القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية فى حي الزمالك الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم ايمان عادل كامله

 رواية فى حي الزمالك الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم ايمان عادل كامله 



رواية فى حي الزمالك الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم ايمان عادل كامله 



الفصل الأول: دَاخِلُ زُقَاقِ مُظْلِمِ 🦋✨


في شارع من شوارع أحدى أرقى الأحياء في مصر والأكثرهم هدوءاً.. حي الزمالك، تسير هي وحيدة ليلاً بينما تُدندن بلحن أغنية ما للست "أم كلثوم" وهي تُضيف بضع كلمات من رأسها  تُماشي اللحن كونها لا تستطيع حفظ كلمات الأغاني.


تمر من جانب شارع جانبي مُظلم، تسمع صوت آنين شخص يتآلم قادم من مكاناً ما فتلتفت حولها بحثاً عن مصدر الصوت.


في أحد الأزقة المُظلمة يقف شاب كما يُطلق على أمثاله 'شمام' وقد قام بدفع شاباً آخر نحو الحائط بقوة وهو يضغط  على قفصه الصدري، على الأغلب هو يحاول سرقته فلا يبدو الأمر كشجار قط.


وقفت تراقب المشهد لثوانٍ لتجد أن الشاب الآخر 'المتثبت'  يخلع ساعته وعلى وشك إخراج حافظة نقوده ومنح كل ما تحويه لذلك الشاب السارق، قلبت عيناها بتملل.. ذلك الأحمق الجبان، يمكنه بحركة واحدة أن يطرح السارق ارضاً لكن يبدو عليه الخوف بالرغم من أن فرصتة لا بأس بها..


حسناً لنكن واقعياً السارق يحمل سكيناً لكنه بنصف وعي فهو يترنح أثناء وقوفه وكذلك هو قصير القامة هزيل البنية أما الآخر فذو بنية قوية فبضربة رأس واحدة يمكن أن يُفقده الوعي.


قلبت عيناها بتملل وهي تنظر إلى المشهد ثم اتخذت قرارها، لطالما نصحتها والدتها مراراً بعدم التهور وعدم الإنخراط فيما لا يخصها لكن الأمر يختلف هنا فهذه حالة إنسانية في نهاية الأمر!


أقتربت بخطى بطيئة تحاول ألا تُصدر أي صوت حتى وقفت خلف الفتى تماماً.


"بست.. كابتن." أصدرت صوتاً بفمها لتلفت انتباهه وبمجرد أن  أدر وجهه لينظر إليه شكلت يدها اليسرى على شكل قبضة وقامت بلكمة بأقصى قوتها مستهدفة منطقة 'الصدغ' .. لم تمنحه هي وقتاً كافياً لإصدار أي ردة فعل فبسبب لكمتها تلك سقط أرضاً فاقداً للوعي على الأغلب، وقف الشاب الآخر يحدق بها في فزع وذهول لتُعلق في سخرية:


"أنت لسه هتنح، يلا نجري بسرعة قبل ما يفوق."


لم يُحرك ساكناً بل وقف يحاول رؤية ملامح وجهها على إضاءة مصباح ضعيف بالكاد يعمل مُسبباً صوت شرار كهربائي بين الحين والآخر.


"براحتك، لو فاق هيعمل منك كفتة.. اه متنساش ساعتك."  علقت بسخرية وهي تتحرك مُبتعدة عنه، يفيق من شروده ويأخذ ساعته ويلحق بها.


"يا آنسة.. ثواني بس.. يا اسمك ايه.." صدح صوته في  المكان بينما تجاهلت هي ندائه حتى وصلوا إلى منطقة مُضيئة وشارع به بعض المارة.


"أفندم، حد ثبتك تاني؟"


"أيه ثبتني ديه؟ أسمها حاول يسرقني يا آنسة."


"اه أنت موقفني ومعطلني عشان تراجع قاموسي اللغوي."


"أوف ثواني ثواني أديني فرصة أتكلم! أنا كنت عايز أشكرك على موقف الرجولة اللي عملتيه من شوية.."


"كويس أنك عارف أنه موقف رجولة، على العموم عفواً."  أردفت ثم استدارت لتُكمل طريقها دون انتظار رداً منه.


"هي قالتلي كده بجد؟" سأل نفسه بإستنكار وحنق، هل حقاً  شككت في رجولته لأنه كان في موقف ضعف!


استرد وعيه من نوبة الغيظ وتذكر أنه ترك السيارة في أمام المقهى حيث كان يجلس لذا سيتوجب عليه السير لمسافة عشرة دقائق تقريباً، وسيضطر إلى المرور بتلك المنطقة المظلمة حيث تمت محاولة سرقته وهو لا يريد أن يمر بذات التجربة بالإضافة إلا أنه إذا صادف ذلك السارق بعد أن استرد وعيه فسوف يسرقة ويبرحه ضرباً جزاءاً لما فعلته تلك الفتاة.


"هطلب أوبر وخلاص." تحدث إلى نفسه وهو يفتح هاتفه ويطلب سيارة لتقوم بإيصاله حتى سيارته، ياله من تبذير!


وصل إلى سيارته بالفعل ليقودها إلى منزله وهو يدعو الله طوال الطريق أن تنسى تلك الفتاة ما حدث اليوم وأن يُمحى ذلك اليوم من ذاكرة كليهما.


أما عنها فأخذت تسير لمسافة خمسة عشرة دقيقة حتى استطاعت إلى مكان يمر منه سيارات أجرى 'ميكروباصات'  كي يوصلها أحدهم إلى منزلها الذي ليس ببعيد.


توقف 'الميكروباص' أمام منطقة تُعد من المناطق المتوسطة أو الشعبية على مقربة من حي الزمالك، تُغادر العربة لتسير مسافة صغيرة إلى منزلها.. تنظر في ساعة هاتفها فتجدها التاسعة ودون تفكير للحظة واحدة تركض بأقصى سرعة نحو المنزل.


تصعد على السلم بهرولة حتى تصل إلى الطابق خاصتهم، تتصل على شقيقتها لتُجيب الآخرى:


"أنتي فين يا ست أفنان الساعة بقت تسعة وخمسة."


"بابا هنا؟"


"لا مش هنا ولو جيه وملاقكيش هيطين عيشتك."


"طب بصي.. أفتحي الباب براحة عشان ماما متصحاش.. أنا عالسلم." قامت شقيقتها بفتح الباب بهدوء وهي تُشير إليها بالدخول دون أن تتحدث.


توجهت أفنان مباشرة إلى غرفتها برفقة شقيقتها ميرال، تُلقي بحقيبتها وأغراضها بإهمال على السرير وتقوم بنزع حجابها الذي قد فسد بالفعل من أثر الركض.


"ايه التأخير ده كله يا هانم أنتي مش قايلة لبابا أنك هترجعي عالساعة ٨ أو بالكتير أوي ٨ ونص."


"اه ياختي بس حصل حاجة في النص كده عطلتني."


"خير إن شاء الله؟ أرغي." جلست أفنان بحماس على السرير لتبدأ في سرد ما حدث بإستمتاع شديد فهي كانت لا تطيق الإنتظار حتى تعود إلى المنزل وتسرد لشقيقتها عملها البطولي.


"يلاهوي! أنتي مجنونة بجد!! افردي كان ثبتك انتي كمان ولا ضربك كنا هنعمل ساعتها؟!


"يا ستي الحمدلله جت سليمة ومحصلش حاجة."


"عمرك ما هتعقلي! إلا قوليلي صحيح كان شكله ايه؟"


"الواد اللي ضربته؟ متشرد كده ومبهدل."


"اللي واد اللي ضربتيه ايه؟! الولد اللي انقذتيه!!" اردفت شقيقتها بنفاذ صبر وبنبرة صوت عالية.


" ششش وطي صوتك لماما تصحى! وبعدين مركزتش بصراحة."


"يعني ركزتي مع شكل الشمام ومركزتيش مع التاني!!!"


"ايوا، لأني مش المفروض ابص لولد وأفضل أبحلق فيه يعني."


"ماشي ياختي، مش هتاكلي؟"


"كلت سندوتش بعد الجامعة مش جعانة." قالت وهي ترتدي منامتها ثم أضافت :


"أنا هنام بقى، عندي سكشن ٨ ونص الصبح."


في صباح اليوم التالي استيقظت متأخرة نصف ساعة كاملة على موعدها وبالرغم من أن المسافة للجامعة ليست ببعيدة إلا إنها قد تأخرت بالفعل!


ارتدت ثيابها دون تكبد عناء تنسيقها، فقد ارتدت وشاح على رأسها بُني اللون يُماشي لون عيناها وارتدت أول ثوب قد قابلها.. لا وقت لإختيار الملابس هنا، لم تحظى بالفطور أو بكوب قهوة يُنشط خلايا عقلها النائمة.. ركضت إلى خارج الشقة ثم شهقت وهي تقول :


"يلاهوي نسيت البالطو!!!" تركض مجدداً نحو الطابق خاصتهم وتطرق الباب بعنف فتفتح شقيقتها بفزع!


"في ايه؟"


"انتي لسه هتندهشي! عديني اتأخرت عالسكشن."


دفعت شقيقتها بعيداً وأحضرت المعطف الطبي الأبيض خاصتها وهرولت نحو الخارج، بعد مرور بعضاً من الوقت خلال الركض والقفز داخل أحشاء 'أتوبيس' نقل عام ممتلء على آخره لكن لا وقت لإيجاد واحداً آخر، واخيراً تصل إلى وجهتها..


"كلية الصيدلة"


هرول نحو المبنى بينما تقفز متخطية درجات السُلم واخيراً تصل إلى معمل الكيمياء الحيوية، تطرق الباب بخفة وقد تمكن منها التوتر.. ستطرد بلا شك أو ربما ستسمع ما لا يسرها.. على الأغلب كليهما.


ترتدي المعطف الطبي خاصتها على عجلة وتُلقي نظرة على هاتفها لتجد أنها تأخرت خمسة عشرة دقيقة بالفعل، تطرق الباب مرتين قبل أن تفتحه سامحة لنفسها بالدخول لتُقابل عيناه البنية المُغلفة بنظرات طبية،خصلات شعر بنية ملفوفة قليلاً وبشرة بيضاء شاحبة قليلاً.. لقد كانت صفاته الشكلية قريبة من خاصتها.


"أنا بعتذر جداً يا دكتور عالتأخير..."


"الساعة كام معاكي يا دكتورة؟"


"تسعة إلا ربع." اردفت بتوتر وهي تعبث في المعطف خاصتها.


"يعني حضرتك متأخرة خمستاشر دقيقة كاملة، ادخلك ازاي أنا دلوقتي؟"


"أنا بعتذر جداً يا دكتور.. الطريق كان زحمة."


"الطريق كان زحمة تعملي حسابك وتنزلي من بدري!" وبخها بقسوة لتشعر بوجهه يشتعل من الحُمرة، لقد قام بإحراجها أمام ما يقرب من مئة وخمسين طالباً داخل المعمل.


"مش هتتكرر تاني يا دكتور."


"لما نشوف.. اتفضلي يا دكتورة ومتتكررش تاني." لم تُعلق على حديثه وذهبت لتجلس وحيدة في نهاية المعمل متجاهلة نظرات الشفقة والشماتة والسخرية.


مرت ساعة ونصف تقريباً أثناء الشرح النظري للجزء العملي، مُعادلات وشرح خطوات التجارب وما إلى ذلك.


"دلوقتي يا دكاترة هنبدأ الشغل العملي، كلكوا عارفين أرقامكوا فياريت كل واحد يقف في مكانه بكل هدوء."


