رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم( شارع خطاب)الفصل الرابع وعشرون بقلم فاطمة طه سلطان ( جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)
رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم( شارع خطاب)الفصل الرابع وعشرون بقلم فاطمة طه سلطان ( جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)
الفصل الرابع والعشرون من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
الحنيةُ أزهى تعبيرًا من التصريحِ بالغزَل، والإنصاتُ أكثرُ رحابةً من تبادل الملامة، والتغافلُ أسرعُ وصولًا من إثباتِ التقصير، واستيعابُ التعبِ أعظمُ منازلِ العشق، والطمأنةُ أوسعُ ملاذًا من الاستفهام، واللامبالاةُ مطفأةُ المحبَّة!.
#مقتبسة
“ الوصفة الأولى للسعادة : تجنب
التأمل الطويل بالماضي “ .
— أندريه موروا
أحيانا ً..
لا بل دائما !
يحتاج المرء منا من هو احن
عليه حتى من نفسه
#مقتبسة
_______________
يومٍ جديد..
في أحدى المناطق الساحلية.
في الفندق تحديدًا الجناح الخاص بالعروسين والتي حالتهما لا تصف بأنهما عروسين في أولى أيام زواجهما أبدًا...
جاء سلامة من الخارج بعدما أخذ الأدوية الذي أوصى بشرائها من المندوب الخاص بالصيدلية، كان يلف نفسه بوشاح ثقيل جدًا من اللون الوردي يخص جهاد أتت به، فهو كان يسعل بقوة، ولم يكن يظن بأن أولى أيام زواجه قد يحتاج ملابس ثقيلة كهذه حتى يأتي بها، لا يقرأ الغيب هو...
جلس على الفراش بجوار جهاد النائمة وأخذ يقوم بأخذ الأدوية وتجرع المياة بعدها بألم في حلقه واضح، حينما انتهى وضع يده على المفرش السميك فوق جسدها التي كانت لا تظهر منه أساسًا.
-جهاد، جهاد، قومي يلا كلي وخدي العلاج...
فتحت جهاد عيناها بإرهاق واضح وأعين حمراء، كانت تشعر بالاعياء الشديد بسبب "البرد" الذي أصابهما في اليوم الثالث من شهر عسلهما...
حاولت جهاد الاعتدال والجلوس لتسعل هي الأخرى في وجهه رغمًا عنها بقوة فأخذ يناولها المناديل الورقية هاتفًا بصوتٍ مبحوح ويكاد يخرج منه:
-إيه أحسن دلوقتي؟!.
ردت جهاد عليه بصوتٍ لا يقل تعب عنه بل رُبما يفوقه وهي تستند على ظهر الفراش:
-اه احسن بكتير الحمدلله عن امبارح، بس زوري هو اللي واجعني أوي.
تمتم سلامة محاولًا بث أي روح من المرح في شهر العسل الذي تحول إلى حجر صحي لأنهما منحوسين:
-كله بسبب صاحبتك أم عين مدورة وحلق مدور، وبسبب خرم مناخيرك ده طبيعي كل العكوسات تحصل بسببه أو في عين راشقة فينا مش عارف بصراحة العطلة منين..
أردفت جهاد بغضب وإعياء واضح:
-والله مفيش حد بيجي الساحل في عز الشتاء طبيعي نأخد برد هو كل حاجة تجيبها عليا أنا؟ ما تجيبها على اختيارك..
غمغم سلامة بجدية وهو ينظر بها يأعين حمراء وتدمع بسبب البرد:
-مش أنتِ اللي صممتي يومها نتصور على البحر، الغروب على البحر هيكون تحفة يا سلامة..
كانت كلماته الأخيرة يقلدها فيها...
قالت جهاد مدافعة عن نفسها:
-أيوة بس أنا قولتلك من قبل الفرح خلينا نروح الأقصر وأسوان على الأقل كان الجو هيكون دافي شوية.
تمتم سلامة ساخرًا:
-الاقصر وأسوان يوم سفر ضايع رايح ويوم وأنتِ راجعة ومفيش إجازة لكل ده وبعدين بطلي رغي بقا، أنا أصلا مش عارف ازاي بعد بكرا هنسافر واسوق أنا حاسس إني تعبان، ياريتنا ما جينا بالعربية وكنا جينا بأي حاجة على الأقل مكنتش شيلت همها.
هتفت جهاد مقترحة:
-اتصل بحد يجي ياخدنا.
صاح سلامة مستنكرًا تلك المرة وهو يهتف بجنون وحرج:
-والله صح هو ده اللي ناقص فعلا أقول لحد تعالى خدنا علشان يبقى شكلنا عيال في المدرسة، احنا شكلنا عرة لوحده وكله بسببك وبسبب اللي عملتيه علشان القطة..
جحظت عينا جهاد وهي تخبره ساخرة:
-مين دي اللي عملت علشان القطة؟! ده أنتَ اللي شوفت القطة كأنك شوفت عفريت أصلا فضلت تصرخ ووشك أزرق وده اللي وترني أصلا.
رد عليها سلامة متهكمًا:
-اه بقت المشكلة دلوقتي في سلامة.
تحدثت جهاد بجدية وغضب مكتوم:
-خلاص يا سلامة بقا احنا الاتنين فينا مشكلة ونحس مُركب خلاص مش هنقعد نرمي المصيبة على التاني أحنا بقينا باكدج على بعضه.
هتف سلامة بهدوء وهو ينظر لها بعدما وجدها محقة بعض الشيء ليس لديهما طاقة حتى للشجار، هل يقضى كل الأزواج شهر عسلهما بتلك الطريقة أم أنهما أصابتهما لعنة لا يدري سببها:
-طب يلا قومي كُلي علشان تخدي العلاج.
هزت رأسها موافقة ليعلق سلامة بحسرة:
-أنا كان مخيلتي أن شهر العسل بتحصل في حاجات غير اني اصحي مراتي علشان تاخد العلاج.
تمتمت جهاد بعدما أخذ تسعل بقوة:
-مش وقته يا سلامة بقا اطلب لينا اتنين ينسون زوري واجعني...
______________
تجلس إيناس في الشقة مع هدير التي تتواجد في منزل عائلة زهران خطاب.
كعادتها تمر عليها يوم واليوم التاني تمر عليهما هدير وهكذا تسير الأيام بينهما تحاول عائلة دياب العناية بـهدير قدر ما يقع في يديهما..
كانت إيناس ذاهبة لشراء احتياجات المنزل بينما أطفالها يجلسون مع والدتها وشقيقتها في المنزل وهي تعلم جيدًا بأن هدير في المنزل اليوم ليس لديها دروس لذلك قررت الذهاب إليها ورؤيتها، كما تطمئن على حالها....
قالت هدير بنبرة هادئة:
-والله متقلقيش عليا يا إيناس صدقيني أنا كويسة جدًا صحيح كنت في الأول مش واخدة إني اقعد لوحدي وفي شقة جديدة بس مع الوقت اتعودت والبيت هنا أمان وطنط انتصار علطول بتيجي تسأل وتطمن عليا وتبعتلي غداء رغم أن بيكون عندي بس هي بتصر وحقيقي أنا بدأت أخد على الوضع الحمدلله.
ثم نظرت لها قائلة بامتنان حقيقي، فـ إيناس أمرأة يفيض منها الحنان، خُلقت لتكون أمرأة، أم، شقيقة وابنة، يا ليت شقيقتها كانت تحلت بربع حنانها وأخلاقها لم تكن قد أقدمت على فعل كهذا..
-وأنتِ وهدير وطنط حسنية وكلكم بجد مش سايبني ربنا يخليكم ليا..
ابتسمت لها إيناس هاتفة بـرقة:
-مفيش حاجة محتاجة الشكر يا حبيبتي، والشكر اللي أنا عايزاه بجد أنك تركزي في دراستك ومستقبلك وتهتمي بكورس الإيطالي اللي بتروحيه علشان لما تسافري لاخوكي..
تجهمت ملامح هدير ثم نظرت لها بنظرات غير مفهومة بالنسبة إلى إيناس، ثم غيرت الموضوع تمامًا قائلة دون أية مقدمات وكأنها ترغب في البوح إلى أحد قبل أن تجن:
-أحلام بعتت ليا على الواتساب والفيس بتسألني أنا عاملة إيه بكل برود وكأنها كانت نايمة في البيت امبارح.
ابتسمت هدير مستهزئة مما تقصه على إيناس التي تنظر لها باستغراب شديد هذا ما جعل هدير تستكمل حديثها:
-بكل بجاحة بعد المدة دي كلها وبعد اللي عملته فيا وفي أخوها بعتالي رسالة باردة من كلمتين بتسألني عاملة إيه تخيلي...
تنهدت إيناس ثم سألتها بعفوية رغم صدمتها وترقبها لاستكمال الحديث:
-رديتي عليها؟!.
تمتمت هدير بعد نفس طويل أخذته لتخبرها بما فعلته وهي تشعر بالقهر حقًا شقيقتها قامت بالقضاء عليها:
-أنا فتحت الرسالة أول ما بعتتها، كان جايلي شعور غريب أوي يا إيناس قعدت أكتب رسالة طويلة أوي بعاتب وبشتم وبخرج كل اللي جوايا واللي عايزة أقوله ليها، بقولها ليه عملتي فيا كده؟ ليه عملتي في أخوكي كده؟، كتبت كتير أوي وأسئلة كتير كانت في دماغي وأنا عماله أكتب لغايت ما كنت خلاص هبعتها لقيتني بمسح كل اللي بكتبه حسيت أن حتى العتاب خسارة فيها.
ابتلعت ريقها بألم كبير وهي تخبرها:
-بلكتها من كل حتة؛ مش عايزة حتى افتكر في يوم من الأيام أنها أختي.
لذلك يبقى السؤال...
هل من الممكن أن ينسى شخص، شقيقه الذي يحمل دمه مهما فعل به؟ هل من الممكن أن تنقطع الصلة بين الأشقاء بتلك السهولة مهما كان السبب فظيعًا ومروعًا رُبما قاسيًا...
تلك العُقدة والعلاقة التى تحاكى وتغنى بها الجميع وذكرت في القرآن الكريم هل من الممكن أن تنقطع أواصرها بسهولة؟!..
أم أن الأمر متروك للزمن..
فـرُبما لكل قاعدة شواذها وكذلك ينطبق على العلاقات...
تمتمت إيناس بنبرة هادئة وهي تحاول عدم التطرق إلى الأمر قدر المُستطاع لأن الجرح غائرًا ومازال حديثًا وحتى ولو شفى سوف يترك ندبة لا تعلم كيف سيصبح أثرها..
-أهم حاجة أنتِ واخوكي يا هدير، حبي أخوكي وكوني عوضه عن اللي شافه من أشرف ومن أحلام، كوني أنتِ العوض الحقيقي ليه يا حبيبتي.
بعد مرور نصف ساعة...
كانت إيناس تقوم بتحضير الطعام لها قبل ذهابها إلى السوق فهي ترغب في ترك طعام محفوظ في البراد من أجل هدير التي لا تفرق عن حور شيئًا الاثنان لا يحسنا أبدًا طهي الطعام وتحضيره.
بينما ذهبت هدير لشراء البهارات التي تحتاجها إيناس حتى تستكمل طبختها بعدما اتصلت بـوالدتها وتأكدت من أن الأمر على ما يرام مع أطفالها..
أثناء تحضيرها إلى الطعام كانت تفكر في طليقها ليس لأن الشوق يجتاحها أو أنها تقع ذليلة العشق بقدر كونها تشعر بالاستغراب من استمراره في إرسال النقود ولا تعلم لما لم تخبر دياب بالأمر!!
لا تعلم ما الذي تخشاه حقًا؟!..
والدتها هي فقط من تعلم وتشعر بالاطمئنان الشديد التي تراه إيناس سذاجة ولا تشعر أبدًا بتلك السكينة التي تحتل قلب والدتها...
تنهدت ثم تركت التفكير في الأمر....
المهم بالنسبة لها الآن بأنها تبحث عن روضة لإرسال أطفالها فيها، فهن بلغوا من السن ما يجعل الأمر متأخرًا حتى...
هي فقط تشعر بالخوف وترغب في إرسالهم إلى روضة أمنة تجعلها تشعر بالراحة فمازالت حديثة وجديدة في تلك الأمور ولم تعتد على ابتعاد أطفالها عنها.
وسط ما كانت تقوم بتقليب الطعام مفكرة بأن عليها إخبار دياب بأمر النقود قبل حتى أن تجد روضة مناسبة حتى لا يكن الأمر مفاجئًا بالنسبة له حينما يسألها من أين أتت بتلك النقود؟!
أخرجها من شرودها....
صوت هاتف هدير التي لم تأخذه معها ولم يتوقف عن الرنين وهو موضوع على رخامة المطبخ أمامها ومنذ هبوطها تلاحظ اتصال طارق أكثر من خمس مرات............
شعرت إيناس بالتردد لكنها في النهاية قررت الإجابة عليه حتى لا يشعر بالقلق كونها تختبر جيدًا شعور العجز والخوف فـليس هناك وسيلة بالنسبة له للاطمئنان على شقيقته سوى جهاز سخيف في بعض الأحيان....
هو مسجون خلف القبضان ومقيدًا بقيود مختلفة لكنه لا يختلف عن المسجون في شيء كلاهما العجز حليفهما...
أجابت عليه بالفعل ليأتيها صوته صارخًا بعنف وقلق يقتله:
-أنتِ مش بتردي ليه يا هدير؟! ناوية تجننيني، أنتِ المفروض في البيت يعني.....
ابتلعت إيناس ريقها لتخبره بصوتٍ هادئ يختلف عن ثورته تلك:
-أنا إيناس يا طارق، متقلقش هدير كويسة هي نسيت بس الموبايل وبتجيب حاجة من السوبر ماركت.
تنفس طارق الصعداء وبدأ يشعر بالارتياح قليلًا هاتفًا:
-معلش يا إيناس أصلي قلقت عليها.
ردت عليه إيناس بهدوء:
-ولا يهمك أنا رديت عليك علشان اطمنك هي زمانها خلاص جاية أول ما تيجي هخليها تكلمك..
-تمام يا إيناس..
قبل أن تلقي إيناس عليه التحية حتى تغلق المكالمة سمعته يهتف بامتنان حقيقي لمجهودها مع شقيقته، فهي تفعل واجب ما تركته شقيقتها الحقيقية..
-أنا بشكرك وببعتلك سلامي كتير مع دياب، بجد شكرًا ليكم كلكم على اللي بتعملوه مع هدير.
ردت عليه إيناس بنبرة صادقة:
-احنا أهل يا طارق وهدير وحور الاتنين ميفرقوش حاجة عن بعض بالنسبالي، الاتنين اخواتي...
سمعت صوت إغلاق الباب لذلك هتفت:
-اهي هدير جت اهي....
______________
الأيام تمر بسرعة..
كذلك السنين....
ومع مرورها تزداد غرابة...
توقفت عن العمل..
عاد والدها بعد إختفاء طويل جدًا بعدما كانوا لا يعرفون هل هو حي أم ميت، حينما أخبرهم بأنه رد والدتها ثم اتضح أنه كاذبًا واختفى ثانيًا...
تمت خطبتها ليس هذا فحسب بل تم زواجها أيضًا وعُقد قرأنها وتزوجت شقيقتها ثم عاد خالها إلى البلد الذي يقيم فيها.....
مازالت تفكر مع نفسها أي جرعة تناولت أو ما تناولته حتى توافق بإرادتها الكاملة على أن يتم عقد قرأنها، تحت أي سحر كانت مغيبة؟!..
لا تعلم حقًا هي منزعجة إلى حدٍ كبير..
تشعر بالضيق من جلوسها في المنزل كل هذا الوقت..
أصبحت تتناول طعام والدتها من دون الاعتراض على كمية الدهون كما كانت تفعل لم يعد لها نفس أو طاقة حتى للطبخ لنفسها كما كانت تفعل ولكنها تحرص على التناول بكميات قليلة إلا فقط عند "الايس كريم" الذي أصبح شغفها فيه غريبًا وتتناوله بكميات تبدو مهوولة بالنسبة إلى شخصية مثل سلمى...
تتناوله الآن وهبطت دموعها دون توقف مرة واحدة حتى انتبهت لها والدتها الجالسة بجوارها هاتفة بلهفة وحرارة:
-مالك يا بنتي بتعيطي ليه يا سلمى؟!.
مسحت سلمى دموعها بأناملها هاتفة بجدية تناقض ما تقوله:
-وحشتني البقرة بتاعتي وعايزة سلامة يرجعها.
ضحكت يسرا رغمًا عنها هاتفة:
-يا بت احترمي نفسك متقوليش عليها كده بتجننيها، وبعدين اهو اديكي عرفتي قيمتها دي لو عرفت أنك بتعيطي علشانها هتفرح فيكي أوي..
ردت عليها سلمى بضيقٍ ثم أخذت ملعقة من "الايس كريم" التي تتواجد علبته في يدها:
-اهو طلع عندها حق..
انتبهت والدتها بأن العلبة الكبيرة أوشكت على الانتهاء وهي لم تتناول منها من الأساس، فهنا غمغمت والدتها باستغراب كبير:
-هي دي العلبة اللي جبتها امبارح؟!.
قالت سلمى بحرج واضح:
-أيوة هي..
قالت يسرا بنبرة جادة وهي تشرح لها سبب اندهاشها:
-أنتِ مكنتيش بتأكلي الآيس كريم اللي بنجيبه وبتقعدي تعملي واحد صحي كده ميتأكلش...
تمتمت سلمى بنبرة مختنقة:
-عادي قولت أغير زهقانة.
هنا تركت العلبة وهي تفكر هل أصبح الطعام ملجأها؟وأصبحت تتناول أشياء كانت ترفض تنازلها، هل أصبح الطعام عندها يمثل شيء عاطفي؟.
يجب أن تتوقف....
تمتمت والدتها وكأنها قرأت أفكارها:
-لو زهقانة يا سلمى انزلي اخرجي مع صحابك، اخرجي مع نضال، هو معرضش عليكي تخرجوا مع بعض من بعد الفرح؟!.
كان سؤالها الأخير في محله ترغب في الاطمئنان على العلاقة بينهما، فهي تعلم ابنتها حق المعرفة، لكن أي شاب بالتأكيد سيرغب في الخروج والتنزة مع خطيبته أو زوجته بالمسمى الصحيح.
تنهدت سلمى وهي تخبرها:
-بيقولي بس أنا مش حابة انزل أنا مرتاحة كده.
لم تكن كاذبة..
كان نضال من بعد الزفاف خلال الخمسة أيام الماضية يعرض عليها الخروج معه ولكنها ترفض، كل مرة تجد حجة مختلفة وتظهر له سخيفة لكنه لا يحرجها أبدًا وفي الوقت نفسه يجدد عرضه عليها كل مرة...
سألتها يسرا بفضول حقيقي وتخشى أن تكن ابنتها غير سعيدة بخطوتها الجديدة في حياتها تلك، فمن لها غيرها هي وجهاد؟..
هما من أفنت عمرها من أجلهما...
-أنتِ حاسة أنك اتسرعتي في موافقتك على كتب الكتاب طيب؟! ولا أصلا إيه اللي خلاكي تأخدي قرار زي ده، كلنا عارفين الحاج زهران بيطق في دماغه حاجات غريبة لكن لو مكنتيش عايزة مكنتيش وافقتي يعني.
تمتمت سلمى بنبرة كاذبة:
-مش حاسة إني اتسرعت ولا حاجة يا ماما أنا بس الفترة دي كل حاجة حصلت ورا بعضها وأنا قلقانة وبعدين يعني المفروض تكوني فرحانة..
ردت عليها يسرا بنبرة صادقة وهي تناظرها بأعين حنونه:
-أنا هكون مبسوطة ومرتاحة وفرحانة لما احس أنك فرحانة بجد.
كادت سلمى أن ترد عليها لكن سمعت صوت هاتفها الموضوع في الغرفة وكان صوته ضعيفًا جدًا بسبب المسافة لكنها سمعته.
أردفت سلمى بنبرة هادئة وشبه ناعسة فهي لم تتخلى
عن نومها مبكرًا واستيقاظها في الصباح الباكر:
-هشوف مين بيرن وهنام بقا الساعة عدت عشرة أنا كده سهرت...
أومأت والدتها برأسها بإيجاب ثم قالت أثناء رحيلها:
-ماشي تصبحي على خير وأنا برضو هخلص المسلسل وهنام.
قالت سلمى قبل أن تغلق باب الغرفة:
-وأنتِ من أهل الخير...
سارت بخطوات متوترة صوب الهاتف الذي توقف على الرنين في الوقت الذي ذهبت إليه، لكن المتصل كان لحوحًا فـ ها هو يصدع صوته مرة أخرى...
هي لا تدرك معنى أن يكون نضال لحوحًا هذا ما لا يعتاد عليه ولا يتواجد في صفاته بل اكتسبه مؤخرًا معها هي وحدها.
فتحت سلمى الاتصال وقبل أن تتفوه بشيء أتاها صوته مترددًا:
-إيه نمتي ولا إيه؟!.
دخلت إلى فراشها أسفل الغطاء وهي تحدثه بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-يعني أنتَ عندك احتمال إني هكون نايمة لأن ده وقت نومي ومع ذلك كررت اتصالك؟!..
لا تدري هل كانت ساخرة أم مستنكرة في حديثها؟!
لكن لا شك أنها كانت تشعر بالدهشة.
تمتم نضال بصوتٍ رخيم أتاها من الهاتف:
-المهم أنك الحمدلله صاحية يبقى مشلتش ذنب إني صحيتك من النوم.
قالت سلمى بنبرة لم تكن فظة بالرغم من كلماتها:
-غريبة أنك بتتصل بعد الساعة تسعة مع إني قولتلك قبل كده...
قاطعها نضال بثبات كبير بهيمنة الرجال التي تبغضها لكنه معه لا تروق لها لكن رُبما تتقبلها:
-وقتها كنت خطيبك لكن دلوقتي أنا جوزك حتى لو في بيت أهلك أعتقد لازم يتعمل ليا استثناء بسيط زي ده.
-أنا مبعملش استثناء لحد.
يا لها من أمراة فظة..
تصرفاتها تغضبه لكنها تجعله يشفق عليها أو يحزن، كأنه يُدرك هشاشتها خلف كلماتها المستفزة بالنسبة إلى رجل يمتلك عقل وقلب شرقي إلى حدٍ كبير كـنضال..
