميرة زغللت عينه بالفلوس سألت حياة بترقب وقلب ينبض بسرعة : و كريم مافيش اي خبر عنه ؟ هز جاسر رأسه نفيًا قبل أن يرد باقتضاب : لحد دلوقتي لا هتفت حياة بصوت مذهول لا يخلو من الحزن : وبدر عرف كل دا؟ نظر إليها جاسر مليًا ، وقال بنبرة غامضة : طبعا و كمان هيخرج من المستشفي بعد يومين أومأت حياة إليه بفهم ، وقالت بخجل وهى تفرك رقبتها بخفة : تمام يا جاسر .. بعد اذنك انا هبقي اروح شقة بدر بكرا عشان الم حاجاتي اللي عنده قبل ما يخرج قطب جاسر جبينه متسائلاً باهتمام : لسه مصممة علي كلامك و مش عايزة تقابليه برده؟ حدقت حياة به ، ثم تومضت عيناها بحزن لتجيب بضيق : لا يا جاسر مش هقدر اواجهه .. هقوله ايه اصلا!! ولو سمحت خليك عند وعدك ليا و ماتقولش أي حاجة عني هزّ جاسر رأسه متفهّمًا ووقف يهندم قميصه قائلاً بهدوء : اللي تشوفيه يا حياة .. انا ماشي بقي سلام ابتسمت حياة وقالت بصوت خفيض ، بينما نهضت شذى خلف جاسر تمشي معه نحو باب المنزل : مع السلامة ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• كان على وشك الخروج ، ليشعر بلمسة يدها على ذراعه ، فالتفت إليها برقبته عاقدًا بين حاجبيه ، لتقول بتوجس : كنت حاسة انك مش علي بعضك جوه في ايه ؟ استدار جاسر إليها تمامًا ، وابتلع لعابه وهو ينظر خلفها بحذر ، ثم حدق بها مرة أخرى ، وأجاب بتوتر بعض الشيء : بدر في التحقيقات جابوا معاه اسم حياة كتير اتسعت عيناها وفغرت فاهها الذي سرعان ما غطته بكفها ، لتغمغم بإنشداه : يا خبر ابيض .. وبعدين؟ تنهد جاسر بعمق ، ثم أجابها بصوت منخفض : انا حاولت اراوغ بس بدر كل شوية بيسأل و انا بزوغ من الكلام .. بس انا خلاص لاقيت الحل أنهى كلماته بثقة ، لتسأل شذى بصوت هامس وعيون متلألئة بترقب : ايه هو؟ رفع جاسر يده ، وهو يقرص مقدمة أنفها بمشاغبة ، وقال بابتسامة مرحة : هقولك عليه بليل .. كلميني قبل ما تنامي تدلى حاجبيها وابتسمت قائلة بحب : حاضر حبيبي ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• عادت شذى إلى الداخل بعد أن أغلقت الباب خلف جاسر ، لتعقد حاجبيها بتساءل عندما لم تجد حياة في غرفة المعيشة ، لتتجه نحو الغرفة التي تقطن فيها منذ أن وافقت على الجلوس معها في منزلها حتى تدبر شؤونها. نبست شذى بلوم عندما رأت حياة جالسة على السرير وركبتيها تضمها على صدرها ، والدموع تنهمر من عينيها في صمت : لما انتي بتحبيه اوي كدا يا حياة ليه العناد دا بس ؟ رفعت حياة وجهها نحو شذى ، وأنفها ملطخ بحمرة البكاء ، وقالت بصوت متهدج : عشان ماقدرش افرض نفسي علي حياته يا شذي اقتربت منها شذى لتجلس على حافة السرير مقابل لها بعد أن رق قلبها حزنًا عليها ، وتابعت كلامها بنبرة هادئة : مين قال كدا بس!! حاولي تقربي منه .. ممكن يفتكر و يعرفك يا حياة اللي عملتيه عشانه يستاهل منك محاولة عقدت حياة حاجبيها وهي تربع قدميها ، وتهز رأسها رافضًا ، لتهمس بحزن : اللي عيشته معه كأنه كان حلم او قصة خيالية مستحيل هيصدقها نهضت شذى من مكانها لتستلقي بجانبها ، متكئة على جنبها حتى تستطيع رؤيتها جيدًا ، وهى مبتسمة قائلة بخفوت : تعرفى كأنك كنتي بتحكي لنا مسلسل يا حياة .. لولا ان فعلا حاجات كتير قولتيها محدش يعرفها ماكنش هنصدقك بأمانة ظلت حياة صامتة للحظة ، قبل أن تنظر إليها وقلبها يتألم ، ونبست بصوت منفعل يشوبه البكاء : ولا انا لحد دلوقتي اصلا مصدقة .. بس كل ما اسمع دقات قلبي .. اول ما افكر في ايامه القليلة معايا بتأكد اني حبيته وبحس انه وحشني اوي عبّرت ملامح شذى عن حزنها على حالة تلك العنيدة ، لتقول بنبرة حنونة : طيب يا بنتي ليه العذاب دا ماتقوليلو اللي حصل ؟ قهقهت حياة بمرارة وهي تبسط يديها بعجز قائلة بسخرية : مش هيصدقني هيقول عليا بخرف و احتمال يرميني بإيده في العباسية قالتها وهي تضع ذراعيها على بطنها فوق بعضهما البعض وتسترخي على ظهر السرير ، كانت شذى تحدق بها بتأثر ، ولم تمنع عبراتها من السقوط ، وتمتمت بحزن : يعني جيتي تخرجيه من ازمته كعبلتي نفسك في ازمة!! ازدادت دموعها لأنها اشتقت إليه حقًا ، رغم أنه لم يمر وقت طويل منذ آخر مرة رأته فيها ، شهقت بقوة قبل أن تواصل بصوت حزين : هو كان محتاج حد يرجعلو حياته و خلاص بمجرد ما رجع انتهت كل حاجة مالحقتش تحصل بينا أخذت شذى نفسًا عميقًا للسيطرة على عواطفها ، وهي تمسح بأصابعها على خديها المبللة ، وأجابت بجدية : بلاش التشاؤم دا يا حياة .. انتي لازم تحاولي ماضيعهوش من ايدك بسهولة كدا ردت حياة بتنهيدة هادئة على عكس حالة قلبها المتعثر داخل ثنايا صدرها ، تحاول السيطرة على حالتها وطرد الطاقة السلبية الحزينة التي خيمت من حولهم : اللي في النصيب هشوفه يا شذي .. قوليلي بس امتي اقدر اشوف الشقة اللي قولتيلي عليها؟ فهمت شذى محاولتها لتغيير الموضوع ، لترفع عينيها للسقف تدعى التفكير ، ثم أجابت عليها بابتسامة : ممكن نروح نشوفها بكرا بليل لو عايزة اتسعت ابتسامة حياة ، ثم فجأة تحولت نبرتها إلى الحماس وهى تلتفت لها برأسها : حلو جدا بكرا مفيش مدرسة .. يعني هبقي فاضية النهار كله يعني فرصة اروح اجيب حاجتي و ارتب الشقة قبل ما يرجع من المستشفي ويتخض من منظرها الملخبط دا ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• فى اليوم التالى ولجت إلى العمارة بأقدام مترددة ، وهي تنظر حولها ، لكنها لم تجد أثرًا لأسرة حمزة في الرواق ، ولم تتفاجأ بغيابهم كثيرًا ، على الأرجح غادروا المكان بعد ما حدث. تنهدت بعمق وأسى على حالتهم ، ثم صعدت إلى الشقة بخطوات سريعة ، هناك الكثير من العمل ينتظرها في الطابق العلوي. بعد فترة طويلة من الزمن ، أثناء ما كانت منهمكة فى التنظيف ، سمعت رنين هاتفها من الردهة ، وسرعان ما أجابت : الو .. فينك يا شوشو؟ ردت شذى عليها من الطرف الآخر بلهجة رقيقة : كنت عند وحدة صحبتي و لسه ماشية من عندها دلوقتي تمتمت حياة بفهم ، ثم قالت بنزق بعد أن أسندت مرفقيها على الأريكة من الخلف : طيب انا بقالي ست ساعات بروق وانضف و حاسة ان الدنيا مقلوبة لسه مع اني نفضت معظم البيت ردت شذى موضحة باهتمام : خدي نفس كدا و اهدي .. مالك اعصابك مشدودة كدا ليه؟ تنهدت حياة بعمق ، واستدارت إلى النافذة ، ثم ردت بصوت خافت : انا كويسة والله .. قوليلي هنتقابل علي امتي بقي الدنيا ضلمت ؟ أنهت كلامها بسؤال ، لترد على الأخرى بعد عدة ثوان من الصمت بنوع من التردد : انا كنت بتصل اصلا عشان اقولك ان صاحب العمارة اللي هنشوف فيها الشقة اعتذر عن معاده انهاردة وبكرا الصبح هنروحلو تجعد حاجبا حياة بدهشة ، ثم تساءلت بغرابة : الصبح امتي والمدرسة يا شذي؟ دي استاذة ميرفت فاضلها تكة و تذنبني في حوش المدرسة زي العيال عشان الغياب قهقهت شذى على كلماتها المضحكة ، ونبرة صوتها المتحسرة ، ثم قالت بلطف بعد أن هدأت ضحكاتها : خلاص ماتزعليش هكلمو تاني و اخلي المعاد بعد الظهر ابتسمت حياة بإتساع ، ورفعت خصلات شعرها المتمردة عن عينيها قائلة بامتنان : اذا كان كدا ماشي .. تسلمي يا شوشو تعباكي معايا ردت شذى بابتسامة حلوة وودودة : ولا يهمك حبيبتي .. المهم هتعملي ايه دلوقتي؟ رفعت حياة رأسها لأعلى ، وهى تبرم شفتيها بعبوس ، ثم غمغمت في تفكير : في حاجات كتير ماخلصتش هسهر اعملها انتي عارفة عم حمزة مادخلش الشقة بقالو كام يوم و محسوبتك مكنتش سايبة حاجة في مكانها الطبيعي استطردت حديثها ، بينما تتحرك بشكل عشوائي ، تلمس بعض الأشياء دون وعي ، بعد أن بدأ التوتر يطغى عليها داخليا من هذا الفكر : هبات هنا انهاردة و الصبح هروح علي المدرسة و بعديها نتقابل ارتسمت شذى ابتسامة عريضة على شفتيها ثم قالت برضا : ماشي يا روحي .. تصبحي علي خير نظرت حياة إلى الجانب الأيمن ، وشردت باللا شيء ، قائلة في استسلام : وانتي من اهل الخير يا حبي سلام ★★★ أغلقت الخط ، ثم فركت شعرها بأطراف أصابعها ، مخاطبة نفسها بتنهيدة عالية ، وهي تنحني لالتقاط القط من الأرض : الليلة باينها طويلة يا استاذ ميجو .. عارف انك هتوحشني اوي .. هتفضل فاكرني و لا هتعمل زي صحبك و تنساني اوام؟ أضافت بضحكة خافتة ، وهي تداعب رأسه برفق وتقبله بحب ، قبل أن تتجه صوب المطبخ : يلا بينا نروح نعمل لينا عشاء خفيف كدا و نتابع فيلم .. بعديها اكمل تنظيف عشان لما يرجع يلاقي كل حاجة زي ما سابها بالظبط ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• فى سيارة جاسر ضغط على بعض الأزرار ليضع الهاتف على أذنه ، ومرت بضع ثوان ، حتى جاء صوتها الناعم إليه بمرح : ايوه يا جسوره ارتفع حاجبه الأيسر غيظًا ، ثم رد بتوبيخ مزيف : اظبطي يا بت هو انا في بوقي مصاصة همست شذى بصدمة : يخربيت فقرك دا انا بدلعك قال جاسر ضاحكًا ، وهو يخلل أصابع يده اليمنى بخصلات شعر : الله اموت انا في لسانك الطويل اختتم كلماته مهمهمًا بعشق ، بينما توسعت ابتسامتها بحب وهي تتجول في غرفتها ، ثم سألته على الفور بجدية : مش وقته .. فين بدر؟ زفر جاسر بحنق ثم تحدث متنهدًا ، وهو ينظر من النافذة المفتوحة بجانبه : لسه طالع قدامي علي السلالم حسيت اني ندل شويتين سيبته يطلع خمس ادوار علي رجليه لوحده ضحكت شذى ساخرة قبل أن تنبس بتهكم : صراحة هي ندالة منك فعلا زم جاسر شفتيه قائلا في استياء : هروقك لما اشوفك يا شذي غمغمت شذى بدلع ، ثم تابعت حديثها بحماس : حبيب قلبي .. خلينا في المهم حياة لسه مكلماني و ناوية تبات في الشقة اتسعت ابتسامته ، وومضت عيناه بمكر قائلا بنبرة واثقة : تمام اوي يبقي زمانهم اتقابلو و بكدا خطتنا تبقي نجحت ابتلعت لعابها بتوتر ، ثم برزت شفتيها للخارج ، قائلةً بسخط : دي خطة شريرة انا معرفش ازاي طوعتك عليها كدبت عشروميت كدبة في يومين زفر جاسر بعمق ، شاردًا في نقطة ما ، ثم نطق بتفكير : معلش بقي لأجل الورد ينسقي العليق ضحكت شذى على كلماته ، ثم هتفت مازحة : يا حكمك يا متر .. انا خايفة اخوك يفتكرها حرامية و يعمل فيها حاجة؟ شاركها الضحك ثم أجاب ساخرًا ، وهو ينظر إلى ساعته : انا واقف مستني اهو حد منهم ينزل او يقع من البلكونة بس الهدوء سيد العمارة جلست على حافة السرير ، تقضم أظافرها في التفكير ، ثم نبست بخوف : انا مش مطمنة اطلع شوفهم يا جاسر هتف جاسر بتذمر بعد أن انتقل له شعور القلق والأفكار السيئة : طيب اقفلي انتي قلقتيني هطلع اشوف و اكلمك سلام ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• فى الأعلى عند حياة أنهت عملها في بضع دقائق ، وأمسكت بكوب العصير في يدها اليمنى ، وصحن به بعض السندويشات سريعة التحضير في اليد الأخرى ، مغادرة المطبخ وخلفها يموء القط بلا توقف ، ويحوم تحت قدميها. جعدت حاجبيها بتساءل ، وهتفت بصوت عالٍ متذمر ، وعيناها تتجهان نحو الأسفل : والمصحف هتاكل معايا يا طفس .. اهمد شوية هتوقع الكوباية من ايدي ي... بترت باقي كلامها بصدمة يشوبها ذعر ، وعيناها مثبتتان على حذاء أسود ، وهناك صرخة ماتت في مهدها عندما ارتفع رأسها تدريجيًا نحو الذي يرتدي بنطال الأسود و كنزة زرقاء داكنة ، وعيناه البنيتان الغامقتان مليئتان بالأسئلة ، يقف شامخًا أمامها ، على بعد متر واحد فقط. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


تكملة الرواية من هنااااااااا

تعليقات

التنقل السريع