ألقى تعليماته ليُنفذ الجميع الأمر ولكن ليس بهدوء كما طلب منهم بالطبع، إنه لا يكره أي شيئاً في حياته أكثر من العشوائية والإزعاج ولقد تسببوا في كلاهما الآن.


"في أيه يا دكاترة هو أنا بدرس لكي چي؟! ما تكبروا شوية! وأنتي يا دكتورة سايبه البالطو مفتوح ليه؟ هو أنتي أول مرة تشرفي في معمل!!"


جفلت لثوانٍ من نبرة صوته العالية التي تسببت في إلقائه للأنبوبة التي في يدها فتنكسر، تُغلق المعطف خاصتها وتُشيح بنظرها بعيداً عنه وهي تعمل على تجميع بقايا الأنبوبة وتُلقيها في سلة المهملات.


حاولت تجاهلة تماماً طوال الوقت المقرر لهم داخل المعمل كما أنها حاولت الإلتزام بكل تعاليمه حتى لا تسمع المزيد من التوبيخ.


"دكتور دي الأرقام اللي طلعت معايا في المعايرة."


قالت وهي تناوله الدفتر وقد كُتب فيه نتائج التجارب.


"تمام التجارب كلها مضبوطة." أردف ثم وضع لها العلامات في الدفتر.


"اللي خلص التجارب وخد درجاتها وكتب اسمه في الغياب يقدر يمشي."


إلهي كم كانت تنتظر هذه اللحظة على أحر من جمر، توجهت نحو الخارج وخلعت معطفها على الفور ثم أخذت تسير بأقصى سرعة مبتعدة عن أعين أصدقائها.


وقفت في الجهه الآخر المبني حيث يوجد المكان المخصص للسيارات والذي يكون خالياً من البشر عادة، هي تعلم أنه سيأتي إلى هنا ليقوم بوضع بعض الأوراق داخل سيارته لذا وقفت تنتظره وبمجرد أن رأته قادم أختبئت إلى جانب أحدى الأسوار حتى كان على بُعد بضع مترات منها.


"بقى أنا تهزقني التهزيق ده كله قدامهم فوق يالا!!"


صاحت بغضب وهي تضربه في صدره بواسطة حقيبة الظهر خاصتها!


___________________________________


تذكره : "اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت.❤"


وبكده يبقى خلص أول شابتر في الرواية القمر دي 👈🏻👉🏻❤


محتاجة أعرف رأيكوا في طريقة السرد والحوار؟


ايه رأيكوا في المواقف اللي حصلت؟


طبعاً أخواتي اللي في كليات علمية فاهمين شعورها ومرمطة السكاشن والخناق عالبالطو والأدوات والوقفة في المعمل 😂😂😂🤍🤍


بااي ❤✨


#متنسوش_تفاعل_كومنتات_ولايكات_كتيييير_👏👏

الفصل الثاني: شِجَارُ عَائِلِي 🦋✨


"بقى أنا تهزقني التهزيق ده كله قدامهم فوق يالا!!"


صاحت بغضب وهي تضربه في صدره بواسطة حقيبة الظهر خاصتها!


"أنتي ازاي تسمحي لنفسك تكلميني بالإسلوب ده؟! احترمي نفسك يا دكتورة." تحدث بنبرة جديدة وهو ينظر حوله  ليتأكد أن لا أحد قد سمع ما قالته.


"أنا احترم نفسي يا نوح؟ طب والله لأقول لخالتو بليل هاه! " اردفت بحنق وبغضب طفولي وهي تحمل حقيبتها وترحل،  وقد اتخدت قرار بإخبار خالتها بما فعله دون إنقاص حرفاً واحداً.


عادت أفنان إلى منزلها في حوالي الساعة الثالثة بعد انتهاء اليوم الأخير لهذا الإسبوع، واخيراً عطلة لمدة يومان.. وكما اعتادت أسرتها أمسية الخميس تقضيها برفقة خالتها ويوم الجمعة في منزل جدتها أم أبيها ويوم السبت للجلوس في المنزل والإستذكار.


توقفت سيارة الأجرى أمام منزل خالتها في حي 'فيصل'  بمحافظة الجيزة، توجهوا نحو منزل خالتها بعد شراء بضع كيلوهات من الفاكهة المتنوعة قبل صعودهم.


"حبايب خالتو أخباركوا ايه؟" قامت بالترحيب بهم ومن ثم تقبيلهم وعناقهم ثم جاءت لحظة الشجار التي تتكرر أسبوعياً تقريباً


"مكنش في لزوم تجيبي حاجة كلفتي نفسك.." وهنا يبدأ الشجار، لذا تجاهلت أفنان الأمر وذهبت لتجلس على الأريكة وبجانبها شقيقتها.


"إلا قوليلي يا خالتو هو نوح مش هنا؟" سألت ميرال وهي تتجول بعيناها بالشقة بحثاً عنه.


"طب يا ستي اسألي عن مريم الأول." قالت خالتها بمزاح لتتورد وجنتي ميرال، ثم تصيح بصوتاً مرتفع نظراً لبعد المسافة :


"نوح... واد يا نوح خالتك وبناتها هنا ورن على أختك استعجلها." بعد دقيقة خرج نوح من غرفته وهو يرتدي بنطال 'كاروهات' و 'بلوزة' باللون الرمادي، بدى وسيماً بالإضافة إلى خصلات شعره المُبعثرة.


"أنا بقى جاية أشهدك يا خالتو بقى يرضيكي نوح يهزقني قدام السكن كله النهاردة؟"


"صحيح الكلام ده يا واد؟ دي هتبقى خطيبتك مستقبلاً تقوم تزعقلها قدام الناس." وبخته والدتها بنبرة تجمع بين الجدية والمزاح، بينما ارتد الماء في حلق أفنان فور سماعها لما قالته خالتها وتسعل بقوة أما عن ميرال فقد تجهم وجهها.


"اسم الله عليكي." قالت والدتها وهي تضربها بخفة على ظهرها لتُحاول طرد الماء، بعد أن تأكدو أن أفنان بخير لم يسلم نوح من نوبة توبيخ ليبرر أفعاله قائلاً :


"ما هو أنتي برضوا اتأخرتي وأنتي عارفة أني بكره عدم الإلتزام."


"وهل ده مبرر أنك تفرج عليا المعمل كله النهاردة؟"


"قولتلك مية مرة يا أفنان أنا موقفي حساس في الكلية عشان أحنا قرايب وأنا محبش حد يقول أني سايبك بتدلعي عشان قريبتي."


"سايبني بتدلع؟ ليه هو أنا كنت داخلة السكشن بشرب عصير وباكل مولتو ولا كنت دخلالك بسيجارة وصاحبي في ايدي؟!"


"لا داخلة متأخرة ربع ساعة ومش قافلة البالطو." 

اردف بنبرة استفزازية وهو يبستم لكن زاد ذلك من إمتعاض وجه أفنان التي قالت :


"أنا هدخل استنى مريم في أوضتها."


"معلش يا نوح متزعلش تلاقيك رخمت عليها بزيادة شوية النهاردة." تفوهت ميرال بنبرة هادئة ليصمت هو لثوانٍ وهو يحك ذقنه بإهامه ثم يقول :


"بس هي عندها حق.. أنا فعلاً زودتها حبتين، بس هي لازم تفهم إن موقفي حساس."


"عندك حق." علقت ميرال دفاعاً عن نوح ليبتسم لها بينما وقفت الآخرى في شرفة غرفة مريم تُحدق بالمارة بالشارع وفجاءة بدأ شجار بين ثلاثة شُبان بدون مقدمات وأخذو يسبون بعضهم البعض بألفاظ بذيئة 'لا يليق أن تقرأها عزيزي القارئ' وأحضر أحدهم آلة حادة من مكاناً ما وكان على وشك جرح الآخر بينما وقف شاب رابع في أحد الجوانب ويبدو عليه الذعر..


هو على الأغلب رفيقهم لكنه يخشى التورط بالرغم من أنه يبدو عليه القوة.. ذكرها ذلك بالشاب الذي قابلته لتضحك مُتذكرة منظره المُرتعب.. لا تذكر ملامحة كثيراً لكنها تذكر أهم ما يميز أي شاب..


'ساعة يده.'


أجل التي كانت على وشك أن تُسرق لولا أن تدخلت هي..


أخذت تسترجع ما حدث وهي تضحك وحدها ببلاهة لتقتحم مريم الغرفة فتشهق الآخرى بفزع.


"حرام عليكي خضتيني."


"كنتي بتضحكي على ايه لوحدك كده؟"


"مفيش.. كنت ببص عالخناقة." أجابت وهي تشير برأسها نحو الشارع.


"أنتي لسه بتحبي تتفرجي عالخناقات؟"


"زي ما أنتي شايفة كده."


"إلا أيه حوار أنك زعلانة من نوح ده؟"


"مفيش يا ستي البيه بيهزقني في وسط السكشن بس خلاص خالتو جابتلي حقي."


"لا وأنتي يا حرام منكسرة ومبتعرفيش تاخدي حقك." سخرت منها مريم لتبتسم أفنان وهي تقلب عيناها قبل أن يطرق نوح الباب طالباً الإذن للدخول.


"متزعليش مني يا أفنان.. أنتي عارفة أنا بعزك أد أيه."


"خلاص مش زعلانة بس لو اتكررت هعمل في وشك لوحة بالمواد الكيميائة تمام؟" تحدثت بنبرة جادة.


"أنتي كنتي المفروض تبقي سفاحة مش دكتور ابداً، المهم عايزك تركزي كويس إمتحانات العملي فاضلها أسبوعين."


"متقلقش أنا مذاكرة كويس."


انتهي اليوم سريعاً بعودتهم إلى منزلهم، تستيقظ أفنان في صباح الجمعة على رائحة البخور الذي عقم الشقة كاملاً وصوت القرآن المُطمئن للنفس بصوت شيخ ذو صوتاً عذب يُريح كلاً من الأذن والقلب.


"يلا يا أفنان الفطار جاهز." صاحت ميرال لتستقيم الآخرى من الفراش وهي تفرك عينيها وتتوجه نحو الخارج.


"صباح الفل يا ميمي، صباح الفل يا ماما."


"صباح الخير يا حبيبتي، يلا أغسلي وشك وهاتي الحاجة مع أختك من المطبخ عقبال ما أبوكي ما يجي من الصلاة."


نفذت أفنان ما قالته والدتها وتناولوا فطورهم بنهم شديد وسط جو أسري متماسك لكن أفنان كانت تعلم أن كل ذلك سيتحول إلى شجار عند عودتهم من منزل عمتهم، فهي لا تنفك تُلقي ببعض العبارات التي تجعل والدتها تشنعل غيظاً فيقف والدها حائراً لا يدري إلى أي طرف يجب عليه أن ينحاذ بالرغم من أنه لم يكن طرفاً في الحوار من الأصل!


بدلت أفنان ثيابها وانتظرت أسفل العمارة هي وشقيقتها في انتظار والدتهم ووالدهم الذي يُحضر سيارته طراز المئة ثمانية وعشرون، سيارة صغيرة لكنها لطيفة وتفي بالغرض.. سيذهبون إلى قلب حي الزمالك حيث تقطن عمتها في أحدى العمارات هناك.


"مش عايز خناق مع عمتكوا لو قالت حاجة خدوها على اد عقلها مش عايزين مشاكل، انتوا عارفين أن الخطة اتغيرت وبدل ما هنروح لماما هنروح شقة عمتكوا." وافق جميعهم على تعليمات الأب ظاهرياً لكنه كان يعلم أن المشكلة الكبرى تكمن في أفنان فهي لن تقبل أن يُعلق أي شخص تعليقاً لا يروق لها وأنها سوف تعترض وتتشاجر.


وصلوا بالفعل إلى شقة عمتها وجلسوا جميعاً في ود حتى جاءت ابنة عمتهم لتجلس معهم.. ريماس!


الفتاة المدللة للعائلة والحفيدة المُفضلة كذلك.


"ريماس بنتي تعبانة أوي يا عيني في كلية الطب."

قالت عمتها مُقتحمة الهدوء السائد في المكان.


"ربنا يكون في عونها." قالت ميرال بلطف لتُضيف عمتها :


"لكن كله يهون طالما هتبقى دكتورة اد الدنيا ويبقى أبوها يفتحلها عيادة إن شاء الله، ممكن وقتها بردوا يا أفنان يبقى أبوكي يفتحلك صيدلية تحتها وأهو شغل عيادة ريماس ينّفعك." وضعت أفنان كوب العصير بعصبية أعلى الطاولة أو كانت محاولة لكسره تقريباً، لا تدري ما الذي تحاول أن تصل إليه عمتها 'سميرة'.


"إن شاء نفرح بيهم وبتخرجهم هما الإتنين الأول وبعدين نبقى نشوف حكاية الشغل دي." تفوهت والدة أفنان بلطف.


"اه.. بس كده كده مستقبل ريماس مضمون ما هي هتبقى دكتورة لكن الدور والباقي بقى على الصيدلانية.. مش كنتي تدخلي طب أحسن يا أفنان؟"


"أنا مقتنعة بكليتي جداً يا عمتو وناجحة فيها الحمدلله وبعدين ما حضرتك عارفة يعني أني كنت جايبة مجموع طب بس أنا اللي حبيت أدرس صيدلة."


"كده كده مصاريف طب كانت هتبقى غالية على أبوكي."  بنبرة غرور واستفزاز تحدثت عمتها وهي تُحرك يدها كي يلاحظوا الأساور الذهبية الجديدة التي ابتاعتها.


"والله يا عمتو مش حكاية مصاريف أنا بس بدرس اللي مناسب ليا وبحبه مش بدري أي حاجة وخلاص لمجرد أني معايا فلوس." اردفت أفنان بإبتسامة صفراء وهي تقصد بحديثها ريماس التي استطاعت الإلتحاق بكلية الطب في جامعة خاصة لأن مُعدلها لم يسمح لها بدخولها دون أن تدفع الآلاف في جامعة خاصة، بالطبع أفنان لم تقصد التقليل من طلاب الجامعات الخاصة بشكل عام فأغلبهم طلاب جيدون ومجتهدين لكن ريماس ليست كذلك.


"أنتي تطولي اصلاً تدخلي جامعة زي اللي أنا فيها." تحدثت ريماس بغرور لتنظر نحوها أفنان بإمتعاض وتشكل يدها على شكل قبضة.


"ده بركة أن أنا مش فيها والله عشان لو كنت معاكي فيها كنت هخلي اللي ما يشتري يتفرج عليكي يا ريمو يا حبيبة قلبي." بنبرة مزاح مختلطة بالسخرية قالت أفنان لتشهق ريماس بصدمة مفتعلة ثم تقول:


"شايفة يا مامي بتتكلم معايا ازاي؟"


"مامي؟ لا بقولكوا ايه قولوا لبابا أني هنزل استناكوا تحت.. كفاية عليا لحد كده بدل ما ارتكب جناية." تحدثت بعصبية وهي تأخذ حقيبتها وتغادر متجاهلة نداء والدتها وشقيقتها.. إن جلست برفقتهم لدقيقة آخرى ستقول ما لا يصح قوله.


تسير داخل الشوارع السكنية بحي الزمالك دون وجهه محدده، لم تبتعد كثيراً عن المنزل وقد كانت تهيئ نفسها لسماع محاضرة في الأدب والأخلاق من والدها عند عودتهم إلى المنزل.. لكنها لم تُخطئ من وجهه نظرها، فعمتها دائماً ما تتعمد إحراجهم بشكلاً أو بآخر ودماً ما تلقي تعليقات حول مستواهم المادي.


صدح صوت رنين هاتفها في الشارع الهادئ لتُخرجه من حقيبتها وقد علمت مسبقاً من هو المتصل.


"الأخبار لحقت توصلك؟"


"أنتي كويسة؟"


"الحمدلله مفيش خسائر في الأرواح."


"بتكلم بجد يا أفنان."


" اه يا نوح كويسة أنت فاكر أني هتأثر بالهبل اللي اتقال يعني؟!"


"كونك شخصية قوية وبتعرفي تجيبي حقك ميمنعش أنك ممكن تزعلي أو أن الكلام يجرحك."


"مش مهم زعلي.. المهم كرامة أمي وأبويا وأن محدش يتجرأ يقول عليهم نص كلمة."


"هي زعلتك أوي بالكلام؟"


"وهي يعني ميرال محكتش بالتفاصيل؟"


"ادتني نبذة وقالتلي كلم المجنونة اللي نزلت وسابتنا دي."


"أجمل حاجة في العيلة دي أن كلها بتحترمني." اردفت بسخرية ليقهقه كلاهما ثم تُردف هي بنبرة لطيفة ولكن جادة :


"ربنا يخليك ليا يا نوح.. أنت مش متصور وجودك جنبي في كل مواقف حياتي عمتاً بيفرق معايا ازاي."


"ويخليكي يارب.. أنتي كمان وجودك بيفرق معايا وبتبسط لما بنقعد نتناقش ونتخانق كده."


"حقيقي.. حقيقي أنت أحسن أخ في الدنيا."


"نعم!!! بعد كل ده وتقولي أخوكي؟!!!"


قال بنبرة أشبه 'بالردح' ..


_______________________________


تذكره : "من أراد تعجيل النِّعم فليكثر مِن الاستغفار."


وبكده يكون خلص الفصل التاني ❤ ان شاء الله الفصول هتبقى أطول بداية من الفصل الجاي إن شاء الله 🥺❤


أولاً شكراً جداً على دعمكوا والكومنتات اللطيفة اللي اتكتبت 🥺🥺🥺❤❤


ايه رأيكوا في الحوار؟ ❤


علاقة نوح وأفنان؟ 👈🏻👉🏻


شخصية ريماس ومامتها؟ 😂


متنسوش تعملوا ڤوت وكومنت بليز وإن شاء الله هنزل فصل جديد قريب أوي ❤✨


#متنسوش_تفاعل_كومنتات_ولايكات_كتيييير_👏👏


بحبكوا + باااي ❤✨


الفصل الثالث: أَزْمَةٍ مَالِيَّةٍ 🦋✨


"حقيقي.. حقيقي أنت أحسن أخ في الدنيا."


"نعم!!! بعد كل ده وتقولي أخوكي؟!!!"


قال بنبرة أشبه 'بالردح' ..


"أفنان! " جاءها من الخلف صوت والدها الغاضب.


"طب اقفل دلوقتي يا نوح ونبقى نكمل كلامنا بعدين." أنهت المكالمة سريعاً وهي تشكر والدها داخلياً أنه أنقذها من حديثها مع نوح بشأن علاقتهم.


"نعم يا بابا.."


"أنتي ازاي تتكلمي مع عمتك بالإسلوب ده؟" سأل بغضب ثم أشار لها بإصبعه بألا تتحدث ثم أشار برأسه نحو هاتفه لتقترب وتُلقي نظرة، كما توقعت إن والدها يُمثل أنه يعاقبها كي يرضي شقيقته ولكي يرتاح من آلم الرأس.


"أنا أسفة يا بابا مش هتتكرر تاني." اردفت بنبرة متأثرة.


"لو اتكلمتي معاها كده تاني مش هيحصلك كويس أنتي سامعة؟"


"حاضر يا بابا." قالت ليبتعد عنها بمسافة كافية ويتحدث في الهاتف يُنهي المكالمة ويعود إليها.


"متزعليش من كلام عمتك.. أحنا فعلاً ظروفنا مش أحسن حاجة لكن وحياتك عندي لو كان نفسك في الطب كنت هدخلهالك حتى لو اضطريت أشتغل بعد الضهر."


"ربنا يخليك يا حبيبي ويباركلي في عمرك.. حضرتك عارف أني كده كده حلمي كان الصيدلة من زمان وإني الحمدلله مبسوطة في الكلية وتقديراتي كويسة، أنا مش بزعل عشان نفسي لكن لما بحس أن الكلام فيه تلميح على حضرتك أو ماما مش بقدر اتمالك أعصابي."


"أنا عارف.. تسلميلنا يا حبيبتي بس برضوا خوديها على أد عقلها ومتركزيش معاها."


"في أيه هو أخوكي يعني وأنا معرفش ولا ايه؟"


"زي أخويا وأنا قولتله كده من قريب."


"أنا بصراحة مش مقتنعة بالهري اللي أنتي بتقوليه ده."


"وأنا هكدب عليكي ليه؟ بصراحة أنا تفكيري في الوقت الحالي كله للدراسة.. أنا كل اللي يهمني أني أنجح بتقديرات كويسة وأتعين في شركة ولا مصنع أدوية محترم وأعوض بابا عن كل سنين الشقى." تحدثت أفنان بصدق.


"كل ده جميل وربنا يوفقك فيه.. لكن أظن أن خطوة زي قراية فتحة مثلاً هتبسطه أوي."


"هو نوح هو اللي قالك تكلميني؟" سألت أفنان بصدمة.


"لا نوح ميعرفش ولا قال حاجة أصلاً."


"لا يا شيخة؟" سألت أفنان بغيظ قبل أن تنقض على مريم وتضربها بالوسائد.


"وأما هو نوح ولا أتكلم ولا فتح سيرتي بتتسحبي من لسانك ليه؟ وبعدين نوح اصلاً مشغول برسالة الماچيستير اللي بيعملها.. بطلوا تطلعوا إشاعات بقى!"


"انتوا الإتنين خايبين!"


"يعني الولد بيحضر ماچيستير وأنا بطلع من أوائل الدفعة.. تصدقي خايبين فعلاً." علقت بسخرية وهي تقلب عيناها بتملل قبل أن تقول:


"بقولك ايه غيري سيرة الحوار ده.. يالهوي تصدقي حصل حاجة من شهر كده ونسيت احكيلك."


"حاجة ايه؟ خير إن شاء الله."


"كنت ماشية في الشارع وبعدين...." سردت لها ما حدث ذلك في اليوم في الزقاق المظلم حيث أنقذت الشاب ليضحك كلاهما، مؤكد أنه يشعر بالعار لما حدث ومؤكد أنه لو رأى أفنان مجدداً لأبرحها ضرباً لسردها ما حدث لكل من تعرفهم تقريباً (عدى والديها.)


"حاضر يا بابا.. يلا نمشي."


"يلا يا حبيبتي." انتهت المحادثة هنا لتقترب أفنان وتقبل رأس والدها ثم تأخذ بيده ويذهبوا إلى السيارة حيث ينتظرهم والدتها وشقيقتها.


انقضى اليوم بسلام بل وشهراً كاملاً.. لم يتحدث أفنان ونوح كثيراً خلال تلك الفترة سوى ليطمئن كيف أدت في الإختبارات وها هي قد أنهت عامها الثالث بكلية الصيدلة.


"كل ده نوم؟ أنتي جثة يا بنتي؟!" صاحت مريم وهي تقتحم غرفة أفنان وميرال.


"أيه ده.. أنتي جيتي أمتى؟" سألت أفنان وهي تفرك عيناها.


"بقالي ساعة.. فتحت أنا وميرال النور وشغلنا فيلم بصوت عالي وأنتي ولا هنا... حلوفة!" قالت وهي تقذف أفنان بالوسائد الصغيرة.


"يا ستي ما صدقت خدت أجازة!! مش كفاية سكاشن ٨ ونص بتاعت أخوكي!!"


استيقظت أفنان بعد معاناة كبيرة، قامت بتجهيز فنجان من القهوة ثم عادت للحجرة مجدداً.


"أيه يا بنتي ده؟ قهوة عالريق."


"يا ستي كلت سندوتش وأنا في المطبخ، إلا هي ميرال راحت فين؟"


"نزلت تجيب حاجات مع خالتو وبصراحة بقى أنا قولت نقعد أنا وأنتي على إنفراد." تحدثت بحماس وهي تغمز بإحدي عينيها لتنظر نحوها أفنان في ريبة وتقول:


"أيه يا مريم هتعملي ايه؟ متتهوريش!!" اردفت بدراما زائدة وهي تتشبث بثيابها.


"يا بت بجد.. نوح أخويا."


"والله؟ معلومة جديدة كنت فكراه جاركوا وبتعطفوا عليه."


"بطلي هزار.. قصدي موضعكوا يعني."


"ما شاء الله هو كمان في مواضيع؟ مريم أنا ونوح متربين سوا ها.. متربين سوا."


"كان شكله أيه بقى؟"


"يادي أم السؤال اللي كله بيسألهولي كل أما تيجي سيرة الموضوع! مش فاكرة حاجة غير شكل الساعة."


"الساعة؟" سألت بتعجب لتومئ أفنان بحماس وتردف :


"بصراحة أول حاجة بتلفت نظري هي الساعة.. بحسها رمز الشياكة بالنسبة للولاد والرجالة يعني."


"طب مفيش أي حاجة تانية غير الساعة؟ أكيد ابن ناس بقى وكده."


"واد صايص كده.. مش عارف يدافع عن نفسه يا ستي أنا أرجل منه."


"هو مين ده؟" اردفت ميرال وهي تقتحم الغرفة.


"بنت حلال كنا لسه جايبين في سيرتك.. اقعدي بقى مع مريم عقبال ما أشوف حاجة مهمة عالاب توب." استطاعت أفنان أن تهرب من الحديث حول نوح.


"حاجة مهمة ايه؟"


"بقلب كده في صفحات الصيدليات لو عايزين حد part time 'نصف دوام' أو مصنع أدوية.. أي حاجة مفيدة في المجال يعني."


"طب يا ستي ربنا يوفقك." أخذت تتصفح في موقع شهير للبحث عن وظائف وتدريبات حتى وقعت عيناها على تدريب في شركة من كبرى شركات الأدوية في مصر... شركة RHEB، لكن لسوء حظها لقد اكتمل العدد كما هو موضح لكنها رأت أنه لا بأس من المحاولة فهي تقدم طلب للتدريب لجميع الشركات والمصانع لعل أحدهم يقبل بها حتى وإن توافي الشروط كاملة.


طُلب منها أن تضع سيرتها الذاتية أثناء التقديم على التدريب، نظرت للشاشة بسخرية.. يريدون أن يعلموا خبراتها لمنحها التدريب.. إن كانت تملك خبرات سابقة وكافية لما عساها تُقدم على تدريباً آخر؟!


على أي حال وضعت سيرتها الذاتية التي تتضمن بياناتها وعلاماتها في السنتين الماضيتين بالإضافة إلى عمل تطوعي او اثنتين قد ساهمت فيهم.


وجدت أن هناك اسئلة يتوجب عليها أن تجيبها من أجل التسجيل، كانت تحتاج إلى ذكاء وإتقان وكأنه إختبار IQ لا إختبار للكيمياء وعلم الدواء والأمراض لكن لا بأس لقد حاولت على الأقل.


"هو نوح أخباره أيه؟ والرسالة اللي بيقدمها خلصت ولا لسه؟" سألت ميرال بإهتمام لتنظر نحوها مريم وهي تُضيق عيناها بشك.


"اشمعنا؟"


"اشمعنا ايه يا بت هو مش ابني خالتي وواجب اطمن عليه برضوا؟"


"بقولكوا أيه انتوا بترغوا كتير أوي أنا هروح أحضر الغدا مع ماما." انسحبت من الغرفة تاركه إياهم يتحدثون بشأن نحو وتوجهت لتساعد والدتها.


"مالك يا ماما شكلك متضايق؟" سألت أفنان بقلق لرؤيتها وجه والدتها العابس على غير العادة.


"مفيش حاجة."


"متأكدة؟"


"عمتك وأبوكي اتخانقوا."


"ليه بقى؟"


"عشان إيراد المحل بتاع جدك الله يرحمه.."


"مش تيتا بتاخد الفلوس شهر وبابا شهر وعمتو شهر؟"


"اه.. بس جدتك بقى شايفة أن أبوكي مش محتاج الفلوس عشان هو راجل وخلاص كبر." اردفت والدتها بحزن وقلة حيلة..


"نعم؟ ده ورث هو ايه الهبل ده؟!"


"بتقول أن عمتك وبنتها أولى عشان جوز عمتك مسافر."


"اه جوزي عمتي مسافر بيشتغل برا مصر وبياخد مرتب ما شاء الله كبير وبيبعتلهم كل شهر! لكن أحنا ظروفنا مش أحسن حاجة.."


"هنعمل ايه بقى يا بنتي حكم القوي.."


"متشليش هم يا ماما.. أنا هدور على شغل.. واصلاً ميرال كمان بتدور وإن شاء الله ربنا هيكرمها." اردفت أفنان في محاولة لطمئنة والدتها.. لقد أخذت الأمور تزداد سوءاً مؤخراً..


"خلاص فرفشي كده يا رورو." قالت أفنان وهي تستخدم اسم تدليل لوالدتها ثم تقبل رأسها وتبدأ في تحضير الطعام.


"صحيح لما تخلصي أبقي غيري هدومك عشان نوح جاي يتغدى معانا."


"حاضر.. بس هو مش مريم هتبات معانا؟ إيه اللي جايبه؟"


"وأنتي مالك أنتي بيت خالته يجي في الوقت اللي يحبه."


"أنا شاكة أنك بتحبي نوح أكتر ما بتحبينا."


"طب ما دي حقيقة."


"شكراً أوي يا ست الكل.. خلي نوح يجي يخرطلك الملوخية بقى."


بعد ساعة ونصف تقريباً كانت تحضيرات الغداء قد تمت.


"الباب بيخبط افتحي يا أفنان ده أكيد نوح." صاحت والدتها من الداخل لتهرول ميرال نحو الباب وتقول :


"هفتح أنا."


"ازيك يا نوح عامل ايه؟" قالت ميرال بإبتسامة واضحة ليُبادلها نوح ويقول :


"الحمدلله بخير، جبتلكوا آيس كريم من اللي أفنان بتحبه."


"شكراً، أتفضل.. أغسل ايدك وأقعد عالسفرة." 

جلس الجميع لتناول الغداء وبرفقتهم والدها 'أحمد' الذي كان واضح عليه الحزن وإنشغال رأسه بالتفكير..


"أظن يا أفنان ضيعتي أسبوعين في النوم واللعب المفروض دلوقتي تنزلي تدربي."


"لا وأنا مستنية أقتراحاتك يخويا.. بعت طبعاً لشركات أدوية ومصانع بس لسه محدش رد عليا."


"إن شاء الله يجيلك تدريب كويس أنتي متفوقة وتستحقي.. عمتاً أنا في تدريب كده احتمال أنزله قريب لو الموضوع مشي هاخدك معايا."


"لا يا سيدي شكراً مبحبش الوسايط أنا هعتمد على نفسي."


"الحق عليه أنه بيساعدك يعني؟ سيبك منها يا حبيب خالتو وكُل."


"مالك يا بابا مش بتاكل كويس ليه؟" سألت ميرال لتدعس أفنان على قدمها لتصمت الآخرى.


"مفيش يا حبيبتي مرهق من الشغل بس."


"إلا قولي يا نوح تعرف شركة اسمها RHEB؟"


"أعرف شركة اسمها RHEB؟! دي مشهورة جداً يا بنتي.. مش أي حد يعرف يدخلها ولا حتى يعدي من قدمها."


"خلاص يعم الأوڤر.. أنا عارفة أنها شركة كبيرة بس قولت اتأكد منك."


"أفنان بقولك أيه عايز أتكلم معاكي في موضوع كده بعد الغدا." تحدث وهو يُعيد ضبط نظارته الطبية.. إنه متوتر، أنقبض قلب أفنان وهي تدعو الله بداخلها ألا يتحدث بالموضوع الذي في رأسها.


"ماشي مفيش مشكلة."


أنهوا الطعام وذهبت ميرال لتُعد طاقم من 'الشاي الساده' بينما وقف نوح وأفنان في الشرفة ليتحدثوا.


"خير يا دكتور."


"دكتور أيه أنتي كمان هيبقى هنا وفي الجامعة؟"


"أخلص يا عم الحج مش فاضية."


"هو أنتي في حد في حياتك؟" سأل لتشعر بغصة في حلقها.


"اه طبعاً في.." تجهم وجهه لثوانٍ وشعر بأن قلبه على وشك مغادرة ضلوعه.


"كتب العضوي والحيوي والبوتاني والميكرو ولا كل دول مش مالين عينك." نظر نحوها بإشمئزاز وعصبية قبل أن يقول:


"ولما اسقطك في العملي بترجعي تزعلي!"


"يعم بهزر معاك الله! نوح أنت أخويا وصديقي الصدوق، أكيد لو في حاجة زي كده هحكيلك يعني."


ابتسم براحة ثم صمت وهو يتأمل ملامحها التي تُشبه خاصته فكلاهما يُشبهان والدته أي خالتها، العيون البُنية والبشرة البيضاء الباهتة قليلاً والأنف الصغيرة نسبيًا لكن الإختلاف كان يكمن في لون خصلات شعره البنية المُلتفة.


"تاخد صورة أربعة في ستة تتنح فيها براحتك؟"


"هو أنتي يا بنتي على طول مسحوبة من لسانك كده؟"


"ما أنت لسه هتسبل وأنا بصراحة مليش خلق للكلام ده."


"بقولك أيه أنا ماشي."


"بطل رخامة وأقعد معانا شوية."


"طب روحي هاتي الآيس كريم اللي جبته ناكل كلنا سوا."


"هتذلنا عشان جبتلنا علبة آيس كريم؟ عالعموم ماشي يا سيدي."


بعد مرور أسبوع كانت تتصفح أفنان هاتفها بملل حتى وصلها إشعار على البريد الإلكتروني خاصتها..


"مرحباً أفنان، نُحب أن نعلمكِ بأنه تم قبولكِ بشكل مبدأي للحصول على تدريب في شركات RHEB، علماً بأنه يتوجب عليكي الحضور لإجراء مُقابلة شخصية في يوم الثلاثاء الموافق ../../.. 

وفي حالة أن تم قبولكِ سيكون هناك مبلغ عليكِ سداده ثمناً للتدريب وهو ألف جنيهاً مصرياً فقط لا غير، في حالة إنها التدريب كاملاً دون التغيب يحصل المتدرب على شهادة لإنهاءه التدريب مع وضع اسمه في لائحة الإنتظار للتعينات بعد التخرج."


لم تشعر أفنان بنفسها إلا وهي تقفز وتصرخ بجنون داخل حجرتها.. لم تظن ولو بنسبة واحد بالمئة أنه سيتم قبولها!! خاصة وأن العدد قد أكتمل وأنه بالتأكيد قد قام مئات الطلاب بتسجيل إستمارة التدريب.. لكن وقع الإختيار عليها!


إن استطاعت إجتياز هذه المقابلة الشخصية وإنهاء ذلك التدريب فستكون نقطة قوة كبيرة في تاريخها المهني ولربما استطاعت في المستقبل الحصول على وظيفة في هذه الشركة!


"خير يا أفنان في حاجة ولا أيه؟" دلفت والدتها إلى الحجرة بقلق وهي تمسك في يدها أدوات الطهي.


"معلش خضيتك.. بس أصلي اتقابلت بشكل مبدأي في شركة أدوية كبيرة أوي!!!"


"الله أكبر مبروك يا حبيبتي..هتشتغلي يعني؟"


"لا لا ده تدريب.. بس أنتي مش متخيلة يا ماما الموضوع ده هيفرق معايا إزاي بجد!"


"طب ما تتكلي على الله يا بنتي وتشوفي أيه المطلوب." هنا قفز إلى رأس أفنان تكلفة التدريب..

كيف ستستطيع توفيرها؟ إن والدها على وشك أن يمر بأزمة مالية..


"مالك قلبتي وشك ليه كده؟"


"أصل.. هما عايزين ألف جنيه.." صمتت والدتها لثوانٍ وقد تجمد وجهها لكنها سرعان ما عاودت الإبتسام وقالت:


"وأيه المشكلة يعني؟ هتصرف من خالتك ولا من أي حد المهم بس متضيعيش الفرصة دي من إيدك.."


"لا يا ماما، أنا مش هروح.. البيت أولى بالفلوس دي."


"يا بنتي مش بتقولي أنها فرصة حلوة؟ متضيعهاش من إيدك."


"فرصة أيه اللي بتتكلموا عنها؟ خير إن شاء الله." اردف والدها وهو يقتحم حديثهم بإبتسامة دافئة.


"ست أفنان اتقبلت في تدريب وزعلانة عشان عايزين ألف جنيه."


"وزعلانة ليه؟ أنا هتصرف وأديكي الفلوس اللي محتاجاها."


"بصراحة يا بابا أنا محوشه ٧٠٠ جنيه.. بس.."


"بس أيه؟"


"أنا عرفت أن العربية عطلت.. خد يا بابا الفلوس دي صلح بيها العربية أحسن.."


"أنتي عبيطة يا بت؟ أنتي فاكرة أني ممكن أخد منك جنية واحد؟"


"يا بابا ما هي فلوس مين يعني؟ ما هي فلوسك أنت وماما في الأول وفي الآخر."


"ولو برضوا.. رانيا روحي هاتي ٣٠٠ جنية من الدولاب."


"يا بابا بس..."


"من غير بس، يلا يا رانيا بسرعة من فضلك." أحضرت والدتها المال ليأخذه والدها ويمنحه لأفنان ويُمسك يدها بحنان ويقول:


"العربية تتصلح متتصلحش في داهية لكن مستقبلك وسعادتك مينفعش يتعطلوا عشان أي حاجة تانية في الدنيا." قال لتُقبل رأسها ثم يضمها في حنان.


"لو عوزتي أي فلوس تاني عشان التدريب أو غيره عرفيني."


"حاضر يا حبيبي.. ربنا يباركلي فيك أنت وماما."


"ويبارك فيكي أنتي وأختك يارب يا حبيبتي." اردفت والدتها ثم تُغادر الغرفة هي وزوجها تاركين أفنان غارقة وسط أفكارها وترددها..


هل حقاً ستُكمل أمر التدريب ذلك أم أن تمنح والدها المال وتجد أي كذبة لإقناعه؟ ..


______________________________


تذكره: "استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه"


وبكده يبقى خلص الفصل الثالث ❤ طولت الفصل شوية عشان أنتوا قمرات والدعم بتاعكوا حلو زيكوا 🥺🥺🥺❤❤


رأيكوا في الأحداث؟

السرد؟

علاقة نوح وأفنان؟ 

عمة أفنان وجدتها؟


#متنسوش_تفاعل_كومنتات_ولايكات_كتيييير_👏👏

الفصل الرابع: اللِّقَاءُ الثَّانٍ 🦋✨


استيقظت أفنان على صوت المنبه خاصتها، ولأول مرة لقد نهضت سريعاً ولم تتكاسل..


شعرت بآلم يجتاح معدتها وآلم يُغلف رأسها، لم تنم طويلاً فلقد ضيعت الليل كله في المذاكرة والبحث في مجال الصيدلة وبين التردد حول ذهابها إلى المُقابلة الخاصة بالتدريب لكنها قررت أن تُجازف وتذهب بالرغم من أنها تشعر بأنها أنانية..


ارتدت ثياب رسمية مُهندمة قميص باللون الأبيض و 'بليزر' باللون الأسود وبنطال أسود كذلك مع وشاح رأس أبيض اللون، لقد بدت مُهندمة وجذابة.. وقفت تتأمل الشكل النهائي لثوبها لتجد أنه جيد.


"ماما أنا نازلة أدعيلي بالتوفيق." صاحت أفنان وهي تأخذ حقيبتها وتتجه نحو الخارج دون أن تسمع إجابة والدتها، لم ترى ميرال لأنها قد سبقتها وذهبت إلى مقابلة عمل في الصباح الباكر ولم تعد بعد، كانت الساعة العاشرة حينما غادرت أفنان المنزل بينما موعدها في الشركة هو الثانية عشر.


كان مقر الشركة يقع في مدينة العبور داخل المنطقة الصناعية، امتعض وجه أفنان وهي تراجع العنوان الذي بيدها.. إن الموقع يبعد عن منزلها كثيراً.. سيستغرق الأمر الكثير من الوقت والمال..


بعد عناء شديد استطاعت أفنان الوصول إلى مقر الشركة داخل المنطقة الصناعية..


كانت الشركة غاية في الخامة يكسوها اللون الأزرق الداكن اللامع الذي يُشبه المرآة مع شُرف بلون موحد باللون الرمادي وكذلك تعكس الضوء والصور كالمرآة، كان هناك مرآب خاص بالشركة يحوي العديد من السيارات باهظة الثمن، تقترب أفنان من مدخل الشركة وتشعر بالتوتر يدب في صدرها، بمجرد وقوفها أمام الباب الزجاجي يُفتح تلقائياً.. تتجه مباشرة نحو موظفو الإستقبال، شاب وفتاتان الشاب يرتدي بذلة رسمية والفتيات كذلك لكن خاصتهم كانت تختلف في كون الجزء السفلي تنورة وليس بنطال.


"صباح الخير.."


"صباح النور، أساعد حضرتك ازاي؟"


"أنا عندي انترڤيو النهاردة بخصوص تدريب طلاب كلية الصيدلة."


"ممكن أعرف اسم حضرتك والميعاد؟"


"أفنان أحمد، الميعاد بتاعي الساعة ١٢ الضهر."


"تمام، حضرتك هتطلعي الدور التالت وهتنتظري في ال waiting area 'منطقة الإنتظار' لحد ما السكرتارية يبلغوكي أنك تقدري تتفضلي." شكرت أفنان الموظفة وهي تحاول أن تُخفي إنبهارها بالمكان والموظفين وكل شيء هنا تقريباً.


كان جميع الموظفون يرتدون ثياب تبدو باهظة الثمن والجميع ذو مظهر مُرتب وأنيق.. الأجواء هادئة بالرغم من وجود عشرات الموظفين.


نفذت أفنان ما قيل لها وتوجهت إلى الطابق الثالث وبالفعل وجدت موظفة آخرى ارشدتها إلى غرفة الإنتظار لحين قدوم دورها، أخذت تتأمل المكان كنوع من التسلية.. هذا المكان هو عالم آخر تماماً، البشر هنا يختلفون عما ترى أفنان في العادة.. تشعر وكأنها انتقلت إلى مسلسل تلفزيوني لا حياة واقعية.


"أف..أفنان أحمد."


"ايوا يا فندم."


"تقدري تتفضلي."


تابعت السير خلف الموظفة حتى دلفت إلى داخل مكتب، كان يكسو الأثاث اللون الأسود بينما لون الحائط كان باللون الكريمي.. هناك شرفات كبيرة مُلونة كما رأتها في الخارج وهناك جانب من الغرفة به زجاج شفاف.


"أتفضلي يا دكتورة." جلست أفنان على الكرسي المُقابل للمكتب وهي تُعدل ثيابها بتوتر حاولت جاهدة أن تُخفيه، كان من يجري المُقابلة هو شاب يبدو في الثلاثين من عمره، يظهر على ملامحه الجدية والإنضباط.


بدأ بالأسئلة المُعتادة مثل أن تُعرف نفسها، لما تود الحصول على تدريب في الشركة.


"وحضرتك بقى يا دكتورة شايفة نفسك فين بعد خمس سنين؟"


"مديرة فرع من فروع الشركة."


"مديرة فرع مرة واحده؟"


"اه وإن شاء الله يبقى فرع من الفروع القريبة عشان ده بعيد أوي." تحدثت بنبرة بين المزاح والجدية ليبتسم هو ثم يُردف :


"ممكن تقوليلي أيه أهم حاجات في حياتك بالترتيب."


"بعد علاقتي بربنا طبعاً يجي في المقام الأول عيلتي، دراستي وبعدها شغلي."


"لو حصل بينك وبين متدرب تاني خلاف هيكون رد فعلك ايه؟" ابتسمت أفنان بهدوء وهي تحاول أن تحصل على إجابة مقنعة وجيدة غير أنها ستقوم بتحطيم الشركة على رأس من يُضايقها.


"هحاول اتناقش معاه بهدوء يمكن نوصل لحل لو لا قدر الله معرفناش هشوف الدكتور المسئول عننا ويشوف هو حل للخلاف."


"طيب لو الخلاف مع الدكتور اللي هيدربك شخصياً."


"طبعاً أنا عارفة أن دي كلها افتراضات بس صدقني يا فندم أنا جاية هنا وهدفي الأول والأخير هو الإستفادة من كل لحظة بقضيها هنا وأتعلم كل حاجة بتتم ازاي ومش هيكون في مجال لمواقف زي دي إن شاء الله ولكن لو فرضاً إنها حصلت هحاول اتخطى المشكلة أو الموقف عشان برضوا أقدر استفاد."


"أحنا كده خلصنا الأسئلة العامة ودلوقتي هنبدأ في الجزء التيكنيكال 'اسئلة حول التخصص' "


"مع حضرتك يا فندم."


استمرت المُقابلة لساعة إلا خمسة عشرة دقيقة تقريباً، لقد قام بسؤالها في كل حرفاً قد درسته في الصيدلة تقريباً، لم يُعلق بأي شيء في النهاية فقط اكتفى بشكرها وتمنى حظاً جيد لها.


بعد خروجها قابلتها الموظفة ذاتها التي ارشدتها في البداية وقالت:


"في خلال أسبوع إن شاء الله هنرد على كل المقبولين فحضرتك تقدري تتابعي معانا من خلال الإيميل، ودفع قيمة التدريب هيكون في أول يوم تدريب."


"تمام، شكراً جداً لحضرتك." اردفت أفنان بلطف قبل أن تتجه نحو المصعد وبمجرد وصولها إلى الطابق الأرضي وجدت حركة عشوائية في المكان لم تدري سببها، تجاهلت الأمر وتوجهت نحو الداخل بهرولة لا سبب لها هي فقط تُحب أن تسير بمعدل سريع، تصطدم بشخصاً ما بقوة لتُردف بغضب:


"ما تفتح يا أعمى!" لم ترى بمن اصطدمت فقط غادرت المكان وهي تُمسك كفتها بآلم لقد كاد أن يخلعه ذلك الشخص الأحمق!


طلبت سيارة أجرى لتُوصلها إلى خارج المنطقة الصناعية، أوصلتها السيارة إلى المدينة نفسها وفكرت أفنان في أن تجعل السيارة توصلها إلى المنزل لكن ذلك سيتطلب مبلغاً كبيراً ليس بحوزتها على الأغلب، بعد أن غادرت السيارة وقفت تبحث عن أي مواصلة قد توصلها إلى أقرب نقطة من منزلها لكن لم تجد.


"ألو.. أيه يا نوح أنت فين؟"


"كنت بخلص شغل في مصنع أدوية وأنتي؟ أنتي في الشارع؟ في صوت دوشة حواليكي."


"اه أنا في الشارع.. في العبور ومش لاقيه حاجة اركبها.. ممكن تيجي تاخدني؟"


"تدفعي كام؟"


"هديلك تمن البنزين عالدزمة."


"كفي نفسك يا ظريفة، ابعتلي اللوكيشن وهجيلك."


بعد خمسة عشرة دقيقة كان نوح يقف أمامها بسيارته ذات الطرز المتوسط لكنها جيدة بالنسبة لشاب في مقتبل العمر.


"ساعة عشان تيجي؟ الشمس كلت دماغي."


"بلاش لماضة وأركبي، فكراني الشوفير بتاعك يا ماما ولا ايه؟"


"ششش اسكت.. إلا قولي صحيح أنت جيت بسرعة كده ازاي؟"


"صباح الفل قولتلك أني كنت في مصنع، هو بعيد شوية عن هنا يعني بس تمام."


"كنت بتعمل ايه في المصنع بقى؟" سألت بفضول ليرد عليها بسؤال ايضاً.


"وأنتي كنتي بتعملي ايه في زايد بقى؟"


"ملكش دعوة ومتقوليش أنتي كمان ملكيش دعوة."


"طب ما هو أنتي ملكيش دعوة بجد."


"بقولك أيه خلينا حبايب كده مع بعض بدل ما أكرسلك العربية، أمين؟"


"أيه ده هو أحنا كنا حبايب؟" لم تُجيبه وشعرت بوجنتها تشتعل حمرة، لم يكن هذا مقصدها من استخدام الجملة لكنه قام بقطع جزء محدد من حديثها.


"يا سلام.. عشت وشوفت أفنان بتتكسف!" ضربته بقوة في كتفه بواسطة حقيبتها ليُسبها قائلاً :


"بت أنتي مجنونة؟!! أنا بسوق هنعمل حادثة!" 


"طب ركز في السواقة واسكت." جلسوا في هدوء قليلاً قبل أن تقوم أفنان بتشغيل أغنية بصوت مرتفع نسبياً بينما تراقب الطريق من الشرفة.


"برضوا مش هتقوليلي كنتي بتعملي ايه؟"


"كنت بقدم على تدريب يا سيدي."


"ايوا تدريب ايه يعني؟ وفين؟"


"هبقى أقولك لما الموضوع يكمل على خير، عشان أنا عارفة حظي الهباب لو حكيت لحد الموضوع هيبوظ."


"ماشي ياختي."


بعد مرور ساعة تقريباً توقفوا أمام منزلها.


"بما أنك كنت جدع معايا ووصلت فهتطلع تتغدى معانا كمكافئة ليك."


"شكراً يا ستي ماما مستنياني عالغدا."


"يا عم اطلع بقى بلاش رخامة وبعدين ديه ماما عاملة بامية وفراخ."


"لا إذا كان في بامية يبقى هطلع طبعاً."


بعد مرور أسبوع وصلت رسالة القبول إلى أفنان عبر البريد الإلكتروني وبعد الإحتفال الذي أقامته في حجرتها عادت الهواجس تُحيط بها مجدداً.. هل حقاً ستقوم بدفع الألف جنيهًا؟ أم ستتخلى عن تلك الفرصة في مقابل إصلاح سيارة والدها..


"مالك قلبتي وشك ليه؟ ده أنا جاية أقولك على خبر حلو."


"خير إن شاء الله؟"


"أنا اتقبلت ك Hr في الشركة اللي قدمت فيها الإسبوع اللي فات!!!"


"بتهزري!!!!!" صرخت أفنان وهي تقفز وتضم شقيقتها.


"مبرووك!!"


"دلوقتي بقى يا ستي تقدري تروح التدريب بتاعك ومتشيليش هم الفلوس." قبلت أفنان شقيقتها وهي تبتسم ابتسامة واسعة.. لقد تم حل نصف المشكلة، ستتكفل ميرام بمصاريفها الشخصية وسيقلل ذلك الحَمل من على كاهل والدهم ووالدتهم.


"هتدفعي الفلوس أمتى بقى؟"


"يوم الأحد إن شاء الله.. أول يوم في التدريب يعني."


كانت تنتظر أفنان يوم الأحد على أحر من جمر وقد جلست طويلاً في حيرة من أمرها ماذا سترتدي في يومها الأول؟ وقد استقرت في النهاية على ثوب باللون الأرجواني الداكن مع بنطال باللون الأسود ووشاح باللون الأبيض.


استيقظت باكراً في ذلك اليوم بحماس شديد وكأنها طفلة في الثامنة من عمرها مُتحمسة للرحلة المدرسية! تناولت فطورها سريعاً ثم تأكدت أنها أخذت أغراضها كاملة وأن الألف جنيهًا في حقيبتها وأنها لم تنسى المعطف الطبي.


وصلت قبل موعدها بخمسة عشرة دقيقة، تجد موظفة الإستقبال اللطيفة ذاتها لتقترب منها وهي تقول :


"بعد إذنك أنا تبع التدريب.. ممكن أعرف المفروض أستنى فين دلوقتي؟"


"حضرتك هتدفعي فلوس التدريب هنا وتمضي قدام اسمك وبعدين هتطلعي الدور التاني وهتلاقي في طلبه منتظرين في قاعة.. أول باب على ايديك الشمال."


"شكراً جداً." نفذت ما قالته الموظفة وبالفعل وصلت للقاعة سريعاً، كانت مساحتها كبيرة ومُنظمة تحوي العديد من الكراسي والأجهزة، كانت مجهزة تماماً للتدريبات..


في الموعد المحدد كان العدد قد اكتمل تقريباً، مئة وخمسون متدرب ومتدربة يجلسون في القاعة.. كانت أفنان تجلس في الصف الثاني كي تسمع وترى بوضوح.


اقتحم القاعة رائحة عطر رجولي ثقيل ثم تبعها صوت خطوات تنتمي لصاحب العطر الذي يُسكر من يشمه.. يدخل هو بقامته الطويلة، يرتدي بذلة رسمية يكسوها السواد ما عدا قميص باللون الأبيض، يرتدي بطاقة تعريفية تحمل اسمه ووظيفته على الأغلب، خصلات شعره السوداء الناعمة مُرتبة بعناية مع ذقن فحمية اللون مُهذبه وزوج من الأعين التي يميل لونها إلى الأخضر.


"صباح الخير.. أعرفكوا بنفسي، أنا الدكتور رحيم حامد.. خريج كلية صيدلة وعملت ماچيستير وفي طريقي لتحضير الدكتوراه، أنا اللي هكون مسئول عن تدريبكوا هنا في الشركة مع مساعدة بسيطة من بعض الزملا." ابتسم الجميع  وهم يستمعون إليه بينما نظرت نحوه أفنان بتأمل وهي تشعر أنه يبدو مألوف قليلاً.


"دلوقتي أنا هنده على الأسامي عشان أشوف مين حضر ومين محضرش، and i'll try my best 'سأحاول جاهداً'  أني احفظ اساميكوا وشكلكوا." بدأ في قول الأسامي والتي  لم تكن مُرتبة حسب الترتيب الأبجدي بل كان ترتيباً عشوائياً لذا لم يكن اسم أفنان في بداية القائمة.


"أنغام أحمد؟"


"أنغام ايه؟! أفنان يا باشمهندس أفنان!" اردفت

بحنق وهي تستقيم بعصبية من مقعدها.


"خلاص ومالك فخورة أوي كده.. أتفضلي اقعدي."


جلست وصمت هو لثوانٍ ثم اردف:


"ثانية واحدة.. باشمهندس مين؟ أنا دكتور!!!"


لم تُجيبه بل قلبت عيناها وجلست في مقعدها بينما صمت هو لثوانٍ وقد شعر أن نبرة الصوت وحدة الكلام تلك مألوفة.. لكن لا يذكر أين سمعها.


"طيب أول حاجة هنتكلم عليها النهاردة هي الأدوية المضادة للحساسية أو أدوية الجهاز التنفسي واللي هي اسمها Anti Histamine, respiratory ." بدأ في شرح المستوى النظري، كأشهر العائلات في هذا النوع، التركيبات التي يحويها.. طريقة التصنيع وما إلى ذلك.


"دلوقتي حضراتكوا هتتفضلوا برا في صورة مجموعات عشان تشوفوا جزء عملي على الكلام اللي احنا قولناه ده." بدأ في قول الأسامي التي ستكون في المجموعة الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة وكانت أفنان في المجموعة الخامسة لذا هي كانت آخر من يُغادر القاعة تقريباً لكن أوقفها صوت 'الدكتور' رحيم.


"انا شوفتك فين قبل كده؟"


"وأنا اعرف منين يعني؟" اردفت بحنق دون أن تلتفت نحوه وأكملت طريقها نحو الباب لكن أوقفها صوته وهو يوبخها بنبرة لا تخلو من الصدمة مُردفًا:


"أنتي ازاي تكلميني بالإسلوب ده! ثانية ثانية.. أنا افتكرتك!"


"أنا عارفة الصوت ده.." همست لنفسها ثم إلتفت لتُقابله وقد وقعت عيناها على معصمة.. بل بشكل أدق ساعة يده!!


"مش انت الواد الخرع اللي اتثبت؟!"


اقترب نحوها بسرعه شديدة قيل أن يضع الملف على فمها لتصمت.


"ششش أخرسي خالص هتفضحيني! وايه خرع دي؟ إيه اللفظ السوقي ده!"


"أبعد يا عم أنتَ!" اردفت وهي تبتعد عنه، ليلحق بها ويقول:


"يا أنغام Please مش عايز فضايح في مكان شغلي!"


"لو قولتلي أنغام دي تاني هاكلك علقة!" قالت بغيظ شديد وهي تتوعد له بيدها.


"أنتي مجنونة يا بنتي؟! بتكلميني ازاي كده!" صاح بغضب ممتزج بالدهشة وهو يتحدث إليها لتُردف هي ببرود:


"بص أهو أنت اللي عامل دوشة وبتفضح نفسك أهو!"


"طب خلاص.. خلاص روحي شوفي مجموعتك راحت فين." غادرت الحجرة سريعاً وهي تبحث عن المجموعة خاصتها ليقف هو لثوانٍ وقد ارتسمت إبتسامة جانبية على شفتيه.


لم تراه مجدداً ذلك اليوم فلقد كان مسئول عن تدريب المجموعة الثالثة، حاولت أن تُزيح أمر ذلك الأبله من رأسها وأن تصب تركيزها كاملاً على ما يتم شرحه وما تقوم بتجربته.


عادت أفنان إلى منزلها وهي تشعر بإرهاق شديد لقد كان يوماً طويلاً ومُرهق بالفعل، لكنه مازال اليوم الأول.. والتدريب سوف يكون ثلاثة أيام في الإسبوع ولمدة شهر تقريباً، لكن لحسن الحظ أنها لن تذهب في الغد.


"قوليلي عملتي ايه؟" سألت ميرال بحماس فور دخول أفنان إلى الحجرة.


"قوليلي أنتي عملتي أيه في شغلك النهاردة."


"أنتي نسيتي يا أفنان ولا أيه؟ ما انا حكتلك في التليفون يا بنتي."


"شكلي جالي الزهايمر بدري بدري.!" اردفت لتقهقه ميرال بسخرية، تُبدل أفنان ثيابها ثم تبدأ في سرد ما حدث لشقيقتها.


"حلو أوي الكلام ده، سيبك بقى من التدريب مقبلتيش حد حلو كده ولا كده؟" سألتها ميرال وهي تغمز بعينيها.


"تاني؟ قولتلك الحاجات دي مبتشغلنيش!"


"أومال أيه اللي بيشغلك؟ الكيمياء!"


"بصراحة اه.. شوفتي كنت هنسى احكيلك على حاجة مهمة  جداً!"


"سمعيني يختي."


"مش قابلته النهاردة.." همست أفنان، لتهمس شقيقتها تلقائياً  بدون سبب قائلة :


"هو مين ده؟ نوح؟ "


"نوح ايه يا ستي لا.."


"أومال مين .. انجزي!" قالت شقيقتها بحماس مفرط.


"الواد ابو ساعة حلوة.."


"أبو ساعة حلوة؟!!!"


__________________________________


تذكره : (اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ،  والبُخْلِ، والجُبْنِ، وضَلَعِ الدَّيْنِ، وغَلَبَةِ الرِّجالِ).


وبكده يبقى خلص شابتر النهاردة 👈🏻👉🏻❤


اخيراً القمر ظهر 😂😂🤍


كنت متحمسة أوي للشابتر اللي هيظهر فيه، ودلوقتي هيبقى في منافسة ما بين الناس اللي بتحب نوح والناس اللي هتحب رحيم 😂😂🤍


رأيكوا في الأحداث؟

رأيكوا في نوح وتصرفاته؟

رأيكوا في رحيم؟

شخصية أفنان؟

السرد والأحداث لحد دلوقتي؟


بحبكوا جداً وشكراً أننا قربنا نوصل لألف قارئ 🤍


باااي 🤍 

#متنسوش_تفاعل_كومنتات_ولايكات_كتيييير_👏👏

الفصل الخامس: رَحِيمٌ!! 🦋✨


"الواد ابو ساعة حلوة.."


"أبو ساعة حلوة؟!!!"


"ايوا.. اللي كان هيتسرق ده.."


"أفتكرته، بس ممكن نخلص من أم الساعة دي وتقوليلي شكله عامل ازاي؟"


"ما هو أصل..."


"أصل أيه؟ كانت الإضاءة واطية في الشركة؟ المرة دي مفيش حرامي تركزي معاه."


"بصي هو بدقن." صفعت ميرال وجهها، إن أفنان تنتبه لتفاصيل عجيبة بالنسبة لميرال.


"هو طويل، دي حاجة لافتت نظري بما أنه كان واقف قصادي طول اليوم.. وبدقن، أكتر من كده متلاقيش تفاصيل."


"ايوا كده دلعيني وقولي تفاصيل."


"المهم بقى أنه واد توتو كده وعلى طول بيقول كلام إنجليزي."


"طب ما حلو ده! ايوا بقى خلينا نطلع للمستوى الأعلى."


"لا ده مش ليڤل أعلى.. ده ليڤل الوحش"


"كفاية رغي وتعالوا ساعدوني في الغدا."


"حاضر يا ماما." قالت أفنان وهي تُغادر سريرها.


في اليوم الثاني من التدريب وصلت أفنان إلى مكان قريب من الشركة وأخذت تسير بضع خطوات حتى تصل إلى هناك، قفزت عند سماعها لبوق سيارة كادت أن تدهسها لكنها توقفت قبل أن تلمسها بإنش واحد تقريباً.


"يا ابن ال...." اردفت بصوتاً عالٍ وهي تهرول نحو السيارة وتحاول فتح بابها لتجد بداخلها سائق وشخص يجلس بالخلف.


"انزِلي!" صرخت في الشاب الذي يبدو في الثلاثين من عمره تقريباً.


"حقك عليا يا فندم مكنتش واخد بالي ولاقيتك قدامي فجاءة." اعتذر الشاب بأدب وكادت هي أن تُسامحه لولا أن جاءها صوت من يجلس بالخلف قائلاً:


"أنت بتعتذرلها ليه؟ ابقي أمشي عالرصيف بعد كده يا أفنان هانم."


"هو أنت؟ اه طبعاً ما هو لازم العربية اللي بتتساق بالشكل ده تبقى بتاعت سيادتك طبعاً!"


"ششششش Shut up! أنتي بترغي كتير ليه؟ يلا مش أنتي كويسة؟ اتفضلي شوفي رايحة فين." تحدث بغرور ونبرة مُستفزة لتُمسك أفنان بحقيبتها وتُخرج منها زجاجة عطر متوسطة الحجم.


"ولا! يا تحترم نفسك معايا يا إما وحياة أمي وأبويا لهدغدغلك إزاز العربية دي!" قالت وهي تعيد ذراعها إلى الخلف وإلى زاوية عالية وكأنها ستقذف الزجاجة على زجاج سيارته الفخمة.


"أنتي مجنونة ولا ايه؟ مش عارف ازاي سمحوا للأشكال اللي زيك أنها تدخل الشركة، أنتي مكانك مش هنا." كادت أفنان أن تَسبه لكن جملته قد أصابتها بوغزة في قلبها.. هل هي حقاً لا تليق في أن تُصبح في هذا المكان؟ هل هي حقاً فتاة 'بيئة' وعشوائية ولا يمكنها الإنسجام مع من مثلهم؟ هي لم تختار أن تكون بهذا الشكل لقد فرضت عليها الحياة الخارجية أن تُصبح صلبة وعنيفة كي تستطيع حماية ذاتها من الأذى..


"ميرسي أوي." قالت وهي تضع زجاجة العطر داخل حقيبتها وتعاود السير في طريقها نحو الشركة، لم تكن أفنان من النوع الذي يتأثر كثيراً بما يُقال عنها لكنها لا تدري ماذا حدث..


حاولت أفنان التركيز فيما يُشرح أثناء التدريب متجاهلة حقيقة أن من يقوم بالشرح هو ذلك الوغد اللعين والذي لم ينفك ينظر إلي عيناها طوال الوقت، أخذت تكتب الملاحظات وكادت أن تطير من السعادة حينما تمت تفرقتهم ليبدأو الجزء العملي من التدريب فهي لا تُود رؤية وجهه مجدداً أو التحدث إليه وإلا ستكون العواقب وخيمة.


مر أسبوعاً كاملاً وقد ذهبت للتدريب مرتين تقريباً ولم يختلط بها مرة آخرى وقد كانت شاكرة لذلك، كانت المدة كافية لتسحق كلماته أسفل حذائها وتستعيد ثقتها بنفسها، ومع بداية الأسبوع الثاني ذهبت إلى مقر تدريباً باكراً لذا لم تجد احداً سواها داخل القاعة لذا فضلت الإنتظار في الردهة عوضاً عن الجلوس وحيدة.. مر هو من أمامها وقد سبق مروره رائحة عطره الفواحة التي تتوغل داخل كل ركن من أركان المكان.


"صباح الخير.. أنا كنت عايز.."


"لو اتكلمت معايا تاني ههينك."


"من فضلك Give me a chance to apologise to you! 'من فضلك امنحيني فرصة لأعتذر لكِ." تخللت اللغة الإنجليزية حديثه لترفع إحدى حاجبيها وتقول:


"كلمني عربي."


"مش عيب دكتورة زيك متكونش بتفهم إنجليزي؟" تحدث بغرور ليمتعض وجهها قليلاً ثم تبتسم ابتسامة مُزيفة وهي تقول: 


"يا ابني هو أنت بتحب تجيب التهزيق لروحك؟"


"خلاص.. أنا عارف أني كنت سخيف معاكي المرة اللي فاتت، متزعليش."


"أظن كان ممكن تختصر الكلام ده في جملة من كلمتين بس ' أنا أسف.' " تحدثت بنبرة مُتحدية وهي تنظر داخل عيناه.


"على جثتي." اردف لتنظر نحوه نظرة طويلة قبل أن تتركه يقف وحيداً وتتجه إلى القاعة، وها قد انتهى يوماً آخر من أيام التدريب خاصتها.. كان من المفترض ألا تعود في هذا اليوم إلى منزلها وأن تذهب إلى خالتها.


"نوح.. ممكن لو أنت قريب من اللوكيشن اللي بعته تيجي توصلني؟ بما أني رايحة بيتكوا كده كده." بعثت برسالة صوتية إلى نوح والذي كان قريباً بالفعل وقد تطوع إلى الحضور وإيصالها.


"اتأخرت عليكي؟" سأل بلطف فور وصوله إلى موقعها.


"لا تمام." تحدثت بنبرة غير مرحة على غير العادة.


"حصل حاجة ولا ايه؟"


"خلينا نتحرك وهحكيلك في الطريق." قالت يإيجاز ليومئ ويركب كلاهما السيارة.


"قوليلي بقى حصل ايه؟ وبتعملي ايه هنا؟"


"جالي تدريب في شركة RHEB."


"بجد؟ طب ده شيء عظيم جداً.. حد ضايقك جوا ولا ايه؟" تحدث نوح بحماس وهو يبتسم لكنها لم تُبادله الإبتسام.


"لا..في واد سخيف كده بس ادتله اللي فيه النصيب.. بس مش ده اللي مضايقني اصلاً."


"أومال ايه اللي مضايقك يا ستي؟ صدعيني."


"بابا.. نفسيته وحشة أوي اليومين دول.. وظروفنا مش أحسن حاجة في الوقت الحالي.. إيراد المحل اللي بابا كان بيخده تيتا قررت أنه مش هياخده تاني.." تحدثت أفنان بإنكسار ولأول مرة منذ مدة كبيرة يراها نوح بهذه الحالة، فهي في العادة تكون سعيدة..صاخبة..مليئة بالحياة لكنها الآن تبدو منكفئة إلى درجة كبيرة..


"وازاي تعمل حاجة زي كده؟ ده في حرمانية.. المحل ده مش ورث؟"


"اه ورث.. وهي صممت أنه ميتباعش وكل واحد ياخد نصيبه.. قررت أنه يفضل مفتوح لا وقال إيه عايزة بابا ينزل يوقف فيه كمان!"


"أنا أسف ليكوا بجد أنكوا مضطرين تعيشوا ظروف زي دي.. طبعاً مش محتاج أقول إنك لو عوزتي أي حاجة تطلبيها مني."


"ربنا يخليك يا نوح.. أنا مش بحكيلك عشان تعرض عليا مساعدة.. مش بشحت يعني."


"أنتي عبيطة؟ ليه اخدتيها كده؟ وبعدين ده هيبقى سلف وهترجعيه تاني زي ما كنا بنعمل زمان."


"ربنا يخليك ليا يا نوح.. حقيقي وجودك بيفرق في كل حاجة."


توقفت السيارة أمام منزل خالتها فتتجه أفنان نحو العمارة مباشرة ويتبعها نوح بعد وضع السيارة في المرآب.


"خالتو حبيبتي وحشتيني." ضمت خالتها فور فتحها لباب الشقة.


"أومال نوح فين؟" سألت ميرال بفضول لتُجيبها أفنان بإبتسامة صغيرة:


"المفروض طالع ورايا." صعد نوح بعد عشرة دقائق تقريباً وهو يحمل عدة أكياس.


"جبتلك يا خالتو المانجا اللي بتحبيها، وخوخ للأنسة ميرال عشان بتحبه ومشمش لمريم، وجبت حاجة سقعة لماما."


"اروح طيب ولا اعمل ايه؟" سألت أفنان بسخرية وغيظ.


"معلش يا أفنان الفلوس مكفتش بقى." اردف بنبرة جدية  مُزيفة لتصيح بغضب طفلي وتقول:


"أحسن مش عايزة من وشك حاجة."


"يا قموصة ما أنتي بتاكلي كل الحاجات دي!"


"ايوا بس مقولتش اسمي!!"


"بت بطلي دوشة وروحي ساعدي خالتك في الأكل." قالت والدتها لتضرب الأرض بقدمها بغيظ ثم تذهب نحو المطبخ.


"سيبك منها يا حبيبي، بس كلفت نفسك جامد يا نوح."


"عيب يا خالتو متقوليش كده، وبعدين هو انتوا بتيجوا كل يوم يعني؟"


"لا بنيجي كل أسبوع!" تحدثت أفنان وهي تُخرج رأسها من المطبخ، وبحركه سريعة تُمسك والدتها 'بالشبشب' وتقذفه نحوها.


تناولوا الغداء وسط مزاح وثرثرة وكان تركيز ميرال كاملاً نحو نوح والذي كان يُمازحها من حين لآخر، بعد انتهاء الليلة عادوا إلى منزلهم ليجلس نوح في الشرفة وأمامه الحاسوب المتنقل، كان يقرأ بعض الأبحاث المرتبطة بموضوع رسالة الماچستير خاصته.


"جبتلك كوباية شاي وحته بسبوسة من اللي خالتوا جبتها."


"تسلم ايديك." قال نوح بلطف وكان ينتظر من شقيقته أن ترحل لكن بدلاً من ذلك وقفت تُحدق فيه بتردد.


"في حاجة يا مريم؟"


"نوح هو أنت بتحب أفنان؟"


"ممكن نتكلم في الموضوع ده بعدين؟" قال نوح بتوتر وهو  يقوم بضبط نظارته الطبية.


"طب مش ملاحظ أن ميرال بتهتم بيك زيادة حابتين؟"


"مريم! من فضلك مش.. ثواني بس.. أنتي قولتي ميرال؟"


"اه ميرال."


"أكيد لا.. أنا وميرال أخوات دي معروفة يعني!"


"نظرتها ليك مش نظرة أخويه."


"بقولك أيه أنا مش فاضي للنظريات بتاعتك دي، قومي من هنا أنا بذاكر!"


"ماشي، أنت حر." اردفت بحنق وهي تغادر المكان بينما جلس نوح يحك ذقنه بيديه وقد تشوش تفكيره كثيراً، كيف لم يلحظ قصة ميرال تلك؟ مؤكد أن شقيقته تُخرف لا أكثر ولا أقل.


في منزل أفنان، جلست أفنان تُراجع المعلومات التي شُرحت في التدريب الأيام الماضية بينما جلست ميرال تتأمل الحائط في هيام شديد وهي تتذكر صوته ونظرته وهو يقول 'وجبت خوخ عشان الآنسة ميرال عشان بتحبه' في الواقع ميرال لا تُحب الخوخ فقط.. بل تحبه وتحب صاحبه.


"أيه يا ميرال الهدوء ده؟ ايه ده ايه ده؟"


"مالك في ايه؟"


"ماللي أنا؟ مالك أنتي.. ده انتي عيونك بطلع قلوب يا بنتي."


"ملكيش دعوة يا رخمة وركزي في مذاكرتك."


"قوليلي بس مين اللي شاغل تفكيرك كده وأنا اجبهولك من قفاه." كادت ميرال أن تتفوه بشيء ما لكنها فضلت أن تصمت وألا تتحدث بالأمر.


عاودت أفنان النظر إلى الملاحظات خاصتها وبدون قصد قفز إلى رأسها ذلك الوغد، لا تدري لما لم تُهشم سيارته بل وتُهشمه هو شخصياً حينما سخر منها؟! لكن الموضوع كان مؤلم للغاية.. حتى وإن كرهت الإعتراف، وحتى وإن كانت لا تتأثر كثيراً بما يقوله أي شخص عنها لكنها تأثرت هذه المرة...


بعد مرور يوماً كاملاً وقد حان موعد الذهاب إلى التدريب مجدداً قررت أفنان أن تذهب في موعدها أو ربما ستسمح لنفسها بالتأخر لبضع دقائق عوضاً عن الذهاب باكراً ومُقابلة ذلك الأحمق.


بالفعل وصلت عشرة دقائق متأخرة ولحسن الحظ أنهم لم يكونوا قد بدأو الشرح بعد، كتبت اسمها في قائمة الحضور ثم ذهبت لتجلس في هدوء بينما تبعها بعيناه في كل خطوة تخطوها، بدأ الشرح كالمعتاد بينما ينظر نحوها من الحين إلى الآخر، في البداية لم يكن الأمر ملحوظاً لكن بعد مدة بدأت بعض الفتيات الإلتفات والنظر صوب ما ينظر إليه والذي كان ببساطة 'أفنان!' انكمشت على نفسها قليلاً ونظرت في الإتجاه الآخر متجاهلة نظراتهم.


"وبكده أحنا خلصنا الشرح.. دكتورة أفنان ممكن تلخصيلنا آخر جزئية أنا شرحتها." تحدث بصوتاً مرتفع لتجفل قليلاً وتستقيم من موضعها.


"اه طبعاً يا دكتور.. وممكن أجي أكتبها كمان مش ألخصها بس لو حضرتك تحب."


"ياريت طبعاً" قال مع إبتسامة سمجة ارتسمت على وجهه، غادرت أفنان الصف وذهبت إلى حيث يقف هو، الجميع ينظر إليها.. الأضواء كلها موجهه نحوها.. تشعر بنبضات قلبها تزداد لكنها حاولت جاهدة رسم ملامح واثقة على وجهها لكي لا تجعله ينتصر، تأخذ من يده قلم 'السبورة' أو كما يطلق عليه ال 'Marker' تبدأ في كتابة عنواناً كبير ومن ثم عنواين أصغر متفرعة منه، لمحت ابتسامة جانبية على شفتيه مما زادها تحدي وثقة، وبالفعل استطاعت تلخيص معظم النقاط التي ذكرها ربما لم تتذكر معلومة أو اثنتين لكنها نفذت مهمتها بصورة جيدة.


كان ينظر نحوها بمزيج من الإعجاب والفخر، لقد استطاع إيصال المعلومة بشكل جيد وهي كذلك تستطيع استقبال المعلومات بصورة جيدة بل وترجمتها وإعادة استخدمها.


"أنا مبهور جداً.. ممكن كلنا ن Clap 'نصفق' لأفنان؟" صفق الجميع ومعهم هو لتأخذ نفس عميق وتبتسم ابتسامة واسعة قبل أن تعاود الجلوس على مقعدها.


"زي ما أحنا متعودين هنتقسم في مجموعات، اتفضلوا.. أفنان استني عايزك." ذكر اسمها في نهاية الجملة ليلتفت الجميع نحوها ويرمقوها ببعض النظرات غير المفهومة، امتعض وجهها لثوانٍ قبل أن تومئ وتنتظر حتى رحيل الجميع.


"عايز ايه؟! وبعدين أنت ازاي تندهني جدا وسط العدد ده كله؟"


"فين المشكلة؟ وأنا بقولك تعالي اسهري معايا؟ أنا مُدرب هيقول ملحوظة لمتدربة عنده.. بلاش مخك يروح لبعيد ها." اردف وهو يغمز بإحدي عينيه في آخر حديثه.


"طيب أنا بقى اللي هقولك ملحوظة.. بطل تبص عليا وانت بتشرح عشان الناس بدأت تاخد بالها!"


"أنا حر!"


"لا إله إلا الله.. يا ابني هو انت الذوق والهدوء مش بينفعوا معاك؟" سألت أفنان بنفاذ صبر.


"بصراحة لا."


"عشان انت إنسان مهزق! بص بُتخرج اسوء ما فيا وترجع تقولي هذه أنتِ" اردفت ليقهقه بصوتاً عالٍ وتُغلق عيناه بقوة وكأنها تكاد تختفي، لم تستطع أفنان أن تنكر داخلها أنه يبدو لطيف عندما يضحك.


"كده اسوء ما فيكي؟ أومال أحلى ما فيكي ايه بقى؟" اردف بنبرة مُريبة وهو يدنو منها قليلاً، لا تشعر بيدها إلا وهي تصفع وجهه!


"يا بنت ال..... ده أنتي نهارك أسود! أنتي مش عارفة أنا مين؟"


"هتكون مين يعني؟"


"هتعرفي دلوقتي!" اردف بحنق مازال ممزوج ببعض الصدمة وهو يُمسك بهاتفه بحثاً عن شيء ما.


"بلاش بقى الجو ده، وتقعد تقولي انتي مش عارفة انا مين؟ وانا اقولك مين وتقولي أنا ابقي ابن صاحب الشركة.. مهروسة اوي." لم يجيب عليها، ترك ما كان يفعله في هاتفه  ووقف يرمقها بإبتسامة جانبية ساخرة.


"سكت ليه؟"


"أصل أنا ابن صاحب الشركة فعلاً."


"كليشية أوي ومهروسة.. ألعب غيرها!"


"طب بلاش.. أنتي عارفة الشركة دي اسمها أيه؟"


"ايه الهبل ده أكيد عارفة." قالت بملل ونفاذ صبر.


"طب بلاش فزلكة واتفضلي قوليلي اسمها."


"اسمها RHEB"


"عارفة ده اختصار لإيه؟"


"هو إمتحان يا كابتن ولا ايه؟ بتختبرني في اسم الشركة؟ طب اسألني في اسم دوا.. اسم تفاعل كيميائي."


"شششش بطلي رغي شوية!"


"سكت.. اتفضل اتحفني وقولي اختصار لإيه."


"رحيم.. حامد.. البكري Rahim Hamed El bakry." أخبرها رحيم بنبرة بطيئة لتتسع عيناها وهي تُحاول أن تستوعب أنها قضت أكثر من أسبوع تسب وتسخر من ابن صاحب الشركة!!!

هي بالتأكيد في القائمة السوادء الآن!! ربما سيطردها.. سيمنعها من العمل هنا في المستقبل بل ومن العمل في جميع الشركات التي يمتلكها أصدقاء ومعارف والده!!


إذا هل ضاع مُستقبلها الآن أم ماذا؟


"أنا هقول حاجة واحدة بس.. !!!Shit" قالت بصوتاً مُنخفض قبل أن تسقط مُغشياً عليها...


"أفنان!!! أفنان!!! حد يجيب Perfume بسرعه!!"


___________________________________


تذكره: (اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ منَ الفقرِ، والقلَّةِ، والذِّلَّةِ، وأعوذُ بِكَ من أن أظلِمَ، أو أُظلَمَ).


مفاجأة يا فوزي مفاجأة مفاجأة 😂😂😂🤍🤍


تكملة الرواية من هناااااا


لمتابعة  باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله اضغط من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا


تعليقات

التنقل السريع