لكنه لسبب لا يعرفه يحاول الهدوء..
يحاول أن يتقبلها...
رغم أن سامية التي كانت تعتبر حب طفولته كما كان يظن ويصف لكنه لم يتحمل عنادها معه كما يفعل مع سلمى ويحاول التبرير لنفسه رُبما بأنه يحاول التعامل مع وضع تم وضعه فيه بالاجبار..
لــكــن..
هل اهتمامه نابع من كونه مجبور..
أم يشعر بالفضول حيال تلك الفتاة غريبة الأطوار...
أو هناك سبب مازال يجهله..
رغم أنه رجل مثله أو في موضعه كان يجب عليه أن يسمعها ما لا يرضيها أبدًا أو حتى يغلق المكالمة في وجهها إلا أنه سألها عن أحوالها بهدوء شديد:
-عاملة إيه النهاردة؟.
ردت عليه ببساطة وكأنها لم تكن تلك المرأة الفظة منذ ثواني:
-الحمدلله بخير، أنتَ عامل إيه؟!.
-أنا كويس الحمدلله، إيه لسه الجيم اللي روحتي عملتي فيه انترفيو مكلموكيش؟.
ردت عليه سلمى باقتضاب وعادت ملامحها صلبة كـنبرتها مجددًا:
-لا.
تمتم نضال بنبرة مواسية إلى حدٍ ما:
-لعله خير ان شاء الله.
-ان شاء الله.
قالت سلمى وهي تحاول إخباره بما حدث معها لأنها لا ترغب في أن تكون وقحة معه إلى تلك الدرجة تحديدًا لأنه يهتم لأمر عملها وهو من قام بتوصيلها عند مقابلة عملها بعد زفاف شقيقتها بيومين...
-يعني مدام متصلوش كل ده يبقى مش هيتصلوا خلاص.
رد عليها نضال بفتور:
-الله اعلم.
أخبرته سلمى بما حدث وكأنها تثرثر كان هذا الأمر بالنسبة إلى سلمى التي لم تعتد أن تخبر الحميع بما يحدث معها ما هو إلا ثرثرة:
-صاحبة الجيم القديم كلمتني قالتلي أن ممكن بالكتير على أخر الشهر تكون المشكلة اتحلت يعني وده هيكون بالنسبالي أحسن كتير علشان أنا اعرفهم ومكان شغلي من سنين، وحتى البنات اللي بتيجي اعرفها يعني أفضل من إني ابدأ في مكان جديد وربنا يعمل اللي فيه الخير.
هتف نضال بسعادة استطاعت الشعور بها:
-كل تأخيرة وفيها خيرة زي ما بيقولوا.
-معاك حق.
سألها نضال بنبرة هادئة:
-إيه معقول لسه مزهقتيش من قعدة البيت؟! مش ناوية تنزلي في يوم نروح أي حتة، أنا لو منك كنت اتجننت من القعدة الايام دي كلها.
سألته سلمى برغبة تدب في أوصالها لمعرفته عن كثب:
-ليه مبتحبش قعدة البيت للدرجة دي؟!.
تمتم نضال بجدية يغدق عليها بالمعلومات التي تريدها عنه:
-بحبها لو معايا دياب أو لو كلنا موجودين وبنسهر مع بعض أو لما احب افصل بس كبيرها يوم واحد لكن مقدرش أقعد كل ده حتى لما مبيكنش ورايا حاجة ممكن انزل اعدي على الجزارة أو اروح اصلي في الجامع واطلع مبحبش أفضل مكاني يعني بزهق، بحب اتحرك.
ثم أسترسل حديثه عابثًا:
-بس واضح انك انتِ بتحبيها.
هي لا تحب الجلوس لمدة طويلة في المنزل على العكس كانت تحب حياتها العملية إلى حدٍ كبير بل كانت تعشق أن تغيب أحدى زميلاتها في العمل وتحضر مكانهن.
لكنها ترفض الخروج معه متهربة..
كأنها تسجن ذاتها في المنزل ولا ترغب في أن تفضح مشاعرها أو لتكن صادقة تخاف أن تتعمق معه أكثر..
مــن مثل سلمى يخاف على مشاعره أكثر مما يخاف على حياته..
لم يجد منها رد فقال برغبة لاستكشاف المرأة التي أصبحت زوجته:
-في مكان بحب اروحه إيه رأيك نتغدى فيه يوم الخميس وياريت متجبيش عذر جديد علشان كلهم خلصوا، ولو هتتحججي بوالدتك أنها متبقاش لوحدها علشان جهاد مبقتش موجودة ناخدها معانا بس انزلي..
أخجلها بكلماته وكأنه يخبرها بأنها فاشلة ولا تتقن فن الكذب كما تتقن الحدة...
-أنا موافقة..
______________
جاء والدها اليوم..
لم تكن زيارة عادية أبدًا...
بل جاء طافحًا بالسعادة ومهنئًا لها بالنجاح..
لم تظهر النتيجة بشكل رسمي بقى لها أيام معدودة ولكنه بطريقة ما قبل إعلانها أستطاع معرفتها من الرجل ذاته الذي قام بنقلها رغم فوات الموعد الخاص بالتسجيل..
كان فخورًا بها أنها استطاعت النجاح بعد سنوات من الانفلات وعدم المسؤولية رغم محاولته ردعها بكل الطرق اللينة والحادة لذلك كان هذا الخيار الأخير..
من لديها غيره؟....
إذا توفاه الله في أي وقت من عنده يرثه غيرها؟، ومن سوف يهتم بها ويتحمل طيشها؟ من سيقف بجوارها حينما تكن معها ثروة طائلة وهائلة إلا ومن هو يطمع بها....
كان يجب عليه أن يعطيها درس في الحياة أن تعلم بأن النعم التي أغدق الله عليهما بها والرفاهية التي تحيا بها ليس شيئًا طبيعيًا...
أحيانًا قد يكون الحل هو تذوق مرارة الحرمان بعد أن يألف القلب النعم وتصبح بالنسبة له شيئًا طبيعيًا..
قام بتزويد مصروفها خمسمائة جنية ليس هذا فحسب بل أعطاها هاتفها القديم الذي وعدها به، كانت ترغب في الحاسوب المحمول وباقي أجهزتها الإلكترونية لكنه رفض يجد أن هذا يكفي ورضيت هي لأول مرة بأن تحصل على جزء مما طلبته عوضًا عن حالتها في السابق...
فهي كانت ترغب في أن يعطيها والدها ضعف ما تطلبه في أي شيء وإذا لم يحدث تشن تمردًا وتزيد تهورًا...
علم بأمر المقاطع التي تنشئها ولكنه لم يعترض هو يتركها تمارس حياتها الجديدة وهو له النتائج، كما لم يكن شيئًا معيبًا في مجتمعه.
هو عرف بأمر المقاطع لكنها لم تخبره بأنه هناك مقطع انتشر لها هي وشقيقة دياب لم ترغب في أن تخبره هذا الجزء كما امتثلت بهية إلى مطلبها...
تمتم محمد وسط الحديث بعفوية قاصدًا إخبار بهية بالأمر بعدما أخذ رشفة من قهوته:
-صحيح اللي اسمه دياب ده..
انتبهت بهية لحديثه في الوقت ذاته التي انتبهت ريناد إليه بكل خلية من خلايا جسدها عند ذكر اسمه وكأنه يفرض نفسها عليها بأن تهتم بكل ما تخصه:
-ماله دياب؟
كان هذا تعقيب بهية بينما ريناد كانت تشعر بالتوتر يتزايد والفضول يتفاقم إلى أن تحدث والدها مشكورًا:
-جبت له شغل واتصلت بيه لأني كنت مسجل رقمه من زمان قالي أنه مش حابب يشتغل ومرتاح في شغله.
يبدو أن والدها شعر بتأنيب الضمير لذلك رغب في أن يعوض دياب عما اقترفته ابنته...
هكذا كان تفكير ريناد..
فقالت دون أن تدري بصوتٍ مسموع:
-طب ليه مأصرتش عليه؟!.
رمقها والدها بنظرة غريبة لم تفهمها لكنه قال بنبرة جامدة وعملية من الدرجة الأولى:
-مفيش بينا ود ولا كلام لدرجة إني اتحايل عليه، والشغل عرض وطلب هو أدرى بظروفه وحياته وكل واحد حر.
عند تلك الكلمات لم تستطع ريناد التفوه بحرف أخر ولا تدري لما شعرت بالقلق من نظرة أبيها...
_____________
-شوفت خالها بيقول إيه بقا؟ أنا عن نفسي مش راضي وبرأت ذمتي ياريت هي بس تفكر كويس.
كان زهران يخبره ابنه نضال بما يحدث معه منذ أسابيع وما يحدث مع ابنه شقيقه، وحديث خالها معلنًا عن موافقته، كان نضال خرج من غرفته بعدما استعد للهبوط وانتهت مكالمته مع سلمى..
هتف نضال بعد تنهيدة خرجت منه:
-كلام خالها مستفز و**** بس نصه صح وحقيقي، هي فعلا عنيدة ومش صغيرة سيبها تعمل اللي هي عايزاه وريح دماغك في النهاية هي هتتجوزه.
من الممكن أن يتوقع زهران من أن هذا الحديث قد يخرج من سلامة، بل من الممكن أن ينطق به الحائط ولكنه لم يتخيل بأن تخرج تلك الكلمات من فم نضال أبدًا كانت صدمة بالنسبة له..
تمتم زهران بنبرة غاضبة إلى أقصى حد بعدما سحب نفس من أرجيلته:
-هي أمانة أخويا، وكون أن الوضع مش مريحني وإني مضطر أوافق على حاجة زي دي مجنني.
رد عليه نضال بنبرة جادة ولامبالية في أعين زهران:
-عمي نفسه الله يرحمه لو كان عايش كان هيعمل ليها اللي هي عايزاه، سامية طول عمرها صيتها من دماغها وهو كان السبب في دلعها؛ مش هتيجي مرة واحدة تسمع كلام حد ومدام خالها وكله موافق ريح دماغك.
قال زهران بجدية:
-مهوا ريحت دماغي وقولت هقف جنبها وخلاص بس مش مرتاح برضو أنا حتى لسه مكلم الواد الصبح وقولتله على طلباتي هو اتصدم وقالي هيكلم أهله وبعدين هيكلمني.
كاد نضال أن يتحدث لولا صوت الجرس الذي نما إلى سمعهما فنهض من مكانه ثم أخذ ميدالية مفاتيحه وهاتفه ففي كل الأحوال هو كان على وشك الهبوط ولكنه حينما رأى والده مهمومًا قرر الحديث معه..
فتح الباب ليجد أمامه سامية التي عادت خطوة للخلف حينما رأت وجهه لكنها حاولت تجاوز الصدمة سريعًا وكبتت انفعالها:
-أزيك يا نضال.
رد نضال عليها بنبرة عادية خالية من أي تعبير:
-الحمدلله.
ثم وجه حديثه إلى والده الذي يجلس بالداخل:
-أنا نازل يا بابا، وسامية اهي جت..
أنهى حديثه ورحل بوقاحة كما وصفته كونه لا يعيرها أي اهتمام لكن ليس وقته بالنسبة لها هي جاءت من أجل شيء أكثر أهمية في نظرها منه.
فولجت إلى الشقة ثم أغلقت الباب خلفها بغضب متوجهه إلى الداخل حيث يجلس زهران الذي هتف بمحرد رؤيتها:
-اهلا يا سامية يا بنتي؟ إيه اخبارك؟!..
تمتمت سامية بنبرة مغتاظة:
-أخباري إني مش كويسة.
بدأ زهران يشعر بالسبب الحقيقي التي جاءت من أجله لكنه هتف بنبرة هادئة بعدما سحب نفس من أرجيلته مرة أخرى:
-ليه بس يا بنتي مالك؟.
تمتمت سامية بغيظٍ حقيقي وعدم رضا واضح:
-حضرتك طالب طلبات مبالغ فيها من حمزة..
ترك زهران خرطوم الأرجيلة بغضب بعدما قذفه على الطاولة هاتفًا:
-بقولك إيه يا بت أنتِ أنا ساكت وبحاول امشي الجوازة علشانك لكن انا مش مركب قرون يا سامية علشان الباشا يتصل بيكي كل شوية يشتكي زي النسوان من الطلبات اللي قولتها ولغايت دلوقتي مفيش بينكم حاجة رسمي..
ابتلعت سامية ريقها بتوتر وهي تسمعه يهتف بنبرة جادة:
-وبعدين طلبات إيه اللي طلبتها؟ غير أنه يغير عفش الشقة كله ومتدخليش على عفش قديم يا بنت اخويا، وطلبت منه المهر مش هو عايز يتجوز جواز شرعي ولا يكتب قايمة ولا غيره، يبقى يدفع المهر اللي أنا أطلبه واشوفه مناسب والشبكة متكلمتش فيها لأنها هديته هو حر ايكش يجيب ليكي دبلة بس مش مشكلتي....
ثم أسترسل حديثه بجدية شديدة لا تعتادها من زهران إلا في الأوقات العصيبة جدًا:
-مهر إيه اللي بتتكلمي عنه يا ست سامية ده مش ثمن ربع الدهب اللي معاكي واللي هيدخل بيته، وبالنسبة للمؤخر ميعترضش عليه إلا اللي ناوي على الغدر.
هتفت سامية بتردد:
-احنا بندور على راجل كويس يا عمي مش بندور على فلوس.
-وأحنا مش محتاجين فلوس ولا بندور عليها ولا اللي طلبته ده يساوي ظفرك من أساسه لكن دي شروطي مش كل حاجة هتمشي على مزاجك لا في حاجات بتمشي بالأصول يا بنت أخويا وياريت متنسيهاش ولا تتكلمي معاه طول ما مفيش بينكم حاجة أنتِ سامعة؟!.
ردت عليه سامية كاذبة وخائفة من طريقته وكأنها تجد وجه أخر من عمها:
-أنا مش بكلمه اخته اللي كلمتني وقالتلي، وأنا بس حبيت أفهم حضرتك عايز تعمل كده ليه.
قال زهران بنبرة واضحة ناظرًا له نظرات لو تفهمها أنه لم يصدق ولا كلمة مما قالتها:
-واديكي عرفتي أنا بعمل كده ليه بعليكي وبغليكي متقليش أنتِ من نفسك يا أستاذة سامية وسمعيني بقا أنتِ عندك اعتراض؟!.
زفرت بضيقٍ ثم غمغمت:
-معنديش اعتراض اللي تشوفه حضرتك.
______________
القهوة البلدي التي تتواجد في حيهم..
سوف تظل المكان المفضل دومًا لهما مهما تعددت الخيارات....
يقوم دياب بتدخين سيجارته بعدما ألقى الخبر على مسامع نضال الذي أخذ ينظر له مذهولًا حتى أنه لم يخرج عن صمته بسهولة إلا حينما فاض به الكيل..
-يعني الراجل جاب ليك شغل في مكان زي ده وأنتَ رفضت؟!...
تمتم دياب بنبرة هادئة:
-أه هو أنتَ بتكرر كلامي ليه؟! مهوا ده اللي أنا لسه قايله قدامك، أبوها بس ضميره وجعه فحب يشوف ليا شغل لا أكتر ولا أقل بعد ما عرف أن بنته السبب.
رد نضال عليه ساخرًا وهو ينظر له بعدم فهم فهو يشعر في الآونة الأخيرة بالغضب كونه لا يعلم حقًا ما الذي يدور في عقل صديقه وكأن بينهما حائل غير مفهوم:
-وإيه المشكلة يا فقري لما تقبل ما أنتَ مش لاقي شغل وحاجة شبة اللي كنت فيها لا وأحسن كمان ترفض ليه يعني ولا هو رخامة وخلاص؟!...
تمتم دياب بنبرة واضحة وهو يخبره بما يدور في عقله بعدما أطفأ سيجارته:
-أفهم يا نضال أنا المرتب اللي هاخده في الشغل حرفيا مش هيكفي حاجة حتى لو ضعف مرتبي القديم، التوكتوك اه شغلانة بنت **** لكن فلوسها أكتر وبنجز بيها الدنيا غير الشغل عندكم، أنا أكيد مش حابب أفضل في القرف لكن ده وضع مؤقت.
ثم صاح بنبرة مستنكرة أثارت شكوك نضال:
-وبعدين أنا مش عايز حاجة من طرفهم أصلا.
هتف نضال ساخرًا:
-أنتَ فقري يا دياب عمومًا، والبت أنتَ مشخصنها معاها أوي وبعدين أنا مش عارف هي قاعدة لغايت امته هي مش هترجع بيتها بقا؟!.
رفع دياب يده إلى السماء متمتمة بنبرة جادة إلى أقصى حد:
-يارب، يسمع من بقك ربنا يارب تمشي النهاردة قبل بكرا..
تمتم نضال بعدم فهم:
-هي قاعدة فوق رأسك؟! وبعدين بقولك إيه متصعدنيش بقا.
تمتم دياب وهو يضيق عينه وهو يتواصل معه تواصل بصري صريح عاقدًا ساعديه متحدثًا بنبرة خرجت لئيمة منه:
-إلا صحيح يا نضال أنتَ بتختفي مرة واحدة ليه؟! ولا هي العروسة خلاص شاغلة وقتك...
قال نضال بنبرة متضايقة بشكلٍ واضح:
-يا عم خليك في نفسك بقا ولا عروسة ولا غيره احنا بنتكلم بالعافية ولا كأن حد ماسك علينا ذلة علشان نكمل في العلاقة دي كله منكم..
لم يجعل دياب يتهرب من الأمر بل هو من أراد غلقه هاتفًا بجدية:
-في موضوع كده في بالي بدوره في دماغي و لو اللي في بالي تم هقولك أنا بختفي فين..
رد دياب بفضول وسخرية في الوقت ذاته:
-ربنا يسترها.
_____________
عادت سامية إلى شقة والدها مستشاطة غضبًا من عمها وبالرغم من أسئلة والدتها الكثيرة عن سبب غضبها إلا أنها أخبرتها بأنه لا شيء...
لم تخبرها بأنها ذهبت إلى عمها فهي استغلت وجودها في السوق، وعادت قبل أن تأتي لكن من معالم وجهها شعرت انتصار بأن هناك شيء لكن ظلت سامية تنكر وفي النهاية حينما فقدت الأمل منها ذهبت تصنع الغداء.
بينما سامية توجهت صوب غرفتها وأغلقت الباب خلفها ثم أمسكت هاتفها وقامت بالاتصال به..
ليأتيها صوته منزعجًا:
-أخيرًا اتصلتي؟! أنا كلمتك فوق العشرين مرة ومش بتردي مع أننا كنا بنتكلم عادي و...
قاطعته سامية بشراسة وغضب واضح:
-يعني عايزني أعرف أنه طلب منك الطلبات دي واسكت؟! كان لازم اروح واتكلم معاه طبعًا.
تحدث حمزة معاتبًا أياها وهو يغمغم:
-أنا لو هبيع اللي ورايا واللي قدامي علشان اتجوزك يا سامية هعمل كده، وعمك معاه حق ومن حقه يتشرط عليا وأنا من واجبي أنفذ طلباته كلها مدام في النهاية هتكوني معايا.
كلماته تعانقها...
تلامسها بعدة مواضع لا يصل لها مخلوقًا سواه...
لكن بالرغم من المشاعر الفياضة التي شعرت بها إلا أنها قالت بجديةٍ وضيقٍ حقيقي لم تستطع أن تجادل عمها فيه:
-بس الطلبات دي مبالغ فيها أوي.
رد عليها حمزة بنبرة صادقة:
-ملكيش دعوة أنا هتصرف وبعدين أنا كنت بتكلم معاكي وبفضفض وبقولك المكالمة اللي حصلت ما بينا مش علشان تروحي وتعملي مشكلة وتعقدي الدنيا ده أنا لما صدقت أنه وافق مهما هيطلب..متفكريش في أي حاجة يا سامية أنا هتصرف وهعمل كل اللي يطلع في أيدي واكتر علشان نكون مع بعض....
كلماته تبثها بالطمأنينة لأنها تشعر بمدى صدقها..
هي بالفعل مأخوذة ومعجبة به إلى حدٍ كبير...
يختلف عن أي شخص مر في حياتها هو الوحيد الذي سلب لُبها لذا كان عليها أن تفعل المستحيل من أجل يوافق الجميع على زواجها منه....
______________
بعد مرور شهر..
اتصال من منيرة جعله يأتي من العمل بسبب هذا الزائر.
ولج إلى المنزل وأغلق الباب خلفه ثم ألقى التحية على أحدى الفتيات التي تعمل في المنزل وبمجرد دخوله وجد "عصمت" البالغ من العمر تسعة وستون عامًا تقريبًا وهو ابن عم والده، يمكث في الإسكندرية ولا يأتي إلى القاهرة إلا في النوادر حتى أنه أخر مرة قد رأه فيها يوم العزاء الخاص بوالده..
بسبب حالته الصحية لا يتحمل السفر والعودة حتى أن والده هو من كان يذهب إلى زيارته دومًا، يبدو لن السبب كبيرًا الذي جعله يأتي إلى هنا...
أقترب جواد من المكان الذي يجلس فيه عصمت على المقعد وأمامه على الأريكة تجلس نسمة بجوار منيرة..
-مساء الخير..
كاد عصمت أن ينهض وهو يلتقط عكازه لكن تحدث جواد باحترام:
-خليك زي ما أنتَ..
ثم أنحنى إليه واحتضنه هاتفًا بترحاب كبير بعدما ابتعد عنه وجلس على المقعد الذي يجاور مقعده:
-والله لغايت أخر لحظة كنت فاكرهم بيهزروا معايا وأني هاجي مش هلاقيك.
تمتم عصمت بنبرة حنونة وبها عتاب واضح:
-أعمل إيه بقا مهوا أنتَ مجتش زي أبوك الله يرحمه كان بيعمل ويجيب نسمة معاه فقولت أجي أنا اشوفكم واطمن عليكم وحشتوني أوي.
قالت نسمة بنبرة عفوية:
-وحضرتك وحشتنا.
قاطعت منيرة هذا الحديث الحميمي هاتفة:
-هقوم أخليهم يجهزوا السفرة...
بالفعل تناول الجميع الطعام ومازال جواد لا يشعر بالارتياح من إتيان عصمت الغريب ولا يظن بأن رجل في عمره وأسلوبه منذ سنوات وصحته المتدهورة قد يأتي هكذا دون سبب..
جلس معه بمفردهما بعدما صعدت نسمة حتى تشعر بالراحة قليلًا برفقة منيرة فاليوم استيقظت مبكرًا عن موعد استيقاظها الطبيعي.
سأله عصمت باهتمام ونبرة استطاع جواد أن يستشف أن خلفها الكثير الذي لم يُقال..
-يعني ولا حس ولا خبر ولا حتى ترفع سماعة التليفون تسأل عن عمك عصمت..
رد عليه جواد بحرج:
-حقك عليا والله بس الظروف الفترة اللي فاتت مكنتش أحسن حاجة و...
قال عصمت رغمًا عنه وخرجت من فمه من دون أن يفكر:
-طبعا من ضمن الظروف دي طلاقك أنتَ و رانيا.
رغم أن الجميع قد عرف الخبر بسبب حساب رانيا لكنه لا يظن بأن عصمت عرف الأمر بتلك الطريقة وهنا بدأ يشعر بالقلق...
قال جواد باقتضاب واضح:
-اه من ضمنهم فعلا.
رد عليه عصمت بعتابٍ ولومٍ واضح:
-وليه كده يا ابني هو أنتم عِشرة يوم ولا اتنين؟ ده أنتم كنتوا متجوزين يجي عشر سنين مينفعش مرة واحدة مهما كانت الأسباب تطلقوا ده أنتم حتى عيلة واحدة يا ابني دي بنت عمك عيب عليك...
غمغم جواد كلماته الأخيرة باستنكار شديد:
-عيب عليا؟! هي رانيا كلمتك طبعًا وهي السبب في أنك تيجي وتتكلم في الموضوع.
لم يكن عصمت يُدرك بأن جواد سوف يكتشف ما جاء لأجله بتلك السرعة لكن ليست مشكلة أن يعرف لذلك تحدث عصمت بأعين قوية:
-أه رانيا اللي كلمتني وجت ليا اسكندرية وعايزة ترجعلك يا ابني حرام عليك.
تمتم جواد مقاطعًا حديث الرجل بـسُخطٍ كبير:
-حرام عليا هي قالت إيه ليك بالظبط؟!
هتف عصمت بنبرة جادة وهو يدافع عنها:
-مش هيفرق قالت ليا إيه هي عايزة ترجعلك ومستعدة تعمل أي حاجة أنتَ عاوزها وتنفذ كل طلباتك، وتعمل كل اللي تطلبه منك وتغير كل اللي مش عاجبك فيها، ظلم بنات الناس وحش يا جواد وربنا عمره ما يبارك ليك في حاجة.
تحدث جواد غير مصدقًا تماديها حقًا:
-هي أزاي تسافر ليك وتكلمك في موضوع زي ده..
قاطع عصمت حديث جواد تلك المرة هاتفًا بنبرة جادة وحكيمة:
-وإيه المشكلة يعني؟ واحدة متمسكة بيك وعايزة تعمل أي حاجة علشانك وقررت تدخل حد ما بينكم علشان يرجعكم لبعض، مهما كنتوا كبار يبقى ليكم كبير تتكلموا معاه، وبعدين مينفعش تمسح رانيا من حياتك باستيكة بالشكل ده..
قال جواد بنبرة غاضبة:
-رانيا كانت بتعامل نسمة أسوء معاملة مستحملتنيش لما وقعت وموقفتش جنبي في أكثر موقف كُنت محتاجها فيه، بل طلبت الطلاق، الحقيقة هي كانت الاشجع مني أنها طلبت تنهي وضع زي ده كان المفروض أنا اللي أطلقها من غير ما تطلب ومن زمان مش في ساعتها وبس..
تجهم وجه الرجل ولكنه حتى اللحظة الأخيرة له هنا سيحاول أن يجد حل لهما..
من أجل تلك الفتاة التي أثارت شفقته...
-معلش كانت نفسيتها تعبانة ما عزالدين مكنش عمها بس كان أبوها كمان وطبيعي أنها كانت أعصابها تعبانة برضو واهو أدركت غلطها ومستعدة ترجعلك وتقعد هنا وتعامل نسمة بما يرضي الله فـ ليه العند يا ابني؟!.
قال جواد بنبرة غاضبة ومشحونة كونه يُدرك بأن الرجل الذي أمامه على ما يبدو قامت رانيا أمامه بلعب دور الضحية:
-رانيا علشان تطلقني طلبت مني الشقة تكون باسمها لا بل طلبت كمان إني اكتبلها مستشفى باسمها، رانيا طمعانة فيا مش عايزة راجل تفضل متجوزاه عايزة بنك يصرف عليها لو مقالتش المعلومة دي اديني بقولها ليك.
تلون وجه الرجل ولكنه حاول الدفاع عنها قدر المستطاع:
-متهورة الستات كلها بتحب الراجل اللي يصرف عليها ويدفع وأكيد غلطت في طلبها ده لأن رانيا مش محتاجة فلوس...وقولتلك أكيد كانت هي كمان زعلانة على وفاة أبوك، غير موضوع الحمل مقصر على نفسيتها وكفاية أوي أنها كانت عارفة أنك هتتجوز عليها علشان الخلفة وساكتة ودي حاجة توجع أي ست مهما كان عندك حق.
رد جواد عليه بنبرة غاضبة إلى حدٍ كبير وهو يناظره:
-رانيا مش محتاجة فلوس دي حقيقة لكنها طماعة والطماع ده مش شرط يكون محتاج، وبعدين رانيا مكنتش ساكتة على أني عايز أتجوز علشان هي مكسورة الجناح أو عايزة سعادتي إني أخلف وأن ده حقي لا هي سكتت علشان تقدر تعيش دور الضحية وتطلب بقلب جامد.
ابتلع جواد ريقه وقد فاض به الكيل وها هو يخبره بما لا يعلمه:
-عارف أول يوم رانيا عرفت بيه إني على علاقة بواحدة غيرها وإني هتجوز عملت إيه؟!.
نظر له الرجل بفضول كبير..
مما جعل جواد يخبره بغضب جامح:
-مجتش عاتبتني ولا قالتلي براحتك ولا عبرتني أساسًا لا راحت تعيط لابويا ومش بتعيط علشان عمها يواسيها لا كانت بتبتزه عاطفيًا لدرجة أن من قريب بعد وفاته لما قعدت مع المحامي عرفت أن أبويا السبب أنها فتحت ثلاث أفرع للـ brand بتاعها في نفس الشهر هو اللي اتكفل بكل ده علشان بس يسكتها ومتزعلش.
تمتم عصمت بنبرة غريبة:
-كأنك بتحكي عن واحدة منعرفهاش.
قال جواد بصدق:
-محدش عرف رانيا ولا فهمها قدي بس أنا كنت بعدي وبفوت وكُنت باقي أنها بنت عمي لغايت أخر لحظة لكن ياريتها كانت حاسة بكده..
غمغم عصمت بنفاذ صبر وهو يخبره:
-بقولك إيه يا جواد يا ابني حتى لو كنت اللي بتقوله صح ده مش معناه أنك تيجي عليها بنت عمك وحدانية مهما اتصرفت غلط ممكن تقعدوا مع بعض ونعمل قعدة كده وكل واحد يقول اللي عنده لأن بالطريقة دي محدش فيكم عايز يطلع نفسه غلطان..
ابتلع ريقه ثم أخبره بحنان:
-وكمان أنا بجد حاسس أنها بتتكلم بجد وأنها بتحبك وباقية عليك هتنفذ كل اللي تعوزه، حتى لو اتجوزت عليها ده حقك علشان الخلفة وهي مش هتعترض على أي حاجة.
قال جواد بنبرة يحاول كبت انفعاله فيها قدر المُستطاع:
-أنا متأسف لو حضرتك جاي لغايت هنا علشان الموضوع ده بس أنا ورانيا استحالة نرجع لبعض تاني في حاجات اتكسرت عمرها ما هترجع زي الأول وصدقني رانيا مش ضحية ولا أنا ظالمها...
______________
خلال هذا الشهر...
قام حمزة بتغيير كل ما أراد زهران في الشقة حتى أنه دفع المهر المطلوب منه، وافق على كتابة المؤخر الذي أراده وقام بتنفيذ كافة طلباته وكان هذا من ضمن الأسباب الذي جعلت شقيق انتصار يتفاخر بموافقته الأولية وأن بالفعل الرجل يحب ابنة شقيقته ويرغب في فعل أي شيء حتى يظفر بها..
كان هذا الجانب أراح انتصار والدة العروس نفسها قليلًا ولكنه لم يعطها الطمأنينة الكاملة أو رُبما لأنها أم كانت ترغب في زيجة تحتفل بيها كما يجب فهي ابنتها الوحيدة.
تم عقد القرآن في أحد المساجد بوجود العائلتين وعدد محدود جدًا من الأقارب والأصدقاء...
أخذت سامية تحتضن عمها، والدتها وخالها والجميع قبل ذهابها معه إلى منزلهما..
كانت تشعر بتوتر وارتباك طفيف..
تظن بأنه قد يصاحب أي عروس بعد أن تضع توقيعها على تلك الورقة؛ الحقيقة أنها مجرد ورقة ولكنها تجعل على عاتقك بعض الواجبات وتجعل على عاتق شريكك حقوق لك، ورقة تسمح وتأذن بما كان محرم بل تجعله حلالًا شرعيًا...
ورقة تجعل حياتك تنقلب رأسًا إلى عقب...
رُبما لذلك هي تشعر بالتوتر والارتباك الشديد...
ودعت الجميع وهي ترتدي فستان أبيض بسيطًا جدًا كذلك مساحيق التجميل التي تضعها على وجهها في منظر ومشهد لا يناسب سامية أو "ساسو" خبيرة التجميل التي لطالما انتظر الناس رؤية فستانها ووجهها يوم زفافها...
منذ أن خرجت من دار المناسبات وركبت معه في السيارة متوجهين صوب منزل الزوجية وخلفهما سيارة عمها التي يجلس فيها مع زهران والدتها وخالها لم يأتِ الجميع لأنها ليست زفة بمفهومها الحرفي ولا يستطيع أحد فعل شيء بسبب وفاة والدة حمزة القريبة جدًا...
كانت سامية طوال الوقت صامتة رغم أنه كان يحاول جذب أطراف الحديث معها....
توقف أخيرًا حمزة بسيارته أسفل البناية التي تتواجد فيها شقته في أحد الأماكن الراقية..
هبط من السيارة والسعادة تغمره فتح لها الباب لتبتسم له رغم خوفها وقلقها...
في الوقت ذاته وقفت سيارة زهران ثم هبط الثلاثة منها وخالها أتى بالعشاء الخاص بالعروسين من الحقيبة الخاصة بسيارة زهران..
تمتم خال سامية بهدوء:
-هات المفتاح يا ابني علشان احط ليكم العشاء فوق..
قال حمزة بارتباك طفيف وهو يحاول الحفاظ على ابتسامته وأخرج المفتاح من جيبه وأعطاه له..
-ملهوش لزوم تعبتوا نفسكم..
تحدث زهران بنبرة جادة لكنها باردة:
-مفيش تعب ولا حاجة احنا مش بنتعب في الأصول ربنا يتمم ليكم بخير.
صعد خال سامية وهو يحمل الطعام بينما زهران يستند على سيارته الفخمة، وهنا تمتمت انتصار بنبرة هادئة فهي تجد من أن اللوم أو العتاب قد انتهى وقته:
-خلي بالك على نفسك يا حبيبتي وأنا أن شاء الله هجيلك بكرا يا حبيبتي.
لم ترد عليها سامية بل ألقت نفسها في أحضان والدتها في حركة لا تليق بها لكنها كانت ترغب في الشعور بالمساندة رغم أنها هي سيدة القرار التي أتخذت قرار لا يعجب الجميع.
احتضنتها انتصار رغمًا عنها مهما كانت ابنتها متهورة إلا أنها سوف تظل ابنتها وسوف تظل خلفها في أي قرار حتى لو كان ضد رغبتها...
فمن لها سواها؟.
بعد وقت من العناق والوداع حتى أن خالها الذي ترك الطعام في الأعلى وبعض الحقائب هبط...
صعد حمزة برفقة سامية أمام انظارهم هنا غمغمت انتصار بحسرة وهي توجه حديثها إلى زهران وشقيقها:
-يعني بنتي تكون طالعة مع عريسها كده ومرقعش زغروطة؟!.
كاد شقيقها أن يعاتبها بأن والدة حمزة لم تمر الكثير لكن أعطاها زهران الإذن بقوة:
-زغرطي ولا يهمك حد يا انتصار دي بنتك وفرحتك بيها مش هتتعوض تاني...
لا تدري هل كانت ستفعلها بمفردها؟
أم كانت تنتظر تشجيع أو إذن !!
لا تعلم ولكن بعد كلمات زهران انطلقت زغاريطها التي رنت في أرجاء الشارع الهادئ الذي نادرًا ما تجد فيه سيارة مارة...
كانت وصلت الزغاريط الرنانة إلى أذن حمزة وسامية اللذان يقفا في انتظار المصعد ورغم انزعاج حمزة البسيط من الأمر إلا أنه ابتسم لها ولم يرد بأن يفسد يومهما المميز من أجل أي شيء أما هي كانت صامتة.
دخلت معه المصعد فضغط على الزر الخاص بالطابق الذي يتواجد فيه شقته وما هي إلا دقيقتان تقريبًا وكانت ولجت إلى الشقة برفقته بجسد خائف ومتوتر لا تدري هل شعورها يناسب أي عروس في ليلتها الأولى في منزلها وحياتها الجديدة أم أنها تشعر بخوفٍ بسبب أنها أتخذت خطوة كهذه لا يوافق عليها أحد...
أغلق حمزة الباب خلفه برفقٍ قائلا محاولا جذب أطراف الحديث:
-نورتي بيتك..
ردت عليه بنبرة مرتبكة وهو يأتي ليقف أمامها:
-منور بوجودك..
أقترب منها وأمسك كف يدها ليضغط عليهما بين كفيه برفق وحنان كبير ثم رفعهما إليه وترك قُبلة عليهما متحدثًا بصوتٍ حاني وراغب، متحمس إلى أقصى حد:
-أنا مش مصدق أننا خلاص اتجوزنا بجد فرحان من قلبي يمكن من سنين مفرحتش الفرحة دي كلها..
ابتلع ريقه ثم قال بامتنان حقيقي وتقدير كبير ناظرًا لها نظرات يظهر فيها حبه كمان تراها بأعينها:
-أنا مقدر اللي عملتيه علشاني وأنك خلتيهم يوافقوا، وضحيتي بحاجات كتير علشاني علشان كده أنا عمري ما هخذلك.
سألته بنبرة ضعيفة خرجت منها، نبرة طفلة صغيرة ترغب في الاطمئنان:
-توعدني بكده؟.
كان أخر شيء قاله قبل أن يجذبها إلى أحضانه محاولا القضاء على جميع مخاوفها:
-أوعدك...
_______يتبع_____
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا