القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية آصرة العزايزه الجزء الاول" من يعيد لي قلبي " الآصرة التاسعة عشر والعشرون بقلم الكاتبه نهال مصطفى (حصريه وجديده على مدونة قصر الروايات كامله)

 

رواية آصرة العزايزه الجزء الاول" من يعيد لي قلبي " الآصرة التاسعة عشر والعشرون بقلم الكاتبه نهال مصطفى (حصريه وجديده على مدونة قصر الروايات كامله)




رواية آصرة العزايزه الجزء الاول" من يعيد لي قلبي " الآصرة التاسعة عشر والعشرون بقلم الكاتبه نهال مصطفى (حصريه وجديده على مدونة قصر الروايات كامله)


⭐️ الآصـرة التـاسعـة عشـر ⭐️


"‏للظلم جولة و للحق جولات، وعلى الباغي تدور الدوائر."


- عبد الرحمن منيف ।


•••••••••••••••••


لقـد سربت "ليلة" لحقل فكره عودًا من الكبريت المشتعل الذي لم يتوقف عن الإحتراق أبدًا ، حمل دخان حيرته بين التمرد على تلك الأعراف القاسية و التي تعهد على حمايتها بما تحمـله من مظالم لآخر عمره  ، أم كيف سيخمد بركان الضمير الذي أشعلته تلك الفتـاة برأسـه !! فأكثر الأشياء التي قد تدهشك حد الحيرة حينمـا تنساق وراء عُرف محتقرًا لآلام الآخرين ، أعراف وضعت بزمـان ربما كانت حينها تتناسب معه ولكن و مع دوران ساقية العصـر واختلاف مطالبه ؛ أ هل عدلًا أن نأسر قلوبنا في قوقعة السلف !!! 


غادر "هارون" غرفتـه محتجًا بأنه في حاجة لإشعال لفافة من التبغ .. أو على الأقرب ربما يريد حرق كل الأفكار التي تتسابـق بعقله ، تركت له الحيرة حد التمرد على عقله وأعرافهم  وترك لها التمرد حد الحيـرة حول أمر قلبها المتعاطف دومًا مع الجميع وثقتها الكبيرة بحكمته !! 


خلت الغُرفـة من طيف وجوده وقفل عليهـا الباب كي لا يتسبب أحد بإزعاجها ، ما أن ذهب عنها أحست بالخلاء يحيطها ، خلاء لا تدرك معناه حقًا إلا بغروبه عنـها وعن أي مكان يجمعهمـا معًا ، تمرد القلب الذي احتج ببقاءه بالمكان للإطلاع على الكُتب لـ التفتيش حول متعلقاته الشخصية.. فتحت تلك الخزانة الخشبية الصغيرة المتكونة من ضلفتين ناحية معلق بها عباءته الصعيدية وبجوارها عدد قليـل من الملابس الشبابية والعصرية ذات الماركات المميزة ، توقفت عينيها على ذاك " البلوڤر" المميز المختبئ بين ثيابه المُعلقـة وأخذت تعاينه بإعجاب لتقول لنفسها:


-واو ، واضح أن ذوقه حلو في كل حاجة إلا الستات !! 


ثم رجعتـه مكانه وقفلت تلك الضلفة لتفتـح الأخرى المكونة من عدة رفوف فوق بعضها ، بدأ من ملابسه القطنيـة لـلرياضيـة لكسوته الصعيدية المكونة من عدة عباءات مصفوفة ومرتبة بطريقة مميزة للغايـة فوق بعضها البعض .. عاينت ماركة ملابسـه نوع نوع .. حتى مقاساته لم تنجٌ من حبل فضولها الممتد نحو خصوصياته ، تناولت يدها زجاجة العطر والتي يجاورها زجاجة من المسـك ذو الرائحة الخلابة ، أمسكت بعطره ونفثت القليـل على معصم يدها لتتنفسه بحبور يحضره بذاكرتها على الفور ؛ فالعطر من أخطر الأسلحة على ذاكرة المُغرميـن .. طيف من احتضانه لها مر على شريط فكرها للحظة أحدث رعشة قوية بجسدها جعلها تترك ما بيدها بسرعة وهي تقفل الضلفة وتعاتب نفسها وتتذكر جملة أمها التي كانت تقولها كل ما تعبث هذه الطفلة بأشيائها :


-عيب يا ليلة عيب ؛ ما تبقيش نوتي وتفتشي في حاجـة مش بتاعتك .. 


حاولت أن تُشتت فكرها عنـه بانشغالها بأي أمر آخر.. ولكن كيف السبيل وكل ركن هنا يحمل جزءًا منه ، تقع تحت سقف مملكته وعن أي نجاة تبحث هذه الحمقاء !!  فكرت للحظات في رقيـة وما وقع على تلك المسكينـة وكيف عانت ، وكيف الوحدة قطمت قلبها كما فعلت بكِ لسنوات متواصلة يا ليـلة !! نوبة من البكاء هجمت على مُقلتيهـا استقبلتهم برفض قاطع وهي تراقص جفونها وتهش على أوجاعها بيدها كي لا تفتح بابًا للحزن الموصد :


-ليـلة ، ليـلة مش هنعيط ؛ أهدي كده … 


تناولت بعض الحبوب التي لا تُفارق جيبها ثم قفزت الفكرة برأسها وهي تمسك هاتفهـا لتشتت انتباهها عن الحزن ، وهي تقول:


-نشوف حكاية هاشم ده كمـان ، والله قلبي كان حاسس إنه مش سالك أبدًا !! نشوف كده يمكـن أكون غلطانة فـ الرقم ولا حاجة !!


سجلت الرقم ودخلت إلى تطبيق " الواتس آب " ، إذًا بصورتـه الشخصية موجودة على الرقم المُسجل ، رفعت حاجبها باندهاش :

-الله!!! ياابن اللعيبة ما الرقم صحيح أهو .. معقولة يكون متجـوز بجد ولا البنت دي بتكذب !! أممم بس هعرف .. 


قطع حبـل أفكارها رنين رفقتها اللاتي لم تتعرف عليهن إلا من أربعة سنوات فقط حتى أصبحن كل حياتها كي تعوض فراغ غياب أبيها .. فتحت " الڤيديـو كول" وهي تعبث بشعرها وتقول بملل :


-وحشتـوني على فكرة .. 


ملأت شاشـة هاتفها بصورهن وكل واحدة تعبر عن مدى اشتياقهـا للأخرى وعن عملهم والمواقف اللاتي مررن بها الأيام السابقـة ، حتى جاءت "علا" لتردف بفضول :


-ليـلة مالك سرحانة مش موجودة معانا خالص !!


وضعت قبضة يدها تحت خدها بملل :

-البلد هنا كلهـا أحداث وحاجات تخوف ، كل يوم عندهم جديد مش زينا ، عادي الأيام تتكرر وتعدي كده من غير أي حاجة مهمة .. لكن هما لا تحسي حياتهم فيلم سينمائي مش عارفة نهايته .. هما بيجروا وبيسابقوا الحياة بالظبط 


انتبهن الثلاثة لحديثها ، فأدرفت "جوري" متسائلة بفضول :

-هارون تاني صح ؟! عمل ايه ؟!


جاوبت ليلة :

-مش هارون لوحده ، أخواته أهله قرايبهم بلدهم دي .. كله كله كده غريب ، فعلا دول لو اتعمل عليهم حلقة فالـTV هتكسر الدنيا  .. المهم سيبكم من كُل ده ؛ بنات أنا عرفت حاجة خطيرة جدًا .. 


ثم فارقت مقعدها الخشبي لتجلس على طرف تخته بارتياح كإنه ينتمى لها وتُكمل لهم  :


-هاشـم أخوه طلع متجـوز فالسـر واحدة في البلد اللي بيشتغل فيها .. عارفين يعني ايه !! استنوا ده المفروض أنهم خاطبين له نغم !! ايه دا ؟!كل دي عُقد !! 


ردت لميس بجهل :

-طيب وفين المشكلة في واحد متجوز ؟! 


بررت لها عُلا :

-أنتِ مكنتيش معانا آخر مكالمة ، العيلة دي جوازها قائم على الدم ، بمعني لازم يتجوزوا يكون قرايب بعض !! 


فأتبعت لميس :

-الجهل ده لسه موجود !! معقولة ؟! طيب وأنتِ عرفتي ازاي يا لي لي .. 


كفت ليلة عن العبث بخصلات شعرها وهي تروي لهم ما حدث مع أحلام التي توسلت لها أن تطمئن على ابنها وقالت :


-لسه بقول ألو ، ردت عليا واحدة وبتقـول لي أنها مراته ، وأنا من غبائي بكرر الجملة ، وهارون .. قصدي هارون بيه العمدة كان واقف قصادي ومعرفش سمع ولا لا ؛ بس هو حاول ياخد مني الموبايل لما عرف إني بتكلم مع أخوه وأنا رفضت .. 


تدخلت جوزي معبرة عن إعجابها بهاشم :

-أوووه ؛ شكلي هحب هاشم .. يعني ده ضرب بأعرافهم المتخلفة دي في عرض الحيط وراح اتجوز وعايش حياته !! لا جامد . 


فأكملت " عُلا" بنصح :

-لي لي .. خلي بالك أوعي لسانك يقول كلمة كده ولا كده ، عدي اليومين الباقيـن يا ستي في هدوء وارجعي ..


ردت بخيبة أمل :

-هعمل كده فعلا .. 


فهبت لميس مقترحـة بحماس :

-ندخل في المفيـد ؛ أنا عايزة أشوف أشكال الناس اللي بننم عليهم دول ..


أيدهن الباقية بضحك ومزاح حتى طاحت ليلة بوجههم :

-خلاص اسكتوا بقا .. لقيت صورة هاشـم وو


ثم وقعت عينيها على الإطار الموضـوع فوق الكُمود الذي بداخله صورة هارون والتي رسمت الضحكة على محياها وهي تقول بنبرة هائمة :

-وهارون كمان .. استنوا .. 


سرقت الصورة الشخصية لهاشم ومن بعدها قامت بالتقاط صورة هارون بيدها التي ارتعشت وهي تلتقها .. لم تتردد للحظة وهي ترسل لهم صورة هاشم ، ولكن عند هارون صدح قلبها بصوت الملكيـة الذي كان يريد أن يمنعها في أن يتغزلن الفتيات بصورته .. تجاهلت نداء قلبها الغامض والمبهم وقامت بارسال الصورة أيضا ، ذاع صوت الفتيات وهن يشاهدن الصور وكل واحدة منهم مبهورة بالزي العسكري لهاشم اللاتي أعجبن بكونه ضابط حربي .. ومنهن من أشادت بوسامة هارون وجديتـه .. تفوهت جوري التي وقعت بحب هاشم :


-ايه المُز الجامـد ده !! 


فأتبعت لميس :

-واحد جامد والتاني أجمد !! ينفع اتجوز الاتنين ؟! 


فردت عُلا :

-لي لي أنا لو منك مش هرجع غير وأنا متجوزة واحد منهم … 


فأتبعت جوري :

-حاسة الصورة دي قديمة لهارون ، لو صورة جديدة كان هيفوز بحبي عن هاشم الباد بوي ده ..


فتغزلت لميس بهارون مما سرب شعور الغيرة لقلب ليلة :

-بس جامد عنده هيبة بنت ستين في سبعين أنا اتخضيت … لي لي هارون ده فظيع بجد !! هو كده فعلًا في الحقيقة ؟!


فنادت علا على ليلة الشاردة :

-وأنتِ يا ليلة ؛ مين أحلى ؟!


ردت بشرود تائه في بحره وهي تستحضر ذكريات لقاءها بالمدعو هارون وتقول :


-هاشم جامد ولذيذ بس مشدنيش ، لكن هارون زي ما قالت لميس ، عنده هيبة تخض يخلي عندك فضول بيسحبك شوية بشوية لعنده عشان تتعرفي عليه أكتر وأكتر .. 


ثم ذابت في سحر صورته بين يديها وأكملت بتمنى يزهو بمقلتيها :

-راجل مختلف عمري ما هقابل زيـه في حياتي ..


ثم هبت مذعورة وهي تعيد صورته لمكانها وتقول :

-مامي بتتصل .. باي باي أنتـوا … 


••••••••••••••••


~بسيارة هارون .. 


والتي حكم بجلوس "أحلام" بالمقعد المجاور له وبالخلف صفية وزيـنة التي يمتد غضبها لملامحها المنكمشة .. تفوهت صفيـة بضيق :


-هارون يا ولدي ، ساعة ونعاودوا .. أنا عندي مصالحي ..دي واحدة خاطية خسارة نعزوها حتى. 


-البت معملتش حاچة تعيبها ياما ..

ثم عير مجرى العتب و أكمل بمـلل :

-ربك يسهل الأمور ياما .. 


فتدخلت زينـة بكهن :

-إلا قول لي يا هارون ؛ بكرة هيكتبوا على البت دي والواد وِلد عمها .. 


زفر باختناق :

-معارفش ..


فتدخلت صفية لتقلي سؤالها على مسامعـه :

-الواد راح المجلس يطلبها ولا لسه يا هارون .


انكر معرفته بكل شيء كي يقفـل أي بوابة للجدال بخصوص هذا الأمر الذي أشعلتـه ليلة بقلبه وبرأسه  :

-معنديش  خبر .. 


أخذت زينة تخوض في تفاصيل الأمر مع عمتها :

-شوف الحرباية ، أمها في المستشفى ورايحة تمشي على حل شعرها ؛ دي بنات متربتش يا عمة ، وبدل ما يچوزوها يروحوا يدفنوها بالحيا ..


كان حديث زينة النقيض تمامًا عن ليلة التي رأفت بقلب تلك المسكينـة على مسامع هارون فأعقبت صفية :


-دي بت چليلة الترباية ، عاوزة قصف رقبتها .. انا من رأيي موتها ولا عارها .. البت اللي تتكشف على راجل مش حلالها متستلهش تعيش.


وضعت زينة أناملها على شدقها وهي تقول مسددة النظر لهارون:

-يا مري يا عمتي .. لا ربنا يبعدنا عن الحرام والفضايح ، وهو في أحلى  من حلال ربنا يوعدنا بيـه ..


لم يرق موضع الحديث بالنسبة " لأحلام " التي ربتت على كتف هارون متولية أمر دفاعها عن تلك الفتاة التي يجلدها الجميع بدون سبب .. نظرت للخلف وهي تنهرهم :


-ما تكتمي أنتِ وهي ، أيه عاوزين جنازة وماتشبعوش فيها لطم !! عرض الولاية بقا سهل !! مسكتوا حكم الدنيا أنتوا  و أحنا مش عارفين !! اتقي الله يا صفية عندك بنات والبت دي مش خاطية البت اتاخدت غدر .. 


تفوهت زينة باعتراض :

-غدر ولا مش غدر اسمها لامؤاخذة انكشفت على راجل وماينفعش تتكشف على غيره  بعد إكده .


ألجمها صوت هارون المعارض لجهلها :

-ولا كلمة زيادة يا زينة ومش عاوز اسمع صوتك لحدت ما نوصلوا .


-ليـه بس يا


قاطعها بإصرار وهو يبرق لها بالمرآة :

-ولا كلمة قلت … 


لكزتها عمتها التي انكمشت بالمقعد كي تصمت ، كي لا تُجادله .. ربتت أحلام على كتفه وهي تقول :

-هدي روحك ياحبيبي ، عيلة مفهماش حاجة وعرفت غلطها .. 


شتان بين صوت الضمير وصوت الحميـر ، شتان بين إمرأة تجلس ببساتين الحياة فكل ما يخرج من فاهها زهور في صورة كلمات ، وبين إمراة ترعرعت في حظيـرة كل ما تقوله مدنس بالحماقـة .. استحضرت أعينه وجه" ليلة "التي تتوسله أن يقف بجوار فتاة لم تعرفها وتترجاه أن يقيم العدل لأجلها ويرحمها ، وتلك التي تجلس خلفه وستكون يومًا ما زوجته وهي لا تعرف للرحمة لون … ما هذا النفور الذي قفز بقلـبه لمجرد تخيله للفكرة !!


قطع فكره المتواصل رنين هيثم الذي اتاه صوته المتقطع بأنفاس التعب :

-هارون ، رقية جات عزا أمها ؟!


-أنا لسه في الطريق !! في ايه ؟!


-مش لاقينها يا هارون !! فص ملح وداب . 


••••••••••


أغرق بالحب كيفما شئت ولكن عليك بالحذر ، أن تبقى أعينك مفتوحة دومًا .. هذه هي قوانين البحار لا يموت سمك مقفول العينين وتلك أشارة لك أيها العاشق .. فلا تبقى عاشق وأحمق بآنٍ واحد .. يكفيك سُم العشق فالقلب سيشفع لك ، ولكن سُم الحماقة فلا يرحمك العقل وقتها ..


قبل ساعات وبالأخص حينما كانت تخفي رغد آثار جريمتها الشنيعة وتقوم بحذف رقم" ليلة" من هاتفه توقفت عند رقمها قليلا وقامت بالتقاط صورة الشاشة وأرسلت الرقم لنفسها رغبة ما بنفسها قادتها أن تحتفظ برقم "ليلة"ثم تابعت إخفاء باقي جريمتها بعجل وغادرت الحمام بحذر شديد وفي لحظة قربها منه لتضع الهاتف بمكانه تأرجحت جفونه حتى أوشكت أن تنفضح أمامه فاضطرت أن تلجا لدهائها  الأنثوية لتشتت تساؤلاته وهي تبادر بقبلة رقيقة نالت ملامحه هامسة له :


-سبتك تنام كتير .. مش كفاية بقا ؟!بتوحشني . 


عادت من غفلتها على صوت فرقعة حبات الفشار بالطنجرة فاستردت وعيها على الفور وهي تجهز الإناء البلاستيكي لتكمل سهرتها الرومانسية معه بمنزلهم .. غسلت وجهها بالماء لتمحو من فوقه أثار الفكر واخذت نفسا عميقا لتهدأ ثم عادت لتفرغ الفشار بالطبق وتعود له ..


كان جالسًا في أجواء رومانسية يعمها الإضاءة الخافتــة والفيلم الأجنبي المفضل لهما حول الكثير من المقرمشات والعصائر للتسلية .. كانت ترتدي منامة شتوية بحمالات تصل لركبتها وجوارب شتوية تكسو قدمها لأعلي فدنت منه وهي تسأله :


-الفيلم ابتدا؟!


ترك الهاتف من يده وهو يجذبها لحضنه برفق :

-أهو هيبدأ .. وبعدين أنتٍ جايبة لنا فيلم رومانسي ليه ؟! أنا بحب الأكشن ..


-وأنا بحب الرومانتك ..


أصدر صوتًا نافية وهو يرفع حمالة كتفها المتدلية ويقول :

-كله كلام فارغ بيضحكو بيه على الهبل اللي زيكم .. مفيش بعد الأكشن وحلاوته ؟!


رمت حبة فشار بفاهه وهي تمازحه :

-ياسلام !! زي ما ضحكت عليــا كدا بالظبط ؟!أنت ناسي عملت أيه عشان تخليني أحبك !! 


رفع حمالة سترته مرة أخرى وهو يتأمل ملامحها البدوية بإعجاب :

-في الأول كنت بتفرج عليه عشان أعرف أضحك عليكي بس .. 


-ياسلام ؟! ودلوقتٍ خلاص بقا ضحكت عليا وجبتني في بيتك .. فـ خلاص كدا !!


تحمحم هاشم بخفوت وهو يغازلها بأنفاسه القريبة منها أرنبة أنفها : 


-لا يا عبيطة هفضل أعلم فيكِ لأمتى .. فيلم رومانسي لزوم الشغل والأكشن لزوم ضبط الشغل .. 


ثنت قدمها فوق ركبته المثنية وقالت بدلال بعد ما وضعت القليل المقرمشات بفمه :

-أزاي بقى ياهاشم بيه ؟!


رد بعفوية :

-عندك مثلا التكسير والحركات والخبط والرزع كلها حاجات لزوم الحاجات ؟! فاهمة حاجة ؟!


هزت رأسها وهي غارقة بالضحك :

-لا !!


فتحه فاهه ممازحا :

-ارمي ارمي فشار .. مفيش فايدة فيكي .


غمزت له بطرف عينها وهي تٌمسك بغلة الفشار وتسأل بخبث :

-فشار بس ؟!


-عندك حاجة تاني تتحدف جوة ؟!


جثت على ركبتيها لترمي قبلة أشبة لقطف الورود من خد البستان وقالت :

-حبة كده وحبة كده ... 


-سيبك من كده وخلينا في كده ..

أنهى جملته بغمزة من طرف عينيه وتحمحم متحمسًا بعد ما ألقت رحيق بيادر الحب بقلبه وهو يجذبها عنوة إليه فانسكب إناء الفشار فوقهم لتصيح صارخة باسمه وتعاتبه :


-تصدق مامي ليها حق تطردنا بالعلاقة الهمجية دي ؟! لم معايا كده .. 


-استنى في حاجات تاني هتتلم بالمرة !


قطع حبل نواياه الخبيثة صوت رنين هاتفها ففرت من تحت قبضته كالغزالة لترد على الهاتف قائلا :

-شكلها سامية بتيجي على السيرة ؟! وهي اللي باصة لي في أم الجوازة دي .. 


ألقت نظرة بهاتفها :

-اه هي .. اسكت بقا متعملش صوت ..


ثم فتحت الهاتف لترد على أمها :

-هيي يامامي .. بنت حلال لسه أنا وهاشم كُنا في سيرتك ..


جاءتها نبرة صوت أمها الجادة :

-رغد .. أبعدي عن هاشم وكلميني .. 


استأذنت منه بلغة الإشارة لتحضر ماء وهي تقول :

-معاكي يا مامي ..اتفضلي . 


بتلك النبرة الخائفة حذرتها أمها :

-رغد أقفلي موبايلك لحد جوزك ما يمشي .. ممدوح الشيمي بيحاول يوصلك وأنا قولتله أنك مسافرة كندا عند خالك ..


ثم أشعلت تلك العجوز لفافة من التبغ الملقاة بفاهها :

-رغد .. أبوكي لو ظهر في حياتك تبقي تنسي علاقتك بهاشم للأبد ...


انخرطت العبرات من طرف عينيها :

-يعني أيه يامامي .. هو مش كفاية اللي عمله .. راجع تاني يدمرلنا حياتنا ؟!!!!


••••••••••••••


~نجع العزايـزة .


نُصب الصوان ببيت الحج ( أبو الفضل العزايزي)  لتلحق به زوجته ورفيقة دربه اللذان عانان كثيرًا في الإنجاب حتى رُزقان "برقية " وباتت رُقيهم بالدنيا وبالآخرة .. عندما حققت حلم أبيها بدخولها كلية الصيدلة وبرت بأمها حتى رحلت وراء أبيها وتركوا معذبتهم لدروب الحياة لوحدها .. احتشد الجميع لتأدية واجب العزاء بعد ما دفنت السيدة صفاء ووقفوا أهلها والمقربين لأخذ طقوس العزاء ..


وصل نائب العمدة "هارون العزايزي " وأهل بيته للعزاء ووقف في أول صفوف أخذ العزاء من أهل قبيلته بنفسه .. انضم لهم هلال وهيثم الذين يبحثون عن رقية في كل مكان .. تساءل هثيم بقلق :


-هارون رقية ملهاش وجود ..


فتدخلت هاجر الباكية وهي تلهث من الخوف :


-هارون اتصرف .. عشان خاطري يا أخوي لتعمل في روحها حاجة .. أنا خايفـة عليهـا .. 


لأول مرة يتخلى هلال عن زيه الأزهري وطاقيته .. يقف قابضا على جمر الألم والخوف بقلة حيلة .. قال هارون لأخته :

-خشي دوري عليها في البيت جوة ..لتكون قاعدة في مكان في البيت .. 


ثم التفت لسؤال هلال المختنق الذي يكظم غضب وما أدراك وما كظم غضب الرجال وقال لإيقاع أخيه حول إيجاده لبكر أم لا ليقتص منه  :

-هارون ليكون الندل خدها وهرب ..


أدرك هارون فخ أخيه الذي يحترق غضبا لدينه ودنيته كظن هارون الذي لا يعلم أن أخيه غارق بلهب الحُب ، نجا هارون من الوقوع في فخ سؤاله مستنكرًا علمه بأي شيء يخص المدعو بكر  :


-رجالتي قالبين البلد .. متعتلش هم هجيبوا ومفيش مخلوق هيطلع من العزايزة من غير علمي ..


انفجر هيثم بنفاذ صبر ليجذب صوته انتباه الحاضرين :

-أنت ايه الهدوء بتاعك !!عقولك بت ملهاش ذنب أدبحت ومش لاقينها .. وواحد خسيس هربان وو 


رمق أخيه بنظرته الحادة إثر رفع صوته عليه لأول مرة ولكن منعه من الرد صوت رنين هاتفه :

-أيوة يا جابر ؟!


-كارثة يا جناب العمدة .. البت راحت النُقطة بلغت والقوات جاية وو


هنا أقتحم صوت عربات الشرطة الأذان ودار نحوها الجميع .. تلك أول مرة تجرؤ الحكومة على دخول نجع العزايزة .. اتسعت الأعين وانفرجت الأفواه .. لم يكن الوقت متاحا لهلال أن يستفسر بل ركض نحو العربة التي هبطت منها رقية متجاهلا الجميع ليقف أمامها مهزوزا وبنبرته المنتفضة :


-أنتٍ بخير ؟! 


قفلت جفونها وتحاشت النظر إليه متجاهلة الرد على سؤاله وربما فقدت قدرتها على التطلع له .. فباتت الجسور بينهما محطمة تماما .. كيف ستواجه رجل مثله منارة في العلم والخُلق ..رجل كانت تتحداه رأسا برأس وتناطحه بدل الكلمة بعشرة .. كيف ستواجهه الآن وهي فاقدة كل شيء وتحاول النجاة بحطام ما تبقى من روحها .. دخلت من بوابة البيت فهرولت لعندها هاجر وضمتها بهلفة لتقول معاتبة :

-موت من الخوف عليكي ..


كانت عبارة عن جسد راسخ فقد كل وظائفه الآدمية .. شلت الحركة بكل جسدها ما عدا عينيها باتت تتطوف وتتجول المكان حولها .. تسرب الخوف لقلبها وهي تراقب الوجوه وتسألها :

-هي أمي ناصبة صوان ليه ؟! أنا زينة وحقي راجع وو 


ثم جلى حلقها برقت تلك الأعين المحمرة :


-تعالى معاي يا هاجر أقولها أن بتك شريفة ووالله والله هو اللي عذر بيّ .. أنا كنت هرمي نفسي وو 


ظلت تمسح على وجه رفيقتها وتترجاه :

-اهدي يا حبيبتي .. أهدي أهدي .. أنتٍ زي الفل ومحدش يقدر يقول فيحقك كلمة واحدة وو أهدي عشان خاطري ..


انسكبت العبرات من مقلتيها بغزارة وهي تقول بترجي :

-طب تعالى تعالى نفهموا أمي .. هي عارفة تربية بيتها .. تعالى خليكي جاري عاوزة اترمي في حضنها وابكي و أقولها رقية أدبحت ياما  ...


كفكفت هاجر دموع رفيقتها ثم ضمتها لحضنها وهي تصرخ باكية لتلقي جمر الخبر على مسامعها :

-صفاء سابتنا ومشت يا نور عيني .. قلبها حس بيكي مستحملش ووقف ..


بللت رقية حلقها الذي جف وهي تحت تأثير صدمتها :

-تعالي أقولها إني مش هسيبه غير لما يتعدم .. حقي راجع ياما ..


ثم كفكفت عبراتها وسيل أنفها المتقطر :

-هي خدت دواها ولا نسيته .. تعالي ياهاجر جوه نشوفوها يلا أنا غايبة عنيها من إمبارح ..


توقفت هاجر أمامها لتعوق خطاها وهي تتشبث بذراعيها :

-حبيبتي فوقي مش جوة .. صفاء مشت عند اللي خلقها ..


ثم أتاها صوت أحلام التي جاءت من الخلف وهي تربت على كتف تلك الصغيرة :

-رقية يابتي  انتي مؤمنة بالله صح وده قدر ومكتوب .. صعبة عارفة بس أنا جارك ومش هسيبك وو 


قفلت جفونها للحظة محاولة استيعاب ما قالت هاجر وهي تسألها:

-هي يعني لساتها في المستشفى طب يلا نروحولها ..


ثم تجول عينيها لتراقب الوجوه حولها بعدما استوعبت خبر رحيل صفاء عنها ، وبتلك النبرة التي رجت الجدران قبل القلوب أطلقتها رقيـه صارخة وهي تجثو على ركبتيها كأن صخور الحزن تحطمت على كتفها لوحدها :

-أمـــي ……. 


لم يتحمل "هلال" هول الموقف الذي هُزت لأجله الجبال وما عليها .. فر من مرارة الحشد المهين ليجد مكانا يفرغ به تراكمات روحه التي لم يعد قادرا لتحملها .. وعلى الجهة الأخرى يقف هارون مع هيثم أمام شريف الذي انتشروا رجاله والطب الشرعي بالمكان .. فأخبره هارون بهدوء :


-خد رجالتك يا شريف بيه وأمشي من إهنه ده واجب وعزا ومش عاوزين فيه عوچ.. أحنا هنحلو مشاكلنا ؟!


رمقه شريف بسخرية :

-أنت من أول ما ركبت العمدية والمشاكل مابتتحلش .. سيبني أحلهالك أنا .. وأعترفوا بدور الحكومة هي مش غابة يا عزايزة .. 


رد عليه هارون بشموخ :

-والأرض إهنه أرض العزايزة ويبقي القانون بتاعهم وبس ..واللي يقف عليها يحترموا غصبًا عن عين اللي خلفوه .


فأتبع هيثم :

-فرد العضلات دهوت روح أعمله في أي حتة بعيد عن إهنه ..العزايزة لسه بقوتها وكلمتها سايرة على الكل .


أشعل شريف سيجارته وهو يطالع هارون بتحد بأنه لا يتراجع أبدا :

-بكر فين يا عمدة ؟! 


مال ثغر هارون بضحكة خبيثة وهو يحك أنفه بسبابته  :

-ديه شغلتكم مش شغلتي يا حكومة ! 


جهر شريف بوجهه كمن أعلن عليه الحرب :


-أنت كده بتقف ضدنا وأنا متأكد إنك عارفه فين .. هات معايا سكة وخلينا نساعدو بعض بدل ما ..


قطعه هارون بثقة :

-أه أنت تترقى وتعلق نجمة زيادة وأنا اتفضح وتبقى سيرتي على كل لسان .. ألعب غيرها يا شريف بيه .. العزايزة مستغنيين عن خدماتك . 


ثم دنى هارون منه خطوة أخرى وما زال محافظا على شموخه وأكمل بسخرية :

-وهو عدم اللامؤاخذة .. القانون بتاعك هيعمل ايه زيادة عننا ؟؟! ما هو الواد لو وقف وقال هتجوزها هيتجوزها .. ونبقي منبناش غير الحديت الماسخ والفرهدة !!سيب مشاكل العزايزة للعزايزة وكل عيش بعيد عنهم.


غمز له شريف برفض قاطع مرحبا بقيام الحرب بينهما :

-انتو بقيتوا شغلتي خلاص..


ثم وضع الهاتف على أذنه وهو يرسل لهارون آخر نظراته متواريًا خلف العربة وهو يتحدث مع المتصل والذي يشتغل بالصحافة كي يضمن قبضتـه على جمر الموضوع بعيدًا عن ألاعيب هارون ، ويحوله لقضية رأي عام  :


-"فوزي بيه ، خبـر لسه طازة عاوزو يقلب الإعلام والصحافة ويلف مصر كلها بيت بيت .. سجل عندك .. "


كل شيء بالحياة وله تاريخ صلاحيـة ، كُل المواقف في حاجـة لرد فعل مناسـب للحدث ذاته وفي وقته ، فبعض المواقف لا تقبل التأجيـل للرد عليهـا ، فما جدوى السيوف التي تُرفع بعد أن ضبت الحرب أوزارها ؟! الظلم يحتاج لصوتٍ يعارضـه ، لصوت يقف بوجهه .. الحزن بحاجة لبكاء يخفف الحمل من فوق القلب.. الضعيف يحتاج لمن يأخذ بيده ليقويه .. ترك لها قلبه ورحل .. وصل " هلال" لتحت إحدى الأشجار في الظلام الدامس كي لا يتيح لأحدٍ أن يرى دمع عينيه وهو واقف مغلول الأيدي يشاهد الظلم بعين حق متوارية .. يراقب تحطم فتاة ضعيفة ويود احتضانها ولكنـه عاجز لا يستطيع.. حتى البكاء لا يليق بهِ ، فعادات الرجال لا تُقطر عينيهم أبدًا يسيل الدم ولا يسيل الدمع  ؛ ولكن ما الذي يخفف حمل القلوب المُثقلـة .. وقف تحت ستار الليـل الذي لا يختلف عن ستار الظلم إلا أن كلاهما سيسطع عليهما شمس الحق في يومٍ ما ، فتح كفوفه معلنـًا اعتراضـه وتبرئة ذمته عن كل ما يحدث ، يزأر تحت عرش الظلم القاتل لكل معالم الإنسانيـة وهو يستغيث برحمة ربـه ، اشتدت حبال صوته التي برزت عروق رقبته ويده المتشنجة بصوت ينافس زئير الأسود الجائعـة في غابة حُرقت كل أشجارها .. راجيًا أن يهدأ احتراق قلبـه الثائر وهو يفجر غضبه فـ كلمته  : 


-يــــالله !!!!!!!! يــــالله ..


•••••••••••••

~في التاسعـة مساءً ..


عاد هارون وعائلته إلى بيتهم ما عدا هاجر التي أصرت أن تبقى مع رفيقتها وتولت نغم مهمة أنسهم .. ووكل هارون هيثم واثنين من الرجال لبقاءهم خارج البيت لحارستهم .. كانت صفية تضرب كف على الآخر وهي تشكو همـها لزوجها الجالس على الاريكة الخشبية مستندًا على عكازه بوهن :


-حج خليفـة لازمًا تشوف لك صِرفة !! بتك هاجر عصت كلمتي وفضلت مع البت اللي ما تتسمى دي !! سُمعة البت يا حچ !! 


جهر صوت هارون من الخلف :

-قولها اطمني تروح تنام يا حج خليفة .. 


أخذ جملة ابنه على محمل الثقة :

-سمعتي يا صفية حديت ولدك ، اتقي الله ابو البت جمايله مغرقانا والبت ما ينفعش تتساب بروحها .. 


أخذت صفية تسب حظها سرًا وعلنًا معترضة على أحكام ابنها وزوجها وهي تنوح وتندب بختها المائل على حسب وصفها ، اسندت هيام " أحلام" لغُرفتها بهدوء وهي تحكي معها حول ما حدث مشفقة على حال هذه الفتاة التي ذُبحت مرتين في نفس الليلة .. جلس هارون مع أبيها ليستفتيـه بالأمر متحيرًا :


-أيه رأيك يا أبوي ، المفروض أيه اللي يُحصل ؟! 


نظر له ابيه نظرة حكيمة وبابتسامة لا تتناسب مع محتوى الحوار بينهم وقال :

-صوت قلبـك عيقول أيه ! 


عارضه هارون :

-ومن ميتى في القانون والعرف قلوبنا بيطلعلها صوت ياحج !! 


عاتبه بهدوء :

-ومش معنى إنك حلفت اليمين إنك تحافظ عليهم ، يبقى تموت صوت قلبك !  لا يا هارون يا ولدي !! 


قاطعه معتذرًا :

-بس أنا عمري ما شوفتك كسرت عُرف ولا قانون للعزايزة يا ابوي .. طول حياتك بتنفذ القانون لو على رقبتك !! 


غرز أبيه سبابته بصدر ولده مشيرًا لقلبه بقوة :

-عشان اللي إهنه مخفي ، وعشان يتعمل لازم يبقى في الخفي .. 


تحير حول حكمة أبيه التي لم يفهمها قط ، وسأله :

-طب ما ترسيني !! البت حرام تتچوز كلب زي ديه !! وحرام تتساب لروحها في الدنيـا ! 


هز الحج خليفـة رأسه بعد اقتناع :

-احكم في اللي تُملكه وبس ، أمر الدنيا بيده لوحده - وهو يُشير للسماء - أنا سايب لك المركب تسوقها لوحدك عشان متتخبطش زيي .. 


ثم استند على عكازه متأهبًا للذهاب :

-على فين يا أبوي !!


-طالع أنام يا ولدي ، رايح بكرة اسكندرية .. 


انكمشت ملامح وجهه باندهاش :

-ده ليه ؟! ملناش شغل حتى في اسكندرية!! 


ابتسم ابيه بحكمة لا يعلمها غيره :

-حقوق عباد ولازم ترجع لصحابها ..-ثم عاد يشير لقلبه وأكمل -أهي دي الأمور الخفية اللي لازم القلب يحكمها .. خلي حكمك قوي لكن متموتش قلبك يا عمده ..


ظن أن لجوئه لأبيه سيستدل منه على الحل ليطمئن فكره ولكنه أشعل وهجًا أخر من الحيرة برأسه حول ما السر او ما الأسرار التي يخفيها خليفة العزايزي وستدفن معه !! تدخل مقترحًا :


-لو عاوز تعرف حد في اسكندرية ممكن تسأل الاستاذة .. قصدي الضيفة ، آكيد لافة وعارفة كل حاچة في بلدها .. 


لم يكترث للأمر اكتفى بهز رأسه قائلًا :

-كله على الله .. وديني عند أحلام ،ليّ ليلتين غايب عنها .. 


تعكز أبيه على رسغه ، فمازحه هارون قائلًا :

-أهو مزاجك ماعيتظبطش غير عند أحلام .. هنيالك يا حج .. 


ضحك ابيه بوقار وهو يعترف بحق زوجته الأولى :

-أحلام من الحريم اللي تريح الراس والقلب ، أما أمك دي تقلب الرأس قلب .. -ثم وشوش له - احفظ سر أبوك متودناش في حديد أمك لساتها بصحتها وأنا مش كَدها ..


لاطف أبيه باحترام :

-لا أحنا چامدين يا حچ ولا يفرقلنا !! داحنا نتعلموا منك .. 


-عند أمك وهيفرق ،وطي حِسك بس مش ناقصين خوتة .. 


وصل الاثنان لأعتاب غرفة أحلام والتي خرجت منها هيام للتـو ، فألتقت بأبيها وأخيها اللذان بادلتهما بابتسامة هادئة ، ترك الحج خليفة يد ولده مستردًا عافيته على باب الغرفة :


-أنتَ مسندني ليه يا وِلد !! شايفني كَبرت !! 

داعبه هارون ملاطفًا بالحديث وهو يضع يده على كتفي أخته ويقول :

-مش بقولك يا حج داحنا نتعلموا منك .. 


ثم وشوش لاخته ضاحكًا :

-أبوكي شكله ناوي يعملها ويجيبلنا الواد الخامس .. مش مرتاح له .. 


ضحك الأخوة معًا وألتفتت له هيام بامتنان :

-تعرف إني عحبك قوي يا هارون ، أنتَ مش بس أخوي ؛ أنتَ كُل حاچة في حياتي.. 


-أنتِ تربية يدي يابت !! وأنا ليا مين غيركم ..

ثم ختم جُملته بقبلة رأسها وسألها :

-روحتي لـ ليلي ؟!


انكمشت ملامحها باستغراب :

-أنا ما شوفتهاش خالص ، افتكرتها راحت معاكم ؟!


ضجرت ملامحه باختناق مناديًا على فردوس التي جاءت ركضًا :

-فردوس مش أنا قولتلك أعمل غدا وشيعيه للأستاذة مع هيام !! 


ضربت فردوس على رأسها تُعلن نسيانها :

-يقطعني يا هارون بيه ، اتشغلت في البيت ونسيـت وو 


-يعني مأكلتش حاجة من صباحيـة ربنـا !! 


حاولت تصلح موقفهـا معتذرة :

-حالًا حالًا .. هعملها صنية العشا .. 


في تلك اللحظة انطفأت الأنوار إثر انقطاع الكهرباء عن بيتهم لعطـل مـا ، سب هارون ذلك الحدث وهو يشعل كشاف هاتفه طالبًا من أخته :

-روحي أقفي مع فردوس وأنا هروح أشوفها ، ازاي مخرجتش كل ده ؟!! 


~بغرفة هارون الخشبية .. 


مرعبة فكرة أن هذه هي حيـاتي للأبد .. أخشى أن يمر العُمر  وأنا أتجاوز فترات مختلفة من الضغط والتعب والتفكير والتشتت والبكاء ، أخشى أن يمر ربيع شبابي دون أن أقول لنفسي ..

 "أخيرًا لقد أنتهى كل شيء ". 


قضت ليـلة ساعات طويلة سجينة غرفته وتفاصيـلها ورائحته وكتبـه وكل شيء ينتمي إليه لوحده ، أسهبت الفكر به للحد الذي أشغلها عن الالتفات إلى ذلك الصداع المُجرم الذي يصـدح برأسها ويضرب بجذوره بخلايـا جسدها .. ظلت تتمرد على التعب بتناولهـا جرعات زائدة من الدواء على معدة فارغة بناءً عن وصف أمها كلما يشتد وزر الألم فالمسكن سيحل الأمر ولكن تلك المرة بات الألم لا حد له فَجر وتفجر برأسها ، أصاب كيانها ورعشـة  كفوفها التي تقلب الصفحات .. ثم تابعها ارتعاش عضلات وجهها وانتفاضة ساقيها بصورة مروعـة ، ظلت تئن تئن وهي تتحمل الوجع تتحمل تلك الدبابير التي تلهو برأسها ، ثم تلجأ لتناول المزيد والمزيد من تلك الأقراص الملعونة .. تمسكت بالهاتف كي تستغيث بأمها تلك السيدة التي تقتلها بسلاح بارد .. سقط الهاتف من يدها لقد تدهورت حالة أعصابها فلم تقاوم على حمل ريشة إثر حالة الذعر التي أصابتها .. 


تفاقمت الأزمة عليها في لحظة انقطاع الكهرباء عن المكان فلم تر إلا ظلام وذئاب وهمية تأكل بكيانها ، سقطت بالأرض فلم تعد أقدامها أن تسعفها حتى لمغادرة الغُرفـة ، وضعت كفوفها فوق آذانها وهي تصدح بالصراخ المكتوم وتضرب قدميهـا بكل شيء يقابلها وهي تزحف وتترتجع للوراء ، حالة الذعر خيمت على حالتها المرضية وهي تفتش بالظلام عن أيدي تمتد لها لتنقذها من هول المخاوف التي تحاصرها ، أغرورقت ملامحها بالدموع الذي بلل ملابسها وهي تفتش في ستائر الظلام عن ظل والدها الذي كان يضمها في أصعب لحظاتها ، مرت شرائط الوحدة البغيضة أمامها وهي تصرخ رافضة العودة للماضٍ خطوة واحدة ، لا تريد من الماضي إلا أبيها فقط ، سندت ظهرها على الحائط خلفها وضمت ساقيها لصدرها وهي ترتجف ، تصرخ ، تنحب بصوت هستيري مستسلمة للأسلاك الشائكة التي تضرب بأصولها حتى انفرجت زاوية الباب التي جاءت بالنور وبرجل مثله .. رجل مثل ما يعث حوله قلبها كان ينادي باسمها " ليلي " تارة وبلقبها طورًا و بهدوء كأن قلبه على علم بحالتهـا ويخشى ألا يؤذيها ، لم يسمع إلا صوت أنينها وهي تبكي بأحد الزوايا بصوتها المكتوم الذي تعالى تدريجيًا عندما أحست بوجوده بالمكان ، كل ما بها يرتجف ، يرتعش فقدت قدرتها على النطق .. قفز الهلع في قلبها وهو يفتش عنها بزوايا الغرفة بالإضاءة الخافتة ومع خطواته القلقة عليها يدنو منها حتى سقط عليها النور فوجدها متكورة حول نفسها وتراقبه بجفون متسعة تعلن عن حاجتها للونس للاطمئنان لعناق يخفف وطأة الألم.. حاجتها إليه ولا أحد يعلم لِم هو !! 


تسمرت ملامحه التي تراقب تلك القطة التي تئن بالأرض وتصعق من نوبة الحزن والألم .. جثى على ركبتيه ليسائلها بتلك النبرة الخائفة :


-مالك ؟! في أيه ؟! 


لم يمهلها فرصة للرد فأخذ يمسح على ملامحها بكفه الدافئ الذي احتضن تلك الملامح التي ترتجف من برد الخوف .. رفع شعرها عن وجهها بنفس اللهفة :


-انتِ سمعاني !!!


هزت رأسها تارك بالنفي ومرة آخرى بالإيجاب وهي لم تتوقف عن البكـاء ، كان يراقب ملامحهـا بنظرات مشفقة متشتته عاجزة على معالجتهـا كرر سؤاله :

-أيه وصلك للحالة دي !! ممكن تهدي أنا معاكِ أهو ..


كاد أن يتحرك ليحضر لها كاسة من الماء ولكنها باغتها متشبثـة بياقة جلبابه ملقية رأسها بحضه وهي تنتفض كالطير المذبـوح .. رفع كفوفه مستسلمًا كي لا يقع في فخ الذنـب ولكن تعلقها به كطفلة تعثرت في الحال بخطى أبيها .. اندست رأسها بصدره وقبضت كفوفها على جلبـابه وهي تهذي بكلمات غير مفهومة.. أطفأ نور الهاتف وكأنه تعمد قفل نور العقل متبعًا نور القلب الذي أجبره أن يمسح على رأسها بحنانه الذاخر وينصحه الا تبدد الوقت سدى يا أحمق!! ظل يمسح على رأسها وهو يطلب منها أن تهدأ .. ظلت متعلقة بثيابه فكانت تلك الانتفاضة بقلبه ، لست جسدها فقط ما كان يرتعش .. 


ظلام دامس ورجل يضم لقلبه إمراة برقة نسيم الفجر يود مساعدها ولا يعرف كيف الطريق لذلك ، أدرك بأنها تعاني من لعنة فقد ما بحياتها وفي حاجة لحضن يسد فراغ الألم بها .. ولم يعلم أن الألم الحقيقي ينصب كله بقلبـه الآن ، قلبه الذي ضم رأسها المتفجرة بالوجع .. راق له أمر بقائها بقربه لهذا الحد ، تناسى الزمان والمكان وكل شيء وباتت القلوب تتحدث بلغتها الخاصـة .. أغرورقت ملابسـه بماء دموعها ولكن هنا بدأت اللعنة الجديدة ، فهبطت دموعها على أرض قلبه القاحلة لتنبت حبًا فريدًا من نوعه .. كان هدوءها تدريجي وكأن قلبها ورأسها اتفقا على وجود ما كانا يبحثان عنه .. وباتت المشاعر تتحرك في الظلام بدون إرادة من أصحابها ، هل من المنطق أن يمر الحب علينا دون أن يعرفنا عليه؟! أم جاء لهنا كي يختارنا ضحايا له !! 


لاحظ سكينتها وانعدام بكاءها فدمدم بهمس :

-بقيتي أحسن ولا اطلب دكتور !! 


لم يتلقى منها ردًا ولكن النور هنا جاء ليكشف عن تلك الحقيقة التي ولدت بالظلام ، تدلت جفونه ليفحص وجهها فوجدها غارقة بالنوم ولكن بقايا الانتفاض ما زال يعبث بجسدها ، لم يكرر سؤاله بل تحرك بعطف أب على صغيرته ليحملها بين يديه فوجدها تتعلق به أكثر تدفن وجهها بصدره متخيلة مجيء أبيها الذي أدى دوره ببراعة وبكل صدق :


-بابي متبعدش تاني ، ليلة من غيرك اتعذبت أوي .. 


توقف بجوار السرير وهو يتأمل ملامحها النائمة والتي تهذي بدون وعي ، فـ رق قلبه لحالتهـا ، لم تمهله الفرصة لتأملها بسعة من الوقت، فباغتته وهي تردد حروف اسمه إثر تردده كثيرًا مع رفقتها :


-هـ ـا ر و ن ! 


اتسع بؤبؤ عينيه بتساؤل عن مدى أهميته لحروف اسمه كي تنطقها في تلك الحالة ، انحنى ووضعها برفق بمنتصف الفراش لتتفتح جفونها فتلتقي بيعينه التي تحتضنها فعاود سؤاله :

-أنت زينة ..؟!


لم تجبه بل عادت لقفل جفونها مرة آخرى لتسبح في نوم عميق .. شد الغطاء فوقها وهو يزفر بقوة كي يطرد كل ما تسرب إليه على سهوة ويستغفر ربـه ، وما كاد ليخطو خطوة فتعثرت قدمه بزجاجة الأقراص المرمية بالأرض ، انحنى للاطلاع عليها ثم قام بتصوريها و على الفور أرسلها لنجاة وكتب لها : 

-نجاة اسالي أي دكتور عندك الدوا ده بتاع أيه ؟!!


يتبع

********

<<< نهال خلاص فصلت مش جاادرة 😂😂 نكمل الفصل الجاي بقا>>>



💫الآصرة العشـرون 💫


لكل شيء علامته التي تحذرك قبل وقوع الفعل و لكنك لا تبصر، فلا شيء -ولا أدنى شيء- يحصل بغتة، لا الموت، ولا الخيبات ولا الوقوع في الحب، ولاخذلان الأحبة ولا الخسارة في مباراة شطرنج، ولا التعثر في وسط الطريق ،   كان كل شيء واضحًا ومتسلسلًا ومنطقيًا للغاية ولكنك فضلت ألا تُبصر ولا تأخذ بتلك الأسباب التي تُنبهك ، حقًا فـ نحن  لانفهم بالعلامات والإشارات  إننا نفهم بالصفعات  ونفوق بعد فوات الآوان •


••••••••


أصعب ما يواجه الإنسان هو تجرده فجأة من كل العلاقات الإنسانية التي تحويه وتُحيي الحياة بقلبه .. أن تسلب الحياة من قلبه الأشخاص الذين آمنهم ورافقوه الدرب بكل صدق حتى ضمن لهم وسام الأبدية بهذه الحياة لم يظن أنه سيفارقه مهما مرت الأيام لأن وجوده شيء حتمي لا يمكن الاستغناء عنه .. ولكن فجأة تصفعك الحقائق التي آمنتها فتجد نفسك وحيدا .. متعريًا من كل سماتك الآدمية .. تبقى عرضة للبرد والعواصف ليفعل بجسدك المرتجف ما تفعله الرياح بورق الشجر ، تساقط منك شيئا تلو شيء حتى لا يتبقى منك الا حطام الأيام وغدرها ...


في ساعة وضحاها نبح شبح الوحدة بوجهها وبأركان منزلها الذي كان لم يملؤه إلا الدفء الكائن بوجود أمها .. وبدون سابق إنذار تحول لكهف مظلم في قوقعة جبل جليدي وهي تحت ظله ترجف .. ترتعش لأنها فقدت مأواها الأخير بهذه الحياة .. 


غيوم ضبابية تملأ السماء وكأن السماء عقدت حدادها وارتدت ثوب حزنها على حالة هذه الضعيفة .. والتي لا تختلف عن الغيوم السوداء التي انعقدت فوق رأسها المشعة بحزن لا تخمده أعوام العمر .. ركد صوتها ورقد صراخها في مقبرة فاهها وهي تجلس بصمت تراقب تفاصيل هذا البيت الخالي من صوت أمها وظلها .. عينيها ضحكاتها ندائها المتكرر عليها ربما سيأتي من مكان ما !! رائحة طعامها .. عطر عودتها ليكذب حقيقة رحيلها الأبدي ، كل شيء بهت بعينيها .. كل شيء ارتدى وشاح العزاء على غياب سيدته ... كل شيء مخيف مروع لم يعد كما هو مثلما تركته قبل ساعات !! 


خيمت الوحدة على قلبها للدرجة التي أحست فيها أنها انقطعت عن نسل البشرية جمعاء والآن تعيش في كنف الحزن وأحفاده بكل عبثهم وثرثرتهم برأسها.. دنت هاجر منها وهي تحمل طبق الحساء وتترجاها :


-عشان خاطر ربنا كلي حتى معلقتين بس ..


ثم تركت ما بيدها على الطاولة وجلست بجوارها :

-طب اتكلمي بلاش تفضلي ساكتة إكده ..


خرت الدموع من مقلتيها  بتلك النبرة المرتعشة :

-صفاء سابتني لروحي ومشت يا هاجر ؟! أنا وعدتها هعيش عمري كله جمبها .. بس هي اللي خلت بي ومشت ..


ربتت على ساق صديقتها وقالت بحنان يخالطه الدمع :

-قدر ربنا هنعارضوه ؟! ربك رحيم بعباده ..


قالت متعرضه :

-الدنيا استكترت عليّ أمي .. كانت خدت كل حاجة وسابتهالي ..


-وحدي الله يا حبيبتي أنت مؤمنة ..

ثم تحركت هاجر لتأتي بطبق الحساء :

-كلي معلقتين بس .. أنتي مكلتيش حاجة من إمبارح ..


رفعت رقية جفونها للطابق العلوي وهي تتذكر تفاصيل ذبـ.حها بسكين الغدر لترسو أنظارها على غرفة أمها وأبيها :

-أنا ادبحت قدام عنيهم وفي المكان اللي كنت تملي علعب فيه يا هاجر .. طب ليه ربنا مخدنيش أنا وساب أمي ..كان رحمني ..ليه المُر ده كله يكون من نصيب قلبه لوحده !! 


ربتت خالتها على ظهرها لتواسيها :


-كفاية يا بتي قطعتي قلبي .. كفاية ..


فتدخلت هاجر لتقوي منها :

-بعد الشر عنك .. استهدي بالله ومتفكريش في حاجة وقومي نقروا شوية قران لخالتي صفاء هي محتاجه له دلوق .


جاءت نغم التي فضلت أن تبقى معها بعد ما كانت واقفه مع هيثم بالخارج وانضمت لهم بحنان :

-أنسب حل .. قومي اتوضي وصلي ركعتين وكلنا هنقرولها قران ..


ثارت مرة أخرى أشباح الحزن بجسدها ، دفنت وجهها بين كفيها وهي تهتز بدون وعي وتنوح بصوت مكتوم .. فزاد قلق هاجر على صديقتها .. فضمتها لصدرها كي تهون عليها الألم .. فركضت نغم للخارج وهي تنادي على هيثم الواقف مع هلال الصامت والغارق في دوامة أحزانه لتقول بخوف :


-هلال .. رقية رجعت تصرخ تاني .. تعالى اقرالها شوية قرآن يمكن تهدي ..


رج قلب هلال وهو يحاور أخيه بلغة الإشارة حتى قطع المسافة مهرولا ليهون عليها بأبسط الأشياء .. لحق به كل من نغم وهيثم بعجل .. دخل هلال وهو يخفض وجهه بالأرض فنظرت له هاجر تعلن عجزها عن تهدئتها .. رفع كفه بوجهها كي تبتعد عنها ثم شد الوشاح المعلق فوق كتفي أخته بهدوء ووضعه فوق حجاب رقية كي يعف نفسه من أي تلامس محرم وضع كفه المرتعش فوق رأسها .. فجثت هاجر تحت ركبتيها تترجاها :


-رقيه غمضي عينيك وارجعي بطهرك لورا وصلي على النبي في سرك .. هتلاقي نار قلبك بردت جربي ..


أشار هلال لأخته أن تصمت ثم ذكر علنا اسم الله وخصه بوصف الرحمن الرحيم .. وظل يكرر الرحمن الرحيم عدة مرات على مسامعها ثم ابتدأ مراسم الرقية الشرعية بقراءة سورة الفاتحة ليفتح الله عليها أبواب إيمانها ورضائها بقضاءه .. ثم أتبع بتلاوة الصمدية بما يوحي بأن البقاء والدوام لله الواحد الأحد .. فأتبع بالمعوذتين كي يعيذ قلبها من كل هموم الدنيا التي تملأها ..ما فرغ ما كل هذا وهي تنحب تحت يده وترتعش وتزيد دموعها التي تزيل الهم عنها .. ثم ردد :


-﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾


رتلها ثلاثة مرات متتالية ثم انساق فواتح وخواتيم سورة البقرة وبعض الآيات من منتصفها .. ثم انتقل لسورة يوسف التي بدأت بفراق ثم انتهت بملك عظيم .. ثم أكمل مراسم الرقية النبوية حتى أحس بهدوءها واستسلامها للقرآن وصوته العذب المميز الذي اندست بأصولها حتى استكانت روحها .. أشار لهاجر بصمت كي تأتي بأحد المقاعد اليه ليجلس عليه بقربها وهو ينهي رقيتها من كل سوء .. نفذت هاجر مطلبه ووضعت المقعد الخاص بالسفرة بقربه كي يجلس فوقه .. ارتاح هلال وهو يلقى نظرة طويلة على ملامحها المنكمشة والمستسلمة لأي شيء يروي عطش قلبها ..رفع يده التي باتت محمرة كالجمر وكأن الألم بوهجه انتقل منها إلى كفه .. رسم ابتسامة مريحة للنفس على محياه تتنافى مع دواخله المحترقة وقال بصوت هادئ :


-الله لا يبتلينا ليعذبنا بل لأنه يحبنا .. اللي أنتِ فيه ابتلاء شديد لكن المولى عز وجل اصطفاكٍ به ليرقي ويعلو مكانتك بالجنة .. هتقولي اشمعنا أنا ..


اعتصر قلبه على حالتها المستسلمة وأكمل :

-تذكري قوله تعالى : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها .. ربنا خصك بهذا الابتلاء لأنه يعلم إنك كفوه ..


تنهد بحرقة وهو يمسح على وجهه :

-هوني المصائب على قلبك مهما كبُرت وتذكري أن رسولنا الكريم ولد يتيم الأب .. وعاش يتيم الأم ، مات أبناؤه وزوجته وبناته إلا السيدة فاطمة .. ولما توفاه الله اهتزت الأرض حزنا على فراقه .. وده يعلمنا أن الحزن مهما كانت قوته مش هيأجل أمرا من الله كان قضاءه مفعولا ..


ثم صمت للحظة وهو يطالع أخته التي تتمسك بيد رفيقتها وأكمل بنصح :


-إن لله ما أخذ وله ما أعطى .. يعني ، المؤمن بحق لا يحزن عن كل ما خسره ،أحنا اتولدنا لا نملك شيء حتى أجسادنا لا نملكها  وهنموت ولا نأخذ معنا أي شيء من الدنيا دي كلها .. فالآخرة خير وأبقى ..


ثم طلب من هاجر أن تحضر لها كوب الماء وأكمل حديثه :

-خلي دايما في بالك ولسانك قوله تعالى :"أنا لله وأنا إليه راجعون " كما أوصانا الله و النبي .


أخذ دورق الماء من يد أخته وسكب الماء بالكوب الزجاجي وهو يقول بصوته المريح للنفس "بسم الله " ويمد لها كوب الماء .. تحركت عينيها بحسرة وهي تودع أخر الأشياء التي فقدتها بجملة المصائب بعد أمها وشرفها وقوتها .. وهو أيضا فلم يعد الحلم يحق له أن يجمعهما معا .. رمقته بنظرة سريعة كشكر على مجهوده وتقدير لها وهي تأخذ الكوب بيدها المرتجفة وبدون أي كلمة إضافية .. بللت حلقها بالماء الذي يحمل رائحة المسك التي تغرق يده وقالت بأنين من الوجع :


-عاوزة أزور قبر أمي .. ودوني عنده أنا ملحقتش أودعها ..


تدخلت نغم لتوضح لها :

-الصبح روحي لها .. وهنروحوا كلنا معاكِ .. دلوق قومي نتوضوا كلنا والشيخ هلال هيصلي بينا .. 


زفرت حريق روحها وهي تجفف عبراتها المتدلية وقالت بقوة من قعر الألم :

-الصبح هنروحوا المجلس .. 


تراقصت النظرات بين الجميع باندهاش فتدخل هيثم قائلا :

-رقية .. مش هينفع أنت عارفة مصيرك لو روحتي ؟! وكمان بلاغك عن وِلد المحروق ديه خربط الدنيا.. 


ردت بثبات وهي تتحاشى النظر لهلال الذي يترقبها بنظرات مختلسة وقالت بصمود وهي تُطالع صورة أمها :

-أنا مغلطتش ولا عملت چريمة ادارى منيها ، أنا راسي هتفضل مرفوعة لغاية ما أروح لأبوي وأمي .. المچرم بحق هو مش أنا . 


النساء فراشات خُلقن من رقة أجنحتهـا لدرجة أن قطرة مطر يمكن أن تُغرقهن ، ولكن وقت اللزوم وعندما يتعلق الأمر بقلوبهن يتحولن لتنين مجنح من نسل ديناصور لا يرحم كل من يُعاديـه .. وثب هلال الذي يمسح على لحيته المبللة وقال مشجعًا :

-أنا معاكِ -ثم عدل منطوق قلبه - كلنا معاكِ . 


نظرت له بخزى والوحيد الذي تُجبرها نفسها على خفض رأسها أمامه وكأن في الماضي عيونهم عقدت العهد على قلوبهم واليوم تطأ رأسها بكسرة لأنها فشلت أن تُحافظ على وسام عفتـها كما أقر المجتمع العقيم  أنه الدليل الوحيد على شرف الفتاة ؛ وقالت بنبرة مهزوزة بالبكاء :


-دي حربي وهخوضها لوحدي .. لازم أمي ترتاح في تربتها .. 


•••••••••


لاحظت السيدة "أحلام" تقلب زوجها المستمر في فراشه وعلى غير عادته الهادئة كأنه ما يبسط عليه جسده لهبًا ولست قطنًا  .. فأشعلت نور الأباجورة الخافت واعتدلت في نومتها .. وهي تربت على كتفه :


-أيه شاغل بالك يا أبو هارون ..؟!


اعتدل الحج خليفة وأخذت تعاونه في ضبط الوسادة وراء ظهره كي يستريح وهي توصيه أن يتمهل .. تنهد العجوز وهو يقول :


-الفجرية طالع على اسكندارية .. لازما نخلصو الموضوع دهوت !! 


-إن شاء الله هيخلص !! وو


فقاطعها مكملا :

-عاتل هم كيف هواجه البت وكيف هثبت نسبها وهي هتتقبل دهوت ولا هتكدبني ..


ثم حانت منه نظرة حائرة لزوجته وأكمل بحزن :

-ولو ملقتهاش !! حقها هيروح فين وهموت وسري هيدفن معاي يا أحلام ؟! طب أقابل أبوها أقوله إني 28 معرفتش أوصل لبتك !!الدنيا خدتني ومدورتش عليها غير في اواخر أيامي !!


طبطبت على وهج حموله المتقدة وقالت :

-أنت عملت اللي عليك يا حبيبي .. وربك شاهد ومطلع ، بس أنا عندي رأي تاني ..


رمقها بنظرة الغريق الذي يهفو لطوق النجاة وقال :

-قولي يا أحلام .. انجديني بيه ..


قالت بنبرة حازمة :

-لو معرفتش توصل لحاجة تخبر الولد .. هارون وهاشم وهما يدوروا بمعرفتهم .. هما في الأول والأخر شباب وخطوتهم واسعة عنك .. عشان تبقى ريحت ضميرك للأخير .. 


عدل الحج خليفة قبعة رأسه البيضاء متنهدا بضيق :

-هشوف يا أحلام ..هشوف ... 


ربتت على صدره بحنو وقالت بهدوء :

-كله هيتحل ويبقى عال .. عارف يا حج اللي قطع قلبي صوح ! بت أبو الفضل يا كبدي حالها يحزن .. كسرة الولاية واعرة قوي ربنا ما يكتبها على حد ..


ثم أتبعت بترجي :

-سوقت عليك النبي لتقف جارها ومتظلموهاش .. البت مظلومة هو الكلب اللي غدر فيها .. البت بطولها لأب ولا أم ولا عم ..


هز خليفة رأسه :

-أنا واثق في حكمة هارون وهلال ومتأكد أنهم هينصفوا الغلبانة دي قصاد المچلس  ..


ثم رمقها بإعجاب :

-دولت تربية يدك يا أحلام .. مفيش ست اتخلقت هتعرف تربي بعدك ..أنا لو سبتهم لصفية وهوسها كنت هعيش باقي عمري شايل هم العيال دي  .. أنا محقوق لك بعمري كله .


قبلت أحلام يد زوجها بامتنان وقالت بنبرة مدججة بالحب :

-لأجل عين تُكرم ألف عين يا أبو هارون .. 


-ربنا يبارك لي في عمرك يا أحلام .. أنت اللي قال عليها النبي خير متاع الدنيا ،وأنا خدت نصيبي الحلو كله من الدنيا فيكي ..


زهر وجهها بضياء الحب :

-وجودك جنبي بالدنيا ..


ثم أطرقت لحديث آخر وقالت :

-بالحق .. هاشم كلمني وأنا في الواجب وطمني عليه وقال لي أوصيك متزعلش منيه ..هو عصبي هبابة ولدنا ونستحملوه زي بعضه ..


ثم توسلت له :

-عشان خاطري عندك بلاش تجبروه على جوازه من نغم .. البت غلبانة ومكسورة معاك ، بس قلب ولدك سيبه يختار ..كيف ما أنت اخترتني وفضلتني عالكل ..


أشاح وجهه بابتسامة حب وأكمل :

-ولولا أمي مكنتش هتجوز عليكي عمري .. وكنت راضي ومكتفي بيكي لغاية ما أموت  ..


باغتته باعتراض لطيف :

-أما أنت ناكر للجميل صوح يا حج ؟! طب جوازك من صفية كان أحلى حاجة حصلت .. لولاه عمرنا ما كنا هنشوفوا رجالة زي الوحوش ماليين علينا البيت وبكره يملوه علينا بعيالهم ..


تنهد متنميا :

-يا مين يعيش لليوم ديه !!


**************

"لقد كان نصيبي من التعب أن أظل دائماً في تلك المسافة الرمادية بين الطمأنينة والقلق، بين غمرة الكلام وقوة الصمت، بين هزائم روحي وصلابة ظاهري "


جلس بالأرض تحت ظل الشجرة و الأنثى الوحيدة الشاهدة على مآسي قلبه التي لا يفصح عنها لأحد .. أخرج من جيبه السماعات البلوتوثية ووصلها بالهاتف ووضع واحدة بأذنه ليستمع لصوت مطربه المفضل الذي يؤنس جميع أوقاته الخالية من البشر والمشاكل .. لجأ لأغنيته المأساوية والمناسبة لحالته الحالية :

"مش لايق عليا إني .. أبكي وسط ما بغني ..." حتى جاء صوت منير ليتكئ أكثر على أحزانه وهي يشكو همه "أنا عايش في سجن جراح "


هنا قفل جفونه وسند رأسه على جذع الشجر متأوهًا بصوت خافت وصورة تلك النجمة التي سقطت من رحم السماء على حياته بدون سابق إنذار تتلألأ هنا وهناك في الظلام الذي يعيشه للتو .. تذكر كيف كانت ترتعش تحت يده ؟! ما الذي عاشته تلك الفتاة النقية كي يحتفظ جسدها بهذا الكم من الأوجاع يثور عليها من حين لأخر .. أحس جهة يساره الباردة من أثر الدموع التي أمطرت عليها .. ذكر كيف كانت يده الدافئة تمسح على شعرها كي تهدأ .. كيف كانت متشبثة بثيابه كأنه أخر طوق للنجاة !! راودته طيف ضحكتها .. كيف سقطت بحضنه قبل ساعات ولمَ باتت أعينه تفتش عنها باستمرارية !! لِمَ استحوذت على فكره لهذا الحد !!

تراقص أمام ذاكرته تمردها صوتها العالي .. عبثها و تلقائيتها .. كيف كانت تثور بوجهه غاضبة وسرعان ما يذوب صوتها في صحن ابتسامة هادئة كأن لا شيء يغضبها بعد .. رق شعور غريب بقلبــه جعله ينتفض من مكانه مع سماعه لصوت منير يقول "مش قادر أعيش وخلاص .. ألمي غير آلام الناس "


نزع تلك الالحان التي سربت مشاعر لا تليق به لقلبه وهو يتنهد بقوة كافية أن تحرك غيمة من مكانها .. قفل صوت الغناء ومسح على وجهه وهو ينهض من مكانه مثلما  تعوّد  دومًا كيف يدفن جراحه بعمق، ويمشي لكل شيء بخطواتٍ ثابتة وكأن لا شيء يهتز بداخله .. أرسل رسالة لمدير حسابات المصنع الخاص بهم :

-سعد جهز كل الدفاتر جاي بكرة أراجعهم ..


ثم تحرك بخطى ثابته نحو الغرفة التي تقطن بداخلها "ليلة" .. زحزح الباب الموارب بحذر لتسقط أعينه على أخته هيام الجالسة على الأريكة حتى غلبها النوم .. دخل من فتحة الباب بحذر وهو يدنو من أخته النائمة فوضع  الوسادة بجانب الأريكة ثم ربت على كتف أخته التي وكلها بحراسة ليلهُ المظلم .. وهمس بوشوشة :


-هيام .. نامي زين ..


فزعت هيام من نومتها مرددة اسمه فأشار بكفه ليطمئنها :

-أشش .. أهدي متخافيش ..أعدلي رأسك بس ..


ثم ساعدها لتمدد جسدها فوق الأريكة وتحرك ليجلب لها غطاءً من الخزانة بحذر وبسطه فوقها ليحميها من صقع البرد ثم حانت منه طبطبة خفيفة على كتف أخته ليقبل رأسها وقال بهمس :

-تصبحي على خير ..


-وأنت من أهله يا هارون ..


غرقت أخته بالنوم وهي تشد الغطاء فوق رأسها فدار بتلقائية لتلك المتكورة حول نفسها حيث كانت تضم ساقيها لصدرها وترتعش تحت الغطاء كطير مذبوح .. خيم الحزن على ملامحه وهو لا يعرف كيف عليه مساعدتها .. أكتفى بوضع غطاء أخر فوقها وما أن جاءت يده لتمسح على رأسها كي تهدأ فتراجع بآخر لحظة وهو يستعيذ من شر شيطانه وأوامره .. تردد في قفل النور الخافت بجوارها فتراجع كي لا يخيفها الظلام إن استيقظت ..فقد كان يطيل النظر إلى ملامحها النائمة ولمح بياضها الناصع ثمة أغلب نساءهم بالنجع للحد الذي أحسه بأنها تنتمي لنسلهم العزيزي .. حتى وقف على ضفة تساؤله : ناجية أم ضحية يا فتاة ؟!


فارق مرغما المكان الذي أحس بأنه في حاجة لوجوده وقفل الباب خلفه فلم ينعم بالفكر حول تلك الملامح الرقيقة حد الصخب .. أتاه صوت رنين هاتفه فأخرجه بملل ليجد "زينه " .. انكمشت ملامحه وجهه وهو يقول لنفسه :

-عاوزة أيه دي كمان ؟؟!!


رد بعد إصرارها في الاتصال وهو يخطو نحو غرفته ليجيبها بملل :

-أيوة يا زينة ؟


مددت على فراشها بميوعة :

-أنتَ نمت ؟!


-حتى لو نمت .. فأنا صحيت من تليفوناتك يا زينة .. خير ؟!


هتفت متمردة على طريقته :

-جرالك ايه يا هارون ؟! أحنا مش مخطوبين ولا ايه .. وديه الليل وأخره يعني وقتنا اللي نتحدتوا فيه على كيفنا ونحبوا في بعض .. أصلي سمعت الداكتورة على التلفزيون عتقول أن الحب بين أي اتنين عشان يزيد لازما يتكلموا بعد نص الليل ..وأنا عاوزة أحبك أكتر وأكتر.


تأفف باختناق وهو يقول بضيق :

-وماله نهار ربنا بس قال عني ؟! ما تحبيني في النهار وسيبي الليل لراحة الراس !!


اتاه صوتها الضاحك بدلال متزايد عن حده وهي تقول :

-دمك خفيف قوي يا هارون وده اللي حببني فيك ..


فتح باب غرفته بملل وهو يخلع حذائه:

-مين قال !! أنا دمي سم خصوصي فالليل وقت ما أكون عاوز أنام .. بعدي عني في الليل خالص.. 


-لا أنت حلو في كل أوقاتك يا سي هارون ..


ثم عضت على شفتها السفلية وهو تداعب خصلات شعرها :

-إلا قولي صوح .. أنت  عتحب تسمع لمين من المغنيين .. أنا عحب عبدالباسط قوي وناوية لما نتجوزوا كل ليلة اشغلك أغنيته وانا باصه في عينيك اللي تدوخ دي وأقول لك "أنا مش عارفني أنا توهت مني أنا مش أنا "


نزع جلباه من فوقه كمن ينزع غبار اليوم عن قلبه وقال بسخرية :

-لا انتي إكده مسطولة و شادة ورقة بـ200 يا زينة ومحتاجة تفوقي ..


انفجرت ضاحكة متلقية سخريته على أنها مزاح حبيب وقالت :

-طب ما أنا هكون مسطولة من حبك يا سي هارون وو


قاطعها :

-زينة أنا عاوز اتخمد ده بعد أذنك يعني ..


تمردت بميوعة :

-طب ماقولتليش أنت عتحب تسمع مين عشان أحفظ كل أغانيه ..


شغل صنبور الماء كي يأخذ حمامه الدافئ قبل النوم وقال وهو يجز على فكيه :

-ماعسمعش ولا عحب اسمع لحد ..


-معاي هخليك تحب الدنيا كلها ..


-ااه وماله .. خلصتي حديت ؟!


-أنت عتحبني قد أيه يا سي هارون ؟!


فاض به صبره وهو يقول بنبرته الجافة:

-اسمعي يا زينة أنا مش طايق خلجلاتي دلوق ولا فيِّ راس لجلعك المرق دهوت .. روحي نامي الله يهديكي ..


لم تلتفت لاختناق صوته الذي يأبي سماع المزيد منها وقالت :

-أحنا هنجيبوا الشبكة ميتى ؟! عاوزة ألبس شبكتك في يدي عشان أشوف الدبلة عتدفي زي ما عيقولوا ولا دي كلها ترندات نت ..


لم يتحمل بنت شفة منها جديدة بل قفل هاتفه بامتعاض بعد ما أخبرها بإنه سوف ينقطع شحنه وقال لنفسه بفتور وهو يرمي هاتفه فوق الحوض :

-ربنا يسامحك يا صفية على الورطة المهببة دي ؟! مالي أنا بالحريم وخوتتهم ؟!


••••••••••


انفلق صباح تلك الليلة القاسية على قلوب الجميع والتي كانت تحمل مشاعرها المختلفة على كل منهمـا .. في تمام السـاعة السابعـة صباحًا جاء الدكتور " عمار " برفقـة نجاة بعد ما أصر عليه هارون أن يفحص حالة ليلة بنفسـه .. هاتفت هارون وأخبرته بمجيئهم فنهض على الفور لاستقبالهم .. 


كانت ليلة مستيقظة الصداع يزمل برأسها ، وكانت هيام معها تحاول أن تهون عليـها صدح الألم .. هنا تحمحم هارون الذي يعلن بقدوم عمار .. شدت هيـام حجابها بسرعة ونادت :


-اتفضل يا أخوي .. 


ثم همست لليلة وهي ترتب الفراش بعجلٍ :

-الدكتور عمار چاي يشوفك .. 


دخلت نجاة ثم هارون وآخيرًا دخل عمار الذي قبل ما يفحص مريضته انفرجت عينيه بنظرة ثاقبة نحو هيام التي لم تنتبه لوجوده .. تقدم هارون إلي "ليلة" ليسألها بنبرته القوية عكس فيض الحنان الذي يشع من عينيه :


-إكده تقلقينـا عليكِ ليلة إمبارح !! 


فتذكرت عتاب أمها المستمر وهي توبخها ألا تكون طفلة مدللة ، أن تخفي وجعها عن الجميع كي لا يزعجهم ، فبادرته باعتذار سريع :

-أنا أسفة مكنش قصدي والله وو 


قاطعه بغرابة لأمرها :

-أسفة على أيه !! أحنا عاوزينك شديدة وقوية وفي أحسن حال .. 


ثم نادى على عمار الذي يخرج أدواته الطبية :

-تعالى طمنا على الأستاذة يا داكتور .. 


جلس عمار لباشر مهام عمله الطبي حيث هم بتعرية ذراعها وكشف عن بياض ذراعها المشع بضياء ينافس بياض قرص الشمس ليقيس ضغطها فشتت هارون انتباهه عنـها متحمحمًا كي لا تحرقه أو ربما لغيرته المخفية وهو يشغل نفسه بأي شيء آخر ما عدا النظر إليها ، عكسها تمامًا فلم يلفت انتباه عينيها ألا هو وظله وحركته العبثية بالمكان ، تابع عمار بأن يسألها العديد من الأسئلة حتى طلب منها أسماء الأدوية التي تتناولها فردت ليلة بثقة يقينية وهي تخرج له صور الأدوية على هاتفها:


-مامي هي اللي متابعة حالتي من زمان وهي بتديني الأدوية دي ، يعني آكيد مش هتديني حاجة تضرني !! 


تفحص عمار الصور وقام بتدوين أسمائها وهو يقول :

-المشكلة إني أدوية الأعصاب محدش يقدر يعرفها غير هما ، مش أي حد يقدر يحكم على الدواء ده بتاع أيه !! أنا هبعتهم لدكتور صاحبي ويقولنا .. 


ثم توقف على ضفة شريط ما ليقول بيقين :

-بس ده ليه !!! اللي بعته هارون بيه كان مهدئ مفيهوش أي ضرر ، لكن الشريط ده !!! 


ثم نظر لهارون بشك :

-في حاجة غلط !! 


ردت على سجيتها :

-لا طبعا ، مامي دكتورة كبيرة في اسكندرية وعارفة كل حاجة .. 


تسرب الشك لقلب عمار وهو يقول لهارون بتردد :

-في حاجة مش مظبوطة، أنا هتأكد بس وأقولكم ، بس ان شاء الله ظني يخيب وو 


قاطعه هارون بضجر :

-هي لو بطلت الادوية دي هيجرالها أيه يا عمار !


رد بأسف :

-أنا لغاية دِلوق مش فاهم هي بتعاني من أيه ؟! لازمًا دكتور مخ والأعصاب يشوفها !! عشان كده مش هقدر أحدد نتيجة وقوفها للدواء .. 


هرولت ليلة مقترحة وهي تأخذ الهاتف من عمار :

-أنا هكلم مامي وهي هتقول لك .. 


سحبت نجاة الهاتف من يدها أثر نظرة هارون التي تملأها الشكوك وقالت محتجة :

-بلاش تقلقيها عليكِ ، الوقت لسه بدري .. اصبري لحدت ما نشوفوا رأي الداكتور اللي سأله عمار .. 


فأردفت هيام مؤيدة مما جعل عمار يلتفت بكله نحوها والسؤال الأهم الذي يشغله ( ما الذي تفعله تلك العروس هنا ؟! ) وهي تقول:


-نچاة عندها حق ، بلاش تقلقيها عليكي .. 


فقطع هارون جذور أي محاولة منها وقال :

-طيب يا دكتور من رأيك تعمل أيه عشان حالتها دي متتكررش تاني !! 


فكر عمار للحظة وقال :

-رأيي الشخصي قبل ما أعرف رأي زميلي .. أنها توقف الدوا فترة اسبوعين على الأقل ، أعراض الانسحاب هتتعبها شوية بس ممكن تشغل نفسها بالخروج والسفر وتتكلم مع ناس كتير ، محاولة تشتت بيها عقلها عن أي تعب أو أعراض وو 


ثم نظر لهيام وأكمل :

-لازم حد يكون معاها طول الوقت .. وأنا هتابع حالتها مع الأستاذة نچاة ولو في أي جديد هبلغكم  ..


ثم فرغ من كتابة دواء ما وأعطاه لهارون :

-تأخد بس القرص ده يخفف أي أعراض انسحاب وإن شاء الله -ثم نظر لليلة-مفيش غير كل خير يا أستاذة ..


فجهر مناديًا على نچاة :

-يلا بينـا .. عندينا شغل تقيل في الوحدة .. 


رافق هارون عمار ونجاة للخارج ، خارج الغرفة تحديدًا ثم جهر مناديًا لجابر وأمره أن يوصل الطبيب لسيارته ويحمل الحقيبة نيابة عنه ويحضر ذاك الدواء الذي كتبه ، ثم عاد للغرفـة وقال بثبات :


-هيام ، روحي هاتي لها فطور ..


ردت معاندة :

-ماليش نفس !! 


أشار لأخته بألا تسمع منها وأن تسير لتنفيذ أوامره ، فغادرت على الفور ، وأتبع حديثه مع ليلة :

-يعني أيه مالكيش نفس !! لازمًا تاكلي .. 


-الله !! هو بالعافية ؟


سحب المقعد الخشبي وجلس فوقـه :

-أيوة هي عافيـة .. ومتقاوحيش .. 


أخذت تتكلم بسرها ساخطة على أوامره حتى آتاها صوته دون النظر وهي يفحص عُبلة الدواء الخاصة بها :

-متبرطميش .. 


-الله !! ودي كمان هتدخل فيها .. 


ثم رفعت الغطاء من فوقها متعمدة فتح نار العناد بينهما وهي تمد يدها لتخطف عُلبة الدواء من يده ولكنها فشلت وفجاة لقيت نفسها تواجه قامته المرتفعة:

-هات الدوا بتاعي ، أنا مش هسمع كلام الدكتور ده !! 


رفع يده لأعلى كي يمنعهـا من أخذ الدواء :

-الدواء دا مش هتاخدي منه تاني .. 


-كمان بقيت دكتور !! ماشاء الله عليك بجد !! 

ثم تحدثت بجدية أكثر :

-اديني الدوا بتاعي لو سمحت.. بطل بقا . 


أصر على رأيه :

-سمعتي الدكتور قال أيه ؟! 


ثم تدلت عينه لملامحها التي تتأمله بسهب :

-معاكي أي دوا تاني !! 


فقدت رشدها على شط ملامحه التي باتت تأسرها و ردت بتلقائية وهي تدخل يدها بجيب بيحامتها القطيفة :

-ااه معايا الشريط ده كمان ، والباقي في الأوضة .. 


خطف الشريط من يدها مع العُلبة وقال :

-حلو هاتي .. 


صرخت متمردة وهي تتشبث بمعصميه :

-هارون بيه ، لو سمحت هات الدوا بتاعي مامي هتتضايق ودي مش بتتصالح بسهولة .. 


لا يعلم لما يصر قلبه على منعها عن هذا الدواء فقال معاندًا :

-قلت مفيش ومتجادليش  .. مابحبش الست اللي تقاوحني . 


وهي تقفز محاولة أخذ الدواء من يده : 

-يا سلام !! دا ليه بقا ؟!


طال النظر بعينيها :

-الست تقول نعم وحاضر وبس .. 


تعلقت بأهدابه ورست كفوفها على معصميه وهي تعارضه : 

-أيه النرجسية دي !! لا طبعا .. الست ليها كيانها ووضعها في المجتمع ومن حقها ترفض أي وضع مش عاجبها .. 


رد بحزم :

-تقول رأيها في أي حتة لكن عند هارون العزايزي تقول نعم وحاضر وبس .. 


-مغرور على فكرة !! 

ختم جملته وهو يغفلها ليلقي ما بيده بموقد النيران المشتعلة للتدفئة وبيده الأخرى تلقاها كي لتسقط إثر قربه المباغت الذي جعلها تشهق وتميل للخلف مبتعدة عنـه ولكنه متعلقة بملابسه ، انفجرت بوجهه بصدمة :


-أنت عملت ايه !! 


رفع حاجبه ببرود وهو يسحب كف من وراء ظهرها :

-زي ما شوفتي .. رميته خلاص .. 


ما زالت متشبثة بملابسه ولا تود التحرك إنشًا يبعدها عنه ، فجلى حلقها وهي تقول:


-هيام قالت لي انك قلقت عليـا أوي ، أسفة بجد عشان قلقتك .. 


رد بجمود دون أن يفصح عن غوى قلبه بملامحها بنبرة صوتها بقربها منه وقال بهدوء :

-أنتِ ضيفتنا ، وأي حاجة تجرالك هتيچي في وشي ! 


ردت بخيبة :

-كده بس !! يعني مش عشان خفت تحصلي حاجة و منتقابلش تاني !! 


ثم بررت مقصدها وقالت :

-قصدي يعني تعرف أن دي أول مرة حد يقلق عليـا بعد بابي .. ويهتم بأكلي وبصحتي و 


تأرجحت عينيه على حالتها المثيرة للشفقة والحب معًا وقال بلطف ليكسر حاجز الجدية بينهما :

-هو أنتِ واكلة عيش سلف !! 


جمعت أفكارها وهي تبتعد عنه متسائلة:

-يعني اي عيش سلف !! 


رتب ملابسه المبعثرة من قُربه أو على الأغلب كان يعد ترتيب مشاعره التي تبعثر على حد عينيها التي تخلو من أي عدسات لاصقة :


-يعني كل خطوة تقعي واتلقاكي !! المرة دي كنت موجود ياعالم المرة الجاية تقعي تتكسري و خلي بالك يا استاذة .. 


-والله !! يعني لما استلف عيش وأكله كده هقع كتير !! 

ثم عادت النظر له بغرابة :

-هو أي كلام وخلاص !! عموما اطمن مش باكل عيش كتير عشان الدايت .. 


-هنا تنسي المُحن ده كُله ، الوكل اللي هتجيبه هيام هيتاكل لآخره .. وبعدين أيه حوار الرجيم اللي واكل نفوخك ديه !! 


لينسحب من لسانه مُقراً :

-دانا كنت شايل عيلة امبارح .. 


خفق قلبهـا إثر اعترافه الصريح بحمله له ليلة الأمس وهي تقول :

-أنتَ اللي نيمتني في السرير !! احكي لي هو أيه حصل !! أنا مش فاكرة حاجة خالص .. 


عقد حاجبيه مستغربًا :

-خالص !!  


أومأت بالإيجاب منتظرة روايته للأمر الذي يهم قلبها جيدًا فباغتها مستنكرًا:

-ولا أنا فاكر حاجة .. 


وضعت كفها على رأسها وهي تحاول أن تتذكر أي شيء: 

-أحيه !! أنا شوفت بابي وهو بيشيلني وو يكون شبح بابي هو اللي جيه ونيمني !! 


رد مندهشًا من سجيتها : 

-شبح بابي !! لا أنا اللي هقول أحيه !! 


انفجرت ضاحكة على أسلوبه لتهب قائلة :

-أصل كنت قريت مرة الأسطورة بتقول ، الشخص المتوفى لما يحس أن اللي بيحبهم في حاجة لمساعدته ، بيكلم ملاك في السما ويتراجاه يروح يساعد أهله فالملك بيسمع كلامه ويظهرلنا في صورة الشخص المتوفي دا !! فأحنا بنقول عليهم أشباح .. 


رُسمت على محياه ضحكة واسعة وهو يقول بفقدان أمل :

-أنتِ هتبطلي أساطير ميتى وتقولي كلام يخش العقل !!!! 


أشارت بسبابتها لتدافع عن أساطيرها وأفكارها أمامه وهي تجادله:

-والله اساطيري أنا مش عاجباك ، ولما استلف عيش وأكله كده هقع كتير !! مش ده كلامك ؟! على فكرة أنت كمان بتقول كلام مابيدخلش العقل أهو زيي بالظبط!! نبقى متفقين ! ولا هو حلال ليك وحرام عليا ! 


رد ببرود وهو يقترب من خزانته ليفتش فيها :

-اه عادي ؛ حلال ليّ وحرام عليكِ !


دنت منه وهي تثرثر فوق رأسه :

-بردو!! اشمعنا يعني ؟


رد بشموخ:

-عشان أنا هارون العزايزي..


تحدته:

-وأنا ليلة الجُوهري ..


حانت منه نظرة خاطفة وهو ممسك بزجاجة عطره فتعرقل على حد نظرتها ليقول:

-أنتِ مش ليلة ، أنتِ ليالي مقندلة وحطت على راسي .


••••••••••••

•••••••••••

وكل هلال أخيه هيثم بحراسة أختهما ورقية وعاد إلي بيته وبالأخص غرفته متجنبًا الحديث مع أي شخص بالبيت .. صعد لأعلى متجاهلا نداء زينة التي جاءت من الصباح الباكر لتجلس مع عمتها وبالتحديد لتفتح معها موضوع شراء الشبكة ..هتفت زينة بامتعاض إثر تجاهل هلال لها والذي يقطع خطاوي السُلم ركضا .. فبثت شكواها لعمتها التي خرجت من المطبخ وهي تنشف يدها:


-خير عليكي يا زينة ! مبدرة ليه ؟!


تجاهلت سؤال عمتها لتشكو لها من ابنها:

-شايفة هلال ياعمة خد في وشه من غير سلام ولا كلام ولا كأني مراة أخوه ..وصبحت عليه مردش عليّ.


ربتت على كتفها لتراضيها :

-يمكن راسه مشغولة هبابة  .. تعالى معاي نجهزوا الغدا ..


مدت أنظارها للخارج :

-هو هارون فينه ؟!


-راح المصنع وقال إنهم هيروحوا المجلس بعد الضهر يخلصوا حوار البت دي وو 


قاطعها زينة وهي تتبع خطاها للمطبخ :

-عمة صفية أحنا هنشتروا الدهب ميتى ؟! الناس كلت وشي وأنا مخطوبة من غير دبلة ..


عقدت صفية حجاب رأسها للخلف وهي تقول :

-يعاود هارون الليلة ونشوفوه .. 


قفزت الفرحة بجوفها :

-وكتاب الله ياعمة !! طب ايه رأيك بالمرة تقوليلو نلبسوا يوم الخميس .. 


حدجتها صفية بلوم :

-يابت اهمدي .. في واحدة ميتة مش هنعرفوا نعملو فرح ..


-وأنا مالي ؟!ما الحي أبقى من الميت .. أحنا نلبسوا بس وبعدين نفرحوا في الدخلة ونهيصوا ..


-هشوفه يا زينة هشوفه ..


ظل الحديث عن هارون متواصل لا ينقطع قرابة الساعة حتى أعطت صفية زينة سلة الملوخية وطلبت منها أن تقطفها .. حملت زينة الطبق على الرحب والسعة وتابعتها صفية التي تنقي الرز بعد ما وكلت فردوس بمباشرة باقي الطعام .. خرج الاثنان من المطبخ ففوجئوا بهلال الذي فاحت رائحة عطره قبل قدومه .. رفعت صفية جفونها لأعلى حتى رأته في كامل أناقته كأن الليلة ليلة عيد وهو يستعد لها .. صاحت زينة معبرة :


-أش أش أش ؟! هو النهارده الأحد ولا هو جمعة وأنا ناسية ؟!


رمقته صفية بإعجاب :

-أيه الحلاوة دي كلها يا هلال .. اللي يشوفك يقول عريس .. بسم الله حارسك وصاينك .


وقف أمام أمه ورغم فخامة ملابسه وهيئته المرتبة قال بمكر :

-أنفع عريس يعني ؟!


تركت صفية إناء الرز فوق ما تحمله زينة وقالت :

-وسيد العرسان ياحبيبي .. أنا بس أخلص من جوازة هارون والبت دي .. وهدور لك على عروسة مفيش في النجع في حلاوتها ..


فتدخلت زينة معترضة  ومتدللة:

-مش هتلاقي ياعمتي .. عشان مفيش بت جات النجع دهوت في حلاوتي ..


-اتنيلي ..


قالت صفية كلمتها بسخط ثم نظرت لهلال وهو تمسح على صدره :

-سيبك من حديت البت دي .. عروستك عليّ يا حبيبي وهتبقى فرحتك غير الكل يا شيخ هلال ..


ألقى نظرة لأمه وقال متأهبا للذهاب :

-الله ييسر الأمور ياام هارون ..


تدخلت صفية بفضول يشع من عينيها :

-ما قولتش ..على فين العزم بالحلاوة دي كلها يا ولد بطني ..


رد بهدوء :

-على المجلس ..


فبادرت زينة :

-صوح !!النهاردة هيجوزوا البت الخاطية دي لولد عمها ونخلصوا من حديتها ..


ثم مالت على أذان عمتها وأكملت :

-المفروض يطردوهم من النجع كله يا عمتي دول شبهه لينا ..


أشتعل جمر الغضب بوجهه وهو يقبض على نار كظم غضبه وغيرته على سمعة تلك المسكينة فأخرج المفتاح من جيبه ووضعه بإناء الرز .. فسألته زينة باستنكار :

-ايه ده ؟!


بادرها بابتسامة خفيفة ولكن خلفها نوايا أخرى :

-هذا مفتاح غرفتي ؟!


فتعجبت صفية :

-ومن ميتي عتدخل حد أوضتك يا ولدي .. دانا عتحايل عليك انضفها بس معترضاش ..


تفوه من خلف فكيه المنطبقين وقال :

-زينة ستتولى أمر تنظيفها اليوم .. 


ثم نظر لها بعينيه التي تتوهج غضبا :

-ألا ستكونين زوجة لأخي ؟! وأختي أيضًا ..


تحيرت ملامحها بين التمرد والتقبل لتقول بتردد :

-وماله ؟! على عيني .. هخليهالك فلة .. تطبلها ترقص ..


-يكفي أن تعجب ضيوفها .. بالأذن ....


انصرف هلال من موقفهم فتسرب الشك لقلب أمه وهي تقول :

-الواد ده قلبي مش مرتاح له ؟! شكله ناوي على حاجة ؟!


تأرجحت نظرت زينة بجهلٍ لتغير مجرى الحديث :

-هي البت المصراوية فين يا عمة .. 


ردت بدون اهتمام :

-أهي قاعدة مع أحلام من صباحية ربنا ...


هتفت زينة بغل :

-أنا مش هيرتاح لي بال الا اما تغور من إهنه .. مش بالعاها يا عمة مش بالعاها ..


~بمنزل رقية ..


بعد أن فرغت من تأدية صلاة الضحى وأطالت السجود .. اقتربت منها هاجر وجثت بقربها :

-تقبل الله يا حبيبتي .. يلا بعتوا حد يستعجلك من المجلس ..


جففت عبراتها وقالت بصوت خفيض :

-محمولك معاكي يا هاجر ..


ردت بعفوية :

-أيوة معاي .. عاوزة تكلمي مين ..


فارقت رقية سجادة الصلاة وهي تفتش في الكمود لتخرج كارت باسم شريف أبو العلا وأعطته لهاجر :

-ده رقم شريف أبو العلا .. عرفيه بأن المجلس بعد صلاة الضهر .. وبكر هيكون هناك عشان يتقبض عليه ..


صعقت هاجر مما سمعته :

-رقية ؟! دي جريمة تانية ؟!


-دي الفرصة الوحيدة عشان يتقبض على بكر .. أكيد هيجي المجلس عشان يكتب عليّ ..أنا مش قادرة أتكلم كلميه أنت .


•••••••••••••

~الاسكندرية …


-دخلي أول كشف بسرعة يا هبه . 

أردفت نادية جملتها وهي ترتدي ثوبها الأبيض تستعد لاستقبال مرضاها ، فنظرت هبه بالكشوف التي بيدها وقالت :

-في واحد صعيدي بره جاي من الساعة ١٠ الصبح ومستنى دوره وبيقوله إنه جاي من سفر طول الليل ، أدخله الأول .


جلست نادية على مقعد مكتبها بعجل:

-تمام دخليه وجهزي الاسم اللي بعده .. 


تحركت هبه على الفور ونادت على الحج خليفة الذي حجز كشفًا ليقابل نادية .. فوثب مسنودًا على عكازه وأشار للخفير الذي يرافقه :

-خليك عندك .. هخش لروحي ..


سار مستندًا على عكازه حتى وصل لغرفة الكشف ، قفلت هبه الباب خلفه فاستقبلته نادية بضحكة مزيفة وهي ترحب به :


-اتفضل يا عم الحج ، ألف سلامة عليك .. 


جلس خليفة أمام مكتبه وهو يراقبه بأعينه الفاحصة محاولًا قراءة الشخصية التي سيحاورها .. أكملت نادية بعد ما سجلت اسمه :


-بتشتكي من أيه ؟! 


-تايه ليّ ٢٨ سنة ، راسي لفت الدنيا كلها ومش عارف ارتاح ، فكري مش بيبطل يا دكتورة .. ياترى اللي بدور عليه هلاقيه ولا لا!!


انكمشت معالم وجه نادية باستغراب :

-عندك قلق يا حج يعني !! طيب الأول طمني بتنام كويس!! 


تأوه بضيق:

-ماينمش إلا خالي البال يا بتي ، وأنا أجيبه منين !!


-الحياة مش مستهلة كله ده .. طيب ممكن تحكي لي بتحس بايه طول السنين دي كلها !!


نظر لها بتوجس وسألها :

-رفعت بيه الجوهري عامل أيه !!


تركت القلم من يدها بغرابة ونظرت له باهتمام متأكدة بأنه لا يشكو من اي عارض نفسي وقالت بتردد:

-رفعت بيه !! حمايا؟! حضرتك تعرفه !! 


-عز المعرفة ..


-ومعرفتش كمان انه اتوفى له أكتر من١٥ سنه!!


رد بثقة :

-عرفت .. وولده مات من أربع سنين .. 


دب الخوف بقلبها:

-واضح إنك متابع يا حج!! طيب أقدر اساعدك أزاي ..


ضرب خليفة الأرض بمؤخرة عكازه برفق وقدم لها نفسه :

-أنا خليفة العزايزي ، من قنا وكبير العزايزة ، سبق وحماكي جاب لك سيرتنا!!


انكرت تمامًا معرفتها بالاسم رغم أنها سمعته من قبل من شريف:

-لا خالص ، كل اللي اعرفه فعلا أن عمو رفعت اشتغل فترة في الصعيد


ثم جلى حلقها :

-بس ده سببه ايه !! حج خليفة ممكن تتكلم على طول أنا هنا في مكان شغلى و


قاطعها قائلًا :

-عارف ، هو سؤال و جوابه وماشي .. من ٢٨ سنة وِلد عمي ماهر العزايزي عطى بت صغيرة لحماكي رفعت بيـه .. وخد البت واختفى من بعدها قلبت عليه مصر حتة حتة .. ملهوش أتر .. دِلوق عاوز أعرف البت دي فين دِلوق ، آكيد تعرفي !!


غلت الحقائق برأسها كفقاقيع الماء وهي تتذكر ذاك الماضي الذي سُجنت خلف أسياجه ، لتغزو ذاكرتها ثمانية وعشرين عامًا من قبـل وهي تصرخ بوجه زوجها :


-أبوك جايب لنا بنت معرفش من أي داهية وعايزني اسجلها باسمي يا سامح !! لا مستحيل !! أنا مش هعمل كده !!


حاول زوجها أن يقنعها بهدوء:

-ليه !! دي يتيمة وهنكسب فيها ثواب ، وبعدين يا نادية أنتٍ عارفة أن الخلفة عندك فيها مشاكل وبنحاول نحلها !! مش يمكن ربنا بعت لنا دي هدية !! 


صرخت بوجهه :

-بردو لا !! أنا مش هربي بنت مش بنتي يا سامح !! قول لباباك مرتي رفضت خليه يروح يرميها في أي ملجئ بعيد عننا ، وأحنا نسافر أمريكا نعمل العملية الحقن وابننا يبقى مننا يا سامح !! ليه نربي بنت ناس تانيين ياعالم من أهلها !!


عاد لها رشدها على صوت خليفة الذي لاحظ شرودها :

-يا ست الداكتورة !!


نزعت نادية نظارتها الطيبة وهي تمسح على وجهها :

-انا عارفة الحوار ده ، كنت متجوزة ليا سنتين وحمايا رجع اخر أجازه له من قنـا ومعاه البنت دي !!


تنهد خليفة بارتياح وهو يترجاها بأعينه :

-الله يفتح عليكي !! دليني عليها يا بتي خلي الحقوق ترجع لصحابها ….


بدّ الارتباك على ملامحها المذعورة وهي تأخذها أنفاسها بتوتر أثناء محاولاتها أن تبدو أمامه هادئة لتكمل حيث أنها خشيت أن تقول الحقيـقة فتخسر كل ما كانت تسعى له :

-للاسف يا حج خليفة ، البنت كانت ضعيفة اوي ، واتحجزت اسبوع في المستشفى وبعدين مستحملتش وماتت والموضوع ده محدش يعرفه غيري أنا وجوزي وباباه .. وو 


خيم الحزن على ملامحه وهو يكرر كلمتها بصوته المتهدج :

-ماتت !!!


***

يتبع

تكملة الرواية من هناااااااا


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا

الرواية كامله الجزء الثاني من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا






تعليقات

التنقل السريع