رواية فى حي الزمالك الفصل السادس والاربعون والسابع والأربعون والثامن والاربعون والتاسع والاربعون الأخير بقلم ايمان عادل كامله
رواية فى حي الزمالك الفصل السادس والاربعون والسابع والأربعون والثامن والاربعون والتاسع والاربعون الأخير بقلم ايمان عادل كامله
الفصل السادس والأربعون: رَحْلِه إلَى الْمَاضِي ✨🤎🦋
أخذ أنس يتجول ذهابًا وإيابًا في حجرة رحيم في انتظار رد ميرال على ما أرسله لكن الرد تأخر، خمسة دقائق... عشرة... خمسة عشر... عشرون... ساعة ونصف ومازالت لا تُجيب بالرغم من أنها متاحة الآن!
أي أن الهاتف في يدها وهي داخل التطبيق على الآرجح لكنها لم تُجيب على رسالته، وهنا يوجد احتمالين لا ثالث لهما أولًا أنها منشغلة كثيرًا وقائمة الرسائل خاصتها مزدحمة فضاعت محادثة أنس في الوسط أو أنها قرأت ما كتبه أنس من الخارج ولم يروق لها ما قاله فقررت تجاهله...
"مالك يا أنس رايح جاي كده ليه؟ دوختني يا أخي حرام عليك!"
"وأنت شوفتني ازاي وأنتَ لسه داخل؟ ولا بتبص من عقب الباب ولا أيه؟" سأل أنس بنبرة درامية وهو يغمز بإحدى عينيه لرحيم ليقلب الأخير عيناه بتملل قبل أن يُجيب على اسئلته بإزدراء قائلًا:
"لا يا ظريف كنت تحت في ال backyard وشوفت خيالك وأنت رايح جاي في الأوضة."
"بعت لميرال مسدج، أحنا كنا بنتكلم يعني هي كانت بتطمن عليا وبعدين بعت مسدج Risky 'خطيرة/ مجازفة' جدًا وكنت مستني الرد بس هي مردتش عليا ما تسأل أفنان عليها شوفها كويسة ولا أيه؟"
"لو في حاجة أكيد أفنان كانت هتقولي يعني... بقولك أيه سيبك من موضوع ميرال وقولي هتروح للدكتورة بتاعتك أمتى؟"
"عندي جلسة بكرة إن شاء الله."
"طيب كويس جدًا، هي كان اسمها أيه صحيح؟ قصدي الدكتورة... كان اسم غريب كده؟"
"مسك."
"ايوا صح... اسمها حلو بس غريب برضوا." تمتم رحيم وهو يضحك لينظر نحوه أنس بنظرة حالمة قبل أن يُردف بمبالغة ودرامية زائدة:
"في الحقيقة يعني هي اسمها حلو وهي شخصيًا قمر بصراحة بسم الله ما شاء الله، الله أكبر ربنا يحميها لشبابها."
"خلاص بس بالع راديو؟! وبعدين قال يعني بعد كل اللي قولته ده مبقتش معاكسة كده."
"متدخلنيش في تفاصيل دلوقتي."
"يعني من الآخر ميرال ولا مسك؟" سأل رحيم وقد توقع الإجابة بالفعل لكنه أراد أن يراقب ردة فعل أنس ففي حالة شعور رحيم بصدق مشاعر أنس تجاه ميرال لن يتردد في مساعدته على الوصول إليها بالطريقة الصحيحة الحلال.
ساد الصمت لثوانٍ قبل أن يُجيبه أنس بصدق وبنبرة لطيفة مرحة مُردفًا:
"هو مبدأيًا اسم ميرال مينفعش يتحط في جملة واحدة مع اسم أي بنت تانية، تاني حاجة بقى مسك متنفعش لأن مش من آداب المهنة أصلًا إن يكون في علاقة بينها وبين المريض يا جاهل."
"أنا عارف طبعًا بس حبيت اتأكد إن أنتَ عارف."
أنهى رحيم هذه المحادثة على هذا النحو قبل أن يطلب من أنس أن يرافقه إلى عش الزوجية الخاص به هو وأفنان كي يساعده على إنجاز بعض الأعمال.
في عصر اليوم التالي ذهب أنس في الموعد المحدد لجلسته مع الطبيبة النفسية خاصته هو وميرال، دلف نحو الداخل بصخبة المعتاد والذي لم يعد يُفاجئ الطبيبة أو من يعمل العيادة.
"دكتورتنا عاملة أيه النهاردة؟"
"الحمدلله يا أنس بخير وأنتَ؟ اتفضل استريح."
رحبت به بلطف قبل أن يُجيبها أنس بمزاحة وغزله المعتاد ومن ثم يسألها حول الآتي:
"يريح قلبك يا غالية، هو أنتِ معاد جلستك الجاية مع ميرال أمتى؟ وهي بتتحسن ولا لا؟"
"أظن حد بثقافتك وفكرك أكيد عارف إن ممنوع تمامًا أقول أي معلومة ليها علاقة بأي مريض."
رفضت الطبيبة مسك الإجابة عن سؤاله بأدب وبطريقة غير مباشرة، تنهد أنس بضيق ومن ثم أزاح خصلات شعره التي ازدادت طولًا مؤخرًا بينما يُردف بنبرة حنونة مشوبة بالحزن:
"أنا بس عايز اطمن عليها وهي مش عايزة ترد عليا ومش عارف اعمل أيه؟!"
"طيب هنشوف الموضوع ده بعدين، أنتَ كنت قولتلي عالواتساب إنك حابب تتكلم في موضوع مهم معايا... خير؟"
"أنا تعبت، لا مش تعبير مجازي هو أنا اتنقلت المستشفى فعلًا، ضغط عالي وحصلي نزيف... مش ده المهم؛ المهم إن ده حصل بسبب خناقة بيني وبين أروى أختي..."
"ألف سلامة عليك، بس مش غريبة شوية حكايى الخناقة؟ اللي فهمته منك إن علاقتك بأختك مستقرة وتمام بل إنك بتحبها وبتخاف عليها جدًا."
"ده حقيقي بس اللي حصل إنها راحت تزورها..." لم يصعب على الطبيبة تخمين هوية المرأة التي يتحدث عنها أنس، والدته والتي يرفض حتى أن يُفصح عن اسمها ويرفض أن يضع أي كلمة مشتقة من كلمة 'أم' حينما يتحدث عنها، ساد الصمت لبرهة قبل أن يُضيف أنس:
"مش عارف أنا قولتلك ولا لا بس هي كانت بتتعالج في مصحة من بعد الحادثة اللي حصلت والمشاكل اللي كانت بينا وبعد موت فريد حالتها بقت اسوء بكتير لكن أنا مهتمتش بصراحة..."
"ممكن تحكي من الأول يا أنس؟" سألته بإهتمام وتركيز واضح ليُطالعها بحيرة وقد اختلط عليه الأمر فسألها بتردد:
"أعيد كلامي تاني؟"
"مش قصدي... قصدي من أول المشكلة، فين العقدة أو النقطة السوداء اللي بدأت كل ده؟"
"مبدأيًا أنا علاقتي بأمي وأبويا وحشة جدًا..."
"ده بسبب أيه؟"
"فريد ومراته اتجوزوا عن حب، الإتنين كانوا من عائلة مرموقة وكل حاجة كانت كويسة إلا إن فريد كان بيحب الستات، سكير، عصبي وعنيف طبعًا الكلام ده مكنش واضح أوي قبل الجواز أو كانوا معتقدين انه طيش شباب، بكرة يتجوز ويعقل."
"واللي حصل عكس كده طبعًا، صح؟"
كان سؤال الطبيبة أقرب إلى كونه جملة مؤكده أكثر من كونه سؤالًا فلقد سمعت مئات القصص المماثلة، حيث تؤمن شريحة كبيرة من المجتمع أن الزواج هو الحل للذكور التالفة...
يشرب الخمر، ذو علاقات متعددة، لديه مشاكل في التحكم في الغضب، يعشق العنف، سارق، مرتشي، ولربما كان يعامل والديه بأقذر الطرق الممكنة ولكن الحل لكل ذلك هو الزواج وإنجاب أطفال...
فبدلًا من جعل فردًا أو اثنين يعانون فلنضاعف ذلك العدد ولنقوم بتكوين أسرة من جدران هشة، أرضية مشوهة، أثاث تالف... ونتيجة لتلك التجربة المريرة ينشأ مئات الأشخاص الغير أسوياء لتبدأ معاناتهم مع التشوه النفسي.... ويضطرون إلى البحث عن علاج لآفات لم يكن لهم أي ذنب في ظهورها من البداية تمامًا كأنس وأروى...
"بقى لعنة! من ساعة ما وعيت عالدنيا وهو بيضربها وبيضربني أنا وأختي... طول ما هو في البيت مش عايز يسمع دوشة مش عايز يسمع صوت لعبنا وهزارنا وإلا هنتعاقب، في الوقت ده هي كانت بتاخدنا وتودينا عند رحيم... مامته وباباه كانوا شبه متبنيني أنا وأروى، قضيت معاه معظم فترة طفولتي واتربينا سوا وكبرنا سوا..."
"وبعدين؟"
"لما كبرت حاولت أقنعها تتطلق منه إلا أنها كانت بتحبه ومكنتش تتخيل حياتها من غيره... معرفش بقى دي Stockholm Syndrome 'متلازمة ستوكهولم' ولا أيه؟ المهم إنه هي مكنتش مدركة إنها مريضة ومحتاجه علاج وهو كمان كان انسان مريض!"
"دي حقيقة هما الإتنين كانوا في حاجة لعلاج نفسي، طيب وأنتَ شايف إن وجودك مع عائلة رحيم كان ليه تأثير عامل ازاي عليك؟"
"خلاني انسان ساوي بنسبة، وبنسبة تانية خلوني عندي قلق مستمر وضغط... خلوني مش قادر أخد خطوة الإرتباط بصورة رسمية بقى عندي Fear of commitment 'خوف من الإلتزام'، خلوني خايف من التعامل مع الأطفال... حاسس أني مشوه من جوا بس أنا من جوايا انسان نضيف بجد بس نفسي أكون طبيعي زي أي حد تاني... عايز أبقى كويس لنفسي وكويس عشان رحيم، عشان أروى وعشان... عشان ميرال، عشان أليق بيها..."
"يعني أنتِ مش شايف إن الجواز مثلًا وحش أو إنه عبارة عن قيود أو كده؟"
"هو قيود للطرفين طبعًا بس في المقابل أنتِ بتلاقي حد تشاركيه كل حاجة الحلو والوحش، بتلاقي حد مستنيكي آخر ليل، بتلاقي حضن حنين وكل ده في إطار سليم مش حرام ولا عيب... أنا مُدرك إن علاقة فريد ومراته كانت غلط ومش ساوية بس مفهومي للجواز مش علاقتهم ببعض لو ده اللي تقصديه يعني."
"أنا فخورة بيك جدًا يا أنس على فكرة."
"هو أيه حوار الفخر المنتشر ده؟ محسساني أني حمثلاح... أنتِ فخورة بيا، أروى فخورة بيا ورحيم كمان، أيه الإنجاز طيب اللي عملته؟"
"بغض النظر عن إنك مش بتعرف تكمل 10 دقائق على بعض بتتكلم جد بس ما علينا يعني، أنا بتكلم بجد أنا حقيقي فخورة بيك وده لكذا سبب..."
"سمعيني."
"أولًا أنك أدركت إن عندك مشكلة وقررت تدور عليها في المكان الصح وده نص طريق رحلة العلاج أصلًا، ثانيًا أنك انسان صريح؛ صريح مع نفسك ومعايا، ثالثًا أنك مش سايب نفسك تنجرف وراء التيار أنتِ عشت طفولة صعبة وشوفت تصرفات سيئة جدًا من باباك الله يرحمه بس في نفس الوقت حاولت تمنع نفسك من أنك تتصرف زيه..."
"معاكي حق بس... أنا مش عارف لما ابقى مكانه، زوج وأب هكون بتصرف ازاي... مرعوب من أني أكون نسخة تانية من فريد حتى لو غصب عني..."
"دي حاجة واردة فعلًا، وعشان كده أنا هنا بساعدك عشان نحاول نغير طريقة تفكيرك ونعدل أفكارك المشوهة وعشان نعمل كده لازم تبقى مصدق من جواك أنك انسان كويس وإن عندك القدرة على التغير للأحسن."
"أنا بحاول صدقيني... مش فاكر قولتلك قبل كده ولا لا بس أنا كنت بشرب خمرة في وقت من الأوقات، كنت فاكر أني بهرب من الواقع لكن في الحقيقة أنا كنت معيش نفسي في جحيم وقرف... مكنتش بفكر في حاجة وقتها لحد أما رحيم فوقني وفي مرة من المرات قالي أني بحول نفسي لنسخة من فريد وأني مش بس هخسر آخرتي ده أنا كمان هخسر دنيتي وكل اللي حواليا هيبعدوا عني وهو أولهم لو مبتطلتش عك..."
"والكلام ده فرق معاك؟ وكان أيه رد فعلك؟"
"الكلام فوقني... صدمني ووجعني بس فوقني، أدركت بشاعة اللي كنت بعمله وقررت من وقتها أوقف شرب وقررت أقرب من ربنا وأحاول أبقى انسان أحسن..."
"وقدرت تعمل ده؟"
"الحمدلله، مكنش الموضوع صعب أوي لأني مكنتش واصل لمرحلة إدمان الكحوليات يعني، وكنت بروح زي Group therapy كده للناس اللي أقلعت عن الخمور وده ساعدني جدًا."
"جميل جدًا ورحيم كان بيشرب زيك؟"
"لا، رحيم آخره سجائر وحتى دي بطلها من ساعة ما أفنان دخلت حياته ويلا بقى يا شباب نسيب كل برامج الإقلاع عن التدخين وندور على كتكوتة تساعدنا على ده."
"هو مش عيب إن حد يساعدك على فكرة ممكن يكون تأثير حد أنتَ بتحبه عليك أقوى من تأثر دكتور أو أخصائي مثلًا، المهم عايزاك تكلمني أكتر عن علاقتك برحيم أكبر منك بكام سنة وعرفته ازاي وكده؟"
"بصي يا ست الكل... أنا فتحت عني لاقيت اتنين؛ رحيم وأروى... وأنا صغير كنت مقتنع أنه أخويا شقيقي وهو كمان كان مقتنع بكده لحد لما كبرنا شوية، رحيم أكبر مني بسنتين وباباه وفريد كانوا صحاب جدًا وبطبيعة العائلات المخملية العائلة كاملة بتبقى صحاب فمامته ومرات فريد بقوا صحاب وبالتابعية أنا ورحيم..."
أجاب أنس على سؤاله وهو يعبث في خصلات شعره قبل أن يُرخي جسده على الكرسي وقد كان من الواضح من لغة جسده أنه يسترجع بعض الذكريات وقد ارتسمت ابتسامة لطيفة على ثغره ولمعت عيناه بينما أضاف الآتي:
"كنا دايمًا مع بعض في نفس المدرسة ونفس الجامعة ونفس الشغل وفرق السن ده عشان بسيط مكنش بيأثر، كان بيقعد يذاكرلي عادي عشان هو كان دايمًا شاطر أوي وبيجيب تقديرات حلوة."
أكمل أنس سرد كل شيء حول علاقته برحيم وحتى الآن وقد أفصح أنس عن شيء كان يرفض الإعتراف به ولكن يشعر بالغيرة لوجود أفنان برفقة رحيم.
"بصي مش عايزك تفهميني غلط والجملة ممكن تبان غريبة... بس ده العادي كده كده في مجتمعنا مش من حق الراجل أو الشاب يعني أنه يعبر عن مشاعره، عمومًا أنا نص الخناقات بتاعتي مع أفنان كان بسبب أني حاسس إنها واخدة رحيم مني..."
تنهد أنس بعد جملته تلك قبل أن يقترب من المكتب الخاص بالطبيب ويأخذ قطعة من الشيكولاتة الموضوعة أمامها ويقوم بتناولها بينما يُتابع حديثه بجدية شديدة قائلًا:
"أنا ورحيم أخوات وصحاب من سنين وهو معايا طول الوقت وفجاءة حسيت أنه اتاخد مني وكمان كنت شايف إن في بنات كتير أحسن وأحلى من أفنان وأنها متستحقش تبقى معاه بس مع الوقت عرفت أنه فعلًا بيحبها واكتشفت أنها انسانة كويسة وبتحبه ومش طمعانة فيه."
"دي مشاعر طبيعية جدًا بس لازم نوظفها صح، لما بنت أختها بتتخطب مثلًا بتحس أنها غيرانة لأنها بتبقى فاكرة إن خطيبها هيشغل كل وقتها وهياخد مكانتها في قلبه، لما حد والدته متوفية مثلًا وباباه بيقرر يتجوز تاني بيبقى برضوا حاسس بغيرة وغضب لأنه خايف الست دي تشغله عنهم أو إنها تاخد مكان والدتهم اللي اتوفت وأنتَ حالتك مختلفتش عن الأمثلة دي، وأنتَ عشان انسان عاقل قدرت تتحكم في المشاعر دي ولما شوفت إن صاحبك أو أخوك مبسوط فرحت عشانه وتفهمت الموضوع لأنه مهما حب أفنان أو أي واحدة تانية أو حتى لو بقى ليه صديق تاني غيرك فأنت ليك مكانة ووضع خاص في قلبه."
"شكرًا جدًا يا دكتورة، حقيقي قرار أني أجي هنا كان أكتر قرار صح أخدته في آخر عشر سنين بعض قرار أني اضرب نوح يعني."
تمتم أنس وهو يضحك قبل أن يُتابع حديثه مع الطبيبة خاصته وقد عاود الحديث عن علاقته بوالدته قائلًا:
"عارفة يا دكتورة، أنا نفسي أسامحها... وزي أي انسان كان نفسي يبقى ليا أم طبيعية حضن حنين اترمي فيه واشتكيلها وقت ضعفي بس ده محصلش مش بس عشان علاقتها المريضة بفريد بس عشان هي بعد الحادثة فضلت تلومني... كانت شايفة إن أنا السبب عشان اتخنقت مع فريد يومها مش عشان هو كان طاير بالعربية وهو متنيل شارب وضارب... مش قادر أسامحها عالشعور اللي هي خلتني أحس بيه الشهور اللي فاتت..."
"ليك كامل الحق في الغضب، والشعور بالنفور تجاهها طبعًا الناس شايفة إنك قاسي لأن المفروض مهما عمل والدك أو والدتك لازم تتقبل ومتعترضش وتسامح وده مش صح طبعًا لكن برضوا في نقطة... والدتك مريضة نفسيًا يا أنس وقد تكون مريضة عقليًا كمان أنا معنديش دراية كافية بالحالة بتاعتها، ده مش مبرر للي عملته ولا بقولك كده عشان تسامحها لكن حط في عين الإعتبار إن هي مضطربة ودماغها مش ماشية بنفس ال System 'نظام' بتاعنا."
"أنا عارف بس مش قادر... يمكن المرة الوحيدة اللي هقبل أشوفها فيها واحضنها هو يوم وفاتها لكن دلوقتي أنا مش قادر..."
"خد وقتك، سيب نفسك لحد لما تحاول تتعافى وتتأقلم مع الندوب اللي سببتها التجربة المريرة دي بس متنساش تستفاد من كل اللي حصل عشان متبقاش التجربة عدت عالفاضي، وأنا أظن لو خليت أروى تساعدك في موضوع مامتك هيبقى الوضع أفضل وأسهل بالنسبالك."
"هحاول... شكرًا يا مسك... يا دكتورة."
في ذلك اليوم شعر أنس بتحسن شديد لكونه قد أفصح عن ما يجول في خاطره ويؤلم قلبه منذ مدة طويلة والأهم من ذلك أنه لم يتعرض للنقد، السخرية أو اللوم بل كانت الطبيبة مستمعة جيدة... في واقع الأمر هي لم تقدم له حلول فعلية لكن الأهم من ذلك أنها ساعدته على إيجاد حلولًا لمشكلاته بنفسه، ساعدته على تحسين الطريقة التي يُفكر بها وساعدته على تقبل نفسه وتقبل التجربة المريرة التي مر بها ومساعدته على محو الندوب التي خلفتها.
في مساء اليوم التالي كانت أفنان تجلس في حجرتها وهي تحاول إنهاء 'شييت' الكيمياء الصيدلية لتقتحم عليها والدتها الحجرة وهي تُردف بهدوء:
"أفنان تعالي مريم بنت خالتك عايزاكي برا."
"مريم؟ طب خليها تدخل هنا يا ماما لو سمحتِ عشان مش هعرف أسيب اللي في ايدي."
"حاضر، بس خفي عليها شوية ها."
"هي قالتلك حاجة ولا أيه؟ عمومًا حاضر."
شعرت أفنان ببعض الغرابة تجاه ما قالته والدتها ولكن قررت أن تُنفذ مطلبها في هدوء وبالفعل بمجرد أن لمحت أفنان طيف مريم رحبت بها بلطف شديد.
"ازيك يا مريوم وحشتيني جدًا أيه الأخبار؟"
"هو أنتِ عملتِ أيه في نوح؟"
"عملت في أيه ازاي يعني مش فاهمة؟ هو نوح حصله حاجة؟"
"نوح نفسيته متدمرة يا أفنان من وقت ما هو وميرال انفصلوا، واللي عرفته منه أنه حاول كتير يرجعلها بس أنتِ دايمًا كنتِ بتحرضيها إنها ترفض وتتخانق معاه وتجرح كرامته... أنتِ مش متخيلة البيت من بعد اللي حصل بقل عامل ازاي، علاقة ماما ونوح بقت كلها مشاكل بسبب الموضوع ده..."
كانت مريم تتحدث من موضوع هجوم وإن كانت نبرة صوتها لم ترتفع كثيرًا لكن نبرتها تلك كانت كافية لإثارة غضب أفنان وكادت أن تنفعل لولا أن تذكرت ما قالته والدتها، أخذت أفنان نفس عميق قبل أن تُردف بنبرة لا تخلو من الحدة:
"بصي يا مريم عشان العشرة وأحنا متربين مع بعض وعشان الدم اللي بينا أنا مش هرد عالهبل اللي أنتِ بتقوليه وهعذرك لأنك أخته وطبيعي تبقي خايفة على مشاعره وعايزاه مبسوط بس خليكي فاكرة إن أنتِ شخصيًا كنتِ رافضة علاقته بميرال من الأول."
أردفت أفنان وساد الصمت لبرهة، لم تُعلق مريم على ما قالته أفنان لذا تابعت الأخيرة حديثها قائلة:
"أما بالنسبة لعلاقة خالتو بنوح فأنا أسفة بس دي حاجة متخصناش واحده ابنها غلط وهي واخدة رد فعل بالطريقة اللي هي شايفاها مناسبة، وياريت يا مريم تبطلوا ترموا اللوم على حد تاني لما تغلطوا عشان محدش ليه ذنب."
"ماشي دي حقيقة أنا كنت رافضة في الأول بس اتضح بعد كده أنه بيحبها فعلًا وكانوا هيتجوزوا لولا اللي أنتِ كنتِ دايمًا بتعمليه كان زمان أخويا دلوقتي في بيته ومبسوط مع مراته."
"أنا مش مصدقاكي يا مريم بجد! ده أنتِ نفسك عديتِ بتجربة شبه دي وكنتِ في علاقة توكسيك برضوا... على العموم يا مريم ميرال اتخطت نوح خلاص وأنا اتجوزت رحيم، فياريت بقى تحاولي تقنعي نوح أنه يشيل ميرال من دماغه عشان منخسرش بعض كلنا، وتاني بكررها يا مريم بطلوا ترموا اللوم عليا."
"يا أفنان أنا... أنا شايفة أخويا بيتعذب ولا عارف يركز في شغل ولا الماچيستير بتاعه ولا عارف يعيش حياته... مش قادرة أشوفه كده وأفضل ساكته..."
"اطلبي منه يروح لدكتور نفسي، حاولي تقنعيه ده هيبقى أحسن حل لينا كلنا... نوح ممكن يكون من جواه انسان كويس، ممكن يتحسن لما يتابع مع دكتور ويغير طريقة تفكيره."
"يعني لو ده حصل واقتنع... تفتكري ميرال ممكن توافق ترجعله؟"
سألت مريم بلهفة وكأن أفنان قد قامت بإلقاء حبل النجاة من أجلها لكن في الواقع لم يزيدها ردها غير إحباطًا، حيث نظرت نحوها أفنان بنظرة جامدة قبل أن تُردف بجدية لم تعهدها مريم قائلة:
"لا، أنا قولتلك موضوع ميرال ونوح ده انتهى وياريت تمسحوه من دماغكوا خالص! هو ممكن يبقى كويس لنفسه، كويس ليكوا، أو كويس للبنت اللي هيقابلها بعد كده ويكمل معاها حياته لكن غير كده انسي."
"ماشي يا أفنان، وأسفة لو كلامي ضايقك."
"ولا يهمك يا مريم أنا عارفة الواحد بيندفع ازاي لما الموضوع يتعلق بإخواته، بس أنتِ لو بتحبي أخوكي بجد وبتخافي عليه ساعديه يتغير للأحسن مش تطبليله على غلطاته... وخليكي عارفة أني بحبك جدًا وزعلانة أننا بعدنا عن بعض من ساعة اللي حصل."
"كل حاجة هترجع زي ما كانت إن شاء الله، فرحتك هتلم شمل العائلة من تاني."
"يارب."
انتهاء الحديث عند ذلك الحد، قررت مريم أن ترحل قبل أن تعود ميرال من الخارج فهي مازالت تشعر بحساسية تجاه علاقتهما منذ ما حدث ونظرًا لآخر الأحداث فلقد ازداد الوضع سوءًا، ودعت أفنان مريم بلطف بعد أنا عانقتها وذكرتها مجددًا بأن تُقنع نوح بأمر الطبيب وبالفعل قد شعرت مريم بالإقتناع النسبي في مسألة الطبيب تلك لكنها لم تدرِ كيف عليها اقناع نوح بفعل ذلك...
مع نهاية الأسبوع التالي غادرت أفنان مقر الكلية خاصتها بإرهاق شديد، محاضرتين ودرسًا عملي في يوم واحد... كانت الساعة تقريبًا الخامسة مساءًا وقد أوشكت الشمس على المغيب أجل... تلك هي الشتاء.
كادت أفنان أن تسلك طريقها المعتاد لولا أن لمحت سيارة فاخرة للغاية تقف بالقرب من باب الجامعة، لم تهتم أفنان كثيرًا ولو أن بداخلها بعض الفضول لمعرفة من صاحب تلك السيارة أي من يقدر على امتلاك سيارة من هذا الطراز وقبل أن تُكمل اسئلتها الداخلية غادر السيارة شاب ذو بنية جسدية قوية وعضلات أخفاها جاهدًا بإرتداء تلك البذلة الرسمية، توقف أمام أفنان مباشرة وكادت أن تتخطاه وتسير في الإتجاه الآخر لولا أن تفوه بالآتي موجهًا حديثه إليها:
"دكتورة أفنان... اتفضلي معايا."
"مين حضرتك؟ اتفضل فين؟" سألت أفنان بفزع واضح ولكن حاولت جاهدة أن تُخفيه، رمقها الشاب بهدوء قبل أن يُجيبها برسمية تامة مُردفًا:
"إيڤيلين هانم منتظرة حضرتك في العربية."
"طنط إيڤيلين؟!! حاضر..." نبست أفنان وقد تمنت في تلك اللحظة لو أن تنشق الأرض وتبتلعها داخلها على أن تخوض محادثة مع والدة رحيم، وما زاد الطين بلة هو كونها ستتحدث مع والدة رحيم بمفردها تمامًا!
"اصعدي السيارة 'Get in the car'." تمتمت والدة رحيم فور أن قام الشاب بفتح الباب من أجل أفنان، أومئت الأخيرة وهي تدلف إلى داخل السيارة ثم تُتمتم بنبرة مشوبة بالتوتر:
"ازيك يا طنط لا ثواني... ازيك يا Auntie."
"هعمل نفسي مش واخدة بالي من نبرة السخرية في كلامك."
"أنا مش قصدي أي سخرية إطلاقًا أنا بس فاكرة من المرة اللي فاتت إن حضرتك اتضايقتي فقولت أقول الكلمة اللي تريح حضرتك، أبقى كده غلطانة؟"
"من أول يوم شوفتك فيه وعرفت إنك مش سهلة، لكن أنا كمان مش سهلة ومش بزهق يا أفنان."
"ولا أنا بزهق... منكرش أني استغربت شوية إن حضرتك طلبتِ تشوفيني بس أنا متوقعة الحوار اللي هيدور بينا."
"بصي يا أفنان If you think it's too late then you're wrong... I can ruin everything if i want to 'إذا كنتِ تظنين بأن الآوان قد فات فأنتِ مخطئة... مازال بإمكاني إفساد كل شيء إن أردت ذلك'."
"حضرتك برضوا لسه فهماني غلط، I am no the type of person that would give up on something they love, and i love your son with every piece of my heart and i will never let anything or anyone get in between 'أنا لستُ من النوع الذي سيتخلى عن شيء يُحبه، وأنا أحب ابنكِ من كل قلبي ولن أسمح أبدًا لأي شيء أو أي شخص بالتدخل بيني وبينه'."
"كلام جميل، طلعتِ مثقفة وبتفهمي كمان بس أتمنى إنك تبقى قادرة تفهمي معنى الكلام مش بس تترجميه، طيب خلينا نغير قواعد اللعبة... أنا هقبل بيكي كفرد من أفراد عائلة البكري لكن صدقيني يا أفنان لو خطر على بالك في يوم تزعلي ابني أو لو مقدرتيش توفري له السعادة اللي هو يستحقها أنا هدمرك أنتِ وأي حد تبعك، He is my only son 'هو ابني الوحيد' ومعنديش حاجة أغلى منه."
"طالما هو ابن حضرتك الوحيد ومعندكيش حاجة أغلى منه يبقى ياريت يا طنط تعامليه عالأساس ده وأديله حب واهتمام ودلع... حضرتك كبرتيه قبل آوانة وخليتيه دايمًا زعلان وحاسس إن ناقصه حاجة أعتقد حضن منك وكلمة حلوة هيفرقوا معاه أوي وهيوفروا ليه السعادة اللي حضرتك فاكرة إن أنا مش هعرف أوفرها ليه، رحيم محتاج حنان الأم وحبها بعيدًا عن مشاعره تجاهي فياريت حضرتك تقريبه منك وتحسسيه بحبك ولو لمرة واحدة يمكن بعدها حضرتك تقدري تحبيني وتتقبليني ولو عالسعادة فأنا مستعدة اضحي بأي حاجة في سبيل سعادة رحيم زي ما أنا واثقة أنه هيعمل معايا نفس الحاجة."
"أنا عمري ما كنت قاسية على رحيم، أنا بس كنت بشد عليه عشان عايزاه يطلع راجل يُعتمد عليه... وده اللي حصل بالفعل وكان رحيم بينفذ أي طلب بطلبه منه وأول مرة عصى أوامري كانت بسببك أنتِ، ظهورك في حياته لغبطه وخلاه يتصرف تصرفات غير عقلانية تمامًا."
"عشان أنا من مستوى مختلف يعني؟ طيب ممكن اسأل حضرتك سؤال؟ دلوقتي لو رحيم كانت ارتبط بواحده من العائلات الكبيرة اللي متعوده عالرفاهية الآوفر ومعندهاش استعداد تستحمل الظروف الصعبة وبعدها لقدر الله حصل أي ظروف ورحيم أفلس تفتكري بقى البنت دي هتفضل معاه؟"
سألت أفنان مبراوغة وهي واثقة تمام الثقة من أن والدة رحيم لن تجد الرد المناسب على ما قالته لذا ساد الصمت لبرهة فقررت أفنان أن تُهاجم مجددًا وتستخدم سلاحًا آخر بأن تقوم بإلقاء الكرة في ملعب والدة رحيم حيث أردفت أفنان بنبرة بريئة وإن كانت تحوي في داخلها خبث خفي:
"طيب ولو حضرتك كنتِ فقيرة أنا أسفة يعني أو من مستوى متوسط وكان أهل Uncle حامد رفضوا حضرتك كان هيبقى عادي؟ ولا حضرتك كنتِ هتبقي شايفة إن دي طبقية وإن المفروض يدوا حضرتك فرصة لأنك بتحبيه بجد؟"
قوست والدة رحيم شفتيها وحاولت جاهدة إخفاء زهولها من دهاء أفنان فتلك الفتاة تعرف كيف تصوغ كلماتها جيدًا، فكرت إيڤيلين لوهلة بأن رحيم قد أخبرها برفض عائلة زوجها علاقتهما بالفعل ولكنها أشاحت بتلك الفكرة بعيدًا عن رأسها فهي لم تُقص ذلك الأمر على رحيم من قبل لكن كيف خطرت تلك الجمل على بال الجالسة أمامها، خيم الصمت على المكان لدقيقة ونصف تقريبًا قبل أن تُردف:
"كنت هحاول اتفهم موقفهم وهقدر خوف عائلته عليه وكنت هبطل أنانية."
"أنا أسفة بس حضرتك مش بتقولي الحقيقة، لأن حضرتك لو فعلًا بتحبي Uncle حامد كنتِ هتحاولي بكل الطرق أنك تبقي معاه وهتبقي على استعداد إنك تحاربي الدنيا كلها علشانه وأتوقع إن ده حصل فعلًا لأنه مش سهل إن عائلة مصرية عريقة وقديمة تتقبل إن ابنهم يتجوز بنت انجليزية وهيبقوا قلقانين من اختلاف الثقافات والعادات، حتى لو حضرتك نصك مصري والنص التاني انجليزي في النهاية حضرتك اتربيتي برا."
"بصي يا أفنان بعيدًا عن إنك بتكدبيني بس مش مشكلة، I will make a deal with you 'سأعقد معكِ اتفاقًا'."
"اتفضلي."
"أنا هعمل هدنة معاكي، مش هضايقك وهحاول اتقبل وجودك عشان بس سعادة ابني الوحيد لكن لو في يوم من الأيام زعلتيه أو فكرتي إنك تبعديه عني أو عن حامد i will surprise with my ability to turn your life into hell 'سأفاجئكِ بقدرتي على تحويل حياتك إلى جحيم."
"تمام معنديش مشكلة، Deal."
تمتمت أفنان وهي تحاول أن تبدو نبرتها واثقة قد المستطاع على عكس ما تشعر به داخليًا، هي على وشك خوض معركة والأمر لن يكون سهلًا لكنها على استعداد لتحمل كل العواقب والمخاطر فقط من أجل رحيم، بإنتهاء جملة أفنان قامت بفتح باب السيارة وقد غادرتها دون أن تنبس والدة رحيم ببنت شفة بل اكتفت بمراقبتها وهي تبتعد.
بعد أن تركت أفنان والدة رحيم اتجهت إلى منزلها مباشرة وشيء واحد فقط يشغل بالها... هل عليها إخبار رحيم بالمحادثة التي جرت بينها وبين والدته أم أن ذلك سيزيد الأمر سوءًا؟ ولربما تظن والدة رحيم أن أفنان تقوم بتحديها أو تقوم بشن هجومًا مفاجئ عليها... لم تصل أفنان إلى قرارٍ حاسم بل قررت أن تسأل والدتها وميرال عن رأيهما...
بعد أسبوع تقريبًا على محادثة أفنان ووالدة رحيم قررت الأخيرة أن تُفاجئ رحيم وأن تذهب إلى مقر عمله في الشركة التي شهدت قصة حبهما اللطيفة، كان رجال الأمن ومعظم موظفو الشركة يذكرون أفنان منذ أن كانت متدربة في الشركة فلقد كانت دائمًا ما تلفت الأنظار لسلوكها الغير متوقع على غير المعتاد من باقي الطلاب.
"إلا قولي يا رحيم... هي فين الشهادة بتاعتي يا شركة نصابة؟ الناس كلها خدت شهادتها ما عدا أنا! أيه الظلم ده؟!"
"بقى بزمتك تبقى الشركة وصاحب الشركة تحت أمرك وملك ايديكي وأنتِ كل اللي همك الشهادة؟ يا ستي اطبعلك مليون شهادة ولا تضايقي نفسك."
"أحم لا أحرجتني بكلامك الحلو كده مليش حجة بصراحة."
"أي خدمة، صحيح أنا أحتمال أسافر... أنتِ أول حد يعرف على فكرة الموضوع ده."
"مسافر؟ ليه؟ هتقعد كام يوم طيب؟ متغبش عني..."
"بس بس هتعيطي ولا أيه؟ ده هو أسبوع واحد بس."
"ما هو أسبوع ده كتير يا رحيم، وأنتَ هتوحشني أوي أنا أتعودت على وجودك وأني بشوفك كل يومين تقريبًا."
"حقك عليا بجد، بس أحنا بنفتح فرع جديد للشركة برا ولازم أكون موجود في الإفتتاح حتى بابي ومامي هيسافروا معايا... كان نفسي أخدك بس أنا عارف إن أسرتك مش هتوافق بس مش مشكلة تتعوض بعد الفرح إن شاء الله أي سفر شغل هاخدك معايا."
"إن شاء الله يا حبيبي، صحيح هو أحنا هنسافر فين في الهوني مول."
"هوني مول؟ اسمه Honeymoon ' شهر العسل' يا أفي!"
"يا سيدي مش هتفرق، هنروح بقى العين السخنة ولا نروح اسكندرية زي الحج متولي كده."
"نعمل جولة في Europe 'أوروبا' أيه رأيك؟"
"جولة؟ جولة؟ أيه يا ابني الإفتراء ده!"
"خلاص بلاش جولة اختاري بلد أو اتنين عايزة تزوريهم ونسافر بعد الفرح على طول بإذن الله."
"اتفقنا هبقى ابص كده في الدول لأن بعيد عنك الجغرافيا عندي ضايعة خالص ممكن أقولك اسم دولة تبقى في القطب الشمالي مثلًا."
"يارب صبرني... ما علينا، كنت عايز أقولك على حاجة على فكرة..." أردف رحيم بنبرة هادئة لتعقد أفنان حاجبيها وهي تُتمتم بنبرة لا تخلو من الشك:
"أشجيني يا حبيب قلبي."
"أنا كلمت ناتالي امبارح وقبل ما تقلبي وشك عليا بس سيبيني أكمل من فضلك."
"سمعاك يا حبيبي سمعاك، المايك مع حضرتك."
"كلمتها وقولتلها إن علاقتي بيها غلط وإن أنا خدت قرار بقطع العلاقة دي نهائيًا مينفعش يبقى في وجود لل Ex في حياتي، أنا أصلًا الحمدلله أتغيرت للأحسن وقابلتك وحاسس أني بدأت استقر ومش مستعد أضحي بكل ده عشان خاطر أي حد أو أي حاجة."
"يا نهار أبيض!! أنا مش مصدقة... هو أنا سامعة غلط ولا فاهمة غلط... أنتَ بتتكلم بجد؟"
"أسمعك المكالمة طيب ولا أيه؟"
"ليه هو أنتَ مسجلها؟"
"لا بتريق عليكِ أكيد... عشان تعرفي بس أني مستعد أعمل أي حاجة عشانك."
تفوه رحيم بنبرة حنونة لتشرد أفنان لثوانٍ قبل أن تسأله بنبرة درامية مستخدمة عبارة شهيرة من أحد الأفلام الرومانسية قائلة:
"أي حاجة أي حاجة؟"
"لا ما هو مفيش شلال هنا أنط منه... انجزي، بس قولي حاجة عقلانية يعني."
علق رحيم على جملتها وهو يضحك لتبتسم لبرهة قبل أن ترسم ملامح جادة على وجهها وهي تقول بنبرة حادة:
"أقطع علاقتك بالكلب اللي اسمه أنس ده!"
"لا حول ولا قوة إلا بالله... يبقى الواحد قاعد في حاله تجيبه سيرته وبقلة أدب كمان، بقولك أيه لو مطلقتش البت دي حالًا لا أنا صاحبي ولا أعرفك يا رحيم!"
"لا بقولكوا أيه... مامي قدامها عشر دقايق وتوصل عشان في Meeting مهم ومش عايز دوشة."
"أمك!!!" صرخ أنس وأفنان في آن واحد قبل أن تستقيم أفنان من مقعدها وهي تُضيف بهلع:
"تصدق النهاردة عيد ميلاد بابا يا دوبك ألحق أجيبله تورتة لأن المحلات بتقفل الساعة عشرة."
"أفي الساعة لسه أربعة."
"وأنا نسيت العربية جوا المفاتيح ولازم أنزل أجبهم بسرعة."
"أنتَ بتقول أيه؟"
"يلا سلام."
رحل الإثنين على الفور من أمام رحيم، عاود الجلوس على الكرسي خاصته وهو يضحك متذكرًا ما حدث قبل قليل ولكن سرعان ما تلاشت ضحكته وتحولت إلى ابتسامة رسمية فور رؤيته لوالدته التي دلفت نحو الداخل بخطواتها الواثقة المعتادة، رحب بها رحيم على الفور مُقبلًا يدها ومن ثم ذهب كلاهما للجلوس على الأريكة فليس من الأدب أن يجلس رحيم على كرسي الإدارة في وجود والدته أمامه.
"المكتب نور يا مامي، حضرتك كويسة؟"
"اه يا حبيبي Don't worry 'لا تقلق'."
عقد رحيم حاجبيه لثوانٍ جراء تفوه والدته لكلمة 'حبيبي' فوالدته لم تعتد على تدليله بهذا الشكل، ابتسم لثوانٍ وهو يُردف:
"يعني حضرتك بخير؟ الحمدلله... أنس وأفنان كانوا هنا من شوية كان نفسهم يقابلوا حضرتك بس كانوا مستعجلين بقى تتعوض إن شاء الله."
"أنا كنت جاية عشان... Just forget about it 'فقط انسى الأمر'."
"مامي... هو ممكن حضرتك وأفنان تقعدوا مع بعض؟ أنا حقيقي نفسي علاقتكوا تبقى كويسة، أنتوا الإتنين أغلى حاجة عندي وصدقيني يا مامي أفنان انسانة كويسة بجد وحضرتك طبعًا ست الكل ومفيش زيك... أنتوا بس مش عارفين تفهموا بعض بس لو حاولتوا هتنجحوا صدقيني..."
"حاضر يا رحيم هحاول Cause i just want to see you happy 'لأنني فقط أريد أن أكون سعيدًا'."
"ربنا يخليكي ليا يا مامي، أنا بحبك جدًا بجد."
أردف رحيم بنبرة صادقة حنونة وبحماس طفلًا صغير وهو يعانق والدته بقوة، ابتسمت والدته ابتسامة واسعة وهي تضم ابنها الوحيد في المقابل، شعرت بعيناها تدمع تلقائيًا فهي لا تذكر متى كانت المرة الأخيرة التي أخبرها فيها رحيم أنه يحبها... ربما حينما كان في الصف الخامس؟ السادس على الأكثر؟ فمنذ ذلك الحين كبرت الفجوة بينهما وأصبحت علاقته بوالدته علاقة رسمية تمامًا تكاد تخلو من المشاعر.
"أنا كمان بحبك... يلا خليني امشي i don't want to interrupt you from doing your job 'لا أريد مقاطعتك عن اداء عملك'."
أومئ رحيم بلطف وهت يستقيم من مقعده ويقوم بإغلاق أحد أزرار معطف بذلته الرسمية ومن ثم يودع والدته ويصطحبها نحو المرأب لتستقل سيارتها ويتأكد من انطلاقها بسلام.
صعد رحيم مجددًا إلى الطابق حيث يوجد المكتب خاصته ليلمح أنس يسير مترنحًا في الممر وفي يظه كوبًا من القهوة، اقترب منه رحيم بخطوات مسرعة وهو يجذبه من معطف بذلته الرسمية بينما يسأله مستنكرًا:
"خد هنا أنت روحت فين؟ ومالك مش على بعضك ليه؟ بقيت بتسكر من البن ولا أيه مش فاهم؟!"
"خلعت بس لما شوفت طنط أمك نزلت رجعت تاني، ولا مش بسكر يا ظريف أنا دايخ فتلاقيني بتطوح يمين وشمال كده."
فسر أنس وهو يرتشف من كوب القهوة الكبير خاصته بينما يحاول الحفاظ على توازنه كي لا يسقط، رمقه رحيم بإزدراء قبل أن يقول مستنكرًا:
"طنط وأمك ازاي يعني في نفس الجملة؟! وأما أنتَ دايخ يا حيوان وعارف إنك متنيل تعبان ومريض ضغط عالي بتشرب قهوة ليه؟ عايز تموت نفسك ولا بتحاول تعمل أيه؟"
"أيه يا رحيم الأوڤر ده؟ مش لدرجة أموت يعني ممكن أفطس منكوا ويغم عليا مثلًا بس مش موت."
"يارب صبرني عالصداقة دي... على فكرة ميرال مش هنا عشان تلحقك، فأنا عن نفسي هسيبك مرمي في الأرض عادي."
قال رحيم بنفاذ صبر متعمدًا إثارة غيظ أنس وبالفعل رمقه الأخير بإزدراء بطرف عيناه قبل أن يسأله بنبرة درامية مُردفًا:
"أيه يا ابني الجحود ده؟ وبعدين حتى لو أنتَ سبتني عارف في كام بنت في الشركة هتيجي تلحقني؟"
"مفيش فايدة فيك بجد! بعيدًا بقى عن الهزار، حضرتك خلص الكوباية اللي في ايدك دي ومش عايز ألمح وشك في ال Hall 'ردهة' هنا، روح على مكتبك وبطل استعباط يا أنس أنتَ بقالك مدة بتتهرب من الشغل وأنا سايبك بمزاجي بس مرة كمان يا أنس ومش هسمي عليك وهرفدك."
"لا يا عم وعلى أيه؟ ده الواحد لسه بيبدأ حياته وعايز يفتح بيت."
أردف أنس بنبرة ساخرة ولكن لسبب ما استشعر رحيم لمحة من الجدية في حديثه ليعقد حاجبيه على الفور بينما يسأله مستنكرًا أثناء دخوله إلى مكتبه مُردفًا:
"بيت؟ هي كانت ال Risky message 'رسالة مُجازفة' ولا كانت proposal 'عرض زواج' ولا حكايتك أيه؟! فهمني!"
"مش عارف بقى..." همس أنس بصوتٍ منخفض وكأنه طفلًا قد تلفظ بكلمة سيئة ويخشى عقاب والدته،
"مش عارف ازاي يعني؟ يا ابني أنتَ عبيط؟ مش أنت اللي باعتلها ال Message 'رسالة' أومال مين اللي هيعرف نانا الله يرحمها؟"
"يمكن ليه لا؟"
"طب أمشي من وشي يا أنس دلوقتي."
تمتم رحيم وهو يقذف أنس بإحدى الملفات ليهرول الأخير مبتعدًا عنه متجهًا نحو الباب وقبل أن يُمسك بالنقبض ليقوم بفتحه توقف لبرهة وهو ينظر نحو رحيم بنفاذ صبر بينما يصيح بنبرة طفولية:
"كنت بقولها حقيقة مشاعري ارتحت؟"
"كنت واثق!" صاح رحيم وهو يصفع المكتب بيده بينما يبتسم بإنتصار قبل أن ينظر نحو أنس بفضول شديد في انتظار أن يُريه أنس الرسالة التي أرسلها...
_______________________________
(تذكره: اللهم اكفنى بحلالك عن حرامك وأغننى بفضلك عمن سواك.)
الفصل السابع والأربعون: اللَّمَسَاتُ الأَخيرَةُ✨🤎🦋
"أنتَ بتقولها أنك بتحبها!!!"
"مقولتش حرفيًا! أنا براوغ بس هي مفهومة..."
"طب اقرأ كده اللي أنتَ كاتبه." طلب رحيم من أنس بنفاذ صبر وهو يضغط على أسنانه بغيظ شديد لينظر نحوه أنس بهلع وهو يسأله:
"كله؟"
"أي حتة يا حبيبي اتفضل."
"بقولك أيه يا ميرو هو الجو حر؟ أصلي حاسس أني بدوب فيكِ..."
قرأ أنس ما أرسله إلى ميرال بخوف تحت نظرات رحيم الحارقة قبل أن يضربه رحيم في كتفه وهو يسأله مستنكرًا:
"طب في حد عاقل يبعت لحد يقوله كده؟"
"اه... أيه المشكلة يعني؟ قولتلها إن أنا بحبها حصل أيه الدنيا خربت مثلًا؟"
"بطل قمص زي العيال الصغيرة واسمع... المشكلة يا أنس إنه مينفعش، وقبل ما تبصلي البصة دي سيبني اشرحلك... ميرال مش من نوع البنات اللي ممكن ترد عليك تقولك إنها كمان بتحبك، ميرال مش من النوع اللي بيحب الملاوعة لو أنتَ بتحبها فعلًا روحت اطلب ايديها."
كانت وجهة نظر رحيم صادقة وقد راق ما قاله لأنس، فهو على حق لأنه حتى وإن كانت ميرال تهيم به عشقًة فما كانت لتخبره بذلك أو حتى تُجيب على حديثه بأنها تُحبه هي ايضًا... ابتسم أنس لبرهة قبل أن يُطالع رحيم بحماس وهو يتمتم:
"يا ولا يا خبرة أنتَ، أنا بقول بقى نكلم أفنان تيجي تشوف جوزها اللي عنده خبرة في تفكير البنات وشخصياتهم... وبعدين يعم الذكي ما أنا أكيد نفسي أتجوزها يعني بس الموضوع مش سهل وأنت عارف ده كويس!"
"طبعًا عارف... أنا مريت باللي بتقوله من كام شهر أنا مش جاي من الفضاء يعني."
"أنا وضعي مختلف عنك يا رحيم وظروفي مختلفة وأنتَ فاهم قصدي أكيد..."
نبس أنس بنبرة تحمل في طياتها الحزن والخذلان... فهو يعلم أن وضعه مقعد لكن في الوقت ذاته هو ليس له أي ذنب فيما حدث فلقد كانت معظم الأحداث مفروضة عليه وليست بأختياره... وضع رحيم يده على كتف أنس بلطف قبل أن يقول بنبرة مستفزة بغرض تشجيعه:
"أنس يا حبيبي، لو فاكر إن حد فينا سليم ومش معقد تبقى مغفل كلنا عندنا عقد بس درجتها بتختلف من شخص للتاني ومن تجربة للتانية."
"بقولك أيه بطل رغي بقى وفكك من التنمية البشرية دي وقولي أنا أعمل أيه في عيشتي؟"
"محتاج تهدأ كده وتاخد وقتك، تكمل علاجك وهي كمان تخلص الجلسات بتاعتها وبعدها تروح زي الشاطر وأنا وبابا في إيدك وعلبة Chocolate 'شيكولاتة' حلوة كده وتطلب ايديها بس كده."
"مش هيوافق... باباها مش هيوافق." نبس أنس بإندفاع وبنبرة يفوح منها الحزن.
"مش هيوافق ليه؟ ده بيحبك جدًا وأنتَ بتتعامل معاه بإحترام جدًا على غير العادة يعني."
سخر رحيم من أنس ليقلب الأخير عيناه بتملل ومن ثم يُعيد خصلات شعره نحو الخلف بينما يُعلق بجدية وحزن قائلًا الآتي:
"هيرفض لما يعرف حقيقتي... لما يعرف كل حاجة عن فريد وعن علاقتي بأنس ومراته!"
"أنس اصحى! أنتَ أنس... اللي بتتكلم عليه فريد! متأكد أنه بن مش Alcohol؟"
علق رحيم ساخرًا من تلعثم أنس وتبديله للأسماء ليقذفه أنس بعلبة المناديل الورقية وهو يصيح بغيظ:
"خلاص اتلغبطت متبقاش تِنح زي نوح كده! اللي اقصده إن مفيش أي واحد عاقل هيرضى يجوزني بنته يا رحيم وأنا مش ناقص إحباط ورفض ووجع قلب اللي فيا مكفيني."
"طب أيه دخل نوح في كلامنا دلوقتي؟ هو ممكن يتردد لكن أظن إنك تقول الحقيقة ومتخبيش حاجة وتعرفه إنك بتحاول تأهل نفسك لتكوين أسرة وتبقى مسئول عن بيت ولو ضبطت نفسك وشغلك الفترة اللي جاية أظن إنك ممكن تكسب Point عنده ولا أنتَ شايف أيه؟"
"مش عارف... مفيش في إيدي حاجة اعملها غير اللي أنتَ قولته والدعاء طبعًا..."
"براڤو عليك، ودلوقتي ممكن ندخل الإجتماع حضرتك؟ وأكد عليا هتسافر معايا ولا لا؟"
"هسافر واسيب أروى لمين يعني؟"
"خلاص خليها تيجي معانا أيه المشكلة يعني؟" اقترح رحيم حلًا على أنس ليومئ الأخير قبل أن يُعلق بنبرة استفزازية:
"طيب يلا بطل لكاعة بقى أنتَ بتعطلنا على فكرة، مش طريقة شغل دي ابدًا."
"يارب ارحمني... I don't wanna go to the jail 'لا أريد الذهاب إلى السجن' ولو روحت ميبقاش بسبب أنس يعني!"
تمتم رحيم بسخرية وهو يتحدث من بين أسنانه قبل أن يستقيم من مقعده ويسحب أنس من ذراعه كما تُسحب الأطفال نحو الخارج ليتجه كلاهما إلى قاعة الإجتماعات.
بعد مرور شهر ونصف كان رحيم يجلس برفقة أفنان ليلًا داخل الشرفة بعد أن تناول الغداء برفقة والديها، اسند رحيم رأسه على الكرسي بينما يرتشف من كوب الشاي الذي أعدته والدة أفنان وقد أضافت إليه ثلاثة أعواد من النعناع الطازج، بدت على ملامح وجه رحيم سعادة وارتخاء لم تراهم أفنان من قبل لتنظر نحوه وهي تبتسم بينما تُعلق بلطف قائلة:
"مالك يا رحيم؟ أيه الإنبساط ده أول مرة تشرب شاي ولا أيه؟"
"لا مش أول مرة طبعًا، بس أنا طول عمري بشرب قهوة على عكس معظم الناس في England 'انجلترا' ممكن أكون شربته مرتين تلاتة تقريبًا بس أول مرة أشربه وهو محطوط عليه Fresh mintss 'نعناع طازج'."
أجاب رحيم على سؤال أفنان ومازالت تعابير السعادة بادية على وجهه لتضحك أفنان ضحكة مكتومة قبل أن تُعقب على جملته ساخرة:
"فريش مينتس؟ يااه مع إن الواحد كان فاكره نعناع بلدي عادي يعني."
"دمك خفيف أوي، بقولك أيه ما تيجي معايا بكرة البيت بتاعنا عشان تشوفي آخر التطورات وكده."
"اه يا قليل الأدب! عايز تاخدني البيت لوحدنا يا رحيم أنتَ اتجننت!!"
صاحت أفنان بصوتٍ مرتفع ونبرة درامية ليضع رحيم أحدى قطع الكعك في فمها كي تصمت بينما يُردف بنبرة أقرب إلى الهمس:
"صه! بس هتفضحيني هو أنتِ دايمًا عندك سوء ظن كده؟ وبعدين عادي نروح لوحدنا أحنا متجوزين وعالعموم خلاص هاتي ميرال معاكي لو عايزة أظن كده تمام ولا أيه؟"
"اه طبعًا اجيب ميرال عشان تجيب الواد الصايع صاحبك وتشربونا حاجة أنا والبت الغلبانة لا يا أستاذ رحيم أنتَ فاهمني غلط خالص!"
"أنا حاسس إن اتضحك عليا في الجوازة دي بجد، لا اتدبست حقيقي..." نبس رحيم من بين أسنانه وهو يحك ذقنه بواسطة سبابته، سمعت أفنان ما قاله لترفع أحدى حاجبيها وهي تسأله بنبرة تحذيرية:
"بتقول حاجة يا حبيبي؟"
"لا بكح... بقولك أيه بصي كده على صور ال Hotel اللي بعتهالك عالواتساب عايز اعرف رأيك، مش عايزين نأخر حجز الفرح."
"من دلوقتي؟ مش لسه بدري شوية ولا أيه؟"
"الفنادق الكبيرة بتكون محجوزة طول السنة تقريبًا وعشان نعرف نحجز هيطلع عينا فلازم نحاول ننجز، عمومًا لما بابي يرجع من السفر هنعمل قاعدة عائلية معاكوا كده ونختار يوم الفرح."
اتفقنا، وأنا برضوا هحاول أعرف كده من الدكاترة في الكلية الترم التاني ممكن يخلص على أمتى عشان منحجزش الفرح ويطلع عندي تاني يوم امتحان كيمياء ولا ميكرو مثلًا."
"لا لا متقلقيش هعمل حسابي يا حبيبي." أومئت أفنان وهي تبتسم قبل أن يسود الصمت لبرهة بينما يكمل رحيم كوب الشاي خاصته.
قطع الصمت فجاءة صوت رحيم وقد اختلط صوته بخاصة أفنان بينما يُردف كلاهما في اللحظة ذاتها:
"عايز أقولك على حاجة"
قهقه كلاهما بقوة قبل أن يعلق كلاهما في الثانية ذاتها مجددًا قائلين:
"قول أنتَ الأول..."
"قولي أنتِ الأول..." ضحك كلاهما هما مرة آخرى قبل أن تُشير أفنان نحوه بأن يصمت قبل أن تُعلق هي بمزيج من الجدية والسخرية:
"لا لا، بص رحيم قول أنتَ الأول ماشي؟"
"لا ladies first 'السيدات أولًا' قولي يلا."
نبس رحيم وساد الصمت لثوانٍ وكادت أفنان أن تتفوه بجملتها وفعل رحيم المثل لتختلط جملة كلًا منهما مع الآخر، وكان ما قيل كالتالي:
"نوح بعتلي Message 'رسالة'."
"أنا قابلت طنط إيڤيلين مامتك!"
"أيه؟!"
"أيه أنتِ؟!"
"ثواني بس... مامي؟ أنتِ شوفتي مامي واتكلمتِ معاها أمتى ومقولتليش ليه؟ وقولتلوا ايه؟"
سأل رحيم عدة اسئلة في دقيقة واحدة وكانت نبرته مزيج من الإستياء والقلق في الوقت ذاته فهو يعرف كي تدير والدته الحوار.
"ثواني بس... أنا مش هينفع أقولك أتكلمنا في أيه لأنه سر... بس أحنا اتقابلنا من شهر تقريبًا وأنا فضلت مترددة أقولك ولا لا عشان الحوار اللي حصل بينا يعني كان سر وهي أكيد مكنتش عايزاك تعرف، المهم بإختصار أنا وهي لاقينا طريقة نتفاهم بيها."
"تمام جميل... أتمنى بس إن هي متكونش زعلتك ولا أنتِ زعلتيها... خلاص أنا مش هضغط عليكي عشان تحكي بس أنا مبسوط إنك عرفتيني حتى لو متأخر شوية يعني."
"أنا كمان مبسوطة إنك قولتلي على موضوع نوح، بس ثواني فين المسدچ بقى وريني؟"
"تعالي."
قال رحيم لتقوم أفنان بتحريك الكرسي خاصتها بحيث تقترب أكثر من رحيم وتجلس إلى جانبه وهي تأخذ هاتفه لتقرأ ما قاله نوح بينما تنبس:
"أنا مش فاهمة هو لسه ليه عين يتكلم؟"
"أفي Never judge a book by its cover 'لا تحكمي على الكتاب من غلافه' كملي الكلام للآخر وتجاهلي العبث اللي في الأول ده."
"حاضر، لما نشوف."
تمتمت أفنان بصوتٍ منخفض بينما تعاود قراءة الرسالة ومن ثم رفعت رأسها لتواجه رحيم بينما تُطالعه بحيرة والتي كان سببها ما قاله نوح، لم يهتم رحيم كثيرًا بردة فعلها أو بتعليقها على الرسالة لأنه في تلك الأثناء كان قد غاص في جمال عيناها وقد ثمل من فرط حبه لها، ابتسم ابتسامة جانبية صغيرة ثم أردف بنبرة يفوح منها الحب:
"أنتِ عارفة إنك أجمل بنت شوفتها في حياتي؟ لحد النهاردة مش عارف أنا عملت أيه حلو في حياتي عشان استحق إنك تكوني من نصيبي..."
صُبغ وجه أفنان بالحمرة وارتجفت أناملها على الفور قبل أن تضطرب معالم وجهها ومن ثم تنبس بالآتي:
"أنا... هقوم بقى... ماما بتنده عليا تقريبًا..."
ضحك رحيم بصوتٍ عالٍ بينما يراقب أفنان التي تغادر كرسيها بتوتر واضح حتى كادت أن تسقط بالقرب منه لولا أن أمسك بيدها وذراعها ليساعدها على إعادة توازنها وبمجرد أن فعل هربت هي نحو الداخل بحثًا عن والدتها.
في تلك الأثناء كانت ميرال تجلس داخل حجرتها تشاهد أحدى الأفلام الرومانسية الكئيبة القديمة في زمن ما قبل إنتاج الأفلام الملونة حيث كانت فقط باللونين الأبيض والأسود، قاطع مشاهدتها صوت إشعار من هاتفها معلنًا عن وصول رسالة جديدة وكانت من رقم تعرفه ميرال عز المعرفة بالرغم من أنها قد حذفت سابقًا اسم صاحب الرقم وقد كانت الرسالة كالتالي:
"ميرال أنا عارف إنها حركة سخيفة إتي أقولك اللي عايز اقوله في رسالة مش في مكالمة... أنا بس كنت عايز أقولك أسف، أسف على كل حاجة وحشة وكل وجع سببته ليكي... أسف أني كنت أخ ندل، قريب بشع وخطيب سيء... عارف إن الأسف ملوش أي معنى دلوقتي بس أنا مفيش في ايدي حاجة تانية أعملها... أنا حتى معنديش الجراءة إن أنا أكلمك وأقولك الكلمتين دول... المهم أنا بدأت اتابع مع دكتور وطلعت انسان مريض فعلًا زي ما أفنان قالت، نرجسي، مغرور وأناني... كل ده مش مهم دلوقتي المهم إنك لازم تعرفي إني فعلًا حبيتك ولكن أدركت ده متأخر جدًا بعد ما خسرتك...
عالعموم أنا هناقش الماچيستير بتاعي الأسبوع اللي جاي وأتمنى أني أشوفك في الحفلة وأحس بوجودك جنبي... وده هيكون آخر طلب اطلبه منك في حياتي أوعدك..."
نوح... (في حالة إنك مسحتي رقمي...)
طالعت ميرال الهاتف بصدمة وقد شعرت بعقلها قد توقف عن العمل لمدة من الزمن، نوح يحاول مجددًا التحدث إليها... يعتذر منها مرة آخرى... يخبرها بأنه ذهب للمتابعة مع طبيب نفسي، وفي النهاية يدعوها إلى حفل مناقشته للدراسات العليا!
هل يحاول استدراجها واستعطافها بتلك الطريقة؟ هل يستخدم المشاعر والعواطف لأنه يعلم أنها نقطة ضعف ميرال على عكس أفنان... أم أنه يشعر بالذنب تجاهها بحق؟ هل هو يشتاق إليها ويُحبها حبًا حقيقيًا أم أنه يُفكر على هذا النحو لأنه قد فقدها؟! وربما لو كانت استمرت في علاقتها معه لم يكن ليشعر بذلك الشعور ولم يكن ليتفوه بتلك الكلمات...
لا تدرِ ميرال كيف مر الأسبوع بهذه السرعة ووجدت نفسها في موضع اتخاذ القرار هل تذهب إلى حفل نوح لتوديعه وحذف كل شيء يتعلق به من ذاكرتها وقلبها أم تأخذ قرار بعدم الذهاب لتتجنب رؤيته كي لا تشعر بالحنين أو بالآسى من أجله...
لم تصل إلى قرار ولم يكن بإمكانها أن تسأل أي شخص عن ذلك فهي لم تخبر أحدًا قط بشأن تلك الرسالة حتى شقيقتها الوحيدة لم تكن على علم بتلك الرسالة، في نهاية المطاف قررت أن تسأل الطبيبة مسك عن رأيها في ميعاد الجلسة والتي تسبق الحفل بيومٍ واحد.
"مساء الخير يا دكتورة."
"مساء الخير يا ميرال اتفضلي، أيه الإبتسامة الجميلة دي شكلك مبسوطة."
"اه الحمدلله أنا كويسة ربنا يخليكي، هو بس في حاجة صغيرة كده حصلت بس غير كده أنا كويسة..."
"خير إن شاء الله، احكيلي... حاجة ليها علاقة بأنس ولا أيه؟"
سألت الطبيبة بنبرتها اللطيفة المعتادة وكانت ميرال تستمع بهدوء ولكن بمجرد ذكر اسم أنس إنفعلت ميرال قليلًا وهي تنفي حديث الطبيبة عن أنس، فهو ليس بالشخص الذي قد يقوم بجرحها قط...
"أنس؟ لا لا أنس عمره ما يعمل حاجة تزعلني، ده نوح... نوح بعتلي رسالة، عايزني أروح احضر مناقشة الماچيستير بتاعته..."
"طيب وأنتِ حسيتي بإيه لما وصلتك المسدچ؟ يعني فكرتي في أيه؟ قررتِ أيه؟"
"أنا اتخضيت طبعًا اتصدمت، حسيت بمشاعر متضاربة طبعًا بس المشاعر دي مفهاش أي حب أو حنين... أنا بس كنت بفكر إن أنا أروح أودعه... أشوفه لآخر مرة كشخص كنت مرتبطة بيه ورسمة حياتي معاه ومن بعدها هيبقى ابن خالتي وبس."
"يعني أخدتي قرارك خلاص؟"
"لا برضوا... ما أنا بفكر برضوا في إن أنا مروحش واتجنب أني أشوفه أصلًا... مش عايزة أديله أمل كداب إننا ممكن نرجع وده استحالة يحصل."
"بصي يا ميرال أنا مش هقدر أقولك تعملي أيه ومتعمليش أيه... في النهاية ده قرارك، لكن اللي أقدر أقوله من كلامك ومن الجلسات الأخيرة إنك خلاص تخطيتي نوح، مبقاش ليه وجود جوا قلبك ولا عقلك أنتِ كل الحكاية إنك كنتِ متعودة على وجوده وإنه جزء من حياتك وكنتِ دايمًا بتراعي مشاعره فكونك مش عايزة تروحي محسسك بالذنب شوية من ناحيته."
"كلامك مضبوط... هو فعلًا نوح مبقاش فارق معايا بنفس الصورة بتاعت زمان وعادي جدًا قدرت أعيش حياتي من غيره وأنا اللي كنت ساذجة وفاكرة أني هموت لو بعد عني ومش بس كده... ده كمان يعني... بقيت قادرة أتخيل حياتي مع شخص تاني..."
أعلنت ميرال وأنهت جملتها بنبرة خجولة وحالمة بينما تعبث في أصابع يدها، لم يكن صعبًا على مسك تخمين هوية الشخص الذي تقصده ميرال فمن عساه يكون غير...
"هو أنس بقى كويس؟" سألت ميرال لتتسع ابتسامة مسك وتأخذ نفس عميق قبل أن تُجيبها بلوع قائلة:
"أنتِ عارفة إن مينفعش أقولك حاجة زي كده صح؟ بس مع ذلك بتسألي برضوا."
"أنا مش عايزة تفاصيل عن حالته، أنا بس عايزة اطمن أنه بيتحسن وقرب يوصل..."
"بيتحسن يا ميرال وقرب يوصل متقلقيش." أكتفت الطبيبة بهذه الجملة البسيطة بحيث لا تفصح عن أي شيء يخص أنس وفي الوقت ذاته تطمئن قلب ميرال الذي كان من الواضح أنه بدأ يميل إلى أنس وبصورة واضحة.
"الحمدلله... شكرًا بجد، اه هو ينفع احكيلك حاجة كمان حصلت ملغبطاني خالص؟ ليها علاقة بالشغل يعني وكده..."
"اتفضلي أنا سمعاكي."
أردفت الطبيبة بلطف لتبدأ ميرال في سرد ما يجول في خاطرها وبعد نصف ساعة كانت الجلسة قد انتهت بالفعل وحينما كانت ميرال على وشك الرحيل توقفت لتسأل الطبيبة عن موعد الجلسة القادمة:
"الجلسة اللي جايه هتبقى كمان شهر برضوا؟ ولا أسبوعين زي الأول؟"
"خلاص يا ميرال، مبقاش في جلسات تاني... أنا شايفة إنك اتحسنتِ جدًا واتخطيتِ التجربة اللي كانت عملالك مشكلة وقدرتي تفهمي نفسك أكتر وتصححي وجهة نظرك في حاجات كتير."
"بجد؟ يعني خلاص كده؟ بس... يعني مش هشوف حضرتك تاني؟ ده أنا اعتبرت إنك صاحبتي..."
كانت ميرال تتحدث بعاطفة شديدة والحزن قد أحتل مكانًا داخل عينيها وبالرغم من أنها سعيدة بإنتهاء الجلسات والشفاء إلا أنها اعتبرت مسك صديقة لها في الآونة الأخيرة فهي تعلم كل شيء تقريبًا عن ميرال وهي كذلك مستمعة جيدة بحكم طبيعة عملها بالطبع.
"بصي ده رقمي الشخصي، تقدري تكلميني في أي وقت وبرضوا معاكي رقم العيادة لو حسيتِ في أي وقت إنك مش كويسة تعالي."
أومئت ميرال بسعادة شديدة قبل أن تودع الطبيبة وتتجه نحو الخارج لتصطدم بأنس الذي كان على وشك إقتحام المكتب، بتلقائية شديدة ابتعدت ميرال على الفور وهي تضع حقيبتها كحاجز بينها وبين الجسد الذي اصطدمت به والتي لم تكن تدرك أن صاحبه هو أنس.
"يا نهار أبيض... حقك عليا يا ميرال أنا مخدتش بالي بجد... أنا متأسف جدًا..."
أعتذر أنس بتلعثم شديد وهو يسب نفسه داخليًا فهو حقًا لم يتعمد فعل ذلك... كما أنه خشي أن يترك ذلك الموقف الصغير الغير مقصود صورة سلبية لدى ميرال حول أنس، حاولت ميرال إنهاء الموقف سريعًا وقد قبلت اعتذار أنس وهي تُردف:
"حصل خير، أبقى بس خلي بالك وبص قدامك وأنتَ ماشي بعد كده."
"حاضر بس أنا والله مكنتش قاصد بجد."
"خلاص حصل خير أنا مصدقاك من غير حلفان... عن إذنك بقى عشان لازم أمشي."
"طب استني ثواني هطلبلك عربية توصلك."
"مفيش داعي صدقني."
"عشان تطلعي من هنا على الشارع هتمشي حتة كبيرة والمنطقة هنا هادية، أديني دقيقة واحدة وياستي ولا هكلمك ولا ههزر معاكي."
أصر أنس على عرضه وما كان لميرال غير أن توافق، أومئت له بإستسلام وذهبت للجلوس على أحد الكراسي وهي تتحشى النظر نحوه بل وتحاول إقناع ذاتها بأنه ليس موجودًا على الإطلاق لكن رائحة عطره الثقيلة لم تساعدها على ذلك، مرت ثلاثة دقائق قبل أن يُشير إليها أنس بالذهاب.
اصطحبها أنس إلى الخارج وتأكد من ركوبها السيارة بأمان قبل أن يعود نحو الداخل كي يبدأ جلسته مع الطبيبة والتي كان عقله نصف شارد خلالها فلقد كان يُتابع الخريطة من الحين للآخر في التطبيق ليرى كم من الوقت تبقى كي تصل ميرال إلى المنزل.
وبعد مدة ليست بطويلة توقفت السيارة أمام المنزل وحينما سألت ميرال السائق عن ثمن الرحلة أخبرها بأنه تم دفع الحساب من خلال البطاقة الإئتمانية المُسجلة على الحساب خاصة أنس على التطبيق، شكرت ميرال السائق وغادرت السيارة وهي تبتسم ابتسامة لطيفة وهي تسترجع كل ما حدث بينها وبين أنس قبل قليل...
في صباح اليوم الموعود؛ يوم المناقشة... استيقظت ميرال باكرًا في ذلك اليوم واستعدت إلى الذهاب لعملها وقد قامت بإختيار ثوب مناسب، فستانًا باللون الأسود ومن الأعلى وشاح بألوان زاهية متداخلة ومتناسقة وعلى عكس العادة وضعت ميرال بعضًا من مساحيق التجميل على غير العادة، ألقت نظرة أخيرة على مظهرها في المرآة قبل أن ترحل متجهة إلى مقر عملها دون أن تخبر أحدًا بوجهتها بعد ذلك.
في تمام الثالثة والنصف كانت ميرال داخل مقر كلية الصيدلة وهي تبحث عن القاعة المنشودة، سألت أحد العاملين وقد أرشدها إلى المكان... كانت المناقشة على وشك البدء وقد اتخذ الجميع أماكنهم بينما وقفت ميرال بحيرة لا تدرِ أين تجلس في النهاية قررت الجلوس في آخر القاعة كي لا يراها نوح.
مر الوقت ببطء شديد بينما كانت ميرال تستمع إلى ما يحدث من عرض ومناقشات فهي لم تُحب قط أي شيء يتعلق بالكيمياء بالإضافة إلا أن مجال دراستها وعملها يبعد كل البعد عن ما يتم عرضه الآن، بعد مرور فترة زمنية لم تستطع ميرال تقديرها انتهى نوح من المناقشة وتم قبول الرسالة خاصته لتستقيم ميرال من مقعدها مع ابتسامة واسعة...
أخذت ميرال تسير نحو الخارج وبالقرب من باب القاعة في نهاية المكان وقفت ميرال وهي تصفق بحرارة كسائر الحاضريين عدا أنها كانت تختلف عنهم في أن عيناها لمعت بدموع لم تدرِ هي سببها، رمقته ميرال مع ابتسامة مُتألمة...
تأملت ملامحه التي أحبتها لسنوات وأخذت تبتسم على حركاته العفوية التي اعتادت أن تراقبه وهو يفعل قبل أن تتنهد تنهيدة قوية تنم عن آلم دفين داخلها قبل أن تُردف أخيرًا بصوتٍ يكاد يكون مسموع ومع ابتسامة صغيرة:
"مع السلامة يا نوح..."
ومع انتهاء جملتها تلك استدارت لتُغادر القاعة وقد أدركت الآن وفقط الآن أنها لم تعد تكن أي مشاعر تجاه نوح وقد أغلقت تلك الصفحة من كتاب حياتها بل وقامت بحرقها ونثر رمادها بعيدًا عنها...
غادرت ميرال القاعة متوجهة نحو الخارج لتلفحها نسمات هواء باردة بالرغم من أن الوقت مازال مبكرًا نسبيًا إلا أن برد الشتاء لا يميز بين النهار والليل، ارتجف جسدها وبصورة تلقائية وجدت نفسها تُحيط نفسها بذراعيها علها تحصل على بعض الدفء وقبل أن تخطو خطوة واحدة مبتعدة عن الأرصفة وجدت سيارة تتجه نحو بجنون وقد توقفت أمامها تمامًا...
شهقت برعب وكادت أن تسب السائق ولكنه قام بفتح الباب على الفور وقد ظنت ميرال أنه سيعتذر لها بلا شك لكنه لم يفعل بل قال الآتي:
"الجميل مش عايز توصيله؟ لو وافقتي في Offer 'عرض' توصيله وكوباية Hot chocolate 'كاكاو ساخن' والچاكيت بتاعي عشان بالوضع ده هتاخدي دور برد."
"أنس!"
"عيون أنس، يلا خدي عشان تعرفي إن أنا Gentle man 'رجل نبيل' بس..."
تمتم أنس وهو يغمز بإحدى عينيه بينما يعيد خصلات شعره نحو الخلف، عقدت ميرال حاجبيه وعبس وجهها بينما تسأل مستنكرة:
"أنتَ بتعمل أيه هنا؟ أنا... أحنا مينفعش نتكلم أنا قولتلك قبل كده..."
"ها؟ بتكلميني أنا؟ أيه ده ازيك عاملة أيه يا ميرال؟ معلش مشوفتكيش خالص."
"نعم؟ أنتَ بتقول أيه؟ بطل استعباط يا أنس!"
"أنا بتكلم في ال Airpods 'سماعة لا سلكية' يا بنتي! بكلم رحيم."
"بتقول لرحيم الجميل عايز توصيله؟ وبتكلمه بصيغة المؤنث؟!"
سألت ميرال بتعابير وجه مضطربة والحيرة ظاهرة في نبرتها، انتبه أنس لمدى حمق ما قاله ليُعيد تكوين جملته بطريقة صحيحة هذا المرة قائلًا:
"ها؟ لا لا، أنا بكلم أروى... مقولتش رحيم أنتِ اللي قولتي رحيم."
"يا سلام؟ عايز أيه يا أنس؟"
"رحيم كلمني وقالي اجيله واستنى هنا بالعربية عشان هاخده مشوار هو وأفنان."
"رحيم وأفنان هنا؟!!" سألت ميرال بصدمة وعدم استيعاب وهي تلتفت نحو مدخل القاعة ليومئ أنس ثم يُخبرها الآتي:
"كانوا بيحضروا مناقشة ماچيستير دكتور نوح الكِلح، طيب هما الإتنين دكاترة صيدلانين وممكن يحبوا يسمعوا الرغي اللي بيتقال جوا ده، أنتِ أيه اللي جابك هنا مش قادر افهم؟!"
سأل أنس بنبرة تجمع بين المزاح والحنق... كان وجهه ممتعضًا وقد فاحت رائحة الغيرة منه، ضحكت ميرال تلقائيًا على حديثه وقد وصلها شعوره لكن ضحكتها تلك جعلت أنس يستاء لذا زم شفتيه لثانية قبل أن يتمتم بضيق:
"أنا بسأل سؤال مقولتش نكتة على فكرة."
"طب هو أنتوا رايحين فين؟" سألت ميرال في محاولة منها لتغير الموضوع كي يزول غضب أنس لكن جملتها بطريقة ما زادت من استياءه حيث قال مستنكرًا وبتعابير وجه ممتعضه:
"أنتوا؟ اسمها أحنا... ولا هنسيبك لقيطة هنا ولا أيه؟ مش عايزة تيجي معانا؟ خلاص أحسن."
"لحظة واحدة براحة! أديني فرصة طيب."
"النهاردة يا ستي عيد ميلاد أروى وأحنا خارجين نتعشى كلنا برا مع بعض وأنتِ معزومة طبعًا."
"طيب هي أروى هتتبسط لما تشوفني يعني؟"
"هو في حد عاقل مش هيتبسط لما يشوفك؟ وبعدين هي بتحبك... كلنا؛ كلنا بنحبك."
أجابها أنس بتلقائية ومن ثم أدرك ما قاله لذا تلعثم قليلًا ومن ثم أشاح بنظره بعيدًا عنها وشرع يبحث عن علبة السجائر في أحد جيوبه ولكن توقف عندما خطر على باله أن ميرال ستشعر بالضيق من كونه مدخنًا لذا تخلى عن الفكرة.
"أنا كمان بحبها أوي... بس مش كنت قولت على موضوع العيد ميلاد ده عشان أجي بحاجة شيك؟"
"أشيك من كده؟ لا ده كده زي الفل أوي، ولو قصدك على ميكب أب يعني أو كده فصدقيني شكلك كده أحلى."
أردف أنس بنبرة لطيفة وهو يتأمل ملامح ميرال لتحمحم الأخيرة بخجل شديد ثم تسأل الآتي في محاولة منها للهرب مما قاله:
"هو أفنان ورحيم اتأخروا ليه؟ ممكن ترن عليهم؟"
"بتتهربي من الكلام معايا يعني؟"
"أنتَ عارف إن كلامنا غلط وبتكابر."
"عندك حق، بس أنا ناوي اخليه صح قريب إن شاء الله." نبس أنس وهو يغمز بأحدى عيناه قبل أن يبتسم كلاهما في توتر.
"أهم جم أهم."
"يا أهلًا وسهلًا بميرال هانم اللي جاية المناقشة في الخباثة من غير ما تقول."
"طب ما أنتِ كمان مقولتيش!"
"يا ستِ المناقشة في كليتنا وحاجة ليها علاقة بدراستي واللي بيناقش ابن خالتي وفي كذا حد مم الدفعة حضر أصلًا فوجودي منطقي نسبيًا لكن أنتِ أيه بقى؟"
"بقول أيه كملوا خناق في العربية عشان أروى لوحدها في الكافية بدل ما حد يضايقها واضطر أني أدغدغ الكافية على دماغه وكده."
تحدث أنس بنبرة مزيج من الجدية والمزاح، قهقه ثلاثتهم وهو يدلفون إلى السيارة بينما وقف أنس لثوانٍ يستنشق بعض الهواء وفي تلك اللحظة وفور انتهاء نوح من المناقشة هرول نحو الخارج بحثًا عن ميرال والتي لمح طيفها أثناء تحدثه وحينما وصل إليها بالفعل وجدها تدلف إلى داخل سيارة أنس الفاخرة برفقة رحيم وأفنان.
اقترب بضع خطوات ليجد ميرال وقد زين وجهها الذي أحبه ابتسامتها والتي ليست مميزة ولكنها دافئة، حنونة تبعث الإطمئنان والسعادة في النفس... تنهد نوح بإنكسار وهو يحاول ابتلاع الغصة التي في حلقة والوغز في قلبه وقد أدرك أنه قد خسرها، خسرها للأبد... وليست الخسارة وحدها ما يؤلمه بل كونه واثقًا بأن هناك شخصًا آخر جدير بها على وشك الحصول عليها...
رأه أنس وقد أدرك نوح ذلك، رمقه أنس بإبتسامة جانبية صغيرة واثقة ونظرات تُفصح عن الثقة فأنس هو من فاز في نهاية المطاف... كان نوح يُطالعه بإشمئزاز وغضب.
"يلا يا أنس هنتأخر على أروى."
"حاضر يا ميرال."
تمتم أنس بصوتٍ مرتفع متعمدًا أن تخترق جملته أذن ميرال، رمق أنس نوح للمرة الأخيرة بإزدراء قبل أن يدلف داخل السيارة وبمجرد أن انطلق أنس سألت ميرال بفضول واستياء شديد أفنان الجالسة إلى جانبها قائلة:
"أنا عايزة أعرف أنتِ جيتي ليه؟ ورحيم كمان؟"
"المفروض أنا اللي اسأل السؤال ده! أيه اللي جابك أصلًا؟ مش قادرة افهم."
"والله أنا اللي مش فاهم أنتوا التلاتة أيه اللي وداكوا تحضروا مناقشة الواد السمج ده؟!"
"نوح بعت مسدچ لرحيم طلب منه إننا نحضر، واعتذر عن اللي حصل... هو برضوا عك شوية في الكلام في الأول بس في النهاية يعني عزمنا عالمناقشة النهاردة وبما إننا دكاترة أصلًا جينا، حضرتك بقى بتعملي دبلومة في الصيدلة ولا أيه؟"
"نوح بعتلي أنا كمان... طلب مني إن أنا أجي وطلب السماح، وأنا جيت عشان يعني... تبقى آخر مرة أشوفه فيها من منطلق نوح اللي كنت بحبه من النهاردة مبقاش في غير نوح ابن خالتي وعلاقتنا رسمية وبس... ممكن بقى نغير الموضوع؟"
كان أنس عاقدًا حاجبيه وهو يزفر بضيق بينما يستمع إلى الشق الأول من حديث ميرال لكن حينما أنهت حديثها وقد فهم أنها أخيرًا قد تجاوزت نوح وللأبد ابتسم تلقائيًا ابتسامة واسعة ليرمقه رحيم بطرف عيناه قبل أن يبتسم ابتسامة جانبية.
"بقولكوا أيه هو كله جاب هدية لأروى طبعًا عشان عارفين أنه عيد ميلادها وأنا مكنتش أعرف ومجبتش حاجة... شكلي هيبقى أيه دلوقتي؟"
"متشغليش بالك أنا عامل حسابي."
"عامل حسابك ازاي يعني؟ فاتح محل هدايا في جيب البنطلون؟"
"لا في كم الچاكيته يا ظريفة، وبعدين أنا وجهتلك كلام أساسًا يا حِشارية أنتِ؟! أنا بكلم ميرال."
"أنس كلم أفنان عِدل!"
"وأنتِ خفي على أنس شوية في أيه؟"
"يسلم فمك يا ميرال يا بنتي."
"بنتك؟! Daughter zone؟! جديدة دي لا و Creepy 'مُريبة' كمان." علق رحيم ساخرًا ليُطالعه أنس بإزدراء قبل أن ينظر إلى ميرال في المرآة ويتابع حديثه قائلًا:
"بصي أنا جبت هدية عارف إن أروى بتحبها وهي حاجة مش مكلفة أوي يعني وجبتها على اسمك ونبقى نتحاسب بطريقتنا أنا وأنتِ بعدين."
"أحنا كده هنصفي حسابنا عالمعاش بقى."
"معاش؟ ده القلب عمره ما عاش قبل ما يقابل الوش السِمح ده، عالعموم ياستي أحنا ورانا أيه؟ مفيش بين الخيرين حساب."
"لا وأنتَ ذوق أوي ياض، وبعدين خف نحنحة ما أختي يا إما هتلاقي حتة قلم يا أنس من حيث لا تدري ولو مش مصدق اسأل نوح."
"لا ثواني كده... أنتِ ضربتي نوح قبل كده؟"
"اه مرتين ليه؟"
"ما شاء الله، الواد متعلم عليه من كل الناس مفيش كده بجد... كرامته في اللا لا لاند."
سخر أنس وهو يضحك لتضحك معه أفنان بينما أمتعض وجه ميرال من حديثهم المستمر حول نوح ولم يكن سبب ضيقها أنها لا تُريد منهم أن يذكروه بالسوء بل لأنها لا تريد سماع ااسمه أو أي شيء يتعلق به مجددًا.
"يا جماعة من فضلكوا قولت نغير السيرة دي." طلبت منهم ميرال ليومئ أفنان وأنس ويسود الصمت لثوانٍ قبل أن يقوم أنس بتشغيل أغنية رومانسية قديمة للعندليب بينما يُطالع ميرال من خلال إنعكاس المرآة من وقتٍ لآخر.
بعد أربعون دقيقة تقريبًا توقفت السيارة أمام مطعم ومقهى فاخر في منطقة 'مصر الجديدة' ترجل الجميع من السيارة وهو يحضرون الهدايا خاصتهم من صندوق السيارة بينما وقفت ميرال تتابعهم بضيق لأنها لم تبتاع شيئًا من أجل أروى.
"بصي يا ميرال دي سلسلة فضة مكتوب عليها اسم أروى بالحروف الفرعوني، هي مهووسة بالحاجات دي وأي حاجة ليها علاقة بالآثار أو الحاجات الشعبية مثلًا وكده فالسلسلة دي هتعجبها جدًا ومتقلقيش هقولك تمنها وهاخده منك."
"خلاص اتفقنا... شكرًا أوي إنك فكرت في الموضوع ده وافتكرت يعني أني مجبتش حاجة وكده يعني..."
"ده أنا اللي لازم اشكرك إنك جيتي معايا... قصدي يعني أروى هتتبسط أوي هي بتحبك جدًا."
"مش يلا ندخل؟ الجو... الجو برد."
همست ميرال وهي تنسحب مبتعدة عن أنس دون أن تُعلق على ما قاله ليبتسم هو ابتسامة جانبية ثم يتبعها نحو الداخل، كانت أروى تجلس على طاولة في أحد الأركان وهي ترتدي فستانًا باللون الأخضر الداكن وتعبث في خصلات شعرها بتملل وهي تشاهد بعد حالات أصدقائها من الخارج.
"مفاجأة 'Surprise'." صاح أنس وهو يقترب من الطاولة حيث تجلس أروى والتي انتفضت عندما سمعت صوته وقبل أن تُدرك ما يحدث قام أنس ورحيم بإستخدام زينة عيد الميلاد التي تنفجر مسببة تناثر أشرطة قصيرة ملونة في كل مكان.
"أروى القمر كل سنة وأنتِ طيبة."
تمتمت أفنان وهي تأخذ أروى في عناقٍ لطيف ومن ثم تبعتها ميرال التي فعلت المثل، لتُردف أروى بسعادة غامرة:
"أيه ده وميرال كمان؟ شكرًا بجد، You all really made my day 'لقد جعلتوا يومي سعيدًا/ أسعدتم يومي حقًا'."
"طب مفيش حضن لأخوكي حبيبك اللي كلف ولم الناس دي وكده؟"
"أحلى حضن في الدنيا لأحلى أخ صغير شقي."
بعد أن فصل أنس العناق أشار للنادل بيده بأن يُحضر قالب الكعك والذي كان متوسط الحجم وقد وضع عليه صورة قديم تعود إلى وقت طفولة أنس وأروى، حيث كان يقف إلى جانبها وهو يحتضنها على أحد شواطئ إنجلترا وكان عمرهم في ذلك الوقت يتراوح بين الخامسة والثامنة تقريبًا، فأنس لا يذكر أعمارهم بالتحديد في ذلك الوقت.
"يا إلهي هذا لطيف للغاية 'Omg this is so cute'، شكرًا بجد يا أنس."
"أي خدمة ياستي، هخليهم يشيلوها دلوقتي نتعشى الأول وبعدين نجيبها عشان نغني وتتمني أمنية والحاجات دي."
"تمام اتفقنا."
بعد نصف ساعة تقريبًا جلس جميعهم يثرثرون في مواضيع عشوائية وسط صوت ضحكاتهم وتعليقاتهم الساخرة وصخب أنس المعتاد، لكن ميرال كانت تختلف عنهم قليلًا فلقد جلست في هدوء شديد... هدوء يزيد عن هدوءها المعتاد، لاحظ الجميع ذلك لكن لم يعلق أحد حتى فعلت أروى.
"مالك يا ميرال زعلانة ليه؟" سألت أروى بإهتمام شديد وهي تضع يدها على كتف ميرال بلطف ليبتسم أنس تلقائيًا من حركتها اللطيفة تلك، ابتسمت ميرال ابتسامة صغيرة مشوبه بالحزن وهي تُجيبها قائلة:
"مفيش حاجة مشاكل في الشغل بس..."
"ليه بس حصل أيه؟"
"كان في مشكلة في الشغل والمدير اتخانق معانا كلنا وشبه هزقنا يعني وفي الآخر قال إنه هيضطر يمشي ناس مننا ولسه مش عارفين مين اللي هيمشي..."
أفصحت ميرال عن سبب حزنها لتضطرب معالم أنس على الفور قبل أن يصفع الطاولة بيده وهو يسأل بغضب حقيقي:
"ده مين الحيوان ده؟ يهزق مين ده عبيط ده ولا أيه؟ أديني اسم الشركة واسم مديرك ده وأنا هفرجه ومتشيليش أي هم أنا هشوفلك شغل في شركة تانية."
"مفيش داعي صدقني... خلاص متعصبش نفسك أنتَ تعبان، أنا خلاص مش زعلانة أصلًا وهشوف شغل في مكان تاني."
"وأنا مش هتهد بقى غير لما أخليه يعتذرلك أنتِ وزمايلك وبعدها هجبلك شغل في مكان أحسن."
"هتعملنا فيها جدع بقى وتقعد تذلنا وتقرفنا." أدرفت أفنان لتُخرجهم من الأجواء الجادة للحوار ليغمض أنس عيناه ويضم قبضته بإستياء قبل أن يُعقب على جملتها الساخرة قائلًا:
"يا بنتي حد وجهلك كلمة؟ أنا جيت جنبك دلوقتي؟ رد عليا يا بت أنتِ!"
"الحقيقة لا، بس مش مقتنعة أنك هتعمل حاجة بصراحة حاسه أنك بوق كده!"
"هتشوفي."
بعد نصف ساعة آخرى قاطع حديث أفنان وأروى صوت رنين هاتف أفنان والذي كان بالقرب من رحيم ليُمسك بهاتفها ليرى من المتصل ولم يكن يفعل ذلك بدافع الفضول بل لأن أفنان قد سمحت له في السابق بالرد على هاتفها والعبث به كما يشاء.
"أفي موبايلك بيرن... ريماس؟ مين ريماس؟"
"بنت عمتي حكتلك عنها قبل كده، سيبك منها أعمله صامت... صحيح نسيت أقولك يا بت يا ميرال مش ريماس اتقدم لها عريس تاني وكلت دماغ بابا برضوا، لا وخطيبها القديم بيحاول يرجعلها تاني تلاقيها بتكلمني عشان كده."
"فريد؟" سألت ميرال ليسعل أنس ويبصق الماء الذي في فمه ليتحرك جميعهم مبتعدين عنهم بينما تصيح أفنان:
"يا أخي جتك القرف!"
"فريد مين؟" سألت أروى بإهتمام بينما تُطالع أنس بطرف عيناها والذي كان يسحب أحد المناديل الورقية ويجفف بها وجهة ولحيته، حاولت ميرال أن تُشيح بنظرها بعيدًا عن أنس وتجيب على سؤال أروى قائلة:
"ده اسم خطيب بنت عمتي... كان خطيبها يعني."
"وملقوش اسم أوحش من كده؟ أيه القرف ده؟"
صاح أنس بإستياء حقيقي لتعقد كلًا من أفنان وميرال حاجبيهما قبل أن تسأله ميرال بتردد الآتي:
"هو مش... هو مش أنتَ اسمك... أنس فريد؟"
"أيوا اسمي أنس زفت!"
أجاب أنس بحنق وهو يضع الكوب أعلى الطاولة بقوة حتى كاد الكوب أن ينكسر لكن أروى رمقته بحده وقامت ب 'قرص' في ذراعه ليتأوه أنس وهو يعتذر بنبرة طفولية قائلًا:
"خلاص أسف... مكنش قصدي."
"أهو ألطف نسخة وأكتر نسخة pure 'نقية' ممكن تقابلوها من أنس وهو قاعد مع أروى."
"لا أنا مش لطيف أنا رخم وعصبي." تمتم أنس بنبرة طفولية أكدت ما قاله رحيم قبل ثوانٍ، ساد الصمت لبرهة قبل أن تُعلق أفنان مُردفة:
"بصراحة رحيم عنده حق، دي المرة الوحيدة اللي ممكن أحس إني طايقاك فيها."
"أنا بقى عمري ما طيقتك ولا هطيقك ومتتكلميش معايا تاني يا بت أنتِ."
"بقولكوا أيه، عشان تبطلوا رخامة على بعض... تيجوا نلعب بدل ما أحنا قاعدين كده؟" اقترحت ميرال لتتسع ابتسامة أنس قبل أن يُردف:
"أنا موافق على أي حاجة هتقوليها، بصي أحنا نلعب صراحة ونسأل بعض عن حاجات محرجة بقى اللي هو أنتِ بتحبي حد؟هو أنت صاحبت قبل كده؟ صفات فتاة أحلامك أيه؟ بتحبني بنسبة كام في المية والحاجات الكليشية دي، بس عارفة ناقصنا حاجة عشان نكمل المشهد المبتذل ده."
"أيه هي بقى؟" سألت ميرال وقد كانت تنتظر منه أن يتحدث بجدية لكنه في المقابل قال الآتي:
"أزازة بيرة من الخضراء دي عشان نلفها."
"أنس please shut your mouth we ain't doing this bullshit 'من فضلك أغلق فمك نحن لن نفعل هذا الهراء'."
"خلاص أسف مش هفتح بوقي تاني، أصلًا محدش طايقني في القاعدة دي أنا هقوم أمشي ولا أقولك... هاتي التورتة نطفيها وهرميلك الهدية بتاعتك وهمشي."
"جبتلي هدية أيه؟ حاجة حلوة زيك كده؟"
"شوفتوا نبرتها اتحولت ازاي؟ عمومًا جبتلك هدية خلت حسابي في البنك ينزل نزله محترمة كده."
"طب فين الهدية؟ مش شايفة معاك حاجة."
"طب نغني الأول ونطفي الشمع وخلي هديتي آخر هدية فيهم كلهم ماشي؟"
أومئت أروى بحماس شديد وهي تطلب من النادل أن يحضر الكعكة من أجلهم، وبعد الغناء وإلتقاط بعض الصور منح ثلاثتهم الهدايا التي أحضروها من أجل أروى بينما انتظر أنس ليكون الأخير.
"يلا طفينا الشمع وهما وروني الهدايا بتاعتهم فين هديتك بقى؟"
"هوريهالك تعالي برا."
"برا ليه؟ جبتلها طيارة ولا أيه؟!" سألت أفنان بنبرة لا تخلو من السخرية ليُطالعها أنس بازدراء وهو يُجيبها مستنكرًا:
"طيارة!!! ليه هو أنا حرامي؟!"
"انس الساعة اللي في إيدك دي أصلية؟" سألته أفنان بخبث وهي تُضيق عيناها لتنتقل عين أنس إلى ساعة يده تلقائيًا قبل أن يُجيبها بغرور شديد:
"اه طبعًا أصلية، بس ليه؟"
"طب هي بكام؟"
"حوالي مية ألف جنية مصري ليه؟" سأل أنس بفضول وهو يقوم بضبط موضع الساعة حول معصم يده لتنظر نحوه أفنان بهدوء لثوانٍ قبل أن تصيح في وجهه مُردفة:
"يعني لابس ساعة بمية ألف يا مفتري وعايز تقنعني إنك مش حرامي! قولي ازاي يعني؟!"
"طب قبل ما تكلميني أنا عارفة البدلة اللي رحيم لابسها دي بكام؟ أو الجزمة مثلًا؟ بلاش كل ده... الساعة اللي هو لابسها، لكن صدقيني يا أفنان يا بنتي مش هي دي السعادة الحقيقية، أحنا اه لابسين لبس يخلينا نشتري بتمنة شقة هنا في المنطقة بس ده مش معناه إن حياتنا سعيدة."
"يااه حياة الأغنياء دي صعبة بشكل."
"ياستي هتبصلنا في حياتنا ليه؟! ما أنتِ شوية وهتبقي من الأغنياء معانا أنتِ وأختك."
"طب أنا هبقى غنية معاكوا عشان اتجوزت رحيم، ميرال نظامها أيه بقى؟" سألت أفنان بمراوغة وقد فهمت مقصد أنس من جملته تلك، حمحم أنس وهو يعتدل في جلسته ويقوم بتعديل ثيابه بثقة شديدة بينما يتمتم بالآتي:
"مش يمكن ربنا يكرمها بعريس كده يبقى غني... ابن حلال ومؤدب جدًا وبار بوالديه وعمر السيجارة ولا الكاس ما لمسوا إيده ومحترم... محترم أوي وجذاب جدًا كل البنات هتموت عليه... فيما عدا هي تقريبًا..."
"ممكن كفاية رغي ورخامة على بعض ونقوم نشوف الهدية بتاعتي؟"
"يلا." تمتم أنس وهو يستقيم ببطء لتجذب أروى ذراعه بقوة وهي تسحبه نحو الخارج بحماس شديد.
وكانت المفاجأة هي سيارة من أحدث طراز لهذا العام كانت باللون الأسود؛ لون أروى المفضل... منحها أنس المفتاح والذي قام بربط شريط من الستان باللون الأحمر أعلاه على هيئة 'فيونكة' لتهرول أروى نحوه وهي تضمه في عناق لطيف وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة من فرط الحماس والسعادة.
"عربية زيرو موديل السنة يا أنس؟!"
سأل رحيم ببعض الدهشة وهو يُبعد أنس عن أروى قليلًا، ليبتسم أنس ابتسامة صغيرة بينما مازالت عيناه تتابع شقيقته الوحيدة وهي تفحص السيارة بسعادة كبيرة بينما يُعلق على ما قاله رحيم قائلًا:
"اه عادي متغلاش على أروى حبيبتي."
"أكيد طبعًا متغلاش عليها بس أنتَ معاك فلوس كفاية عشان تجيب عربية زي دي؟"
"اه، أنا روحت للمحامي وبدأ في الإجراءات بتاعت نقل الملكية... أصلًا أروى عملتلي توكيل بصورة مؤقتة يعني لحد أما تحس إنها في حالة تسمحلها تمسك معايا إدارة المصنع والشركات."
"ربنا يوفقكوا أنا واثق فيكوا أنتوا الإتنين." قال رحيم وهو يضع يده على كتف أنس بلطف، قاطع المشهد صوت أروى وهي تصيح مُردفة:
"أنس تعالى معايا نجرب العربية."
"لا يا قطة استني بقى لما نسترجع السواقة مع بعض تاني عشان بقالك كتير مش بتسوقي بدل ما تجرحي العربية ده أنا دافع فيها دم قلبي! دم قلب فريد... مش مهم المهم في دم في الموضوع!"
مرت ساعة آخرى قبل أن يقرر الجميع العودة إلى المنزل، قام أنس بإيصال أفنان وميرال إلى منزلهم ثم قام بإيصال رحيم إلى منزله، كان اليوم غاية في اللطف بالنسبة إلى جميع وبالنسبة إلى ميرال تحديدًا فلقد شعرت في هذا اليوم أن هناك شيء في داخلها قد تحرك تجاه أنس وأن مشاعرها نحوه قد اتخذت منعطفًا خطرًا لم يخطر على بالها قط...
بعد مرور شهر ونصف بدأت التجهيزات الحقيقية في منزل أفنان ورحيم حيث بدأت أفنان في نقل بعض متعلقاتها الشخصية إلى المنزل وقد قام رحيم بوضع بعض الاثاث الذي ابتاعه في المكان المخصص له.
"أفي تعالي عايز أوريكي حاجة." قال رحيم وهو يسحبها نحو الطابق العلوي لتسأله أفنان بقلق:
"فوق؟"
"اه، في أوضتنا..." أجابها رحيم لتنظر نحوه أفنان بوجه مُصفر قبل أن تُخبره بأنها ستُعلم والديها أولًا.
"بابا ماما هطلع مع رحيم نشوف حاجة في الدور اللي فوق وهننزل على طول."
"ماشي بس متتأخروش."
"حاضر." تمتمت أفنان ومن ثم صعدت إلى رحيم مجددًا ليُخبرها الآتي:
"بصي هي خلاص تعتبر جهزت أصلًا ناقص بس نحط اللبس بتاعنا وال Make up 'مساحيق التجميل' وأي حاجة related 'متعلق' بيكي و... هو أنتِ متصنمة كده ليه؟ تعالي مش هخطفك ما مامتك وباباكي وميرال وأنس موجودين يعني."
أومئت أفنان مع ابتسامة صغيرة وصعدت إلى الطابق العلوي برفقته وهي تشعر بنبضات قلبها تزداد سرعة فهي لم تدلف إلى تلك الغرفة برفقة رحيم غير مرة واحدة تقريبًا حينما كان المكان فارغًا لكن الآن لقد وضع رحيم معظم الأثاث مما زادها توترًا... دلفت أفنان إلى الحجرة بأرجل مرتجفة لتفاجئ بمدى رُقي وفخامة الأثاث الذي ابتاعه رحيم.
"بسم الله ما شاء الله... الحاجة تحفة يا رحيم! أنا عارفة إننا كنا مختارين معظم الحاجة مع بعض بس شكلهم عالحقيقة أحلى كتير من الصور..."
"بصي هنا ال fitting room 'حجرة القياس/الثياب' عشان اللبس بتاعنا، وده ال Bathroom 'دورة المياه' بتاعنا برضوا... وممكن تبصي عال Balcony 'الشرفة' أنا مخطط إننا إن شاء الله نحط فيها نباتات كتير من اللي هي بتدي ريحة حلوة... نزرع Mints 'نعناع'؟"
"نزرع منزرعش ليه؟ ده أنتَ النعناع لحس مخك المفروض ينزل جدول بجد... المهم كل حاجة فوق الروعة بجد..."
"طيب عايز أوريكي حاجة كمان بس wait 'انتظري' غمضي عينك."
"ماشي بس من غير استعباط ها!"
"مفيش ثقة ابدًا؟"
سأل رحيم وهو يُقبل وجنة أفنان لتضربه في كتفه وهي تنتفض مبتعدة عنه، فتحت عيناها على الفور وكادت أن تعاود ضربه لكن لفت نظرها تلك الصورة الكبيرة نسبيًا المُعلقة على الحائط والتي كانت عبارة عن الصورة التي جمعت أفنان ورحيم في نهاية التدريب وقد وضعها رحيم في إطار فخم وقام بتعليقها على الحائط المقابل للفراش خاصتهم.
"دي حلوة أوي يا رحيم بجد... تحفة!"
"مبسوط أوي إنها عجبتك... عارفة كمان هنا هنحط صورة كمان بس هنحط صورة من صور الفرح إن شاء الله."
"ايوا إن شاء الله... تعالى ننزل تحت بقى عشان كمان نتفق مع بابا هنيجي نفرش الحاجة أمتى."
"تمام يا حبيبي."
بعد مرور أسبوعان وعلى حسب الإتفاق بدأت عملية نقل جميع الأغراض وما تبقى من الأجهزة نحو عش الزوجية خاصة أفنان ورحيم، وفي أحد الأيام اقترح أنس أن يساعد هو ورحيم الرجال في نقل الأجهزة.
"أنا مش فاهم بجد يا أنس أحنا ليه بنتعب نفسنا كده؟ ما ممكن نطلب ناس يعملوا كل ده بكل بساطة يعني." أردف رحيم بحنق وهو يحمل أحد الصناديق الكبيرة نسبيًا.
"يا ابني أنتَ! لازم تتعب في الحاجة وتتمرمط كده عشان تحس بقيمتها وبعدين ما نص الحاجة جت ومحدش فينا شال قشاية لازم بقى دلوقتي نتحرك كده ونسيب ذكريات حلوة في المكان ووقت التجهيزات."
"يعني عشان اسيب ذكرى حلوة يجيلي الغضروف وأروح الفرح على نقالة يعني؟"
"دمك بقى تقيل أوي خف قاعدة مع أفنان، ده لمصلحتك يعني."
"أخف قاعدة معاها اه حاضر... أنس أحنا فرحنا بعد عشر أيام تقريبًا، أنتَ معانا عالكوكب ولا في عالم موازي ولا أيه؟!"
"صح نسيت، مبدأيًا عيالكوا دول أنا اللي هربيهم مش هسيب البت السِمجة دي هي اللي تربي العيال دول هيطلعوا لسانهم طويل."
"لا وأنتَ ما شاء الله ونعم الأدب والأخلاق الصراحة، بقولك أيه أنتَ وأفنان خفوا كلام على بعض عشان بجد بدأت اتضايق والهزار كده بقى سخيف."
"ماشي خلاص متزعلش، ها قولي بقى كلمتها في اللي اتفقنا عليه؟"
"هو أيه اللي اتفقنا عليه؟"
"مش أنتَ قولتلي هتقول لأفنان إن أنا معجب بميرال وتسألها كده هل باباها ممكن يوافق ولا لا."
"ياربي... I am so sorry 'أنا أسف للغاية' أنا اتشغلت بتجهيزات الفرح ونسيت أقولها... Don't worry 'لا تقلق' هما جايين كمان يومين عشان ينقلوا حاجتها هنا لما أشوفها هتكلم معاها."
"ينقلوا حاجتها هنا؟ اسمها يجيبوا العزال يا حبيبي، ده بتبقى هيصة بقى وزغاريط وبتاع أنا لازم أجي وش عشان اتفرج."
"هو أحنا المفروض بنيجي؟"
"اه بنيجي بنشيل معاهم وكده، وهخلي أروى تيجي هتتبسط أوي هتقولك Wow oriental 'واو شرقي' وتقعد تندهش بقى وكده من الثقافة الشرقية والمصرية."
"متخيل بصراحة، عمتًا ماشي هعدي عليكوا بالعربية يومها ونيجي كلنا مع بعض."
أومئ أنس بسعادة وقد اتفق مع رحيم عالموعد المحدد حيث في ذلك اليوم ستنقل أفنان بعض الأغراض التي ابتاعها والدها ووالدتها من أجلها منذ زمن بعيد من قبل حتى أن يظهر رحيم في حياتها بالإضافة إلا نقل حقائب ثيابها وأدوات الطهي والأطباق خاصتها.
"ميرال معلش طلعي معايا الشنطة دي فوق... مريم بصي الكرتونة اللي مكتوب عليها احذر دي جواها الكاسات والكوبايات حسبي تقع منك..."
كانت أفنان تطلب منهم مساعدتها وتُخبرهم بمحتوى كل حقيبة وكل صندوق، وبينما كانت تفعل ذلك جاءها صوت عمتها وهي تُردف بصوتٍ منخفض:
"خدوا بالكوا يا حبايبي وأنتوا بتفرشوا الحاجة لحاجة تتكسر كده ولا كده أفنان تعمل مشكلة ولا تقولك حسدناها."
"عيب الكلام ده والله يا عمتو، فداكوا أي حاجة كده كده في أي فرش لازم في حاجات بتتكسر وحاجات بتضيع ده عادي يعني."
"كلك ذوق يا بنت أخويا، بس ما هو برضوا الحسد مذكور في القرآن."
"مش معترضة أكيد، بس مش كل حاجة هتحصل هنقول حسد ما يمكن الحاجة مش متقفلة كويس أو وقعت من إيد حد فينا غصب عنه مش مشكلة يعني المهم محدش يتعور."
قامت أفنان بإيجاد الرد المناسب على ما قالته عمتها، بينما طالعتها مريم بعدم اقتناع قبل أن تُعلق بالآتي بنبرة ساخرة:
"بتقولي كده وأنتِ لما فردة شراب تضيع بتعملي مناحة عليها يا أوفر."
"دي حقيقة فعلًا، بس مش معقول تكونوا جايين من بيتكوا وسايبين كل حاجة وراكوا وجايين تهيصوا وتفرشوا معايا وهتخانق عشان طبق اتخدش ولا فنجان اتكسر ده حتى عيب يعني."
"اه طبعًا ما تلاقي سي رحيم هو اللي جايب الحاجة وهيجبلك غيرهم على طول، ربنا يزيد ويبارك يعني."
"لا يا عمتو، كل الحاجات اللي جت النهاردة دي من فلوس وتعب أبويا وميرال كمان عشان في كام حاجة اشترتهم هي من مرتبها ورحيم محطش جنية واحد فيهم... في حاجات ماما كانت مشترياها ليا أنا وميرال من زمان من قبل ما يبقى في رحيم أصلًا في حياتي."
تحدثت أفنان بنبرة لا تخلو من الحدة ولكنها حاولت الحفاظ على أدبها وذوقها بقدر الإمكان وفي تلك الأثناء لم تنتبه هي لذلك الذي يقف من بعيد ويستمع إلى حديثها بسعادة عارمة وفخر شديد فأخيرًا لقد تدربت أفنان على السيطرة على غضبها وإنفعالاتها ولقد أدركت أن بإمكانها الدفاع عن وجهة نظرها دون المساس بإحترام الآخرين أو كرامتهم، حمحم رحيم قبل أن يُردف بنبرة ودودة دون أن يخطو خطوة واحدة نحو الداخل:
"مساء الخير... ممكن أدخل؟"
"ثواني يا رحيم... لو حد خالع رأسه يغطيها... خلاص تعالى يا رحيم."
تمتمت أفنان وانتظرت من جميعهم أن يضعوا الحجاب على رؤوسهم وقد فعلت المثل قبل أن تسمح له بالدخول، وبالرغم من أنه لا مشكلة الآن أن تجلس أمامه بدون وشاح الرأس خاصتها لأنهم قاموا بعقد القران بالفعل إلا أنها فضلت أن تفعل ذلك بعد الزفاف كي يكون للأمر رونقًا خاص.
"تسلم ايديكوا معلش أنا وأفنان تعبناكوا معانا."
"لا يا حبيبي مفيش تعب ولا حاجة." قالت والدة أفنان بنبرة لطيفة وهي تقوم بوضع الكؤوس الزجاجية في المكان المخصص لها.
"طيب أنا جبت الغداء معايا أنتوا أكيد مرهقين جدًا... اتفضلوا في الجنينة نتغدى كلنا مع بعض."
عرض رحيم عليهم بلطف شديد ليوافقه الجميع على الفور فلقد كانوا يتضورون جوعًا نتيجة المجهود الكبير المبذول، توجهت أفنان نحو الخارج أولًا لتجد أن رحيم قد طلب منهم إعداد الطاولة وقد قام بإحضار أصناف عدة من الطعام وبكميات وفيرة تكفي الجميع وقد تفيض، طالعته أفنان بإمتنان شديد وحب وهي تسأل نفسها ماذا فعلت كي يُكافئها الله برجلًا بهذا اللطف والكرم؟
فهو فقط لا يكتفي بسكب جرعات الحب والإعتناء عليها فقط بل يفيض على سائر العائلة وكل شخص تُحبه أو تفضله أفنان.
"أفي ممكن لو خلصتي أكل تيجي ثواني؟" طلب منها رحيم حينما لاحظ أنها على وشك الإنتهاء من تناول طعامها.
"حاضر يا حبيبي ثواني."
تمتمت أفنان بتلقائية شديدة ولم تدرك أنها استخدمت لفظة 'حبيبي' إلا عندما وجدت الجميع يحدق بها، حمحمت هي بحرج واستقامت من مقعدها على الفور وهي تحمد الله بداخلها أن والدها لم يسمعها فابالرغم من كون رحيم زوجها شرعًا إلا أنها تخشى على مشاعر والدها وتحترمه.
"أفي بصي أنا عايز اتكلم معاكي في موضوع."
"خير يا حبيبي إن شاء الله."
"طيب هقولك بس مش عايز عصبية ولا تعليقات تضايق عشان الموضوع ليه علاقة بأنس وحاجة بجد مش هزار."
تحدث رحيم بنبرة جادة لتعقد أفنان حاجبيها وقد شعرت بالقلق يتسرب إلى داخل قلبها، أمسكت بيد رحيم بلطف وهي تسأله بإضطراب:
"قلقتني يا رحيم خير في أيه؟"
"أنس معجب بميرال..."
"عايز يصيع مع أختي الواد الصايع ده؟ قوله أحنا بنتنا متربية و..." كادت أفنان أن تبدأ في موشح لسب أنس ووضع سيناريوهات درامية خيالية لكن رحيم لم يمنحها الفرصة حيث قاطع حديثها قائلًا جملة واحدة صريحة وحازمة:
"عايز يكلم باباكي ويتقدملها."
"أيه؟! أنس؟ أنس عايز يتقدم رسمي؟ لا ثواني... أنس مين؟ أنس بتاعنا؟!" سألت أفنان عدة مرات متتالية وبكلمات متكررة ليقهقه رحيم بقوة قبل أن يؤكد على ما قاله في السابق مُردفًا:
"اه، شوفتي بقى إنك دايمًا بتستعجلي؟ بصي أنس عنده استعداد إنه يحكي لباباكي على كل حاجة وهيبقى صريح جدًا معاه وأنس كمان خلاص إتعالج من المشاكل اللي كان مسببها علاقته بباباه الله يرحمه ومامته وهو شاطر جدًا في شغله وحقيقي بيحب ميرال."
"مش عارفة... يعني مش عارفة بابا هيوافق ولا لا بس أظن لو بابا عرف كل حاجة وحس إن أنس عايزها في الحلال بجد ممكن يوافق... هو أصلًا بابا بيحب أنس وبيستجدعه جدًا خاصة بعد موضوع شغل ميرال ده وواقفته جنبك وجنبنا في تجهيز البيت والحاجة."
"خلاص يبقى بعد ما نرجع من ال Honeymoon 'شهر العسل' هاجي أنا وبابي وأنس عشان نتكلم مع Uncle أحمد."
"تمام اتفقنا، وأنا هحاول يعني أقنع بابا إنه انسان كويس، أينعم هو بالنسبالي صديق سوء وعيل سخيف بس جدع وبيوقف جنبك واحترم نفسه الفترة الأخيرة."
"ربنا يخليكي ليا يا أفي بجد، لو عرفتي تقنعيه فعلًا هجبلك هدية كبيرة أوي وجميلة زيك كده."
"ولو معرفتش؟ مش هتجبلي هدية يعني؟"
سألته أفنان بتدلل ومراوغة وهي تعلم الإجابة عن سؤالها بالفعل لكنها أرادت أن تسمع إجابته وقد كانت كما توقعت هي:
"لا طبعًا، هجبلك هدية أحلى منها بتهزري ولا أيه؟ أنتِ بس شاوري عالحاجة اللي تعجبك وأنا اجبهالك In a blink of an eyee 'في غمضة عين' أنا عندي كام أفي يعني؟"
"ربنا يخليك ليا يا رحيم ونفضل دايمًا بنحب ونحترم بعض طول العمر، عارف أنا مدركة إن حياتنا مش هتبقى سهلة عشان الإختلاف الكبير اللي بينا ولأن الجواز نفسه صعب بس أنا مستعدة ابذل كل طاقتي عشان نتفاهم وعشان نبقى مبسوطين ومستعدة إن أنا أضحي بحاجات لأن أنتَ كمان بتضحي كتير عشاني."
"أنتِ عارفة يا أفنان أنا عيشت طول حياتي عندي كل حاجة بحلم بيها وقبل ما أحلم بحاجة ولا أتمناها كانت عائلتي بتوفرها عشاني لكن دايمًا كان في حاجة ناقصة... كان قلبي مش حاسس بمعنى السعادة الحقيقية... مكنتش حاسس بمعنى الدفء والحب والإهتمام، مكنتش لاقي حد يحبني بدون مقابل... يحبني زي ما أنا... لكن لما قابلتك يا أفي كل ده اتغير ولاقيت الجزء اللي كان ضايع مني لما لاقيتك وحبيتك.."
"أنا بجد مش لاقيه رد عالكلام الحلو ده... مش عارفة هل في رد ممكن يكون مناسب أصلًا ولا لا... انا معنديش حاجة أقولها غير الحمدلله... الحمدلله إن ربنا رزقني بيك وعوضني بيك عن أي حاجة وحشة شوفتها في حياتي و..."
قاطع الحوار اللطيف الذي كان يدور بينهم صوت رنين هاتفها، أخرجت أفنان الهاتف من أحد جيوبها لكنها لم تنظر نحو اسم المتصل فلقد كانت منشغلة في تأمل لون أعين رحيم في أشعة الشمس، لاحظ رحيم ما يحدث ليقهقه بقوة قبل أن يقول ببطء شديد وهو يحاول إخفاء ابتسامته:
"أفي... تليفونك بيرن... مامي."
"ثواني معلش." استأذنت أفنان منه وذهبت لتُجيب على الهاتف ثم عادت بعد بضع دقائق.
"في حاجة ولا أيه؟"
"لا، طنط كانت بتكلمني عشان البروڤة بتاعت الفستان ما أنتَ عارف إنها صممت إنها تبقى معايا وأنا بختار لا وكمان صممت إنه يتفصل عشاني مخصوص ومشتريش حاجة جاهزة."
"أنا عارف إن الموضوع غريب شوية وإن هي بتدخل في تفاصيل كتير...بس..." حاول رحيم أن يجد الكلمات المناسبة لكنه لم يستطع فتلك زوجته وتلك والدته وهو في المنتصف بينهما وكل ما يمكنه فعله هو الدعاء بأن يستطيع الإثنين التفاهم.
"عادي يعني لحد دلوقتي هي بتدخل في حاجات أو بتقترح حاجات أنا معنديش مشكلة في مشاركتها يعني... المهم متشغلش بالك أنا وهي هنعرف نتفاهم مع بعض."
"ربنا يستر... صحيح مش ناوية برضوا تخليني أشوف ال design 'التصميم' بتاع الفستان؟"
"لا طبعًا مينفعش، هتشوفوا يوم الفرح إن شاء الله وكده كده أنا محجبة يعني الفستان مش هيبقى مفتوح مثلًا ولا شفاف ولا أي حاجة."
"أنا واثق من كده... I just can't wait for our weeding day 'أنا فقط لا يسعني الإنتظار ليوم زفافنا'."
أردف رحيم بنبرة هادئة تحوي في طياتها مخزونًا من العشق والهيام، طالعته أفنان لثوانٍ لتتعانق عيناه الخضراء مع البنية خاصتها ومن ثم فصلت أفنان التواصل البصري وهي تحمحم بخجل قبل أن تتركه واقفًا وحيدًا وهي تقول أثناء رحيلها:
"أنا كمان على فكرة."
تبسم رحيم على ما قالته وعلى ردة فعلها بشكل عام بينما وقف يتأمل خطواتها وهي تبتعد عنه ومن داخله يدعو الله أن تمر الأيام سريعًا كي يحين موعد زفافهم لتقترب هي منه مجددًا... تقترب للدرجة التي لا تترك مجال للفراق أو الرحيل، حينما يحين ذلك اليوم ستصبح خاصته ولكي يصبح قلبه وعقله ملكًا لها لليوم الأخير في حياة كلًا منهما...
____________________________________
(تذكره: اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق، والأعمال والأهواء.)
صباح الفل بما إن الساعة عدت ١٢.♥️ الفصل ده اطول فصل في الرواية وأطول فصل كتبته عمومًا بالضبط ٨٠٠٧ كلمة من غير الزيادات اللي في الآخر، الفصل ده الفصل القبل الأخير يعني الفصل اللي جاي هو نهاية الرواية بإذن الله ونهاية رحلتنا مع أفنان ورحيم وأنس وميرال والعائلة الكريمة.♥️
أتمنى إن الفصل يكون عجبكوا + بحبكوا.♥️
الفصل الثامن والأربعون والأخير: إلَى مَا لانِهايَة ✨🦋🤎
قبل الزفاف بسبعة أيام بالضبط، يركض رحيم داخل طرقات أحد المستشفيات الخاصة وهو يبحث عن رقم الحجرة التي أخبرته بها موظفة الإستقبال أو يبحث عن زوجته الحبيبة مرت دقيقتين من البحث قبل أن يجدها تستند على الحائط تنهمر دموعها بغزارة بينما كانت شاردة تمامًا.
"خير يا أفي أيه اللي حصل؟" سأل رحيم لتنتفض أفنان من موضعها وتُطالعه لثوانٍ وكأنها تستوعب ما يحدث وما يقوله قبل أن تُجيبه من وسط دموعها:
"بابا يا رحيم... بابا تعبان أوي."
"أيه اللي حصل فهميني طيب؟ الدكتور قال أيه؟"
"معرفش... معرفش حاجة غير إنه ضغطه علي فجاءة... أتخانق مع تيتا وعمتو عالورث تاني وموضوع المحل وفي الآخر وتعب وجابوه على هنا ومش فاهمين حاجة..."
حاولت أفنان التفسير من وسط دموعها ليحتضنها رحيم في محاولة لتهدئتها وأثناء ذلك لمح رحيم أنس يتجول في الردهة وحينما رأى رحيم أشار نحوه واقترب إليه.
"خلاص أهدي مفيش حاجة... أنس روح حاول تفهم حاجة من الدكتور طيب."
"حاضر." تمتم أنس وهو يعود أدراجه بحثًا عن الطبيب المسئول ليعود بعد بضع دقائق ليسأله رحيم:
"قالك أيه؟" لم يُجيبه أنس بل أشار إليه أن يبتعد عن أفنان ويقترب منه في منتصف الردهة كي لا تسمع أفنان ما سيقوله.
"حماك ناوي يفرفر قبل الفرح... يادي النيلة ده أنا لسه مفتحتوش في حواري أنا وميرال... يا ميلة بختك يا أنس... ملحقتش تتهنى يا أنس..."
"يا ابني بطل ندب بقى وقولي الدكتور قال أيه!" تمتم رحيم بنفاذ صبر ليأخذ أنس نفسًا عميق قبل أن يسرد ما قاله الطبيب دفعة واحدة دون فاصل:
"الضغط، زيي يعني لا بهزر طبعًا وضعه أخطر شوية عشان السن وكده المفروض يبعد عن أي حاجة تعصبه وأي ضغط وكمان يلتزم بالأدوية طبعًا والحمدلله أنه اتلحق في الوقت المناسب بدل ما كانت حالته تسوء ونطلعها رخصة وكده هه"
"يا ابني أتكلم جد مرة في حياتك بقى هو الوضع مستحمل هزار واستظراف؟"
"خلاص أسف يعم الحق عليا بحاول افرفشك بدل ما تزعل وتقع مننا أنتَ كمان!"
"بص أنا كل اللي عايزه منك أنك تخرس خالص ممكن؟ وبعدين لحظة واحدة أنتَ أيه اللي جابك هنا من الأساس؟"
"بتهزر ولا أيه؟ أنا تخصص نقل العيانيين في العيلة دي، لما عمو وقع وكده ميرال كلمتني قالتلي سي أنس ألحقنا يا سي أنس وأنا روحتلهم طيارة طبعًا عشان أنا شهم جدًا."
"طيب يا عم البطل شكرًا مع إن ميرال كان أسهلها تطلب عربية بال Appp بس يلا حظك!"
"أعوذ بالله! يا ناس يا شر كفاية قر... هوب هوب إلحق مراتك رايحة تتخانق!"
كان أنس يتحدث بسخريته المعتادة ولكن سرعان ما تحولت نبرته فور رؤيته لأفنان التي استقامت من مقعدها بأعين مشتعلة من الغضب وهي تتجه بحركة سريعة نحو امرأة في منتصف الأمر والآخرى متقدمة في العمر والذي لم يعرف أنس هويتهم لكنه كان على ثقة بأن أفنان على وشك الإنقضاض عليهم كما ينقض الأسد على فريسته.
"أنتوا أيه اللي جابكوا هنا؟ أنا قولت مش عايزة أشوف وشكوا ابعدوا عن أبويا وسيبونا في حالنا بقى مش كفاية اللي حصله بسببكوا!"
"أفنان أهدي من فضلك، أنا أسف يا جماعة هي مش قصدها..."
تمتم رحيم وهو يحاول أن يجعل أفنان تهدأ قليلًا وهو يُحاول أن يضمها بلطف لكنها دفعته بعيدًا عنها وهي تصيح في وجههم بنبرة صارمة وحادة:
"لا قصدي ومش عايزة أشوف وش حد فيكوا في الفرح ولو جيتوا أنا هطردكوا بنفسي!"
ارتسمت معالم الصدمة والدهشة على وجه عمتها وجدتها فهم كانوا قد توقعوا ردة فعل أفنان لكن لم يتوقعوا أن تكون بهذه الحدة والقسوة، رمقتهم أفنان بإحتقار قبل أن تُردف جملتها الأخيرة:
"لو أبويا جراله حاجة أنا عمري ما هسامحكوا!"
تركتهم أفنان وذهبت لتجلس بعيدًا عنهم، ودعهم رحيم وهو يعتذر مجددًا قبل أن يذهب للجلوس إلى جانب أفنان والتي قامت بتغطية وجهها بكلتا يديها بينما تنهمر دموعها بغزارة وهي تحاول كتم شهقاتها، ضمها رحيم إلى صدره بحنان وهو يحاول طمئنتها قائلًا التالي:
"أفي حبيبي، الدكتور طمنا باباكي هيبقى كويس إن شاء الله متقلقيش..."
"دي مش أول مرة يتعب جامد بسببهم... وأبويا بيكبر يا رحيم وشايل الهم بسببهم من ساعة ما جدو أتوفى واخدين ورثة ومخلينه يشتغل في المحل بتاعه غير شغله الحكومي ومش عايزين يخلوه ياخد تمن تعبه متخيل؟"
"لا حول ولا قوة إلا بالله... أنا مش عارف أقول أيه... I am so sorryy 'أنا أسف للغاية'."
"أنا خايفة أوي على بابا يا رحيم مش كل مرة الموضوع هيعدي على خير... أنا مش هقدر أعيش من غيره يا رحيم مش هقدر أشوفه تعبان..."
"إن شاء الله هيبقى كويس متقلقيش، أحنا هنهتم بيه وهنفضل جنبه لحد أما يتحسن ويبقى زي الفل عشان الفرح كمان بإذن الله."
"يارب يا رحيم... أنا هقوم أشوفه." أردفت بوهن وهي تُبعد ذراع رحيم عنها بلطف ومن ثم تستقيم من مقعدها وتتجه نحو غرفة والدها والذي قد استيقظ بالفعل.
كانت ميرال تجلس إلى يمين والدها على الأريكة ووالدتها تجلس على يساره إلى جانبه على الفراش، بمجرد أن رأت أفنان والدها انهمرت دموعها أكثر قبل أن تطلب منهم أن يتركوها وحدها مع والدها لبعض الوقت، نفذت شقيقتها ووالدتها طلبها، جثت أفنان على ركبتيها وهي تُمسك بيد والدها بحنان بينما تُردف من وسط دموعها:
"بابا حبيبي أنا جنبك أهو متقلقش... أحنا كلنا جنبك يا حبيبي وأنتَ هتبقى زي الفل."
"أنا كويس يا حبيبتي... متقلقيش عليا... هما شوية تعب صغيرين كده..."
"متتعبش نفسك بالكلام يا حبيبي، أصلًا الدكتور طمنا وقال هتبقى زي الفل وهنقدر نروح بكرة إن شاء الله."
"طيب يا حبيبتي قومي روحي أنتِ وميرال عشان الوقت اتأخر ورانيا هتبات معايا هنا... مينفعش اعطلك في الأيام دي خالص..."
"تولع أي حاجة في الدنيا يا بابا المهم أنتَ، أنا هخليني جنبك مش هسيبك."
"يا حبيبتي مش قادر عالمناهدة اسمعي الكلام، خدي أختك وروحي وإن شاء الله عقبال ما تصحوا الصبح هكون جيت أنا ورانيا."
أومئت أفنان بإستسلام فهي لا تريد أن تُكثر من الجدال خاصة في حالة والدها تلك، وبالفعل عادت أفنان إلى المنزل برفقة ميرال وجلسوا في انتظار قدوم المندوب الذي سيرسل إليهم الفستان خاصة أفنان ولربما عن طريق المصادفة ألتقى بالمندوب الذي سيرسل الفستان خاصة ميرال والذي تعهد رحيم دفع ثمنه هو وثوب والدتها وبذلة والدها.
بالفعل عارض الجميع عرض رحيم ذلك لكنهم اضطروا إلى الموافقة بعد الإلحاح الشديد من والد رحيم وقد وافق الجميع ولكن بعد أن وضعت أفنان شرطًا لذلك الأمر وهو أن يختار كلًا منهم الثوب لنفسه أي لن يفرض رحيم أو عائلته لون أو تصميم الثوب يكفي أنه سيكون من أحد المتاجر الشهيرة.
"أفنان تعالي بسرعة الفستان وصل!" صاحت ميرال من الخارج لتهرول نحو أفنان فتجدها تقف وهي مرتدية 'إسدال' الصلاة وتحمل في يدها صندوق ضخم يكاد يسقط من يدها بسبب ثِقله، أخذته منها أفنان على الفور ومن ثم اتجهت إلى حجرتها على الفور بحماس شديد.
"بصي يا ميرال حلو ازاي؟ تحفة بجد! كان نفسي بابا يفتحه معايا..."
"متزعليش يا حبيبتي هو بكرة إن شاء الله هيوصل البيت بالسلامة ونقيس أنا وأنتِ الفساتين عشان يشوفها علينا."
ابتسمت أفنان بإنكسار وهي تضع الثوب على السرير خاصتها، ظلت أفنان مستيقظة طوال الليل تُراسل رحيم بين الحين والآخر وبعد انتهاء محادثتها مع رحيم أخذت تبكي تارة وتتأمل سقف حجرتها في سكينة تارة آخرى...
بعد معاناة شديدة مع الآرق استطاعت أن تنام مع مطلع الشمس ولم يمر غير بضع ساعات قبل أن تستيقظ على صوت باب المنزل لتنتفض من سريرها مهرولة نحو الخارج لكي تستقبل والدها، ضمته أفنان في عناقٍ لطيف قبل أن تنحني قليلًا لتُقبل يد والدها.
"نورت البيت يا حبيبي، بجد البيت كان وحش أوي من غيرك أنتَ وماما... مكنتش عارفة أنام..."
"أومال هتعملي أيه بقى لما تبقي بتباتي في بيتك الجديد كمان كام يوم؟"
"والله مش عارفة يا ماما بحاول مفكرش في الموضوع ده بدل ما تلاقيني مروحة معاكوا بعد الفرح أساسًا."
"أنا موافق، مش قادر اتخيل بصراحة إن بعد واحد أكتر من عشرين سنة عايشة في حضني فجاءة كده هتسيبيني وتروحي بيت تاني."
"يا بابا بلاش الكلام ده بجد عشان أنا تكة وهعيط وبجد ممكن ألغي الفرح عادي عشان خاطرك." تمتمت أفنان بنبرة درامية حزينة لترمقها والدتها بإزدراء قبل أن تقول ساخرة:
"بعد إذن المشاعر المُرهفة يعني هو مش أنتوا كاتبين الكتاب ولا أنا بقى يجيلي تهيؤات؟"
"اه صح، طب خلاص نجيب رحيم يعيش معانا نأجرله الكنبة دي بألف جنية في الشهر."
"مش كتير شوية؟"
"لا ما هو هياخد الكنبة بالفطار ده غير إن يا ماما مرتبة كبير بقى فهنصب عليه."
"ما شاء الله عالتربية، أنا مش عارفة وأنا بربي ميرال أنتِ كنتِ فين بصراحة."
"بتجيبوا في سيرتي ليه؟ صباح الفل يا حبايبي وحمدلله عالسلامة."
"الله يسلمك، يلا نفطر بقى عشان تروحوا تشوفوا بيتك يا أفنان لو ناقص حاجة عايزة تتضبط فيه تفرشي المكياج بتاعك تضبطي حاجتك في الدولاب كده يعني."
"حاضر يا ماما، تعالي يا ست أفنان نحضر الفطار سوا ولا هتخلعي زي كل مرة؟"
"لا هاجي يا ستي ما كلها كام يوم وهسيبكوا تحضروا الفطار براحتكوا وهبقى بفطر أنا مع رحيم قرة عيني."
أخذت أفنان وميرال يُمازحون بعضهم البعض بينما غمر صوت ضحكاتهم المنزل، ابتسم أحمد كرد فعل على ما تفعله ابنتيه قبل أن يُردف لزوجته:
"الحمدلله على نعمة البيت ونعمة صوت البنات ونعمة إننا مع بعض ومش ناقصين حد."
"الحمدلله يا حبيبي، ربنا يخليك لينا ويباركلنا في عمرك... عارف يا أحمد عايزة أقولك حاجة بس من غير ما تتريق عليا."
"أنا عمري عملت كده؟"
"بصراحة لا، المهم... حاسة إن البت ميرال ربنا هيكرمها ورا أفنان على طول... حاسة إن فرحتها وعوضها هي كمان هيكون قريب إن شاء الله..."
"يارب يا رانيا... أنا كل لما افتكر اللي حصل قلبي بيوجعني عليها أوي بس صدقيني العوض لما بيجي بيكون أضعاف أضعاف الحزن اللي الواحد عاشه وهي إن شاء الله ربنا هيعوضها..."
لا تدرِ أفنان كيف مرت الأيام بتلك السرعة ولكنها بدون مقدمات وجدت نفسها تجلس الكرسي الدوار داخل جناح فاخر داخل الفندق حيث سيقام الزفاف، تقوم أخصائية التجميل بوضع مساحيق التجميل على وجهها وفتاة آخرى تقوم بضبط وشاح الرأس من أجلها ووضع التاج بينما في الخلفية تقف ميرال، مريم، أروى واثنتين من صديقات أفنان بينما يقومون بالرقص على أنغام الأغنيات بينما يستعدون هما ايضًا من أجل الزفاف الذي بقي عليه ثلاثة ساعات فقط.
"أحلى حاجة إن كل حاجة هنا في مكان واحد يعني رحيم مش هيتأخر بقى عقبال ما يجيبك من الكوافير والجو القديم ده."
"بصراحة اه بس ربنا يستر ومنتأخرش عشان رحيم محنتف ممكن يقعد ساعتين بيضبط في شعره مثلًا أو الجرافتة مش مضبوطه كده يعني."
"متقلقيش أنس هيستعجله." تمتمت أروى وهي تضحك لتبتسم لها أفنان ويسود الصمت لبعض الوقت قبل أن تقطعه أفنان وهي تقول لميرال:
"بقولك أيه عشان تبقي عاملة حسابك أنا لو لمحت عمتك ولا تيتا في الفرح هسيب الكوشة وهنزل انط في كرشهم! هو بابا معزمهمش صح؟"
"معرفش..."
"ميرال أنتِ بتكدبي؟"
"بصي اللي أعرفه إن بابا بعتلهم كرت دعوة بس معرفش بقى هما هيجوا ولا لا."
"برضوا بابا عمل اللي في دماغه!"
"أنتِ عندك حق تضايقي وهو برضوا ليه حق يعزم مامته وأخته مش هيعزمهم ازاي يعني؟ مينفعش حتى لو هما أسوء ناس في الدنيا!"
"خلاص Change the subject girls 'قوموا بتغير الموضوع يا فتيات' مفيش داعي أفنان تضايق في يوم زي ده!"
"صح فعلًا عندك حق، يلا بقى خلصي عشان الفوتجرافر تلحق تاخدلنا كام صورة هنا قبل ما تنزلي تحت مع رحيم."
"حاضر." تمتمت أفنان بحماس جزئي وقد ابتسمت لفكرة أن رحيم قد عقد اتفاق مع مصورة فتاة لأنه لن يسمح برجلًا غريب أن يدلف إلى الجناح الخاص بها.
في تمام الساعة الخامسة كانت أفنان تقف في زاوية الحجرة في انتظار رحيم ليدلف إلا الحجرة ليقوموا بتصوير اللحظات الأولى حينما يراها أو بما يُسمى حديثًا ب 'ال First look'.
بمجرد أن خطى رحيم خطوته الأولى نحو الداخل أقتحمت رائحة عطره المُحببة أنف أفنان لتبتسم تلقائيًا، إنهالت الزغاريد من الفتيات من حولها ووالدتها وخالتها التي صعدت حديثًا إلى الحجرة، أقترب رحيم نحو أفنان في خطوات متوترة وكأنها المرة الأولى التي يراها فيها شعور اللهفة ذاته، القلق، الإنجذاب ونبضات القلب المتسارعة...
"أفي... هنعمل جو suspense 'تشويق' وكده؟" سأل رحيم وهو يقهقه بتوتر واضح لتضحك أفنان في المقابل بينما كلما حاول رحيم أن يتحرك بحيث يكون مقابل لها تتحرك نحو الجانب الآخر.
"وبعدين بقى؟" سأل رحيم بمراوغة وهو يسحبها نحوه لتتعثر بسبب ثوبها الطويل وتسقط بين ذراعيه لتصفق أروى بحماس شديد وهي تضحك.
أشاحت أفنان بنظرها بعيدًا عن رحيم بخجل ليُمسك هو بذقنها برقة ليرفع وجهها ليكون مقابلًا لخاصته قبل أن يبتعد عنها قليلًا فاصلًا العناق ليسعه تأملها بصورة أفضل، استغرق دقيقة كاملة تقريبًا وهو يتأمل وجهها البشوش وابتسامتها الناعمة اللطيفة، وتلك الحفرة في وجنتها التي زادتها جمالًا...
بشرتها التي تميل إلى الشحوب والتي كستها طبقة ليسا بثقيلة من مساحيق التجميل وغطاء الرأس المُزين من الأعلى بتاجٍ يليق بها فهي بالفعل ملكة، أمسك رحيم بيدها ليُقبلها برقة بينما أمتلئت عيناه بالدموع دون إرادة منه ليحدث الشيء ذاته معها... يقترب منها رحيم ويحني رأسه قليلًا ليُقبل جبينها ثم يضمها في عناقًا لطيف تنهمر فيه دموعها.
"أنا مش مصدقة إن اليوم ده جيه..."
"أحبكِ بشدة 'I love you so much' أفي"
بعد عشرة دقائق تقريبًا كان الجميع غادر الحجرة وقد اتجهوا إلى المكان حيث ستتم جلسة التصوير الخاصة بأفنان ورحيم والتي استمرت لوقت لا بأس به قبل أن تنتهي الجلسة ويحين موعد الزفاف في السابعة مساءًا وكعادة كل الأزواج لقد تأخر أفنان ورحيم لمدة نصف ساعة تقريبًا عن الموعد المحدد.
في مدخل الردهة التي تنتهي بها قاعة الزفاف تتشبث أفنان بذراع والدها بقوة وهي تخطو خطوتها الأولى نحو جهة قاعة الزفاف، آلات التصوير موجهة نحوها والجميع قد إلتفوا من حولها مما زاد من توترها، انتقل شعورها لوالدها على الفور ليضع يده فوق يدها مطمئنًا إياها وهو يتذكر اليوم الأول لها في الروضة حيث كانت خائفة بالصورة ذاتها وقد قبل رأسها في ذلك اليوم وقادها بحنان نحو الفصل الدراسي خاصتها واليوم ايضًا سيُقبل رأسها لكن هذه المرة هو يقودها نحو حياتها الجديدة، نحو عُش الزوجية ونحو الشاب الذي أحبه قلبها وقد وجد فيه والدها الشخص الصالح لإبنته.
ينتظر رحيم بالقرب من مدخل القاعة الواسعة ذات اللون الذهبي الفاخر، يقوم بضبط بذلته وقد كانت ابتسامته من الأذن للأذن، أخذ نفسًا عميق وقد شعر بحرارة في عيناه مُتسببه في لامعة وبريق واضح، أقترب والد أفنان منه بخطوات بطيئة بينما غلف المكان من حولها صوت الزغاريد ومن ثم صوت العازفين لتبدأ 'الزفة' بمجرد أن يتناول رحيم ذراع أفنان بين خاصته بدلًا من والدها.
قبل رحيم رأسها قبل أن يُمسك بكلتا يديها ويُقبلهما بعفوية وحنان شديد دون أن يهتم لمن حولهم ومن يلتقط لهم الصور فمنذ أن وقعت عيناه عليها وهو يشعر بأن العالم من حوله قد اندثر، لا وجود للبشر، لا وجود للجماد، لا وجود لأي شيء فلا شيء يراه وينبض قلبه من أجله سواها هي، هي وحدها...
دنى رحيم من أفنان قليلًا نظرًا لفارق الطول بينهما واقترب من أذنها وهو يقول الآتي بصوت مرتفع نسبيًا كي تستطيع سماعه وسط الصخب:
"عارفة يا أفي حتى في أجمل أحلامي عمري ما كنت هتخيل إن أنا أتجوز واحدة بالجمال ده، مش قصدي جمال الشكل جمال الروح، جمال الشكل بيختلف من شخص للتاني وبدرجات متفاوتة لكن جمال الروح غير وأنا عمري ما هلاقي حد روحه جميلة زيك."
"بحبك، بحبك أكتر من أي حاجة في الدنيا دي، وعلى فكرة أنا مسمعتش نص الجملة بتاعتك بسبب الدوشة."
تمتمت أفنان برومانسية في بداية حديثها ومن ثم ختمت جملته بالسخرية وهي تضحك قبل أن تفصل ذراعها عن رحيم وتقف في الإتجاه المُقابل له لتُمسك بيده ليبدأ كلاهما في الرقص وبعد دقيقة ينضم إليهم أنس وميرال ومن ثم يتبعهم بعض أفراد العائلة والأصدقاء لترتسم الإبتسامات الواسعة على ثغر الجميع وسط صوت الطبول والزغاريد.
بعد بضع دقائق دلف الجميع إلى داخل القاعة على أنغام أحدى الأغنيات الشهيرة، ومن ثم تبعها صوت أغنية رومانسية ليبدأ رحيم وأفنان في رقص رقصتهم الأولى معًا.
وضع رحيم يده على خصر أفنان بينما وضعت هي كلتا يديها على كتفه بخجل بينما تبتسم ابتسامة واسعة بينما انهمرت عليها كلمات الغزل من رحيم.
"طنط إيڤيلين شكلها حلو أوي النهاردة ما شاء الله، والحج أبوك برضوا قمر بسم الله ما شاء الله عايزة أقولك من يوم الخطوبة وصحابي كلهم عايزين يخطبوه!" تمتمت أفنان بصوت مرتفع نسبيًا ولكنه كان بالكاد مسموع بالنسبة لرحيم.
"أنتِ بتقولي أيه بجد؟" سألها رحيم وهو يضحك بقوة قبل أن يُضيف:
"صحابك محتاجين يتعالجوا بجد... Daddy issues دي ولا أيه؟"
"دادي إيشوز أيه يعم رحيم ده أنتَ باباك ما شاء الله يعني شكله أصغر منك شخصيًا."
"عارفة الموضوع بجد بيضحك أوي إن الناس فاكرة إننا بنتكلم في حاجة جد ومهمة And we are actually saying random stufff 'ونحن في الواقع نقول أشياء عشوائية'."
"ضحك بجد، بص أنس واقف مخنوق ازاي عايزنا نخلص رقص عشان الأغاني الدوشة تشتغل والبيه يرقص هو وصحابكوا."
"خدت بالي، He is so excited 'إنه متحمس للغاية' زي ما أنتِ شايفة."
بعد انتهاء الرقصة الأولى بدأت أحدى الأغنيات الشعبية ليهرول الجميع نحو ساحة الرقص ويقترب أنس ليقف بين أفنان ورحيم بينما اقتربت ميرال وبعض أصدقائها هي وأفنان ليسحبوا أفنان إلى الجانب الخاص بهم.
بعد مرور خمسة عشرة دقيقة تقريبًا وبينما كان الجميع منشغلًا في الرقص على أنغام أغنيات لم تعرفها أروى ولم تسمع عنها من قبل قررت أن تتجه إلى خارج القاعة لإلتقاط بعض الصور وبينما كانت تفعل لمحت بطرف عيناها شاب وسيم يرتدي بذلة باللون الرمادي الداكن وقد قام بتصفيف شعره الشبه مموج بعناية، لم تُعيره أي انتباه وتابعت إلتقاط الصور كما كانت تفعل لكن بعد دقيقة وجدته يقترب نحوه والحيرة بادية على وجهه قبل أن يسألها بحرج:
"بقولك لو سمحتي هو ده فرح أفنان ورحيم؟ أنا مش عارف اسم القاعة أصلًا..."
"اه هو."
أجابته ببساطة مع ابتسامة صغيرة وهي تُشير نحو مدخل القاعة وبداخلها تتسأل من يكون ذلك الشاب فهو لا يبدو من النوع المألوف فهي تعرف معظم أصدقاء أنس ورحيم وذلك الشاب ليس واحدٍ منهم.
"شكرًا جدًا وأسف عالإزعاج بس أنا مش عارف حد هنا خالص."
"مش أنت عارف العروسة أو العريس؟"
"اه، بس مش لاقي حد من عائلتي.. بس خلاص شكلي هلاقي عائلة." أردف وهو يغمز بإحدى عينيه وقبل أن يتفوه بحرفٍ آخر وجد من يجذبه من بذلته الرسمية نحو الخلف بعنف وهو يسأل بنبرة حادة:
"مالك بيها يا نجم؟!"
"أنس أنتَ اتجننت! Leave him 'اتركه'."
"يا فندم أنا كنت بسألها على اسم العريس والعروسة عشان تايه حضرتك متعصب ليه؟ هو خطيب حضرتك؟"
"لا لا مش مخطوبين، He is my little brother إنه أخي الأصغر'."
"طيب أنا أسف لو حضرتك اتضايقت وأسف لو ضايقتك بسؤالي، بعد إذنكوا."
تحدث الشاب بأدب والذي لم تعرف أروى اسمه لكنها بقيت تُطالعه بإهتمام شديد بينما رمقها أنس بحدة قبل أن يصيح بنبرة درامية مُردفًا:
"بت أنتِ لو شوفتك واقفة مع حد تاني هاكلك حتة علقة! خليكي جنبي أو جنب ميرال."
"أنا مش فاهمة الجملة بس حاسة إنك بتقلل احترام مني صح؟"
"الحمدلله إنك مش فاهمة الكلام بالضبط عشان كنتِ أنتِ اللي هتاكليني علقة، عالعموم يلا ادخلي متوقفيش هنا لوحدك."
قامت أروى بقرص ذراع أنس بكامل قوتها قبل أن تدلف إلى الداخل بغيظ شديد، ذهبت لتجلس على الطاولة خاصتهم بينما شرعت تبحث بعيناها عن ذلك الشاب الذي رأته في الخارج لكنها لم تجده...
في تلك الأثناء ذهبت أفنان للجلوس على 'الكوشة' وتبعها رحيم لعلهم يحصلوا على بعض الراحة لبضع دقائق وبينما كانوا يتهامسون فيما بينهم اقترب والد رحيم من مجلسهم وهو يقوم بتهنئتهم مُردفًا:
"ألف مبروك يا حبايبي، بصراحة يا أفنان أنا محتاج أشكرك إنك خليتينا نعيش يوم زي ده وخليتي رحيم ابني ياخد خطوة زي الجواز."
"هي أجبرتني يا بابي فعلًا ملحقتش أفكر." تمتم رحيم ممازحًا لترفع أفنان أحدى حاجبيها بإعتراض وهي تسأله بنبرة حادة مُخيفة:
"والله؟ تحب أقوم أمشي وأسيبلك الفرح؟"
"ياااه يا أفي بهزر بهزر وبعدين على فكرة بقى هشوف أي بنت تانية تكمل معايا الفرح."
"طب بذمتك هتلاقي حد في حلاوتي؟ هتلاقي حد يرخم عليك زيي؟ طب هتلاقي حد يلحقك وقت ما تتث..."
أردفت أفنان وكادت أن تسرد المزيد من التفاصيل ولكن قبل أن تُكمل جملتها وضع رحيم يده فوق ثغرها وهو يمنعها من إكمال الكلمة بينما يُردف من بين أسنانه بصوتٍ منخفض نسبيًا:
"صه بس خلاص! أيه هتفضحي الدنيا على طول كده؟ ده سر بينا!"
"بس بس ابلع ريقك عشان طنط أمك جاية لا وبتضحك... استرها علينا يارب..."
"أمي تبدين كالملكة اليوم Mum you look like a queen today."
تمتم رحيم وهو يستقيم ليقترب من والدته ويُقبل يدها بلطف لتبتسم له في المقابل وتعانقه لثوانٍ قبل أن تفصل العناق وتتحرك خطوتين بحيث تقف أمام أفنان مباشرة والتي ازدردت ما في فمها بتوتر وهي تنتظر ما ستقوله أو تفعله والدة رحيم.
"أفنان بما إنك قدام الناس كلها بقيتِ مرات رحيم وبقيت فرض من عائلة البكري وأسرتنا..."
أطلقت والدة رحيم تنهيدة صغيرة في المنتصف قبل أن تُتابع حديثها وتلك الثواني البسيطة التي مرت كانت بمثابة أعوام بالنسبة لأفنان التي اضطربت معالمها على الفور بينما حاولت أن تحافظ على ابتسامتها اللطيفة قدر الإمكان.
"دي هدية بسيطة مني ليكي، This ring was my great grandmother's 'كان هذا الخاتم لجدتي الكبرى'."
"واو! ده قيم جدًا ما شاء الله!"
"بالضبط، الخاتم ده العائلة بتاعتي كانت بتتوارثه... يعني كل أم بتديه لبنتها يوم فرحها و As you know i only have one child and i don't have any daughters 'وكما تعرفين ليس لدي غير ابن واحد فقط وليس لدي أيه أبناء فتيات."
ابتسمت أفنان ابتسامة واسعة وهي تستمع لما تقوله والدة رحيم وقد توقعت ما ستقوله بعد ذلك، ساد الصمت لبرهة قبل أن تتابع:
"ودلوقتي You are my daughter in law 'أصبحتِ زوجة ابني/ في مقام ابنتي'، الخاتم ده دلوقتي بقى بتاعك يا أفنان."
تمتمت والدة رحيم وهي تضع الخاتم في يد أفنان والذي انبهرت أفنان لكونه يناسب مقاس أصبعها والذي اتضح بأن والدة رحيم قد طلبت من الصائغ ان يضبط مقاسه على مقاس أصابع أفنان.
اتسعت ابتسامة رحيم لما حدث ولقد امتزجت سعادته بالدهشة فهو لم يعلم أي شيء حول ذلك الخاتم وقد انبهر كثيرًا بمدى لطف ما فعلته والدته وأكثر ما أسعد قلبه هو تحسن العلاقة بين أفنان ووالدته فواحدة منهم قلبه والآخرى روحه، هو يعلم أن العلاقة لن تدوم على هذا الحال طويلًا فطباع والدته حادة للغاية لكن على الأقل هي لم تُفسد هذا اليوم المميز ولم تعكر صفو الأجواء.
في ذلك الوقت كان نوح يقف بالقرب من باب القاعة بتردد شديد لا يدري هل يدلف إلى الداخل أم أن وجوده غير مُرحب به؟ ولكن خالته أصرت إصرارًا شديدًا على حضوره ورحيم قام بإرسال بطاقة دعوة تحمل اسمه تحديدًا.
تجول بعيناه داخل المكان دون أن يخطو خطوة واحدة نحو الداخل وفي تلك الأثناء كان رحيم يُقبل يد أفنان ومن ثم يعانقها عناقًا لطيفًا، أشاح نوح بوجهه عنهم بإستياء ليلمح ميرال التي وقفت تراقب أنس الذي يرقص بحركات جنونية بينما لمعت عيناها واتسعت ابتسامتها، أطلق نوح سبة لقد أرتكب أخطاء جسيمة والآن قد خسر عائلته بأكملها وبقي ها هنا وحيدًا بائسًا كحيوانٍ أجرب...
وبينما كان نوح منخرطًا في تفكيره العميق الحزين كانت هناك فتاة تسير نحو الخارج والتي لم تراه كما يراها وقد اصطدمت به بينما كانت تحمل كوبًا من المياه الباردة والتي انسكبت بعد قطراتها على بذلة نوح ليصيح على الفور وهو ينتفض بإستياء شديد:
"ما تحاسبي يا بنتي البدلة! بصي قدامك وأنتِ ماشية مش معقول كده."
صاح نوح للفتاة التي كانت تميل برأسها نحو الأسفل وكأنها تبحث عن شيء ما وبالفعل كان ذلك صحيحًا حيث اعتذرت على الفور منه وهي تُفسر الأمر:
"أنا أسفة جدًا بجد... النضارة بتاعتي وقعت مني وخايفة تكون اتكسرت ولا حد داس عليها... وبعدين الموضوع مش مستاهل العصبية دي كلها."
"حقك عليا يا ستي... استني طيب هدور معاكي بدل ما تخبطي في حد تاني!"
"لا شكرًا مش عايزة اتعب حضرتك." تحدثت الفتاة بأدب بالرغم من سخافة ما قاله نوح، أدرك حماقته على الفور بسبب نبرتها اللطيفة ليقوم بتعديل نبرته وهو يُصر على مساعدتها مُردفًا:
"مفيش تعب ولا حاجة... أهي لاقيتها... هي دي؟"
"ايوا هي... الحمدلله طلعت سليمة..."
تمتمت الفتاة بعد أن قامت بتنظيف النظارات الطبية خاصتها وبمجرد أن ارتدتها وأزاحت خصلات شعرها المبعثرة نحو الخلف خالج نوح شعور بأنها مألوفة بالنسبة إليه ليسألها على الفور وقد عقد حاجبيه:
"أنا شوفتك فين قبل كده؟" لم تُجيبه على الفور بل طالعته لثوانٍ وقد أصبحت رؤيتها أوضح قبل أن تُردف بحماس واضح لكونها تذكرت:
"دكتور نوح صح؟"
"أنتِ عرفاني صح؟ ايوا أنا شوفتك قبل كده فعلًا... بس مش قادر أفتكر فين..."
"شوفتك في كتب كتاب أفنان وطبعًا في الخطوبة بتاعتك أنتَ وميرال..."
"ايوا صح... بس كان شعرك أطول من كده صح؟"
"اه ما أنا قصيته على سبيل التغير يعني وعشان فرح أفنان وكده."
"هو أنتِ تقربيلها أيه؟ من عائلة عمو أحمد صح؟" سأل نوح بفضول وهو يضع كلتا يديه في جيوبه لتُومئ ريماس ب 'نعم' ثم تقول:
"اه أنا بنت أخته..."
"اسمك فيه حرف الراء كده صح؟"
"ريماس... اسمي ريماس..."
"اتشرفت بيكي..."
"الشرف ليا أنا... أيه ده؟!! آسر!" كانت تتحدث ريماس بهدوء ولكنها بدون سابق انذار وهي تهرول نحو شاب ذو قامة طويلة لتأخذه في عناقًا حار.
أمتعض وجه نوح على الفور وهو يسب حظه داخليًا، وجدها تفصل العناق عن ذلك الشاب والذي قام بعدها بتقبيل رأسها ليهمس نوح بإستياء شديد:
"يعني يوم ما بنت تعجبني بعد حوار ميرال تطلع مرتبطة في الآخر؟!"
"دكتور نوح أعرفك... باشمهندس آسر أخويا الكبير... آسر ده دكتور نوح ابن أخت طنط رانيا."
"اتشرفت بحضرتك."
كان كلاهما يتصافحان بينما كانت تتباعهم عيون أروى والتي كانت تظن مثل نوح في البداية بأن ذلك الشاب هو حبيب أو زوج ريماس المستقبلي وقد كان وجهها عابس هي ايضًا لأنه الشاب الوحيد الذي قام بلفت نظرها منذ أن عادت إلى مصر.
"معلش يا دكتور نوح عن إذن حضرتك ثواني." استأذن آسر بأدب ليسحب ريماس بعيدًا عن نوح وهو يسألها بغيرة أخوية:
"مين ده عشان توقفي تتكلمي معاه كده؟"
"والله أحنا وقفنا نتكلم صدفة يعني، مكنتش شايفة من غير النضارة ومش لابسه اللينسيز فخبطت فيه واعتذرتله وبس طلعنا نعرف بعض عشان قابلته في خطوبته على ميرال قبل كده."
"أيه ده؟! مقولتيش إنه خطيب ميرال يعني."
"ما هما فسخوا الخطوبة قبل الفرح بكام شهر بس مش عارفة تفاصيل بصراحة..."
"طب وجاي هنا ليه؟ أيه البجاحة دي؟ عالعموم ملناش دعوة، المهم إنك متقفيش معاه تاني من فضلك ماشي؟"
"حاضر."
"ريماس بقولك أيه... هي مين البنت اللي واقفة هناك دي؟ اللي لابسه فستان ستان."
"أخت صاحب العريس، بتسأل ليه؟ مش أحنا قولتا مش هنوقف نتكلم مع حد ولا الكلام ده عليا أنا بس ولا أيه؟"
"وهو أنتِ شوفتيني وقفت معاها؟ أنا بسأل بس."
"طيب شاطر."
بعد بضع دقائق آخرى شعر أنس بالإرهاق من كثرة الرقص والتحرك بعشوائية في كل مكان وقف ليلتقط أنفاسه ليلمح مجموعة من الفتيات واللاتي يعرفهن أنس ورحيم من خلال تعاملاتهم مع العديد من الشركات الشهيرة ولكن كانت تجمعهن علاقات ودودة غير رسمية مع أنس ورحيم وميا.
"حبايب قلب أنوسة من جوا..." قال أنس وهو يفتح ذراعيه استعدادًا لإستقبال صديقاته هو ورحيم المُقبلات نحوه ولكن بمجرد أن لمح ميرال التي ترمقه بنظرات حادة كالصقر الذي على وشك أن يلتهم فريسته قام بضم ذراعيه على الفور ومن ثم قام بتثميل أنه يقوم بإدلالهم على الطاولة خاصتهم بدل أدب وبراءة.
"الترابيزة هناك أهي يا بنات لو حد محتاج أي حاجة أنا مش هنا محدش يكلمني..."
"والله؟"
"في حاجة يا آنسة ميرال؟ البنات تايهين وبساعدهم باخد ثواب يا ستي."
"بالفساتين اللي هما لابسينها دي متأكد إنك بتاخد ثواب برضوا؟"
سألت ميرال مستنكرة وهي تُطالع ثياب الفتيات بإزدراء واضح فلقد كانت ملابسهم فاضحة بالنسبة إلى ميرال والتي لم تعتاد أن ترى فتيات ترتدين مثل هذه الثياب غير في الأفلام السينمائية ولم يسبق لها كذلك التعامل مع تلك الفئة من المجتمع.
"أو ذنوب مش متأكد بصراحة... ويلا متقفيش معايا عشان مينفعش نقف نتكلم، بس خدي بالك الوضع ده مؤقت بعد كده هفضل أرغي معاكي براحتي عادي ومحدش هيعرف يقولي نص كلمة."
كان حديث أنس ساخرًا في البداية لكنه تحدث بنبرة جادة لا تخلو من اللطف في نهاية حديثه وهو يغمز بأحدى عينيه لتبتسم ميرال دون إرادة منها لتُخفي ابتسامتها على الفور بيديها وهي تسير مُبتعدة عنه، أطلق أنس تنهيدة طويلة وهو يُفكر في الطريقة المناسبة لتنفيذ خطته.
بعد نصف ساعة آخرى قرر أنس أن يخطو خطوته المتهورة ويذهب للتحدث مع والد أفنان وميرال والذي كان جالسًا على أحد الطاولات، ذهب أنس للجلوس على الكرسي الذي إلى جانبه ومن ثم قام بتقريبه من والد ميرال أكثر كي يستطيع سماعه بوضوح نظرًا لكون الموسيقى صاخبة.
"بقول لحضرتك يا عمو أحمد... هو أنا عارف إن الوقت مش مناسب وكده عشان الفرح... بس أنا... أنا عايز ازور حضرتك ضروري بعد الفرح..."
"تنور يا حبيبي طبعًا ده بيتك بس هو في سبب محدد للزيارة ولا عايز تنورنا عادي؟"
"بصراحة يا عمو يعني حضرتك عارف إن أنا أهلي ماتوا وكده... يعني عايز أزور حضرتك أنا وأروى أختي وأونكل حامد بابا رحيم..."
نظر والد أفنان نحو أنس بحيرة لقد فهم تقريبًا ما ينوي قوله لكنه أراد أن يسمعها واضحة وصريحة من فم أنس، اضطربت معالم أنس قليلًا وهو يحك مؤخرة عنقه قبل أن يُتابع مُردفًا:
"يعني... أنا عايز اطلب إيد ميرال من حضرتك... أنا عارف إننا يعني منعرفش بعض كويس بس هنتعرف في فترة الخطوبة لو حضرتك تكرمت ووافقت يعني..."
أعتلت الدهشة معالم والد أفنان بعض الشيء فهو لم يتوقع أن يتجرأ أنس ويطلب ذلك بطريقة مباشرة، ابتسامة صغيرة زينت ثغر والد أفنان وهو يضع يده في حنان أعلى كتف أنس ليطمئنه قائلًا:
"البيت مفتوح أي وقت تنورونا فيه يا ابني."
كانت جملة والد أفنان بسيطة، مختصرة ولكنها كانت حنونة يشع منها الدفء... تنفس أنس الصعداء وهو يبتسم ابتسامة كبيرة قبل أن يسحب والد أفنان وميرال في عناق لطيف فلقد شعر أنس بحنان الأب من بضع كلمات بسيطة تفوه بها والد أفنان فكلمة 'ابني' وحدها كانت كفيلة بجعل الجروح التي في قلب أنس تلتئم.
بعد مرور بضع دقائق آخرى وبينما كانت أفنان تتجول في قاعة الزفاف لتقوم بإلقاء التحية على الحضور وأثناء ذلك لمحت أفنان بعيناها عمتها وجدتها يدلفون إلى داخل القاعة، عقدت أفنان حاجبيها بإستياء شديد وهي تسير نحوهم بخطوات غاضبة واسعة بينما تُردف:
"أنتوا أيه اللي جابكوا هنا؟ كمان ليكوا عين؟"
"عيب يا أفنان يا بنتي الكلام ده ولا أنتِ محدش علمك العيب والأصول؟"
"أنا عشان عارفة العيب والأصول يا عمتو مش هقولكوا اطلعوا برا مع إن ده حقي لأن ده فرحي بس والله العظيم لو حد كلم بابا نص كلمة وزعلوا في حاجة لهسيب الكوشة والفرح وهخلي اللي ما يشتري يتفرج!"
"خلاص يا أفي خلاص أهدي شوية... ميرال معلش خدي أفنان كده خليها تشرب عصير ولا حاجة..."
"أنا بعتذر عن اللي حصل بس حضرتك لازم تبقي مقدرة إن اللي حصل مع باباها مش بسيط برضوا أنا عمتًا مش هتدخل في مشاكل عائلية أكيد بس من فضلك ده فرحها وأنا مش هسمح لحد أنه يزعلها في يوم زي ده."
"وأحنا يا ابني محدش فينا جاي يزعلها ولا يبوظ اليوم دي في الآخر حفيدتي يعني."
"لو كده يبقى أهلًا بحضراتكوا وتنوروا طبعًا، أنس معلش شوفلهم مكان يقعدوا فيه... يبقى بعيد عن بابا أفنان أهم حاجة."
"حاضر هشوفلهم مكان يقعدوا فيه... خدامين أبوكوا أحنا بقى!"
"بتقول حاجة يا أنس؟"
"مفتحتش بوقي!"
بعد أن قال أنس جملته تركه رحيم وتوجه نحو أفنان الجالسة في الموضع المخصص لها هي ورحيم، اقترب منها ليجلس إلى جانبها وهو يمسك يديها بينما يقول:
"ممكن تهدي شوية لو سمحتِ؟ مفيش داعي للعصبية دي كلها... يلا وريني الضحكة الحلوة."
"يا رحيم هما مستفزين بجد! يعني ريماس جت وأنا معترضتش وقولت هي ملهاش ذنب في حاجة تيجي على عيني وعلى رأسي لكن هما لا!"
أردفت أفنان بضيق شديد وغضب ولكن رحيم عاود التحدث بنبرة هادئة وحنونة كي يمتص غضبها.
"خلاص معلش أنتِ عندك حق، بس هما خلاص هنا واللي حصل حصل مش هتبوظِ اليوم عشانهم."
"حاضر..."
بعد عشرة دقائق كان الجميع على استعداد إلى الفقرة المُحببة لدى الجميع في حفلات الزفاف 'البوفية'، كان المكان مزدحمًا والجميع يحملون في أيديهم أطباق ممتلئة من الخيرات وفي تلك الأثناء وقفت ميرال في منتصف القاعة وهي تُمسك بطبقٍ فارغ في يد وبالآخرى تمسك بذيل فستانها الطويل.
"مالك واقفة كده ليه؟" سأل أنس الذي ظهر من اللامكان لتنتفض ميرال لثانية قبل أن تُجيبه من بين أنفاسها المتسارعة:
"مش عارفة... مش عارفة اجيب أكل وخايفة حد يوقع حاجة عالفستان بصراحة."
"طيب خليكي واقفة هنا، هاتي الطبق ده وأنا دقيقتين بالضبط وهكون عندك... معرفش أنتِ بتاكلي أيه بس هعملك تشكيلة يعني."
أومئت ميرال بإمتنان وخجل وهي تمنح الصحن لأنس، منحها ابتسامة صغيرة قبل أن يرحل من أمام عيناها وفي تلك اللحظة كانت ميرال تعبث في هاتفها ولكنها شعرت بأحدهم يقترب منها فرفعت وجهها ظنًا أنه أنس يود أن يغازلها مجددًا قبل رحيله لكنها فوجئت بكونه نوح.
"ميرال... عاملة أيه؟ ألف مبروك وعقبالك..."
"أنا الحمدلله... شكرًا."
"عفوًا... طب أنتِ عارفة إن... إن شكلك حلو أوي النهاردة؟ قصدي يعني لون الفستان ولفة الطرحة... المكياج بتاعك كده يعني..."
حاول نوح أن يغازل ميرال بنبرته اللطيفة ولكن عكس ما توقع تمامًا لم تقبل ميرال مغازلته بل علقت على ما قاله بجفاف تام مُردفة:
"اه عارفة كل الناس قالتلي كده النهاردة."
"أنا جييت... هو أيه ده؟! أمسكِ الطبق ده كده."
كان أنس يقول بحماس لكن سرعان ما تحولت سعادته إلى استياء لرؤيته لنوح الواقف أمام ميرال، اقترب أنس من نوح وكأنه على وشك أن يدفعه لتضع ميرال يدها بين كليهما بينما تُردف:
"أنس... أنس... مفيش حاجة كان بيقول مبروك..."
"أمسكِ بس الطبق ده قولتلك! وأنت بقى واقف معاها ليه يالا إن شاء الله؟ عايز منها أيه؟ ليك عين تقف تتكلم معاها؟! يا بجحتك يا أخي!"
"وأنتَ مالك اقف معاها ولا مقفش دخلك أيه أصلًا؟! بنت خالتي وبكلمها هاخد الإذن منك!"
صاح نوح بالمقابل وهو يسأل في نهاية حديثه بإستنكار متعمدًا إثارة غيظ أنس لكن ذلك لم يحدث حيث طالعه أنس ببرود تام قبل أن يقول بثقة شديدة وهو يعيد خصلات شعره نحو الخلف:
"اه هتاخد الإذن مني!"
"ليه أنتَ مفكر نفسك مين يعني؟"
"خطيبها." تلفظ أنس بثقة شديدة وهو يضع أحدى يديه في جيب بنطاله، أعتلت الدهشة معالم كلًا من نوح وميرال فميرال شخصيًا لا تعلم ما الذي يتحدث عنه أنس.
"خطيبها ازاي يعني؟ أنتَ بتحور يالا عمو أحمد مش هيجوز بنته لعيل صايع زيك!"
"لم نفسك عشان معملهاش معاك! ولو مش مصدقني تقدر تروح تسأل عمو أحمد بنفسك وشوف هيقولك أيه."
تحدث أنس بثقة شديدة فهو واثق من أن نوح لن يسأل والد ميرال عن صدق حديثه، أمتعض وجه نوح بشدة وهو يضم قبضته وكاد أن يقدم على خطوة متهورة ولكنه تراجع في النهاية فلا فائدة مما سيفعله بل سيزداد الأمر سوءًا بإفساده لحفل زفاف أفنان كما أن ذلك لن يُغير حقيقة كون ميرال تبغضه.
"يلا هوينا بقى يا نوح وروح كل جاتوه." تمتم أنس بنبرة مستفزة ليُطالعه نوح من الأعلى إلى الأسفل ثم يرحل مبتعدًا عنه وعن ميرال.
"أنا عايزة افهم بقى أيه موضوع خطيبي ده؟!"
سألت ميرال بنبرة جادة وهي تعقد كلتا ذراعيها أمام صدرها بإعتراض في انتظار تفسيرًا من أنس ولكنه تجاهلها تمامًا وهو يتحدث بشأن شيء آخر مُشيرًا إلى قاعة الزفاف المجاورة لهم قائلًا:
"بقولك أيه يا ميرال أنا سمعت إن في مأذون في القاعة اللي جمبنا ما تيجي منخليهوش يمشي... يطلع بمصلاحتين بدل مصلحة واحدة وأهو البحر يحب الزيادة."
"أيه؟ أنتَ بتقول أيه؟ أنا مش فاهمة حاجة؟!"
سألت ميرال بعدم استيعاب فعقلها لا يستطيع ترجمة ما يقوله أنس وإن كانت قد فهمت ما يرمي إليه ولكنها قامت بتكذيب نفسها ولكنه قرر أن يُفصح عن الأمر بصراحة ووضوح حيث قام بالإعتراف بمشاعره تجاهها قائلًا:
"بقول... إن أنا بحبك وعايز اتجوزك وبقول إن أنا طلبت إيدك بشكل مبدأي من عمو أحمد!"
"أنتَ... أنتَ بتتكلم جد؟ الحاجات دي مفهاش... مفهاش هزار يا أنس..."
"وأنا عمري ما أتكلمت جد زي دلوقتي! أنا كنت ضايع يا ميرال وأنتِ كمان كنتِ ضايعة ولاقينا نفسنا لما لاقينا بعض..."
"أنا... أفنان... أفنان بتنادي عليا... عن إذنك..." نبست ميرال بتلعثم شديد وهي تسير بخطوات مُسرعة مبتعدة عن أنس ومتجهة نحو أفنان بينما كانت تختلس النظرات نحو أنس لترى إن كان مازال يراقبها أم لا وكانت الإجابة نعم فهو لم يزيح عيناه عنها حتى تأكد من أنها ذهبت للتحدث مع أفنان.
ارتسمت ابتسامة واسعة على ثغر أنس وهو يتذكر ما حدث قبل قليل، ردة فعل ميرال اللطيفة وصدمتها من حديث أنس وكذلك بريق السعادة والأمل الذي رأه في عيناها حينما تسللت كلماته إلى أذنها.
بعد مرور المزيد من الوقت والذي مر سريعًا كان حفل الزفاف قد انتهى وكانت الساعة تقرب للثانية عشرة بعد منتصف الليل، رحل معظم الحضور فيما عدا أسرة رحيم وأفنان.
"يلا يا عريس عشان نوصلك للبيت." أردف أنس وهو يُشير لرحيم بأن يعطيه مفاتيح السيارة لكن رحيم لم يفعل ذلك وعلق على ما قاله مُردفًا:
"لا مفيش داعي أنا هسوق العربية كفاية عليكوا لحد كده أنتوا تعبتوا معايا أوي النهاردة."
"أيه ده يعني مش هنوصلك يا أفنان لحد البيت؟"
سألت ميرال بوجه عابس وأعين دامعة فعقلها لا يستطيع استيعاب كون أفنان لن تعود برفقتها إلى المنزل كي تشاركها الثرثرة في الطريق ومن ثم الذهاب للنوم في حجرتهم الصغيرة الدافئة.
"معلش يا ميرو متزعليش... طب خلاص يا رحيم خليهم يوصلونا لحد البيت من برا ونبقى نكمل أحنا باقية المدخل بالعربية عشان محدش يزعل."
"تمام أنا بس مكنتش عايز أتعبهم."
في النهاية توجه الجميع إلى منزل رحيم وأفنان، السيارات تسير إلى جانب بعضها البعض... سيارة رحيم يليها سيارة أنس، سيارة والد رحيم وثلاث سيارات لأصدقاء رحيم وأنس، كانت السيارات تقوم بعمل نغمات بواسطة 'كلاكس' السيارة بالإضافة إلى صوت الأغاني الصاخب الذي صدر من السيارات.
توقفت السيارات بالقرب من مدخل المنزل ولكن من الخارج بحيث سيكمل أفنان ورحيم التحرك بسيارتهم إلى داخل بضعة أمتار كي يصلوا إلى باب المنزل.
"ألف شكر يا رجالة نجاملكوا في الأفراح إن شاء الله وعقبالكوا كلكوا لما تتدبسوا نفس التدبيسة، بس أنا الأول إن شاء الله يعني."
صاح أنس وهو يشكر أصدقائه بنبرة درامية قبل أن يُنهي حديثه بإبتسامة جانبية صغيرة وهو ينظر نحو ميرال التي ضحكت ضحكة رقيقة وهي تُشيح بنظرها بعيدًا عنه.
"بابا حبيبي... مامتي... هتوحشوني أوي بجد..."
همست أفنان وهي تُعانق والديها في الوقت ذاته واستمر الوضع على هذا الحال لبضع ثوانٍ قبل أن يفصل والدها ذلك العناق الجماعي ويسحب أفنان وحدها في عناقٍ دافئ... حنون... قوي، تتساقط دموعة بغزارة، تلك الدموع التي تُسمى دموع الفرحة...
فهو سعيد بل يكاد يُحلق من كثرة السعادة فإبنته الحبيبة... صغيرته قد أصبحت عروسًا وها هو قد انتهى من أداء رسالته، فلقد قام بتربيتها، منحها الحب والحنان، قام بمرافقتها في مسيرتها التعليمية حتى أنهتها والآن ها هو قد قام بإيصالها إلى عش الزوجية خاصتها...
"خدي بالك من نفسك يا حبيبتي... هتوحشيني أوي يا حبيبتي هتوحشيني أوي يا نور عيني... أنا مش عارف أنتِ كبرتي كده أمتى؟ أنا فاكر لما كنتِ بتخافي تمشي في الشارع غير وأنتِ ماسكة فيا معرفش كبرتي كده أمتى..."
"خلاص بقى يا أحمد متخليهاش تعيط... ربنا يكتبلهم السعادة ويخليهم لبعض ويرزقهم بالذرية الصالحة يارب..."
نبست والدة أفنان والتي كانت تبكي بدورها ولكنها حاولة جاهدة أن تتماسك كي لا يزداد الوضع حساسية وفي تلك الأثناء كان والد رحيم يعانقه ومن ثم والدته، لم تبكي والدة رحيم ولم تدمع عيناها وكانت ظاهريًا جامدة إلا حدٍ كبير إلا أن داخلها كان يشتعل لشعورها بأن صغيرها قد كبر وأنه سيبتعد عن عيناها وستكون له حياته الخاصة.
"خدوا بالكوا على بعض يا حبيبي وأنتِ يا أفنان يا حبيبتي لو رحيم زعلك في حاجة عرفيني بس وشوفي أنا هعمل فيه أيه."
"ربنا يخليك يا أونكل، متقلقش رحيم بيخافي على زعلي أكتر من أي حد في الدنيا."
قالت أفنان ليعانقها رحيم من جانبها لتبتسم قبل أن توجه نظرها إلى ميرال التي وقفت في هدوء شديد بينما تبكي في صمت، اقتربت منها أفنان وهي تسحبها في عناق قوي بينما تهمس:
"أيه يا ميرو مش هتسلمي عليا؟"
"هتوحشيني أوي... مش قادرة أصدق إنك مش هترجعي معايا النهاردة وإني هروح ألاقي سريرك فاضي... هصحى الصبح في هدوء من غير ما ترخمي عليا وتقعدي تزعقي عشان مش لاقية بالبندانة بتاعتك وعشان لبست جزمتك..."
"أنا مش هتأخر عليكي صدقيني وهزوركوا كل يوم كده كده رحيم هيبقى في الشغل وعارفة أول لما نرجع من السفر أول حد هشوفه هيبقى أنتوا... وكمان يا عبيطة احتمال تيجي تسكني جنبي قريب ولا أيه يا أنس؟"
"نسكن في المكان اللي هي بتحلم بيه إن شاء الله عالقمر هي تؤمرني بس."
"خدي بالك من نفسك." كانت هذه آخر جملة تقولها ميرال قبل أن تعانقها أفنان مجددًا ثم تودعها وتودع الجميع وتدلف إلى داخل السيارة مجددًا.
بعد بضعة أمتار توقفت السيارة أمام المنزل لتأخذ أفنان نفس عميق ثم تزفره بتوتر واضح، منحها رحيم ابتسامة لطيفة قبل أن يُمسك بيدها بحنان شديد ثم يطبع عليها قبلة رقيقة قبل أن يهمس:
"مرحبًا بكِ في قصركِ أميرتي Welcome to your palace my princesss."
ابتسمت أفنان بخجل واضح وهي تنظر إلى داخل عيناه الخضراء والتي بدت داكنة بسبب الأضاءة الضعيفة نسبيًا، غادر كلاهما السيارة على الفور بعد أن قام رحيم بفتح الباب من أجل أفنان بنبل.
"الله! أنتَ اللي حطيت الورد ده كده؟ شكله تحفة بجد كأننا طالعين من كرتون فعلًا."
تمتمت أفنان بإنبهار واضح وهي تنظر إلى بتلات الأزهار ذات اللون الاحمر الداكن المنثورة على مدخل المنزل، لم تتلقَ ردًا من رحيم على ما قالته ففي تلك اللحظات كان رحيم يستعد لحمل أفنان بين ذراعيه لتصرخ هي على الفور بفزع قبل أن يتحول خوفها إلى ضحكات متقطعة.
فور صعودهم إلى الحجرة جلست أفنان على الكرسي الموضوع أمام المرآة وهي تحاول نزع حجابها الذي تم تثبيته بالعديد من 'دبابيس الطرح'، كانت تفعل ذلك بتوتر وحيرة كان يراقبها رحيم وعلى وجهة ابتسامة واسعة وهو يتأمل حركاتها اللطيفة وفي النهاية قرر أن يستقيم ويقترب منها وهو يُردف بنبرة مرحة:
" أساعدك؟"
"ياريت بدل ما أنت قاعد متنح كده."
"مفيش فايدة فيكي يا أفي بجد."
ساعدها رحيم على نزع وشاح رأسها ولأول مرة يرى خصلات شعرها السوداء بوضوح، استقامت أفنان من مقعدها لتواجه رحيم مباشرة فتشعر بالحمرة تعتلي وجهها قبل أن ترجع بضع خطوات نحو الوراء لتترك مسافة كافية بينهم بينما تنزع رابطة الشعر خاصتها لتترك خصلات شعرها تنسدل وإن لم تفعل بطريقة ساحرة ودرامية كالأفلام فلقد ألتوت خصلات شعرها وتموجت نسبيًا نتيجة ضغط وشاح الرأس والرابطة عليها والرطوبة كذلك.
"كان نفسي أعملك فيها رابنزل بقى بس شعري كمكم من الطرحة تقريبًا، يا خسارة الفلوس اللي اتدفعت في شعري والله."
"صه أفي! Let us enjoy this moment 'دعينا نستمتع بهذه اللحظة'."
تمتم رحيم وهو يقترب منها ومن ثم يجذبها في عناقًا لطيف إلى صدره، شعرت أفنان بالهواء يختفي من المكان ساد الصمت لبرهة قبل أن تفصل أفنان العناق وتشهق شهقة طويلة محاولة الحصول على قدر كافي من الأكسجين لتملأ بها رئتها.
"يا إلهي OMG أنتِ كويسة؟"
"كنت هفطس... بس ربنا ستر!"
"مش معقول يا أفي والله كل لما أحاول أبقى Romantic 'رومانسي' تبوظِ المشهد كده."
"بقولك أيه أبعد كده أنا هروح أغير هدومي وأقعد أكل لقمة لأني هموت من الجوع بجد." أعلنت أفنان وهي تدفع رحيم بعيدًا عنها بينما تذهب نحو خزانة الملابس وتسحب بيجاما من الحرير ثم تذهب نحو دورة المياه تاركة رحيم واقفًا في صدمة قبل أن يُعيد خصلات شعره نحو الخلف بينما يبتسم ابتسامة جانبية ثم يتمتم:
"لقد تزوجت من امرأة مجنونة I got married to an insane woman!"
في ضهر اليوم التالي استيقظت أفنان بكسل لتجد أن رحيم ليس إلى جانبها، غادرت الحجرة وتوجهت نحو الطابق السفلي لتلمح رحيم يقف بالقرب من طاولة الطعام وقد قام بإعداد الفطور من أجلها، كانت أفنان تسير بهدوء ولم يكن رحيم لينتبه لصوت خطواتها لولا أنها تثأبت بصوتٍ عالٍ لينتفض رحيم بهلع وهو يده بالقرب من موضع قلبه وهو يُردف:
"بسم الله... خضتيني يا أفي!"
"صباح الفل والشربات على أجمل إنتاج مشترك ما بين مصر وإنجلترا، صباح الفل على أجمد Handsome man عالكوكب والكواكب المجاورة."
"أحلى Morning في حياتي، صباح الخير يا أفي... كنت ناوي أطلع الفطار ليكي في السرير بس أنتِ سبقتيني وصحيتي لوحدك."
"لا يا حبيبي ولا يهمك... لا ثواني كده... هو ده الفطار؟!!"
"اه... مش عاجبك ولا أيه؟"
"لانشون... جبنة رومي... جبنة اسطنبولي... جبنة فلامنك... جبنة برادفورد."
"برادفورد أيه يا أفي؟! ريكفورد قصدك!"
"متغيرش الموضوع فين الحَمام؟ الحَمام فين؟!!"
"حمام في الفطار؟!"
"اه حمام وفراخ مشوية وفطير وعسل!"
"ليه عايزانا نقضي ال Honeymoon في وحدة غسيل المعدة؟!" سأل رحيم بإستنكار شديد لتطالعه أفنان بضيق وهي تقول:
"يا رحيم غسيل معدة أيه؟ كل العرسان بيفطروا كده وبعدين اسم الله يا أخويا على فطار الإنجليزي اللي بتاكلوا فيه سجق على بيض مع فاصوليا بيضاء بصلصة... حد ياكل فاصوليا عالفطار؟!!"
"على فكرة ده حلو جدًا أنتِ مجربتيهوش عشان تقولي إنه وحش وبعدين ما أنتِ بتاكلي فول وطعمية وبتنجان وبصل الصبح طب بذمتك دي حاجات متوجعش القولون؟"
"بس خلاص الأكل ده أذواق."
"صح براڤو عليكي."
"وفي ناس ذوقها يقرف ما علينا... بقولك أيه صحيح ماما هتيجي هي وميرال وغالبًا خالتو يطمنوا عليا ويشوفونا قبل ما نسافر وكده."
"أوه طب ده شيء لطيف أوي بجد! معقول وحشتيهم للدرجة دي في يوم واحد بس فا عايزين يشوفوكي؟ طب هيجوا أمتى؟"
"وحشتهم مين يا رحيم؟ دي طقوس يا حبيبي عادات وتقاليد عجيبة كده إن لازم الأهل يجوا تاني يوم... غالبًا عالمغرب كده إن شاء الله."
"بجد؟ مش عارف أصل مامي مقلتش إنها جاية هتستنى عادي لما نرجع من السفر."
"صراع الحضارات والثقافات بقى، الست والدتك دي رايقة ومحترمة الصراحة."
تمتمت أفنان وقد كانت تتحدث بجدية هذه المرة فوالدة رحيم لا تشغل بالها بالكثير من الأشياء مثل والدتها على سبيل المثال، مر اليوم سريعًا وكذلك زيارة أسرة أفنان وفي مساء تلك الليلة كانت أفنان تقوم بتوضيب الحقائب استعدادًا للسفر برفقة رحيم إلى 'شهر العسل'.
"أفي متحطيش لبس كتير أحنا هنشتري حاجات كتير من هناك."
"يااه على حياة الأغنياء والمُرفهين!"
"يا بنتي أنتِ خلاص بقيتِ في ال List 'قائمة' الأغنياء والمرفهين عادي!"
"صح عندك حق! عمومًا أنا اختارتلك لبس على ذوقي... بهزر طبعًا أنتَ كنت مطقم القمصان والتي شيرتات عالبناطيل وأنا خدتهم عالشنطة زي ما هما... أنتَ مش متخيل أنا متحمسة ازاي أشوف شكلك باللبس الكاچول من يوم ما عرفتك وأنتَ بتلبس بدل بس."
"ما أنتِ عارفة يا حبيبي شغلي بيخليني اعتمد عاللبس ال Formal 'رسمي' بس خلاص هخليكي تشوفيني بالكاچوال شهر كامل."
"يا سلام عالدلع يا سلام... بقولك أيه هو أحنا المفروض نتحرك عالساعة كام إن شاء الله؟"
"الطيارة الساعة ٧ واحنا المفروض نكون هناك من قبلها ب ٣ ساعات على الأقل فهنتحرك من هنا على الساعة ٢٢ ونص."
"طب كويس هلحق أنام براحتي شوية."
"لا ما هو بصي... هقترح عليكي حاجة تيجي نصحى بدري شوية عن ميعادنا ونروح مشوار صغير كده قبل ما نروح المطار؟" عرض عليها رحيم بحماس شديد لتسأله أفنان ممازحة:
"هنروح نزور أنس ولا أيه؟ ما هو في الوقت المتأخر اللي هننزل فيه ده هتبقى الناس كلها نامية في بيتها إلا الواد الصايع ده!"
"الواد الصايع اللي طلب إيد أختك من باباكي امبارح؟ اللي هو في خلال سنة أو سنتين هيكون جوز أختك المفروض؟"
"متدخلنيش في تفاصيل دلوقتي! هتوديني فين؟"
"هتعرفي لما نروح، تعالي نكمل تحضير الشنط."
في تمام الواحدة صباحًا كانت أفنان تجلس أعلى سيارة رحيم من الخارج تُمسك بكوب 'حمص الشام' الحار يستند رحيم على السيارة إلى جانبها يقف في حيرة من أمره يتأمل القمر تارة ويتأمل أفنان تارة وهو لا يدرِ أيًا منهم القمر الحقيقي.
"القمر شكله حلو أوي النهاردة... ملحوظة صغيرة القمر ده أنتَ، بجد شكلك قمر بالطقم ده."
"كنت لسه هقولك نفس الكلام بس سبقتيني، الجو حلو أوي ومُريح للنفس حقيقي... الهواء الساقع، القمر، النيل، وأنتِ."
"لا أنتَ كده هتخليني أقولك بحبك بصوت عالي في وسط الشارع وأفضحك على فكرة!"
قالت أفنان وهي تقوم بتهديد رحيم ليضحك هو بقوة حتى تختفي عيناه قبل أن يُردف بمراوغة وهو يطبع قبل على يديها:
"وفيها أيه ما أنتِ مراتي حلالي وروح قلبي."
"طب ما تشغلنا حاجة للست كده نسمعها وأحنا بنتفرج عالقمر عشان شوية وهنتحرك عالمطار."
أومئ رحيم بلطف وذهب لتنفيذ ما طلبته وجلس كلاهما في هدوء يشاهدان القمر بينما يتخلل الأجواء نسمات الهواء الباردة وصوت ألحان أغنية الست.
في الوقت ذاته كانت تجلس أروى في حجرتها وهي مُمسكة بهاتفها تعبث في حساب أفنان بحثًا عن حساب ذلك الشاب الذي قابلته في الزفاف، آسر! ذلك الشاب صاحب خصلات الشعر المموجة وذو اللحية الكثيفة وبالطبع لم تنسى أروى مظهر عيناه التي كانت في لونًا يقع بين اللون الأخضر والبني الزاهي.
"وجدته Found it!!!" صاحت أروى لنفسها بحماس شديد وهي تعتدل في جلسته لتُفاجئ بصوت أنس الذي ظهر من اللامكان وهو يسألها:
"هو أيه ده؟!"
"أنتَ مالك؟ وبعدين من أمتى وأنتَ بتدخل أوضتي من غير ما تخبط عالباب؟"
"أروى أنا بقالي نص ساعة بخبط ده كان فاضل ثانية والباب يتدغدغ!"
"ولو أنا برضوا مسمحتش أنكَ تدخل!"
"لاقيتي أيه يا أروى يا سوسة ياللي بتحاولي تتوهي عالموضوع؟ أنا عارف إن أنا قليل الذوق عشان دخلت ومستنتش أنك تقوليلي وبرضوا عارف إنك بتغلوشي عالموضوع عشان مسألكيش."
"طالما أنتَ عارف Why you keep asking me 'لماذا تستمر في سؤالي؟'"
"ما علينا هسيبك دلوقتي بمزاجي عشان عارف إنك كده كده هتيجي تحكيلي بنفسك، المهم بصي كده على صور البيت ده."
قال أنس وهو يمنح أروى الجهاز اللوحي خاصته كي تشاهد صور المنزل، كان المنزل ذو تصميم مُبهر وعلى ما يبدو أن مساحته كبيرة كذلك.
"تحفة! ده هنا في مصر؟"
"اه في مصر ومش بعيد عن المنطقة هنا... بصراحة يعني كنت بفكر أشتريه عشان لما... عشان لما أخد خطوة الجواز وكده..."
"مبروك! البيت شكله تحفة بصراحة ومشوفتش زيه قبل كده هنا... شوف سعره كام وأشتريه على طول متستناش... المهم يعجبها هي..."
"ولازم يعجبك أنتِ كمان على فكرة أنتِ هتيجي تعيشي معايا لما أتجوز وأكيد ميرال مش هترفض حاجة زي كده هي بتحبك وهي برضوا عارفة أنتِ أيه بالنسبة ليا!"
"لا طبعًا يا حبيبي مش هينفع! ده هيبقى بيتك أنتَ وهي وهتبدأو حياتكوا مع بعض مينفعش يبقى في طرف تالت معاكوا... وبعدين ما أنتَ بتقول البيت قريب من هنا وأنا متعودة عالقاعدة لوحدي عادي ما أنا كنت بدرس في مدينة تانية لما كنا برا ولا أنتَ نسيت؟"
"مش هينفع يا أروى مش هقدر أبعد عنك ولا هكون متطمن عليكي، عمومًا أنا مش باخد رأيك أنا بقولك ولما فعلًا أقعد مع عمو أحمد عشان الإتفاقات هقوله عالموضوع ده."
تحدث أنس بنبرة أقرب إلى الصياح وكأنه يحاول أن يحسم الجدل الدائر بينه وبين شقيقته لكنها أعترضت بنبرة حادة هي ايضًا في البداية قبل أن تتابع بنبرة أكثر هدوءًا:
"لا يا أنس من فضلك! أنا هعيش هنا في بيتك القديم وأنتَ هتعيش في الجديد مع ميرال وكل يوم هبقى أكلمك يا سيدي وسيب حراسة عالبيت زي ما أنتَ عايز لكن مش هقبل أني أكون عبء عليك وعلى ميرال..."
أطلقت أروى تنهيدة قوية وهي تنظر إلى تعبيرات أنس المُمتعضة حيث لم يبدو عليه الإقتناع بما يقوله لكنها لم تهتم وتابعت حديثها مُردفة:
"ده غير إن ميرال حتى لو قالت إنها موافقة عشان بتحبك فهي من جواها مش هتكون مرتاحة أنتوا هتبقوا عرسان من حقكوا تعيشوا سنكوا تخرجوا وتسافروا وتقعدوا براحتكوا ويبقى ليكوا الخصوصية بتاعتكوا أنا هبوظ كل ده..."
"أنا حاسس أني هبقى أناني أوي لو سيبتك خاصة بعد كل حاجة حصلت الحادثة وموت فريد والست اللي أحنا سايبنها في البيت التاني مع الدكاترة..."
"أنا اللي هبقى أنانية بجد لو وقفت في طريق سعادتك يا أنس وبعدين مش يمكن أنا كمان أتجوز Or do you think i will stay single forever 'أو هل تعتقد بأنني سأبقى عزباء إلى الأبد'؟"
كانت أروى تتحدث بنبرة جادة وهادئة في بداية حديثها قبل أن تُنهيه بإسلوب ساخر بالرغم من أنها كانت تتحدث بشيء من الصدق فهي لا تنوي البقاء وحدها للأبد فهي تنوي العودة إلى العمل والإنشغال به حتى يجمعها القدر بشخصًا تحبه ويكون جيد كفاية لتبدأ معه حياتها.
في مساء الليلة التالية كانت تتجول أفنان في شوارع لندن الهادئة كثيرًا مقارنة بشوارع القاهرة، تحمل في يدها عدة حقائب تحوي الأشياء التي ابتاعتها هي ورحيم بينما يُمسك بيدها في حنان واضح وكلما لمح بعيناه طفلًا صغير يسير برفقة والديه لا ينفك يُفكر في كيف سيكون مظهر طفله أو طفلته هو وأفنان، فماذا لو أخذ الطفل لون بشرتها وابتسامتها الساحرة وتلك الحفرة في وجنتيها مع لون عيناه، خصلات شعر سوداء داكنة ستناسبه تمامًا ولربما كانت ملامح الطفل تميل إلى الملامح الغربية كجدته!
"عارف يا رحيم أنا عمري ما تخيلت إننا نعيش اللي أحنا عايشينه ده دلوقتي، أنا وأنتَ يجمعنا بيت ونبقى بنحب بعض... بصراحة لما شوفتك وأتعاملت معاك قولت الواد ده لعبي وبتاع بنات وملوش في الجواز بس أنتَ فاجئتني بصراحة!"
تحدثت أفنان معه بصراحة بينما كانت تقهقه بقوة، تبسم هو لثوانٍ كاشفًا عن أسنانه قبل أن يُردف:
"بصراحة أنا نفسي مكنتش متخيل! مش هقولك إن أنا كنت ناوي ألعب يعني لا بس مكنتش متخيل إن أنا ممكن أحب بنت لدرجة إن أنا أتهور وأروح اطلب ايديها وأعاند أهلي عشانها والدراما اللي حصلت أنتِ عارفة يعني."
"وأي دراما الصراحة حاجة رائعة يعني! أنا بس خايفة لتندم في يوم من الأيام إنك اختارتني..."
"عمري يا أفي! أنتِ الحاجة الوحيدة الصح اللي اختارتها في حياتي... عارف إن حياتنا مش هتبقى سهلة ومش هتبقى وردي، عارف إن في اختلافات بينا وممكن في أوقات نشد مع بعض ونختلف وممكن نتخانق كمان لكن صدقيني يا أفي حياة صعبة معاكي أحسن بالنسبالي مليون مرة من حياة سهلة مع غيرك."
كانت تستمع أفنان إلى كلمات رحيم الحنونة مع ابتسامة واسعة وهي تعلم يقينًا من داخلها أن حياتها برفقة رحيم ستزداد صعوبة وأن الحياة ليست وردية كما تصورها الأفلام الرومانسية والروايات ولكن طالما أنها برفقة رحيم لن تهتم لأي شخص أو أي شيء وما دامت حياتهم مُلونة بالحب، المودة والرحمة فإمكانهم تذليل كل العقبات...
بعد مرور ثلاثة سنوات كانت تجلس أفنان إلى جانب رحيم داخل سيارته الجديدة بينما يتجولون في شوارع الزمالك الهادئة ليلًا، توقف رحيم بالسيارة بالقرب من 'كورنيش النيل' ومن ثم قام بتوجيه نظره نحو زوجته الحبيبة بينما يقول:
"أفي تعرفي إن زي النهاردة من خمس سنين كنت قاعد مع ال HR 'موظف الموارد البشرية' بنضبط الأسئلة بتاعت Form 'استمارة' التدريب؟ زي دلوقتي من سنين كان القدر بيرتب الطريق اللي هنقابل فيه بعض... وأدي التدريب بتاع السنة دي خلاص قرب يبدأ."
"الوقت عدى بسرعة أوي... مكنش سهل، كان مليان مغامرة وخناق... عياط... حب وحرب عشان نوصل لبعض بس الحمدلله في النهاية قدرنا نبقى مع بعض والقمر ده بقى معانا."
أردفت أفنان بنبرة حنونة جادة وهي تُطالع عين الرجل الذي أحبته وقد ختمت جملتها وهي تُشير بحديثها إلى طفلها الصغير الذي أوشك على إكمال عامه الأول بينما تُقبل يده الصغير الناعمة.
"يارب طول العمر مع بعض يا حبيبي، المهم عايز أشوف ال schedule 'جدول المواعيد' بتاعي عشان أشوف هبدأ شرح معاهم أمتى."
تمتم رحيم بينما يداعب صغيره لترمقه أفنان بحده وهي ترفع أحدى حاجبيها بينما تسأله مستنكرة:
"تعمل أيه يا حبيبي؟ لا أنسى أنا اللي هشرح ولا فاكرني هستنى تروح التدريب وتلاقي بنت مجنونة كده تقعد تتخانق معاك وفي الآخر تحبها؟"
"هو بصراحة You have a got point you're actually crazy 'لديكِ وجهة نظر جيدة/صحيحة أنتِ بالفعل مجنونة' بس من وسط كل العاقلين والمجانين أنتِ بس يا أفي اللي مليتي قلبي وعيني."
"بتحاول تثبتني بالكلام وفاكر إن الشويتين دول هياكلوا معايا؟ براڤو عليك أنا اتثبت فعلًا!"
"أنتِ Abnormal 'غير طبيعية' بجد!"
"حبيبي أنتَ بدأت تنسى؟ ما أنتَ لسه قايل من دقيقة إن أنا مجنونة... ما علينا بقولك أيه أنا من الصبح مش عارفة أوصل لميرال هتجنن."
"جربي تكلميها تاني ممكن مسمعتش الموبايل، خليكي هنا هنزل اجيب حاجة نشربها وأجي تاني."
أعلن رحيم لتومئ أفنان بهدوء ومن ثم تُمسك بهاتفها لتحاول الإتصال بميرال مجددًا لكنها لم تُجيب، عقدت أفنان بحاجبيها بإستياء شديد وفي تلك الأثناء كان صغيرها 'يحيى' قد بدأ في البكاء.
"استنى بس يا حبيب مامي أما اشوف خالتو ميرال مش بترد عليا ليه." تمتمت أفنان وهي تتأفف بضجر ليدلف رحيم إلى داخل السيارة وهو يناولها عُلبة العصير بينما يقول:
"لو مش بترد كلمي أنس."
"سندت على حيطة مايلة، هو أنس بيسمع أصلًا ولا بيرد عالتليفون؟! ده عايش في اللا لاند وأكيد العيال عمالين يصوتوا ومطلعين عينهم... ربنا يكون في عونهم بصراحة خلفة التؤام صعبة جدًا!"
"خلاص بلاش أنس، كلمي أروى اسأليها يمكن هي كلمتهم ولا حاجة."
"يا حبيب قلب رمش عيني ركز شوية... أروى مين اللي هكلمها؟! أكلم البنت في ال Honeymoon أقولها أخوكي النوغة مش بيرد علينا ليه؟!"
علقت أفنان ساخرة ليرمقها رحيم بغيظ شديد وقبل أن يتفوه بحرفًا واحد وجدت أفنان شخص قد ظهر
من اللامكان وهو يصطدم بزجاج السيارة لتُمسك أفنان بصغيرها برعب شديد وهي تنظر إلى ذلك الفتى الذي يترنح يمينًا ويسارًا وفي يده سكين حاد بينما يُردف بنبرة متقطعة يصعب فهمها:
"انزل يالا أنتَ وهي وطلع اللي معاك..."
"أنتَ تاني؟!"
"لا سيبهولي أنا بقى المرة دي يا أفي!"
صاح رحيم وهو ينزع ساعة يده بينما يُزيح أكمام قميصه كاشفًا عن ذراعيه وهو يُغادر السيارة متجهًا نحو السارق المُشرد كي يبرحه ضربًا...
"بابي بقى شجاع أوي يا يحيى، ده عرف ياخد ال pocketknife 'مطواة' من عمو الحرامي..."
النهاية.
______________________________________
بعد أن وضعت كلمة النهاية لهذه الرواية أدعو الله أن تجدوا ما وجد أفنان ورحيم/ أنس وميرال وأن يرزقكن الله بزوجًا صالحًا حنونًا يقر به أعينكن.♥️
(تذكره: اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق، والأعمال والأهواء.)
بجد مش قادرة أصدق إننا وصلنا لنهاية الرواية، الرواية دي أنا بدأتها بدون تخطيط طويل مجرد الفكرة نطت في دماغي وقررت انزلها والكلام ده كان من سنة إلا أربع أيام.🥺🥺🥺♥️♥️
بجد الحمدلله والشكر لله ربنا قدرني أخلص الرواية بسرعة (دي أسرع رواية كتبتها) والحمدلله قدرت أوصل فيها أفكار ومواضيع كويسة وفي ناس استفادت وحاولت بقدر الإمكان تكون الرواية هادفة وتناقش أكتر من قضية.♥️✨
فصل خاص من رواية في حي الزمالك فكرينها ولا نسيتوا رواية جميلة دي 😂❤️ هو مفروض بارت ينزل في رمضان قبل كدة 😂 بس مكنش ينفع أنزله في وقت دا واحنا كنا في شهر العبادة وممنوع اني انزلكم روايات في رمضان ❤️ قولت انزلكم حلقة في وقت مناسب ❤️😂
________________________________________________
فصل إضافي: مَرْحَبًا بِالشَّهْرِ الْكَرِيمِ
داخل ذلك المنزل الكبير الدافئ الذي يجمع اثنين قد امتزجا ليصبح كلاهما كيانٍ واحد، ذلك البيت الذي ضم قصة حب لن تراها سوى في الأفلام العربية القديمة حيث يقع ابن الباشا في حب تلك الفتاة الشعبية الفقيرة فينتصر الحب في النهاية بالرغم من جميع الإختلافات بينهم، في ذلك البيت كانت تجلس هي وإلى جانبها حبيبها الأول والأخير وزوجها رحيم.
كان ذلك الوقت هو الأجمل من العام حيث يعم الفرح والسكينة على بيوت الأمة الإسلامية والعربية جميعًا، لقد كان شهر رمضان الكريم على الأبواب وقد وقف الجميع يستقبلونه مُرحبين به وبأجوائه التي تُضفي سعادة على قلوب قد كسرها كثرة الأحزان والكُربات، يأتي مُهللًا حاملًا معه الأنوار، السعادة، الرحمات فهو شهر التوبة، شهر النجاة، شهر القيام، شهر القرآن وأخيرًا شهر الصوم.
كانت تستند هي على وسادة من خاصة الأريكة وهي تمسك في أحدى يديها قلمًا والآخر قد وضعته خلف أذنها وأمامها ورقة كُتب عليها من الأعلى
'هناكل أيه لمدة تلاتين يوم في رمضان؟!'
كانت قد بدأت في كتابة بعض الوصفات والأكلات حتى لا تشغل عقلها بالتفكير يوميًا فيما عليها أن تُحضر للإفطار، قاطع إنشغالها بالكتابة والتفكير صوت رحيم المُحبب إلى أذنها وهو يقول:
"أفي أنتِ عارفة إن ده أول رمضان لينا في بيتنا؟ رمضان اللي فات زي دلوقتي كنت بدعي ربنا إنه يجعلك من نصيبي."
"رحيم بقولك أيه هو أنتَ بتاكل المحشي كله صح ولا في حاجة مبتحبهاش؟"
"أفنان أنتِ سمعاني طيب ولا أنا بكلم نفسي؟"
"معلش يا رحيم أصلي كنت بسمع الڤويس نوت اللي ماما بعتتلي فيها وصفة البط علشان أول مرة أعمله."
"أفي أحنا عندنا ناس بتتطبخ ليه تعملي الحاجة بنفسك؟"
"علشان ده أول يوم رمضان وأنا حابة أعمل الأكل بنفسي وأنا أصلًا قولتلك مية مرة حكاية الناس اللي بتساعدنا في البيت دي مش عجباني..."
"طيب calm down أنا مش فاهم أنتِ متعصبة ليه؟ حبيبي هو حصل حاجة زعلتك؟"
بصراحة مش متخيلة رمضان من غير ماما وبابا وميرال... ده أول رمضان يعدي عليا من غيرهم..."
تمتمت أفنان فور إدراكها للأمر وعلى الفور تركت كل ما في يدها وقد تشوشت رؤيتها من الطبقة البلورية التي غلفت بنيتاها، أمسك بذراعها بلطف لكي يجعلها تستدير نحوه وبمجرد أن رأى دموعها ضمها إلى صدره بحنان بينما يقول:
"خلاص من غير عياط يا حبيبي هجبهم يقضوا الشهر كله عندنا لو أنتِ حابة بس متزعليش نفسك pleasee 'من فضلك'."
"بجد؟"
"عمري قولتلك على حاجة ومنفذتهاش؟"
"طب بص ينفع نروح نفطر معاهم أول يوم؟ أنا عارفة إنك هتقولي إن طنط إيڤيلين هتضايق إننا روحنا عند ماما مش عندها بس أنتَ برضوا عارف إنه صعب عليا مقضيش اليوم معاهم وخاصة بعد تعب بابا تاني مبقتش أقدر أفوت يومين من غير ما أطمن عليه."
أردفت بحزن شديد ليسود الصمت لبرهة بينما يحاول رحيم الوصول إلى قرار، دموع أفنان ثمينة بالنسبة إليه وفي الوقت ذاته هو لا يريد من والدته أن تستاء أو تغضب...
"طيب let's make a deal 'لنعقد اتفاقًا' أحنا هنروح نفطر عند مامتك وباباكي بس مش هنزل صور ولا هنعرف حد إننا كنا هناك تمام؟"
"أنا بحبك أوي بجد!!!" صرخت في أذن رحيم وهي تصفق بيديها بحماس قبل أن تُلثم وجنتي زوجها بالعديد من القبلات، قهقه بصوتٍ عالٍ وهو يحاول الإفلات منها بينما يُردف:
"كده هغير رأيي على فكرة! يلا قومي بقى كلميهم اتفقي معاهم."
"عيوني يا عيوني." ابتسم ابتسامة واسعة وهو يراقب تلك الفتاة التي لم تتعقل قط منذ أن عرفها وحتى اليوم، خصلات شعرها المبعثرة ومنامتها ذات النقوش الغير مفهومة وتصرفاتها العفوية وضحكتها الرنانة التي تُضيء زوايا بيتهم الدافئ، في كل مرة تقع عيناه عليها يستشعر حلاوة استجاب الدعاء والأماني فلقد قضى أيامًا يدعو فيها الله أن تُصبح حلاله وفي منزله ولقد تحققت دعوته وأصبحت تملأ عليه بيته بل ودنياه كاملةً.
في صباح اليوم التالي والذي كان يسبق اليوم الأول لرمضان، كان رحيم منغمسًا في عمله كالمعتاد ولقد كان متشوقًا للعودة إلى المنزل كي يرى 'الزينة والفوانيس' التي قامت أفنان بتزيين كل أركان المنزل بها كما أخبرته أنها ستفعل، كان رحيم يتضور جوعًا وكاد أن يطلب شيئًا ليأكله لكنه تذكر جملة أفنان ذات النبرة الحازمة:
"آخر أسبوع قبل رمضان ده بناكل بواقي أكل وأي حاجة موجودة في التلاجة وبنعمل حالة تقشف هي عادات الأمهات المصريين كده." لم يستطع أن يُبدِ أي أعتراض بالرغم من أنها ليست أمًا وأن والدته هو إنجليزية من الأساس!
انتهى عمله وعاد إلى المنزل في حوالي السابعة والنصف، دلف إلى المنزل بإرهاق شديد بعد أن استخدم المفتاح لأن أفنان لم تسمع صوت طرقاته على الأغلب لإنشغالها ببعض الأعمال المنزلية، كان السكون يعم البيت كله لدرجة مريبة حتى أن الخدم لم يصدروا أي صوت على غير المعتاد.
"أفي أنتِ فين يا حبيبي؟" سأل بصوتٍ مسموع لكنه لم يجد ردٍ كذلك، أخذ يتجول في المكان بحيرة ولم يجدها وكاد أن يتجه نحو الطابق العلوي لولا أن لمح حركة في الحديقة الخلفية في المنزل ليبتسم بلطف وهو ينزع معطف بذلته الرسمية ويضعه بنظام على الأريكة قبل أن يتجه نحو الخارج.
بمجرد أن اقترب نحو الخارج لمح أضواء متفرقة شُكلت على هيئة أشكال تتعلق جميعها بأجواء الشهر الكريم مثل 'فوانيس صغيرة' أو هلال أو نجوم ولم تكتفي بذلك بل قامت بوضع طعام الغداء على الطاولة الصغيرة وقد زينتها ببتلات وردٍ حمراء مجففه وقد وضعت شموع لتُضفي جو رومانسي على الأجواء، وقفت إلى جانب أحد الكراسي وهي تعبث في خصلات شعرها التي تركتها تتحرر بينما كانت ترتدي ثوب بلون الورد نفسه.
"مش معقول كل مرة بتبهريني بجمالك، You look like a princesss 'تبدين كالأميرة' مش بس كده كمان الزينة تحفة والعشاء شكله حلو أوي كمان تسلم إيديك يا حبيبي."
تمتم رحيم وهو يقترب منها ثم يسحب أحدى يديها ويُقربها إلى فمه ليطبع قبلة رقيقة على يدها لتبتسم بخجل قبل أن تُردف:
"طب يلا يا رحيم ناكل علشان الأكل هيبرد وبعدين تبقى تكمل نحنحة بعدين." قهقه بقوة وهو يسحب الكرسي من أجلها لتجلس ثم ذهب هو للجلوس على الكرسي المقابل لها.
أخذ كلاهما يتناولان الطعام وسط ثرثرة أفنان عن ما تنوي فعله في الأيام القادمة وكذلك استمعت إلى كل ما فعله رحيم في العمل اليوم وعلى غير العادة لم يتعكر مزاجها حينما سمعت عن مقابلته لبعض فتيات التدريب في الشركة مما جعله يتعجب كثيرًا لذلك لكنه استنتج أنها ربما لم ترغب في إفساد هذه السهرة اللطيفة.
"شبعت يا حبيبي ولا أجبلك تاكل تاني؟"
"لا لا تمام الحمدلله."
"طب كويس أوي علشان يبقى في مكان في بطنك للحلو." أردفت أفنان ليعقد رحيم حاجبيه وهو يضحك مستنكرًا قبل أن يُعلق على جملتها قائلًا:
"حلو؟ أفي أنا مش قادر أتنفس أحنا أكلنا كتير."
"تصدق صح؟ أنا مخدتش بالي معرفش شهيتي مفتوحة أوي اليومين دول." أردفت وهو تقهقه قبل أن يسود الصمت لبرهة وهو يُراقب تعابير وجهها حيث شعر بأنها ترغب في قول شيء وقبل أن يسألها سبقته هي قائلة:
"رحيم أنا جبتلك هدية."
"كنت حاسس والله إن في Surprise 'مفاجأة' أو كده، أنتِ قاعدة متوترة من بدري."
"هي هدية صغيرة أوي بس إن شاء الله هتعجبك أوي وهتفرح بيها."
"اتحمست أوي، Should I close my eyes 'هل يجب علي أن أُغلق عيناي'؟" سأل بحماس طفولي وهو يُغمض عيناه دون أن ينتظر ردًا منها لتضحك بينما تقول:
"طب يا سيدي إديني فرصة أرد." أمسكت أفنان بعلبة صغيرة كانت قد خبأتها أسف الطاولة، كانت اللعبة باللون الأزرق الداكن وقد نُقش عليها عبارة i love you بالإضافة إلى قلوب.
"اتفضل." فتح عيناه وهو يسحب منها العلبة بهدوء وأول ما فعله هو أنه قام بتحريك العلبة بعد أن قربها من أذنه حتى يستطيع أن يتوقع ماهية ما داخلها.
"دي حاجة صغيرة شوية أعتقد يعني العلبة كبيرة عليها مش كده؟"
"صح، افتحها بقى يا عم المحقق كونان." سخرت منه أفنان ليبتسم ابتسامة جانبية قبل أن يحاول فتح العُلبة الصغيرة، نظر إلى محتواها ببلاهة شديدة في محاولة بائسة منه لإدراك ما يراه.
فتح ثغره في صدمة وقد تكونت طبقة بلورية شفافة على خضراواتيه قبل أن يسأل أفنان بصوتٍ يرجف من فرط السعادة والحماس:
"أفي هو ده Pregnancy test 'اختبار حمل'؟"
"أومال يعني triglycerides test 'اختبار كمية الدهون الثلاثية في الدم'." عقبت أفنان على جملته بمزاح سخيف ليطالعها بإشمئزاز وقد أفسدت هذه اللحظة السعيدة التي انتظرها طويلًا، تجاهل رحيم مزحتها السخيفة تلك وهو يسحبها في عناقٍ قوي وقد رفعها عن الأرض وهو يدور بها كالمجنون لتقهقه هي بقوة بينما تُردف:
"حبيبي كده هتفطسني أنا والبيبي." أدرك رحيم أنه كان يعتصرها بين ذراعيه ليخفف من قبضته وهو يضعها على الأرض بينما يقول بنبرة متوترة من فرط السعادة والحماس:
"أنا أسف بجد يا أفي، أنا من الفرحة بس... طب أفي هو أنتِ متأكدة إن النتيجة بتاعته positive 'إيجابية'؟ الإختبارات دي مش بتكون دقيقة أوي."
"عارفة أنا جربت تلاتة وكلهم طلعوا positive وإن شاء الله هروح اعمل تحليل دم ونحجز مع دكتورة نساء كويسة علشان نتابع معاها."
"أنا مش مصدق نفسي... الحمدلله بجد، كده ربنا حققلي كل أحلامي تقريبًا، كده هغير خطة الدعاء اللي كنت حاططتها لنفسي لرمضان السنة دي." تمتم وهو يُمسك بيدها وقد طبع عليها قبلة رقيقة بينما هربت دمعة فرحة من عيناه لتمسحها هي على الفور بينما تهمس بحنان:
"الحمدلله يا رحيم ربنا كرمنا وجبر بخاطرنا، إن شاء الله ربنا يتمم حملي على خير وأجبلك أحلى نونو في الدنيا كلها."
"يارب يا حبيبي يارب، بصي بقى يا هانم أنا مش عايز أي حاجة في الدنيا تشغلك الفترة اللي جاية دي... كل حاجة نفسك فيها قبل بس ما تقولي إنك عايزاها هتلاقيها عندك." أردف بحنان وهي يُقبل كلتا يديها بينما مازال ينظر إليها بعدم تصديق وكأن عقله توقف عن العمل منذ أن سمع بذلك الخبر السعيد والذي لم يكن يتوقع سماعه حاليًا.
"يا حبيبي أنتَ أصلًا بتعمل كده من غير أي حاجة وبعدين عيب عليك يا رحيم تبقى متعلم ومثقف كده وتبقى واخد attitude 'سلوك' أوعي تشيلي حاجة أو تتحركي من مكانك علشان اللي في بطنك أنا طالما حملي مش حرج بتحرك عادي." عقبت على جملته التي سمعتها مئات المرات في الأفلام من قبل وقد حاولت أن تُقنع رحيم بكلام منطقي لكنه لم يقتنع حيث قال بلا مبالاة لحديثها:
"أولًا الدكتور هي اللي تحدد الكلام ده، ثانيًا حتى لو الدكتور قالت تتحركي وتشيلي حاجات عادي أنا مش موافق برضوا Babe you are a queen & you will be treated as onee 'أنت ملكة وسيتم التعامل معك كواحدة'."
"نبقى نشوف الموضوع ده بعدين المهم قولي بقى نفسك في ولد ولا بنت؟"
"سؤال كليشية أوي على فكرة، أنا بحب كل ال babies 'الأطفال' وأي حاجة ربنا يجيبها هتبقى حلوة ونعمة كبيرة كفاية إنك أنتِ هتبقي مامي لل babyy اللي جاي في السكة."
"بجد ساعات لما بتتكلم بسرح كده وبقول معقول ربنا رزقني بزوج حنين ورقيق وكيوت كده مع إني متشردة وبلطجية... سبحان الله بجد، أما أرزاق بصحيح." تمتمت ممازحة إياه وهي تعبث في خصلات شعره الناعمة ليقهقه ثم يسألها بحيرة:
"أنتِ كده مبسوطة ولا زعلانة أنا مش فاهم؟"
"بقولك أيه فكك من الكلام ده تعالى أوريك بقى بقية الزينة اللي أنا علقتها في البيت كله." تمتمت وهي تسحبه من يده لتُريه ما فعلته بالمنزل، تأمل رحيم المكان بحماس شديد بينما يُخبرها الآتي:
"عارفة يا أفي طبعًا لما كنت عايش برا كنت بصوم وكده وهناك كانوا المسلمين هناك بيحتفلوا علشان رمضان بس الإحتفالات والأجواء هنا في مصر حاجة تانية غير أي مكان في العالم."
"أكيد طبعًا يا ابني، مفيش في حلاوة أي احتفال أو مناسبة في مصر الناس هنا بتبقى فرحانة من قلبها بجد وبيظهروا ده في كل حاجة."
"بس عارفة بقى مفيش حاجة أجمل من الإحتفال وأنتِ جنبي هنا."
"لا بقولك أيه يا رحيم يا حبيبي أنتَ متسمعنيش كلامك الحلو ده وصوتك الحنين ده غير بعد العيد الواحد عايز يركز في الصيام والعبادات بعد إذنك." رمقها رحيم بحيرة لثوانٍ قبل أن يُحرك رأسه لليمين واليسار بقلة حيلة وهو يستغفر بصوتٍ أقرب إلى الهمس قبل أن يغير مجرى الحديث قائلًا:
"صلاة التراويح هتبدأ من النهاردة عايزين نروح نصلي بقى في الجامع اللي قرب من هنا، صحيح هو أنتِ جهزتي Cornerr 'ركنة' الصلاة صح؟"
"اه زي ما اتفقنا جهزت واحدة في كل دور بس أنتَ عارف برضوا إننا هنصلي في باقي البيت عادي بس أنا قولت نعمل مكان مميز كده يكون مريح نفسيًا وجاهز على طول." أومئ رحيم وهو يقترب منها ليُقبل يديها بحنان لتضحك بلطف قبل أن تقول الآتي بنبرة دلوعة:
"تصدق كنت هتخليني انسى جبتلك مفاجأة."
"تاني؟ أنا مش عارف أفوق من الأولى."
"لا لا دي مفاجأة بجد يارب تعجبك بس في الآخر وترضى تقبلها." تحدثت وهي تضحك بمراوغة ليعقد رحيم حاجبيه بقليل من التعجب وهي يحاول توقع ماهية الهدية التي تتحدث عنها أفنان.
غابت عن عيناه لبضع دقائق وقد صعدت إلى الحجرة خاصتهم قبل أن تعود نحو الأسفل وهي تحمل في يدها حقيبة كبيرة لم يكن محتواها واضحًا.
"بص يا بيبي جبتلك أيه؟" تمتمت بحماس شديد وهي تخرج من الحقيبة جلباب أبيض اللون طويل لرحيم ومن ثم 'إسدال صلاة' جديد من أجلها باللون الأبيض كذلك ولكن عليه نقوش لأشكال متعددة مثل الهلال والنجوم.
"أفي Are you kidding me 'هل تمزحي معي'؟!"
"مش عاجبك ولا أيه؟!"
"دي تحفة مكنتش أعرف إن في منها مقاسي بس يعني Do you think it will suit me 'هل تعتقدِ أنه يناسبني'؟" سألها رحيم ببراءة شديدة لتضمه وهي تضحك قبل أن تُردف بجدية:
"هتبقى شكلها عسل عليك والله أنا متأكدة جربها أنتَ بس، وبص جبت لنفسي إسدال نفس اللون علشان نبقى Matchingg 'متطابقين' مع بعض بقى وحركات."
"طيب أنا هروح أجربها."
"ماشي بس خد shower 'استحم' الأول وأوعي يا رحيم ترمي الهدوم في الأرض هاجي أرميك وراهم عندك سَبت الغسيل جوا."
"أنا أصلًا مش برمي حاجتي في الأرض أيه ده؟!" تذمر رحيم بطفولية بعد أن منحته أفنان التعليمات فهي من يتولى أمر تنظيف الثياب وكذلك تنظيف حجرتهم فهي لا تسمح لأي شخصٍ غريب بدخول الحجرة فهي تعتبرها مملكتهم الخاصة.
كذلك كانت تفضل طهي الطعام كاملًا بنفسها أما بشأن تنظيف سائر المنزل فلقد كانت تلك وظيفة المساعدات اللاتي أحضرهن رحيم لمساعدتها نظرًا لكون المنزل ذو مساحة كبيرة ومتعدد الغرف.
غاب رحيم لمدة خمسة عشرة دقيقة قبل أن يتوجه نحو الأسفل لكي تراه بعد أن ارتدى الجلباب ناصع البياض خاصته وقد أعاد خصلات شعره السوداء الناعمة الكثيفة نحو الخلف وقد قام بتهذيب لحيته التي ازدادت طولًا مؤخرًا، كان يبدو وسيمًا للغاية وقد زاده الجلباب هيبة وجاذبيه، أخذت تتأمل جماله في صمت قبل أن تُردف:
"بسم الله ما شاء الله، تبارك الرحمن الواحد عمره ما شاف حلاوة كده قبل كده ولا هيشوف."
"بجد حلوة؟ مش قصيرة شوية؟"
"يعني شوية صغيرين، من فوق شكلك قمر من تحت بقى الموضوع قلب معاك على مسرحية العيال كبرت شوية، بس تمام يعني أنتَ زي الفل."
"مين العيال كبروا دول؟"
"كبروا مين؟ كبرت يا رحيم... اللي هي طلعت يا محلا نورها شمس الشموسة يلا بينا نملى ونحلب لبن الجاموسة..." قامت أفنان بالغناء والرقص على نفس طريقة أبطال المسرحية ليتابعها رحيم بإنتباه وهدوء قبل أن ينفجر ضاحكًا حتى آلمته معدته.
"ضحكتك أوي يا بطة؟ هبقى أغنيهالك كل يوم."
"لا لا يا أفي كفاية غُنى لحد كده." أردف من وسط ضحكاته قبل أن يسحبها في عناقًا دافئ وهو يُقبل رأسها قبل أن يتمتم بصوتٍ هاديء:
"كل مرة بحضنك بتخض من فرق الطول بينا بجد، أنتِ ازاي ضئيلة أوي كده؟!"
"ضئيلة؟ يعني أنتَ يا ابن طنط إيڤيلين نص الكلام العربي عندك طاير وعرفت ضئيلة؟"
"اه عادي وبعدين أنتِ ناسية إن أنا كنت بتفرج على videos لتعليم اللغة العربية ولا أيه؟"
"لا مش ناسية وبقولك أيه بقى تعالى نروح نصلي علشان نرجع نشوف هنتسحر أيه." أومئ بهدوء وذهب كلاهما بالفعل إلى جامع قريب من المنزل، اتجهت أفنان إلى مُصلى السيدات وذهب هو إلى إلى مصلى الرجال وقد اتفق معها أن تقابله أمام المسجد بعد انتهاءهم من الصلاة كي يعودوا إلى المنزل سويًا.
كان رحيم يسير بقليل من الخجل فهو لم يعتد بعد مظهره بجلباب الصلاة فالمرة الأولى والأخيرة التي أرتدى فيها مثل هذا الجلباب كانت في أحدى الأعياد في مصر حينما كان في الخامسة من عمره تقريبًا والآن ها هو ذا يكرر الأمر ذاته وقد أقترب من بداية الثلاثينات من عمره.
في تمام الثالثة صباحًا جلست أفنان على طاولة الطعام بعد أن حضرت عدة أصناف للسحور، طبق من الفول المصري المميز وأربعة أقراص من 'الطعمية/الفلافل'، بيضٍ مسلوق وبالطبع عدة أطباق تحوي أنواع مختلفة من الجبن الذي يفضله رحيم كما أنها لم تنسى شرائح 'التركي' وزبدة الفول السوداني.
"تصدق بالله السحور ده عالمي، تحس فيه صراع الطباقات والثقافات كده يعني peanut butterr 'زبدة الفول السوداني' وجنبها طبق فول بالزيت الحار والدقة شيء لا يصدقه عقل يعني."
"عادي يا أفي ما أحنا حياتنا كلها فيها نفس الوضع والإختلافات دي مجتش على الأكل، أنا بس قلقان إن معدتك توجعك من الأكل ده وياريت لما نروح للدكتور نسألها على ال Diett 'النظام الغذائي' الصح ليكي أنتِ وال babyy."
"بقى يا رحيم عايزني أعمل دايت وأنا حامل؟!"
"لا حول ولا قوة إلا بالله... كُلي يا أفي كُلي علشان الأذان هيأذن علينا وأحنا بناكل."
"حاضر، أنا هقوم بقى أعملنا كوبايتين شاي بحليب نحبس بيهم الكلام ده."
"أنا نفسي أعرف معدتك دي ازاي لسه شغالة لحد دلوقتي بالعك ده بجد؟!" سأل نفسه مستعجبًا فمنذ أن تزوج بها وهي تتناول أكلات غير صحية متجمعة ولم تكتفي بذلك بل تأكل بكميات مُريبة بالنسبة إليه.
بعد انتهاءهم من تناول طعام السحور ذهب كلاهما للجلوس في حجرة المعيشة أمام التلفاز يستمعون إلى 'التواشيح والإبتهالات التي تسبق صلاة الفجر' للشيخ سيد النقشبندي رحمة الله عليه وقد كانت هذه عادة عند أفنان منذ أن كانت في بيت والدها.
أمسكت أفنان في يدها زجاجة تحوي لتر من الماء وأخذت تجترع محتواها بأقصى سرعة ممكنة لكي تنهي كل الكمية قبل آذان الفجر، رمقها رحيم بطرف عيناه وهو يستغفر بهمس قبل أن يسحب من يدها الزجاجة بينما يقول:
"كفاية يا أفي يا حبيبي، البيبي هيعوم جوا بطنك كده وبطنك هتوجعك أصلًا من كتر المياه."
"لا أنا لسه عطشانة... هات بقى... بص أهو الفجر أذن ولمحقتش أشرب براحتي!"
"يا أفنان ده أنتِ مخلصة كل المياه اللي في ال fridge 'الثلاجة' ومش هنلاقي حاجة نشربها بكرة لما نرجع من عند مامتك وباباكي."
مازحها رحيم ساخرًا لتضربه في كتفه بخفة بغضب طفولي ليقهقه وهو يسحبها من يدها لكي تتوضأ للصلاة ومن ثم احضر المصحف خاصته وخاصتها.
قام رحيم بإمامة أفنان في الصلاة، كان يقرأ القرآن بصوته الرخيم وقد أحسن القراءة خاصة بعد أن تعلم طريقة نطق اللغة العربية الصحيحة عن طريق بعض الدورات وقد بدأ يستمع إلى طريقة قراءة الشيوخ للقرآن لكي يتعلم ويتقن الأمر أكثر.
"حرمًا."
"جمعًا إن شاء الله، بص بقى أحنا نقرأ شوية في المصحف وبعدين نقوم ننام علشان نروح لماما من بدري علشان ألحق أقضي اليوم معاهم."
"حاضر." بالفعل نفذ كلاهما ذلك وخلدا إلى النوم.
في ضهر اليوم التالي استيقظت أفنان بكسل شديد، نظرت إلى جانبها فوجدت رحيم مايزال نائمًا وقد بُعثرت خصلات وجهه الناعمة بحيث أخفت معظم وجهه، أزحت أفنان تلك الخصلات بعناية بينما تحاول إيقاظه بلطف:
"رحيم... حبيبي اصحى بقى علشان نلحق نروح لماما، يا رحيم... رحيم..." حاولت جاهدة أن تُبقي على نبرتها الرقيقة كي لا يفزع لكن ذلك لم يفلح حيث أنه لم يتحرك ولم يسمع صوتها من الأساس، نكزته أفنان في كتفه بخفة لكنه لم يتأثر أيضًا لذا لم يكن أمامها سوى حلًا واحد:
"رحيم ألحقني أنا بولد!!!" صرخت بها أفنان فجاءة لينتفض رحيم من نومته ويتعثر ليسقط من أعلى الفراش على الأرضية الباردة لتصيح أفنان قائلة وهي تحاول مساعدته على النهوض:
"يا حبيبي اسم الله عليك قوم."
"أنتِ بتهزري يا أفي! You scared the **** out of me! 'لقد أخفتني بشدة'."
"أنا أسفة والله بس ما أنتَ اللي نايم قتيل ومش راضي تصحى أعمل أيه؟"
"طب ما تسبيني أنا ما صدقت خدت يوم اجازة من الشغل وقولت أنام براحتي شوية."
"معلش حقك عليا، فوق كده على ما اجهزلك طقم تلبسه وأحنا نازلين... يلا قوم متبوزشي كده." تمتم من وسط ضحكاتها وهي تدفعه نحو باب دورة المياه الخاصة بحجرتهم.
في تمام الثالثة والنصف وصلت أفنان وزوجها إلى منزل والديها الذي استقبلهم بسعادة شديدة وكأنه لم يراهم منذ زمن بالرغم من أنها كانت في زيارة هنا منذ أسبوع تقريبًا لكن كانت هذه عادة والدها منذ زواجها فهو لم يعتاد بعد على غيابها.
"أيه يا حجوج القمر ده، شكلك صغران يجي عشر سنين كده ربنا يحميك."
"يا بت يا بكاشة أنتِ، وبعدين حتى لو صغرت عشر سنين هفضل كبير برضوا."
"كبير المقام طبعًا يا Uncle 'عمي'."
"ربنا يخليك يا حبيبي تسلم، أيه اللي أنتوا جايبينه ده؟ مكنش في لزوم تكلفوا نفسكوا."
"يا حبيبي مفيش حاجة تغلى عليكوا وبعدين ما أنتَ طول عمرك بتجيب كل اللي نفسنا فيه من قبل ما نطلب دلوقتي جيه دورنا بقى وبعدين أنتَ عايز أنس ياكل وشنا ولا أيه يا بابا؟" بدأت أفنان حديثها بتأثر وبنبرة حنونة قبل أن تذكر اسم أنس ساخرة، قبل والدها رأسها بينما يقول:
"ربنا يباركلي فيكي أنتِ وأختك يا حبيبتي، إن أنا أشوفكوا مبسوطين عندي بالدنيا كلها."
"مالك بخطيبي يا حقودة أنتِ؟ ده طيب خالص." سألت ميرال التي ظهرت من اللامكان بمجرد أن سمعت أفنان تذكر اسم أنس، رمقتها أفنان بغيظ قبل أن تسألها:
"وأما أنتِ هنا يا هانم مطلعتيش تسلمي عليا ليه؟ بايتة في حضنك أنا؟"
"يا ستي لسه راجعة من الشغل وكنت بغير الطقم وبلف الطرحة."
فسرت ميرال وهي تقترب من أفنان لتمنحها عناقًا كبير فصلته أفنان سريعًا حيث كادت أن تختنق من العطر خاصة ميرال بالرغم من أن رائحته لم تكون فواحة أو قوية لكنها جعلت أفنان تشعر بعدم رائحة وقد كان الأمر متعلقًا بالحمل على الأغلب.
"ماما حبيبتي وحشتيني."
"طبعًا افتكرتيني خلاص بعد ما سلمتِ على أبوكي وميرال ما هو أنا محدش بيفتكرني في البيت ده."
"يا ماما ده أنتِ الخير والبركة أنا بس كنت بضرب ميرال كالمعتاد وبابا هو اللي فتح أنتِ كنتِ جوا في المطبخ."
"أيوا كُلي بعقلي حلاوة... بس بسم الله ما شاء الله يا أفنان أحلويتِ خالص وشكلك فيه حاجة مختلفة بس مش عارفة أيه." تمتمت والدتها وهي تتفحصها مع ابتسامة حنونة لتضحك أفنان بخجل وهي تنظر إلى رحيم وقد فهم مغزى نظرتها تلك.
لم تكن تنوي أفنان أن تُخبرهم بأمر الحمل الآن حيث كانت تود التأكد من الطبيبة أولًا والإطمئنان على أن وضع الجنين مستقر وأن كل شيء على ما يرام ومن ثم ستخبر هي ورحيم المقربون منهم ليشاركوهم هذا الحدث السعيد.
جلس رحيم برفقة والد أفنان يتحدثون بينما ذهبت الأخيرة وشقيقتها لمساعدة والدتها في تجهيز الطعام والذي كان الطعام النموذجي لليوم الأول في الشهر الكريم، 'محشي بجميع أنواعه/ بط/ بطاطس محمرة/بانية'.
في الساعة الخامسة والنصف صدح صوت الجرس في المكان ليذهب أحمد لفتح الباب ليستقبل خطيب ابنته زوجها المستقبلي عن قريب؛ أنس... رحب بوالد ميرال وأفنان ترحيبًا حارًا قبل أن يُلقي التحية على صديق عمره.
"برضوا تعبت نفسك يا ابني."
"دي حاجة بسيطة والله، كنافة بالمانجا بقى بما إن رحيم جاب كيلو مشكل فقولت أجيب حاجة تانية وبعدين أنا عارف إن ميرال بتحب المانجا." قال أنس وهو يضع العُلبة على طاولة الطعام بينما كان يحمل في يده الآخري صندوقًا مُزين كُتب عليه اسم ميرال من الخارج.
"كتر خيرك يا حبيبي، ميرال تعالي علشان تسلمي على خطيبك." جاءت على صوت والدها على الفور لتُلقي التحية على أنس من بعيد والذي لمعت عيناه فور رؤيتها كما لمعت عيناه في المرة الأولى التي رأها فيها.
"أنا جبتلك هدية صغيرة."
"الله! ده بوكس رمضان صح؟"
"أيوا هو، علشان تعرفي إن أنس حبيبك صارف ومكلف." أجابها أنس بثقة شديدة وهو يُعدل من ياقة قميصه بغرور ليدعس رحيم على قدمه لينتبه لكلماته على الفور فوالدها يجلس بالقرب منهم.
"هروح أفتحه مع أفنان جوا... أفنان تعالي ثواني."
نفذت أفنان طلب شقيقتها بعد أن ألقت التحية على أنس وهي في طريقها إلى حجرتها هي وشقيقتها.
فتحت ميرال الصندوق بحماس شديد لتجد بداخله 'فانوس' بلون 'اللافندر' وقد كان ذا طرازٍ مُختلف له بابٍ صغير يُفتح ليتم إشعال شمعة بداخله، كذلك وضع أنس بضع ألواح مختلفة من الشيكولاتة التي تفضلها ميرال وأيضًا 'سجادة صلاة' من القطيفة ومسبحة ومصحف جميعهم باللون ذاته.
"الله حلويين أوي أوي بجد، حقيقي تحفة أنا أول مرة يجيلي هدية حلوة أوي كده بعد الشبكة طبعًا اللي أنس اشتراها." أردفت ميرال بسعادة حقيقة وقد دمعت عيناها من فرط السعادة وهي تتحسس هدية أنس بيدها لتستشعر ملمسها اللطيف، عانقتها أفنان من جانبها بينما تقول:
"شوفتي بقى عوض ربنا حلو ازاي؟ كنتِ ماسكة في حاجة مش خير ليكي ومتبتة فيها بس أول ما توكلتي على الله كده وخدتي القرار الصح حتى ولو كان متعب ربنا عوضك بحاجة أحلى بكتير."
"عندك حق بجد، الحمدلله والله بجد أنس ده أجمل حاجة حصلتلي في حياتي هو اه محتاج يتضبط في كام حاجة كده بس هو عنده قابلية للتغير وهو بيساعد نفسه وأنا بساعده."
"بركة والله إن أنس طلع فالح في حاجة غير طول اللسان، ربنا يتمملكوا على خير وتتلموا في بيت واحد وأخلص منكوا علشان خطيبك ده كل شوية ينطلي أنا ورحيم يا إما في البيت يا إما الشركة ولا كأنه ضرتي."
"لو سمحتِ متقوليش على أنوستي كده، هو اه هزاره بايخ وساعات بحس إن أنا عايزة أضربه بس هو بجد جدع وبيحب رحيم أوي بجد طول الوقت بيحكي عنه."
"أنا عارفة والله ده اللي مصبرني عليه."
"طب بقولك أيه تعالي نساعد ماما علشان متجيش تضربنا قدام الضيوف علشان عيب وبعد الفطار نبقى نقعد مع بعض لوحدنا علشان تفرجيني الحلل والحاجات الجديدة اللي جبتيها في الجهاز."
"خلاص اتفقنا." أردفت ميرال بحماس وهي تسحب يد شقيقتها ويتجه كلاهما نحو الخارج.
قبل نصف ساعة من موعد الإفطار ذهبت أفنان للجلوس إلى جانب والدها لترتاح قليلًا من مساعدة والدتها وميرال وبمجرد أن جلست سرعان ما تذكرت أنه من المفترض أن تكون العائلة بأكملها متجمعة سواء هنا أو في منزل جدتها أو عمتها لكن ذلك لم يحدث لسبب تجهله هي لذا سألت والدها الآتي:
"أومال فين تيته وعمتو وخالتو؟ محدش فيهم هيفطر معانا النهاردة ولا أيه؟"
"هو أنتِ معرفتيش اللي حصل؟" أجابت ميرال على سؤال شقيقتها بواحدٍ آخر لتسألها أفنان بفضول امتزج ببعض القلق:
"لا، خير إن شاء الله؟"
"عمتك عزمت خالتو ومريم ونوح عندها عالفطار النهاردة وطبعًا تيته معاهم."
"بتهزري؟ وده بمناسبة أيه بقى إن شاء الله؟!"
"قاعدة تعارف يا حبيبتي، نوح شاف بنت عمتك في فرحك وبعدها بفترة جيه فاتحني في الموضوع قولتله والله يا ابني البنت ليها أب وأم تتكلم معاهم مباشرة بس هو كان عايزني وسطة خير يعني بينهم وهما اتفقوا يبقى في فترة تعارف ولو حصل قبول يعملوا خطوبة."
"يااه ما جمع إلا ما وفق بصراحة، ميكس رهيب لا هو نوح ابن حلال ويستاهل ريماس فعلًا." جمعت جملة أفنان بين السخرية والجدية في الوقت نفسه، فلقد تذكرت كيف وبخت ريماس من قبل لأنها أبدت إهتمامًا بنوح ولم تكن لتظن أن بعد مرور كل تلك المدة قد يحدث شيء جاد بين الإثنين.
"ميكس يقرف." همس أنس من بين أسنانه فحتى بعد مرور تلك المدة مازال ذكر اسم نوح أمامه يثير حنقه وضيقه من ناحية لأنه يغار على ميرال ويخاف أن تشعر ولو لوهلة بأنها تشتاق إليه ومن ناحية آخرى لأنه يتذكر كم الآذى والضرر الذي ألحقه ذلك الوغد بميرال في السابق.
"ربنا يوفقهم ويتمملهم على خير." تمتمت ميرال بعدم إكتراث وكأنها تحاول إنها المحادثة وتغير الموضوع خاصة بعد أن لمحت الضيق باديًا على وجه كلًا من رحيم وأنس فكلاهما يبغضان نوح وبشدة.
أمسكت أفنان بيد رحيم الذي ضم قبضته على الفور فور ذكرهم لنوح ولأنه لمح القليل من الإهتمام في حديث أفنان وإن كان اهتمامها في الواقع من باب الفضول لا أكثر لكنه لم يهتم لأي سبب منطقي حيث كانت الغيرة تسيطر على قلبه وعقله.
غادرت ميرال تلك الجلسة وتوجهت نحو المطبخ لتُلقي نظرة على الطعام لتعود بعد دقيقتين وهي تُخبر والدتها الآتي:
"ماما البطة استوت خلاص بس هسيبها تاخد وش كده وهطفي عليها على طول."
"عقبال كده ما البطة هي اللي تحضرلنا الفطار السنة الجاية في بيتنا إن شاء الله."
همس أنس من بين أسنانه بنبرة لعوب لترمقه أفنان بإشمئزاز ومن ثم تُلقي عليه عُلبة المناديل الورقية بينما توبخه بغيظ مُردفة:
"ما تلم نفسك ياض يا متحرش أنتَ ده أحنا في رمضان! هو خلاص مبقاش في أخلاق خالص؟"
"سيبتلك الأخلاق ياختي، بت أنتِ هو أنا وأنتِ مولودين فوق روس بعض؟ مالك بيا؟!"
"ما أنتَ قاعد بتعاكس أختي قدامي ومش عامل احترام لحد وأساسًا أنتَ اللي على طول بتجر شكلي!"
"بس بس stop being childish 'توقفوا عن التصرف بطفولية'." وبخهم رحيم وهو يضرب أنس في كتفه بخفة ومن ثم يرمق أفنان بطرف عيناه لتضحك بصوتٍ مكتوم قبل أن يتابع جميعهم وضع الطعام على الطاولة.
"هو فاضل أد أيه على المغرب أنا هفطس من كتر العطش بجد."
"ما هو أنتَ لو تبطل رخامة عليا أنا وأختي ريقك مكنش هينشف."
"طب بص جر الشكل بقى؟ أنا جيت جنبك يا ستي دلوقتي؟ أنا بكلم أخويا بتتحشري ليه؟" أردف أنس بغيظ طفولي وهو يرمق أفنان بحدة لكنه توقف عن ذلك وجلس في موضعه بأدب شديد بمجرد أن لمح والدهم يقترب ليجلس أمامهم بينما يقول بنبرته الحنونة التي أحبها أنس:
"شباب أول لما نسمع الآذان نكسر صيامنا وبعدين نصلي المغرب جماعة ونرجع ناكل براحتنا."
"حاضر يا بابا." أردف أنس لا إراديًا فمنذ أن قام بخطبة ميرال وهي يُنادي والدها ب 'بابا' ووالدتها ب 'ماما' فلقد عوض كلاهما غياب والديه.
وقد تعلق أنس بوالدي ميرال تعلقًا شديدًا للدرجة التي جعلته يعرض عليهما أن يسكنا معًا جميعًا في البيت نفسه بعد زواجه من ميرال نظرًا لأن مسكن الزوجية خاصتهم كبير ويحوي عدد كافية من الغرف لكن والدها رفض عرضه بأدب شديد قائلًا بأنه مثل 'السمك' إن غادر المياه فسيموت وكذلك هو لا يستطيع ترك البيت الذي قضى فيه أجمل سنوات عمره وشبابه.
جاء صوت الأذان من الخارج مُعلنًا عن انتهاء فترة الصيام ليتحرك جميعهم في حركات عشوائية بينما تناول 'رانيا' كل واحدٍ منهم طبق 'الخشاف' خاصته ما عدا أنس الذي لم يكن يُحبه لذا منحته ثلاث حبات من التمر لكي 'يكسر صيامه'، انتهى جميعهم من شرب المياه وشرب المرطبات وذهب الرجال جميعًا إلى المسجد القريب إلى المنزل بينما قامت أفنان وميرال ووالدتها بالصلاة في المنزل.
"أحنا جينا يلا بسرعة بقى علشان أنا واقع من الجوع وهموت وأكل بط." صاح أنس فور دخوله من الباب لترمقه أفنان بإشمئزاز بينما أقتربت منه ميرال وهي تسحب الصحن الذي أمامه فور جلوسه بينما تقول بلطف:
"بعد الشر عنك، تعالى أقعد وأنا هحطلك دلوقتي."
"لا أنا مقدرش على الدلع ده والله، أنا بقول نخلي الفرح على العيد وخير البر عاجله." تمتم وهو يغمز بإحدى عينيه ليدعس رحيم على قدمه ثم يُردف من بين أسنانه:
"أونكل أحمد قاعد قدامك يا حيوان أنتَ، احترم نفسك شوية ها."
"طبعًا ما أنتَ اتجوزت خلاص بقى نسيت أيام اللڤلڤة في طرقة الشركة!"
علق أنس بغيظ شديد ليقوم رحيم بدفع ثلاثة أصابع من 'البطاطس المحمرة' بقوة داخل فم أنس لكي يصمت ويكف عن الثرثرة بكلام لا يصح.
"إلا قولي يا أنس هو بيتكوا فاضل في أيه؟"
"خلاص قربنا نخلص فاضل حاجات بسيطة في النقاشة وكده وست ميرال بس تبطل تردد وتختار لون الأنترية اللي هي عايزاه."
"ما تخلصي ياختي بقى عايزين نلمك أنتِ والولد الصايع ده في بيت ونخلص."
"أهو لأول مرة اتفق مع أفنان في حاجة بجد، يلا بقى انجزي عايزين نتجوز على العيد الكبير بالكتير بقى إن شاء الله."
"ربنا يسهل إن شاء الله." تمتمت ميرال بخجل فكلما فُتح أمر الزواج كانت تشعر بالكثير من التوتر والخجل وقد طلب منها أنس أن تتحدث بذلك الشأن مع الطبيبة مسك في الزيارة القادمة فالربما كانت مازالت تعاني من أزمة نفسية بسبب تجربتها الأولى مع نوح حيث تم إنهاء علاقتهم قرب الزفاف.
"قولي بقى يا أنس أخبار فرع أكتوبر أيه؟ بقالي كتير مش بروح هناك وسايب الشغل وكل حاجة على ضمانتك." سأل رحيم بينما تضع أفنان أصنافه المفضلة في صحنه ليُشكرها بلطف أثناء انتظاره لرد أنس فلقد قام رحيم بنقل إدارة أحد الفروع إلى أنس لأنه يعلم قدرته على الأدارة وتحمل المسؤولية بالرغم من أنه لا يبدو كذلك.
"لا الشغل تمام جدًا بس أنا خلاص بقى يا رحيم قررت أسيب الصيدلة والإدارة والكلام ده وأفتح مشروعي الخاص." أجاب أنس بجدية شديدة ليعقد رحيم حاجبيه وهو يرمقه بقليل من التعجب فهو لم يخبره بذلك الأمر قط، سأله رحيم الآتي بإستنكار وهو يقوم بتقطيع 'صباع باذنجان محشي' بواسطة الشوكة والسكين خاصته:
"مشروع أيه بقى إن شاء الله؟"
"ناوي أعمل قناة صغيرة كده على اليوتيوب وكل محتوايا هيبقى دس في الأفنان وهبدأ بفيديو تعريفي صغير كده هيبقى عنوانه سلفتي بتغير مني إكمن أنا شعري سايح ونايح وهي شعرها كيرلي مخلط ويڤي." طالعه جميعهم بتعابير وجه متحيرة قبل أن ينفجروا ضاحكين على جملة أنس، في الواقع لم يكن الجزء المُضحك هو عبارته الساخرة بل أنه كان يتحدث بجدية تامة.
"أنس أنا بقترح إنك تاكل وأنتَ ساكت بدل ما بابا يطردك من هنا."
"خلاص أسف مش ههزر معاكوا تاني." تمتم بضيق طفولي وهو ينظر إلى طعامه، تنهدت أفنان قبل أن تعرض على رحيم الآتي:
"رحيم أفصصلك بط؟"
"بس يا أفي أيه ده؟! لا!"
"في أيه؟ ما أنا بفصصلك البط والفراخ في البيت علشان مش بتعرف تفصصهم لنفسك... اه فهمت أنتَ مكسوف يعني علشان بقول قدامهم إنك مش بتعرف تفصص لنفسك البط!!!"
"خلاص يا أفي خلاص أبوس إيديك في واحد في مدغشقر مسمعش." نبس رحيم وهو يُقبل يديها بالفعل لتطالعه بدهشة بسبب فعلته الغير متوقعة قبل أن تضحك بخجل، كان يتأمل أنس ما يحدث قبل أن يغمز لرحيم بإحدى عينيه بينما يقول:
"أيوا يا عم رحيم الله يسهلك يا عم."
"أنس كل وأنتَ ساكت ممكن؟"
"حاضر يا أخويا أو ياللي كنت فاكرك أخويا." نبس أنس بحزن مصطنع وهو يأخذ قضمة كبيرة من قطعة البط الموضوعة أمامه.
"بقولك أيه يا ميرال متعرفيش الواد آسر هيتقدم لأروى أمتى؟ ده البنت خللت جنبه." همست أفنان وهي تقترب من أذن شقيقتها كي لا يسمع أنس ما يُقال فهو يغار كثيرًا على أروى ويرفض علاقتها بآسر ذلك من الأساس.
"ما هو كلمني قالي أحاول أقنعها البنت يا عيني عندها حاجة كده بعيد عن السامعين اسمها Fear of commitmentt. 'الخوف من الإلتزام'."
"يا ستار يارب لا ربنا يشفيها." سخرت أفنان من تفسير ميرال وإن كانت أفنان تعرف ترجمة ذلك المصطلح لكنها لم تعرف تفسيرًا أو سببًا له، تنهدت ميرال قبل أن تقوم بالشرح لأفنان قائلة:
"أفنان ده مش مرض يا حبيبتي بالمعنى الحرفي دي فوبيا بيكون فيها الشخص بيخاف من فكرة إنه ياخد على نفسه وعود ويوفي بيها."
"وأيه كمان ياختي؟" سألت أفنان بسخرية وهي تضع يدها أسفل ذقنها وهي تُنصت إلى شقيقتها لتتابع الأخيرة حديثها مُردفة:
"أنه مثلًا يبقى مسئول عن شيء ما وبيبقى خوف مرضي من الفكرة وده عادة ناتج لو الشخص كان مامته وباباه منفصلين أو كان بيتعرض لعنف أو مثلًا معندوش ثقة في الطرف التاني أو خايف من نقد أو رفضهم كده يعني."
"بسم الله ما شاء الله قاعدة مع ويكيبيديا، ميرال قوليلي الحقيقة هو أنتِ بتحضري دبلومة في علم النفس من ورايا؟"
توترت معالم ميرال من سؤال أفنان حيث أنها لم تُخبرها بشأن الطبيبة النفسية مسك بعد فلقد جعلت ذلك الأمر سرها الصغير هي وأنس، ضحكت ميرال ضحكة متوترة قبل أن تقول:
"لا ده الواحد بيبقى زهقان شوية فقال يثقف نفسه يعني وكده."
"ماشي ياختي، عمومًا كلها كام شهر وهتتجوزي ومش هيبقى عندك وقت تهرشي حتى."
"ده على أساس يعني إنك بتقومي تقلبي الڤيلا كلها وتكنسي وتمسحي من تحتيها؟ ولا بتعمل أكل ليكي أنتِ وحماتك؟"
"أولًا أنا بساعد في التنضيف اه، ثانيًا أنا اللي بعمل الأكل معظم الأيام إلا لو رحيم حب يطبخ بما إنه طلع بيعمل أكل حلو جدًا حبيبي ربنا يحفظه، كمان أنا بشتغل حضرتك حتى لو كنت مش بنزل كل يوم بس بخلص حاجات من البيت."
"خلاص كفاية يا ستار يارب، ولسه لما تجيبي بيبي بقى مش هتبقى فاضية خالص يا عيني."
حينما قالت ميرال هذه الجملة نمت ابتسامة حالمة على ثغر أفنان وتلقائيًا وضعت يدها أعلى 'بطنها' قبل أن ترفع عيناها وتنظر نحو الرحيم الذي كان في الوقت ذاته يتأمل تعبيرات وجهها وهي تتحدث إلى شقيقتها، ساد الصمت لبرهة أثناء تناولهم الطعام قبل أن تقطعه ميرال وهي تقترح الآتي بقليل من الخجل:
"بقولكوا أيه ما تيجوا ناخد صورة كده بمناسبة أول رمضان كلنا فيه مع بعض." أومئ رحيم موافقًا على الفكرة، أخرج أنس هاتف والذي كان الأحدث من نوعه وكان على وشك إلتقاط الصورة لولا أن عقبت أفنان مُردفة:
"طب ما تخلي رحيم هو اللي ياخد السيلفي علشان هو أطول واحد في القاعدة وكده."
"لا اللي يسمعك يا بت وأنتِ بتتكلمي يقول فرعة ده أنتِ 160 سنتي بعد الدوشة دي كلها!" سخر منها أنس فهي وميرال قِصار القامة بالمقارنة به هو ورحيم بالرغم من أن رحيم كان يفوق أنس طولًا بما يقرب من الخمسة أو السبعة سنتيمترات.
"ماشي هقوم أصور بس ممكن بعد إذنكوا محدش ينزل صور علشان محدش عندي يتضايق وكده؟"
" عيب عليك يا رحيم، محدش هينزل طبعًا علشان الحاج والحاجة ميزعلوش وكده إن ابنهم الوحيد سابهم وراح يفطر عند حماه وحماته." عقب أنس متعمدًا إثارة غيظ رحيم والذي أكتفى بأن رمقه بإحتقار، ساد الصمت لبرهة قبل أن يقطعه والد أفنان وهو يقول الآتي:
"صحيح يا رحيم يا ابني أنا هبقى أكلم والدك في يوم إن شاء الله وأعزمه على الفطار هو ووالدتك."
"طب وأحنا يا بابا هنيجي برضوا ولا أيه؟"
"أكيد طبعًا يا نور عين بابا أنا لو عليا تيجي تقضي معايا الشهر كله أنتِ ورحيم."
"طب بالنسبالي أنا ممكن أعمل إقامة شاملة فطار وسحور هنا ولا لا؟!" سأل أنس ممازحًا وإن كانت نبرته بدت جادة ليقهقه 'حماه' قبل أن يُجيب عن سؤاله مُردفًا:
"السنة الجاية بقى إن شاء الله لما تكون أتجوزت ميرال كده هبقى أجيبكوا أنتوا الأربعة تباتوا معانا هنا هأجر لكل واحد فيكوا أوضة."
انتهى جميعهم من تناول الطعام واستقامت أفنان تساعد والدتها في إعداد أطباق الحلوى والمشروبات حيث جلسوا جميعًا يتناولون 'حاجة حلوة' كتحلية بعد الإفطار.
"إلا صحيح يا أنس أروى أختك فين؟ مجتش معاك ليه تفطر معانا؟" سألت أفنان بفضول وهي تأخذ قضمة من 'الكنافة' المحشية الموضوعة أمامها تنهد أنس لثوانٍ قبل أن يُجيبها ساخرًا:
"أروى مسافرة England 'إنجلترا' بقالها أربع شهور، بتحضر دكتوراه عقبال أمالتك كده."
"ما شاء الله ربنا يوفقها، طب وهي مسافرة هناك لوحدها؟ مش هتبقى حاسة إنها لوحدها أو كده؟"
"لا ما هي ميا معاها ده أولًا، ثانيًا أروى ليها شلة هناك وبعدين نص عائلة رحيم هناك يعني هياخدوا بالهم عليها، الدنيا تمام متتحشريش أنتِ بس."
"الحق عليا بسأل عليها! وبعدين هي ست ميا دي مصدر للطمأنينة يعني؟ ده أنتَ المفروض كده تقلق زيادة كتك وكسة!"
"أنا بجد مش عارف أنتوا هتعقلوا أمتى وتتكلموا مع بعض زي الناس الكبار المحترمين!"
وبخ رحيم كلاهما كما يوبخ المعلم تلاميذه، طالعت أفنان أنس وحاول كلاهما كتم ضحكاتهم كي لا يزداد استياء رحيم أكثر، عقبت ميرال على جملة رحيم وقد وافقته الرأي مُردفة بضيق:
"قولهم يا رحيم، كل واحد فيهم هما الإتنين وهو في حاله بيبقى محترم ومؤدب يتجمعوا مع بعض تحس إنك قاعد في زريبة مش في بيت محترم."
"كده يا ميروللتي؟ ربنا يسامحك." تمتم أنس بنبرة طفولية مصطنعة وقد أطلق عليها اسم تدليل مُريب لم تسمعه أفنان من قبل لتسأله مستنكرة وقد رفعت أحدى حاجبيها:
"ميرول أيه يا أخويا؟!"
"ميروللتي." أجابها بثقة شديدة وهو ينطق الاسم ببطء شديد متعمدًا إثارة غيظ أفنان.
بعد عشرة دقائق تقريبًا استأذن أنس أن يجلس هو وميرال في الشرفة أمام أعينهم بالطبع ولكن لكي يتحدثوا حول ترتيبات الزفاف بقليل من الخصوصية
جلست ميرال على الكرسي المقابل له وقد أحضرت الصحون معها لتضعها على الطاولة الصغيرة التي توسطت المكان.
"ميرال بقولك بصي كده على الفساتين دي حاسس لو عملتي واحد زيهم في الفرح هياكل منك حتة."
"حلويين أوي بس شكلهم غالي أوي يا أنس."
"الغالي يرخصلك يا جميل وبعدين يعني أحنا مش هنشتريه من نفس البيدچ دي أحنا ننزل نجيبلك قماش من الأزهر ونشوف ترزي حريمي حلو كده نفصلك عنده الفستان..."
أردف أنس بتعابير وجه جادة تمامًا لتطالعه ميرال بقليل من الحيرة وهي تسأله:
"بجد؟"
"يا مصيبتي! هو أيه اللي بجد يا ميرو يا حبيبتي؟ أنتِ تشاوري على الحاجة بس وتبقى تحت رجلك."
"ربنا يخليك يا أنس والله بس أنا بجد مش عايزة أكلفك كتير خاصة لو حاجة مش مستاهلة."
"يعني أنا راضي ذمتك فستان فرحك اللي هي ليلة العمر حاجة مش مستاهلة؟ فستان كتب الكتاب حاجة مش مستاهلة؟"
"هو أحنا هنعمل كتب الكتاب في يوم والفرح في يوم تاني؟"
"هو مجرد اقتراح يعني لو أنتِ حابة الفكرة، يعني بصراحة أنا فرحان أوي وحابب نحتفل على كذا مرة عايز أفضل مبسوط بالأجواء دي لأطول فترة ممكنة يعني."
"أنا كمان فرحانة صدقني بس يا أنس أنتَ كده هتتكلف جامد أوي بجد يعني أولًا أنتَ جايب أغلب الحاجة إلى في بيتنا ده غير أنك جايب البيت أصلًا وكمان لسه فلوس الفرح والفستان والميكب ولسه ال Honey moonn 'شهر العسل' كمان بقى عايز تعمل كتب كتاب منفصل عن الفرح؟!"
"يا حبيبتي أنا معايا فلوس المفروض تشكك إن أنا حرامي أساسًا فمتركزيش يعني المهم إن أحنا نبقى مبسوطين لأن دي أيام مش هتكرر تاني." تمتم أنس وهو يضحك لتتنهد هي قبل أن تُردف:
"خلاص زي ما أنتَ حابب، بس أنتَ عارف إن أنا مش بكون مرتاحة لما بنصرف كتير كده."
"سيبك بقى من الكلام ده وكُلي."
غلف الصمت المكلن لبعض الوقت قبل أن يقطعه صوت ميرال وهي تسأل أنس الآتي:
"أنس هو أنتَ مش هتخليني أقابل مامتك؟ أنتَ وعدتني قبل كده." تمتمت ميرال وهي تضع الطبق الذي يحوى أنواع مختلفة من 'الحلويات الشرقية'، أمتعض وجه أنس على الفور وتحاشى النظر إلى وجهها بينما يُردف بإقتضاب:
"إن شاء الله يا ميرال ربنا يسهل."
"أنت بتهاودني يعني مش كده؟"
"أظن الوقت مش مناسب إننا نتناقش في حاجة زي كده يعني النهاردة أول يوم رمضان ومتجمعين ومبسوطين فا يعني مفيش أي داعي للنكد."
"ماشي يا أنس خليك كده بتفضل تخبي عني كل حاجة ولو فاكر إن أنا مخدتش بالي من خناقتك مع أروى يوم الخطوبة تبقى ساذج."
"ساذج؟ أنا ساذج يا ميرال؟ شكرًا." قال وهو يضع الطبق من يده ويستقيم من مقعده استعدادًا للرحيل، تحركت ميرال سريعًا بحيث تقف أمام باب الشرفة تمنعه من الرحيل بينما تعتذر منه قائلة:
"استنى بس أنا مكنش قصدي... متزعلش أنا أسفة، بس أنتَ يا أنس مش مرسيني على بر في الموضوع ده وأنا قلقانة."
"مفيش حاجة تستحق القلق يا ميرال، أنا قولتلك قبل كده إن علاقتي بأمي مش كويسة خالص وأنا بتطمن عليها من بعيد لبعيد ومحبش أبدًا إنك تخطلتي بيها وأظن أنا حر في حاجة زي دي."
كانت نبرة أنس حادة بعض الشيء ولم تعتد ميرال على ذلك منه، بالطبع هو لم يتعمد ذلك لكن الحديث عن والديه يجعله في حالة غير طبيعية.
"ماشي أنتَ حر وكل حاجة بس أنا يا أنس مش بقول كده رخامة عليك... أنا حاسة بوجعك ونفسي أساعدك زي ما أنتَ ساعدتني قبل كده."
"أنتِ وجودك في حياتي من غير أي حاجة بيساعدني صدقيني بس الجرح كبير أوي يا ميرال ومحتاج وقت وأوعدك أول لما يبقى عندي القدرة على إني أحكيلك هحكيلك كل حاجة بالتفصيل الملل وبعدين أحنا هنروح من بعض فين يعني؟"
"صح، ربنا يخليك ليا يا أنس وبعدين بعد كده لو سمحت لما نتخانق أو نشد مع بعض متتقمصش كده وتقوم تمشي وتسيبني..."
"أمشي وأسيبك أيه؟! أنا كنت رايح أطلب منهم خربوش شاي علشان أعرف أبلع الحلويات دي يا حلويات." غازلها أنس بطريقته المميزة وهو يغمز بإحدي عينيه لتقهقه هي بخجل قبل أن تُردف:
"على فكرة نسيت أشكرك على الهدية بجد تحفة ربنا يخليك والله كلفت نفسك، بجد اتبسطت أوي أوي لأني طول عمري بحب أعمل مفاجأت للناس وكده مش متعودة حد يعملي مفاجأة."
"ولسه أنا هخلي حياتك كلها مفاجأت معرفش هي هتبقى مفاجأت حلوة ولا لا بس اللي ضامنه يعني إنك هتتفاجئ." قال أنس بنبرة جادة وإن تخللت عبارته ضحكات متقطعة، طالع أنس ميرال بحب وكاد أن يتفوه بشيء رومانسي لولا أن أقتحم رحيم المكان وهو يقول:
"أنس بقولك أيه ممكن تطلع تقعد برا أنتَ وميرال وتجبني مكانك أنتَ وأفنان؟"
"أيه ده في أيه البلطجة دي؟ وبعدين هتقعدوا في البلكونة تعملوا أيه؟ البلكونة دي للمخطوبين بس أنتوا خلاص تخطيتوا ال Phasee 'مرحلة' دي."
"قوم أتطلع برا يلا!"
"يلا؟! رحيم أنتَ بقيت متشرد أوي من كتر القاعدة مع أفنان خد بالك، الله يرحم أيام ما كنت بتفضل تقولي أنس Watch your language 'انتبه لكلامك'."
"ما أنا لسه بقول كده عادي بس يعني أنا وأفي من العِشرة بقى طبعنا على بعض، يلا اطلع برا."
"عِشرة أيه أنتَ هتمثل محسسني إن بقالكوا عشر سنين وخلاص براحتك هنطلع بس متزعلش من اللي هعمله بقى." لم يهتم رحيم بتهديد أنس ودفعه من كتفه نحو الخارج ليرمقه الأخير بطرف عيناه بإحتقار قبل أن يرافق ميرال نحو الخارج.
أقترب رحيم من أفنان واستند كلاهما على 'السور' يراقبون المارة والأطفال الذين يلعبون في الشارع متسببين في جلبة محببة إلى القلب في شهر رمضان كما صدح في المكان صوت أغاني رمضان من أكثر من مكان سواء كان متجر أو مقهى شعبي.
"فاكرة يا أفي لما كنا بنوقف نتخانق هنا؟"
"فاكرة؟ ده أنا حافظة كل خناقة منهم صم، كانت أيام حلوة أوي والله أكيد الأيام دلوقتي حلوة بس كل مرحلة وليها شعور مختلف." أردفت أفنان بتأثر شديد وهي تُمسك بيد زوجها ليطالعها بحب بينما يتمتم بلطف:
"عندك حق."
"رحيم هو أيه الريحة دي؟" سألته وقد وصلت إلى أنفها رائحة تعرفها لكن لا تتذكر ماهية الشيء الذي يُصدرها، عقد رحيم حاجبيه وهو يسألها:
"ريحة أيه؟"
"يالهوي صاروخ حاسب!" صرخت وهي تترك يد رحيم وتدفعه بعيدًا وقبل أن يستوعب ما يحدث دور صوت إنفجار صغير من وسط المسافة بين أفنان ورحيم، تملك الهلع من رحيم وهو ينظر من حوله باحثًا عن مصدر تلك الألعاب النارية وبينما يفعل أُلقي نوعًا آخر بالقرب منه ولكنه كان سريع التفجير.
"مش قولتلك هتزعل يا رحيم؟" سأل أنس صائحًا من الخارج وهو يُمسك معدته بآلم من فرط الضحك على ردة فعل أفنان ورحيم بينما كان يُمسك في يده أداة الجريمة 'علب البومب والصواريخ وولاعة'.
"يا عيل يا.... عايز تولع فيا أنا والراجل اللي حيلتي أقول فيك أيه وأنتَ فيك كل العِبر؟!" صاحت أفنان وهي تتجه نحو الخارج، كان رحيم يسير إلى جانبها بهدوء شديد دون أن ينبس ببنت شفة وكأنه لم يتأثر بتاتًا بما حدث وفجاءة هرول نحو أنس وبحركة خاطفة جعل رأس أنس أسفل ذراعة.
"يالهوي على لعب العيال!" تمتمت أفنان مستنكرة وإن كانت مستمتعة لأن رحيم يضرب أنس لأنه شخصًا مزعج وطفولي.
مرت الليلة بسلام ورحل أفنان ورحيم في حاولي الثانية عشرة والنصف متجهيًا إلى منزلهم وقد قاموا بإيصال أنس إلى منزله حيث تعطلت سيارته، جلس رحيم بقليل من الإرهاق على الأريكة إلى جانب أفنان التي كانت تشاهد بإهتمام الحلقة الأولى من أحدى المسلسلات الرمضانية بينما أخذ يعبث في هاتفه.
وبالطبع بعد عشرات التحذيرات من رحيم بأن لا يتم نشر أي صورة لهم اليوم مراعاة لشعور والدته وكذلك تجنبًا للشجار الذي لا داعي له قام أنس بنشر صورة جديدة تجمع أفراد العائلة جميعًا على طاولة الطعام وقد كتب عليها التعليق التالي:
«أحلى فطار مع أحلى عائلة.♥️»
أخذ رحيم ينظر إلى الصور التي قام أنس بنشرها على جميع التطبيقات تقريبًا والذي لم يكتفي فقط بذلك بل قام بالإشارة إلى رحيم وأفنان وميرال في جميعهم وكأنه يقوم بتأكيد جريمته، أطلق رحيم سبة بالإنجليزية أسفل أنفاسه قبل أن يصيح بحنق:
"والله أنس ده غبي بجد مفيش فايدة فيه!"
"أنا حقيقي خايفة على عياله هو وميرال لا يورثوا الچينات دي منه مش هتبقى چينات غباء وتقل دم يعني كده كتير بصراحة!"
"هو غبي اه بس دمه مش تقيل خليكي حقانية بقى و... يالهوي مامي بتتصل!"
كان يتحدث رحيم بمزاح قبل أن ينتفض من جلسته حينما أضاءت شاشة هاتفه باسم والدته، رمقته أفنان بطرف عيناها وهي تسأله مستنكرة:
"تاني يا رحيم؟ مامي تاني يا رحيم؟"
"ماما... أمي... أما... ست الحبايب، أي حاجة يا أفي المهم دلوقتي إن أنا هاخد كلمتين بسبب أنس المتخلف ده."
أجابها رحيم بسخرية شديدة وهو يستقيم من مقعده لكي يذهب للإجابة على مكالمة والدته وعلى عكس ما توقع لم توبخه والدته بل كانت تطمئن عليه هو وأفنان وتسأله متى سيكون بإمكانهم أن يحضرا إلى منزلها لتناول الإفطار معًا.
في ضهر اليوم التالي استيقظ رحيم حينما شعر بأن أفنان قد غادرت الفراش، توجه نحو الأسفل ليجدها تقف في المطبخ تستعد لطهو الطعام وقد قامت بوضع خصلات شعرها في كعكة مبعثرة حتى لا يعيق رؤيتها وحركتها.
"أفي حبيبي هو أحنا هنفطر أيه بقى النهاردة؟ ولا تحبي نجيب فطار من برا؟"
"لا لا من برا أيه بس؟! أحنا داخلين على متابعة حمل وفلوس ولادة وأوضة للبيبي ومصاريف لا تعد ولا تحصى حضرتك."
"أيوا يعني هنفطر أيه؟ ولا هنروح مائدة رحمن؟!"
"ياتي بطة أنتَ عرفت مائدة الرحمن؟" مازحته أفنان بسخرية وهي تقوم بقرصه من خدوده ليطالعها رحيم بتملل لتقهقه قبل أن تُجيبه بجدية:
"طب خلاص متضربش بوز كده، بص يا سيدي في باقي محشي وحتة بط ماما بعتتهم معايا إمبارح أنا بقى هعمل معاهم صنية مكرونة بشاميل وهحمر حتتين بانية كده."
"حلو أوي تسلم إيديك، بس أنا كنت فاكر يعني إننا هناكل حاجة تكون خفيفة شوية بس تمام." تمتم رحيم فلقد كان ينتظر منها أن تطهو دجاج مشوي و 'خضار سوتيه' على سبيل المثال.
"هو الأكل ده تقيل؟ هو أنا عملالك فتة كوارع؟ وبعدين يا حبيبي أنا محتاجة تغذية وأساسًا يعني هي معروفة أول يوم محشي تاني يوم بشاميل."
"لا بصراحة القاعدة دي أول مرة اسمع عنها."
"أديك سمعتها أهو وأعمل حسابك بقى يا دكتور رحيم إنك هتساعدني."
"دكتور رحيم؟ هساعدك في أيه بقى؟ No wait 'لا انتظري' أكيد قصدك بقى نطبخ سوا ونقعد نهزر ونرمي ال Flour 'دقيق' في وش بعض زي في الأفلام الرومانسية مش كده؟" سألها رحيم بنبرة حالمة وقد أشتعلت عيناه بالحماس لكن سرعان ما انطفأ ذلك الحماس حينما طالعته هي بوجه جامد قبل أن تقول بنبرة لا تخلو من التوعد:
"عارف يا رحيم لو في فتفوتة وقعت في الأرض بص مش هقولك هعمل فيك أيه! الكلام ده هناك عندكوا في إنجلترا لكن هنا في مصر المطبخ ده ملكية خاصة لست البيت وغير مسموح بأي تخريب أو كركبة على الإطلاق."
"على فكرة أنتِ مُفسدة للبهجة على العموم أنا كده كده عارف هعمل أيه السلطة والبطاطس."
"براڤو عليك يا جوزي يا شطور أنتَ، You are such a good boy 'أنتَ فتى جيد'."
"هو عادة الجملة دي بتتقال لل puppies بس تمام." تمتم رحيم ممازحًا إياها قبل أن يأخذ حاجته من الخضروات ويجلس على أحد الكراسي التي تستند من الخارج على 'الرخام' الخاص بالمطبخ ليقوم بعمل الوظيفة التي وكلتها له أفنان.
أخذ يتأمل تحركاتها أثناء طهيها للطعام، لقد كانت ماهرة تحفظ كل إنشٍ في المكان وقد كانت تضع المقادير بدقة دون أن تحدد مكيالًا معين وسرعان ما بدأت رائحة الطعام الشهية تداعب أنف رحيم.
فور سماعهم لصوت آذان المغرب جلس كلاهما لتناول الإفطار بينما يشاهدون أحد برامج 'المقالب'، كانت عين رحيم تنتقل تارة بين التلفاز ومع الطعام وتارة آخرى نحو حبيبته، عشقه الوحيد زوجته أفنان والتي كانت تحمل في أحشائها ثمرة ذلك الحب الذي جمعهما والتي كان يحترق شوقًا لرؤيتها تكبر أمام عيناه أكثر فأكثر...
تلك الجالسة أمامه التي لم يعرف معنى للحياةِ قبل أن يُقابلها وبمرور الأيام وهي إلى جانبه شعر بالسعادة الحقيقية، حتى وإن لم تكن بنفس الصورة الخيالية المُبهرة التي تظهرها روايات الحب والأفلام الرومانسية، فلقد كان حبًا مليء بالإختلافات، الجدال
، الغضب في بعض الأحيان لكن الأهم أنه كان صادق وحقيقي لم يزيفه أحدهم قط...
ومنذ يومهم الأول معًا أخذ رحيم عهدًا على نفسه ألا يسمح ليوم تشاجر فيه مع أفنان أن يمر دون أن يُصلح الأمر بينهم فهو لم ولن يدع جفونها تُغلق وقد بكت بسببه أو قد ضاق صدرها بأمر ما فهو يعلم أنه إن مرت ليلة على الغضب والحزن ازداد أضعافًا.
كان رحيم قد أدرك أنه بمرور الأيام والأشهر ستزداد التحديات التي تواجهه هو وأفنان لكنه لم يكن خائفًا فهو واثق من أن ذلك الحب الذي استطاع أن يصمد أمام كل تلك الصعاب يستطيع أن يقف شامخًا أمام أي عقبة فهو لا يريد شيء في هذه الحياة سوى أن يكون إلى جانبها الآن وإلى الأبد.
تَمَّتْ.
لمتابعة الروايه الجديده زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله اضغط من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
___________________________________
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا