رواية آصرة العزايزه الجزء الاول" من يعيد لي قلبي " الآصرة السابعة عشر والثامنة عشر بقلم الكاتبه نهال مصطفى (حصريه وجديده على مدونة قصر الروايات كامله)
رواية آصرة العزايزه الجزء الاول" من يعيد لي قلبي " الآصرة السابعة عشر والثامنة عشر بقلم الكاتبه نهال مصطفى (حصريه وجديده على مدونة قصر الروايات كامله)
💥 الآصرة السابعـة عشـر 💥
هل تعلم …
بأنني ألوذ بالفرار إلى الكتابة علها تعبر عن الصراخ الذي استوطن القلب، علها تخفف من حدة الألم، الكتابة هي ملاذي الأخير ومسكن شعور قلبي.
••••••••••••
••••••••••••
"" عليك أن تعلم لا شيء يكتب ويحكى بكل تفاصيله القاسية تظل هناك أشياء مختبئة وشعور شائك لا يحسه إلا صاحبه رُبما تكون أكبر من كل الأشياء المُصرح بها و ربما تكون لا تقدر إلا بالصمت كـ ظلمتي التي أعيشها الآن .""
-مين تحت ؟!
ظلت تكرر منطوق سؤالها مرات متعددة وكل مرة كان الخوف يحتل صوتها والذعر يتلبس بكيانها .. وطأت أقدامها أول درجات السُلم وهي تربت على قلبها كي يهدأ وتذكر اسم المولى عز وجل مرارًا وتكرارًا خشية من عفاريت الجن ولكنها لم تضع بحسبانها شكًا حول عفاريت البشر .. هبطت درجات السلم ببطء وهي تحاول اقناع شتات أفكارها بالهواء الذي قفل الباب .. أخذت نفسًا عميقًا وهي تجرئ من قلبها المهزوز :
-أجمدي .. مفيش حاجة ؟! بس الحق اطلع المفتاح شكلي نسيته في الباب ..
اتسعت خطواتها وهي تقترب من الباب وتحاول فتحه هنا دق ناقوس الرعب الحقيقي البعيد عن كل خيالات العقل الآدامية .. جاءت يده الملعونة كي تكتم أنفاسها وباليد الأخرى يحاول السيطرة على حركاتها .. كتم صوت استغاثتها تمردها تملصها من قبضة يده بل تحولت لسمكة مذعورة فارقت المحيط للتو .. بخ سمه بأذنها :
-خلصت يا رقية والجاي كله بتاعي ..
دبت كوعها ببطنه لتتخلص من قبضتها وهي تنوح وتفر من أمامه لتحتمي بأي غرفة كي لا يلامسها شره :
-يخربيت أمك يا بكر؟! أنت عاوز مني ايه ؟!
قطعت درجات السلم ركضًا ما أن تعثرت بمنتصفه صاحت معاتبة لمن يلحق بخطاها كحيوان مفترس يلاحق فريسته :
-أعقل يا بكر عشان خاطر حبيبك النبي ..
واصلت ركضها كالغزالة الشاردة التي تود الاختباء بأحد الأماكن بالغابة التي فارقت فيها القطيع وتاهب بدروب الشر تصرخ عسى من نجاة تلقاها :
-أنت عاوز مني ايه بس ؟!
لحق بها بعد ما تعرقل بطرف جلبابه وهو يقول :
-جاي أعلمك الأدب يا رقية .. جاي أقولك أن مش بكر ولد فياض اللي يتعلم عليه من مراه ..
-يقطع بكر واللي جابوه .. ورب الكعبة لو ما عقلت لاقتلك يابكر ومش هتردد .. غور من وشي ..
قالت جملتها الأخيرة وهي تلفظ في أنفاسها وتلمس أقدامها أعتاب غرفة أمها وأبيها .. جاءت لتقفل الباب الذي يسد عنها نيران غدره ولكن خيب أملها الأخير قدمه التي اندست بزاوية الباب وهو يدفعه بكل قوته كي تتعرقل تلك المسكينة لتقع بالأرض وهي تزحف للوراء وتترجاه :
-بكر أعقل .. أنت عندك ولايا .. طب شوف اللي يرضيك وانا هعملو بس اطلع من إهنه .. امي في المستشفى عيانة ..
رسم على محياه ابتسامة الغدر وهو يشمر كمه متوعدا :
-أنا جاي وناويها .. ما هيطلع عليكي نهار إلا وأنتِ مرتي ..
سالت دموع عينيها وهي تومئ بالموافقة وتجيبه بصوتها الباكي :
-موافقة .. وهعملك كل اللي عاوزو بس بحلال ربنا .. بلاش يا بكر أمي تروح فيها ..
جثا علي ركبته وهو يتأملها كما يتأمل المجرمون ضحاياهم :
-أهبل أنا عشان اصدقك .. أنسي يا رقية .. مبقاش فيه غيرنا وياقاتل يا مقتول ..
في تلك اللحظة نالت يدها مطفأة السجائر من فوق الكمود وانهالت بها فوق رأسه صراخة :
-تبقي مقتول وعلي يدي يا بكر كمان ..
صاح الأخير متألمًا وهو يمسك بمكان الجرح المتجدد الدامي :
-يلعن ال*****
رفسته بقدمها وهرولت لتهرب من سطوه وتعرقلت بمفرش الأرضية لتسقط على ركبتها متألمة بصرخة الوجع .. وهنا قدمت له ضحيته على طبق من فضة .. تناولتها يده الطائلة للشر وهو مغلولا منها ودفعها بكل قوته بمنتصف الفراش كقطعة قماش متهرية :
-هتروحي مني فين ؟! مفيش مفر مني خلاص خلصت .
ظلت ترفث بأقدامها :
-هموت نفسي ولا أنك تلمسني يا كــ**
كبل ساقيها بقبضة يده القوية كي تكف عن ضربه وهو يقول تحت تأثير سُكره :
-متخافيش مني .. أنا عحبك وهعمل إكده عشاننا عشان نكونوا بعض .. أنا خابر ولد خليفة شتتوا راسك عني .. بس أنا هعمل إكده لمُصلحتك .. متخافيش دي هــ
حاولت أن تمتص شره الثائر وهي تزحف للوراء متوسلة :
-أمي في المستشفى سيبني ألحقها .. سيبني وبعدين هنفذلك كل طلباتك صدقني .. طب سيبني وهكتبلك تنازل عن كل أرض أبوي .. لكن بلاش تضرني ...
مال الاخر ليتأهب لنيل مطمعه المحرم وهو يلهث كحيوان جائر :
-أنا عاوزك أنت ومن زمان .. حتى لما اتجوزت قولت لمرتي أنا هجيبلك ضُرة وهي رقية بت عمي بس مستنيها تخلص علام .. وأنت قليتي مني ولازم تتحاسبي على غلطك ..
ختمت جملته بركلة قوية من ركبتها طالت بأنفه التي سال منها الدماء على الفور فتحررت المسكينة من قبضة يده وفرت هاربه وهي تمسك بالفازة الزجاجية وتلقيها عليه فتصيب كتفه .. حملت الطاولة الصغيره ودفعتها بوجهه ولكنه لم يتراجع .. لم تجد مفرًا لها إلا أن تهدده ، ركضت نحو النافذة وجلست فوقها وهي تلوح بكفها والدموع تزف من مقلتيها :
-لو مبعدتش عني هرمي روحي يا بكر .. قولت لك متقربش هرمي روحي ..
التهم كفه يدها التي تلوح بها كي يبتعد عنها .. فجذبها عنوة لتفر أمامه كالطير الذي حاول أن يتحرر من الظلم بالموت .. أثناء حركتها المندفعه وقعت بالأرض لترتطم رأسها بمقبض المقعد الخشبي ليسيل دم رأسها ويصيب الصقيع جسدها وتتراقص جفونها معلنة تشل مقاومتها .. هنا سنحت الفرصة للثور الذي يلاحقها لينفذ مبتغاه .. نزع جلبابه وتجرد من كل مبادئ الانسانية ولم يرحم ضعفها لينقض على جلبابها ويمزقه إربا إربا وهو يستمتع بما تراه عينيه من وجبته الشهية .....
أصبحت الحياة تتلاشى تدريجيًا من تحت أقدامها مثلما تتلاشى قطعة القماش التي تستر روحها الطاهرة ، تشعر بكل شيء كمن يحترق ولا يمكن أن يطفيء وهج احتراقه حتى إنها فقدت القدرة على أن تتخبط بالجدران ليقلل من حدة الألم ، اغلقت جفونها المبللة بالدمع إثر تلك الخبطة القوية التي مهدت الطريق لعدوها وكل ما يشغلها أمها تلك السيدة التي كانت صفاء حياتها ونعيمها .. كانت الأم والأخت والصديقة والأبنة وكل ما تحتاجه الفتاة .. فرت دموعها معلنة رفضها لتلك اللمسات البغيضة وهي تعاتب الزمن الذي ظنت إنه بكل مرة سيتبدل حزنها لفرحٍ ؛ وها هي في كل مرة تغرق بالحزن مجددًا وتلك المرة تحاوطها رائحة الموت والموتى والقبرة ولم تصل بعد !!
ربما كانت أحلامها بلا أجنحة، أو ربما هذه الحياة ليست مكانًا مرحبًا بها وبأحلامها البسيطة على الإطلاق بل هنا مكانًا لتشييع كل الأشياء المقربة إلى القلب وما باقي العمر إلا حدادًا مستمرًا عليها …
في عتمة الظُلم تتعانق أوجاعنا، وتتعالى صرخات القلوب المكسورة تاركة وراءها أثراً من الحزن الذي يعتصر الروح ويغرق العينينن…في اللحظة التي افترس الذئب ضحيتـه ولم يتبقى منها إلا دماء نقية تلوث المكان ، أصاب خنجر الألم قلب الأم التي لم تكف عن التساؤل عن ابنتها ، لم يكف قلبها عن الفزع على مضغته التي نالت ما لا تستحق أبدًا ، ليتوقف جهاز رسم القلب لخط مستقيم بانه لا يقاوم الصدمـة التي أحسها وكأن الطعنة الغادرة قد أصابته هو ، لتصيح الممرضة صارخة :
-ألحقنـا يا دكتور ….
يُقال أن القلوب المحبـة تبصر مالا تبصره الأعين ذات الرؤية المحدودة ، فـ هنالك بوصلة مدفونةٌ في القلوب لا يدركها إلا المحبيـن ، فالشوك أن أصاب قدمًا صرخ له القلب الأخر متألمًا كأن الوخزة كانت بهِ ، ما بين الضجيج الازدحام حوله بعد ما سلم " الڤيديو " الذي يدين ضيا لمجلس القبيلة ، داهم الألم الجزء الأيسر من جسد هِلال بوجع مبهم وشاق فجأة ، أمسكت يمينه بيساره الملتهب بوهج الألم الذي لم يتجاوز الثلاثون ثانيـة فانكمشت معالم وجهه صارخًا بألم ينخر في روحه كأن الخبر وصل لقلبه :
-يا ستـــار !!!!!
••••••••••••••
قيل أحدهم ذات مرة :
"" ما زلت لا أفهم كيف يكون الإنسان ملتزمًا تجاه الآخرين بحذافير اللطف واتقاء شر إيذاء القلوب لكنه مع ذلك لا ينجو من خيبة أو إيذاء أو حسرة."""
وصلت " هيام " لقعر بيتها وهي لا تعلم كيف سينقذها أخيها، ودعت هِلال الذي رافقها لبيتها ثم انصرف على الفور وأختها وأهلها وما زال الأمل يملأها بأن أخيها لم يتخل عنها ويسلمها لتلك الحياة التي لا تُريـدها … فتـح ضيا باب بيتـه وهو يستقبـل عروسته ومفتاح أحلامه الجائرة ويقول لها :
-برجلك اليميـن يا عروسـة ..
سبحت عينها في وادٍ الحـزن وهي تخطو بكامل ثقتها في وعد أخيها لها بصمت .. قفل ضيا الباب بعد دخولها وهو يعض على شفته السُفلية ويقول بمكر دفيـن :
-يكون في معلومك أمي معاها نسخة من المفتاح يعني هتلاقيها داخلة علينا في اي وقت ..
قفلت جفونها على جمر الخيبة بدون نفاش على أمل النجاة من ذلك الأسر ، اقترب من مائدة الطعام المغطاة ورفـع المفرش من فوقه ليتفحص الأكل بأعين ساخطة :
-فين الديك الرومي ، أنا مش قايـلك لازمًا يكون مع العشا !! أقول أيه لأمي دِلوق ؟! عروسة من غير ديك رومي دي چوازة فقـر .
تجاهلت ثرثرته وهي تتجول بالمكان باحثة عن وسيلة اتصال واحدة بأخيها الذي لا يخلف وعده أبدًا مدمدمة لنفسها " أنتَ فين بس يا هارون ومهملني !! "
~بداخـل غُرفة نومـها …
-"دانـِا اللي هطلع ديك أمك يا وِلد الـ****.. "
قال هارون جملته الآخيرة وهو يتلصص السـمع من وراء باب غُرفـة النوم الخاصة بأختـه وعريسـها الدنس .. وما أن تكورت يده على جمر غضبه المتقد ، مدد هيثم على فراش العُرس وبيده سلاحه الأبيض الذي يعبث به وهو يُعاين المرتبة تحته ليُردف بسخرية :
-المرتبة دي معضمة !! مسترخص وِلد النتن !! تعالي شوف إكده ياهاشم دي تچيب غضروف !
رمقه بحدة هاشم الذي يجوب الغرفة ذهابًا وإيابًا على مراجل من نار :
-مش وقت حديت فاضي عشان أنا على آخري ..
-وتچيب أخرك ليه ؟! إحنا اللي هنچيبوا أخره بس طول بالك !!
-أششش ..
حدجهما هارون بنظر خارسة لشجارهم الذي لم ينتهي بعد ، فأتاهم صوت ضيا الذي يفتح باب شقتـه ويُنادي على أمه كي تأتي لتأخذ عشاء العروس وهو يهينها بأبشع الإهانات مستخسرًا فيها وجبـة العشاء التي أحضرتها أمها ، لم يتحمل هارون تلك الشتائم على أخته وأهل بيته ففتح الباب بهدوء في لحظة خروج ذلك الدنيء لتراه أخته التي أصابها اليأس بمقتله وباتت دموعها تنهمر حتى ظهر أخر الممر أخيها الذي كان ظهوره أشبـه بهطول المطر على أرض قاحلـة ، شهقت بفرحة تبللها عبرات الحزن حيث رفع هارون كفيه ليأمرها ألا تتحرك من مكانها وأن تهدأ تمامًا ، ثم دارت سبابته حول بعضها البعض بلغة الإشارة طالبًا منها أن تُجاريه بالحديث ، فختم أوامره وهو يشير نحو الغرفة بأنه سيختبئ بها وألا تخاف أبدًا …
وثبت العروس وهي تلهث بفرحة تجفف عبراتها ، تخلصت من حذاء ضعفها مرتدية زي القوة بوجود أخوتها حيث وقفت بوجه الطوفان لتطيح بوجهه بقوة عاصفة لا يجرؤ أحد أن يقف أمامها وهو يحمل مائدة العشاء كي يعطيها لابنة أخته ويقفل الباب ورائها ، دار على سؤال هيام :
-والله !! هي بقيت كده يا ضيا ؟!
-أيوة هي إكده يا هيـام ، وانسى عاد كُل الحديت اللي اتقال ، ده كان طُعم واصطادت بيه السمكة خلاص !!
قال جملته وهو يتخلص من شاله المرمي على كتفيه فلحقت به وهي تديره ليتطلع لها :
-چاوبني أنتَ متچوزني ليه يا ضيا !! أيه في جوفك ناحيتي ؟
رمقها بنظرته الدنيئة والمدججة بداء رغبته فيها :
-مش وقته أحنا نأجلو الحديت لبكرة والليلة مش عاوز عكننة !!
تراجعت خطوة للوراء إثر شظية الخوف التي لدغت قلبها وقالت :
-ده بعينك ، يمين بالله ما هتقرب لي يا ضيا غير لما أعرف اللي في جوفك وإلا بفستاني هرچع بيت أبوي وما هتقدر ترجعني !!
قهقه ضيا بتلك الضحكة الشريـرة وهو يضرب كف على الآخر وهو يرمقها بدناءة :
-هريحك يا بت خليفة ، مع انه مش وقته وكنت ناوي أعيشك ليلة ولا في أحلامك، بس هنقولو إيه دبور وزن على خراب عشـه ، وأنتِ اللي استعجلتي بقضاكي ..
ثم دار حولها بأعينه الماكرة وتلك النبرة الخبيثة التي تفصح عن سُم نواياه بصوته الذي يتردد صداه بآذان أخوتها :
-اسمعي الچديد عشان كلامي مش هكررو مرتين .. بيت أبوك تنسيه ؛ اعتبريهم ماتوا لا حد فيهم يچيلك ولا أنت هتروحي لهم .. مفيش تليفونات .. الصبح هيچي المحامي وتتنازلي عن كل نصيبك في ورث أبوكي قولي آمين وربك يقرب البعيد ..
كادت أن تصرخ بوجهه ولكنه أوقفها بتلك النبرة المرعدة :
-مخلصتش ، وحسك مايعلاش … عاوزة اتعرفي اللي في چوفي هقولك ، عاوز أبقى الكبير وأمسك العمدية مكان أخوكِ عشان مش عكره قده من وأحنا عيال .. ناوي أخلي راسهم في الوحل ..
اتسع بؤبؤ عينيها بذهول من وقع وقاحته :
-يخربيتك !! ايه السواد ده كله اللي چواتك ؟! كل ديه عشان أخوي أحسن منك وسيدك وسيد النجع كله يا كـ**
-هتغلطي هقل منك وأخليكي تلعني اليوم اللي بقيتي فيه مرتي ، ودِلوق يحلو الحديت قبل ما نبدأو ليلتنا … قدامك حل من الاتنين يا تقولي أمين على كُل كلامي وتساعديني أخد مكان أخوكي ، يإما هچرچرك من شعرك وسط النچع كله وأقولهـم تعالوا شوفوا بت الحسب والنسب غلطت مع مين وچايين يلبسهوالي وأنا عتكيف قوي بالفضايح دي !!
بصقت بوجهه بكل ما تحمله من كره واشمئزاز لذلك الرجل الذي أحبته يومًا وهي تقول :
-تبقى متعرفش مين هما أخواتي ، رچالة خليفة العزايزي ..
هنا فاض صبر الثلاثة أخوة ليخرجوا من حجرهم أمام ذلك اللعين ليجهر هارون مُقرًا :
-وإحنا چينا عشـان نعرفوه …
دار ضيا خلفه على نبع ذلك الصوت القوي الذي رج قلبـه وهو يوجه لومه لهيام :
-إكده هيحموكي مني يعني !!
ثم تراجع خطوة للخلف :
-أنتوا چايين بيتي ليه يا ولاد صفية !
-چايين نطربقوه على نفوخك ونفوخ أمك اللي معرفتش تربي زي صفية ..
قال هاشم جُملته وهو يسبق أخوته لينقض عليه فأتبعه هيثم هو يشمر كُمه :
-عاوز تعرف إحنا إهنه ليه ؟! لأنك استهلكت ١٠٠٪ من ردة فعلي المحترمـة ، وأنت الآن على نظام قتل العبـد ولا تربيته ..
أبعد هارون أخته عن ساحة تجمعهم بذراعه الممتد وقال بهدوء :
-ها يا ضيـا ، عيـد كلامك من تاني عشان مسمعتوش ، كنت بتقول جُرسة وفضايح وأخواتك وو سمعني، خليك راجل وقولهم في وشي ولا أنت آخرك تتشطر على الحريم!!
طافت عيني ضيا المذعورة :
-عتتكاترو عليّ !! لا دانا صايع وچايبها من تحت قوي !!
هم هيثم مقترحًا وهو يضرب على كفته ويخرج سلاحه الأبيض :
-تحت !! هو ديه اللي چايين عشانه ، أحنا ناويين نخلوك متنفعش في چواز من أصلو وتقعد جار أمك كيف الولاية ..
تدخل هاشم مقترحًا :
-لا يا هيثم مش معاك هي رصاصة طايشة من مسدسي وأقول كُنت بنضفه فالوسـخ بتاعه چيه في رأس الخسيس .. ونبقوا خالصين ، أحنا لسه هنسلخ ونقطع ونشفي ؟!
فجهر هارون :
-وليه ! الديابة جعانين أهم نضمنوا لهم عشاهم ..
هتف ضيا بقلب المذعور :
-أنتوا ناويين على أيه ؟! اسمعوا هتقتلوني يبقى كلكم هتروحوا في داهية اللي انتوا عاوزينه أنا هعملو لكن ..
قطعه هارون بحدة :
-لكن !!! لكن دي سيبهالي ..
ثم جهر آمرًا :
-هيثم خُد أختك وانزلوا تحـت استنونا ، أصلـو اللي هيحصل فيه ماينفعش الحريم تشوفه !
عارضه هيثم :
-عاوز أضربه معاكم ..
فتدخل هاشم وهو يباغت ضيا بتلك الركلة القوية وبمهارته القتاليـة ليجثو على ركبته كالماعز ويلف شاله على عنقه :
-رقدتهولك أهو أضرب لحد ما تتعب وأنا هكمل …
فأكمل هارون بثبات :
-كل اللي نفسو في حاچة يعملها قبل ما رچالة المجلس يچوا ياخدوه ..
ثم لف ذراعه على كتف أخته وقربها لحضنه :
-شوف يااخي تكون في خشمك وتُقسم لغيرك ، وأختي چاي أخدها من قلب بيتك زي ما أنت چيت وخدتها من قلب بيت أبوها ..
صاح ضيا متمردًا وهو يطيح بذراعيه في الهواء :
-أنتوا فاكرينها أيه ؟! دي مرتي وخلاص اتكتبت على اسمي ومحدش هيقدر ياخدها ..
لم يتحمل هاشم وهيثم أكثر من ذلك فانهال عليه الاثنان وكل منهما يضرب به حتى نال الحقير ما يستحقـه وكل ما بالبيت تهشم فوق رأسه وخرت قواه وتمرده ليجثو على الأرض وهو يلهث :
-أنا هوديكم في داهية !!
وقف هاشم فوق رأسه وهو ينفض يده من غبار ذلك الماكر ليقف هيثـم بجواره يلتقط أنفاسه مشجعًا أخيه :
-الله ينور يا هاشم بيـه ..
فأتبعه الأخر :
-عاشت إيدك يا هيثم باشا ..
اقترب هارون الذي كان يضم أخته بأحد الزوايـا ويتساير معها كي يشتت نظرها عن تلك المعركة الطاحنة .. وضع حذائه بجوار رأس ضيـا والقدم الأخرى رفعها على طرف الطاولة ليقول بهدوء :
-خمارة "علي بابا" عتسلم عليـك ، والليلة الفُحلقي اللي قضيتها إمبارح هناك زمان الشيخ هِلال بيتفرچ عليها مع شيوخ المجلس .. دانتَ هتشوف سواد ، شوفت أهي أختي اطلقت حتى من غير ما تقولك طلقني..
قهقه هيثم ساخرًا وهو يطالع أخيه هاشم :
-هو له في شغل الچديان دهوت !! چاتك القرف ده بيعض من غيرنا يا هاشم بيه !!
مال هاشم على مسامعه متهامسًا بمزاح :
-الخمارة دي فيها نسوان تستاهل يعني !!
قهقه هيثم بصوت عالي وهو يضع حذائه على بطن ضيا ويضغط بقوة ليؤلمه :
-أهي أشكال عرة زي اللي عيروحلها …
ثم همس له بمزاح :
-هوديك واحدة أنقح منها بس متقولش لهلال وهارون..
زمجرت رياح غضب هارون كي يكفان عن هذا الحديث الساخر أمام أختهم التي ضمها لصدره وقال لها :
-أهو متلقح عندك شوفي عاوزة تعملي فيه أيه وأعمليه ..
رمقته هيام باشمئزاز هي تحضن أخيهـا بنفور :
-لا يا هارون أخواتك مقصروش ، بس يلا بينا من إهنه عاوزة أمشي …
قال هارون آمرًا :
-هيثـم خد أختك وأطلعوا على البيت وأحنا هنسلمو الواطي ديه ونحصلوكم ..
هيام برعب :
-هارون .. طب وصفية ؟
تدخل هاشم وهو يركل ضيا في ظهره :
-سيبي لي أنا صفية ……
••••••••••••
~بيت خليـفة العزايزي .
-طيب لو حضرتك زهقانة أنا ممكن أحكي لك حواديت للصبح .
تجلس " ليلة " مع السيدة " أحلام " التي لم تُفارقها أبدًا أثناء الحفل إثر وصية هارون لأمه الثانيـة ، قالت ليلة جُملتـه بعد ما سرحت شعر أحلام الأبيض فهرولت "ليلة" التي ترتدي " بيچامتها " الزرقاء ذات خامة القطيفة وأحضرت المرآة من حقيبتها :
-بصي كده يا طنت وقوليلي رأيك .. الضفيرة عجبتك ولا لا ؟
أخذت تتطلع أحلام على ملامحها بالمرآة الصغيرة وقالت بروح طفلة بربيع عمرها :
-إيه العسل ده كله يا ليلة!! يسلمو ايديكي أحلى واحدة تضفرلي شعري ..
أحضرت ليلة حقيبتها ووضعتها على الفراش بجوار أحلام الجالس على طرفه وقالت بروح الفراشة التي تسكنها :
-ناقص حاجة بس ، حبة كحل من هنا وهتبقى بنت عشرين سنة ، أيه رأيك ؟!
تحمست أحلام للفكرة:
-طب حطي لي أصلو الليلة ليلتي والحچ خليفة عاوزاه يشوفني حِلوة ..
غرد الضحك على معالم وجه ليلة البريئة وهي تستعد لوضع لمسات التجميل فوق وجه تلك العجوز صاحبة روح الصبية وتقول :
-ياسيدي يا سيدي !! بس كده أنا عينيا ليكي ولعمو الحج ..
ثم غمزت بطرف عينيها بمزاح :
-واضح أنك بتحبيه أوي ..
تنهدت أحلام متذكرة أيام الصبا :
-دانا عموت فالتراب اللي تحت رچليـه ، أقول لك على سر محدش يعرفوا غير هارون ..
لمعت عينيها بمجـرد سماعها للاسم وتمتمت بفضول :
-هارون !! أنتوا صحاب أوي كده !
أسهبت أحلام في وصف فلذة قلبها :
-ديه ولدي البكري وتربية يدي وحبيب قلبي .. هارون ديه أحن قلب ممكن تقابليه في حياتك ، ميغركيش الچعچعة بتاعته وخُلقه الضيق ، الواد ديه چواة قلبه حنية تغرق العالم بس هو عامل فيها چامد ..
انتشت ملامحها بعنبر السعادة لحديث أحلام عنه وهي تقول :
-وأنا كمان حاسة بكده ، بس دماغه دي جواها حاجات كتير أوي ، بحسه بيفكر كتير ومش بيتكلم .. ودايما متعصب..
-حمال آسية يا حبة عيني من يومه ..
فغمغمت ليلة بتلقائية :
-بس هو لطيف مش هنكر وو
أشاحت أحلام بنظرة اكتشافية لقطت فيها طيف الحب يبرق بعيني تلك الفتاة ، فداهمتها بنظرة شفقة لقتل جنين ذاك الحب قبل أن يولد ، أدركت ليلة ما قالته حيث وثبت لتشتت تفكير أحلام عن جُملتها الأخيرة :
-هاا قوليلي بقا أيه السر ؟!
اتسعت ابتسامة أحلام وهي توشوش لها بحذر :
-أنا ما ععرفش أنام غير والحچ خليفة چاري ومتبتة في دراعه .. واليوم اللي يبات فيه عند البت صفية أبقى متقلقلة ومش على بعضي وعيني ماتشوف النوم غير فالليلة اللي بعديها لما يچيلي ..
ثم مسحت على رأسها داعية لها :
-ربنا يرزقك بزوج وحبيب متعرفيش طعم النوم غير في حضنه وساعتها هتعرفي أنا قصدي أيه !!
لا تعلم لِمَ قفز اسمه ذاك المدعو بهارون برأسهـا وقلبها يؤمم وراء هذه العجـوز التي تقرأ صفو عينيهـا بمهارة ربما لأن بداخلها آيضا تتمنى لها رجلًا كهارون ولكـن أي معجزة تلك التي تجمع إمراة الغرب برجل الشرق !!!!
فتحت " زينة " الباب بدون استئذان وقالت بنبرتها المعتادة على دس أنفها بكل شيء :
-جرى أيه !! خالة أحلام بتنام بدري ومش عاوزة رط فوق راسها ، وبعدين أنتِ إهنه ضيفة يعني مكانك في قوضة الضيوف مش قاعدة مع صاحبة البيت !!
ساد الصمت للحظة شمت فيها أحلام خجل ليلة من حديث زينة الجارح وردت بذلك الدهاء الذي ورثه منها هارون :
-بت حلال يا زينة ، هتعبك يا حبيبتي تچيبلنا العشا أنت والسكر دي عشان نتعشوا سوا لانها هتنام چاري الليلة !! دي أمانة هارون لحد مايعاود .
تجاهلت ليلة نظرات زينة القاتلة وتمتمت لأحلام بحماقة :
-وعمو الحج ؟!
ضغطت أحلام على كفها كي تصمت وألا تكشف لعبتها أمام زينة سليطة اللسان وأكملت :
-شهلي يا زينـة خليني أخد علاچي معدتي بتتسحب ..
غلى الدم برأس زينة التي تنتظر عودة هارون ليرجعها لبيت أبيها وهي تتأفف باختناق وتتوعد لليلة :
-والله !! على عيني يا خالة.. أنتِ وضيفتنا على راسي.. -ثم غمغمت- اااه يـاناري .
ما انصرفت زينـة فمالت أحلام معتذرة لضيفتها وأمانة ابنها :
-تزعليش من زينة دي عبيطة وهبلة ومدرياش باللي عتقـوله ..
ضمت ليلة على كف أحلام التي سكنت قلبها :
-لا أبدا ، أنا كُل اللي بفكر فيه أزاي شخص راقي ومثقف زي هارون بيـه هيتجوز واحدة مجنونة زي دي ؟!!!
تأوهت أحلام بوجعٍ :
-وإن چينا للحق ولا واحدة في النچع كله تليق بهارون حبيبي .. هارون عَدله واحدة أميرة زيـك لكن هنقولو أيه النصيب غلاب …
ضخت رأسها بفوضى عارمة إثر كلمات تلك السيدة التي حفرت مداخل للحب برأسها المائلة نحو ذلك الرجل الذي قلب حياتها رأسًا عن عقب ، رغم كل الهدوء الذي تتظاهر عليه يوجد بداخلها الكثير من الارتباك والقلق وعاصفة من المشاعر ذات مصدر عميق ومجهول حتى الآن … نفضت ليلة غُبار أوهامها وهي تقول بتلقائية لتُغير مجرى الحوار :
-حضرتك تعرفي أن جدو كان شغال ظابط هنـا ، لو قولت لك اسمه ممكن تعرفيـه …
-بتندب ليه البت الفقرية دي ؟!!!!!
قالت أحلام جُملتها الأخيرة عندما صدح صـوت صراخ " صفيـة" بالخارج عند رؤيتها دخول ابنتها بفستانها الأبيض بصُحبة هيثم ، ظلت تنوح وتطلق الصراخات المتعددة بساحة البيت ، فهرول هيثـم نحو أمه ليكتم صوتها :
-خلاص يااما .. ولا كلمـة وهيام اعتبريها فسخت ..
تأرجحت عيني الجميـع بصدمة حول سبب عودة العروس بفستانها ، لم تتوقف صفية عن لطم الخدود وهي تتساءل بجنون :
-عملتي ايه يابت راجعة لي بفستان الفرح !! عملتي ايه يا بت بطني ! يافضيحتك ياصفية ..
جاء صوت أحلام من الخلف :
-اقفلي خشمك يا صفية .. ولا كلمة تربية العيال دي تربية يدي ومفيهمش واحد هيقصر رقبة امه أحلام.
وهنا دخل هارون وهاشم من البيت فانتقلت الأعين صوبهم ، جهر هارون بنبرته الشامخة :
-أختي اطلقت عشان چوزها طلع خسيس وبتاع خمارات .. وخد جزاته .
ثم نظر لأمه :
-واللي هيفكر يجرح أختي بكلمة أنا اللي هقف له !!
ركضت هاجر صوب أختها وضمتها :
-يا حبيبتي تعالي تعالي نطلعوا فوق ..
صاحت صفية بوجه هارون :
-فركشت چوازة أختك يا هارون !! ارتحت ؟! عاوزها تقعد چاري والعار يطولنا ..
لم يتحمل هاشم سماع المزيد من أمه ، بل طاحت يده بكل ما يقابله تحت أعين الجميع وبالأخص نغم الواقفة بعيدًا وكانت تنتظر الفرصة المناسبة لفتح موضوع رفضها لهاشم مع خالتها .. تمسكت بالستائر المتدلية بهلع وهي تراقب ذلك الثور الهائج أمامها :
-لحدت إهنه وخلصت يا صفيـة ، كفاياكي ياما عاد .. كفاياكي جهل كنتِ هضيعي البت بجهلك وادينا دفعنا تمن سكاتك .. عار ايه اللي عتتكلمي عنيه ..
ثم دنى من أمه ونبرته المزمجرة تصدي بالبيت :
-كام مرة چات هيام تشتكي لك هااا ردي ؟! أختي معيوبة عشان ترضى بأي چوازة والسلام !! فوقي ياما دي بت خليفة العزايزي ، وفي ضهرها أربع رچالة ياكلو الزلط ..
ثم ركل المنضدة التي تحمل مزهرية الورد بكل ما أوتي من غضب :
-عادات عادات عادات !!! اهي العادات دي كانت هتحط راسنا كُلنا في الطين .. أخر كلمتين تحطيهم حلقة في ودانك ؛ أخواتي البنات خط أحمر يا صفية ولو اتدخلتي لهم في چوازة تاني أنا اللي هقف لك .. مفهوم !!
-هــاشـم !!!!!!
ألجمه صوت أبيه الذي جعله يبتلع ما تبقى من كلمات بصـدره ويقف ليأخذ نفسه ببطء ؛ فاقترب منه أبيه المستند على عكازه :
-هي حصلت تعلي صوتك على أمك على حياة عيني !!
انخفضت نبرة صوته في حضرة أبيه فتدخل هارون ليوضح الأمر :
-هاشم مش قصده يا أبوي .. هو زعل عشان هيام وو
صاحت نبرة الحج خليفة موبخًا :
-البيت ديه بيتي ومحدش يعلي فيه صوته غيري .. لا أنتَ ولا أخوك ولا عشرة زيكم !! اي عاملين نفسكم كبرتوا على أمكم وأبوكم..
تمالك هاشم غضبه وقال جملته الأخيـرة وهو يعلن رحيله وعودته لعمله :
-أنا قولت اللي عندي .. اللي هيچي في سِكة أخواتي البنات هأكله بسناني .. بالإذن أنا راجع شغلي ..
ما كاد ليخطو خطوة فسقط أنظاره على وجه نغم التي تراقبه بذعر من بعيد ؛ فتوقف وقال :
-وخطوبة أنا مش هخطب حد ، لما ابقى تخطبو ابقوا خدو شورة التور اللي هتچوزوه الأول .. أنا مش همشي على كيف وعادات حد …
هتف هارون بوقع تلك النبرة القوية التي جعلت ليلة تتشبث بذراع أحلام و متجاهلًا وجود زينة التي تمسح على كتفه كي يهدأ وهو يضع حدًا لأخيه :
-هاااشم !!!!!! هتنسى أنك واقف قصاد أبوك هنسى أنك أخوي وهتعامل معاك كإنك و
قاطعه هاشم وهو يربت على كتفه :
-سايبهالك متخدرة بعاداتها وتقاليعها اللي هتحرقكك أنتَ أول واحد ، حافظ عليها أنت ؛ مش هاشم اللي حد يمشيه .. بالأذن يا خوي …
ثم تحرك خطوتين ليُقبل رأس هيام أختـه بحنان ذاخر :
-اللي يزعلك قوليلي عليه وأنا همحيـه من على وش الأرض .. خلي بالك على روحك ..
نادت عليه أحلام ثم نادت صفية بقلب الأمومة على ابنها الذي سيرحل دون أن يودعها ولكنه تجاهل ندائها كعقاب لها عما فعلتـه واستقل سيارته وانطلق على مدينة الهادئة وعالمه الآخر الهارب منه ……..
ما غاب طيف هاشم عنهم اهتز عكاز الحج خليفة ليستند على ذراعه ابنه الأكبر الذي تلقاه صارخًا :
-هاتي ميـة يابت …
في تلك اللحظة رن هاتف المنزل ، فركضت هاجر لترد عليه ، فإذًا بنجاة ذات الصوت المرتعد :
-هاجر ، خالتك صفاء تعيشي أنتِ .. ورقية بتها راحت البيت ولسه معاودتش عكلمها ملهاش آثر ، الحقيها لتعمل في روحها حاجة…..
صعقت هاجر بصدمة مما سمعته ، فنادت بتلك النبرة المرتعشة وهي تراقب دخول هلال أخيها الذي لم يكف عن التساؤل حول عدم مجيئ رقية للحفل وقالت :
-الحقني ياهيثم !!! نصيبة ……
••••••••••••
~السـاعه الثانيـة عشر بعد منتصف الليـل :
فرغ بكر من أخذ حمامه الدافئ مستعينا بملابس المرحوم عمـه وهو يرش العطر ويمشط شعره مدندنًا بكلمات الغناء الشنيعة مثله بصوته الأشبه بصوت الغراب .. ثم عاد ليطوف حول مسرح جريمته ويترقب تلك المرمية بمكانها على الأرض تغوص في عالم الأحلام بدلًا من عالم الواقع الذي قُتلت ألف مرة به .. ظل يملأ عينيه الشريرة من آثار جريمته حتى جثا على ركبتيه وهو يحاول إيفافتها بلمساته الدنيئة :
-بزياداكي دلع عاد يا داكتورة ، قومي أفرحي بچوزك بكرة يومنا طويل .. هتبقي مرتي قاصد الكل ..
أخذ يمسح على شعرها ويكمل بتلك النبرة كمن فقد عقله :
-شكلك حلو قوي وأنتِ نايمة كيف الملايكة ، مش عاوزك تزعلي مني أنا عحبك واللي عيحب تملي معذور .. لما تفوقي هتعرفي أنا عملت إكده ليه ، بكرة هنروحوا المچلس ونكتبوا والبيت ديـه هيبقى بتاعنا أنا وأنتِ ..
قطع خيال أحلامه الدنيئة صوت صراخ هاجر التي تطرق الباب بقوة مناديـة باسم " رقيـة " :
-رقيـة افتحي !!
فأتبع هيثم وهو يطرق الباب بقوة :
-رقية لو انت چوة ردي !!!
لم يزر الرعب قلب المجرم الذي حمل ضحيته ووضعها بمنتصف السرير وهبط بهدوء كي يفتح الباب كمن لم يقترف إثمًا .. كانت الصدمة الكُبرى عندما فتح لهم الباب بابتسامته المتمددة :
-خير عاوزين أيه !!
برقت عيني هاجر صارخة :
-أنتَ بتعمل ايه عندك ، رقية فين ؟!
فارت الدماء برأس هيثم وهلال عند رؤية ذلك الصعلوك البشري أمامهم ، فتفوه هيثم باشمئزاز :
-أنتَ عتعمل أيه إهنه ؟! وفين رقيك بت عمك ..
دفع هلال أخته من أمام الباب وهي ينقض على ياقة جلبابه وبشخص آخر متحول كرر سؤاله :
-رقية فين انطق بدل ما أخلص عليك بيدي !
رد الآخر بهدوء متعمدًا استفزازهم :
-قصدك رقية مرتي ، فوق مستنية عريسها وباعتاني أمشيكم …
تسللت هاجر من تحت يديه لتركض لأعلي صارخة باسم رقية ، أما عن بكر فكان فريسة لأنياب غضب هِلال الذي لطخ حمرة الغضب وجهه وهو يضربه بجنون ويساعده هيثم الذي لم يترك إلا عندما تلطخت يده بدمائه الخبيثة ، هنـا قرعت صوت نبرة هاجر صارخة مستغيثة بأخوتها اللذين تركوا بكر وركضن لعندها ..
أخذت هاجر تستر جسد صديقتها بصراخ وبكاء يسبح على كيان الضحية ويعلو صراخها أكثر فأكثر وهي تنادي على أخوتها ، وصل هلال أولًا فلحق به هيثم ليستمعان لجملة هاجر المقهورة :
-رقية بتموت .. ألحقوها ، الكلب ديه عمل فيها أيه !!
شعور ولا أسوء ، حالة من الشلل الفكري صابت رأسه لقد تساوت أمامه الجهات وتساوت الطرق، باتت النهاية والوجهة المصيرية والنهاية التي لا تليق إلا بفيلم مرعب لا شيء أبدًا أسوء من أنك تقف وكل شيء فيك يتمنى العبُور من أمام ذاك المشهد المُهين .
سقطت عيني هلال المصدومة على قطرات الدماء الملطخة بالأرض والملابس الممزقة والمرمية هنا وهنـاك ، لحق به هيثم وهو يرى نفس المشهد المُشن ، استند على كتفه أخيه من هول المشهد وهو يلعن الجاني بأبشع الألفاظ ، فاق هلال من وقع تلك الجريمة الخسة ولف المفرش حول جسد الضحية التي لا حول لها ولا قوة وحملها بين يديه وهو يأمر أخيه بنبرته المرتعشة التي لا تصدق ما رأته صارخًا :
-الحيوان اللي تحت ديه دمه يتصفى ياهيثم …
•••••••••••
~عودة لبيت العزايزي .
صاح هارون مناديًا على جابر الذي هرول لعنده ملبيًا النداء فأمره :
-توصل زينة ونغم لبيتهم وتعاود ..
فتدخلت زيـنة معارضة :
-مخليني معاكم يا هارون ، أديك شايف وضع البيت متكهرب وو
أنهي جداله معها بحدة :
-حال البيت زي الفل ، روحي ..
فأمتدت أنظار زينة نحو ليلة الواقفة بأحد أرجاء البيت ملتفة بشالها الصوفي وهي تتهامس مع نغم التي تطلب منها :
-هتعبك خلي بالك من أحلام دي نايمة زعلانة من اللي حصل ، وأنا هجيلها الصبح ..
أومأت ليلة بالموافقة على الرحب والسعة:
-شكلك بتحبيها أوي ..!!
ردت بأسف :
-ومين فينا ميحبش أحلام ، دي بركة النچع كله ..
دمدمت زينة بحرقة لهارون :
-طب خلي البت المصراوية دي تعاود على قوضتها وبعدين هي مش ناوية تعاود لبلدهم يا هارون !!
صاح هارون بنفاذ صبر :
-نغم !! تعالى ونسي بت خالك عاوزين نناموا في أم الليلة المقندلة دي .
لبت نغم النداء على الفور وهي تودع ليلة بلطف ، فركضت وهي تتأكد من ربط حاجبهـا الذي لم يظهر خصلة واحدة من شعرها عكس زينة التي تغطى الوشاح بشعرها بدلًا من أن يغطي هو شعرها .. غادرت زينة على مضض وهي توصي هارون :
-متزعلش روحك ومن النجمة هجيلك يا حبيبي ..
زفر هارون بجـزعٍ وهو ينصرف من أمامها متجهًا نحو ليلة التي تقف بجوار الباب الخلفي للحديقة .. تأرجحت عينيها نحوه وهي تقترب منه لتخبره :
-عارفة أنه مش وقته ، أنا حبيت أبلغك إني همشي بكرة عشان وجودي بدأ يضايق خطيبتك وو
لا يعلم لما عض خبر رحيلها على قلبه فقاطعها قائلًا :
-أنتِ هنـا ضيفة في بيت خليفة العزايزي مش عند حد ..
-بس …
-شغلك لما يخلص أبقي عاودي ، الصبح هتلاقي الدنيا كلها اتظبطت ..
أومأت بالموافقة دون الدخول في أي تفاصيل وهي تخبره :
-أنا هبات مع طنت أحلام جوه ، مش حابه اسيبها لوحدها كده ، نامت وهي زعلانة على هاشم أخوك ووو
-هنام أنا چارها متعتليش هم ..
-هو ليه باباك نام في أوضة لوحده ؟! طنت أحلام مش بتعرف تنام غير وهو جمبها في السرير !!
لمعت عينيـه بدهشـة إثر إفشاء أحلام سر مثله لتلك الغريبة وهو يقول :
-واضح أنك دخلتي قلب أحلام عشان تقولك سر زي دا !!!
وضعت أناملها على شدقها بندم :
-أحيه !! دي هي فعلا قالت لي ده سر وأنا نسيت وقلت لك !! بس هي قالت لي إنك عارفو يبقى كده عادي ؟! ولا مش عادي وأنا طلعت فتانة !! بليز ممكن مش تقولها عشان ماتزعلش مني !!
ابتلع ابتسامته إثر عفويتها التي صهرت ملوحة همومه وقال متعمدًا فتح باب الحديث معها :
-وقالت لك أيه تاني أحلام !!
ردت متحمسة :
-قالت لي إنك تربية إيديها وانها بتحبك أوي ؛ وشايفاك كتير على أي واحدة هتتجوزها من بلدكم ..
عفويتها طاحت بقلبه لشطرين ، شطر يقاوم وشطر يركض خلف سجيتها ، رفع حاجبه متسائلًا :
-ويا ترى مقالتش مين العروسة اللي شايفاها تستاهلني وأنا اتچوزها من الصبح !!
تعرقلت بلمعة عينيه التي تغازلها وقالت بفطرتها :
-لا ما قالتش مين ، بس هي قالت واحدة زيي !! لو عجبتك الفكرة أنا عندي صُحابي كتير في اسكندرية ممكن أرشح لك عروسة فيهم وكلهم هاي كلاس وبنات شيك جدًا وو …
خطى على صميم مجهول بقلبها وهو يدنو منها خطوة متسائلًا بمكر :
-هنروحوا بعيـد ليـه ؟! ما اللي نعرفوه أحسن من اللي لسه هنتعرفوا عليه ؟!
-قصدك أيه ؟!
-يعني ليه مش أنتِ مثلاً.؟!
يبدو أن الشعور المتواري تحت حواره معها تحول إلى إدمان، لو إنه يعلم بأنه يأخذه لها شيئًا فشيئًا لن يطاوعه أبدًا ولم يتعامل معها مرة آخرى .. يبدو أن لعنة ساكمت أصابت ذاك الوادٍ المقدس بقلب حضرة العمدة الذي نزع حذاء العادات وتناسى قيوده وهو يتراقص على أوتار تلك المسكينة و لا يدرك عاقبة عبثه ، تلعثمت الكلمات بحلقها لتقول بتوتر :
-أنا وأنتَ ؟!!!!! مستحيـل !!! انتَ لالا ..
-كُل دي لا !!!! ليه يا استاذة؟
قد يأتي الحب من أقل الأشياء تعمُدًا وأكثرها صُدفًا ، قد يأتي محملًا بقطرة المطر ، برغبة مُلحة في نسل الحديث مع من تحب .. أحست بحرارة تشع من قلبهـا وهي تعبر محتجة :
-طبعا !! أنا لازم اللي يتجوزني يكون بيحب الأساطير بتاعتي ومصدقها ؛ أنت بقا مش بتحبها ولا بتصدقها ….
ثم لملمت شتات قوتها وسألته :
-وبعدين أنتَ مش المفروض خاطب زينة وهتتجوزها ؟! الموضوع شاغلك ليه ؟
-الشرع محللي أربعة .. وأنا ناوي أقفله.
عجبًا لأمر رجل أوصد قلبه عن معشر النساء وعند لقائه بواحدة غيرت مجرى فكره وسير قلبه !! يا ترى هل فتحت شهيته على صنف النساء أم أراد أن يتزوج أربعة من نساء قبيلته ليعوض إمراة مثلها ؟! قالت ليلة بفلسـفة غير مقصودة:
-أنا خدت بالي أن الموضوع عادي عندكم ؛ بس أنتَ ممكن تتجوز واحدة بس تغنيك عن الأربعة لإنك استيل مش هتكون مرتاح لما تعمل كده .
ثم لملمت شعرها بتوتر :
-أنتَ بتسأل أسئلة غريبة مش وقتها خالص الصراحة ؟! أحنا بنقول أيه أصلًا ؟
حك وجنته بطرف سبابته وقال بدهاء يسبق دهاء الذئاب :
-أصل أحلام عتحلم ، قولت أشوف آخرة أحلامها معاكي لفين وصلت ..
-اااه يعني بتجرجرني في الكلام وأنا زي الهبلة ..
-وليه زي !!!
-لحظة لحظة !! قصدك إني هبلة !!
اكتفى برسم ابتسامته الثقيلة بوجهها وهو يرد على هاتفـه وعيناه تقتنصها بدقة :
-أيوة يا هيثم !!
-هارون في نصيبة .. تعالى دِلوق ….
يتبع
******
•••••••••••
🥀 الآصرة الثامنـة عشـر 🥀
"سبحان بارئ الحب! ما في الوجود كله أعجب منه! أنفعُ شيءٍ وأضرُّه، وأبردُ شيءٍ وأحرُّه، وأحلى شيءٍ وأمرُّه، وأهيجُ شيءٍ وأقرُّه"
—حمزة أبو زهرة.
•••••••••••••••••
"تودُّ لو أنّ كل أيامك تمضي وهي فارغةٌ تمامًا من أي حزن ، فارغةٌ من الناس، المسؤوليات، الضوضاء، فارغةٌ من كل شيء، حتى منكَ إن أمكن.. ولكن كيف وسمي الزمان بالعصر ؛ لأنه لا يترك شخصًا إلا بعد عصره تمامًا فلم يبقى منك إلا جثة "
انصهر جليد ليلة أمس المُحمل بثلجية الأقدار التي لم ترحم الضعفاء اللذين لا مأوى لهم بهذه الحياة .. فر هاشم لملاذه مأمن قلبه بعيدًا عن أسلاك أعرافهم الشائكة التي تخنق روحه بعد إعلان تمرده ..
وصل لأعتاب منزل حبيبته مع دقات الساعة الخامسة فجرًا .. ظل يجوب ذهابًا وإيابا حول باب البيت إثر نسيان رغد هاتفها على الوضع الصامت كعادتها .. تردد كثيرا قبل أن يدق الجرس فحبذا الوقوف إلي أن تستيقظ فتاته التي لم تتأخر في النوم عن الساعة السابعة صباحا .. في تلك الأثناء لمحته السيدة "سامية" من أعلى إثر قيامها لصلاة الفجر وارتشاف مشروبها الصباحي بالشرفة أمام البحر .. تركت ما بيدها ثم هبطت بهدوء وفتحت الباب وهي تُهاتفه بصوتها الهادئ :
-هاشم حبيبي واقف ليه .. فين مفاتيحك ..؟!
دار هاشم ليراها خلف القضبان الحديد الفاصل بينهم وهي تخرج من الباب الخشبي للبيت وقال :
-محبتش ازعجكم .. ونسيت مفاتيحي في قنا ..
هرولت سامية لفتح الباب له وهي ترحب به على أرض الواقع .. حيث عانقته بحنان أم آمنت له ابنتها الوحيدة فاستقبل ترحيبها بقبلة رأسها وسألها :
-عاملة ايه يا حبيبتي ..؟
ردت باختصار :
-تعالى جوه الجو هنا برد ..
تابع هاشم خُطاها وهو يحمل على عاتقه هم العزايزة الذي فر هاربا منه بعد ما أرسل رسالة إعتذار لأخيه عما قال ، لمست أقدامه أعتاب البيت الدافئ وهو يغلق الباب خلفه فاستئذانها :
-هسيبك تكملي نوم وهطلع لرغد ..
أوقفته معارضة ذهابه :
-استني يا هاشم عايزاك .. وفرصة رغد بنتي نايمة نتكلم على راحتنـا ...
حك ذقنه عالما بنوايا تلك النبرة وقال مجبرا :
-اتفضلي ..
عقدت سامية ذراعيها أمام صدرها وهي تحمل بعينيها سيل العتاب ونفاذ الصبر :
-وبعدين يا هاشم ؟ الوضع ده طول أوي وأنا بصراحة مش عاجبني ..
تعمد أن يطيل الحكي مستنكرا فهمه لمغزى كلماتها :
-أي وضع بالظبط ؟!
-أنت ورغد ؟! اسمعني .. أنت لما جيت وطلبت أيدها مني أنا كنت رافضة بسبب ظروفك ولما لقيت بنتي متمسكة بيك مرضتي أقف في طريق سعادتها ووافقت على إنه وضع مؤقت وو...
يبدو أن الجميع قد تآمر عليه ولابد من المواجهة .. قاطعها وهو يقول :
-وحصل وبنتك اتعلمها أحلى فرح في مرسى علم .. ومش ناقصها حاجة .. هي اشتكت لك ؟
-أنت عارف أن رغد عمرها ما هتشتكي لي منك لأنك للأسف اختيارها ؟؟!
ثم دنت نحوه خطوة واحتدت نبرتها صوتها :
-ومن حيث إنه ناقصها فهو ناقصها كتير يا هاشم .. ناقصها تبقى أم .. ناقصها تتعرف على عيلتك وتبقى واحدة منكم .. ناقصها وجود جوزها جمبها كل يوم ..
ثم ابتلعت بقية الكلام المعلق بحلقها وبدلت نبرة العتاب لنبرة الخوف :
-تقدر تقول لي لقدر الله لو جرالك حاجة في شغلك اللي كلنا عارفين مخاطره .. المسكينة اللي فوق دي هتعمل ايه ولا هتروح فين ؟!
ثم تمسكت بيده عندما رأته يتحاشى النظر إليها وأتبعت بقلة حيلة :
-حبيبي أنت ابني ولو مكنتش دخلت قلبي عمري ما كنت هوافق عليك .. بس أنا أم من حقها تطمن على بنتها ياهاشم .. حط نفسك مكاني لدقيقة واحدة..
سحب كفه من يدها وأخذ يمسح على وجهه ولأول مرة يقابله موقف كهذا يشعره بعجز وكأن ناقوس الحرب بدأت أجراسه وعليه بالاستعداد :
-بصي يا طنط .. أنا هربان من البلد بمشاكل مش ممكن تتخيليها .. فمن فضلك اديني فرصة شهرين بس والاجازة الجاية كل ده هيتحل وهعمل لك اللي عايزاه ..
كررت جملته الأخيرة وكأنها تأخذ ميثاق عليه :
-شهرين يا هاشم ؟!
-هاشم العزايزي لما يقول كلمة لازم يكون أدها .. وكل التأخير ده بسبب ظروف في العيلة متلخبطة لكن صدقيني كل اللي عايزاه هيحصل .. حضرتك معاكِ حق ..
ربتت على كتفه بحنان وأمل أن يصدق بقوله تلك المرة وقالت :
-متزعلش مني ياحبيبي .. ومهما كانت المشاكل فأنت أدها يا هاشم أنا واثقة فيك يابني ..
ثم ابتسمت بوجهه :
-يلا أطلع لمراتك صحيها هتفرح أوي برجوعك ، أنا عمري ماشوفت رغد مبسوطة من وقت وفاة باباها غير وأنتَ معاها ، بتحبك أوي على فكرة شيلها في عينك يا هاشم ..
أومأ بالموافقة وانسحب بهدوء من أمامها على عكس الطوفان الذي يحمله بداخله فأوقفته لتلطف الأجواء بينهم لأنهم أدركت مدى قسوتها بالحديث معه وهي تقول بمكر:
-وقول لرغد تخف فرط حركة .. الحاجات اللي بتتكسر دي لسه عليها أقساط ..
مال ثغره بابتسامة مجاملة وقال :
-أنا هاخد مراتي تكسر براحتها في بيتها أحنا مش علينا أقساط ولا حاجة ..
بادلته بضحكة خفيفة :
-ربنا يسعدكم يا حبيبي وأشوف ولادكم قريب يارب ....
•••••••••••
~بالمشفى ....
يجلس كل من هارون وهيثم الذي يصارع الغضب دواخلهم وبنهش بقلبهم نهشًا إثر ما وقع على تلك المسكينة وتهتك عرضها .. و بـ الزاوية التي يقف عندها "هلال" الذي يرتجف من هول ما رآه غير مدركًا بشاعة الحدث الذي وقع على تلك الفتاة التي شغلت محور قلبه وللحظة تمناها لنفسـه أن يُشاركها الدرب .. البكاء قد أصاب كل إنش بجسده جعله ينتفض إلا عينيه لم تدمع بقطرة ماء واحدة ربما لأنه لا يود ان يطفئ الدمع ناره التي ستطيح بكل شيء .. وبالنسبة لهاجر التي يعتصر قلبها حزنًا على رفيقتها وصديقتها المقربة وعلى رحيل أمها تلك السيدة الحنونة التي لم تر منها إلا كل الخير .. جاء جابر ليخبر هارون :
-هارون بيه الرجالة راحوا يجيبوا ولد المحروق دهون من بيته .. والست صفاء الحريم كفنوها وباقي الصلاة والدفنة ..
نظر له هيثم بأعينه المحمرة :
-هتدفنها قبل بتها ما تشوفها يا هارون ؟!
غلى الوجع بقلب هارون وقال :
-هي مش مستحملة وجع تاني .. شوفوا حد من محارمها يدفنها وكل رجالة العزايزة يمشوا وراها .. يلا يا جابر وأنا هحصلك ..
ثم دار هارون لأخيه بعتب :
-وحسابك لسه معاي أنت وهلال .. كيف كل ديه يحصل وانا معنديش علم بيه ..
جاء ليبرر له فهنا خرجت الممرضة من غرفة العمليات لتقول بأسف لكل من اجتمع حولها :
-هي كويسة .. الدكتور عملها تنضيف رحم من اللي حُصلها وو -ثم بللت حلقها-ومصمم يبلغ في النقطة ..
زأر هلال متوجعًا لما سمعه وهو يضرب عرض الحائط بقضته المضمومة على جمر الألم فخطف انتباه الجميع له ، اشتد غضب هارون بذكر الممرضة لاسم الشرطة وقال :
-انا هحل الموضوع ..
فتدخلت هاجر الباكية تتوسل لممرضة :
-طمنيني هي كويسة .. يعني ينفع أشوفها ؟
-الدكتور مديها مهدئات وحقنة عشان تنام .. ومتوعاش للحصل فيجيلها انهيار عصبي ..
قفل "هلال" جفونه بعد ما اطمئن على حالة المسكينة حيث صرخ بهيثم ليمنحه مفتاح سيارته بدون جدال وخرج ركضا من المشفى وهو يحمل على عاتقه جحيم الغضب من بكر منتويًا قتله .. نهر هارون أخيه معتقدًا أن انفعال هلال إثر تعصبه من الناحية الدينية فقط ولست للأمر أبعاد أخرى :
-هيثم روح ورا أخوك متسبهوش ..
ثم نظر لهاجر التي استقبلت اعتراضه على وجودها بالنفي :
-مش هقدر أمشي واسيبها يا هارون لا ...
زفر بضيق وهو يخرج هاتفه :
-وماينفعش تفضلي إهنه بروحك .. هكلم أمك او نغم تجي لك وهسيب حد من الرجالة تحت لو عوزتي حاجة ..
-بلاش أمك كلم نغم ، وانت رايح فين ؟!
-رايح أشوف حل للمصايب دي كلها ياهاچر ..
لا شيء يهون فـ مع مرور الزمن يتحول الألم إلى حزن عميق ، ويتحول ذاك الحزن إلى صمت مريب ، ويتحول الصمت إلى وحدة هائلة وشاسعة كالمحيطات المظلمة التي حاولت كثيرًا الفرار منها ولكنك لن تنجو أبدًا .
••••••••••
وصل هاشم لغرفة رغد النائمة بعمق حيث حرص على فتح الباب بهدوء كي لا يقلق نومها .. نزع جاكته الشتوي ببطء وتركه على أحد الاريكة ثم اقترب من الكمود الذي يحمل الأباجورة المستنيرة ذات الضوء الخافت .. وبجوارها هاتفها وزجاجة أقراص منع الحمل التي مسكها وتأمل تفاصيلها بعناية ثم دخل المرحاض ليفرغ به محتوى العبوة منساقا وراء قلبه ثم ألقى العبوة فارغة بسلة القمامة الصغيرة .. فعاد إليها وجلس بجوارها بهدوء وأخذ يتأمل تلك الملامح التي آسرته وجعلت منه شخصا متمردا على أعرافه وأهله وقبيلته متسائلا : ماذا فعلتِ بذاك القلب ليعصى الجميع ويهواكِ ؟! ثم تنهد بحرقة :
-خلصت يا هاشم .. مفيش نار من غير دخان وانت لازم تحمل دخان النار اللي أنت قٍيدها دي ..
مدد بجوارها ولم تخلٌ يده من بعض اللمسات الخفيفة على شعرها ووجهها ثم كفها المتكور الذي يعلن تمسكه بحياة لا تخلو منه .. مال بشدقه ليقبل تلك الأنامل الناعمة ثم انتقلت كفوفه لخصلات شعرها هامسًا:
-وحشتيني ....
تراقصت جفونها النائمة غير مدركة بأن ما تراه حقيقة .. فقد وثبت من نومتها مفزوعة وهي تضيء الأنوار كي تتأكد مما تراه متمتمة بصوتها المفعم بالنوم :
-هاشم !! حبيبي أنت جيت أمتى ؟!
لم تمهله الجواب بل ارتمت بين ذراعيه لتتأكد أنه لست بحلم وأن وجوده أصدق وأهم حقيقة بحياتها :
-أيه المفاجأة الحلوة دي .. أنت كويس حمدلله على سلامتك ؟!
ألتف ذراعيه حول خصرها الأشبه بعود الريحان ودس أنفاسه بخصلات شعرها الغجري وكأنه يستمد منه الحياة وقال :
-الدنيا ضاقت عليا ومفيش غير حضنك اللي هيسيعني يا رغد ..
-يا نور عيون رغد .. أنت عارف أن حضني دايما مستنيك ولو حابب نسيب الدنيا كلها ونبعد عن كل الناس دي أنا موافقة المهم نكون سوا ..
ثم فارقت حضنه متخذه من ركبته المثنية متكأ لها لتتامل تفاصيل وجهه عن قرب .. فأخذت تتفحص ملامحه وتمرر أناملها فوقهم وهي تسأله بأسف :
-كل دي هموم على وشك .. حصل أيه مش هتحكي لي ؟!
ظل يراقبها بتلك الأعين التي تفيض من الهموم ثم أمسك بكفها الذي يحتضن معالم وجهه ليقبله قبلة طويلة وقال :
-أنا رميت الحبوب اللي هنا !
بدت الدهشة على ملامحها :
-ده ليه ؟!
مسح ابهامه على وجنتها وهو يقول بحزن :
-الصبح جاني خبر نقلي لسينا .. وحابب اسيب لك حتة مني عشان لو جرالي حــ
كتمت أنفاسه التي تبخ نارا على قلبها كي لا يردف بالمزيد وبرقت العبرات بمقلتيها وهي تترجاه :
-هاشم .. مفيش الكلام ده .. أنا مقدرش أعيش من غيرك أصلا أنت بتقول أيه ؟؟!
ثم حفر الخبر وادٍ من الحزن على وجنتها وهي تلهث من البكاء :
-انا مش عايزة حاجة غيرك أصلا .. ولو هخلف يبقى نربيه سوا .. أنا مش هجيب طفل ونتيتم أنا وهو مرتين .. هاشم بليز ما تقولش كده أنت متخيل أنت بتقول ايه أصلًا ؟!
قالت جملتها وهي تميل برأسها على صدره تملأ فراغات يده باصبعها واتبعت :
-هاشم ماتسيبك من الشغل ده وأحنا معانا اللي يكفينا .. كل حاجة ممكن تتعوض بس أنت لا ..
ضم حبيبته لقلبه كي يروي عطش الأيام منها وقال :
-المحامي خلص شرا البيت وكله باسمك والنهاردة في مبلغ محترم هيكون في حسابك تصرفي منه ..
صرخت بوجهه كي يكف عن تلك السخافات :
-هاشم اسكت ..ممكن كفاية بقا ؟! أنت جاي تقول كلام زي دا ليه ؟! أقول لك روح امشي ولما ترجع هاشم اللي حياته كلها هزار وضحك تعالي ..
ثم تشبثت بيده على الفور :
-لا خلاص ما تمشيش .. بس ماتقولش كده تاني عشان خاطري .. أنت جاي تديني أحلى هدية منك وتقول لي أمشي أنا ؟! لا يا هاشم لا مش هسمح لك تروح في أي حتة أنت فاهم ؟
كسر حاجز ذلك البؤس بيهما وهو يقول ممازحا كي يشتت همومه وهو يشير نحو قلبها :
-في كل الحالات أنا ضامن اني هفضل معشش هنا حتى ولو روحت فين ؟
قبضت على ياقة قميصه بتمرد :
-ومين قال لك إني هسمح لك تروح أي حتة ؟! أنت جار قلبي الشقي واللي مغلبني في عيشتي بس مقدرش استغنى عنه .. وانسى كده كل الجنان اللي قولته ده عشان مش هيحصل ..
ثم مسحت عبراتها ونهضت من جواره وهي ترفع حمالة "بيجامتها"القطيفة المتدلية وتبحث بالدرج عن تلك الأقراص :
-هاشم أنت رميتهم بجد ، يخرب عقلك؟!
ثم وقفت متمردة وهي تشير بكفها لتضع حدًا له :
-طيب لو سمحت بقا متجيش جمب مني لحد ما أجيب غيرهم .. هنزل اجهز لنا فطار .
وثب متمردا على طلبها :
-مش بمزاجك …
-مزاجي أيه بس يا هاشم ؟! مفيش بيبي هيجي إلا وسط أهلك والدنيا كلها حلوة غير كده أنا مش موافقة .. وو
قيل بأن جرعات الخمر محرمة .. فما حكم السكير من نظرات عينيكِ .. جذبها من خصرها لتقفز بداخل حضنه وتحت سطوته وهو يتنفس الحب من قربها ليقول :
-اتفقنا ..
نظرت للوضع الحالك بينهم ونظراته التي لا توحي بأي اتفاق وتجاوزه الحد لنيل مطمعه من هواها المحلل للشرع والقانون للعالم كله إلا في عرفهم الظالم .. تملصت من قبضته بدلال :
-هاشم ؟! اتفقنا على أيه بالظبط ؟!
تغلغلت جذور حبه بأزقة تُربتها حيث لا مفر منه أبدا وهو يقول تحت سطو مشاعره :
-إنك تقولي قرارات وأنا منفذهاش !
صعقت من هول تمرده وهي تعارضه :
-هاشم ....!
تردد اسمه بأذنيه وهو كله أحضان مصغية ليقول :
-وحشتيني ..............
"أنا أؤمِن بأن المشاعر كل مازاد صِدقها صعب الحديث عنها لذا هنـا سيتوقف كُل شيء ويدع المحب يعيش في كنفه الحب وحبيبهم أسمى وأرقى المشاعر بهذه الحيـاة "
•••••••••
وصل هلال لبيت ذاك الحقير بكر وأخذ يدق الباب بقوة وهو يجهـر بعنفوان لا يرسو حد احترام حُرمة بيته ، فتحت أمه الباب وهي توبخه بأسلوب متدني:
-وه وه وه!! البيوت ليها حُرمة يا شيخ ولا الدقن دي ذوقه !!!
صرخ هيثم من وراء أخيه :
-ولدك فينو ؟!
-ولدي مش إهنـه ؟
فتفوه هلال بغضب يحرق كل ما يقابـله :
-وفي أي داهية نلاقوه ؟
ثم رفع سبابته وبنظرته المخيفة :
-قولي لولدك تارك مع هلال العزايزي ، واللي خلق الخلق ما في حد هيرحمه من تحت يدي ..
صاحت السيدة بوجهه :
-وأنت مالك بولدي، ولدي طول عمره في حاله وملهوش صالح بـحد وو
قاطعها هِلال معنفًا صارخًا بضجر :
-اللي عندي قولته ، الباقي بعمر ولدك ساعات لحد ما يقع في يدي ..
فدار هلال وجهه مغادرًا ليعود لاهانة تلك السيدة القبيحة :
-طبعا الحجة مكنتش فاضية تربي ، كان كل اللي شاغلها كيف تخاويه ، وأنا هحش لك رقبته مش هربيهولك .. هيثم العزايزي هيقطع خبره من على وش الأرض.
تقاذف الرعب بعيني السيدة:
-بكر عمل ايه فهمني ، وإلا هصرخ والم عليكم الخلق ..
كاد هيثم ان يفصح لها عن جريمـة ابنها ولكن اتاه صوت هلال المُرعد كي لا ينطق ببنت شفة تخوض في عرض تلك المسكينـة التي لم تقترف ذنبًا .. رمقها هيثم بنظرات الخسة ثم رحل مهرولًا لأخيـه ليشق الأرض بحثًا عن الجاني …
•••••••••
~مجلـس شيوخ العزايـزة …
احتشد الرجال وأعيان القبيـلة بما فيهم الحج خليفـة ليشهد على من قام بخداعه وخداع ابنته منتظرًا محاكمتـه .. تجمهروا أهل ضيا بالمجلس الذي أخذوه ليلة أمس بعد اطلاعهم على الفيديو الذي قدمه " هِلال " .. وقف" ضيا" مُكمل الأيدي بواسطة رجلين أصحاب البنية القوية ليقول جاهرًا :
-افترى ، أخواتها هما اللي لفقولي الموضوع ديه كله !
فعارضه الشيخ :
-وذهابك لذاك المكان المشبـوه ؟! ألم يكن بكيفك ؟! تعلم عقوبة الزواج الحلال من فتاة لا تربطك بها صلة الدم !! فما رأيك بإرتكابك فاحشة كهذه !! حرام شرعًا ، ومجرمة عرفًا ؟!
فأكمل الأخر :
-سميت عزايزة لأن دمائهم عزيزة ولا يجوز اختلاطها بالغيـر ، وأنت فعلتها بالحرام تحت وطأة السُكر والخمر ، ولم يعد لديك حُجة تشفع لك ..
فواصل الأول :
-وأضف لذلك نوايا زواجك التي لا تبنى على المودة والرحمـة بل جاءت للانتقام والذل وهتك العرض ..
صاح ضيا :
-كدابيين انا معملتش حاجة ..
وقف الحج خليفة مستندًا على عكـازه مغادرًا ابنته التي تتشبث بذراعه منتظرة مصيرها ، واخذ يرمقه باشمئزاز :
-لولا المچلس له حكمـه كنت قتلتك بيدي الاتنين يا خسيس ..
انفجر ضيـا بوجهه :
-أنا معملتش حاچة ولادك هما اللي اتكاتروا عليّ !!
ثم نظر لهيام ليستجدي عطفها :
-قولي حاچة ياهيام ، قولي انهم كدابيين ..
جهر كبير المشايخ ليقول حكمه :
-حان وقت نيل عقابك يا ضيـا ..
ثم نظر الشيخ العجوز لهيـام ونطق بحكمه :
-تُطلق هيام خليفة العزايزي بقوة القانون خاصة أنه لم يكن زواجه بها زواجًا كاملًا .. ارمى اليمين على زوجتـك ووقع على ورق انفصالكم …
لقد انزاحت غُمة قلبها وهي تشكر ربها بفرحة لا توصف ، منتظرة باقية الحكم على ذاك المجرم الذي لم يدع شيئًا محرمًا إلا وفعله ، فأكمل الشيخ محتجًا بتطبيق أحكام الشريعة الاسلامية التي سقطت من بين أدراج القانون الحاكم الممتلئ بالفجوات وبتنا نحصد عواقبها :
-ويطبق حكم الشريعة الاسلامية لعقوبة الزنـا … وهي الرجم حتى الموت للزوج المحصن ، إما الطرد من القبيلة وعدم عودته لها مرة ثانية مع غرامة ٢٠ فدان من حق المجلس لمخالفة أحكامه وأعرافه ..
جهر ضيا الذي يود الفرار من قدره :
-ظلم ، ظُلم وديني ما هرحمكم ياولاد خليفة … ماشي يا هيام ..
حدجه الشيخ آمرًا :
-ارمى يمين الطلاق على زوجتك.. فلا يُشرفنا نسبك لاحدى بناتنا …..
••••••••••••••
~ظُهرًا ….
تقف فردوس بصُحبة صفية بالمطبخ تُعد وجبة الغداء معهـا وهي تلقى على مسامعهـا الأخبار المتداولة بالبلدة باهتمام :
-ياست صفية قولي الحمد لله ، قضا أخف من قضا ..
قالت فردوس جملتها وهو تحاول أن تُطيب خاطر صفية التي ستطلق ابنتها وتعول همها ، فدمدمت :
-وهو في زي اللي حصلنا !! البت ترجع بفستانها يا فردوس ، ده العار هيطولنا ويطول عيال عيالنا !!
مالت فردوس على مسامعها :
-طب اسمعي اللي حُصل عرفت من سعيد وِلد أخوي لانه شغال مع هارون زي ماانت خابرة .. رقية بت صفاء ، اللي أبوها كان إمام المسجد ومات ..
التفتت لها صفية باهتمام :
-ايوة صفاء وبتها ماهما جم الحنة بس ملمحتشهم في الدخلة !! البت كيف البدر يافردوس ، صفاء بت حلال وعرفت تربي … صُوح دي قالوا أمها عيانة والوِلد واقفين معاها ؛ فكرتيني ..
لطمت فردوس على خدها بحزن :
-اسكتي يا ست صفية على اللي حُصـل ؛ البت راحت تجيب حاجات لأمها ، طب عليها ولد الحرام بكر ولد فياض وعمل الحرام مع البت ، والبلد مقلوبة على اللي حصل ، وشكل أمها متحملتش اللي جرى لبتها ماتت يا حبة عيني !!
ندبت صفية على صـدرها بفزع :
-يا مراري صفاء ماتت ؟! ياحبيبتي !! يا الجُرس والفضايح .. دِلوق السيرة هتبقى على كل لسان بتها جابت العار وو
فأتبعت فردوس :
-وأم بكر دايرة على نساوين البلد تقولهم البت هي اللي غوت الواد واستغلت غياب أمها ومحدش عارف فين الصدق !
-سترك على الولايا يارب !! البت دي ياريتها ماتت ولا حصلها إكده ، موتها أشرفلها .. وانا اللي فاكرة الوِلد معاها في المشتشفى !! احفظنا واحفظ ولايانا يارب ، رني لي على هاجر تبعد عنيها إحنا مش ناقصيين شبهه .. وهي ربنا يتولاها بعيد عننا ..
~بغُرفة أحلام ..
شدت "ليـلة" الستائر وفتحت النوافذ بناءً عن طلب أحلام التي رافقت ليلتهـا ، ففتحت جميع النوافذ المُطلة على حديقة البيت ودارت لهـا :
-تمام كدا !!
أشارت لها أحلام بترجي :
-آخر طلب عارفة إني تعبتك ، رني لي على هاشم قلبي واكلني عليـه .. طمنيني ..
تقبلت ليـلة طلبها بسعة صدر :
-طبعا يا طنت بس أنا مش معايـا رقمه عشان أكلمه ..
أخرجت أحلام من درج الكمود هاتفها القديم الذي أوشك أن ينفذ شاحن بطاريته ، ومدت لها :
-هتلاقيه متسجل عندك ، رني لي عليه عاوزة اسمع صـوته ..
فتشت ليلة بشاشة هاتفها المتهالك لتبحث عن رقمه حتى عثرت عليه ، نقلت الرقم بسرعة قبل أن يقفل الهاتف بيدها ، ثم ضغطت على اتصال ، دنت من أحلام فاتحة مُكبر الصوت منتظرة رده ولكن للاسف لم تجمع التغطية إثر كونهم بالطابق الأرضي ، تفحصت لليلة الشبكة وقالت باسف :
-أوبس !! الشبكـة مش أحسن حاجة ..
ثم أخذت الهاتف من يدي العجوز التي انشغل قلبها على بُنيها وقالت :
-هجرب اطلع بره يجمع السيجنل بس وهنادي عليكِ ..
خرجت ليلة للشُرفة وهي تعاود الاتصال مرارًا وتكرارًا بهاشم النائم ، كانت رغد حينها فرغت من أخذ حمامها الدافئ وخرجت من باب الحمام وهي تجفف شعرها حتى لاحظت إنارة هاتفـه برقم غير مسجـل ، امتد نظرها للشاشة لتقرا الاسم المُسجل على " التروكولر " فوجدته باسم ليلة الجوهري .. ألقت نظرة على هاشم النائم رغم ثقتها العمياء به إلا أن الفضول والغيرة تآمر على رأسها ، تركت الهاتف من يدها وهي تقول :
-رغد عيب ، ملكيش دعوة !!
ما تركت الهاتف فعاودت ليـلة الاتصال مرة آخرى ، تلك المرة لم تستطع رغد التحكم في غيرة المرأة التي تحرقها ، أخذت الهاتف وعادت للمرحاض مرة آخرى وقفلت الباب بحذرٍ ثم رد بصوت خافت :
-ألو !!
ألقت ليلة نظرة بشاشة الهاتف باندهاش :
-شكلي طلبت رقم غلط ..-ثم رفعت نبرتها -ده رقم هاشم بيه !!
ردت رغد بفضول يقضم قلبها :
-أيوة ، أنتِ مين ؟!
ردت ليلة بسجيتها :
-قوليلو ليلة الجوهري وطنـت ااا !
الثقة التي تتحدث بها ليلة جعلت رغد تقاطعها بصوت مبطن بالغيرة :
-وأنتِ عايزة أيه من جوزي !!
رمشت ليلة عدة مرات إثر سماعها جملة رغد الأخيرة بصدمة لا توصف ، تلعثمت الكلمات في حلقهـا وهي تتساءل بدهشة :
-نعم !! لالا أنا مش عايزة حاجـة شكل الرقم غلط..
جاء صوت رغد الصارم :
-لا مش غلط !! أنتِ تعرفي هاشم منين ؟!!
-هاشم بيه جوزك بجد ووو
فختمت جملتها بشهقة عالية إثر صوت هارون الذي اخترق مسامعها وهي تخبئ الهاتف وراء ظهرها :
-عتعملي أيه عندك !!
ردت عليه وملامح الذعر تسكنها:
-هارون بيه !! ابدا دي دي طنت أحلام كانت حابة تكلم أخوك وطلبت مني أكلمه، بس لما اتصلت ما ردش ، قصدي الرقم طلع غلط .. لا هي الشبكة واقعة متشغلش بالك ..
خمدت مشاعر الغيرة بصدر رغد التي زادت الأمر سوءًا فسرعان ما أنهت المكالمة وحذفت مكالمات ليلة من هاتفه كي لا ينكشف أمر حماقتها ، تفحص هارون علامات الذعر بوجه ليلة وجاء متسائلًا :
-مردش ولا الرقم طلع غلط ولا الشبكة ساقطة؟!وأنا سامعك بتكلمي حد ؟!
ردت بتلقائية وبدون إدراك لما سمعته وعن حقيقة زواج أخيـه :
-كلهم ..كلهم .
-كلهم ازاي يعني ؟! وريني هاشم ماله بيقولك ايه !!
ظن بأن أخيه يمارس عليها طقوس سخافته المعتادة فـ قال جملته وهو يحاول الإمساك بهاتفها المتواري خلف ظهرها فمنعته بعفويتها وتتشبث بالهاتف وراء ظهرها وتترنح بعيدًا عنه كي لا يمسكه وينفضح أمر أخيه السري ففي لحظة من إصراره ولحظة من عنادها تعرقلت قدمها ليتلقاها بذراعه فتجد نفسها فجأة بحضنـه وتحت مظلة أهدابه ..
ذراعـه يحاصرها ، كفوفها التي تحمل هاتفتها معلقة بياقتـه ، الأعين تتعانق كما تلاقت الأجساد تحت خيمة الصدفة القدريـة .. سيل كهربي ضرب الاثنين فجمد خُطاهم ، في لحظة باتت تحت يديه إمراة من نسل الفراشات لا يليق بها إلا الاحتضان ..
قد يكون المرء مُرتجفًا وتائِهًا ويائِسًا حتى تُعانقه ذراعين يحبها، حتى يرتب القلب أقداره فيلتقيان ، يتلامسان ، يتشابكان ببعضهما ذاك كافيًا أن يجُل ما أفسدتهُ الحياة في لحظةٍ واحدة .. أن تُنسيه ما لا يمكن نسيانـه …
أول مراتب الحب هي أن تقع في حب كل الوسائل التِي تقُودك إلي نصفك الآخر مهما كانت صعبَة أو مُستحيلة ، تلك الوسائل التي تخبرك أنّ بعد كلّ هذِه الحواجز هناكَ حُضن آمن ينتظرك بحميميّة بالِغة ، وبقوتـه التي لا تسقطك أبدًا ..
تطايرت الستائر خلفـهم بالهواء فامتدت عيني أحلام لتقـرا تلك النظرات التي باتت محور شكها ، فهي لم تكن قط من طرف واحد كما ظنت ويبدو أن ابنها الآخر غارق بالموج وما زال يُكابر ، ظلت تراقبهم بصمت وتراقب براءة النظرات المتبادلة بينهم وكيف الاثنان خُلقا ليكونا لبعضهما ، تكامل فريد وعجيب من نوعه إن رأته العصافير لغنت له مواويـل حتى جاء أمشير … فتمتمت لنفسها بحسرة :
-يا قلب أمك يا حبيبي ..
تجلجلت ليلة التي يبدو أن الوضع قد راق لها ،ثلاثون ثانية فعلت بها ما لم تفعله سنوات العمر ، تزحزحت عينيها لهاتفها لتقول بصوت متقطع :
-الموبايل فصل .. مفيش
لقد تاه وضل في سحرها وهو يسألها :
-مفيش إيه !!
افترقا الاثنان عن بعضهما وما زال عناق الأعين موصولًا .. فوضعت كفها على صدرها الذي يعلو ويهبط من هول جملة المشاعر التي تسربت له فجأة لتقول بتمرد ولوم :
-كنت هقع بسببك !!
-منا لحقتك ، خالصين !
-والله !! لا كنت سبتي أقع كمان .. وبعدين أنت كنت عايز تمسك موبايلي بأي حق !! مالكش دعوة بموبايلي ولا بيا ولا بأي حاجة خالص تخصني ..
لقد لطخ الخجل وجنتهـا حتى باتت لا تعى ما تقوله ، أو ربما أحدث قربه بقلبها ما لم تتحمله فأعلنت تمردها عليه !! أعلنت هروبها من فخ تلك الأعين وهي تدخل الغرفـة لأحلام فاصطدمت بدخول زينة في تلك اللحظة ، تفقد هارون المكان حوله خشية من أن رأهم أحد وهو يرتب ملابسه ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ليبرر فعلته لنفسه :
-يعني كنت سبتها تقع !!!! ده جزاتي ؟!وكمان مش عاچبها !!
رؤيتها لليلة أشعلت وادٍ من النيران بقلبها ، فرمقتها زينة بسخط :
-انتِ بتعملي ايه عندك !!
تدخلت أحلام لتـرد مكانها :
-قاعدة معاي هتكون بتعمل ايه يعني ؟!
جلست ليلة بجوار أحلام وهي ترتعش مما حدث قبل لحظات وأيضا إثر خبر علمها بجوار أخيهم السري فبللت حلقها وهي تعاتبها :
-ياستـي أنا جيت جمبك !! أنتِ بتقولي يلا شكل للبيع وخلاص ؟!
نزعت زينة وشاح رأسها :
-ابعدي عن هارون وأنا هطلعك من راسي وهحبك ؟
-مش عايزاكِ تحبيني بس سبيني في حالي ..
ثم لمحت طيف مجئ هارون الذي حجب الضوء وهي تنفي علاقتها به تمامًا وهي تحت تأثير عطره الذي زاحم انفاسها وملابسها :
-انا مالي بهارون بيه أصلًا !! أهو عندك أهو حلوا مشاكلكم بعيد عني !!
جاءهم صوت هارون من الخلف :
-چايبين في سيرتي ليه !
وقفت ليلة لتدافع عن نفسها :
-شوف حل مع خطيبتك اللي كل ما تشوفني فاكراني هخطفك منها !!
ثم نظرت بعينيها لتنفي صحة مشاعرها تحت نظرات أحلام المشفقة على حال بيادر الحب المترعرعة بينهما :
-أصلا كلها يومين وماشية ومش هشوفه تاني ، ومع احترامي لحضرة العمدة بس هو نوت ماي تايب ، ارتاحي يا زينـة وخلي عندك ثقة في نفسك شوية !
تلعثمت زينة لعدم فهمها لمقصـدها :
-هي عتشتمنى ولا عتقول أيه يا هارون !!
تجاهل هارون سؤال زينة الأحمق ليرد إهانتـه من تلك التي خربشت على جدار فضوله :
-وايه هو التايب اللي يعجب الاستاذة ؟! شريف أبو العلا ..
قفز الهلع بقلبها إثر نظرته المربكة لتقول بتوتر :
-لا انت ولا شريف ولا حد خالص ، أنا أصلا مش بفكر في المواضيع دي كلها !!
ثم نظرت لأحلام وقالت بعجل لتهرب من حِدة نظراته التي باتت تحدث فوضى عارمة بقلبها :
-طنت أحلام ، هاشم مش بيرد، أنا همشي عشان -ثم نظرت لزينة -الجو هنا يخنق بجد !!
رمت شالها الصوف فوق بجامتها الفضفاضة وغادرت من أمامه كالغزالة الشاردة ، فساقه قلبها ليتبعهـا برزانة :
-زينة خدي بيد أحلام عشان تروحوا العزا ….
تابع خُطاها حتى باب الحديقة الخلفية ليقول بإقتطاب :
-خبر أيه بس؟! مالك متكهربة ليه النهاردة ؟
وقفت وهي تتحاشى النظر إليها كي لا تتورط فيه أكثر :
-عايزة أروح ، اسكندرية وحشتني ، وكمان خطيبتك دي مستفزة ، أنا اسفة بس هي خرجتني عن شعوري بغباءها وو
قاطع حديثها قائلًا :
-طب أنتِ بتترعشي ليه ؟
أخذت نفسًا عميقًا لتجيبه تحت وطأة التوتر :
-بردو مش عارفة !!
أخذت عينيـه تتفقدها من كُل الزوايا ليقول بهدوء :
-في شوية مشاكل في النچع ، هتخلص وصوري حلقتك التانية واتوكلي على الله !!
لملمت طرفي شالها الصوف أمامها بارتباك :
-ااه تمام، طيب انا ممكن اروح أوضة الكتب ، حابـة اتسلى في أي حاجة !!
بدون تردد أخرج لها المفتاح وقال بخبث :
-اتفضلي ، بس اقفلي الباب وراكي ولو عوزتي حاچة رقمي لساته معاكِ !!
ردت بعفوية :
-ااه لسـه معايـا ، أنت عايزني امسحه !
-لو متقل محمولك امسحيه؟!
-ااه همسحه لما ارجع اسكندرية ، أنت راجل خاطب وقريب هتتجوز وخطيبتك دي مجنونة وأنا مش أدها ..
-اللي تشوفيـه ..
كانت الابتسامات سيدة الحديث بينهم حتى جاءت صفية لتعيد له رشده ومسئولياته والمصائب الناشبة بالنجع وهي تقول :
-ابعت حد يچيب هاجر أختك من عند البت اللي اسمها رقية دي، أحنا مش ناقصين شبهه .. البت بقيت سمعتها دايرة على كل لسـان ..
برقت عيني هارون بتحذير :
-صفية ده عرض ولايا اتقي ربنا ..
هبت بوجهه :
-وأنا مش عاوزة بتي تعرف بت اغتصبوها ولا نامت معاه بكيفها ، يلا أهي امها ماتت وارتاحت من عارها ..
نهرها هارون بحدة :
-يامـا اقطمي واستغفري الله ربنا يهديكِ ..
تدخلت ليلة بفضول :
-هو في مشكلة وبنت مين يا حرام اللي حصل فيهـا كده ؟!
قطع هارون حبل شكوك ليلة وهو يوبخ صفية :
-ما خلاص ياماااا روحي اجهزي عشان ناخدوا عزا الست ..
ثم قطعهم رنيـن هاتفـه ، فأتاه صوت جابر :
-هارون بيه بكر ولد فياض معانا لقناه في بيتهم الشرقي ..
رد بهدوء :
-طب ارموه في أي زريبة عندكم لحد بكرة الصبح ومتحبوش سيرة قدام هيثم ولا هلال .. تكون البت فاقت …وأنا چايله .
تدخلت صفية بفضول:
-هتعملو ايه يا هارون ..
رد بأسف:
-الغالب المجلس هيكتب عليها لوِلد المحروق ديه عشان الفضيحة تتلم قبل ما تروح المركز ..
هبت صفية معبرة :
-دي عاوزة حش رقبتها مش تجوزوها ، ادفنوها حية وارتاحوا من عارها يا ولدي .. دي هتحط رأس العزايزة في الأرض ..
فاض صبره من جهل فتفوه بتلك النبرة المعنفة :
-استغفري ربك واعقلي ياما، البت ملهاش ذنب هو اللي ك**
أيدته صفية بإصرار:
-فيش حاجة عتتاخد غصب من البت يا ولدي ، دي لو في وعيها كانت قتلت روحها ولا أنها سلمت له .. لكن واضح زي مـ
ضرب بقبضة يده على سطح الباب بغل :
-ما كفاية ياما ، دي بت ناس وابوها وأمها أنت عارفاهم زين ، كفاية خوض في عرض البت … ده جزاتها عشان ملهاش ضهر بالدنيا !!
في تلك اللحظة جاءت هيام برفقة أبيها التي ما أن رأت أخيها ركضت لترتمي في حضنـه فارحـة :
-بارك لي ياخوي اطلقت وخُلصت منه !!
قبل رأس أخته وربت على كتفها :
-عرفت .. احمدي ربنا .. كلب وغار ، فوقي لنفسك عشان تقدمي على الماجستير ووتخلصيه.. وبعدها الدكتوراه وأشوفك أكبر محامية تحققي اللي محققهوش أخوكي .
دبت صفية على صدرها :
-يا مري !! وهي هتفضل داخلة طالعة قصاد الناس .. لا دي تتحبس في اوضتها لحدت ما حال نصيبها يجي ويخلصنا منيها !! ما كفـاية وو
صرخ هارون بوجهها :
-ما كفايـة أنتِ ياما !! بتك في حضنك ومحدش لمس منها شعره ولا حط راسنا في الطين .. مالك عقلك راح فين !!
لوحت بكفها بضيق:
-ماشية وسيبهالك يا هارون ..
تجاهل هارون ندب أمه وربت على كتف أخته :
-اطلعي ريحي وعاوزك تضربي الدنيا دي بالجزمة .. حتى صفية نفضي لها ..
ابتسمت أخته بهدوء بعد ما طبعت قبلتها على خد أخيه تحت أنظار ليلة التي قرضت الغيرة قلبها لِمَ لم تمتلك أخًا مثله .. انصرفت هيام فنظر هارون لتلك التي ترمقه بإعجاب فبادرته متسائلة :
-أنت ازاي حواليك كل المشاكل دي وبتتعامل عادي وبتهزر !! أنتَ ازاي كده .. !!
-الحي بيقاسي .. ومش كل مشكلة لازم يبان عليّ وأنصب لها صوان..
سار الثنائي بمحاذاة بعضهما البعض في طريقهـم لغرفته الخاصـة ، فتطلعت له :
-عندك ثبات انفعالي رهيب .. براڤو عليك بجد.
ثم أشاحت بنظرة ماكرة :
-عشان تستحمل اللي اسمها زينـة ..
زفر وكأنه يطرد غبار واقعه الثقيل من فوق صدره وقال ليوهم نفسه بزينة :
-عبيطة .. كلمة توديها وكلمة تجيبها متزعليش منها ..
وقفت أمامه لتعوق طريقها :
-شكلك بتحبها وبتكابـر وو
-حُب الحريم مش كيفي ..
-أومال كُنت هتتجوز أزاي أربعة !!
اتسعت ضحكته بهدوء :
-لا كُنت بنكشك بس ، عاوز أعرف أحلام قالت لك أيه ؟
هزت رأسها بعدم تصديق وقالت ببلاهة متعمدة إثارة استفزازه :
-اه عايز تعرف قالت عليك أيه كمان ؟!
-قولي ، شكل وقعتها مربرة معاي !
دنت منه وكأنها تعلن الحرب عليـه :
-قالت أنك عامل فيها جامد وأنت ولا جامد ولا حاجة.. وشكل كلامها هيطلع صح ..
اتسع بؤبؤ عينيـه بحيرة لامعـة حول كيفية التعامل مع جُحر السيدات الاتي اتفقن عليـه وقال بخبث :
-أنتوا كلكم إكده ماعتحفظوش سـر !!
ثم دنى خطوة فاردًا عضلاته أمامه وكإنه أراد أن يثبت عكس ما قيل :
-وقالت أيه كمان ، لتكون لعبت في العارضة منا عارفه ؟!
-لا هي مجتش جمب العارضة ولا حاجة وو
تلعثمت الكلمات بفاهها لا تدرك عاقبة ما قالت ، فهزت كتفيها بلامبالاه لتبرئ نفسها :
-هي اللي قالت كده أنا مالي .. الله!!
ثم تابعت سيرها نحو الغرفة ، فأتبعها صوته الرخيم وهو يقول خاتمًا جملته بغمزة من طرف عينيه :
-أحلام قالت كده بس عشان مشافتش الجانب الخفي من هارون العزايزي ، لو حابة أنا ممكن أوريهولك ..
-وأنا عملت لك أيه ؟! هو جر شكلي وخلاص ؟!
ثم هرولت لتفتح الباب بسرعة من سطو نظراته المربكة وهي تغير مجرى الحديث ؛ وتسأله :
-أيه حوار البنت دي اللي حكيت عليها مع مامتك ؟! بليز ممكن تحكي لي !
شد هارون أحد المقاعد الخشبية وجلس ليقول باختصار :
-دكتورة صاحبة هاجر أختى ، وِلد عمها اعتدى عليها الليلة اللي عدت والبت محجوزة في المستشفى ..
خيم الحزن فوق ملامحها وهى تجلس على طرف المقعد بضيق :
-ياخبر !! ده مجرم ولازم يتعاقب ..
هز ساقه بقلة حيلة :
-للاسف المجلس هيحكم بجوار البت له عشان الموضوع يتلم .. لان العرف عندنا ما ينفعش دم اتنين يختلطوا ببعض ويفترقوا !!
تقاذف الاعتراض فوق ملامحها بعدم تصديق :
-أحييه !! وأنت راضي بالظلم والجهل ده .. المفروض أنك عمدة وكلمتك مسموعة ومحامي ودكتور جامعي ، يعني مهمتك تحقق العدل .. مش تمشي ورا الجهل والظلم ..دي لو أختك كنت هتعمل أيه ؟ انت لمجرد بس جوزها حاول يضايقها عملت فيه كده !! ما بالك بالمجرم ده !!
ثم لملمت شعرها بارتباك واضح:
-أنت ماينفعش تسكت عن حق المسكينة دي !! انت عارف المصيبة فين !! مش في ظلم الأشرار ، في صمت الأخيار ، بابي كان يقول كده ..
ثم وثب من مكانها وهي تجوب حوله بكفوفها المرتعشة التي تلوح بها لتتخيل وضع تلك المسكينة التي ذبحت بنصل الظلم وهي تجهش :
-أنت متخيل للحظة خوف البنت دي وهو بيحصل فيها كده ! أنتَ متخيل انها خسرت كل حياتها وهتتجبر تعيش مع شخص دبحها وسرق روحها !! أنت مستوعب هو عمل فيها أيه !!
ثم ضربت الأرض بقدميها بفزع ٍ:
-أنتَ ازاي هادي كده !! ازاي هتضيع حق المسكينة دي !! ده أول اختبار حقيقي ليك ، يا أما تحقق العدل وتقف في وشك الظلم ده ! يا أما هيبقى يا خسارة بجد ونظرتي فيك مش في محلها !!
ثم شدت مقعدها ودنت منه لتتوسل له بحرقه :
-أنا بنت وحاسة بيها وعارفـة بقول لك أيه ؟! ارجوك أنصف المسكينة دي هي ملهاش ذنب ولا مجرمة زي ما مامتك قالت ! انتو كده بتسقفوا للمجرم وبتقولوله براڤو ..
نبرتها المرتجفة ، خوفها .. دموعها الجارفة .. توسلها له .. أيقظ صوتًا خفيًا للضميـر يجرؤه ولأول مرة على الوقوف بمواجهـة العرف ويرفضه ، لم تكن كلماتها مجرد كلمات بل كانت نجوم ترصع ظُلمتـه وتغيب عقـله .. انخفضت يديه ليراها تتشبث بكفه وتترجاه بتلك النظرة لم يستطع مقاومتها منتظرة موافقته حتى قال بهدوء لا يعلم مصدر؛ هل عينيها أم رقتها .. أومأ بالموافقة تائهًا ببحـر ذاك الدرب المجهول الذي ينساق له سقى الأمل ملامحها بدلًا من دموعها وهي تسأله :
-أنت ساكت ليه !!
••••••••••••••
~بالمشفى …
كتبت إحداهن ذات مرة عندما طعن الخنجر قلبها :
"في الضباب اضعت موطأ ظلي، كما يضيعُ عمرٌ، حلمٌ، حبٌ، وطنٌ من بين الأصابع، مثلما يسقط خاتمٌ في نهرٍ، مثلما ينكسر فنجانٌ أو إنسان جميعها أشياء أن فُقدت لا تُعود أبدًا "
تراقصت جفونها التي تتأمل تفاصيل الغرفة من وراء الضباب ، ضباب ظُلمتها ، تتطلع بكل شيء وتدعو الله أن كل ما مرّ لا يكون إلا مجرد كابوس وأن الواقع أجمل من ضجيج حلمها البشع ، نهضت من مرقدها وهي ترتجف من الصقيع، من الخلاء الذي يعُمها ، والوحدة التي تلفح بقلبها ، وخزات خفيفة تضرب برحمها وسكاكين تذبح بقلبها ،، ضمت ركبتها لصدرها وهي تنتفض ، تتذكر تلك التفاصيل المرعبـة التي تسكنها والتي عاشتها ، تتذكر كيف ذبحت بسكين الغـدر ، قيل بأن هناك جروحُ نضجٍ تُشبه صدماتَ الطفولة، جروحٌ تجتثّ منك شيئًا، وتزرعُ فيكَ آخر، تُصيبك بهلعٍ دائم وأنت الذي تظنّ بأنّك تخطّيت، جروحٌ تغزو أحلامك حتى بعد انقضاءِ حزنها، فتستيقظُ من حلمكَ فيها بفزعٍ وأنت تهشّ طائرًا غريبًا حطّ على صدرك، فتُحاول دفعه، ولاتجدهُ عليك ..
كل ما بها يؤلم وكأن الألم تلك المرة لست بعضو محدد بل جاء التعب من نفسها شعور قاتل ، شعور فتاك مهما طوفت الديار بحثًا عن مُستراح فأن دواءك لا ينزل بهذه الأرض الظالم أهلها…
دفنت وجهها بين ركبتيها وهي تئن بوجع حاملة هم أمها التي كيف ستواجه صدمة كهذه ، تحمل عناء الخبر الذي سيقتلهما معًا ، كيف تقول لها بأن كل ما كانت تسعى له بات هباءً منثورًا ، كيف كتبت ملائكة السماء امنيتها بأنها لا تود الزواج أبدًا ، كيف أنها ستعيش وحيدة باقي عمرها ، كيف ستواجه البشر والخلق ، كيف ستفر من أحكام المجلس الذي سيواصل قتلها كما فعل المجرم .. كيف؛ كيف !! تذكرت كيف اقتحم الذئب حصونها وهتك عرضها !! كيف اندست حوافره السامة بجلدها!! كيف تجبر على ضعفها ورفضها واختلس ما لا يحق له !! كيف أرعبها لهذا الحد !! كيف لم يرحم ضعفها ؟! كيف ستنسى أقسى لحظات بعمرها ؟!
طاحت الأفكار برأسها ودق شاكوش الهزيمة بصدرها وهي تصرخ بقوة ولكنها خشيت أن يسمع أحد لصوتها فيأتي ويقطع خلوتها مع الحزن الذي نصب خامته فوقها ، حتى الصراخ لم تنعم به بل بات مكتومًا وراء كفوفها .. تجاهلت صدح الألم ونزعت " الكانولا" من يدها ثم تحركت للتخلص من ملابس المشفى وترتدي ذلك الجلباب الفضفاض الأسود بلون أيامها والذي أحضرته لها هاجر التي هبطت مع هيثم لتنهي حسابات المشفى .. ارتدت جلبابها وهي تتشبث بجرح رأسها المضمدة وجرت ذيول خيبتها وضعفها وهي تفارق الغرفة ، فلم تملك رفاهيـة النواح على ما ضاع منها ، الوقت لست بصالحها … غادرت المشفى على الفور دون أن يلتفت لها أحد لتستقل سيارة أجره وتطلب منه أن يوصلها لوجهتها …
وصل هلال الذي يحمل زجاجات العصير بيده والطعام وأوقف الممرضة طالبـًا :
-لو سمحتي دخلي دول ..
أخذت منه الممرضة بطاعة وظل يجوب أمام الباب وهو يتشاجر مع خطاوي الأرض يستحلف لبكر :
-ورب العزة ما حد هيرحمك من تحت يدي يا حقير ..
خرجت الممرضة ترتجف :
-المريضة مش چوة !!
امتد نظره للداخل بهلعٍ وهو يخرج هاتفه ليتواصل مع أخيه متسائلًا :
-اومال راحت فين ؟!!!!
على الجهة الأخرى وصل سائق الأجرة أمام مخفـر الشرطة ، فطلبت منه رقيـة أن ينتظرها كي يوصلها لبيتها وستمنحه أجرتـه لاحقًا ، تقدمت لداخل القسم بخطوات ثابتـة ورأس مرفوعـة ولكن دمع العين خداع وقفت لتسأل العسكري :
-عاوزة أعمل محضر .. في الظابط اللي هنا ؟
أشار لها العسكري :
-مكتب شريف بيه رئيس المباحث آخر الطُرقة ..
جرت حُطامها وسارت بخطواتها التي لم تتردد للحظة ، سمح لها العسكري الآخر بدخول المكتب ، حينها أنهى شريف مكالمته وهو ينظر لها بقلة اهتمام :
-خير يا ست !!
بلعت غصة حزنها وهي تقول :
-أنا الدكتورة رقيـة أبو الفضل العزايـزي …
وثب شريف من مكانه إثره علمه بهويتها وأنها تابعة لذاك النجع الملعون بالنسبة له ، أشار بيده كي تجلس ، فأبت .. انتظرت لبضع ثوان حتى تتوقف عينيها عن سكب الحزن وأكملت :
-مچلس العزايزة مش هينصفني .. أنا چاية أعمل محضر ..
أحس شريف بأن فرصته قُدمت له على طبق من فضة خاصة أن من المتعارف عليه بهذه القبيلة عدم تدخل الحكومة في شؤونها ، هز رأسه باهتمام وسألها :
-محضر ايه ؟!
بلعت جمر الحادث الذي تعرضت له وقالت بشموخ لا يلوثـه تدني الفعل الذي تعرضت له :
-تعدى واغتصاب ، من بكر فياض وِلد عمي …
يتبع
************
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا