القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية عن تراض الفصل السابع عشر بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)

 

رواية عن تراض الفصل السابع عشر بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)




رواية عن تراض الفصل السابع عشر بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)




(١٧)

#رواية_عن_تراض

أجفلت سراب وحملت مطرقة خشبية ثم اتجهت صوب الباب تمد بصرها ببطئ لتكتشف ما الذي تنظر إليه تقى بكل هذا القلق...

تبادلتا النظرات ثم انحنت سراب تتفقد الصندوق الخشبي الملقى أمامهما.

 كان يرتفع عن الأرض بضع سنتيمترات، أسود اللون متوسط الحجم مربعًا، ومريب الشكل. 

كان مؤصدًا بقفل ودون مفتاح.

تجاوزته سراب والتفتت يمنة ويسرة ولأعلى  وراحت تتفقد باقي درجات السلم وهي تهبط نزولًا، لكن السكون كان سيد المكان...


عادت «سراب» لتحملل الصندوق بين يديها، لم يكن ثقيلًا لكن لم يمكن وصفه بالخفة أيضًا! همت أن تدخل للشقة  فأوقفتها كلمات تقى:

-البتاع ده مش داخل جوه افرضي كان فيه قنـ ـبله!!


فزعت سراب واتسعت عيناها وهي تطبق شفتيها و تضعه على الأرض بحذر، ثم قالت بتوجس:

-قـ... قنـ ـبله!!!


وقفتا لفترة تحملقان بالصندوق وتتبادلان النظرات، فقالت سراب:

-شوفتي، محصلش حاجه... لو قـ ـنبله كان زمانها انفجـ ـرت... يلا ناخده جوه ونحاول نفتحه.


قالت تقى بارتباك:

-طيب، ما تيجي ناخده ونروح لعمو دياب؟


قالت سراب بضحكات تملأ شدقها بحمـ ـاس لا يلائم الموقف:

-دا عشان لو طلعت قنـ ـبله تخلص علينا كلنا ونرتاح مره واحده! 

-لا، دا عشان مش هنعرف نفتحه أصلًا يا ذكيه...


حكت سراب رأسها وزمت شفتيها وهي تنطق:

-أمممم، صح، طيب، يلا...

قالتها وانحنت تحمل الصندوق بينما دخلت تقى تجلب المفتاح ونزلتا الدرج في سرعة، يملؤهما الفضول لما قد يكمن داخل الصندوق.


                     وبعد فترة وجيزة، 

كان «عامر» يحوم حول الصندوق القابع أعلى الطاولة، ورائد يحاول فتح القفل، والبقيه مترقبون بحذر، وكانت نظرات سراب تجول بالشقة بحثًا عن عمرو لكنه لم يظهر.


انتبهت سراب حين قال رائد:

-بصوا أنا هاخد الصندوق ده أفتحه بره البيت... مش عارفين ممكن يكون فيه ايه! افرض قنبـ ـله فعلًا زي ما قالت تقى!!


-طيب أنا هاجي معاك.

قالتها نداء بقلق، وقال البقية نفس الجملة. فقال دياب بحزم:

-محدش رايح معاه غير عامر... مش انتوا بتثقوا فينا!!! 

قالها مخاطبًا تقى وسراب وهو يبدل نظراته بينهما، فقالتا معًا:

-طبعًا يا عمي.


-خلاص يبقا رائد وعامر هياخدوا الصندوق بره البيت يشوفوا هيعملوا فيه ايه ويبلغونا.


خرج عامر ورائد مسرعين، تارمين البقية والقلق يستبد بهم، والحيرة تسكن قلوبهم.


ظلت سراب تذرع الشقة جيئة وذهابًا، تتسائل بينما شيرين تتابعها وتحثها على الجلوس. كانت تقى جالسة بحانب نداء تقرض أظافرها، ودياب مطرق الرأس يفكر.


جلست سراب وقالت:

-تفتكروا يكون جدو كارم باعتلنا حاجه في الصندوق ده؟!

لم يعلق أحد، فأضافت:

-ولا حسين حاطط حاجه؟


وكان هذا الشك الذي تسلل لقلب «دياب» وفطن له رائد دون أن ينطق...


وقبل أن يُعقب أحدهم قُرع الجرس فهرع الجميع ونهضوا واقفين ظانين أن عامر ورائد عادا بخبر عن محتوى الصندوق.


                     ومن جهةٍ أخرى

خرج «عمرو» من شقة «بدر» بعدما اطمئن أنه غطَّ في النوم، قاصدًا بيته ليجلب شاحن هاتفه ثم يعود...

نزل درجات السلم وصُدم مما رأى بل وانتفض هلعًا فقد لاح له أفراد من الشرطة يقفون قبالة شقة الفتاتين وينتشرون حتى مدخل البناية. بدأ يسأل عما يحدث، فأجاب أحدهم:

-فيه بلاغ عن وجود ممنوعان بالشقة دي.

وكان يشير إلى شقة سراب وتقى، فقال عمرو بصدمة:

-ممنوعات!! حضرتك البيت دي كله تبع بنتين عايشين لوحدهم وملهمش أي شغل ممنوع.

لم يرد عليه العسكري وانشغل بالحديث مع رفيقه فهرول عمرو نزولًا إلا أن أحدهم أوقفه للتفتيش. فاستسلم عمرو رافعًا كلتا يديه، في شدوه وفي ملامح وجهه بادرة من الهلع...

في تلك اللحظة لاحت له سراب وهي تخرج من بيتهم تتشبث بذراع تقى وعيناها تتقلبان في ذعر من ذلك المنظر المُفزُع...


رمقته «سراب» بنظرة مطولة أثناء مرورها بجواره فاحتضن نظرتها بنظرة لو نطقت وقالت: لا تخافي ستمر على خير...


وبعد فترة من التفتيش في بيت دياب وبيت تقى دون الحصول على شيء، أبدى الضابط بعض الشفقة على الفتاتين فطلب هويتهما، ثم أخذها وقال:

-بكره الصبح تعدوا علينا في القسم. الظاهر إنه بلاغ كيدي..


-هنيجي القسم ليه؟ هو حضرتك لقيت حاجه!

قالتها تقى بنبرة مرتعشة، فأجاب الضابط:

-لأ، بس هتيجوا عشان نقفل المحضر...


وبعد فترة عصيبة تم تشيع الشرطة، وجلسوا جميعًا داخل شقة تقى وسراب، يملؤهم الخوف والقلق، وعيونهم مليئة بالهواجس، هاتف دياب رائد وقال بلهفة:

-فتحت الصندوق؟

-أيوه يا بابا لسه حالًا... وفيه بودره بيضا، أنا كنت متوقع حاجه زي كده...


قال دياب بانفعال:

-وأنا كمان توقعت كده، حسين عايز يلبسنا تهمه... المهم يابني مترجعش بيه، اخلص منه يا رائد، الشرطه لسه ماشيه من هنا...

استغفروا🌸


                     ★★★★★★

أشرقت الشمس عقب ليلة موحشة، لم تكد تغفل خلالها تقى إلا دقائق، كانت تناجي الله وتدعوه أن ينجيهما وتشكره على فضله فقد انتشلهما من ورطة كادت أن تُدمر حياتهم جميعًا...


أما «سراب» فقد باتت ليلتها والوسادة مبللة تحت خديها، وصوت أنفاسها المتقطعة يملأ الغرفة، تغالب النوم لكنه يخونها ويتركها فريسة لذكرياتها، وما أن تتذكر كيف جرتها سيدة من  أفراد الشرطة هي وتقى حتى تنهمر دموعها مرة أخرى....


وها هو يوم جديد، يقودهما إلى مجهول، تُرى ماذا يحمل بين طياته؟ 


ارتدت «سراب» ثوب أسود وحجاب من ذات اللون، وفعلت تقى مثلها، وكان الحزن يسكن ملامحها وكأنهما شيعتا جنازة حبيب البارحة...


                        مر الوقت

خرجتا من مركز الشرطة مع عامر ورائد بعد مقابلة الضابط، وانتهاء كافة الإجراءات. وفي السيارة عند العودة، قالت تقى بيأس:

-أنا تعبت، وبفكر أرمى ورا ضهري كل حاجه هنا ونروح لخالي العزبة...


التفت عامر الذي كان يركب بالمقعد الأمامي وحدجها بنظرة ذات معنى، قبل أن يقول:

-ترمي إيه ورا ظهرك؟ وأنا يا تقى؟


أطلقت تنهيدة متألمة وأغلقت جفونها وهي تنطق بأسى:

-مش عارفه...


التفت إليها مجددًا وقال بنبرة قلقة:

-تقى هو إنتِ بتفكري تسيبيني؟ لو بتفكري في كده يبقا انسي لأني مش هسيبك...


تقلصت ملامحها وقالت وهي تكبح عبراتها:

-أنا خايفه عليك يا عامر.


قال بسرعة وانفعال:

-خافي عليا لو سيبتيني، إنما طول ما أنا معاكِ فأنا في أمان.


ساد الصمت بينهم في حين تبادل رائد وسراب نظرات مترقبة، ثم قطعه عامر بقراره الحاسم:

-احنا لازم نكتب الكتاب في أقرب وقت...

لم يعلق أحدهم، واستمر الصمت حتى وصلوا وجهتهم. وما أن ارتجلوا من السيارة حتى دلف كلٌّ إلى بيته...

رددوا

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم 🌸 

********

وفي شقة تقى، مجرد أن وضعت حقيبتها جلست على الأريكة لتهاتف خالها «البدري» أخبرته بكل شيء جرى بنبرة مختنقة خائفة. فاجأها برده أنه سيأتي في أقرب وقت وطلب منها أن تترقب وصوله....


لم يخبره أحد بحالة بدر وما أصابه، لذا خشيت تقى من تسرعها، وإخباره باقتحام أفراد الشرطة المنزل ليلة البارحة...


 وحين رأت سراب شرودها قالت:

-أنا هطلع أقول لبدر.


-اصبري هاجي معاك.

وضعت «تقى» الحجاب على رأسها وصعدتا معًا، لم تكن سراب تريد إلا رؤية عمرو وإخباره بما حدث، علها تطمئن، فهمت وشعرت بضعف تقى عندنا كانت أصابعها تتشبث بذاك الشريط الأحمر الذي يوصلها لعامر.

يا ليتها كانت بينها وبين عمرو نفس الرابطة! يا ليت علاقتهما كانت كعلاقة تقى وعامر! أو ليتهما كانا يتعاملان برسمية وجدية لكانت فكرت في أمره، ولربما فكرت فيه كزوج، أو ليته كان شقيقها! 

كم تحتاجه الآن! تريده جوارها رغم الحواجز الشاهقة التي تفصل بينهما...


كادت تتراجع وتنزل الدرج كي لا تراه حتى لا يحيي حنين قلبها مجددًا، حتى لا تنجرف إليه مشاعرها التي كبحتها بلجام متين... لكنها وحين تلتقيه يكفي سهم واحد من نظراته ليقطع ذلك اللجام فتسيل مشاعرها وتفوح رائحتها...


                   وعلى الصعيد الأخر 

كان «بدر» يتناول الإفطار على مهل بينما يصغي لحديث «عمرو» الذي روى له ما حدث بالأمس، ثم تابع «عامر» سرد تفاصيل ما جرى في قسم الشرطة، بدأ متحمسًا وهو يفصح عن رغبته العارمة بعقد قرانه على تقى في أقرب وقت حتى أنه حدد الميعاد بعد ثلاثة أيام، أو سبعة على الأكثر...


توقف بدر عن المضغ وقال:

-جدي هو ولي تقى يعني المفروض يا نسافرله ونكتب الكتاب هناك يا يجي هو... ولأنه مش هيقدر يجي فاحنا هنروحله...


رفع عمرو حاجبيها قائلًا باستنكار:

-هنسافر المسافه دي كلها تاني!


أومأ بدر مؤكدًا، ثم نظر إلى عامر وقال:

-وأهو تبقى حققت رغبة تقى وفي نفس الوقت نغير جو من اللي بيحصلنا ده... ولا ايه رأيك يا عمرو؟


تنهد عمرو بتفكير ثم قال مقتنعًا:

-أمممم، معاك حق...


لم يكد عمرو ينهي كلمته حتى ارتفع رنين هاتف بدر وحين أجاب أتاه صوت جده يخبره أنه يُعد العُدة وسيأتي في قطار اليوم، اتسعت أعين بدر في دهشة فجده لم يبرح مكانه لأكثر من عشرة أعوام وها هو اليوم يقرر المجيء بكامل عزمه وإرادته، حاول ردعه خوفًا عليه لكنه لم يُفلح أبدًا...

ارتفع طرقٌ على الباب، فنهض عمرو على الفور...


وبالخارج ترددت سراب قليلًا قبل أن تطرق الباب، وما أن فتح عمرو، عادت خطوة للخلف بينما حياه تقى، واتجه إليهم عامر مع بدر...


قالت تقى بارتباك وهي تلمس طرف حجابها:

-خالي هيجي هنا!


التفت «عامر» إلى «بدر» الذي أطرق بصره للحظة قبل أن يجيب بصوت خافت:

-أيوه، وأنا لسه مقولتلهوش حاجه عن اللي حصل لي...

تبدلت ملامح تقى إلى الأسف وقالت وهي تخفض رأسها:

-أنا آسفه مكنش المفروض أحكيله قبل ما أرجعلك.


ابتسم بدر ابتسامة دافئة، وقال:

-لا إنتِ عملت الصح، جدي واحشني أوي ونفسي أشوفه.

كانت سراب تقف في الخلف صامته تتابع الحديث دون أن ترفع بصرها، لاحظ عمرو شرودها فسألها مباشرة:

-إنتِ كويسه يا سراب؟

لم تنظر إليه بل ردت بجفاف وهي تشيح بوجهها: 

-الحمد لله.

ثم وجهت حديثها لبدر قائلة باهتمام:

إنت عامل إيه دلوقتي يا بشمهندس؟


أومأ بدر قائلًا بهدوء:

-الحمد لله أحسن، سامحوني لأني امبارح مكنتش معاكم.


-أهم حاجه إنك بخير... 

قالتها سراب بابتسامة دافئة ورقة غير متكلفة، كانت كلماتها عادية ولكن حملت معها نيرانًا اشتعلت في صدر عمرو، كيف يمكنها أن تبتسم لـ بدر بهذا الدفء وتحدثه بكل هذه اللباقة بينما لا يرى هو منها إلا الجفاء، والحدة، شعر بغيرة لم يستطع كبحها فاستدار مبتعدًا، جلس وتظاهر بانشغاله مع هاتفه، ليهرب من هذا الشعور الذي يعصف به.


وبعد انصرافهما

عاد «بدر» يجلس قبالة «عمرو»، ويحلل معه ما حدث لهم بالأمس، فنهض عمرو واقفًا متجاهلًا الحديث وقال ببرود:

-أنا عندي شغل... سلام...


غادر عمرو بسرعة تاركًا بدر ينظر لأثره ومكانه الفارغ بحيرة، التفت إلى عامر الذي يجمع الأطباق من فوق المائدة، وقال: 

-هو أخوك ماله؟ 


هز عامر كتفيه بجهل، فزفر بدر بضيق وأخذ يدعو  يصل جده بخير...

صلوا على خير الأنام 🌸

                     ★★★★★★

خرجت «تقى» إلى عملها تبحث عن مهرب من أفكارها المتلاحقة بينما بقيت سراب في شقتها، تهرب إلى النوم عله ينتشلها من دوامة التساؤلات والافتراضات التي تنهش عقلها، كانت تشعر وكأن هناك ثقلًا رهيبًا يجثم على صدرها، يضغط على أنفاسها، يمنعها من التفكير بوضوح...


حتى «عمرو» باتت رؤيته تؤرقها، عليها أن تعترف ولو بين نفسها أنها فُتنت بذلك الشاب، نعم تعترف وهي بكامل قواها العقلية أنه... وبكل أسف قد شغفها حبًا. 


سالت دموعها، على الوسادة وهي تسأل قلبها لمَ؟ لماذا عمرو؟ ماذا رأت فيه لتنجذب له بتلك الطريقة؟ وهل كانت بحاجة للوعة الحب لتزيد من عذابها؟! وهي التي تغرق في مشاكل لا حصر لها... والأسوأ أنه قد يكون حبًا من طرف واحد.


حاولت دفع الأفكار بعيدًا لكن عقلها كان يعيدها مرارًا وتكراراً حتى جذبها النعاس، نامت طويلًا، نهار كاملًا حتى كادت الشمس أن تغيب...


*******

وعندما عادت تقى للمنزل وجدت المكان غارقًا في سكون غريب، نادت على سراب فلم تسمع ردًا، دفعت باب غرفتها برفق فراتها نائمة تأملتها بعمق، ملامحها تبدو مرهقة رغم السكون الذي يكسوها، لم تشأ ازعاجها فاتجهت إلى غرفة أخرى واستلقت قليلًا وعاد السكون يخيم على الشقة...


*******

رنّ جرس الباب فجأة، ففتحت سراب جفونها ببطء، قبل أن تنهض على مضض، ولا تزال آثار النوم على عالقة بوجهها. نظرت إلى الساعة... تخطت الثانية عشر منتصف الليل؟ شهقت بدهشة! هل نامت كل هذا الوقت؟!


تقاطعت خطواتها مع تقى التي خرجت من الغرفة المجاورة، تبادلا النظرات في فزع...


كان الجرس لا يزال يدوي، ومعه طرقات متتابعة، ومن الخارج، جاء صوت جهوري ينادي:

-سراب... تقى...

اتسعت عينا تقى، وهتفت بصدمة:

-يا خبر أبيض! ده خالي!

أسرعت تقى نحو الباب وفتحته لتجد البدري واقفًا بكامل هيبته.

كان يرتدي جلبابًا بلدياً نظيفًا، وعلى رأسه عمامة بيضاء، يتكئ على عصاه المعتادة ومن خلفه، وقف بدر، وعامر، وعمرو، لكنهم لم يدخلوا الشقة بعد.

لم تتمالك تقى نفسها، ألقت بنفسها في أحضانه، وأطلقت العنان لدموعها وهي تخفي وجهها في صدره، وكأنها تبحث عن الأمان بين طيات عباءته. كانت تشم فيه رائحة والدها الغائب، رائحة الأمان الذي افتقدته طويلًا...


بعد دقائق من الترحيب الحار، جلسوا جميعًا في غرفة المعيشة، بينما كان عمرو يراقب سراب من حين لآخر، لكنها تجنبت النظر نحوه تمامًا.


شعرت سراب بنظراته تخترقها، فنهضت تعد مشروبًا ساخنًا بعدما رفض البدري تناول الطعام...


دخلت سراب المطبخ وأعدت صينية الشاي.


وحين خرجت بها، تحرك بدر بسرعة وأخذها منها قبل أن تتمكن حتى من رفع عينيها.

-شكرًا.

قالتها بابتسامة خفيفة، دون أن تلتقي نظراتهما، فاومأ بدر بابتسامة كانت كافية لإشعال نار الغيرة في صدر عمرو مجددًا...


أطبق عمرو أسنانه بقـ ـوة، يشعر بغضب غير مفهوم يتسلل إليه، لا يدري لماذا يُثيره هذا المشهد؟


قطع عامر الأجواء المتوترة وهو يبتسم للبدري قائلاً:

-كنا عايزين نكتب الكتاب، يا جدي... ولا أقول يا خالي ولا إيه؟


ضحك البدري وقال بحنان:

-قول اللي إنت عايزه يا عامر... المهم، عايز تكتب الكتاب إمتى؟


طاف عامر بنظراته بين الجميع، ثم حسم الأمر:

-بعد ثلاثة أيام... كويس؟


التفت البدري إلى تقى وسألها بنبرة هادئة:

-وإيه رأي العروسة؟


احمرّ وجه تقى، وأطرقت رأسها بحياء قبل أن تهمس متلعثمة:

-عادي... ماشي... تمام.


ابتسم البدري ابتسامة متفهمة، بينما بدّل نظراته بين سراب وبدر، واتخذ قرارًا صامتًا بدا واضحًا في ملامحه الحازمة...

ران عليهم الصمت، ولم ينبس «عمرو» ببنت شفه منذ جلوسه كان يراقب الأحاديث في شرود، لكن عينه لم تتوقف عن التردد بين بدر وسراب.


رغم أن كلاهما بالكاد نظر إلى الآخر، ورغم أنهما لم يتبادلا حتى النظرات المباشرة، إلا أن شيئًا بداخله كان يشتعل، وكأنه يشعر بالعاصفة القادمة...


نهض عمرو فجأة، دون أي مبرر، وقال بنبرة جاهد لخروجها طبيعية:

-الوقت اتأخر، تصبحوا على خير.


لحق به عامر، لكنه توقف ليلتفت إلى البدري ويأخذ منه كلمة مؤكدة:

-إن شاء الله أكلم الجماعه ونحدد حفل كتب الكتاب في أقرب وقت. 


هزّ البدري رأسه موافقًا، بينما غادر عمرو دون أن يلتفت خلفه، وقد حاصرته أفكار لا يستطيع فهمها، وأحاسيس لم يكن يريد أن يعترف بها...

******

وبعد انصرافهما

اخذ البدري يحدّق في حفيده بدر، عينيه تتفحصان الكدمات التي شوهت وجهه، ثم قال بصوت هادئ لكنه نافذ:

-محكتليش ليه في مكالمتنا عن اللي حصلك ده؟


لم يرفع بدر بصره، اكتفى بهز كتفيه قليلًا قبل أن يرد بنبرة خافتة:

-مكنتش عايز أقلقك يا جدي.


ساد بينهم صمت ثقيل، كأن كل واحد يبحث عن الكلمات المناسبة ليكسره، حتى جاء صوت الجد فجأة، يحمل نغمة متفحصة:

-سراب، إيه رأيك في بدر؟

رفّت أهدابها بارتباك، لم تفهم قصده على الفور، فابتسمت بتكلف دون أن تنظر إلى بدر، ظنّت أنه يسأل عن رأيها فيما حدث مع بدر، وإخفاءه عن جده...

لم تكن تملك إجابة واضحة، فاسترسل البدري بلهجة أكثر وضوحًا:

-بصيله كده يا سراب، وقوليلي رأيك.


تقلّصت أصابعها حول طرف ثوبها، وأجبرت نفسها على إزاحة بصرها ببطء نحو بدر.

كان وجهه مرهقًا، الكدمات متناثرة على بشرته الشاحبة، لكنه ظلّ متماسكًا، صلبًا... 


للحظة، شعرت بشيء يشبه الحرج، خشيت أن يرى بدر في نظراتها ما لم تقصده فأشاحت وجهها...

أما بدر، فحين التقت عيناه بعيني جده استشعر نيته،  فأطرق للحظة ثم رفع رأسه طوعًا له لينظر لسراب، تبادلا النظرات بضع ثوانٍ، لكنها بدت وكأنها دهور.

لم يشعر خلالها بدر بشيء! لا ارتجافة قلب، لا اضطراب نفس، لا شيء مما كان يجتاحه حين يلمح حتى طيف رغدة... كان هذا كافيًا ليحسم الأمر داخله، وأشاح بصره عنها، وهو يفكر كيف سيرفض؟ كان ينتقي كلماته المناسبة؟


 سراب لا تليق به وهو لا يليق بها، يشعر أن عمرو يكن لها مشاعر نقية يكبحها لكنها ستطفو على سطح قلبه يومًا ما...


أخرجه من خضم أفكاره صوت جده الحازم:

-أنا شايف إننا نكتب كتابكوا مع تقى وعامر؟


هبّت سراب واقفة، كأن الكرسي تحتها اشتعل نارًا، واتسعت عيناها بصدمة:

-مستحيل طبعًا! أنا أصلًا مش عايزة أتجوز!


بدر أيضًا لم يخفِ رفضه، فردّ بنفس الحزم:

-وأنا كمان بالنسبالي لسه بدري يا جدي، مبفكرش في الجواز دلوقتي.

لكن البدري لم يتراجع، أسند كفيه إلى عصاه، وألقى نظرة متفحصة عليهما قبل أن يقول بهدوء نافذ:

-صلّوا استخارة وردّوا عليا... ودا رجاء مني يا بدر، ورجاء مني ليكي يا سراب... أنا عايز أطمن عليكي.


-بس يا جدي...

كادت سراب أن تعترض مجددًا، لكن الجد رفع يده قاطعًا أي محاولة للجدال:

-من غير "بس".


أنهى كلماته بنبرة صارمة، ثم نهض مستندًا إلى عصاه، فسيمكث بشقة بدر، رغم اعتراض تقى إلا أنه أصر على ذلك.


تحرك بدر بسرعة ليأخذ بيده ويساعده على الصعود، وبقيت سراب في مكانها، مشدوهة، غاضبة، مرتبكة...


ما إن أغلق الباب خلفهما حتى انفـ جر شلال كلماتها:

-هو فاكر نفسه مين عشان يتحكم في حياتي؟! أنا مش هتجوز!


اقتربت منها «تقى»، أمسكت يدها برفق وحثّتها على الجلوس، ثم زفرت بعمق قبل أن تقول بهدوء:

-لو فكرنا بعقل، هنلاقي خالي معاه حق... بدر شخص مفيش زيه يا سراب، دا إنتِ المفروض تدعي ربنا إن هو اللي يوافق عليكِ.


قطّبت سراب جبينها، وصوتها يهتز من فرط المشاعر المكبوتة:

-أنا مش عايزة أتجوز أصلًا!

قالتها وهي تضغط على كل حرف وكأنها تحاول إقناع نفسها قبل الآخرين. 

ازدادت أنفاسها اضطرابًا، فصمتت تقى للحظات وهي تراقب ارتعاش كتفيها، ثم ربتت على يدها قائلة:

-عمرو عصبي جدًا، وانتوا مش بتتجمعوا في مكان إلا لما تتخانقوا، إنتِ وعمرو متنفعوش لبعض يا سراب.


كأن سهمًا أصاب صدرها مباشرة، قفزت من مكانها هادرةً بانفعال:

-ومين جاب سيرة عمرو دلوقتي؟! بقولك أنا مش عايزة أتجوز أصلًا، لا بدر ولا عمرو ولا حد...


نهضت تقى ببطء، وابتسمت ابتسامة خفيفة رغم التوتر، ثم قالت بمزاح:

-صلّي استخارة قبل أي قرار... بدر راجل، محترم، وسيم، عنده عضلات كمان!


كانت تحاول تهدئتها ببعض المرح، لكن سراب لم تبتسم. رمقتها بنظرة قلقة، قبل أن تهمس بحسم:

-أنا مش هصلي استخارة! والصبح تقولي لخالك إني مش هتجوز حد...


ثم هرولت نحو المرحاض، أغلقت الباب بسرعة، وأخذت ترشّ الماء على وجهها، لكن الماء لم يطفئ الحـ ـريق المشتعل داخلها.


كانت عبارة تقى تتردد في رأسها بلا توقف:

"إنتِ وعمرو متنفعوش لبعض."


ورغم أنها لا تنكر ذلك إلا أن كلمات تقى هزت كيانها، شعرت وكأن الحقيقة سقطت على كتفيها كجبل ثقيل. وما زاد الطين بلّة هو برود عمرو، وكأنه لم يرها طوال الجلسة، يتتجاهلها تمامًا، وكأنها لا تعني له شيئًا...


إذا كان عمرو لا يهتم، فعليها أن تنزع قلبها منه بالقــوة. عليها أن تقتـ ـل هذا الشعور المعلّق في الهواء منذ البداية...

لكن هل الحل هو الزواج من بدر؟

هل يمكن أن تحبّه يومًا؟

هل الحب يأتي بعد الزواج؟

كل شيء ممكن، أليس كذلك؟

لكن لمَ تشعر أن قلبها يرفض الفكرة تمامًا؟ لكنها ستحاول....

استغفروا🌸

                      ★★★★★

دخل «نادر» غرفته، ألقى بجسده على الفراش، وأغمض عينيه لحظة، كأنما يريد أن يسكن قلبه كما سكن جسده.

 في بيته، وسط جدرانه الصامتة، كان يجد الأمان الذي لم تهبه له الأضواء ولا التصفيق.


ذاق طعم الشهرة، لمس بريقها ولمسته، عندما كان يمشي في الطرقات تتبعه العيون، تُشير نحوه أصابع مألوفة وغريبة، تلاحقه الهمسات، بعضها إعجاب، بعضها حيرة، وبعضها حقد لا يُقال. 


كان اسمه لازال بقلم رصاص في هذا المجال وها هو سارع يمحوه ليخرج من مستنقع العبث...


تذكر حين دخل مقهى في هذا المساء ليحتسي قهوته، فوجد النظرات تلتهمه، بين من يبتسم له، ومن يطلب صورة، ومن يراقبه في صمت...


لكن الكلمة التي ظلت تتردد في ذهنه كانت قول أحدهم:

"هو ده الممثل التائب."

فقبل شهور كانوا يرفعونه إلى السماء باسم التمثيل، واليوم يرفعونه باسم التوبة، ضحك داخله بمرارة، عجيبٌ أمر البشر يعلم يقينًا أن هناك من لا يعجبهم هذا التحول، ومن يرفضون سقوط نجمٍ كان يضيء مجالهم... لا بأس، يكفي أن هذا يرضي الله، فإذا رضي الله هان سخط الخلق.


كان هناك شيئًا آخر يشغل ذهنه... منذ أن علم بما حدث لـ«بدر»، وهو يحدّث نفسه أن يذهب إليه، يتعرف عليه، ربما يسنده، ربما يسند صاحبيه «عمرو» و«عامر». 


نعم، سيذهب صباحًا، وسيخرج أيضًا في بث مباشر ليتحدث عما حدث معهم، فالمواقف لا تكون بالكلمات وحدها.


فتح هاتفه، رأى إشعارات جديدة، عشر رسائل أخرى من «سارا»!


زفر ضاحكًا بسخرية، لم يكن هذا حبًا، لم يكن شوقًا. لقد دفعتها الشهرة نحوه مجددًا.

منذ أن انتشر آخر فيديو له وجمع ملايين المشاهدات، وهي تحوم حوله كفراشة لا تبحث عن الضوء بل عن النار.


خرجت في أكثر من فيديو تتحدث عنه، تزعم أنه سيعود، تؤكد أنها مسألة وقت، بل جعلته تحديًا بينها وبين جمهورها.


قال بمرارة:

"فلنرَ من سيربح الرهان!"


يا لها من لعبة رخيصة...!

أغلق هاتفه بإحكام، وكأنما يغلق على ماضٍ لا يريد أن يتسلل إليه مجددًا. أسدل جفونه، وأخذ يستغفر، يسترجع، يحاسب نفسه على كل ذنب، على كل خطوة ضل طريقه فيها. 

لا يزال قلبه يئن من الندم... كيف ضلّ هكذا؟ كيف كان شكره لله على معجزة عودة سمعه هو أن يبتعد عنه؟!

"يـــــــارب، سامحني.."

ظل يرددها، يسبّح، يستغفر، حتى غلبه النوم... نومٌ هادئ لم يذقه حين كان في مستنقع الضلال، كأن صدره قد تحرر من حملٍ ثقيل.


استيقظ مع الفجر، شعر كأن الليل مرّ سريعًا، لم يشعر به، لكنه أدرك الحقيقة التي يتجاهلها الجميع:

"من يريد الليل أن يطول، يطلع عليه الفجر سريعًا... ومن ينتظر الصباح، يطول عليه الليل كأنه الدهر كله..."

نهض يصلي بالمسجد

وأول ما فعله بعد الصلاة، أمسك هاتفه، فتح الكاميرا، وبدأ في تسجيل فيديو جديد بعد غياب...


هذه المرة لم يكن يعنيه التفاعل، لم يكن ينتظر عدد الإعجابات أو التعليقات، كان يريد فقط أن يتحدث، أن يعبّر عن ما يختلج في قلبه.


لكن على عكس توقعه... انهالت المشاهدات، التعليقات، التفاعل كان ضخمًا كما لو أنه لم يغب يومًا!


تأمل الشاشة للحظة، شعر برعشة خفية تسري في صدره...

ردد بصوت مرتجف:

"يارب، إن كانت هذه فتنة، فانتشلني!"


أجل، ففيض العطاء قد يكون فتنة، وقد يُمنع عنك شيء لحكمة لن يفهمها عقلك محدود الإدراك...


استغفروا ♥️ 


                    ★★★★★★

جلس «رائد» قبالة زوجته في الشرفة، يراقبها بصمت وهي تردد أذكار الصباح بصوت خفيض، تتمايل خصلات شعرها مع نسيم الفجر، فتبعث في قلبه راحة لا توصف.

 اقترب منها، طبع قبلة دافئة على جبينها، وهمس:

-صباح الورد يا دودو... قاعدة كده في البلكونة مش خايفة حد يشوفك؟


لم تفتح عينيها، فقط ابتسمت وهي تواصل همساتها الروحانية، ثم ردّت برقة:

-ما تقلقش، أنا مش طويلة أوي عشان اللي قصادنا يشوفوني...

ضحك بخفوت، ثم أسند رأسه إلى الكرسي وأخذ يتأملها وهي تغمض عينيها، تستشعر كل حرف من الأذكار كأنها تتنفس به. 

لا تزال جميلة، وجهها يشع نضارة، والحمرة تتسلل إلى بشرتها مع أولى نسمات الصباح.


 فجأة، رفعت عينيها والتقطت نظراته فسألته وهي تميل برأسها قليلاً:

-تبصلي كده ليه؟

-أصل أنا جعان... وعايز أشرب قهوة.


ضحكت وهي تشير إلى عينيها ثم إليه، كأنها تقرأ أفكاره قبل أن تنهض بخفة:

-طيب، حاضر يا سيدي، بس على شرط...


رفع حاجبه بمكر:

-شرط؟!

-تفضل مستني هنا على ما أجيلك.

-ما أنا كنت ناوي أعمل كده أصلًا.

قالها وغمز لها فغمزت له وهي تختفي داخل المطبخ، فعاد يُطالع السماء، يراقب الصباح وهو ينتزع خيوط الليل رويدًا، تمامًا كما كانت زوجته دومًا تنتزع من داخله كل تعب وكل همّ.


بعد دقائق

 عادت تحمل صينية الإفطار، جلست خلف ستارة أسدلتها لتحجب النصف السفلي من الشرفة، وتناولا الطعام وهما يتبادلان النظرات والضحكات وكلمات الدلال التي لا تملّ منها.


بعدما انتهيا، نهض «رائد» ليعدّ القهوة بنفسه، وحين عاد بفنجانين، جلس بجوارها، وتأمل صفحة السماء التي بدأت تكتسي بلون الفجر الصافي.


-يا لها من سَدَفة رائعة...

قالها وهو يتنهد براحة، ردّت بابتسامة وهي تحتسي قهوتها على مهل.:

-حقًا! إنها سَدَفة نهار رائعة يا زوجي العزيز...


أنهى «رائد» فنجانه، فأخذته «نداء» من يده وتأملت داخله بتمعن.


رفع حاجبيه بدهشة:

-بتعملي إيه يا نداء؟!

ابتسم وهو يراقبها، يعلم أنها لا تؤمن بتلك الخرافات، لكنها فقط تحب أن تداعبه، وهي تعلم أنه لن يمانع أن يتركها تعبث بقهوته... كما تعبث بقلبه منذ سنين.


أجابت، وهي تحملق في بقايا القهوة بحماس طفولي:

-هقرالك الفنجان.

-لا والله!

-بص بقا يا سيدي أنا شيفاك داخل مطعم، مرسوم عندي هنا سمكه يبقا مطعم سمك.


استنشقت رائحة الهواء وهي تُغلق جفونها وارتسمت على شفتيها ابتسامة عذبة، وهي تقول:

-الله على الريحة...


استنشق رائد الهواء وغضن جبينه قائلًا باستغراب:

-ريحة ايه؟!


قالت وهي تحدق بداخل الفنجان:

-ريحة السمك فظيعه، شيفاك أهوه ظاهر قدامي معاك كيستين واحده فيها كيلو ونص مشوي والتانيه كيلو ونص سنجاري.


استند «رائد» للخلف وهو يقول:

-ريحي نفسك أنا مش جايب سمك يا نداء اطبخيلنا من ايدك النهارده.

ثم سحب الفنجان من يدها، فقالت وهي تشير لنفسها بصدمة:

-وتطلعني كـ ـدابه يا رائد...

-آه عشان لا يعلم الغيب إلا الله فإنتِ كـ ـذابه يا روحي.

-ماشي بس والله ما هطبخ يا رائد...


سحب فنجان القهوة الخاص بها من فوق الطاولة، حدق بداخله لبرهة ثم قال متظاهرًا بالجدية:

-أنا شايفك قدامي أهو واقفه في مكان وقدامك حاجه منوره، إيه ده قدامك بتوجاز...


استنشق رائد رائحة الهواء وقال:

-شكلك بتطبخي، شامم ريحة فراخ مشوية...


سحبت الفنچان من يده وقالت بنزق:

-مش هطبخ يا رائد... وبطل كذب لا يعلم الغيب إلا الله.

-ونعم بالله.


قالها بابتسامة ورأى علامات الإمتعاض تتمشى على وجهها، فقال معاتبًا:

-إنتِ مبقتيش تطبخي وعايزه طول الوقت أكل جاهز.


-على فكره أنا ليا ظروفي الخاصة... أنا مشكلتي كلها إن خيالي واسع يعني مثلًا امبارح التلاجه كان فيها ثمرتين فقط من الطماطم وأنا محتاجه واحده، سمعت صوت الطمطمايه اللي سيبتها لوحدها بتعيط والليمون بيقولولها متزعليش احنا جنبك إن شاء الله ربنا يعوضك خيار، يقوم الخيار قايل متقلقيش أنا هنا لو احتاجتيني في أي وقت وربنا يجمعنا أنا وإنت في طبق سلطه واحد، وفجأة يلاقوا ثمرة فلفل حزينه، ويقول الفلفل بأعلى صوته سيبوها تعيط أنا حاسس بيها أصحابي كلهم سابوني امبارح، عشان كده يا حبيبي مبقتش أقدر أطبخ.


-سبب مقنع جدًا الصراحه، أنا كده فهمت إنتِ محتاجه إيه، إن شاء الله يا قلبي أملالك التلاجه النهارده عشان لما تاخدي طمطمايه الباقين يتونسوا ببعض.

غمز لها «رائد» وهو ينهض بكسل، يتمطّى قائلاً بمزاح:


-مضطر أسيبك بقى، عندي جيم مع عمرو... الواحد محتاج يحافظ على لياقته.


رشقته «نداء» بنظرة متهكمة، فأردف بمكر:

-طيب خلاص، متزعليش يا دودو، هأكلك سمك، هجيب لينا وللجماعة.


قفزت نحوه، تطوق عنقه بذراعيها، وهمست بدلال:

-إنت أحسن زوج في الدنيا.


ضحك وهو يضغط على أنفها برفق:

-ما أنا عارف...

                     ★★★★★

دخل «رائد» إلى الصالة الرياضية ليجد «عمرو» و«عامر» يتجادلان بحدة، بينما تتطاير النظرات بينهما وكأنها طلقات نارية.


-فيه إيه؟ مالكم؟!

 قالها رائد وهو يرفع حاجبيه مستغربًا.


ابتسم «عامر» ابتسامة ماكرة وردّ بلا اكتراث:

-مفيش حاجة، بنهزر... بس إيه الخطوة السعيدة دي، جاي الجيم بدري كده!


ضحك «رائد» وهو يمدد ذراعيه:

-حاسس إني طلعلي كرش، محتاج أتنطّط شوية.


قهقه «عامر» ساخرًا:

-خلي بالك، مراتك تزعل لو بطنك كبرت.


التفت «رائد» نحو «عمرو»، فوجده صامتًا، منهمكًا في تمارينه بعصبية واضحة، كأن يده تضرب الأوزان بقوة أكبر من المعتاد.


 لم ينطق عمرو بكلمة أخرى، فقط يركض على جهاز المشي بوتيرة متزايدة، وكأنه يحاول الهروب من شيء ما.


لم يفوّت «عامر» الفرصة، فأردف بلهجة متخابثة بعدما رمق عمرو بنظرة سريعة:

-على فكرة، تقى قالتلي إمبارح إن خالها عرض إن بدر وسراب يكتبوا كتابهم معانا.


توقّف «عمرو» لحظة، وكأن الكلمة صفعت روحه، ثم زاد من وتيرة ركضه أكثر، حتى كاد صوت الجهاز يطغى على كل شيء.


قال «رائد» بإعجاب:

-ما شاء الله، بدر إنسان رائع، وسراب بنت جدعة، تستاهل واحد محترم زيه.


قطّب «عمرو» جبينه، وكاد العرق يتصبّب من جبينه...


التفت إليه «رائد» وقال بقلق:

-إنت كويس؟!

لم يجب «عمرو»، فقط أومأ وزفر بضيق، ثم تابع التمرين بصمت قاتم.


مر الوقت

خرج الثلاثة عند الثامنة صباحًا، افترق كل منهم في طريقه، بينما استلمت «نداء» عملها، فقد بدأت الفتيات يتوافدن إلى الصالة الرياضية.


أما «عمرو»، فوقف أمام صالون التجميل الخاص بـ«سراب»، يحدّق بالباب المغلق، يتساءل إن كانت قد أغلقت المكان بالفعل كما قالت.


تجاهلها طوال الفترة الماضية، لم يَفِ بوعده لها، لم يساعدها كما وعد... وكأنه أراد معاقبتها رغم أنه لا يعرف على ماذا بالضبط.


كاد يدير ظهره لولا ظهورها المفاجئ...

 

نظرت سراب نحوه سريعًا، كأنها لم تتوقع وجوده، ثم ألقت السلام بجفاء، وردّ عليها دون أن يحيد ببصره عن وجهها، ولم تعهده هي هكذا!


وقف جوارها للحظات، ثم تحرّكت شفتاه أخيرًا بعد صمت مرهق:

-هتتجوزيه؟


قطّبت حاجبيها وصمتت، كأن السؤال نزل عليها كالصاعقة، فكرر سؤاله.


-هو مين ده؟

قالتها ببرود متعمّد.


ودون أن يشيح بصره عنها وكأنه يلتمس الجواب من ملامحها، قال:

-بدر.


ضحكت ضحكة خفيفة ساخرة، ثم قالت دون أن تنظر إليه:

-وإنت مالك بتسأل ليه؟


استفزّه ردّها، فاندفع إلى داخل المحل وراءها، ليقول بنبرة تحمل مزيجًا من الغضب والإنكار:

-طالما هتتجوزي، يبقى إحنا محتاجين نحطّ النقط على الحروف.


-نقط إيه وحروف إيه؟!

قالتها بحدة، وهي تضع مفاتيحها على الطاولة بعصبية.


-نفصل الشراكة في الجيم.

قالها بهدوء مصطنع، رمقته بنظرة مذهولة، كأنها لم تفهم ما العلاقة، فسألته بسخرية:

-إيه علاقة ده بجوازي؟!


أدار وجهه جانبًا، وكأنه يحاول ضبط أعصابه، ثم قال بحسم:

-هو كده! عايزة تاخدي الجيم كله، خديه... عايزة تسيبيه، هدفعلك فلوسك... فكّري وردّي عليا.


تحدّته بنظرة طويلة، ثم قالت ببرود قاتل:

-ماشي يا عمرو، حاضر.


قبل أن ينصرف، رمقته بنظرة سريعة، ثم قالت بصوت خافت، لكنه كان كافيًا ليصل إلى أذنه:

-قولتلي هتعمل حاجة في موضوع البيوتي سنتر، واستنيتك... وما عملتش حاجة، ولا حتى سألتني عنه تاني.


أدار وجهه نحوها، عيناه تضيقان بغضب مكبوت، ثم قذف الكلمات كطلقات نارية:

-بقي خلي بدر يعملّك!


استدار خارجًا، يدفع الباب بعنف، قبل أن يتمتم بين أسنانه بغضب:

-مستفزّة!

                   ★★★★★

استمر عمرو بتجاهلها، لا يسأل عنها ولا يجلس مع أسرته، ويحاول التفلت من سطوة مشاعره تلك...


وفي الليلة التي تسبق يوم عقد القران...

 

دخل «عمرو» إلى المنزل متأخرًا، ليجد الجميع مجتمعين، «تقى» و«سراب» مشغولتان بالتحضيرات، والفرحة تعلو الوجوه.

 قلبه ارتجف، هل سيكون عقد قران «سراب» و«بدر» أيضًا غدًا؟!

حانت منه نظرة خاطفة نحوها، كانت تبتسم، تضحك وهي تتحدث مع «هيام»، بدا على وجهها التألق... كأنها سعيدة فعلًا.

بالطبع، فهي عروس!


ضغط على أنامله بقوة حتى كاد يشعر بأظافره تخترق راحة يده.


جذبته «وئام» من ذراعه، وقالت بمرح:

-وإنت بقى؟ مش ناوي نفرح بيك؟!


شعر وكأن الجملة سقطت على رأسه كالصاعقة... لكنه فقط ابتسم ابتسامة جافة، دون أن ينطق بحرف.

لكزته «وئام» بمرفقها، وهي تقول بمكرٍ:

-رد عليا يَلَه.


رفع حاجبيه قليلًا، ثم زفر ببطء، وكأنه يحاول طرد أفكار لا يريد لها أن تخرج للعلن، وقال بصوت خافت لكنه حازم:

-انسوني شوية... مش بفكر في الجواز دلوقتي.

تبادلت «وئام» و«هيام» نظرات ذات مغزى، قبل أن تبتسم الأولى وتقول بمرح:

-طيب، عندي اقتراح! لما تحب تفكر، يبقى تختار ما بين رغدة ورحمة، عشان عمو ضياء ميزعلش!

تجمّدت ملامحه للحظة، ثم تنفّس ببطء، وكأنه يوزّن كلماته، وقال بفتور:

-إن شاء الله... لما أبقى أفكر.

انشغل الجميع بالحديث عن الحفل وما سيفعلونه غدًا، كانت الضحكات تتعالى، والحماس يملأ الأجواء... إلا هو.

لم يستطع منع نفسه من النظر إلى سراب خلسة، تُرى... هل هي سعيدة حقًا؟ هل هذا الضيق  يعتصره وحده أم أن هناك شرخًا صغيرًا في بهجتها؟ حدّق فيها بتمعن... حسنًا، تبدو مبتهجة.

شعر بوخزة غامضة في صدره، مزيج من الغضب واللا مبالاة المفتعلة.

هبّ واقفًا فجأة ودخل غرفته دون استئذان، مما دفع الجميع للتساؤل بشأنه.

قطّبت «وئام» جبينها وقالت بخفّة:

-أكيد متضايق عشان عامر هيسيبه...

لكن «سراب» لم تشاركهم الضحك. كانت ترمق الباب المغلق بين الحين والآخر، كأنها تنتظر خروجه، أو ربما تنتظر منه شيئًا آخر...

تجاهلها تمامًا، حتى أنه ألقى السلام على «تقى» ولم يُكلّف نفسه عناء النظر نحوها.

تسارعت دقّات قلبها قليلًا، تساءلت مع نفسها:

"هل تسرعت في قراري؟ أم أنه القرار الصحيح؟"

                       ★★★★★★

في صباح يوم جديد...


العاشرة صباحًا.

اليوم يحمل معه حدثًا سعيدًا، بهجة تُوزّع بسخاء على الجميع.

دخلت «تقى» غرفة سراب فرأت فستانين مُعلّقين على الدولاب، أحدهما أبيض بسيط وأنيق يخصّها، والآخر مُطرّز بحبّات اللؤلؤ والورود، يخصّ سراب. كانت قد رسمت تصميمه بنفسها، والآن خرج كما تمنّت تمامًا...

اقتربت من الفراش وهزّت «سراب» برفق قائلة:

-يلا قومي، ورانا شغل كتير!

تمتمت «سراب» بخمول دون أن تفتح عينيها:

-سيبيني ساعة كمان وخمس دقائق، منمتش طول الليل...

-ولا ساعة ولا خمس دقايق، قومي!

وقبل أن تردّ، قُرع جرس الباب، فزفرت «تقى» بضجر وخرجت تتمتم متذمّرة من تلك الفتاة الكسولة...


**********

حين فتحت تقى الباب، ظهر «البدري» أمامها، فابتسم قائلًا:

-إيه يا عروسة! سيباني على الباب ساعة على ما تفتحي؟!

ضحكت بخجل، وقبل أن تردّ، استطرد بمكرٍ محبّب:

-ماشي، من حق العروسة تتدلّع.

دلف إلى الداخل وضمّها بحنان أبوي، فتمسّكت به قائلة بصوتٍ مُحمل بالشجن:

-من لما حضرتك جيت يا خالي، وأنا حاسه إن بابا رجع...

ربّت على رأسها وقبّل جبينها قائلًا:

-حبيبة قلب خالك... فين الشقية سراب؟

-نايمة! وكل شوية أدخل أصحيها تقوللي سيبيني شوية... زهقتني!

ضحك «البدري» قائلًا:

-أنا هدخل أصحيهالك بنفسي، شاوريلي على أوضتها... وأنتِ روحي اعمليلي كباية شاي من إيديكي الحلوين دول.

أشارت «تقى» إلى الغرفة، بينما دلفت إلى المطبخ وهي تبتسم.


********

دخل «البدري» إلى الغرفة بخفة، وجلس على حافة السرير، يُراقب ملامح «سراب» الهادئة وهي غارقة في النوم.

كم تُشبه جدّتها «صباح»!

تنهد، وتسللت غصة خفية إلى صدره. كثيرًا ما تساءل... أين أبناؤه الآن؟ هل يذكرونه؟ بأي بقعة من الأرض يعيشون؟ هل يحمل أحدهم ملامحه؟

كم دعا الله أن يمهله الوقت ليُصلح ما أفسدته الأيام...

خرج من أفكاره على صوت تقلبها في الفراش، ثم بدأت جفونها تتفتح ببطء، وما إن رأته أمامها حتى اتسعت عيناها باندهاش.


اعتدلت من رقدتها وهي تلقي عليه تحية الصباح، فردّها مبتسمًا، وقال:

-كل ده نوم؟ يلا قومي يا عروسة!


نظرت إلى فستانها المُعلّق، وابتلعت ريقها قبل أن تبتسم ابتسامة باهتة، قائلة بصوت مُتردد:

-حاضر يا جدو...


لا تُنكر أنها تشعر بالأمان معه، وكأن وجوده يُبدد شيئًا من مخاوفها...

نهضت من الفراش، ثم أمسكت يده وقبّلتها بحب، قائلة:

-تفطر معايا يا جدو؟

-لا، فطرت مع بدر من الصبح... لكن ممكن أتغدى معاكِ.


بدر!! وقع اسمه كان كفيلًا بإثارة وخزة غامضة في صدرها.


كلما تذكرت قرارها، خشيت أن يكون خطأً...


                    ★★★★★★

في غرفة رغدة...

كانت تنزوي على نفسها في ركن بالفراش، تحتضن وسادتها بقـ ـوة وكأنها تتشبث بها لتمنع نفسها من الانهيار تمامًا. 

عينان متورمتان، أنفعا محمر، ودموع لم تجف منذ أيام.

منذ أن أخبرتها جدّتها بأن «بدر» سيتزوج «سراب»، وهي بالكاد تأكل، بالكاد تتحدث، بالكاد تخرج من غرفتها...

تنهدت «رحمة» بحرارة، ثم جلست بجوارها، تربت على يدها بحنان قائلة:

-كلهم بيسألوا عليكِ عند عمو دياب...

رفعت «رغدة» عينيها الدامعتين، كان صوتها متحشرج بالكاد يخرج وهي تنطق:

-مستر بدر هيتجوز سراب!

ازدادت أنفاسها اضطرابًا وهي تكمل بصوت مرتعش:

-يا ريتني ما قولتله حاجة يا رحمة... أنا لازم أروح أعتذرله!

نهضت فجأة كأنها وجدت الحل السحري، لكن «رحمة» جذبتها من ذراعها سريعًا، نظرت إليها بحدة وقالت:

-استني يا بنتي! رايحة فين؟ متبقيش مجنونة وتغلطي مرتين!

تشنّج وجه «رغدة» وسحبت ذراعها بعيدًا عن قبضة أختها، ثم هتفت بمرارة:

-أنا حبيته بجد يا رحمة! تعلقت بيه غصب عني! بس... بس هو هيتجوز خلاص...

تنهدت «رحمة» وأمسكت بيديها برفق، عيناها مليئتان بالجدية:

-بصي يا رغدة... إحنا لسه صغيرين أوي إننا نفهم معنى الحب! قرأت كتاب بيقول إن البنت في السن ده لو مفتقدة لحنان أبوها، بتدور على أي راجل يسد الفراغ ده... أستاذها، زميلها، أي حد! وده اللي حصل معانا أنا وإنتِ...

ضغطت على يدي أختها وهي تكمل بصوت خفيض:

-إنتِ مش بتحبيه يا رغدة، إنتِ بس كنتِ بتسدي بيه نقص جواكِ...

أغمضت «رغدة» عينيها للحظة، كأنها تستوعب الكلمات ببطء، ثم مسحت دموعها وأومأت بخفوت:

-عندك حق...

لكن فجأة، نهضت واندفعت نحو الباب، قبل أن تدرك «رحمة» نيتها.

-يا مجنونة!

قالتها رحمه وركضت خلفها، لكنها توقفت حين دوّى صوت جدّتهما من الخلف:

-أختك راحت فين؟

تلعثمت «رحمة»، ثم قالت بسرعة:

-آه... عند عمو دياب! أنا رايحة وراها يا تيتة!

وغادرت بسرعة، لكن أبطأت خطواتها قليلًا حين رأت «نادر» يدخل الشارع.

ارتجف قلبها للحظة، لكنها تماسكت، رفعت ذقنها بتحدٍ وتجاهلته تمامًا.

أما هو، فمر جوارها بسيارته وكأنه لا يراها، كأنها لم تكن يومًا...


                  من ناحية أخرى...


وقفت «رغدة» أمام منزل «بدر»، تتلفت بينه وبين منزل «دياب».

تتساءل هل هذا صواب؟ هل عليها أن تذهب إليه مجددًا؟

لكن... ماذا ستقول؟

ستخبره بما قالته لها «رحمة»؟ أنها كانت مخطئة، وأنها تراجعت؟ ستعتذر فقط؟

حبست أنفاسها، ثم اندفعت إلى الداخل بسرعة...


                وفي الشرفة...

كانت «سراب» تتناول طعامها حين لمحت «رغدة» تتجه نحو بيت «بدر».

ظنت أنها قادمة إليها.

كادت تترك طعامها وتتجه للباب، لكنها توقفت حين رأت «رحمة» تقترب، وخلفها سيارة «نادر» تتوقف أمام المنزل...

تجمدت في مكانها، حدّقت بالمشهد في صمت، قلبها ينبض ببطء غريب...

ماذا يحدث هنا؟


                   وعند مدخل البناية...

وصلت «رحمة» في اللحظة نفسها التي ارتجل فيها «نادر» من سيارته.


توقف أمامها، ثم قال بلهجة محايدة:

-إزيك يا رحمة؟


لم ترد.

ضغطت على قبضتيها، وتجاوزته بخطوات سريعة إلى الداخل.

تابعها بنظرة باردة، ثم رفع رأسه ونظر إلى الطابق الذي يسكن به بدر، قبل أن يخطو خطوته للداخل، استدارت «رحمة» نحوه بحدة، قائلة:

-رايح فين؟!


رفع حاجبيه قليلًا، ثم قال بهدوء:

-متقلقيش... مش جاي وراكي... أنا طالع عند البشمهندس بدر.


شعرت «رحمة» بوخزة قلق مفاجئة.

رغدة هناك، ونادر في طريقه إلى بدر، هذا... ليس جيدًا بالمرة...


بلعت ريقها، ثم همست لنفسها بقلق، ماذا أفعل؟ أخذت قرار يناقض داخلها، قالت:

-طيب... ممكن بعد إذنك ننزل نتكلم شوية تحت؟


رمقها «نادر» بريبة. لم يكن يتوقع أن تطلب ذلك، كان سيعترض لكن في النهاية هز رأسه موافقًا.


تحركا معًا نحو الأسفل، بينما عادت «سراب» إلى الشرفة، تحدّق في المشهد بعينين يقظتين.


                  وأسفل البناية...

وقفت «رحمة» أمامه مطأطئة الرأس، تفرك أصابعها في توتر، كأنها تحاول جمع شتات كلماتها، لكنه لم يمنحها وقتًا، فقال بصوت هادئ:

-اتكلمي يا رحمة... أنا سامعك.


ابتلعت ريقها بصعوبة، ضغطت على شفتيها في حنق. لو لم تكن قلقة على أختها، لما اضطرت لمحادثته أبدًا...!

رفعت عينيها نحو السماء للحظات، كأنها تبحث عن كلمات مناسبة، لكن حين أسقطت بصرها مجددًا، رأت مشهدًا جعل قلبها يخفق بارتباك.


«سراب» تقف في الشرفة تراقبهما... و«عمرو» أيضًا، يقف في الشرفة المقابلة، يحدّق بهما بعينين تضيقان بغضب متزايد.


أسقطت بصرها، شعرت بتوجس عميق، وما هي إلا لحظات حتى سمعت خطوات قوية تقترب بسرعة.


يتبع

#كتابات_آيه_شاكر

#روايات_آيه_شاكر

#كتابات_آيه_السيد_Aiah_Elsayed



جاري كتابة الفصل الجديد  للروايه حصريا لقصر الروايات اترك تعليق ليصلك كل جديد أو عاود زيارتنا الليله


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع