رواية شبح حياتي الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم نورهان محسن
رواية شبح حياتي الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم نورهان محسن
الفصل الحادي عشر شبح حياتي قد تعني فكرة أنك تخشى فقدان شخص ما أنه قد استولى بالفعل على روحك. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قالت حياة بابتسامة متعجرفة ، وهي تضع يديها في الجيوب الخلفية من سروالها الجينز : انا فكرت وعرفت هعمل ايه نظر إليها بنظرة مغتاظة ، بينما كان لا يزال جالسًا على الأريكة ، مع رفع حاجب واحد تساءل بإمتعاض : واشمعنا هتاخدي ست مروة هانم بقي؟ ساد الصمت لحظات قبل أن ترد عليه بتنهيدة : عشان انا ماعنديش خبرة في الموضة والحاجات دي ماهتمتش بيها جامد قبل كدا وكمان الاماكن هنا معرفهاش اوي يعني استقام في جلسته بدر ، ووضع إحدى رجليه فوق الأخرى ، وسأل بهدوء ، مليئًا بالفضول : وليه يعني بدأتي تهتمي بالموضة دلوقتي علي غفلة كدا!!؟ ابتلعت حياة ريقها بخفة وهي تفكر في صياغة إجابة لسؤاله ، لم يكن من الممكن لها أن تخبره أنها لأول مرة أرادت أن تعتني بمظهرها بعد رؤية زوجته التي جعلتها تشعر بجانبها كأنها فتاة مراهقة تقف أمام امرأة ناضجة و جميلة جدًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. عندما وصل تفكيرها إلى هذه النقطة ، شعرت ببعض الغيرة المحمودة تحرقها ، هي لا تمانع في السماح لنفسها بالتفكير بهذه الطريقة في ذهنها ، ربما حان الوقت لتغيير بسيط لنفسها أولاً قبل كل شيء ، لكنها تستطيع ببساطة أن تنكر الإفصاح عن ذلك ، حتى لا يفهم أن ذلك يمثل نقصًا في الثقة بنفسها ، قائلة بسخرية لاذعة : بدر انا اوقات بشك في نسبة ذكائك و ماعرفش ازاي انت محامي!! لسه قايلة من شوية عشان اقنع الراجل باللي هتهبب اقوله ليه ابتسم بدر ابتسامة جانبية ، عندما تراها على فمه يزداد الغيظ منه والانجذاب إليه بداخلها ، لتسمعه يقول ببرود : لا والله ومالك فجأة اتنرفزتي كدا ليه!! عادي محدش منعك تهتمي بنفسك زي اي بنت بس حاسس الموضوع دا وراه سبب تاني غير دا؟ رمقته حياة بحدة ، تضم شفتيها بخط مستقيم ، ثم قالت من بين أسنانها في استياء : خليك في حالك لو سمحت وسيبني اروح البس .. الولية زمانها جاية في السكة أنهت كلماتها وهي تسير نحو غرفة النوم ، لكنها فجأة نظرت خلفها برأسها فقط ، ووجدته من العدم خلفها تمامًا بعد أن كان جالسًا على الأريكة ، صاحت بخوف و إستهزاء بعد أن التفتت إليه بكل جسدها : انت ماشي ورايا ليه زي ضلي كدا!! هتيجي معايا وانا بلبس ولا ايه يا عم انت!! أدرك بمجرد أن أنهت كلامها أنه في الواقع كان سوف يلاحقها بدون وعى منه ، فحمحم بحرج وهو يفرك مؤخرة رقبته ، ثم هتف بسخط : لسانك اهلك دا مابيعرفش يعدي اي حاجة بعملها لازم يحط تاتش اللماضة بتاعته و يعلم عليا قامت حياة بلف شفتيها للخارج بتعبير اشمئزاز جلياً على محياها ، وسألته بإندهاش : مالك يا بدر بقيت بيئة ليه كدا؟ ابتسم بدر حتى ظهر صف أسنانه اللؤلؤية ، يلعب بحاجبيه ، ثم يتمتم باستفزاز : من عاشر القوم اتسعت جفونها ، وشهقت بصدمة مزيفة ، ثم وجهت إصبعها إلى نفسها ، وزأرت بصوت عالٍ : يانهارك فوحلقي انت بتلمح عليا انا مش كدا!! ماشي لما ارجع هوريك .. حاليا مفيش فيا حيل للخناق معاك و مستعجلة أنهت كلماتها واستدارت للجهة الأخرى لتراه أصبح أمامها فى لمح البصر ، لتتراجع خطوتين للخلف محدقة فيه بذعر. نفي بدر برأسه وعلى مبسمه ابتسامة ساحرة غير مبالى بنظراتها المستنكرة ، وقال بعدم اكتراث : مفيش خروج الا بشرط هتفت حياة بإمتعاض ، وهي تضع يديها على خصرها : نعم يا دالعادي!! مش واخد بالك اني هعمل دا كلو عشان حضرتك كمان هتتشرط عليا؟ حرك بدر كتفيه مقلدا نفس حركتها بسخرية ، وقال باستخفاف : ان كان عجبك رمقته حياة بمقت قبل أن تصيح على عجل حتى لا يضيع عليها وقت أكثر في هذه المجادلة السخيفة : ايه هو!! ياريت تنجز حدق بها بدر بنظرة تحذيرية مليئة بالتحدي ، وهو يشير بأصابعه نحو شعرها قائلا بجدية تعجبت حياة منها جدا : اوعي تتجنني في مخك تاني و تغيري لون شعرك كفاية بهدلة فيه رفعت يديها وهي تضرب كف على كف ، وظهرت علامات الاستنكار على وجهها مجددا قائلة بحنق : عوض عليا عوض الصابرين يارب خنق بدر ضحكته وهو ينظر إليها بتسلية ، ثم قال مسرعا من ورائها بعد أن تجاوزته ، وتوجهت إلى الغرفة دون أن يلاحظ الابتسامة الشقية التي ظهرت على شفتيها الرقيقة : امين يا حجة ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• سرعان ما ذهبت شمس النهار ، و حلَّ ظلام الليل ينيره نجوم السماء اللامعة مثل عيون البدر. توقفت سيارة سوداء اللون أمام مدخل المبنى ، وسرعان ما انفتح الباب الخلفي وترجلت منه حياة ، ثم نزلت مروة من الباب الأمامي ، ومرت عدة لحظات قبل أن ينزل مازن بخطوات هادئة ، حيث كان جالسا خلف مقود سيارته ، يراقب بهدوء ابتسامة حياة السعيدة التي لم تتوقف عن الحديث مع مروة في طريق عودتهم. تساءلت مروة بإستغراب بعد أن تطلعت فيها ، وهي تساعدها في أخذ عدة حقائب من داخل السيارة قبل أن تغلق الباب ، وتسلمها لمازن : مش عارفة ايه سر لبسك للطقية دي تاني يا حياة!؟ ردت عليها حياة بضحكة لطيفة ، وهي ترفع أطراف أصابعها بتلقائية ، وكأنها تتأكد من أن القبعة مازالت فوق رأسها : عادي بقي لسه مش متعودة علي شكلي الجديد من غيرها إحتلت تعبيرات الفضول وجه مازن ، ثم تحدث بنبرة ضاحكة : ياريتك شيلتيها كان نفسي اشوف النيولوك الجديد تطلعت مروة إلى حياة بابتسامة عريضة قبل أن تنظر إلى مازن ، قائلة بإندفاع متحمس : اسألني انا يا مازن دا تحفة عليها بجد خلها تنور اكتر ارتسمت ابتسامة خجولة على ثغر حياة ، وقالت بغرابة : خلاص بقي بكرا هتشوفوه مستعجلين علي ايه!! أضافت بامتنان ، بينما وزعت نظراتها بينهما : بجد ميرسي اوي تعبتكو جامد معايا انهاردة حدقت مروة في حياة بعدم رضا مزيف ، قبل أن تقف بمحاذاتها ، وهي تلف أحد ذراعيها حول ظهر حياة ، تقول بمرح : يا بنتي بطلي الحساسيات دي بجد انا انبسطت انهاردة جدا معاكي رغم مقاوحتك الكتير .. تخيل يا مازن ساعتين بنقنعها تجرب الكعب العالي ضحكت حياة بخفة ثم هتفت مبررة ، وهي تحدق بعفوية في مازن الذي يستمتع بالحديث ولم يتجاوز دوره فيه جملتين ، لكنه كان مسرورًا رغم كل شيء : طلع متعب اوي وانا مش متعودة البسو كنت حاسة كأني ماشية علي الميه بيه اقترحت عليها مروة بنبرة هادئة : الاحسن بقي عشان تتعوديه عليه تلبسيه وانتي قاعدة مع نفسك فوق تروحي وتيجي بيه علي مهلك لحد ماتاخديه عليه أومأت حياة برأسها داعمة ، وقالت بتنهيدة خافتة : ما انا هعمل كدا قطع مازن تأمله لها عندما خطا خطوة ، و على فمه بابتسامة جذابة قائلا بلباقة يتخللها المرح : هاتي الشنط دي عنك و خلينا نطلع انا جعان جدا حركت مروة رأسها بالإيجاب ، وقالت مساندة لأخيها : وانا كمان التصبيرة اللي اكلناها في المطعم دي جوعتني بزيادة .. يلا يا يويو خلينا نطلع نتعشي كلنا سوا اسرعت حياة ترفض على عجل ، وبطريقة لطيفة فهي متعبة جدا قائلة بإبتسامة محرجة : لا معلش مش هقدر انا شبعانه .. ويدوب اطلع انام عندي مدرسة بدري ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• في الطابق الخامس من المبنى لوحت لهم حياة بابتسامة ووداعتهم بعد أن فتحت باب الشقة ، وأدخلت جميع الحقائب التي اشترتها ، ثم أغلقت الباب بهدوء خلفها ، ولم تستطع الرؤية بسهولة بسبب الإضاءة الخافتة للمكان. فتحت مفتاح الضوء ، ثم تجولت عيناها بلهفة في أرجاء المنزل بحثًا عنه ، لكنها لم تجد أثرًا له في الصالة الفسيحة. رفعت حاجبيها بتساؤل ، بينما هناك هاجس بداخلها أوهمها أنه اختفى كما قال سابقاً ، وأنها لن تراه مرة أخرى ، لكنها نفضت تلك الأفكار من عقلها ، وصاحت بقلق مليء بالأمل : بدر .. بدر .. انت فين!! شعرت أن قلبها توقف عن الخفقان لبضع ثوان عندما لم تسمع سوى صدى صوتها يهتز في المكان ، ثم سرعان ما بدأ يطرق بجنون عندما قفزت إلى عقلها فكرة أنه ليس موجودًا حقًا ، مما جعلها تريد أن تبكي. ....: هنا معاكي التفتت إلى الجانب الآخر بسرعة عندما سمعت صوته الهادئ فجأة ، و رأته يحدق بها بنظرة لم تستطع تفسيرها ولم تهتم كثيرًا ، فقد غمرتها سعادة غير مفهومة عند رؤيته و ذلك يكفي. استندت على الحائط خلفها بشكل عفوي ، بيدها تمسك قلبها الذي ينبض ألف نبضة في الثانية ، ولا تعرف سبب اندفاعاته الجنونية ، هل بسبب ظهوره المفاجئ كالمعتاد منه ، أم لأنها ظنت أنها خسرته ، ولكن هذا ليس شعور بالخوف منه ، بل هو خوف من نوع آخر. إحساس للمرة الأولى تشعر فيه بتلك القوة منذ أن قابلته ، أو ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي تطلق عنان شعورها رغما عنها بأن يسيطر عليها. ابتلعت حياة لعابها قبل أن تهمس بصوت حاولت أن يكون طبيعياً ، لكنه خرج مرتجف من اضطراب قلبها رغم محاولتها السيطرة على رجفة قلبها الأحمق : ايه دا!! كنت فين .. حضرتك؟ تصنع بدر البرودة مقنعا بها ملامحه رغم بريق عينيه اللتين تقولان عكس ذلك ، وصوته يقول بهدوء : كنت قاعد مستنيكي هنا .. ليه اتأخرتي اوي كدا!! شعرت بالهدوء يعود إليها مرة أخرى ، فابتعدت عن الحائط وانحنت لحمل الحقائب التي ألقتها على الأرض عندما دخلت الشقة ، ثم اتجهت نحو الأريكة بخطوات ثقيلة وجلست عليها براحة وقالت في حماس طفولي : اصلي اشتريت حاجات كتير و عملت شعري نظر إليها من رأسها حتى أخمص قدميها متسائلاً : عملتي فيه ايه؟ و ليه لابسه الطاقية دي تاني؟ ثم مازحها ساخرا : اوعي تكوني حلقتي شعرك علي الزيرو!! التقطت القط الذي قفز إلى الأريكة بجانبها ووضعته في حجرها ، وربت على رأسه برفق ، ثم نظرت إليه بعبوس ، وقالت بتذمر مزيف : هاها ظريف اوي .. لا عملت شوية تغييرات كدا فيه جلس بدر مقابلها على الطاولة أمام التلفزيون ، وفرج ساقيه عن بعضهما البعض ، وسند بمرفقيه على فخذيه ، قبل أن يشابك أصابعه معًا ويسألها بلهجة غامضة : قولتي انك رايحة مع مروة .. ليه راجعة مع مازن؟ كانت عيناه تنظر إليها بعمق عن قرب ، مما جعلها تشعر بالحرارة تزحف إلى وجهها وتغطي المكان من حولها ، رغم أن الجو كان جيدًا ، بينما هزت كتفيها بغير مبالاة وأجابت بنبرة صادقة : عادي الوقت اتأخر وماحبناش ناخد تاكسي لوحدنا .. قامت مروة كلمت اخوها وجه وصلنا .. ايه المشكلة في كدا!!؟ تنهد بدر بهدوء ، وتحدث مغيرا مجرى الحديث : مفيش .. يلا وريني اشتريتي ايه؟ إلتمعت عيناها من الحماس ، وأومأت برأسها قبل أن تقول بحمحمة : احم بص هنتفق اتفاق رجالة رفع حاجبًا واحدًا بدهشة وتمتم : رجالة!! ضحكت حياة بخفة ، وتكلمت بشقاوة : ايوه انت تقعد هنا .. وانا هدخل اجرب الهدوم الجديدة واخرج أوريك النيولوك الجديد وخد بالك انا محتاجة اراء تشجيعية بلاش تحبطني لم تعط بدر فرصة للرد ، حيث نهضت برشاقة ونشاط ، فجأة عاد إلى جسدها ، بعد أن وضعت القط على الكنبة ، ثم ركضت نحو غرفة النوم. نهض بدر وجلس على الأريكة في نفس المكان الذي كانت تجلس فيه ، واضعًا ساقه على الأخرى ، ورفع يديه وشبكهما خلف رأسه وهو ينظر إلى القط الصغير و تحدث معه وهو يغمغم : وبعدين بقي في حكاية مازن دا .. تفتكر تكون معجبة بيه!! أعاد رأسه إلى الوراء وغمر أصابعه في شعره وهو يفكر بعمق ، لم يتركها منذ اللحظة التي نزلت فيها مع مروة كان وراءها في كل خطوة تخطوها دون أن يجعلها تشعر به حولها. أغلق عينيه بهدوء ، وقفز إلى مخيلته على منظر شعرها الذي تألق وأشرق لونه كثيرا عندما قامت بتصفيفه ، فأصبح منسدلا بنعومة على كتفيها. جعلت قلبه يشتعل بنار ملتهبة تضاهي بريق شعرها الناري ، وهو يشاهدها تختار الملابس مع مروة وتجربها بسرعة ، رغم أنها كانت ملابس أنيقة للغاية وجميلة لكنها ملفتة إلى حد ما ولهذا جن جنونه. شعر بنيران تتأجج في نفسه من الغيرة ، وفي لحظة من التهور كان سيذهب إليها يعنفها ، ويصب غضبه الذي شعر به عليها ، لكنه كبح جماح نفسه بمعجزة عندما تذكر أن غضبه وجنونه ليس له ما يبرره حتى لنفسه ، وليس له الحق في أن يفقد عقله هكذا معها. إنه لا يعرف حقيقة ما يشعر به تجاهها حتى الآن ، حتى لا يدري ما هو مصيره حرفياً ، وانفجار ذلك البركان المحموم بجنونه قد يؤدي إلى مرضها مجدداً ، ولكن على الرغم من ذلك ، ظلت ألسنة اللهب محتدمة داخل قلبه ، تحرقه بشدة ، عندما رأى جمالها ، تزايد أضعاف وسطع بشكل مذهل ، كما يسطع البرق في السماء. حيث كانت في السابق ذات جمال طفولي أحبه قلبه ، لكنها الآن بدت جذابة وملفتة للنظر. تدحرج بصره نحو جسده الرياضي ، الذي يدل على أنه كان يمارس الرياضة بانتظام ، ولكن الآن كيف يمكنه ممارسة الرياضة؟ كيف يمكنه التحكم في نوبات غضبه ؟ فهو بالتأكيد لا يستطيع ذلك ، وهذا أحد الأسباب التي تجعله يتصرف بعنف ضد إرادته عندما يقترب منها احد ، لذا عليه أن يبقي باردًا وهادئًا تمامًا ، لكن نظراته تكشفه بشكل لا إرادي. تمنى في خلجه لو أنها لم تحاول تغيير مظهرها ، فهذا لم يكن سيئًا على الإطلاق ، بل كان عفويًا ، فهو يحبها كما هي. فتح عينيه بصدمة مما وصل إليه بتفكيره ، فهل قال الآن أنه يحبها ؟ فجأة انفتح عقله على حقيقة جديدة لم يكن يعرفها. و الذي جعل أعصابه تثور حقًا عندما اشتبه في أنها تعتني بنفسها لذلك مازن ، وما جعل الفكرة تكبر في ذهنه أكثر عندما رآه جاء لتوصيلها بعد أن أصرت مروة على ذلك ، لكن ما هدأ أعصابه قليلاً هو أن حياة رفضت إظهار شعرها ولبست القبعة ، ولكن بداخله يشعر أنه يتمادى كثيراً بمشاعره التي لا يستطيع السيطرة عليها تجاهها ، فيكفيه ما يعانيه بالفعل ، وما يغضبه أكثر هو إنه عاقل ورصين ، كيف أصبح مراهقًا هكذا ، يسير وراءها في كل مكان. نظر بدر إلى السقف ، مطلقاً نفسًا عميقًا لعل أفكاره المتضاربة تخرج معه. قرر تجاهل هذه الأشياء عن عمد الآن ، وهو عازماً على أنه لن يجعلها تشعر بالمشاعر الحارقة التي تعتريه ، والتي لا يفهمها أو يستطيع أن يفسرها. أدار رأسه نحو غرفته ، ناظرًا إليها بذهول من تأخر حياة بالداخل ، ثم نهض من مقعده وذهب ليراها. اخترق الحائط برأسه مترددًا خوفًا من أنها ما زالت تغير ملابسها ، لكنه أكمل دخول جسده بسهولة تامة عندما رآها نائمة على السرير ، ولا تزال ترتدي نفس الملابس التي جاءت بها من الخارج ، ويظهر بوضوح الإرهاق على وجهها البريء ، فابتسم بخفة علي لطافتها. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• في شقة مازن خرجت مروة من غرفة والدتها ، وتوجهت إلى غرفة المعيشة حيث كان يجلس مازن يفكر فيها حتى استيقظ على صوت أخته التي قالت بابتسامة ملتوية : اللي واخد عقلك يتهني بيه!! نظر إليها وهو يجعد حاجبيه ، ثم ابتسم ببرود دون أن يكلف نفسه عناء الرد عليها ، فردت بضحكة خافتة : براحة علي نفسك مش اوي كدا وبخها مازن بملل : مش هتبطلي الرزالة بتاعتك دي بسطت مروة يديها أمامها ، وقالت بدهشة : هو انا قولت حاجة يا بني!! انا جيت اقولك ان ماما خدت الدوا بتاعها ونامت لاقيتك سارح في ملكوت تاني نفي مازن برأسه بضجر ، واضعاً إحدى قدميه فوق الأخرى ، ونظر إلى ساعة معصمه بعبوس قبل أن يقول لها نظرة حانقة : لا تاني ولا تالت .. جوزك جاي ياخدك امتي و يرحمنا من رغيك يا مروة؟ برزت مروة شفتيها بأسي قائلة بنبرة منذهلة : اما صحيح خيرا تعمل شرا تلقي .. دا جزائي بدل ماتشكرني اني خليتك تشوف ذات الشعر المشمشي .. تبقي عايز تكروشني كدا!! نظر إليها مازن بعيون ضيقة ، وسألها بحذر : قصدك ايه؟ رفعت مروة حاجبيها بابتسامة مستفزة ، وأجابته بنبرة أنثوية ماكرة : انت فاهم كويس .. بلاش تعمل من بنها يا مازن عينك الخضر فضحاك يا بني برم مازن شفتيه ، وهو يميل نحوها بعد أن أنزل إحدى قدميه عن الأخرى ، ورفع إصبعه قائلاً بتحذير هادئ : مروة .. الحوار دا مش هزار بلاش تعكي بالكلام دا قدامها رفعت مروة حاجب في استنكار ، وقالت بنبرة تأنيب : ليه يعني هو انا عبيطة ولا عيلة صغيرة يا مازن..؟ رماها بنظرة جانبية بعد أن أشاح وجهه عنها قائلاً بغيظ : لا انتي سوسة يا مروة .. يدوب جيت حكيتلك اني شوفتها من هنا ومديتي معاها حبال الصداقة من هنا ضحكت مروة بصوت عال ، وعادت لتسترخي جسدها على الأريكة ، وهي تنكر حديثه في اعتراض : لا يا حبيبي .. انا اللي حكيتلك الاول اني روحت زورتها قبل ما تعرف انها هنا في العمارة اصلا ووقتها قولتلي انك قابلتها تحدث مازن وهو يجز على أسنانه ، ليُكتم غضبه : مروة انا جيت اقولك عشان انا حاسس اني معجب بيها .. بس انتي تفكيرك من يومها في شقتها ماتنكريش تنهدت مروة بعمق ، وأجابت بجدية : مابنكرش يا مازن ولا حاجة ومش شايفة ان في مشكلة يعني في الاول كنا عايزين نشتري شقتها عشان لما تتجوز تكون جنب ماما وانا كلمت ميساء بس اختها ماوافقتش علي انها تبيع حتي بدر لما عرف عملت انت وهو مع بعض مشكلة معرفش كان لزومها ايه وزعلتو من بعض!! نفث الهواء من صدره ، ورفع راحة يده أمامها ، وقطعها بإنفعال دون أن يرفع صوته : مش انا السبب .. هو اللي كانت عصبيته مالهاش تلاتين لازمة والله ندمت اني فتحت معاه الموضوع ولا كنت عارف اصلا انه قالب شقة حياة مخزن الا لما هي حكت بنفسها أومأت مروة برأسها تفاهمًا لأخيها ، وهي تربت على فخذه ، وتقول بابتسامة حنونة جعلته يبتسم لها رغمًا عن إرادته عندما خففت كلماتها عن اضطراب قلبه : ماعلينا المهم انها موجودة هنا و علاقتنا بيها كويسة و انت معجب بيها .. اذا واخد الموضوع جد حاول تتقرب منها وان شاء الله ربنا يقدم اللي فيه الخير ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الثاني عشر شبح حياتي أَقبلت هي وَالصبحُ المُنيرُ مَعاً حتّى تحيَّر في ضوايهما النَظرُ. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ في صباح اليوم التالي استيقظت حياة بكسل ، وهي تتثاءب وهناك ابتسامة سعيدة على شفتيها الوردية ، ثم رمشت جفنيها عدة مرات بملامح مسترخية محاولة استعادة تركيزها واسترجاع مشاهد لما حدث بالأمس ، ولكن عندما تدحرج بصرها عفوياً تجاه ما كانت ترتديه ، تأففت بضجر لأنها كانت نائمة في كامل ملابسها. نهضت متكئة على مرفقيها ، ناظرة إلى الغرفة التي كانت مليئة بأشعة الشمس الدافئة ، لكن لم يكن هناك أثر لبدر فيها. قطبت بين حاجبيها بإستغراب ، فهذه كانت المرة الأولى التي تستيقظ فيها ولا تجده بجانبها. قامت بسرعة من السرير ، ولبست نعالها الخفيف ، ثم هرولت في مشيتها حتى تخرج من الغرفة ، لكن عندما وصلت إلى الباب وقفت فجأة ، ثم مدت يدها إلى مقبض الباب بهدوء وفتحته ببطء دون أن تصدر أي صوت ، وطلت برأسها فقط تنظر خارج الغرفة. تفحصت بعينيها أرجاء الصالة حتى رأته جالسًا في إحدى الزوايا على كرسي هزاز ، متكئًا بمرفقه على مقعد الكرسي ، قبضته أمام فمه ، نظراته إلى الأسفل بشرود. ارتفعت حواجبها بغرابة من جلوسه هكذا ، وأصابها الفضول لمعرفة ما يفكر فيه ، لكنها تنفست براحة ولم تعير الأمر اهتماماً طويلاً ، ثم سارت بهدوء باتجاه الحمام من الجهة الأخرى لموقع بدر بعد أن أخذت ملابسها لتغييرها بعد الاستحمام. بعد نص ساعة وقفت حياة أمام المرآة تضع اللمسة الأخيرة من أحمر الشفاه باللون النيود الذي يلائم بشرتها شديدة البياض ، بعد أن قامت بوضع مكياج ناعم ، حيث اكتفت بظلال العيون باللون السموكي على جفنها ، وحددت الجفن العلوي بالآيلاينر بأسلوب بسيط ومميز جعل عينيها تبدوان أكثر جمالًا واتساعاً ، كما أنها استخدمت أحمر الخدود باللون النيود لإبراز التورد الطبيعي لوجنتيها. تراجعت بضع خطوات للوراء ، وتفحصت بعناية مظهرها في تلك الملابس ، حيث كانت ترتدي بنطال من الجينز الأسود المناسب لساقيها النحيفة ، وبلوزة بيضاء بأكمام طويلة ، منخفضة في الكتفين ، وحزام متوسط العرض باللون الأسود في الخصر. كانت سعيدة للغاية بشعرها الأملس الذي تجربه لأول مرة ، حيث قامت بتضفير شعرها بأسلوب فرنسي يناسبها كثيراً ، خاصة أنها تركت خصلات على جانبي وجهها المشع بالجمال مع تألق شعرها الأحمر الناري. ابتسمت بسعادة وهي تغمز لنفسها ، وشعور غريب بالثقة بالنفس طغى على كيانها ، ولأول مرة كانت راضية بمظهرها جدا. حملت حقيبتها البيضاء الصغيرة ، ثم غادرت الغرفة على عجل ، ووجدت بدر على نفس الحالة التي تركته بها منذ فترة وجيزة. ....: بدر خرج من قوقعة أفكاره على صوتها الرقيق حين نادته بإسمه ، ثم رفع وجهه تجاهها ليتوسع بؤبؤ عينيه الداكنتين ، وشعر بجاذبية أقوى من المغناطيس يشده نحوها ، وفي لحظة نسي ما أوصى به نفسه طوال الليل. لمحت في عينيه اللامعتين نظرة اعجاب ، لكنه لم يترجمها بلسانه بل تجول في عينيه المندهشة فقط. بينما هو كان ولها بها ، وبسحرها الخلاب الذي يجعل الفولاذ يلين ، ويذوب من شدة توهج خصلاتها النارية. سألها بدر بنبرة هادئة مدعي عدم الاكتراث : مش هتفطري!! تنهدت حياة بإحباط حالما عادت نظراته لها في ثوانٍ غامضة ، لا تظهر أي رد فعل عما بداخله حتى ظنت أنها كانت تتوهم من فرط سعادتها ، وقالت بهدوء بعد أن تبخر حماسها : مش جعانه دلوقتي .. هبقي اكل اي حاجة سريعة في المدرسة بدر بتمتمة : ماشي تنحنحت حتي تجذب انتباهه عندما ظل ساكنا بجمود ، وليس لديها أدني فكرة عن الحرب الضارية في قلبه ، ثم تساءلت بصوت خافت ، وهي تقوم باللعب بأصابعها بتوتر : انت مش هتيجي معايا؟ أجابها بدر بجمود : لا مالوش داعي هستناكي هنا إمتعضت ملامح حياة من إجابته الجافة ، وازدردت ريقها بعدما ثبت بصره عليها فهربت من النظر له ، وقالت ببرود : طيب براحتك .. لما اخلص هرجع عشان اغير هدومي ونتحرك هز بدر رأسه ورفع يده ، ولمس أطراف أصابعه الإبهام والسبابة ، دليلا علي موافقته دون أن يقول أي شيء بعد ذلك. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• في منتصف الظهيرة حياة جالسة في المقعد الخلفي داخل سيارة الأجرة التي تقلهم إلى مكتب المحاماة الخاص في بدر الجالس بجانبها. زفرت حياة بخفة ، ونظرت إليه برهة ثم إلى أصابعها ، متعجبة من أمره ، إذ لم يبد أي رأي بعد في مظهرها الجديد. لم يحاول طرق الموضوع بتاتا ، رغم أنها عادت من المدرسة وغيرت ملابسها إلى فستان منقوش بأناقة يتداخل مع عدة ألوان ، الأبيض ، الأسود والبني الفاتح ، بأكمام طويلة يصل لبعد الركبة بقليل ، وفوق الفستان جاكيت جلدي يصل الخصر بدون اكمام ، مع حذاء بوت طويل جلد باللون الاسود ، و تركت شعرها منسدل على كتفيها بنعومة فائقة ، حيث كانت إطلالتها وأناقتها غاية بالتناغم والروعة. تساءلت في سرها عن سبب بروده في الحديث معها منذ عودتها البارحة؟ شكت أنه ربما يكون غاضبًا منها ، لأنها لم توافق على قدومه معها عندما اشترت الملابس الجديدة ، لكنها أرادت مفاجأته فقط. وبخت نفسها بشدة ، وهي تحدق من النافذة ، وتتساءل بغرابة مخاطبة نفسها : في ايه يا حياة مهتمة برأيه اوي كدا ليه و زعلانه ليه يعني؟ انتي اجننتي ولا مالك اعقلي وبطلي تشطحي بخيالك لبعيد .. بس انا هعيط بجد ليه ماحاولش يقولي كلمة واحدة حلوة من امبارح!! يوووه انتي باين عليكي لسعتي .. هو انتي في ايه ولا في ايه اصلا!!؟ جاء في ذهنها الموقف الصباحي عندما قابلت مازن قبل ذهابها للمدرسة ، وأبدى إعجابه الشديد بمظهرها ، الذي راق له كثيرا. تذكرت إطراءه بكلمات الرقيقة لها ، لكنها لم تكن سعيدة بها بقدر سعادتها لو كانت أتت من ذلك الجدار الصامت المجاور لها. الشيء الذي لم تعرفه حياة أن ذلك اللقاء مع مازن في الصباح شهده بدر حيث كان يتابعها كالمعتاد بنظراته ، واحتقان وجهه بسخط شديد عندما رأى مازن هائماً في ملامحها وابتسامتها الخجولة ، لكنه أذعن الصمت على مضض ، وهذا ما كان يدور في ذهن بدر في هذه اللحظات. ★★★ داخل مصعد في مبنى فخم وقف الاثنان بجانب بعضهما البعض في صمت ، بينما ضبطت حياة خصلة طائشة على جبهتها ، مستخدمة القلم بين أصابعها ، بعد أن أدخلت دفتر ملاحظاتها في حقيبتها الصغيرة ، بعد مراجعة الأشياء التي كتبتها حتى إذا نسيت شيئًا ما ، فستتذكره من خلال دفتر الملاحظات كما هي عادتها دائمًا ، مثل الذي يذهب إلى الامتحان وبداخله مضطرباً من ان يخفق فى الاجابات. لاحظت أن بدر رفع عينيه ، ناظرا إلى أرقام الطوابق أعلاه ، لتستفيد من الفرصة حتى تكسر هذا الصمت المتوتر أعصابها ، قائلة بهدوء بعد أن ألقت نظرة خاطفة عليه : انا متابعة خفض بصره إليها ، غمغم بغير بفهم : ايه!! إحمر وجهها رغما عنها وردت بصوت هادئ ، تنظر إليه تارة ثم أمامها تارة أخرى : قصدي علي ارقام الادوار عيني عليهم يعني هز بدر رأسه بإستيعاب ، وهو يرفع حاجبيه وينزلهما بسرعة دون أن ينبس ببنت شفة. تنهدت حنقاً من أبو الهول المجاور لها ، بينما تفكر في طريقة تجعله يخرج من حالة الجمود المريبة التي تربكها رغما عنها حتى يتحدث أو يتشاجر معها فهي لن تمانع ابدا. رفعت دون وعي قلم بدر الذي استعارته من المكتب في منزله ، لفرك جانب رقبتها به ، في محاولة لإبعاد التفكير السلبي من داخلها. لفتت انتباهه بحركتها العفوية ، وعيناه تنخفضان على رقبتها في ارتباك ، ليفرك جانب فمه بإبهامه ويغمغم : ماتعمليش كدا توقفت عن هز رأسها يمينًا ويسارًا بعد أن خرجت من شرودها على صوته ، والتفتت إليه بينما تنزل القلم عن رقبتها ليبقى معلقًا في الهواء تحت فكها ، وهتفت في عجب : نعم!! رفع يده اليسرى مقلدا حركتها ، موضحا كلماته بعد ابتلاع ريقه بصعوبة : الحركة دي بلاش تعمليها قدامي نظرت حياة إلى القلم بغرابة مشوبة بالبلاهة من نظرات بدر الغريبة عليه ، ثم رفعت جفنيها إليه ، مكررة في سؤال : اشمعنا!! غمغم بدر بوتيرة بطيئة مسلطاً بصره على القلم : عايز ابقي مركز .. وكدا تفكيري .. بيتشتت حدقت حياة به ، تقوس شفتيها للأسفل لتقول بارتياب : كل دا من القلم يا بدر أومأ بدر إليها بإصرار : ايوه من القلم يا حياة ماتعمليهاش تاني ظهرت ابتسامة صغيرة على شفتيها بسبب الإرتباك الواضح عليه ، وهي تنزل القلم وتضعه في حقيبتها دون أن تتجادل معه مرة أخرى. أدارت رأسها إلى بدر بعد مدة من الصمت ، ورفرفت رموشها الطويلة في إرتباك واضح قائلة بصوت منخفض : انا خايفة يا بدر تحدث بدر بثقة شديدة ، وبنبرة هادئة حاول الحفاظ عليها بعد أن إلتقت حدقتيه بعيونها واسعة ببراءة : انا معاكي .. زي ما فهمتك هتتكلمي مع جاسر بمنتهي الثقة من غير توتر .. ماتتهزيش انتي هتكلمي من خلالي انا جعدت حياة حاجبيها ، وسألته بتذمر طفولي : ثقة ايه!! ازاي هو اللي بيشتغل معاك من سنين هيصدقني في كام دقيقة!! ابتسم بدر ابتسامة جانبية ، قائلا بنفس النبرة الهادئة التي يتخللها الكثير من الغموض : دي عليا هخليه يصدقك .. يلا سمي الله وماتخافيش حدقت فيه باستنكار فظيع قبل أن تنظر إلى الأمام مرة أخري ، وتهمس بتبرم : اول مرة اشوف عفريت يقول سمي الله أنهي بدر الحديث بسرعة ليتجنب الجدال معها عندما وصل المصعد إلى الطابق المطلوب ، قائلا بسخرية : علي اساس انتي مقضية حياتك كلها معهم .. اتحركي يا لمضة و خلصينا ★★★ وقفت حياة وظهرها مستقيماً ، ناظرة إلى حروف اسمه منقوشة بخط جميل على لوحة كبيرة بجوار باب المكتب ، الذي أخذت عنوانه من حمزة. أستنشقت نفساً عميقاً قبل أن يقرع صوت كعبها العالي داخل المكتب المزدحم بالعملاء. توجهت مباشرة نحو مكتب السكرتيرة على اليمين ، والذي كان خلفه تجلس فتاة أنيقة وجميلة للغاية ، وقالت بهدوء : مساء الخير رفعت الفتاة رأسها عن الأوراق التي كانت تفحصها بعناية ، وأجابت بجدية : مساء النور يا فندم ابتلعت حياة لعابها ، وتحدثت بهدوء : لو سمحتي كنت عايزة اقابل استاذ جاسر سألت الفتاة التي كانت لا تزال تتفحصها ، بحاجبين معقودين بغرابة ، حيث يطلب العملاء عادة مقابلة بدر أولًا ، وعندما يعلمون أنه غير موجود ، يذهبون إلى جاسر وليس العكس : طيب اسم حضرتك ايه؟ أجابت حياة بعد أن دفعت خصله من شعرها خلف أذنها : حياة مجدي ابتسمت الفتاة بتكلف ، وقامت بجسدها الممتلئ بعض الشئ ، قائلة بلباقة : لحظة هديله خبر ★★★ أشار إليها شاب يبدو في منتصف العشرينات بيده على المقعد خلف مكتبه ، وقال لها بلطف : اتفضلي استريحي همس بدر في أذن حياة من الخلف ، فأغمضت عينيها للحظة بإضطراب من كونه قريب جدًا منها : جاسر هو المسؤل عن كل حاجة تخص المكتب في غيابي تحركت حياة بخطى متوازنة نوعًا ما مع ذلك الكعب الذي ترتديه ، وجلست على المقعد بهدوء ، تزامنًا مع جلوس بدر على الكرسي الآخر المقابل لها ، ثم قالت بابتسامة رقيقة : ميرسي ابتسم جاسر بمجاملة ، وسأل : حضرتك تشربي ايه؟ حاولت حياة أن تكون هادئة بقدر المستطاع ، ورفضت بذوق : شكرا ولا حاجة انا مش هطول عليك أومأ جاسر برأسه متفهما ، واستفسر بنبرة عملية : زي ما يريحك .. ممكن اعرف ايه تفاصيل القضية اللي عايزة ترفعيها!! أطبقت حياة على شفتيها للداخل بحرج ، ثم أجابت عليه : لا انا مش جاية عشان قضية جعد جاسر بين حواجبه بتساؤل ، ثم تمتم محاولًا فهمها أكثر : اومال؟ سألت حياة بترقب ، وهي تحاول التحكم في نبرة صوتها حتى لا ترتفع بسبب طبيعتها عندما تكون قلقة ومتوترة ، يعلو صوتها بشكل غير إراديًا : انا جاية اسألك عن بدر هو فين؟!! تأهبت حواس جاسر بالكامل ، وانحنى إلى الأمام بجسده نحو طاولة المكتب بعد أن كان مسترخى بظهره علي كرسيه ، وسألها مرة أخرى ولكن بنبرة حذرة : حضرتك تقربي لأستاذ بدر!!؟ همست حياة بلسان ثقيل دون أن تنظر إليه : انا وهو مرتبطين وهنتخطب قريب فغر جاسر فمه وهو يسمعها جيداً رغم صوتها الخافت ، وصاح مستنكراً : افندم!! شجعها بدر بنبرة مطمئنة : خليكي واثقة من نفسك لا تعرف لماذا نظراته إليها جعلتها تهدأ ، على الرغم من أنها تسير فى طريق شائك لا تعرف له نهاية ، ومن المحتمل أنها ستخرج من هنا على مستشفى الأمراض العقلية بسببه. ساد الصمت بضع ثوان قبل أن تحدق بجاسر بنظرة واثقة ، ثم أجابته بثبات : انا اسمي حياة شقتي اللي قصاد شقته في العمارة بتاعته .. واحنا بينا علاقة حب بقالنا فترة وماكنتش عايزاه يعرف حد بيها .. لحد ما يجي الوقت المناسب.. قاطعها جاسر ، وسألها بنبرة هادئة : معلش سامحيني لو بقاطعك وانا ايه يخليني اصدقك!! تغيرت نظرة بدر تجاه جاسر ، وهو ينظر إليه بتمعن ، ثم يتمتم لحياة : قوليلو انك تعرفي حاجات كتير بيني و بينه تحدثت حياة بإبتسامة هادئة : هو حكالي عنك كتير ابتسم جاسر ساخرًا بعد أن أرجع ظهره مرة أخرى إلى كرسيه ، وهو يضع يده تحت ذقنه ، ومن الواضح على ملامحه أنه لم يصدقها قط : والله قالك ايه عني!! تمتم بدر بهدوء شديد دون مقدمات : جاسر يبقي أخويا من الاب رفعت عينيها لتنظر إليه بذهول لم يدم أكثر من لحظة ، ثم سيطرت على نفسها بصعوبة ، ونظرت إلى جاسر الذي كان ينتظر إجابتها بتحفز. تحدثت حياة بسرعة ، محاولة الخروج من الصدمة التي تلقاتها للتو : حكالي عن صلة القرابة اللي بينكم سألها جاسر بترقب : قالك ايه؟ أستطرد بدر قائلا بصوت هادئ ومتزن : ابويا اتجوز والدته في السر عشان كان بيحبها جدا .. بس كان بيحب نفسه اكتر خصوصا مركزه للي كان بيخاف اي حاجة تأثر عليه حتي لو كانت حبيبته ومارضيش يعترف بالولد .. عشان وقاره قدامنا انا و امي و العيلة كلها ما يتهزش .. اختار انه يظلم مراته التانية وابنه الصغير عشان يحافظ علي كبريائه ويتجنب فضايح الجرايد للي لو شمت خبر هتتهد الدنيا فوق دماغه .. لان امي كانت بنت راجل له نفوذ عشان كدا وقتها ام جاسر كتبت جاسر بإسم أبوها ورفضت تشوف ابويا من ظلمه ليها لحد لما ماتت امه من كتر حزنها وجاسر اتربي مع خاله .. ماعرفتش ان ليا أخ الا قبل ما ابويا يموت بأيام دورت عليه لحد ما وصلتله . . رفضني مرات كتير كل ما احاول اكلم معه بس بعد كدا فتح باب قلبه ليا ..كان هو في ثانوية عامة واصر يدخل حقوق عشان يساعدني و يكون معايا .. لكن فضل رافض انه يغير اسمه لكن وافق في الاخر عشان ماكنش ينفع يستلم ميراثه من بابا قبلها وكان شرطه عشان يشتغل معايا ان محدش يعرف بكل دا و يفضل يستخدم اسمه القديم كانت حياة تسرد الكلمات التي قالها بدر دفعة واحدة ، تردد بصوتها الذي إزداد ثبات وثقة بعد أن رأت الصدمة والصمت من جاسر الذي كان ينصت لها باهتمام شديد ، ولم يرغب في مقاطعتها. قاومت بشدة الصدمة التي سيطرت عليها أيضًا ، حيث ظهر احمرار شديد في عينيها نتيجة حبس دموعها ، وحالة جاسر لم تقل سوء عنها بسبب فتح جروحه من جديد لانها لم تلتئم تماماً ، وقد بدأ بالفعل بعد الكلمات الأولى يصدقها وإنتظرها حتى تنتهي من حديثها قائلا بذهول : مش مصدق ان بدر وثق فيكي لدرجة انه يحكيلك .. حتي مراته ماتعرفش اي حاجة!! عضت حياة شفتيها بتردد ، وهي تنظر إلى بدر من زاوية عينها ، ثم قالت بترقب : استاذ جاسر ممكن اقولك علي حاجة تانية وتصدقني!! أومأ لها جاسر بصمت حتى تواصل حديثها. حدقت حياة به بهدوء ، بعد أن رفعت أنفها باعتزاز وثقة رنت في صوتها ، دون أن تمهد لما ستقوله : بدر طلق اميرة قبل ما يختفي اتسعت عيناه بدهشة عارمة ، وسألها بعقل حائر : نعم .. ازاي طلقها!!؟ رفعت كتفيها كدليل على جهلها بالإجابة ، وقالت وهي تحدق في بدر الصامت منذ دقائق ، بعد أن أعطاها غمزة تدل علي أن زمام الأمور بيدها : ازاي انا معرفش تفاصيل بس انا متأكدة من المعلومة دي عادت تسأل نفس السؤال مرة أخرى ، بإلحاح أكبر ، وهناك قبضة مثل الحجر تضغط على قلبها تمنعها من التنفس بانتظام : استاذ جاسر فين بدر؟؟ زفر جاسر منهكا ، وأجابها بنبرة صادقة يتخللها الضيق : صدقيني معرفش حاجة عنه بقالي عشر ايام بحاول اوصلو و مش عارف مدت حياة يدها لتلتقط حقيبتها من الطاولة الصغيرة أمام المكتب ، وقالت برجاء عفوي وهي تستعد للمغادرة : ماشي يا استاذ جاسر .. اذا عرفت حاجة عنه لو سمحت طمني عليه انا قاعدة حاليا في شقته رفع جاسر حاجبه مندهشا ، وتمتم بابتسامة أحرجتها بشدة : كمان!! ماشي ياريت تسيبيلي رقمك تنهدت حياة بعمق بعد أن كتبت رقم هاتفها على قطعة صغيرة من الورق ، ثم مدته إلى جاسر ، قائلة برقة غير مقصودة : انا بس عايزة اطلب منك طلب .. ياريت محدش يعرف باللي قولنا صافحها جاسر باحترام ، وقال لها بإيجاز : اكيد ولا يهمك "جاسر عز الدين بدر" "26 سنة" "الشقيق الاصغر لبدر من الاب" "محامي" "شخص هادئ و مرح ، خاطب فتاة منذ عام قوي الإرادة ، يتابع أهدافه بدقة تنظيمية ، طموح جدا ، دائما يبتسم ومتفائل ، لا يعرف اليأس ، وقلبه مليء بالحيوية والنوايا الحسنة. يتميز بمظهره الجذاب ، فهو يتمتع بجسم قوي مصحوب بلطف في ملامح وجهه ، لديه شعر بني غامق ووجه بيضاوي بفم كبير ، له شفاه رفيعة شاحبة ، وفكه محاط بلحية خفيفة و عينان بنية داكنة ، و ذو طول قامة وسط." ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الثالث عشر شبح حياتي عميق جدًا يتلمس مواضع في الروح لا يلمسها أحد ، و في ايامنا الصعبة يأسرنا من يلمس قلوبنا بحنية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ في المصعد بينما كان ينزلان معاً سألت حياة بتوتر ، وهي تتكئ على جدار المصعد : تفتكر صدقني!! أومأ بدر بالإيجاب ، ورد بثقة : طبعا اللي حكيته محدش يعرفو الا انا و هو بس استأنفت حياة حديثها متسائلة بنوع من الحيرة : طب هو ليه رافض انه مايعرفش حد اسمه؟!! تنهد بدر ، ومرر لسانه على شفتيه ، ثم أجاب بنبرة حزينة : اللي عاشو ماكنش بسيط يا حياة وانا اخدت وقت طويل علي ماقدرت اجيبو من بور سعيد عشان كان عايش هناك مع اهل امه الله يرحمها خفضت حياة عينيها إلى الأرض ، تفكر لوهلة ، ثم حدقت فيه مرة أخرى قائلة بفضول : الله يرحمها .. مامتك كانت عارفة بوجوده؟ ظهرت ابتسامة صغيرة على فم بدر ، وهو يتحدث بحب : امي هي اللي خليتني اروح اجيبو .. ماكنتش قاسية زي بابا كانت بتحبه و قدرت تسامحه بعد ما مات.. تمهل بدر قليلا ، ثم استطرد قائلا : راحت معايا عند اهل جاسر و مامشيتش من هناك الا وهو معانا .. هو اتأثر بيها و بحنانها عليه و كان متفاجئ اوي بوجودنا .. بس ماقدرش لحد دلوقتي يسامح بابا علي ظلمه عليه ولأمه و ماكنش عايز ياخد اي فلوس و لا يغير اسمه رغم ان في شهادة ميلاد معمولة بإسمه بابا طلعها ليه من بور سعيد و بعد ما اتخرج اشتغل معايا في المكتب وبقي كل اعتمادي عليه أردف بدر مُحمحمًا بعد أن لاحظ صمتها فور أن أنهى كلامه ، ولم ترد عليه أو تسأله كالمعتاد منها : ساكتة ليه؟؟ فركت حياة جبينها بشيء من التعب ، قبل أن ترفع رأسها تجاهه مجددا قائلة بتشوش : كتير عليا اني استوعب كل الحاجات للي بتحصل دي و اسئلة كتير اوي بتلف في راسي لاحظ بدر نبرة صوتها المجهدة ، فإبتسم محاولا تغيير مجرى الحديث : خلينا نأجل الاسئلة دلوقتي وتعالي اعزميني علي الغدا رددت حياة بدهشة : غدا!! أومأ بدر إليها بهدوء ، وقال بنبرة ذات مغزي : ايوه مافطرتيش الصبح وانا مش حابب تقعي مني تاني تغاضت حياة عن نبرة السخرية في كلماته الأخيرة ، وقالت بعناد طفولي : بس انا بقيت كويسة والله نظر إليها بدر بحزم مزيف أتقن حرفته ، وقال بنبرة لا جدال فيها : مش عايز نقاش في الصح لو سمحتي تمتمت حياة بانزعاج ، وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها : طيب يا اخرت صبري ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• تناولت حياة الغداء في أحد المطاعم المطلة على النيل مع بدر ، الذي كان يستمتع حقًا بتلك الجلسة اللطيفة معها بسبب روحها المرحة التي تجعله يتناسي ما يكدره. لم يستطع التحكم بنظرته المشعة بالشغف تجاهها ، وهو يحدق بها بتركيز دون أن يغفل عن كل حركة تقوم بها أثناء تناولها الطعام ، وغضبها الطفولي من شعرها الذي يشاكسها بسقوطه على وجهها ، لذلك ظلت تدفعها بعيدًا بأطراف أصابعها ، محاولة وضعها خلف أذنها أثناء تناولها الطعام. نظرت حياة إلى عينيه مرة ، ثم نظرت إلى جانبها ، وغمغمت بسعادة : كان نفسي من زمان اوي اقعد علي النيل سألها بدر بإستفسار : ماجتيش ولا مرة القاهرة بعد ماسافرتو ردت حياة عليه ، وعيناها لا تزالان متصلتان بنهر النيل : ولا مرة .. كل حاجة حصلت بسرعة سفرنا و انشغال بابا في شغله و جواز اختي و دراستي وبعدها موت بابا الله يرحمه تمتم بدر ثم تريث قليلاً قبل أن يواصل حديثه : الله يرحمه .. ليه ماوفقتيش علي بيع الشقة اللي هنا لما كنتي خلاص هتجوزي في اسكندرية؟ أدارت حياة نظرتها إليه بغرابة متسائلة بصوت خافت : عرفت منين الموضوع دا!! احتل تعبير ساخط ملامحه الرجولية الساحرة قبل أن يقول بتذمر : جاوبي عليا الاول ازدردت حياة لعابها ، ووضعت خصلة من شعرها المتطاير أمام وجهها خلف أذنيها ، ثم أجابت بنبرة يشوبها الحزن : ميساء كلمتني من فترة في بيع الشقة بس ماحبتش الفكرة .. كنت عايزة يكون في حاجة تربطني بالمكان اللي اتولدت فيه وكمان حالي مع معاذ مكنش تمام اوي وكتير فكرت اسيبو بس كنت دايما مترددة في قراري كان بدر منزعجًا من نبرة صوتها الحزينة ، لكنه سرعان ما قال بابتسامة جذابة ، وتعمد تغيير مسار الحديث : انا متشكر يا حياة علي اللي عملتيه انهاردة معايا ردت عليه حياة بابتسامة رقيقة دون أن تنظر إليه ، لتجعله غارقاً أكثر فيها دون أدنى فكرة لديها : العفو يا متر : تعرفي شوفتك انهاردة بشكل مختلف عن الايام اللي فاتت انتبهت كل حواسها لكلامه ، وأخذت تحدق فيه بتساؤل : ازاي يعني .. مش فاهمة!؟ ابتسم بشكل عفوي وصادق دون وعي منه ، وتابع حديثه بنبرة أجش عميقة دون أن يحيد بصره عن عينيها المتسعتين ببراءة : يعني طريقة كلامك كانت رقيقة اوي عكس الدبش اللي متعودة ترميه وكمان عجبني أوي ذوقك في اللبس خرجت منه كلماته دون تفكير ، ضارباً بكل تحذيراته لنفسه في الصباح عرض الحائط ، هكذا الحب أيها السادة بغض النظر عن مدى محاولتك لإخفائه ، فإنه يصر أكثر فأكثر على الظهور ، وأقل إيماءات منك تفضح وجوده. شعرت بقلبها ينبض أسرع في صدرها بسعادة ، لأنه لاحظ التغيير الذي طرأ عليها اليوم ، لكنها حاولت السيطرة على حالها حتى لا تنجرف وراء أفكارها الحمقاء ، وسألته بهدوء : بجد!! يعني أديت دوري كويس؟ نظر بدر إليها بعيون ضيقة بسبب تعمدها لتفسير حديثه بشكل خاطئ ، ثم تحدث بهدوء وبصوت دافئ ، متغلغلاً في أعماقها : ليه ماتقوليش انك رجعتي لطبيعتك!! وان حياة اللي عايشة بيها السنين اللي فاتت شخصية بتتحامي فيها من نقد و تنمر اللي حواليكي تمتمت حياة بعقل مشوش ، وقلب مشتت بعد أن أشاحت بعينيها عن عينيه العميقتين : مش عارفة!! يمكن سكتت عدة لحظات ، ووجدت أنه لا يتكلم أيضًا ، فرفعت وجهها لتنظر إليه ، ورأت نفس اللمعان الذي ظهر بعينيه في الصباح. كان وجهه قريبًا جدًا منها ، بينما كانت طاولة الطعام بينهما ، ثم تكلم بهدوء وبصوت رجولي مميز : حبي نفسك يا حياة ساعتها عمر مافي حاجة هتهز ثقتك في نفسك اتقبليها لان دي خلقة ربنا ليكي ومفيش حاجة خلقها ربنا وحشة بالعكس انتي مختلفة و جميلة بدأ تنفسها يضطرب ، وضربات قلبها تسارعت ، وشعرت بحرارة شديدة تهاجم وجهها المشع بإحراج خجول من مجاملاته العفوية ، لترفع يدها نحو وجهها وتمسد عليه بظهر كفها بإرتباك ، لكنها كانت سعيدة بكلماته ووجوده معها. سكت بدر لفترة قبل أن يعود بظهره للوراء ، ولم يريد أن يحرجها أكثر من ذلك ، خاصة وأنهما كانا في مكان عام حتى لا تتجه الأنظار إليها بارتياب ، بعد أن أصبح وجهها متورد بقوة ، ثم بدأ يخبرها بأحداث لقاء والدته مع جاسر ، واندمجت في حديثه حتى سمعت صوت رسالة وصلت على هاتفها ففتحتها. اندهش بدر من تعبيرات وجهها المتفاجئ ، وسألها بفضول : في ايه؟ نظرت إليه حياة ، وهي تلوح بيدها إليه التي تمسك بها الهاتف ، ثم أجابته : دي رسالة من رقم غريب بس واضح انها بنت إستفهم بدر باهتمام : مكتوب فيها ايه الرسالة دي؟ قرأت له الرسالة بصوت عالٍ ، ثم نظرت إليه بعيون متسائلة وأردفت : «عايزة اقابلك ضروري في موضوع مهم» .. وبعتالي شير لوكيشن لمطعم قريب من البيت حرك بدر أطراف أصابعه على لحيته بينما كان يفكر بعمق ، ثم هتف متسائلاً : موضوع ايه دا اللي تكون عايزاكي فيه!!؟ أخذت حياة بعض النقود من حقيبتها ووضعتها على الطاولة ، ثم رفعت حدقتيها تجاهه ، واجابت بهدوء : معرفش لكن مش هخسر حاجة لو روحت اشوفها صحح بدر كلامها ، وهو يرمقها بطرف عينه : هنروح نشوفها ضحكت حياة بصوت منخفض على تعبيره المتهكم ، ثم تمتمت وهي تنهض : ماشي يلا بينا ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد فترة وجيزة وقفت سيارة أجرة بمحاذاة الرصيف ، ثم نزلت حياة ، وأخرجت نقوداً من حقيبتها وأعطتها للسائق الذي كان جالسًا بجانبه بدر ، الذي تحرك خلف حياة متجهين نحو مقهى راقٍ. تمتمت حياة لنفسها بصوت منخفض : وانا هعرفها ازاي دي؟! : طالما هي اللي عايزاكي يبقي هي اللي هتعرفك يا ذكية جفلت حياة عندما لاحظت قربه منها ، مما يجعل نبض قلبها يضطرب لا إراديا ثم زفرت الهواء ببطء من فمها ، ودمدمت بضيق : يووه انت مابتسيبش فرصة الا وبتعدل علي كلامي هتف بدر مازحا : ما انتي هرياني سيبني اخد فرصتي قوست حياة فمها للأسفل ، وقالت بنبرة تحذير مليئة بالتذمر من بين أسنانها حيث أن مزاجها يتغير في كل لحظة معه ، لسبب غير معروف لها شخصيًا : ممكن تسكت عشان اقدر اركز ماتوترنيش : سكت قالها بدر بقهقه رجولية تلاشت فور وصول مسمعه صوت ينادي بأسمها : انسة حياة نظرت حياة إلى مصدر الصوت الرقيق الذي يناديها ، فرأت شابة جميلة جالسة على إحدى الطاولات وتلوح بكفها نحو حياة ، فتوجهت إليها ، ثم صافحتها باحترام قائلة بابتسامة مجاملة : مساء الخير ردت بابتسامة حلوة بعد أن قامت من الكرسي مستقيمة بجسد رشيق للترحيب بها : اهلا مساء النور .. ازيك!! قالت حياة بهدوء وهي تجلس مقابلها ، وعيناها تدور حولها بالمكان يمينًا ويسارًا : الحمدلله تحدثت الفتاة بسؤال بعد أن أشارت إلى النادل الذي مر بجانبهم : تحبي تشربي ايه!! لم تأخذ حياة الكثير من الوقت في التفكير ، قائلة بلا مبالاة : لو ممكن شاي أومأت برأسها ، وأجابت على النادل بصوت خافت : اتنين شاي لو سمحت إستفسرت حياة بدون مقدمات بعد ان ابتعد عنهم النادل : ممكن تقوليلي حضرتك تعرفيني منين و ايه الموضوع المهم اللي عايزاني فيه!! ابتسمت لها الفتاة ، وقالت بهدوء : انا اسمي شذي .. بصي يا انسة حياة انا وانتي منعرفش بعض بس في صلة بتجمعنا عقدت حاجبيها بدهشة ، وغمغمت بعدم فهم : صلة ايه!! ابتلعت شذى ريقها بشيء من التوتر قبل أن تنطق بثبات : خطيبي اخو استاذ بدر المحامي اتسعت عينان حياة في صدمة ، و تمتمت بإنشداه : قصدك جاسر أومأت شذي بالإيجاب ، ثم شرعت تحكي كل شيء لحياة بصوت هادئ مليء بالحزن الخفي بين ثناياه : بالظبط .. من غير ما اطول عليكي انا هحكيلك الموضوع بدأ لما اخويا اتصاب في رجله نتيجة حادثة بالماكنة بتاعته و دخل المستشفي بس تكاليف العملية اللي كان محتاج يعملها كانت فوق طاقتنا .. جاسر حاول يساعدنا بس انا و بابا رفضنا عشان احنا لسه مخطوبين وعشان نحل الموضوع من غير مانزعل من بعض دكتور صاحب استاذ بدر اقترح ندخلو المستشفي اللي هو شغال فيها اخويا يعمل عمليته و المصاريف هتتقسط التزم بدر الصمت منذ وصولهم ، يتابع ذلك النقاش بهدوء وتركيز ، وهو جالس على كرسي بجوار حياة. سكتت شذى لبعض الوقت ، وهي تحاول التقاط أنفاسها السريعة من إعادة إحياء ذكرى تلك الحادثة الرهيبة ، لكنها استيقظت على صوت حياة الهادئ عندما قالت : وبعدين كملي!! حدقت بها شذى وعيناها مغرورقتان بالدموع ، لكنها رمشت عدة مرات ، وهي تنظر إلى الأعلى حتى لا تنهار مرة أخرى ، وتنفجر في بكاء مرير ، ثم أخذت نفسا عميقا وحاولت التحلي بالصبر والثبات قبل أن تنطق بصوت مرتعش : اخويا .. دخل اوضة العمليات عشان عملية في رجله بس قالو ان وقت العملية قلبه وقف وطلعوه علي المدافن وضعت حياة راحة يدها على فمها ، وتكتم شهقاتها حتى لا تلفت الانتباه إليهما ، ونظرت إليها بصدمة متسائلة بألم : لا حول ولا قوة الا بالله ازاي اللي بتقوليه دا!!؟ شعرت شذى بوخز في جرح لم يندمل داخل صدرها بعد ، حيث رفعت وجهها وتنهدت بصوت عالٍ في محاولة لقمع دموع القهر التي تجمعت في عينيها الواسعتين مجدداً ، والتي ذرفت مثلها كثيرًا فى الفترة الماضية ، ثم همست بصوت مختنق : انا السبب في اللي حصل ماكنتش عايزة اقبل مساعدة جاسر عشان عزة نفسي ماسمحتليش بكدا بس في الاخر خسرت اخويا الوحيد ضغطت حياة على شفتيها لوقف ارتجافها حتى لا تبكي من هول ما تسمعه أذنها ، ثم مدت يدها عبر الطاولة وربت على ظهر كف شذى الرقيق قائلة تعاطفًا : انا اسفة علي اسلوبي .. معلش الله يرحمه دا عمره .. شدي حيلك حاولت شذى الصمود ، فهذا ليس الوقت المناسب ولا المكان المناسب للانهيار ، ثم تنحنحت بخفة لتحسين صوتها المتحشرج ، في محاولة لجعل صوتها طبيعيًا : الله يرحمه .. وقتها من صدمتي وحزني علي اخويا ماكنتش قادرة استوعب للي بيحصل .. بس بعد كدا حصلت خناقة كبيرة في المستشفي بسبب اهل مريض كان بيتعالج في المستشفي دي طفل صغير مات برده بسبب مش مقنع ابدا و حالات غيرها و غيرها شعرت حياة بتجمد أنفاسها ، ثم رمشت عينها عدة مرات وقالت بإنشداه : يعني السبب في موت الناس دول اصحاب المستشفي دي!! أومأت شذي برأسها بالإيجاب ، قائلة بقلة حيلة و عجز : هو دا فعلا اللي حصل .. بس ماكنش معانا دليل علي اي حاجة نثبت بيها حقنا ساد الصمت عليهم للحظة ، كانت حياة مشتتة للغاية ، فحدقت في بدر بعيون مليئة بالأسئلة ووجه شاحب بسبب ما تسمعه أذنها ، ولم يستطع عقلها ترجمته من شدة بشاعته ، ربما تتمكن من الحصول على تفسير منه ، لكنها وجدته أيضًا تائهًا ، وبدا أنه يتجول في أفكاره بمكان آخر. وجهت عينيها إلى شذى التي كانت تمسح عينيها المبللتين بالدموع بمنديل ورقي ، وسألتها في حيرة من أمرها : طيب ممكن اعرف انتي بتحكيلي كل دا ليه؟ : انتي اللي طلبتي تعرفي بدر راح فين و ايه اللي جرالو؟ استدارت حياة وبدر نحو ذلك الصوت الذي ظهر من العدم من ورائهما ، بينما حدقت به شذى بعتاب ، ثم قالت بصوت مبحوح : انت ايه اللي اخرك يا جاسر؟ رأى جاسر الدموع تتجمع في عينيها الجميلتين ، ونبرتها الخانقة رغم محاولتها الفاشلة في إخفاءها أثرت على قلبه ، فلم يستطع الصمود أمامها ، حيث دنى إلى مستوي رأسها ، ووضع قبلة خفيفة على شعرها الناعم ، معتذراً بعد جلوسه على الكرسي المجاور لها : معلش حبيبتي .. لفيت بالعربية كتير قبل ما اجي هنا كنت بتأكد ان محدش مراقبني وانا جاي يا شذي نظر بدر إلى حياة التي كانت تتابع ما يحدث بعلامات استفهام تحوم فوق رأسها ، وهز رأسه لها بتساؤل. فهمت هذا لتتنهد ضيقا من إحساسها بالغباء وسطهم ، واستفسرت بغرابة : ممكن تفهموني ايه اللي بيحصل بالظبط؟؟ بادر جاسر مع شرح موجز : اختفاء بدر مش طبيعي يا حياة .. خصوصا ان الدليل اللي يثبت ان المستشفي دي بتحصل فيها حاجات مشبوهة كان معه اخر يوم كلمني فيه وواصلت شذى الحديث بنبرة هادئة : وبعد موت أشرف اخويا الله يرحمه عرفنا ان في حالات مشابهة حصلت في نفس المستشفي وعدد الوفيات فيها فوق الطبيعي بكتير سحب جاسر نفسًا عميقًا ، ثم أخرج الزفير ببطء ، واستأنف قوله بصوت جاد : بعدها كلمت بدر وحكيتلو اللي عرفته .. في الاول ماكنش مقتنع أن اللي بيحصل دا مقصود .. بس فجأة كلمني وقالي ان شكوكنا كانت صح والسبب في موت الناس هما اصحاب المستشفي اللي بيتاجرو في اعضاء الناس وبيبعوها لمستشفيات كبيرة بسعر خيالي و كمان الدكاترة المتدربين بيدفعو فلوس كتير عشان ادارة المستشفي تسمحلهم يفتحو في اجسام المرضي و يتعلمو فيهم بشكل اسرع من الطبيعي ومن ضمن الشركاء في المستشفي دي صاحبه كريم رفعت عبست ملامح حياة ، وكادت عيناها تخرج من محجرها بذهول ، قائلة في اشمئزاز : ايه القرف دا .. كله معقولة البشاعة اللي بيعملوها الناس دول!!! انسابت العبرات من عيني شذى ، وهي تهمس : ضحاياهم كتير اوي نظرت حياة إلى بدر ، الذي كان جالسًا يستمع إلى ما يقولونه ، وعيناه متصلبتان ، محدقًا بشكل غامض في نقطة في الفراغ ، لتقول بعدها بسؤال : وهو بدر عرف ازاي الكلام دا؟ فور أن نطقت حياة بتلك الجملة ، أغمض بدر عينيه بشدة عندما هاجمت بعض المشاهد السريعة ذهنه من أحداث سابقة. "شذي محمد مغاوري" "عمرها 24 سنة" "حاصلة على بكالوريوس في الخدمة الاجتماعية ، تعمل في دار للأيتام ، فهي تحب الأطفال كثيرًا ، ومخطوبة لجاسر عز الدين بدر ، وهي من عائلة متوسطة الحال ، لديها وجه بيضاوي جميل هادئ يتناسب مع شخصيتها وطبيعتها الهادئة التي لا تخلو من المرح في الأوقات المناسبة ورقيقة مثل أنفها الدقيق وبشرتها الحنطية التي تميل إلى اللون الذهبي وحاجبيها السميكين والداكنين ، لديها أيضًا شعر كستنائي كثيف ، ودائمًا ما يكون متدليًا على كتفيها ، كما أنها متوسطة القامة ، تتميز بجسدها الممشوق ، بعيون بندقية ذات نظرات دافئة ، وشفتيها ممتلئتين تتميز بابتسامتها الخجولة والساحرة." ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الرابع عشر شبح حياتي ربما كانت فى العلاقة الأولى مشاعر حقيقية ، لكن مع طبيعة العلاقة والظروف المحيطة بها ، قتلت ذلك الحب ، أو ربما لم يكن حبًا على الإطلاق ، كان ظل الحب. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نظرت حياة إلى بدر ، الذي كان جالسًا يستمع إلى ما يقولونه ، وعيناه متصلبتان ، محدقًا بشكل غامض في نقطة في الفراغ ، لتقول بعدها بسؤال : وهو بدر عرف ازاي الكلام دا؟ فور أن نطقت حياة بتلك الجملة ، أغمض بدر عينيه بشدة عندما هاجمت بعض المشاهد السريعة ذهنه من أحداث سابقة. Flash Back بدر جالسًا في مكتبه يفكر بعمق فيما قاله أخوه الصغير ، الذي يعرف جيدًا أنه لا يقول شيئًا إلا عندما يكون متأكدًا من مصداقيته ، ولكن يجب أن يتروي في تصرفاته ويبحث في الأمر بحذر و هدوء. لم يخطر بباله سوى صديق طفولته كريم ، الذي يعمل داخل ذلك المستشفى ، من المؤكد سيساعده حتى يتوصل إلى حقيقة ما يحدث هناك. بحث بعينيه في المكان عن هاتفه ، ليتمكن من الاتصال بكريم لكنه تذكر أنه تركه في غرفة نومه. نظر بدر إلى الساعة الأنيقة الملفوفة حول معصمه ، وتفاجأ بفوات الأوان لإجراء المكالمات ، فمن غير المعقول أن يتصل به بعد منتصف الليل. نهض بدر من مكانه ، ثم أطفأ أضواء غرفة المكتب قبل أن يغلق الباب خلفه ، متجهاً إلى غرفة نومه ، لكن عندما اقترب من الباب بخطوات هادئة ، وصل لمسامعه همهمات زوجته بصوت غير واضح. قطب بدر بين حاجبيه متسائلاً مع من تتحدث في ذلك الوقت؟ دخل الغرفة مباشرة دون أن يطرق الباب. في ذلك الوقت أميرة تقف عند الشرفة الواسعة مرتدية طقم نوم جميل. شاهدها بدر تضع الهاتف على أذنها ، ولكن عندما شعرت أميرة أن الباب إنفتح خلفها ، سرعان ما أنزلت الهاتف إلى جانبها. حدق بها بدر بحاجب مرتفع ، ثم سألها بصوت هادئ : كنتي بتكلمي حد يا اميرة؟ ارتبكت أميرة عندما حدق بها بنظراته العميقة وكأنه يخترق عقلها بهم ، لكنها حاولت أن تتماسك وأجابت ببعض التوتر الذي ظهر في صوتها : ايوه حبيبي .. دي ماما كانت بتطمن علينا .. وقالتلي هترجع من السفر بعد اسبوع تمتم بدر بلا مبالاة وهو يجلس على حافة السرير المريح ، فارجاً بين ساقيه ، وأصابعه متشابكة تحت ذقنه ، ومرفقيه يستريحان على ركبتيه : كويس ابتسمت أميرة بارتياح عندما لم يلاحظ عليها شيئًا وبدا أنه منشغلاً بشيء ما ، فتوجهت نحوه بخطوات رشيقة ومغرية ثم جلست بجانبه ، تتحدث في دلال ، وأصابعها تتلاعب بالأزرار قميصه العلوية : حبيبي .. ممكن اطلب منك طلب صغنن قد كدهون ابتسم بدر بلطف علي تحركاتها حين تريد منه شيئًا ، بينما كانت عيناه تتبعان شفتيها الممتلئتين باللون الوردى الرقيق ، ليقلد أسلوبها بسخرية مزيفة : من امتي وطلباتك قد كدهون يا اميرة؟ عضّت أميرة شفتيها بحرج ، وهي تلكمه بخفة في صدره ، وتقول بغضب ناعم : ببطل بواخة بقي يا بوده قاوم بدر رغبته في الضحك عندما رأى ملامح وجهها العابسة ، ثم لف ذراعه حول خصرها قبل أن تبتعد عنه بدلع ، وقبلها برقة على وجنتها الناعمة كالحرير ، ثم سأل بابتسامة وهو يقرصهم بلطف : ايه الطلب يا روحي؟ أمسكت أميرة بذراعه ، وابتسمت بغنج ، ثم همست في أذنه بطريقة مغرية جدًا لرجولته ، جعلت قبلاته تنزلق أسفل رقبتها ، ويقبلها بقوة لطيفة : عجبني فستان اون لاين تحفة عايزاك تشتريهولي عندما أنهت كلماتها ، التي لم يركز فيها أبدًا ، حدق في عيون أميرة الرمادية بإفتتان ، وقال بصوت منخفض رجولي : الفيزا معاكي هاتي اللي يعجبك يا حبييتي بدأت قبلاته تزداد جموح وحرارة أنفاسه الملتهبة تلفح بشرتها ، وتجرأت يديه على لمس جسدها بحميمية فائضة ، وهنا دق جرس الإنذار في ذهن أميرة التي بدأ جسدها يذوب نتيجة ما يفعله به. أدركت أميرة وضعهم ، والذي إذا لم تتحكم فيه الآن ، سوف تنجرف معه أكثر ، وهي لم تأخذ لهذا الأمر أي اعتبار كما تفعل في كل مرة ، وقد تكون نتائجه فيما بعد نطفة منه داخل رحمها. ابتعدت أميرة عنه بقليل من الارتباك خوفا من اكتشاف كذبها ، وتمتمت متظاهرة بالحزن بعد أن عدلت روبها علي كتفها العاري : لا ماهو .. اصلها يعني .. فضيت نظر بدر إليها مليًّا ، محاولاً التركيز على ما تقوله بصعوبة من فورة مشاعره الثائرة. احتدت نظرات بدر نحوها بعد ثوانٍ ، وجعد حاجبيه بنوع من الغضب ، متسائلا بإنفعال طفيف ، وخرج صوته متحشرجا قليلا بسبب أنفاسه المتسارعة : نعم!! فضيت .. ازاي يعني؟ رمقته أميرة بنظرة محرجة للحظة قبل أن تلوح يديها في الهواء بقلة حيلة ، وتبرر بصوت خافت : كان نفسي في شوية حاجات و جبتهم .. ايه هتستخسر في مراتك حبيبتك!! قبض بدر على كفه محاولا التغاضي عن أفعالها التي كثيرا ما تغضبه رغما عنه ، قائلا بتنهيدة خافتة : اكيد لا .. بس مش شايفة ان دا اسمه تبزير مالوش داعي!! ابتسمت أميرة في ذهنها بشكل خبيث ، لأنها وصلت إلى ما أرادته منذ البداية كما خططت ، لتهب من مكانها فجأة ، وتصيح بإنفعال وهي تبتعد عنه عدة خطوات ، متظاهرة بالتذمر منه وهي تعقد ذراعيها على صدرها بعبوس : اوووف يا بدر .. هو كل ما اقولك حاجة يكون ردك علي بالجملة دي.. تجمد بدر للحظة من هذا التحول غير المبرر إليه ، لأنهم فقط يناقشون ، فلماذا هذا التقلب السريع الذي يلقاه منها؟ نهض بدر خلفها مباشرة بملامح مقتضبة ، حيث سئم من تكرار ذلك المشهد معها ، خاصة أنه لا يفهم سبب تقلبها المزاجي الغريب في الفترة الأخيرة. زفر الهواء ببطء ، محاولاً تهدئة نفسه حتى يتمكن من تولي زمام الأمور معها ، ووضع كفيه على كتفيها من الخلف ، وهمس بحنان في أذنها : اميرة حبيبتي .. ليه النرفزة والعصبية اللي مالهاش داعي دي..! اكتفت أميرة بالصمت كإجابة ، دون أن تتأثر بكلماته اللطيفة ، ثم خطت بضع خطوات أخرى إلى الأمام حتى يرفع يده عنها ، وقالت بعد لحظات قليلة بحنق ناعم دون أن تلتفت إليه : اعملك ايه يا بدر!! انت مصعب كل حاجة بينا بطريقة تخنق .. مش مكفيك اني جيت اقعد معاك في شقة باباك ومامتك زي ماكنت عايز ومشيت كلامك سقطت يداه على جنبه ، وضاقت عينيه سخطًا على حركتها ، ثم أغمضهما مطولاً بصمت ، ليفتحهما مجددًا ، قائلاً بضيق : انتي مش شايفة انك بتكرري الجملة دي كتير برده كل ما بنتناقش مع بعض.. استدارت أميرة ، محدقة فيه بنصف عين فسرها بدر على أنها إستخفاف بما يقوله. تجهمت ملامحه بغضب تمكن منه رغم محاربته حتى لا يتصاعد ، لكن تصرفاتها استفزازية للغاية. فجأة مد يده على ذراعها وسحبها نحوه بخفة ، بينما أذهلتها حركته المفاجئة ، لكنه كان أسرع من ردة فعلها ، حيث صاح فيها بإنفعال بعد أن ضاق به ذرعا : انا جوزك يا أميرة .. يعني مطرح ما اكون موجود تبقي جنبي دا مش اوبشن انتي بتجامليني بيه .. وانتي عارفة اني مطلبتش منك تيجي كان ممكن تقعدي في الفيلا اللي مامتك قلبها نايت كلوب لأصحابها ومعارفها وانا مابرتحش في الجو دا .. بس انتي جيتي لما هي سافرت مش وهي موجودة لانك مابتحبيش تقعدي لوحدك .. يعني ماجتيش عشان تراضيني زي ماعايزة توصليلي دلوقتي نظرت أميرة إليه بعد كانت عيناها محدقة في أزرار قميصه ، ثم قالت بملل يشوبه السخط : بدر انت مستحيل حاجة ترضيك ابدا .. انا غلطت لما جيت هنا عشان اصالحك وافضل معاك أنهت أميرة كلماتها ، وسحبت ذراعها من قبضته ، وسارعت تمشي بعيدًا عنه متوجهة إلى الخزانة : بتعملي ايه؟ ورايحة علي فين الساعة دي!! ردت عليه بإنفعال دون أن تنظر إليه : مالكش دعوة بيا يا بدر هروح في داهية ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• فى اليوم التالى داخل مكتب بدر عز الدين الصمت هو سيد المكان نظر إليه وهو ينفث الهواء بملل ، بينما يعبث بمفاتيح سيارته بين أصابعه ، وهو جالس أمامه لأكثر من عشر دقائق دون أن يتكلم الشخص الآخر بكلمة ، وتبدو ملامحه مقتضبة لدرجة أنه شك اذا منتبهاً لوجوده حقاً أم لا؟ حمحم بخفة ليخرجه من أفكاره بطريقة غير مباشرة ، وسأل بهدوء : مالك يا بدر مضايق كدا ليه؟ تنهد بدر بعمق بعدما انقطع حبل افكاره بصوت صديقه ، و نظر اليه قائلا بحيرة شديدة يشوبها إرهاق ذهني : مش عارف يا كريم اتعامل مع اميرة كل ما احاول اظبطلها دماغها البايظة دي بتزعل و نتخانق اتسعت عينا كريم بدهشة متصنعة ، ثم عادت إلى طبيعتها بعد برهة ، وقهقة بخفة ليقول بعد ذلك : دي طبيعة الستات يا بدر .. بس بكلمتين حلوين وهدية تزغلل العين هتصالحك سكت بدر لبضع ثوان ، ثم استأنف حديثه بغضب طفيف : انا تقريبا مابعملش غير كدا .. بس مفيش فايدة تتعدل يومين و ترجع لعادتها من تاني ابتسم له كريم بهدوء ، وهو بداخله يرقص بفرح على حزن صديقه الواضح قبل أن يهتف مازحا : هدي اعصابك كدا بس واكيد هتتصالحو زي كل مرة .. روق يا أبو البدور أومأ بدر بالإيجاب ، وطيف ابتسامة داعبت شفتيه ، فهذه عادة كريم ، الذي لا يأخذ أي شيء على محمل الجد بعكس طبع بدر ، ثم سرعان ما اختفت ابتسامته قبل أن يقول على الفور : ماشي .. انا كنت عايزك في موضوع مهم قطب كريم بين حاجبيه ، وسأله بفضول : ايه .. خير!! انحنى بدر إلى الأمام قليلاً بعد أن كان مستريحا بظهره على كرسي مكتبه ، قائلاً بدون مقدمات : انت تعرف ايه عن اصحاب المستشفي اللي شغال فيها؟ استنكر كريم بشدة ما قاله بدر ، وأجاب بتوجس ممتلئ بالحذر : ولا حاجة .. يعني معرفهمش شخصيا .. بس انت بتسأل ليه؟ أردف كريم بنبرة خافتة ، وهو يضيق عينيه محاولا إخفاء ارتباكه : في حاجة!! رفع بدر إبهامه وسبابته ومسح بهما حول فمه في تفكير ، بينما نظرته ثابتة إلى الأمام ، ثم سأله بهدوء : مش ملاحظ ان عدد الوفيات فيها كتير و غريب تصنع كريم الدهشة متفاجئًا مما يقول ، ويجيب على سؤال بدر بسؤال : غريب .. ازاي يعني!! حدق به بدر بغرابة ، واستطرد كلماته : موت مفاجئ للمرضي ومن غير اسباب مقنعة ازدرد كريم لعابه بعد أن هرب من النظر إليه ، ليتكلم بتبرير : لا يا بدر دي اعمار .. و وارد ان دا يحصل في اي مستشفي ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• في مساء نفس اليوم رمشت بعينها عدة مرات بعد أن عجزت عن إستيعاب كلماته ، ثم تساءلت بتعجب : يعني ايه سألك عن المستشفي!! زفر كريم بغضب وهو يميل بمرفقه على نافذة سيارته الواقفة أمام منزله ، ويكرر ما قاله للتو : زي ماحكيتلك يا اميرة انا حاسس انه شاكك في اللي بيحصل فيها سكتت أميرة بعض الوقت حتى فهمت الأمر ، ثم قالت بإرتياب : هو يعرف منين اللي بيجرا في المستشفي بتاعتك؟ أغمض كريم عينيه من الإرهاق الذي سيطر عليه من كثرة التفكير فيما حدث ، لكنه أردف مجدداً بنبرة قلق حيث شتم نفسه على تلك الثغرة التي أحدثها عن غير قصد ، ومن الواضح أن بسببها ستفتح عليه جبهات كثيرة : هو مايعرفش .. بس من فترة جت حالة عندنا تخص المساعد بتاعته اللي اسمه جاسر و نتيجة غباوة دكتور متدرب الواد بدل ماتتعالج رجله قلبه وقف لا شعوريا ، وضعت يدها على فمها ، وبهتت ملامحها الفاتنة من الصدمة ، تمتمت بخوف : يا نهار اسود!! تحدث كريم بتوتر واضح في لهجته المنفعلة : اليوم كلو مابيبطلش اسئلة عن المستشفي وحالات الموت فيها ولو الكلام كتر .. دي فيها خراب و مصيبة كبيرة علينا سمعته أميرة بعينان جاحظتان من الصدمة ، وبقيت متصنمة في مكانها لوهلة ، والدموع متحجرة في مقل عينيها ، تأبى الإنسياب من الاضطراب المسيطر على كيانها ، ثم هتفت برعب : هنعمل ايه يا كريم!! احنا كدا ممكن نروح في داهية .. احنا والناس للي ورانا لو بدر ركز مع الموضوع دا اكتر من كدا وعرف اننا اصحاب المستشفي شد كريم شعره إلى الوراء ، وأرجعه بإنفعال وغضب يسري في عروقه ، لم يكن يرغب في ذلك ، لكن الأمر تفاقم الآن عليه ولا شيء في يده إلا هذا الحل المؤقت ، ثم تمتم : خليني افكر كويس وبعدين هكلمك.. سحب كريم كمية كبيرة من الهواء إلى رئتيه ، والغضب ينهش صدره بعد أن كاد يصل إلى ما يريد ، و يدبر له طوال الفترة الماضية حتي يتمكن من الحصول على أميرة ، لم يصدق لسانه بينما يردف بهدوء و إستسلام للأمر الواقع : اسمعي انتي لازم ترجعيلو .. خديه و سافرو المهم تلهيه عننا لحد ما ارتب اموري فاهمة وماتخافيش انا هعرف اتصرف همست أميرة بصوت مرتجف من الخوف بعد مسح دمعة ساخنة انزلقت لتحرق خدها الناعم : ماشي ★★★ وقف بدر متيبساً في حالة ذهول مريعة مما سمعه ، بينما كادت عينيه أن يبرزان من محجرهما من شدة الصدمة وعدم التصديق. كان يقف خلف زجاج الشرفة الواسعة التي تطل على الصالة الفسيحة في صالة فيلا زوجته ، حيث جاء لمناقشتها والتصالح معها ، رغم أنه يشعر في كثير من الأحيان بأنها تخلق مشاكل لأسباب واهية أو تفعل ما يمقته حتى تخرجه عن طوره. عاد مشياً إلى الخارج بخطوات سريعة مثل الركض حيث يركن سيارته ، ثم أدار المحرك ليغادر المكان بأقصى سرعة ، ونيران الغضب تنطلق من عينيه حتى أن الأوردة برقبته إنتفخت بقوة. لا يعرف وجهته ، يشعر وكأنه قد ضل الطريق ، وعقله لا يستوعب ، ورافضًا تمامًا تصديق خيانة أقرب شخصين إليه ، صديق العمر وزوجته الحبيبة ، بالرغم من أن طبيعتها تغضبه ولا تعجبه إلا أنه يحبها ويسعى لإسعادها بكل طاقة ممكنة. يسعى جاهداً لتصحيح عيوبها تدريجياً ، لكن ما سمعه الآن تجاوز حدود خياله. كيف استطاعت أن تكذب عليه وتخدعه طوال هذا الوقت ، وكيف دفعها حبها للمال للمشاركة في هذه الجريمة الشنعاء؟ بينما هو رجل قانون ، ويتطلب منه واجبه المهني والأخلاقي الدفاع عن حقوق الناس وحياتهم. كيف يمكن لزوجته أن تكون شريكة في سلب الناس حياتهم بهذه الطريقة الفظيعة وغير الإنسانية على الإطلاق؟ في اليوم التالي اتصل بأخيه وأخبره بما سمعه ووصل إليه ، لكنه لم يذكر اسم زوجته في الأمر مؤقتًا ، وهو ناوي تركها قبل أن يرسلهما إلى السجن حتى ينال كلاهما العقوبة التي يستحقهما بحق ، لكن لابد من دراسة الموقف بتفكير و روية. Back عاد من الغرق في بحر ذكرياته على صوت نداء متكرر من أخيه لشخص ما. قام بتحريك حدقتيه إلى الأمام حتى رأى امرأة سمينة إلى حد ما ، عادية الشكل ترتدي الحجاب ، ويبدو أنها في الثلاثينيات من عمرها تتجه نحوهم. وصلت إليهم ، وقالت بابتسامة محرجة : مساء الخير .. اعذروني اتأخرت عليكو دعاها جاسر للجلوس بلطف بإشارة من يده على أحد الكراسي. استأنف القول بابتسامة ، وهو يشير إلى الفتاتين : خليني اعرفكو ببعض .. الانسة حياة .. و شذي خطيبتي قالت بنبرة هادئة بعد أن جلست على كرسيها ، وحقيبة يدها في حجرها ، تعبث فيها بقليل من التوتر بسبب تحديق الفتاتين بتساؤل نحوها : اهلا بيكم ساد الصمت فترة قبل أن يسترسل جاسر تعريفهم علي بعض : دي مدام هاجر .. بتشتغل ممرضة في مستشفي كريم زي ماحكيتلكم من شوية .. اتفضلي يا مدام هاجر احنا سامعينك ازدردت هاجر لعابها بتوتر واضح في نبرتها المترددة عندما بدأت تسرد ما رأته : انا اتعينت في المستشفي من فترة بسيطة حوالي شهرين .. بس اللي شوفته فيها حاجة رهيبة ماقدرتش أفضل ساكتة كتير ..اخر حاجة كانت من كام يوم بس .. شوفت بعيني دكتور كريم في وضع محرج في اوضته بالمستشفي مع وحدة ست اللي صدمني اكتر اني شوفت نفس الست دي مع استاذ بدر صاحب دكتور كريم من فترة وعرفت من ممرضة زميلتي انها مراته ونفس الست دي بنت خالة دكتور كريم.. بدت الصدمة واضحة على وجوههم ، ليقول جاسر بعد صمت مريب : اميرة علي علاقة بكريم خفضت هاجر عينيها في حرج قائلة بهدوء : دا اللي شوفته .. انا والله ماكنتش عايزة ابقي متطفلة ولا عايزة ادخل في مشاكل مش قدها عشان مستحيل حد هيصدقني ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• في المساء دخلت حياة منزل بدر الذي لم تسمع صوتًا منه منذ عدة ساعات. زاد هذا من القلق في نفسها لدرجة أنها لم تعد قادرة على الصمت بعد الآن. جلست بجانبه على الأريكة في لباسها الخارجي ، وعيناها تنظران إلى جانب وجهه وهو يحدق إلى الأمام مباشرة بجمود ، فهمست بتردد : ممكن تتكلم معايا .. من ساعة ما قابلنا شذي و جاسر وانت ماتكلمتش خالص نظر بدر في عينيها ، وابتلع تلك الغصة المرّة في حلقه ، وهمس بحزن : معلش يا حياة .. حاسس اني هجنن من كتر التفكير و دماغي متلخبطة اوي .. لسه ماستوعبتش انها ماصدقت خلصت مني و راحت ترمي نفسها في حضن كريم شدّت حياة شعرها بقهر شديد دون وعي ، وقالت بإندفاع بنبرة مرتفعة قليلاً : انا من الاول خالص وانا مش مستريحة للي اسمها اميرة دي نظر بدر بعيداً عنها ، وأطلق زفيرًا عميقًا ، لعل أفكاره المتضاربة تخرج معه ، ثم قال بهدوء : الاكيد اني وصلت لحاجة خليتهم يحسوا انهم في خطر بسببه تطلع إليها مجددا ، ووجدها تحدق في أصابعها وهي تضغط بشدة على شفتيها لمنع نفسها من البكاء حتى سمعته يتساءل بحيرة عارمة : بس ايه هي الحاجة دي ووصلتلها ازاي!!؟ واضح بعد ما اكتشفوا اني عرفت سرهم قتلوني... قبل أن يتمكن من إنهاء جملته ، قاطعته قائلة بصوت منخفض ، بعد أن رفعت حدقتيها إليه بسرعة : بدر... رن صوت الهاتف قاطعًا كلماتها. أدارت عينيها إلى الهاتف على طاولة صغيرة بجوار الأريكة ، ثم نظرت إلى بدر وقالت بغرابة : دي اول مرة التليفون الأرضي يرن!! رفع بدر كتفيه ، مبيناً جهله بالأمر ، قائلاً بنبرة هادئة : طب ردي أومأت حياة بالإيجاب ، وهي تمد يدها ، والتقطت سماعة الهاتف لتجيب على الفور : الو!! ايوه .. دا بيته اتسعت عيناها بدهشة ، وهي تستمع للطرف الآخر ، ثم قالت بذهول : بتقول ايه!! هتفت بتساؤل ، وعينيها تبحث عن هاتفها ، ثم أمسكت به بسرعة : لحظة .. فين المستشفي دي..؟ صمتت حياة ، تستمع إليه بتركيز وتدون على الهاتف ما قاله بأصابع ترتجف ، ثم اردفت بتلعثم : تمام .. ماشي .. مع السلامة قطب بدر جبهته ، وسألها بدهشة عندما لاحظ جمود نظرتها للأمام : حياة .. مالك متسمرة كدا ليه؟!!! همست حياة بهدوء ، وهي تنظر إليه بعينين تتألقان من الدموع الكثيفة : بدر!!... استفسر بدر بإلحاح ، عندما سكتت حياة ، ولم تتمكن من استكمال كلماتها : في ايه!! ومستشفي ايه اللي بيكلمو منها؟ مسحت حياة دمعة عالقة برموشها من هول المفاجأة عليها ، وتمتمت بصعوبة : دي المستشفي اللي انت راقد فيها ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الخامس عشر شبح حياتي أحببتك في أيام سريـعة ، وأصـبحـت تملكَ كـل وقـتي ، لا أعـلم ماذا حدث لي ، ولكـن لا أطيق ابتعادك عني فهو يتعبني كثيـراً. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قبل ساعات قليلة من بزوغ الفجر داخل سيارة سوداء على الطريق السريع حياة جالسة بجانب مازن الذي كان جالسًا خلف عجلة مقود السيارة ، وهي شاردة الفكر بما حدث بعد أن تلقت مكالمة هاتفية من المستشفى الذي يرقد فيه بدر في الإسكندرية ، على حد قولهم. ظلت تنظر حول نفسها بضياع عدة دقائق ، من جهة أرادت الذهاب إليه ، لكن الوقت متأخر كثيراً ، وفي ذات الوقت لم تكن قادرة على الانتظار حتى الصباح. يأست بعد أن حاولت عدة مرات الاتصال على جاسر ، لكن لم يصلها أي رد منه. وضعت حياة يدها على فمها ، وغطت ابتسامة عريضة على شفتيها ، وهي تتطلع نحو النافذة المجاورة لها عندما تذكرت رد فعل بدر الغاضب عندما اقترحت عليه طلب المساعدة من مازن ، فهو الوحيد الذي سيوافق على توصيلها في ذلك الوقت المتأخر. وقد حدث ذلك بالفعل بالرغم من معارضة بدر الشديدة ، لكنها ضاعت هباءاً عندما تجاوزته وتوجهت مباشرة إلى شقة مازن ، الذي رحب على الفور بمساعدتها ، فشكرته كثيرًا هو ووالدته التي وافقت على أخذ الهرة ، والاعتناء بها لحين عودتهم ، فلا أحد يعلم كم من الوقت سيغيبون ؟ عادت بسرعة إلى شقة بدر لإحضار حقيبة سفر صغيرة لها وبعض أغراض شخصية لبدر ، بينما بقيت في نفس الملابس التى قضت بها اليوم لأنه لم يكن لديها الوقت لتغييرها. كان مازن أثناء قيادته يختلس النظر إلى حياة مستكينة بجانبه ، ويبدو أنها ضاعت في أفكارها داخل عالم آخر. فجأة انقطع الصمت بصوت بدر الحاد الذي صر على أسنانه بقوة ، وتمتم من بينهم ، فهو بالكاد يمسك نفسه حتى لا ينفجر في حياة العنيده بشكل غير طبيعي يضايقه بخطورة : حياة .. انا مش مستحمل ضغط عصبي وركوبنا في عربية النحنوح دا خنقاني اكتر لا شعوريًا ، تحركت في مقعدها ونظرت إليه وهو جالس في المقعد الخلفي ، ثم سرعان ما اتعدلت في مقعدها قائلة بتلعثم وارتباك : شكرا يا دكتور مازن عارفة اني ازعجتك في وقت متأخر... لم تكد تنتهي من حديثها الذى زاد الطين بلة ، حتى صرخ عليها بدر في فورة غضب ، بعد أن خرج عن طوره ، وهو ينظر إلى مازن بعدائية : وحياة امك ماتبوسي علي ايده بالمرة كتمت حياة ردًا لاذعًا كانت على وشك أن تقوله له عندما لاحظت الشخص الجالس على اليسار ينظر إليها ، فابتلعته قسراً أثناء الاستماع إلى إجابة مازن الهادئة : ماتقوليش كدا يا حياة .. انا لا مضايق ولا حاجة بس فهميني براحة الموضوع مالحقتش افهم من كلامك حاجة استشعرت حياة تعجّبه الذى ارتسم بوضوحٍ على ملامحه ، ثم أردفت لتُوَضّح ما حدث بصوت هادئ نسبيًا : اتصلو بيا من اسكندرية و بلغوني ان بدر عامل حادثة و موجود في المستشفي اللي قولتلك اسمها في اسكندرية قال مازن بتساؤل وعيناه مثبتتان على الطريق : ومعرفتيش ايه حالته!!؟ هزت حياة رأسها بنفى ، ثم واصلت حديثها ببعض الإحراج : لا مالحقتش افهم اي حاجة من اللي كلمني وماعرفتش اوصل للمساعد بتاع بدر ولا في وسيلة اسافر بيها بسرعة في وقت متأخر زي دا .. لاقيت نفسي بجري عليكو .. ميرسي لمامتك انها خلت ميجو عندها تحدث مازن بابتسامة جذابة زينت ثغره ، جعلت القابع ورائه يغضب جزاً على أسنانه بغيرة ، ويضم قبضته الفولاذية بحنق ، لاعناً بداخله مازن وحياة أيضًا : انا مبسوط انك فكرتي فيا اول واحد .. والحمدلله اني وقتها كنت موجود في البيت سرح عقلها في عدة اتجاهات مختلفة واختلطت المشاعر في قلبها بين الخوف والأمل والقلق والترقب ، بينما كانت عيناها تحدقان في الطرقات بصمت تام دام لحظات ، تدعى إلى ربها بأشياء كثيرة ، غير منتبهة إلى المشاعر المختلفة داخل الرجلين الموجودين في السيارة معها. انقطع حبل أفكارها عندما حمحم مازن الذى أراد إخراجها من قوقعة أفكارها بطريقة غير مباشرة ، فابتسمت وقالت بامتنان صادق : شكرا يا دكتور معرفش من غيرك بجد كنت اتصرفت ازاي .. وانا اسفة علي الازعاج دا مرة تانية شعر مازن بالانزعاج من تمسكها الشديد بعدم رفع الكلفة وإزالة الألقاب بينهما ، ليقول بنبرة هادئة حاول بها إخفاء ضيقه : ولا يهمك .. المهم نطمن علي بدر .. حاولي تنامي شوية لسه قدامنا وقت طويل في الطريق اعتدلت حياة في مقعدها ، وأومأت برأسها لتقول بهدوء بعد أن أسندت رأسها على حافة المقعد خلفها : تمام هنام شوية أثناء حديثهما ، كان بدر صامتًا على مضض ، وأغمض عينيه وشد قبضته بعنف مثل أنفاسه المضطربة من غضبه المفرط. فلا يكفي الهالة العصيبة المحيطة به من جميع النواحي حتى يكتمل الموقف بالتصاق مازن بهم ، وبناءً على رغبتها تلك الغيبة لا تعلم شيئاً ، فلن ينسى الحوار الذي دار بين مازن وشقيقته بعد أن قاموا بتوصيل حياة أول البارحة ، عن خلافه معه بسبب شقة حياة ، وطبعا استمع للحديث بالكامل ولم يشعر أحد بوجوده. زفر الهواء بقوة ، ربما يساعده ذلك على تهدئة أعصابه الثائرة. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد مرور عدة ساعات أشرقت الشمس الدافئة على مدينة الإسكندرية ، معلنة حلول يوم جديد مختلف تماما يحمل طياته أحداثا جديدة وصادمة للجميع. داخل المستشفى تسير حياة بقلب مرتبك ومازن وبدر إلى جانبها. سبقها مازن متجهًا نحو موظف الاستقبال ، وفي غضون دقائق عاد مرة أخرى ، وجعلها تصعد معه إلى أحد الطوابق فى الأعلى. طرق مازن على أحد الأبواب ، بعد التأكد من أنها نفس الغرفة التي وصفها له الموظف ، ليدلفو معاً ، بعد أن سمح لهم بالدخول الجالس في الداخل. : ايه المفاجأة دي معقوله!! ازيك يا دكتور مازن عاش من شافك هتف رجل يبدو أنه في الثلاثينيات من عمره يرتدي معطفًا طبيًا أبيض ، بعد أن وقف مسرعاً بمفاجأة وهو يدور حول مكتبه ، فأجابه مازن بابتسامة وهو يصافحه بحرارة : الله يسلمك يا علاء اعذرني مشاغل الدنيا انت عارف سأل علاء بدهشة ، وهو ينظر إلى حياة نظرة خاطفة : ايه جاي في زيارة لحد عندنا؟! تنهد مازن بخفة ثم أشار إلى حياة التي تقف بجانبه وبدت متوترة ، ليرد على سؤال صديقه بجدية : لا الحقيقة احنا بنسأل عن واحد اسمه بدر عز الدين جالكم هنا في حادثة عربية نظر إليه علاء متفاجئًا ، وتمتم : هو يقربلك!! وضع مازن يديه في جيوب بنطاله ، ثم أجاب مصححاً : لا احنا جيرانه في نفس العمارة و بلغونا بالتليفون انه موجود هنا عدل علاء نظارته الطبية على وجهه ، وأومأ بفهم مؤكداً : ايوه هو اتنقل من ايام بسيطة وكان وضعه مايطمنش ابدا كانت حياة تتلفت بعينيها بينما يتحدثون في الغرفة تبحث عن بدر الذي اختفى عن نظرها منذ دخولهم غرفة الطبيب ، ثم هتفت للمرة الأولى متداخلة في الحديث لتتساءل بسرعة ، وامتلأت عيناها بالقلق : ممكن نعرف ايه اللي حصل بالظبط!!؟ هز علاء رأسه ليستطرد بجدية تامة : العربية عملت الحادثة في ساعة متأخرة من الليل و في منطقة مقطوعة من الناس .. استاذ بدر فضل في العربية اكتر من خمس ساعات قبل ما يلاقوه ولاد الحلال الفجر ويسعفوه علي مستشفي بسيطة في المنطقة تابع حديثه بتأني بعد أن رأى بوادر استغراب ورهبة على ملامح حياة ، بينما كان مازن يستمع إليه بهدوء : دا اللي عرفته .. لما وصل هناك كان نزف كتير جدا للأسف المخ اتأثر ودا دخله في غيبوبة من وقتها .. حاليا جسمه بدأ يتعافي من الكدمات و الجروح دي علامة كويسة لكن مافيش اي استجابة من المخ لحد دلوقتي جف حلق حياة من الصدمة ، لكنها لم تستطع الصمت قائلةً باندفاع : ليه محدش عمل بلاغ عن الحادثة دي يا دكتور!! أومأ علاء برأسه مؤكدا بنبرة هادئة ومتوازنة : اتعمل محضر طبعا اول مادخل المستشفي .. بس زي ما قولتلكو المستشفي اللي كان فيها متواضعة جدا وامكانياتها مش عالية ودا برده كان سبب في تأخير تحسين حالته .. وكمان محدش اهتم بالموضوع بسرعة لان المريض كان معهوش اي اثبات شخصية .. لكن الظابط اللي بيحقق في الحادثة كشف عن العربية عشان نعرف هويته والمستشفي هنا اتصلو برقم بيته : يعني هيبقي كويس يا دكتور .. هيبقي كويس!!؟ رددت حياة السؤال بلهفة ، دون أن تعى ذلك ، جعلت مازن ينظر إليها بريبة ويساوره الشك ، لكنه تأمل أن يكون هذا الاهتمام منها بدافع التعاطف مع بدر ، مقنعاً نفسه بأنها لم تره منذ أمد طويلاً. تنهد الطبيب قائلا بموضوعية : املنا في ربنا كبير .. لكن مافيش استجابة منه لاكتر من اسبوعين مع مرور الوقت اذا استمر حاله علي كدا هنضطر نفصل عنه أجهزة التنفس في النهاية ونعلن وفاته انا اسف قرع قلب حياة هلعاً لتصيح لا شعوريًا باندفاع : لا يا دكتور لو سمحت ماتعملش كدا!! نظر علاء ومازن إلى بعضهما البعض ، وشعر الشخص الأول بغرابة تصرفها أمامه ، بدا أنها مهتمة بهذا البدر بشكل مبالغ فيه ليشعر بالدهشة والحيرة بداخله ، خاصة وأن مازن عرفها عليه بأنها جارته ليجيب عليها بسؤال : انتي مراته؟! اندفَعت الدماء لوجنتيها ، معبرة عن خجلها ، بعد أن أدركت أنها تعجلت في الرد ، لتفرك كفيها معًا بإرتباك ، ثم أجابته بصوت منخفض : لا انا .. انا جارته زفر مازن بضيق ، ثم استطرد بهدوء : مراته في القاهرة ولسه ماتعرفش أومأ علاء برأسه متفاهمًا قائلاً بجدية : في الحالة دي هي اذا وافقت علي قرار فصل الاجهزة عنه مانقدرش نعمل حاجة حدقت حياة بهم بحدة ، وقالت بمعارضة : بس هي مش مراته دي طليقته رفع مازن حاجبيه مصدوماً ، وأردف بدهشة عارمة : ايه اللي بتقوليه يا حياة عرفتي ازاي الكلام دا اصلا؟! : محدش هيفصل الأجهزة عن المريض الا بعد اذن مباشر مننا احنا يا دكتور تجمدت حياة للحظة عندما سمعت ذلك الصوت المألوف في أذنها ، قبل أن تلتفت إلى الشخص الذي دخل الغرفة ، والذي فُتح بابها دون إذن ، لتتوسع عينيها بصدمة ، قائلة بإنشداه : معاذ .. انت بتعمل ايه هنا!! نطق مازن بدهشة بعد أن وزع نظراته بينهما : هو انتي تعرفيه يا حياة!! لم يختلف رد فعل معاذ كثيرًا عنها ، حيث صُدم أيضًا برؤيتها الغير متوقعة تمامًا وصاح بغرابة ، قاطعًا بصرامة رد حياة على مازن : انتي ايه اللي جابك هنا يا حياة ورجعتي اسكندرية امتي!!؟ : هو دا بقي معاذ اللي كان خطيبك الآن ، لم يكتمل هذا الموقف المتوتر لحياة إلا بظهور بدر المفاجئ والمربك لنبضها عندما سمعت صوته بجوار أذنها ، لتتحرك حدقتيها تلقائياً تجاهه ، متعجبة من عودته إلى الغرفة بهذا الوقت تحديداً ، لكن لا وقت للتوتر الآن لتقول بصمود زائف بعد العودة للنظر إلى معاذ : انا اللي بسألك!! وضع بدر إحدى يديه على خصره ، وقال ببغض متجاهلاً النظرة التحذيرية التي أعطتها إياه حياة : باين عليه سئيل أجاب معاذ على سؤالها ببرود ليس جديد عليه ، فهو إما بارد كالصقيع أو غاضب كبركان ليس لديه وسط : ماشي .. انا الظابط اللي بحقق في حادثة بدر المحامي .. مين الباشا؟ تابع معاذ كلماته بنبرة تهكمية لاذعة بعد أن انتقلت عيناه ، لمازن الذي قال بصوت يتسم بالهدوء والثبات الانفعالي : انا دكتور مازن كمال جار بدر في العمارة نطق معاذ ببحة ساخرة : تشرفنا يا دوك الصدمة لم تكن من نصيب مازن وحده الذي لم يكن مرتاحا لأسلوب معاذ معه ، لكن أكبر جرعة كانت من نصيب بدر ، وهو يضغط على قبضته بقوة وهتف بصوت داخلى فى سخط ، وهو يحرك نظراته بين مازن ومعاذ : ليه يارب حظي مهبب كدا ليه؟! من دون كل الظباط دا اللي يكون من نصيبي .. مش كفاية المصايب اللي واقع فيها أخذت حياة بعض الوقت لتفكر في صمت قبل أن تهمس بحسرة في نفسها من هذا الحظ العاثر الذي يطاردها ، والخوف نشب مخالبه في قلبها وخدشها بعنف ، أن وجود معاذ لا يبشر بالخير بل سيعرقل الأمر أكثر ، لكنها حاولت جاهدة عدم إظهار ذلك الخوف إليه : هي كدا كملت!! عقد معاذ ذراعيه أمام صدره العريض بعضلات طبيعية نتيجة تدريباته الجسدية القاسية ، وسأل بتأنئ ومكر : دورك بقي تفهميني بتعملي ايه هنا يا حياة؟ وجدت حياة لسانها يرد عليه بتحدٍ دون تفكير : انا هنا عشان بدر تحولت الغرفة إلى ساحة معركة بالنظرات بين معاذ الغاضب وحياة المتحدية ، وبدر الذى يقف بجانبها وعقله على مشارف الجنون من ذلك الدخيل إلى حياته المبعثرة. أما مازن وعلاء ، فكانا يشاهدان ذلك المشهد بصمت ، ربما يفهمون شيئًا ما ، لتتركز أعينهم على معاذ وهو يقول بتوجس : وانتي تعرفيه منين؟ تجهمت ملامح بدر ، استطرَد الحديثَ بخشونة مستفسراً ، وكأن الآخر سيرد عليه أو يشعر بوجوده : وانت مال اللي خلفوك!! أغمضت حياة عينيها محاولة السيطرة على انفعالاتها ، وهي تطبق بشفتيها للداخل ، بعدما كادت ضحكة مفاجئة أن تفلت منها ، ثم فتحت عينيها وقالت بصوت بارد : ممكن تبطل استجواب فيا مش وقته ولا مكانه رمقها معاذ بنظرات حارقة بسبب حديثها الذي لم يعجبه إطلاقا ، محاولا إيصال رسالة مبطنة لها بعدم إغضابه ، فربما تتراجع عن استفزازه ، لكن لا حياة لمن تنادي : انتي شكلك نسيتي انك خطيبتي ومحتاجة اللي يفكرك يا انسة قلبت حياة عينيها لتقول بملل وبرود ظاهرى ، لكن ذلك لم يمنعها من استشعار الخطر من رؤية عروقه التي أصبحت نافرة دلالة على غضبه المكتوم : واضح ان شغلك اثر علي ذاكرتك .. كان فيه وخلص دبلتك رجعتلك من اسبوعين حمحم علاء بحرج لينبّههم بوجود آخرين في الغرفة معهم قبل أن يردف بجدية : معاذ باشا .. انت قولت اننا مانقدرش نفصل الاجهزة عنه الا بعد موافقتك ممكن اعرف السبب ؟ سرعان ما جمع معاذ أفكاره المشتتة بسبب البرتقالية قائلا بنبرة جادة قوية : لان الحادثة مدبرة بفعل فاعل فرامل العربية مفكوكة بالعمد وفي الحالة دي ممنوع تفصلو الاجهزة الا بأمر مني شخصيا خرج مازن بصعوبة من الصدمة التي وقع فيها عندما علم بهوية معاذ وأنه خطيب حياة ، لينغمس في صدمة أقوى ، فرفع أحد حاجبيه ليسأله بإستنكار : يعني في حد قاصد يقتل بدر !؟ ارتجافة قوية إستهدفت قلب حياة في تلك اللحظة لتقول دون وعي : انا هدخل اشوفه فين اوضته ؟ كشّر معاذ عن أسْنانه وصاح فيها باستهجان غير مكترث بمن حولهم وقد طفح الكيل : نعم .. تدخلي فين!! انتي ماجاوبتنيش علي سؤالي انتي هنا ليه؟ حدقت به حياة بنظرة حادة ، فقد سبق لها أن ذكرت السبب بالفعل قبل أن تتجاهل الرد عليه تمامًا ، فلن تجد فائدة في الحديث معه لأنه لا يفهم الأمور إلا من وجهة نظره فقط. نظرت إلى مازن الذي لا يفهم شيئًا ، وتحوم أسئلة فوق رأسه حول طبيعة علاقة حياة مع ذلك الضابط ، ليفيق من خواطره على صوتها الهادئ رغم الاضطراب المستعمر في روحها : ممكن يا دكتور مازن تفهم حضرة الظابط احنا هنا عشان نطمن علي بدر؟ أردفت حياة بأدب بعد أن نظرت إلى علاء : ياريت تقولي اوضة بدر فين يا دكتور من فضلك!! أنهت كلامها ، التى زادت من عبوس معاذ اكثر ، ولم يخفي عليه السخرية الواضحة في صوتها ونظراتها إليه ، لتتجاوزه مغادرة الغرفة دون أن توليه أدنى اهتمام. تساءل معاذ بتعجب في خاطره منذ متى كانت لديها تلك الثقة والثبات ، وما سبب هذا التغيير الملحوظ فيها؟ "معاذ الدرديري" "31 سنة" "رئيس المباحث بالإسكندرية" "الأخ الأصغر لزوج ميساء" "متعجرف ، عنيد ، يصعب إقناعه ، خاصة عندما لا يستسلم الآخرون لقيادته ، فهو سريع الغضب وسريع الإرضاء ، محب للقيادة والسلطة ، يتسم بالغموض وعدم الإفصاح عن أسباب أفعاله ، ولا يحب التبرير ولا يجد له داعي ، يظهر بخلاف ما يخفي ولديه ثقة عميقة بأن قيمته الشخصية تدعوه للسيطرة على العالم المحيط به ، فهو يقظ ، وجريء ، ومجازف ، ويحب الجمال والتحكم بالأمور ، يهوى استكشاف الألغاز ومغامراته العاطفية كثيرة ، ولا يشارك أحد في اتخاذ قراراته لأن هذا يمنحه ثقة أكبر ، يتعامل مع حياة وكأنها شيء يمتلكه فهو من النوع الغيور والأناني عندما يحب. طويل القامة ، وعيونه فيروزية ساحرة ، وذو وجهًا دائري ، وملامحًا صارمة ، وشعرًا بني كثيفًا." ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد مرور دقائق معدودة ولجت حياة إلى غرفة بيضاء واسعة ، ثم تأملتها للحظة حتى وقعت عيناها عليه. جسد بدر مستلقي على سرير في منتصف الغرفة بسكون بسبب فقدان الوعي العميق الذى سقط فيه ، ومحاطًا بالأجهزة الطبية التي تحافظ على استقرار التنفس والدورة الدموية من خلال استخدام إدخال أنابيب التنفس التى تنقل الأوكسجين إلى رئتيه. تدريجيًا ، اتسعت ابتسامتها وهي تتجه نحو السرير ، وتقترب منه محدقة في ملامحه الباهتة ، لتهمس بغبطة لم تستطيع كبح جماحها : بدر .. انا مش مصدقة!! انت عايش مش ميت زي ماكنت فاكر اهو قدامي انت... قاطعها صوته الهادئ قائلا بقلق : ايوه بس الكلام اللي قاله الدكتور مش مطمني يا حياة رفعت أهدابها الكثيفة ، ونظرت إليه ثوان ، بعد أن أنهى كلامه ، ورأته واقفا عند الجانب الآخر من السرير. أطلقت حياة زفيرًا قويًا قبل أن ترد بضيق بعد أن تذكرت ما حدث منذ قليل : ولا انا مطمنة خصوصا من وجود معاذ هنا .. يعني جه في بالي اشوفه بس مش اول ما احط رجلي في اسكندرية بنص ساعة دمدم بدر بنبرة خافتة وثقيلة ، وهو يضيق عينيه في حالة من الاستياء : تصدقي بالله دي اكتر حاجة غيظاني من كل اللي بيجري .. انتي ليه ماقولتليش انه ظابط؟ اندهشت حياة من رد فعله المحتدم ، و ردت دفاعا عن النفس : كانت هتفرق لو قولتلك!! وبعدين انا مش حابة اتكلم عنه اصلا حاولت تغيير مسار الحديث واستأنفت كلامها بعد أن أنزلت جفنيها على وجه بدر الراقد بسكون ، واقترحت بتفكير : سيبك من كل دا .. انت مش حاسس بأي تغيير وانت قريب من جسمك .. يعني حاول تدخل في جسمك يمكن يحصل اي تحسن وتقوم هز بدر رأسه وفرك رقبته قائلا بيأس : جربت اعمل كدا وانتي واقفة معهم برا .. بس مافيش أي حاجة اتغيرت مش قادر أصحي ولا حصل اي استجابة خطرت كلمات معاذ في ذهنها ، وتمتمت بقلق : الحادثة كانت جامدة عليك و كمان مقصودة : بتكلمي مع مين!! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا