رواية فى حي الزمالك الفصل الواحد وعشرون والثانى وعشرون والثالث وعشرون والرابع وعشرون والخامس وعشرون بقلم ايمان عادل كامله
رواية فى حي الزمالك الفصل الواحد وعشرون والثانى وعشرون والثالث وعشرون والرابع وعشرون والخامس وعشرون بقلم ايمان عادل كامله
الفصل الواحد والعشرون: مُكالَمَةٍ هاتِفِيَّةٍ ✨🤎🦋
"أنس؟!" همست أفنان بصوتًا منخفض وهي تنظر نحو الفراغ حيث كان يقف الشاب قبل ثوانٍ، استقامت أفنان من موضعها وهرولت نحو الخارج لكنها لم تلحق به، لعنت أسفل أنفاسها قبل أن تعود للداخل مجددًا لتُقابلها نظرات نوح التي كانت مزيج بين الدهشة والشك.
"أنتي روحتي فين؟" سألها نوح لتنظر نحوه أفنان بشرود لبضع ثوانٍ قبل أن تُردف:
"هممم؟ مفيش أنا جيت أهو..."
"ها هتسامحيني أمتى؟"
"نوح معلش ثواني." أردفت أفنان بضيق ثم أمسكت بهاتفها على الفور وشرعت تبحث عن محادثتها هي ورحيم وبمجرد أن وجدتها أرسلت له الآتي:
"أيًا كان اللي أنس هيقولهولك متصدقهوش ومتفهمنيش غلط ومتحكمش عالموقف غير لما تسمع مني الأول." أرسلت رسالتها لتجد أن هاتف رحيم غير مُتصل بالأنترنت نظرًا لظهور علامة واحدة، زفرت بضيق وهي تفرك جبينها بيديها، بالطبع سيتصل أنس به وهو سيغضب ولن يقرأ رسالتها.
"ممكن تركزي معايا شوية؟"
"نوح معلش ثواني هروح أضبط هدومي وهاجي بسرعة." تحججت أفنان وغادرت مقعدها تاركة نوح في دهشة وعدم إستيعاب.
"ادخلي تاني ادخلي." أردفت أفنان فور رؤيتها لميرال التي تخرج من باب دورة المياه لتعود الآخرى أدراجها نحو الداخل.
"في حاجة ولا أيه؟ ده أنا قولت أسيبكوا شوية لوحدكوا عشان تعرفوا تتصالحوا."
"سيبك من نوح خالص دلوقتي وركزي معايا في كارثة تانية!"
"يا ساتر يارب! حصل أيه في الخمس دقايق دول؟" سألت ميرال بفزع لتتنهد أفنان بضيق ثم تأخذ نفس عميق وتبدأ في سرد ما حدث:
"أنس شافنا... كان معدي من جانب الكافية وشافنا وكأن الكوكب كله ضاق بيه وملقاش مكان يتمشى فيه غير جنب الكافية اللي ازازة شفاف فيشوفني أنا ونوح قاعدين سوا!"
"يالهوي!!! ثواني بس... مين أنس عشان بنسى؟ هو مش اسمه رحيم يا بنتي؟!" سألت ميرال ببلاهة لتنظر نحوها أفنان بضيق ثم تقول:
"آنسة دوري مش وقته فقدان ذاكره الله يكرمك، أنس ده صاحب رحيم وبيشتغل معاه في الشركة يعني مش بس شافني قاعدة مع ولد ده شافني مع نوح اللي هو بيشوفه في الشركة برضوا."
"طب وأنتي فارقلك أيه في كل ده مش فاهمة؟"
"يا بنتي أكيد هيقول لرحيم عاللي شافه!!"
"طب وفين المشكلة؟ مش على أساس مفيش حاجة بينك أنتي ورحيم؟ ما يحكيله ولا ميحكيلوش." سألت ميرال بخبث وهي تبتسم ابتسامة جانبية لتتأفف أفنان وهي تضرب الأرض بإحدى قدميها بغيظ وهي تقول:
"مش وقته غلاسة خالص دلوقتي! أنا مش عارفة أتصرف ازاي... أنا بعت لرحيم مسدچ بس هو مش واصله نت."
"حبيبتي الموضوع مش مستاهل ده ابن خالتك قشطة يعنى وبعدين ما أنا معاكوا هو أنتوا لوحدكوا؟"
"ما هو مشافكيش معانا يا ذكية، وبعدين بصراحة.. التدريب قرب يخلص وأحتمال منشوفش بعض تاني ومش حابه أنه آخر ذكرى بينا تكون خناقة.." تبدلت نبرة أفنان من الإنفعال والغيظ إلى نبرة هادئة في نهاية جملتها.
"طب أيه العمل دلوقتي؟"
"والله؟ أنا جايه اسألك اصلًا المفروض أعمل أيه!"
"عارفة مين أكتر حد يعرف يساعدنا في موقف زي ده؟"
"مين؟"
"مريم، ما هي كانت مخطوبة قبل كده وأكيد كانت هي وخطيبها بينكدوا على بعض فأكيد هتبقى عارفة حل لموقف زي ده."
"مش حاسه أني هبقى مرتاحة أني أحكي لمريم على حوار رحيم ده... أنتي عارفة موضوعي أنا ونوح وموضوعك أنتي ونوح، الدنيا ملغبطة خالص."
"خلاص طيب... حاولي تكلميه."
"صح عندك حق بس... بصراحة هتكسف أتصل بيه، أنا هسيبه يتضايق وبعدين هبقى أصالحه أو اسيبه يخبط دماغه في الحيط لسه مكررتش الصراحة." تفوهت أفنان بتوتر وهي تتحرك ذهابًا وإيابًا لتُصاب ميرال بالدور بسبب حركتها المُفرطة.
"اثبتي بقى خيالتيني! يلا اخلصي وقرري بسرعة هتعملي أيه."
"يا خبر أبيض!!" صاحت أفنان وهي تقفز من موضعها بينما كادت أن تُسقطت الهاتف من يدها لتهرول ميرال نحوها وتسألها:
"أيه في أيه؟ رد عليكي؟!"
"لا رحيم بيتصل!!"
"طب ردي عليه بسرعة."
"ارد ازاي وأحنا في الحمام يعني؟ أنا محتاجة أخرج أتكلم برا بس نوح هيعمل حوار."
"مش مهم نوح دلوقتي سيبك منه أنا هقوله أي حاجة."
"ماشي، طب اخرجي قبلي عشان تلهيه عني شوية."
"ماشي." قالت ميرال ثم نفذت الإتفاق واتجهت نحو نوح لتقوم بإلهائه لذا استغلت أفنان الفرصة وغاردت المكان بسرعة وحذر الشديد كانت أشبه بعميل سري يحاول الهرب من أرض العدو.
"ألو.." تفوهت بتوتر حينما أجابت ليأتيها صوت رحيم الرخيم الهادئ مُردفًا:
"أفنان Hello 'مرحبًا'."
"طبعًا أنس كلمك وطبعًا أنت صدقته وزعلت بس على فكرة أنا..." تحدثت أفنان دفعة واحدة بنبرة مُنفعلة ليأتيها صوت رحيم الهادئ من الجانب الآخر وهو يحاول أن يجعلها تهدأ قائلًا:
"ثواني بس Calm down 'اهدئي' ، أنا مصدقتش حد وبعتبر نفسي مسمعتش حاجة ومتصل عشان اسمع منك."
"بجد؟" سألت أفنان بدهشة فهي لم تتوقع ردة فعل رحيم أن تكون بهذا الهدوء والتفهم.
"أنا استحالة أصدق أي حاجة عليكي وأخد أي قرار أو أخد منك موقف غير لما اسمع منك."
أغلقت أفنان عيناها بإنسجام وهي تستمع إلى نبرة صوته الرجولية الهادئة، لقد كانت نبرته جميلة وكأنها ألحان أغنية عربية أصيلة.. أخذت أفنان نفسًا عميق قبل أن تقول بتوتر:
"يعني أنت مش متضايق مني؟"
"تاني؟ هو أنا لسه سمعت منك حاجة عشان اتضايق أو لا؟"
"بص أنا قاعدة مع نوح وأنس شافني وطبعًا كلمك وحكالك اللي شافه بس الموضوع مش كده خالص.." سمعت أفنان صوت أنفاس رحيم تزداد ثقلًا من الجانب الآخر وكأنه يحاول منع نفسه من الغضب، حمحمت أفنان ثم أكملت:
"اللي حصل أن ميرال أختي رجعت من الشغل وقالتلي تعالي ننزل نتمشى ونقعد في كافية وقولتها تمام وبعدها اتفاجئت بنوح جاي يقعد معانا وأنا والله ما كنت أعرف!"
"أفنان You don't have to swear 'ليس هناك داعي للقسم/الحلفان' أنا مصدقك بس كملي."
"أنا أول ما شوفته أتعصبت واتخانقت معاهم هما الأتنين، هو حاول يصالحني بس أنا رفضت اللي حصل أن ميرال استأذنت ودخلت الحمام ونوح بدل الكراسي وقعد مكانها فطبعًا البيه اللي كان بيتسرمح مع السنيورة لما شافني شاف أني قاعدة مع نوح لوحدي مع أن مش دي الحقيقة." حاولت أن تشرح الموقف كاملًا دون أن تفوت تفصيلة واحدة وكانت تتوقع من رحيم أن يُجادلها في ما قالته لكن أكتفى بالرد بجملة واحدة والتي كان لها تأثير آلف كلمة.
"أنا مصدقك."
"بجد؟"
"طبعًا، أنتي لو بتكدبي أو مش عايزة تفسري اللي حصل فأنتي ليكي كامل الحرية لكن كون أنك بتحاولي تشرحيلي الوضع ومش بتحاولي تخبي فده دليل أنك صادقة في كلامك، كان ممكن تقوليلي ببساطة وأنت مالك."
"كان نفسي أقولك كده بس للأسف زعلك فارق معايا..." أفصحت أفنان بدون قصد لتعض على شفتها وهي تلعن نفسها داخليًا ويُمكنها تخيل ابتسامة رحيم الواسعة التي ارتسمت على ثغره بالفعل.
"أنا مش قصدي... أو يعني... وأنت ازيك عامل أيه بقى؟" حاولت أفنان تكوين جملة مفيدة لكن توترها لم يُسعفها لذا سألته سؤال ليس في محله في النهاية لينفجر رحيم ضاحكًا بصوتًا مُرتفع فتشاركه أفنان الضحك وهي تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها على الفور.
"أنا كويس وانتي؟" أردف وهو يقهقه على نبرتها المتوترة المشوبة بالخجل.
"كويس بس؟ اسمها كويس أيه؟"
"كويس الحمدلله."
"ايوا كده Good boy 'فتى جيد/مطيع'."
"محسساني أنك بتكلمي ال puppy 'كلب صغير' بتاعك، ثواني كده هو أنتي قولتي أنس كان مع مين؟"
"كان مع بنت هو مقالكش ولا أيه؟"
"لا، قالي أنه لوحده المفروض، تعرفي توصفي شكل البنت دي؟"
"كانت صاروخ بصراحة!" قالت أفنان بنبرة مُريبة.
"بس بس أيه اللي أنتي بتقوليه ده؟!! قصدي وصفها يعني لون شعرها أي حاجة."
"بص مش فاكرة لأني ملحقتش أبص أوي بس هي مبدأيًا شكلها مش مصرية."
"بس كده هي دي الجملة اللي عايز اسمعها."
"مش عارفة بجد ليه أنت وصاحبك غاويين العرايس الباربي."
"مين قالك أني بحب عرايس باربي؟ على فكرة أنا بفضل الملامح العربية أكتر." سأل رحيم بإستنكار ثم قال جملته الأخيرة لتصل إبتسامة أفنان من الأذن للأذن بينما تقفز في موضعها كالبلهاء.
"المهم أنتي بتحبي كين ولا بتحبي أيه بقى؟" سأل رحيم بمراوغة لتدعي أفنان البلاهة وهي تسأل:
"كين؟ مين كين؟"
"العروسة الولد اللي مع باربي." فسر رحيم لتقهقه أفنان بقوة ثم تُعلق على كلامه قائلة:
"حاسه أننا تافهين سيكا باللي أحنا بنقوله ده بس مش مشكلة، المهم أنه لا مش بحب العروسة دي عشان مش بحب الشعر البني أو الأشقر عالولاد بحب الأسود أكتر."
"طبعًا الأسود أحلى." أردف رحيم بثقة زائدة لتُجيبه أفنان بسخرية:
"أيه الثقة دي؟ أنا بتكلم عن الشعر الأسود مقولتش شعرك الاسود يا رحيم."
"أيه الإحراج ده؟ وبعدين أكيد شعري عاجبك طبعًا، كل البنات اللي أعرفها بيتغزلوا في شعري."
"والله؟ طب مع السلامة."
"بهزر بهزر Don't get mad 'لا تغضبي' ، كنت عايز أشوف رد فعلك بس خلاص وصلني."
"طب أنا هقفل بقى عشان واقفة في الشارع لوحدي."
"أفنان أنتي هتصالحيه؟" سأل رحيم والضيق يفوح من نبرته لتصمت أفنان قليلًا قبل أن تهمس:
"معرفش..."
"تمام، خدي بالك من نفسك.. باي."
"باي."
دلفت أفنان نحو الداخل وعلامات السعادة قد ارتسمت على وجهها حاولت إخفاء ذلك لكن نظرات عيناها كانت فاضحة، أقتربت لتجلس على الطاولة ليُردف نوح فور رؤيتها:
"هو مش الطقم ده بتاع ميرال؟ لابساه ليه؟"
"أه وأنت مالك؟ أختي ونلبس من بعض براحتنا."
"أصلًا اللون عليها أحلى." صاح نوح متعمدًا إثارة غيظ أفنان لتشعر ميرال بنبضات قلبها تتسارع وعلى الفور ترتسم على شفتيها إبتسامة خجولة لتنظر نحوها أفنان بطرف عينيها وتبتسم هي الآخرى قبل أن تُعلق على حديث نوح بسخافة مُردفة:
"أصلًا مخدتش رأيك، ومتتكلمش معايا عشان مش طايقاك."
"يا ستي خلاص حقك عليا أنا أسف مبسوطة كده؟"
"أنت كده عملت أيه يعني؟ ما أنت أكيد أسف طبعًا ولا أنت شايف أنك مش غلطان يا دكتور نوح."
"غلطان وستين غلطان ومش متربي كمان ها مبسوطة كده؟"
"أقولك أيه كل واحد أدرى بنفسه." تفوهت أفنان بنبرة ساخرة مُتعمدة إثارة غيظ نوح وقد نجحت في ذلك بالفعل.
"والله؟"
"اه." قالت أفنان بإصرار ليُمسك نوح بكوب المياه الموضع أمامه ويُغطي فوهة الكوب بكف يده ولكن حرك أصبعيه بحيث يصبح هناك فراغ في المنتصف ثم يُحرك الكوب بإندفاع نحو الأعلى فيقوم برش المياه على أفنان.
"يا حيوان! والله لولا أننا في مكان محترم كنت فتحتلك دماغك بالكوباية اللي في أيدك دي!!"
بس أنتوا الأتنين الناس بتتفرج علينا، وبعدين يا نوح ده أنا طول عمري بقول عليك عاقل أيه اللي جرى؟" تحدثت ميرال بإنفعال من المفترض لكن في الواقع كانت نبرتها وهي مُنفعلة أكثر هدوءًا من نبرة أفنان العادية.
"كله بسبب أختك دي هي اللي جننتني."
"تحب تشوف الجنان اللي بجد؟" سألته أفنان بإستنكار وهي تستقيم من مقعدها ليعود نوح نحو الخلف بواسطة كُرسيه وهو يُردف برعب:
"خلاص يا ستي أنا أسف أنا عيل صغير، تيجوا بقى نحاسب ونمشي ونروح نتعشى حاجة كده عليها القيمة؟"
"يلا بينا."
"متحاسبوش أنا هحاسب."
"كفي نفسك يا بابا." قلبت ميرال عينيها لأنها تعلم أن هناك شجار على وشك أن يبدأ وكان هذا ما حدث بالفعل واستمر لخمسة دقائق تقريبًا قبل أن تستسلم أفنان ويدفع نوح الحساب.
"هو ده المكان اللي عليه القيمة؟" سألت أفنان بسخرية وهي تنظر إلى عربة الكبد والسجق والتي كانت مُزدحمة بالفعل.
"أحلى عربية كبده في محافظة الجيزة يا بنتي أيه فهمك أنتي؟"
"ومالك فخور أوي كده.. عالعموم أنا مش جعانة أوي فأطلبلي تلاتة كبدة وتلاتة سجق."
"ما شاء الله يا أفنان أومال لو مكنتيش جعانة، وأنتي يا ميمي هتاكلي أيه؟" سخر نوح من أفنان في بداية حديثه قبل أن يلتفت لميرال ويسألها بنبرة لطيفة، تنظر نحوه ميرال بوجه يشتعل من الحُمرة ثم تُجيبه بتلعثم:
"أنا؟ أنا... عايزة اتنين واتنين."
"تمام هروح أجيب الأكل وأجي أقعدوا بقى على الرصيف استنوني." أردف أنس وذهب بالفعل لتسحب أفنان ميرال الشاردة من يدها وتُجلسها على الرصيف إلى جانبها.
"يا بنتي أتقلي شوية متبقيش مفضوحة كده!"
"أنتي سمعتي قال أيه؟ ميمي."
"طب ما هو كان بيقولك كده على طول وأحنا صغيرين."
"يا بنتي هو أنتي بيصعب عليكي تشوفيني مبسوطة؟!"
"أنا يا ميرال؟ يا شيخة روحي حسبي الله ونعم الوكيل في أنس."
"الله! طب وأنس ذنبه أيه في اللي أحنا بنقوله؟"
"معرفش بس هو يستاهل الحسبنه الصراحة."
عاد نوح بعد عشرة دقائق وقد أحضر الطعام ليبدأو ثلاثتهم في تناول الطعام، بعد انتهاءهم قاموا بالتمشية لمدة ساعة قبل أن يقوم نوح بإيصالهم إلى المنزل.
"خلاص صافي يا لبن؟"
"لا طبعًا أنت عبيط؟"
"أحنا هنهزر! أنتي عارفة أنا دفعت كام النهاردة؟"
"اه يا مادي يا حقير."
"بهزر يا ستي، عمومًا أنا عارف أني غلطتي كبيرة وهسبلك وقتك في أنك تحاولي تنسي اللي حصل أو عالأقل تسامحيني."
"هحاول، يلا سلام وسلملي على خالتو ومريم."
"يوصل إن شاء الله، تصبحي على خير يا ميمي وشكرًا على وقفتك جنبي." ودعها نوح بلطف لتشعر ميرال بأن قلبها على وشك أن يقفز من بين ضلوعها وهي تقول بإبتسامة واسعة:
"عفوًا على أيه؟ ده واجبي."
ركضت ميرال من خلف أفنان بسعادة نحو السُلم لتنظر نحوها أفنان بطرف عيناها ثم ابتسمت قبل أن تسأل ميرال:
"ماما كانت عارفة أننا هنقابل نوح؟"
"أنا استأذنت ماما وبابا قبل ما ننزل وهما عارفيين التفاصيل كلها."
"ما شاء الله كلكوا متفقين عليا!"
"يا أفنان نوح طيب بجد هو بس ساعات لسانه بيفلت منه بس هو مكنش قاصده يزعلك."
"لا يا ميرال أنا ممكن أقتنع بكلامك على أي موقف تاني لكن في الموقف ده بالذات نوح كان قصده يزعلني."
"طب حاولي تسامحيه يعني أفتكريله أي حاجة حلوة عملها عشانك."
"هحاول يا ميرال، متكليش دماغي بقى أنا دماغي مشغولة بمليون حاجة."
"ماشي يا ستي."
قضت أفنان اليوم التالي في المذاكرة ومساعدة والدتها في الأعمال المنزلية، وفي اليوم الذي يليه ذهبت أفنان إلى التدريب باكرًا لمحاولة كسب بعض الدقائق في التحدث إلى رحيم قبل وصول المُتدربين والموظفين، مجرظ وصول أفنان إلى مقر الشركة أمسكت بهاتفها في توتر شديد ثم قامت بمهاتفة رحيم والذي أجاب على الفور.
"أيه يا ابني ده أنت قاعد عالزرار ولا أيه؟" سألته ساخرة ليقهقه ثم يُردف:
"ابنك؟ ما علينا، التليفون كان في أيدي اساسًا عشان كده رديت بسرعة."
"أيه ده كنت بتعمل أيه عالتليفون؟"
"أفندم؟" سأل رحيم بإستنكار وهو يضحك لتحمحم هي بإحراج ثم تقول بنبرة مرحة:
"بقولك أيه ما تنزل الكافتيريا شوية."
"ثواني وهتلاقيني قصادك." أجابها سريعًا ثم أغلق الهاتف لتضحك أفنان على أسلوبه الطفولي.
"واو!" همس رحيم فور وصوله إلى الطابق الأرضي وهو ينظر نحو أفنان طويلًا لتشعر بالتوتر وتذهب يديها تلقائيًا للوشاح خاصتها وتقوم بتعديله وهي تسأل:
"أيه ده في أي أيه؟"
"أول مرة تلبسي اللون ده." فسر رحيم وهو ما يزال يتأملها لتقهقه أفنان بخجل ثم تقول بمزاح وهي تغمز بإحدى عينيها:
"ده أنت مركز بقى."
"كل اللوانك هادية وبتميلي دايمًا للون الكافية لسبب ما لكن اللون الزهري بعيد تمامًا عن الألوان اللي أنتي بتلبسيها."
"ودي حاجة حلوة ولا حاجة وحشة طيب؟"
"الأتنين."
"أيه ده ازاي؟"
"بصراحة اللون لايق عليكي جدًا ودرجته Catchy 'جذابة' للعيون ودي حاجة تعتبر حلوة لأنه لفت نظري جدًا بالفعل، لكن الجزء الوحش أنه هيلفت نظر باقي الناس ليكي وأنا مش عايزك تلفتي نظر حد تاني غيري." فسر رحيم بنبرة هادئة لا تخلو من مشاعر لم تفهمها أفنان كثيرًا لكن من نبرته التي غلفها الضيق في النهاية يُمكن القول أنها ربما تكون مشاعر... غيرة!
لم يروق حديثه كثيرًا لأفنان التي أمتعض وجهها على الفور ثم أخذت نفسًا عميق قبل أن تُعلق على حديثه مُردفة:
"بص يا كابتن أنا هفهمك حاجة... أنا مش لابسة اللون ده عشان ألفت نظرك أو نظر حد غيرك ده أولًا، ثانيًا بقى الطقم ده بتاع ميرال أختي وأنا مكنتش لايقة حاجة ألبسها الصبح فقولت ألبسه وخلاص."
"أنا مش قصدي أضايقك على فكرة أنتي زعلتي ليه؟"
"مزعلتش ولا حاجة هزعل ليه... بص بسبب الرغي كنت هتنسيني أنا نزلتك من فوق ليه."
"اه صحيح ده أنا استغربت جدًا أنك طلبتي تشوفيني."
"طيب ثواني..." أردفت أفنان وهي تُخرج شيئًا صغير من حقيبتها بينما نظر رحيم بعيدًا مانحًا إياها مساحة شخصية للبحث عن غرضها المجهول، في خلال ثوانٍ أخرجت أفنان من حقيبتها لوح شيكولاتة متوسط الحجم وقد ألتف بشريطة حمراء اللون أتخذت شكل 'فيونكة'
"أتفضل."
"دي عشاني؟"
"اه.. أنا عارفة أنك أكيد بتاكل شيكولاتة أغلى وأحلى ومستوردة كمان بس دي اللي كانت متاحة بالنسبالي.. أنا جبتهالك عشان أنا مبسوطة منك عشان أنت مصدقتش اللي اتحكالك عني غير لما كلمتني وسمعت الموضوع كله مني أنا فعشان كده قررت اكافئك."
فسرت أفنان وهي تحاول تلاشي النظر نحو رحيم وتنقل نظرها بين لوح الشيكولاتة والمكان من حولهم بينما نظر نحوها رحيم بحنان شديد وسعادة كبيرة، لقد استطاعت كلماتها اللطيفة وهديتها البسيطة أن تجعل قلبه يرتجف وأن يشعر بتلك الدغدغة من داخله، أطال رحيم النظر في ملامحها الخجولة الهادئة على غير العادة وكأنه يُحاول أن يحفظ في ذاكرته تلك الملامح التي سيفتقدها كثيرًا حينما ينتهي التدريب ويحين وقت الوداع...
"اتفضل.."
"شكرًا.. شكرًا أوي يا أفي." شكرها رحيم مُستخدمًا اسم التدليل الذي أطلقه عليها لتشعر بنبضات قلبها تزداد في السرعة وهي ترد على حديثه قائلة:
"على أيه بس دي حاجة صغيرة خالص، مش مقامك يعني."
"دي أحلى هدية أو مكافأة أخدتها في حياتي."
"بالهنا والشفا وكفاية تسبيل بقى عشان معدتي بتقلب بجد." علقت أفنان بنبرة ساخرة ليقلب رحيم عيناه ثم يُعيد خصلات شعره الأسود نحو الخلف وهو يبتسم ابتسامة جانبية.
"على فكرة Fake 'مزيف' أوي حركة أنك ترجع شعرك لورا عشان تبان جامد وبتاع وأن شعرك ناعم."
"يعني مش عشان شعري بيقع على عيني؟ تؤتؤ بحاول ألفت نظرك."
"خلاص بهزر ده أنت قفوش أوي وبعدين تنكر أنك بتعمل حاجات عشان تلفت نظري؟" سألت أفنان بُخبث وهي تغمز بإحدى عينيها لم تتوقع أن يُجيبها رحيم لكنه أجابها بثباتٍ شديد:
"لا منكرش."
"طب هديتك معاك وأنا قولت الكلمتين اللي عندي، يلا سلام." تركته أفنان واقفًا بثغر مفتوح فلقد كان على وشك التحدث لكنها رحلت قبل أن يفعل، صعدت نحو الطابق العلوي لتجد نوح في وجهها مباشرة فوقفت تنظر نحوه بصدمة وعادت بضع خطوات نحو الخلف فكادت تصطدم برحيم الذي كان يصعد من خلفها.
مضى اليوم بسلام دون أن يخلو من بعض النظرات الموجه من رحيم نحو أفنان والذي حاول جاهدًا ألا يفعل كي لا ينتبه الجميع لهم بغض النظر أن الجميع قد انتبه بالفعل، في مساء ذلك اليوم وبينما كانت أفنان تقوم بمراجعة ما تم شرحه في التدريب شعرت بالملل لذا قررت تصفح هاتفها لتجد أن رحيم قد قام بنشر حالة جديدة لتفتحها أفنان على الفور وقد تضمنت الآتي:
"مساء الخير.. I never knew i love chocolate that much 'لم أكن أعلم أنني أحب الشوكولاتة لتلك الدرجة'." كتب رحيم ذلك في الوصف وقد أرفقها بصورة ليده وهي تُمسك بلوح الشكولاته الذي أهدته أياه أفنان.
تأملت أفنان رسالته وشعرت بقلبها على وشك أن يقفز من بيم ضلوعها، ابتسامة واسعة غلفت ثغرها وهي تُعيد فتح الحالة مجددًا كلما انتهت، في النهاية تركت الهاتف وحاولت المذاكرة مجددًا لكنها شعرت بآلم في رأسها لذا قررت التوجه نحو الثلاجة لعلها تجد شيئًا تأكله لعل آلم رأسها سببه الجوع، في طريقها للمطبخ سمعت صوت جدال بين والديها كالتالي:
"أنا تعبت والله من المواصلات ما أنتي عارفة أنا متعود عالعربية بقالي سنين وضهري تاعبني جدا." أردف والدها بقلة حيلة، كانت نبرته وكلماته بمثابة خنجر يُطعن في قلب أفنان، كانت تريد أن ترحل فالتصنت هو تصرف سيء ومُحرم كذلك، لذا ابتعدت عن الباب لكن صوت والديها كان مايزال مسموعًا بالنسبة إليها حينما علقت والدتها على حديثه بإمتعاض:
"قولتلك يا أحمد أنت لازم تشوف حل في الموضوع ده... منه لله اللي كان السبب."
"رانيا! دول في النهاية امي وأختي."
"على عيني وعلى رأسي يا أحمد لكن حرام اللي أنت فيه ده! شغل الصبح وبعد الضهر ومش عايد عليك بأي فايدة وبعدين اللي بيعملوه ده حرام وظُلم بين! دول بيحرموك من حقك الشرعي والقانوني!"
"خلاص يا رانيا قفلي على الموضوع ده."
عادت أفنان نحو غرفتها بإنكسار لسماعها نبرة الآلم والحرج في نبرة والدها، ازداد الغضب والمقت الذي تشعر به تجاه جدتها وعمتها للضعف!
عاودت أفنان الجلوس على المكتب خاصتها وأمسكت بالكتب الموضوعة أمامها وقررت أن تُكمل مذاكرة فذلك الإمتحان هو حربها وتلك الألف وخمسمئة جنيهًا اللعينة هي جائزتها الكبرى والتي لن تتخلى عنها!!
"قفشتك بتعملي أيه؟" سألتها ميرال بعد مدة قصيرة وهي تقتحم الغرفة لتُجيبها أفنان بعبوس:
"ولا حاجة بذاكر."
"مالك قالبة وشك ليه؟ حصل حاجة؟"
"بابا صعبان عليا أوي.. حوار العربية وكده والمصاريف زايدة عليه وكمان فلوس المواصلات اللي بدفعها في التدريب بغض النظر عن المرات اللي نوح بيوصلني فيها."
"متقلقيش أنا هتصرف في موضوع الفلوس ده."
"هتتصرفي ازاي؟ يعني هو مراتبك هيكفي ايه ولا ايه؟"
"أنا دخلت جمعية مع بنت زميلتي في الشغل وهقبض النفر التالت وهاخد الفلوس اديها لبابا يصلح العربية."
"أنتي عارفة بابا مش هيرضى.. هيقولك أشتري بيها حاجة لجهازك."
"ياستي أحنا هنقنعه متشيليش هم أنتي، صحيح عايزين نشوف هنلبس أيه في خطوبة ريماس."
"هي هتعملها في البيت صح؟"
"بيت مين لا طبعًا دي هتختار قاعة نضيفة وغالية جدًا."
"حد قال حاجة ولا دي توقعات؟"
"يا بنتي عمتو عمرها ما هتعمل حاجة عالضيق عشان تعجزنا أحنا بعد كده لما نيجي نتخطب عشان يتقال يعني مفيش بنت في العايلة أتعملها ولا هيتعملها أحسن من ريماس بنتي." فسرت ميرال وهي تُقلد أسلوب عمتها في نهاية حديثها لتضحك أفنان ثم تُعلق على حديث ميرال مُردفة:
"كده كده عمتو بجوزها ببنتها ناس بتوع مظاهر وبعدين سيبك منها إن شاء الله هيجيلك اللي يحبك ونعملك وقتها خطوبة أحلى من بتاعت ريماس مليون مرة."
"يجي هو بس ومش لازم ولا خطوبة ولا فرح نكتب الكتاب ونسافر وشكرًا على كده."
"يالهوي عالدلقة يا ناس! المهم أحنا ممكن نأجر فستانين وخلاص."
"تيجي نفصل؟"
"بتتكلمي وكأن معاكي عشرين ألف جنيه." أردفت أفنان بإستياء لتنظر نحوها ميرال بإزدراء ثم تقول:
"ليه وأحنا هنفصل عند Versace 'ماركة أزياء عالمية'."
"لا عند عمو وائل اللي في الشارع اللي ورانا."
"دمك خفيف أوي، شوفي أنتي بس استايل فستان ومكليش دعوة."
"ماشي يا أختي أما نشوف آخرتها معاكي أنتي وست ريماس دي، أيه ده استني رحيم بعت مسدچ على جروب التدريب.." كانت تتحدث أفنان بسخرية لكن سرعان ما أعتدلت في جلستها وهي تقوم بفتح الجروب بتوتر.
"خير إن شاء الله.."
"مساء الخير، كنت حابب أفكركوا أن فاضل أسبوعين على انتهاء التدريب وطبعًا الإختبار اللي اتفقنا عليه عشان تاخدوا الشهادة المُعتمدة، من الأسبوع الجاي مش هيكون في ماتريال جديدة ولا شغل practical 'عملي' جديد هنراجع على القديم ولو في حد عنده استفسار عن حاجة هنعيد شرحها." كانت تقرأ الميرال ما كُتب وفي الوقت ذاته تنظر إلى تعابير وجه أفنان والتي كساها الحزن وكأنها على وشك البكاء بينما كانت يدها التي تُمسك بالهاتف ترتجف.
"هيوحشني أوي.." همست بها أفنان وقد تفوهت بحقيقة مشاعرها اخيرًا، شعرت بوخزة في قلبها حينما تخيلت ما ستؤول إليه الأمور في الأيام القادمة.. سينتهي التدريب وسيختفي رحيم من حياتها نهائيًا ففي النهاية هي لم تكن سوى مُتدربة في شركة والده الكبيرة وهو لم يكن سوى المُدرب الوسيم خاصتها..
"لو ليكوا نصيب مع بعض أكيد هتتقابلوا تاني."
"ده لو بقى.."
"زي ما اتقابلتوا أول مرة صدفة أكيد هتجمعكوا صدفة تانية." قالت ميرال بصدق وهي تضم شقيقتها من الخلف، لتحمحم أفنان وهي تقوم بمسح الدمعة التي كانت على وشك الزول من عيناها وهي تقول بنبرة ساخرة:
"أنا شكل الأغاني الرومانسية اللي بتشغليها ليل ونهار آثرت عليا شوية، بغض النظر عن الدراما يعني كده كده الحياة هتمشي.. هو هيرجع يركز في شغله وأنا هتشغل في الجامعة وزي ما كان جزء من حياتي في فترة هيرجع لا شيء زي ما كان قبل كده."
تفوهت أفنان بتلك الكلمات من وراء قلبها لكنها حاولت جاهدة أن تبدو نبرتها صادقة لكن ميرال نظرت نحوها وقد ضيقت عينيها بعدم تصديق، لم تُعلق ميرال على حديث شقيقتها فلقد اعتادت من أفنان أن تكون غاية في الصراحة حينما يتعلق الأمر بمن حولها لكن حينما يتعلق الأمر بمشاعرها هي فالكذب والإخفاء هما أسلوبها المُتبع.
في منزل حامد البكري جلس رحيم في شرفة حجرته التي يمكن من خلال رؤية مياه النيل اللامعة بفعل إنعكاس ضوء القمر عليها، تخللت نسمات الهواء الباردة خصلات شعره المُبعثره على غير العادة نتيجة استيقاظه من النوم، أخرج عُلبة السجائر من أحدى جيوب بنطاله ليقوم بإشعال سيجارة وينفث الدخان بقوة، إن أمر انتهاء التدريب يقلقه كثيرًا وما يقلقه كذلك هو عدم ملاحظة والدته علاقته بأفنان بالإضافة إلى عدم تحدث والدته إليه كثيرًا هذه الأيام ليزداد قلقه إلى الضعف.
أخرج رحيم من شروده صوت أحدهم يطرق على الباب لينتفض رحيم من مقعده ويُطفئ السيجارة على الفور ثم هرول ليُحضر معطر الجو ويقوم برشه ليتخلص من رائحة السجائر.
"اتفضل."
"كنت بتعمل أيه؟" سأل والد رحيم فور دخوله للحجرة ليبتسم رحيم بتوتر ثم يقول:
"كنت في ال Toilet 'دورة المياه'."
"أيه ريحة السجاير دي؟"
"ها؟ ده.. أكيد ال Security 'الأمن'."
"ال Security 'الأمن' بيشربوا سجاير في ال Balcony 'البلكونة' عندك؟" سأل والده بمراوغة وهو يُشير برأسه نحو مطفأة السجائر الموضوع على طاولة داخل الشرفة، فتح رحيم فمه ليتحدث لكنه لم يجد ما يقوله لذا اكتفى بالصمت.
"مفيش أي داعي أنك تكدب عليا أنت عارف أن أنا وأنت صحاب."
"طب بما أننا صحاب بقى يا بابي ما تقولي مامي مشغولة عني في أيه؟"
"وأنت يهمك في أيه؟ المهم أنها مشغولة عنك."
"لا طبعًا.. أنا قلقان مامي طول ما هي في مصر بتبقى مركزة معايا طول الوقت فكونها مش بتتكلم معايا كتير الأيام دي شيء مُقلق بالنسبالي."
"هي اليومين دول مشغوله بالجمعيات الخيرية والندوات اللي بتتعمل، ده اللي أعرفه."
"طيب كويس جدًا."
"رحيم لو بتعمل حاجة غلط أو هتضايق مامتك صارحني وأنا هتصرف لكن متخبيش عليا." قال والده بنبرة حنونه وهو يضع يده على كتف رحيم، يصمت رحيم لثوانٍ ثم يرد على حديث والده مُردفًا بصدق:
"أنا مش بعمل حاجة غلط يا بابي.. كانت حياتي زمان كلها غلط لكن دلوقتي.. أنا بعمل الحاجة الوحيدة الصح في حياتي."
"ويا ترى مين بقى السبب في التغير ده كله؟" سأل والده لتضطرب معالم رحيم ويزدرد ما في فمه بصعوبة..
_________________________________
(تذكره: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلي نفسي طرفة عين.)
الفصل الثاني والعشرون: الِاخْتِبَار النِّهَائِيَّ. 🦋✨🤎
"أنا مش بعمل حاجة غلط يا بابي.. كانت حياتي زمان كلها غلط لكن دلوقتي.. أنا بعمل الحاجة الوحيدة الصح في حياتي." تحدث رحيم بنبرة هادئة لينظر نحوه والده وهو يفكر، ساد الصمت لبرهة بينما يدور في رأس والد رحيم أن نبرته بدت صادقة ورحيم ليس بالشخص المتهور على أي حال إذًا يجب عليه أن يصدقه وألا يقلق بشأن ذلك الأمر.
"ويا ترى مين بقى السبب في التغير ده كله؟" سأل والده بغتة لتضطرب معالم رحيم ويزدرد ما في فمه بصعوبة ثم يأخذ نفس عميق قبل أن يُجيب بإختصار:
"بنت كده.."
" أكيد حلوة مش كده؟" سأل والده لتتسع ابتسامة رحيم وهو يتذكر ملامح أفنان اللطيفة وغمازاتها الساحرة التي تظهر حين تبتسم وعيناها التي تختفي تقريبًا حينما تضحك بقوة، بدون وعي أجاب رحيم والده مُردفًا:
"زي القمر."
"زي مامتك كده؟" سأل والده ليحمحم رحيم وهو لا يدري كيف يشرح لوالده الأمر لذا أخذ نفسًا آخر عميق قبل أن يقول:
"مامي ملامحها أوربية يا بابي، البنت دي ملامحها مصرية أصيلة."
"أيه ده هي مصرية؟" سأل والده ببعض الإندهاش ليحك رحيم مؤخرة عنقه وهو يتمتم:
"اه.."
"بنت مين؟ قصدي مين عايلتها؟ أكيد عيلة كبيرة مش كده؟" سأل والده لتضطرب معالم رحيم وقد بدأ التوتر يتمكن منه إن والده يسأل أسئلة حرجة بالنسبة إليه في الوقت الحالي، لذا قرر رحيم أن يراوغ في إجابته ويقول:
"أنا متعاملتش معاهم شخصيًا لكني واثق من أخلاقهم وسُمعتهم، باين من تربيتهم لبنتهم."
"طب وأنت أتعرفت عليها فين؟ وهتخلينا نشوفها أمتى؟"
"لما يجي الوقت المُناسب يا بابي مش حضرتك ومامي بس اللي هتشوفوها، الدنيا كلها هتشوفها." أجاب رحيم والده بأعين لامعة وبنبرة تحمل في طياتها سعادة مخفية ليقهقه والده بنبرة رجولية وهو ينكز رحيم في كتفه بخفه مُردفًا:
"شكلك واخد الموضوع جد."
"أنا طول عمري باخد كل حاجة في حياتي جد يا بابي وإن شاء الله كل حاجة هتمشي زي ما أنا حاطط في دماغي." أومئ والده قبل أن يضمه برفق ثم يتجه نحو الخارج لتنتهي المُحادثة عند تلك النقطة ليزفر رحيم براحة أخيرًا وهو في داخله صراع، هل كان من الصواب أن يُخبر والده بما أخبره للتو أم كان عليه أن يتهرب من الإجابة تجنبًا للمتاعب؟ لم يجد إجابه على اسئلته تلك...
مرت عشرة أيام سريعًا وتبقى أقل من سبعة أيام على انتهاء التدريب وموعد الإختبار.. لم تشعر أفنان بمثل هذا التوتر من قبل أو ربما فعلت في اختبارات الثانوية العامة، لكن الآن يقع على عاتقها العديد من الأمور فهي تريد الفوز بالجائزة المادية من أجل والدها، تُريد أن تُثبت لذاتها أنها قادرة على خوض الصعاب بل والنجاح بذلك، كي لا تتعرض للسخرية من قِبل نوح، كي لا تشعر بالخزي تجاه ذاتها وأكبر ما يشغلها هو أنها لن ترى رحيم مجددًا بعد انتهاء التدريب..
"أفنان أنتي سمعاني؟"
"هاه؟ بتكلميني يا ميرال؟" سألت أفنان بشرود لتتنهد ميرال ثم تُعيد ما كانت تقوله مجددًا ولكن بإختصار هذه المرة مُردفة:
"كنت بقولك أن عمتو كلمت بابا إمبارح وقالتله أن الخطوبة اتأجلت أسبوعين."
"طب كويس جدًا أهو نكون لحقنا نخلص الفساتين اللي بقالها سنه عند الخياط دي." علقت أفنان وقد نمت على ثغرها ابتسامة ساخرة سرعان ما أختفت لتنظر نحوها ميرال بشك وهي تسألها:
"اه الحمدلله، أنتي مش في الموود خالص بقالك كام يوم، في حاجة حصلت أنا معرفهاش ولا أيه؟"
"موضوع التدريب والإمتحان ده شاغلني أوي."
"يا بنتي أنتي كده كده هتعدي من الإمتحان ده وهتاخدي الشهادة، ليه شاغله دماغك للدرجة؟"
سألت ميرال لتصمت أفنان فلا إجابة لديها، فهي لا تُريد التحدث بخصوص الجائزة والتي لم تُخبر احدًا بشأنها قط فأفنان تعلم جيدًا أنها كلما تحمست لأمر ما في حياتها وبدأت في مشاركة الأمر مع من حولها مهما كانوا أناس طيبين فالأمر يبوء بالفشل في النهاية وهذا لا يعني أنها تعرضت للحسد أو شيء من هذا القبيل لكنها على إقتناع تام أن كثرة الحديث حول شيء لم يتحقق بعد يُفسده من قبل أن يحدث، لذا فلقد فضلت الصمت حتى ينتهي الأمر على خيرًا كما تتمنى.
"أدعيلي بس يا ميرال ربنا يوفقني ويهديلي الحال كده ويحققلي اللي في بالي وأنا هبقى فايقة كويسة إن شاء الله."
"هدعيلك يا حبيبتي."
في صباح اليوم التالي اتجهت أفنان للتدريب بوجه مُمتعض وقلبًا حزين، أخذت تتأمل كل رُكن من أركان الشركة أثناء صعودها لمكان التدريب المُعتاد.. من أكبر العيوب بشخصيتها كانت التعلق والإرتباط الشديد بالأشخاص والأماكن والآن عليها أن تُعاني من فراق هذا المكان والعودة إلى مباني الكلية العريقة الكئيبة وعليها أن تُعاني من فراقه هو ايضًا.. رحيم!
"صباح الخير." همس رحيم من الخلف لكنها لم تُجيبه بل لم تسمعه من الأساس فلقد كانت مُستغرقة في تفكيرها العميق ليتحرك هو بحركة سريعة مُفاجئة فيُصبح أمامها مباشرةً لتشهق هي بفزع وتعود نحو الخلف خطوتين وهي تصيح وفي الوقت ذاته تضرب رحيم في وجهه بواسطة حقيبة الضهر خاصتها كردة فعل تلقائية:
"أيه ده يخربيتك أنت عبيط ولا أيه؟!"
"في أيه يا مجنونة أنتي؟!"
"رحيم؟!" تفوهت أفنان بصدمة حينما أدركت ما فعلته، فلقد فعلت ذلك دون تفكير لشعورها بعدم الراحة والصدمة، ومن فزعها لم تُدرك من الشخص الذي وقف أمامها فجأة، بل لم تهتم بتاتًا فلا يجب على أي شخصًا كان أن يقترب منها بأي حال من الأحوال.
"ايوا زفت رحيم!" أردف وهو يضع يده على وجهه بآلم لتضع أفنان يدها على فمها بصدمة قبل أن تُعلق على حديثه بنبرة مُوبخة:
"متعملش كده تاني بقى عشان المرة الجايه مش هتبقى خبطة بالشنطة لا ده أنا هكسرلك صف سنانك التحتاني يا قمور ماشي؟!"
"أنا عملت أيه يا بنت أنتي؟ وبعدين قمور أيه بقى وأنتي بتضربيني؟!!!" سألها بحنق وبنبرة جادة بينما مازال يُدلك المنطقة المُصابة في وجهه بواسطة يده.
"جيت وقفت قدامي فجاءة وواقف قريب مني وبتسألني عملت أيه؟ أيه البجاحة دي يا أخي؟!"
"أنا أسف أنا مخدتش بالي مكنتش مركز! وبعدين عرفيني أنك اتضايقتي اتخانقي معايا قوليلي مش مرتاحو لكن مش تكسرلي وشي!"
"متأفورش يا رحيم مكنتش خبطة بالشنطة يعني اللي عمال تنوح عليها دي." أردفت أفنان بلا مُبالاة لينظر نحوها رحيم بإمتعاض بطرف عيناه بنظره حارقة لتحمحم ثم تقول:
"هي أينعم الشنطة فيها الكتب وملازم وبوك الفلوس وأزازة مياه وأزازه سبراي وكيس أوريو بس برضوا مضربتكش بالنار يعني، وبعدين ما هو أنت اللي بتعمل حاجات غريبة!" نظر نحوها رحيم طويلًا وفتح ثغره ليتكلم وكان من الواضح أنه ينوي توبيخها لكنه أغلق فمه وهو يزفر بضيق قبل أن يتفوه بالآتي:
"أنتي عندك حق أنا أسف، صدقيني أنا بحاول طول الوقت أني اتجنب الحاجات اللي ممكن تضايقك أو الحاجات الغير مقبولة والغلط بس ده كان رد فعل تلقائي مني لما كلمتك ومردتيش، مش هكرر الموضوع ده تاني وهاخد بالي بعد كده من المسافات."
"بعد كده؟ مفيش بعد كده خلاص ما التدريب هيخلص بقى." علقت أفنان بنبرة مازحة مشوبه بُحزن مخفي ليُعلق رحيم على الفور قائلًا:
"لا هيبقى في إن شاء الله ملكيش دعوة أنتي."
"المهم أنت بتقول كلمتني؟ كلمتني أمتى؟" حاولت أفنان تغير الموضوع ليتنهد وهو مازال يتفحص وجهه بيده قائلًا:
"لسه من كام دقيقة كنت بقولك صباح الخير."
"معلش أنا كنت سرحانة مش مركزة."
"ولا حتى شميتي ريحة ال perfume بتاعتي؟" سألها وهو يرفع أحدى حاجبيه بإستغراب.
"ما هي دي اللي سطلتني غالبًا." همست أفنان مُحدثة نفسها بسخرية لينظر نحوها بتعابير وجه مُتسائلة لتُردف:
"لا لا مفيش متركزش معايا، يلا روح ألعب بعيد بقى هنرش مياه."
"هترشي مياه ليه؟"
"لا رحيم مش طالبه عالصبح!"
"ماشي يا ستي أنا أسف، اتفضلي عالقاعة بقى." أومئت بحسنًا وكان هو يتقدمني لكنه توقف حينما صدح صوت رنين هاتفه في المكان، نظر إلى الهاتف طويلًا وقد قضب حاجبيه بالكاد استطاعت أفنان النظر إلى هاتفه والذي أظهر أن المُتصل هو رقم خاص أي لا تظهر أرقامه.
"ألو.. ohh Hello 'مرحبًا'." همس رحيم وجاءه الرد من الجانب الآخر لتتوتر معالم وجهه، يضغط على فكه السفلي بقوة حتى برزت عظام وجهه بينما يحك ذقنه بيُمناه ويحمل الهاتف في يُسراه، لم تستطع أفنان فهم ما يجري لكنها انتقل إليها شعور رحيم بالتوتر وعدم الراحة..
أقتربت أفنان نحو الأمام قليلًا وهي تسير في طريقها الطبيعي نحو القاعة لكن لا ننكر أنها فعلت ذلك كمحاولة بائسة منها لسماع صوت المُتحدث فقط لتعلم إن كان رجل أم امرأة، وبالفعل استطاعت فعل ذلك فلقد سمعت صوت أنثوي رقيق لكنها لم تستطيع تفسير ما يُقال، على الفور تغيرت معالم وجهها إلى الإستياء ولم يكن هناك سبب منطقي لذلك.. اتجهت نحو الداخل لتجد ثلاثة تقريبًا فقط يجلسون في الداخل كانوا ثلاثتهم يتحدثون وحينما دلفت أفنان نحو الداخل عم صمت، لم تهتم أفنان كثيرًا بالأمر وذهبت لتجلس في مكان بعيدًا عنهم فثرثرتهم هو آخر ما يشغلها في الوقت الحالي.
مر ذلك اليوم ببطء شديد لم ترى أفنان رحيم مجددًا في ذلك اليوم فلقد قام نوح بشرح الجزء النظري وشخصًا آخر تكفل بالجزء العملي لكن رحيم لم يكن له أثر مما تسبب في مُضاعفة غضب وإستياء أفنان فأولًا يتحدث لفتاة ما في الهاتف ولغة جسده المتوترة والمُضطربة تلك كانت توحي بأنها ليست كأي فتاة، ثانيًا لأنه قرر الإختفاء في يوم من أيامهم الأخيرة سويًا.
في صباح اليوم التالي استيقظت أفنان على سالة اعتذار من رحيم عن اختفاءه المفاجئ لكنها لم تتأثر كثيرًا فلقد سئمت من اختفاءه ورحيله دون مقدمات ثم العودة والإعتذار إنها المرة الثالثة أو الرابعة في خلال شهرين منذ أن تعرفت هي ورحيم لذا قررت أن تُجيب عليه ببرود عله يتذوق قليلًا من السوء الذي يُشعرها به.
"عادي ولا يهمك أنا مخدتش بالي أصلًا، عالعموم أنا هقفل نت عشان هذاكر للإمتحان.. سلام." قرأ رحيم الرسالة وهو يتأفف بحنق لينظر نحوه أنس بإستنكار ثم يُردف:
"يا ابني هو أنت بتيجي البيت عندي هنا تكتئب وتقرفني؟ حصل أيه غير المكالمة النيلة اللي جاتلك امبارح دي."
"كالعادة أفنان زعلت عشان اختفيت فجاءة." شرح رحيم ما حدث بإختصار لتتسع أعين أنس ويذم شفتيه ثم يسأله بعدم رضا قائلًا:
"أفنان تاني؟ مش دي اللي نفضتلك وخرجت مع نوح، هو أنت أيه؟ نو كرامة خالص."
"ايوا صح صح أنت فكرتني براڤو عليك.. قولي بقى يا أنس أنت كنت مع مين لما شوفت أفنان اليوم ده؟"
"كنت مع مين أيه؟ كنت لوحدي طبعًا."
"كنت لوحدك طبعًا... أنت هتصيع عليا يا أنس؟! أنت فاكرني مختوم على قفايا؟" كان عين رحيم تُطلق الشرار في تلك اللحظة وكأن يعرف أنس أنه قد قُضي عليه بلا شك لكنه قرر أن يسخر من حديث رحيم فهو غاضب على أي حال.
"ألفاظك بقت سوقية جدًا من كتر كلامك مع اللي اسمها أفنان دي."
"يعني مش من كتر القاعدة معاك؟ تؤ تؤ من كتر كلامي مع أفنان."
"كنت مع مونيكا وأنا ومونيكا بنحب بعض وهنتجوز أنت سامعني! ومحدش هيقدر يمنعنا!" صاح أنس بنبرة درامية وهو يستقيم من مقعده ويضم يديه لصدره لينظر نحوه رحيم بسخرية ثم يسأله بخُبث:
"هتتجوزوا؟"
"أنا ومونيكا بنحب بعض ومش هنتجوز ومحدش هيقدر يمنعنا."
"ايوا كده اضبط، أنت بتلعب واللعب آخرته وحشة وأنا اتكلمت معاك مية مرة وأنت اللي في دماغك في دماغك متزعلش بقى من اللي هيحصل."
"خليك في حالك مش هزعل ولا حاجة، المهم ناوي تعمل أيه؟"
"في أيه؟"
"متستهبلش!"
"أنا مش عايز أشغل بالي بأي حاجة ولا أي حد دلوقتي غير أفنان وبعد التدريب هشوف هعمل أيه."
"ما بلاش يا رحيم."
"بلاش أيه بالضبط؟" سأل رحيم ببلاهة مقصودة لتتحول نبرة أنس إلى نبرة جادة قليلًا وهو شيء نادر الحدوث ناصحًا رحيم بالآتي:
"بلاش موضوع الحب بقى والهيام والجو ده.. آخرته وحشة صدقني."
"أفنان مش زي أي حد وموضوع أفنان غير أي موضوع."
"تاني يا ذكي؟ تاني؟ أنت مفيش فايدة فيك؟"
"لما يبقى في فايدة فيك يبقى في فايدة فيا وسيبني بقى اقعد اكمل شغل عشان بعمل الإمتحان."
"اه صحيح أنت هتعملهم لجنة مراقبة بقى والهبل ده؟"
"اه طبعًا وهشرف عليهم بنفسي ومعايا الكائن اللي اسمه نوح ده وتلاتة دكاترة كمان." كان يشرب أنس الماء في تلك اللحظة فسعل فجاءة حينما سمع ما يقوله رحيم ثم سأله بإستنكار:
"ليه يا ابني هما جواسيس ولا أيه؟ وبعدين أشمعنا أنا مش هقف معاكوا؟"
"عشان عارفك هتغششهم وأنا عايز كل واحد يحل بمجهوده."
"طبعًا عشان القطة بتاعتك هي اللي تقفل وتاخد المكافأة."
"لا أفنان شاطرة وبتحل بنفسها ومسمهاش قطة يا بني آدم أنت، وبعدين كده كده الإمتحان نماذج." علق رحيم وهو يقذف رحيم بالوسادة التي بجانبه لإستخدامه لفظه 'قطة' إشارة إلى أفنان مجددًا.
"ده ولا امتحانات الثانوية العامة اللي أنت عامله ده!"
في صباح يوم الإختبار استيقظت أفنان بآلم شديد في الرأس فهي لم تحظى سوى بثلاث ساعات من النوم تقريبًا لأنها قضت الليل كاملًا في مُراجعة واستذكار المعلومات.. ةقفت أفنان أمام خزانة ملابسها هي وميرال لعشرة دقائق تقريبًا تتأمل ثيابها هي وميرال لينتهي بها الأمر وهي تذفر بضيق ثم تهمس:
"يووه! مش لاقيه حاجة ألبسها."
"خلاص عرفت!!" همست بها بسعادة شديدة وقد وجدت ضالتها اخيرًا.
"أيه ده الجميل لسه منزلش الشغل." همست بها أفنان فور مُغادرتها لحجرتها وقد بدلت ثيابها، وجدت والدها يجلس على طاولة الطعام وقد وُضع أمامه طعام الفطور.
"أمك ياستي أصرت أفطر معاكوا قبل ما انزل."
"بألف هنا وشفا يا حبيبي." أردفت بلطف وهي تضم والدها من الخلف ليقطع المشهد اللطيف صوت والدتها وهي تسألها:
"مش هتقعدي تفطري؟"
"لا مستعجلة عندي امتحان وأنتي عارفاني مبعرفش أكل قبل الإمتحان."
"ربنا معاكي يا حبيبتي ويسهلك كل صعب، ركزي كده وقولي بسم الله لما تبدأي إجابة وإن شاء الله ربنا هيكرمك وتطلعي الأولى كمان." علق والدهل لتنظر نحوه أفنان بإمتنان وحب لتقترب منه وتُقبل رأسه وهي تهمس:
"حبيبي يا بابا ربنا يخليك ليا."
"نفسي اسمعك مرة بتقولي حبيبتي يا ماما." تمتمت والدتها وهي تضع صحن الفول المُدمس على الطاولة لتتجه نحوها أفنان وتُقبل وجنتها وهي تقول:
"يا ماما يا حبيبتي أنتي حبك جوايا من غير ما أقول."
"لا أنا عايزاكي تسمعيني ياختي."
"من عنيا يا ماما، أنا هنزل بقى عشان متأخرش، دعواتكوا." صاحت أفنان بالكلمات الآتية وهي تأخذ قطعة من الخيار وتأكلها وهي تفتح باب الشقة وتتجه نحو الخارج.
"اه صحيح نوح هيقابلني في نص السكة يوصلني في طريقه للشركة."
"طيب خدي بالك من نفسك."
هرولت أفنان خارج العمارة بعد أن ودعت والديها، مشاعر مُتضاربة عصفت بها في ذلك الوقت فهي تشعر بالتوتر من الإمتحان، مازالت تشعر ببعض التحسس تجاه التحدث إلى نوح، تخشى فقدان المكافئة المالية والتي بَنت عليها الكثير من الأهداف واخيرًا تشعر بقلبها يُعتصر لمجرد التفكير في أن رحيم بين ساعة وآخرى سيصبح مُجرد ذكرة لطيفة داخل عقلها..
"ذاكرتي كويس ولا هتكسفينا؟"
"عيب عليك يابا على الله أنت بس متكسفناش وتعرف تخلص الماجيستير بتاعك على خير." ردت أفنان الصفعة صفعتين عليه لينظر نحوها بطرف عيناه بغيظ شديد.
"طيب أنا هسيبك بقى وهطلع فوق عشان محتاج اضبط كام حاجة كده في الإدارة وبعدين اروح للي اسمه رحيم ده عشان اشوف الإمتحان."
"قشطة ماشي."
صعدت أفنان إلى الطابق المُعتاد وبمجرد أن فعلت أقتحمت أنفها عِطر رحيم المُميز والذي لا يضع غيره تقريبًا، كان يقف بشموخ يرتدي بذلة رسمية سوداء اللون وهو يُمسك في يده ظرف باللون الرمادي وقد وُضع عليه شعار الشركة واسمها RHEB، أقتربت أفنان من البقعة حيث يقف وفي تلك اللحظة قد غادر الشخص الذي يتحدث إليه رحيم فألتفت هو نحوها ليراها..
ليرى تلك الفتاة التي ظهرت في حياته من اللامكان منذ مُدة ليس بطويلة ولكنها استطاعت أن تؤثر عليه بشكلًا كبير، ابتسم رحيم ابتسامة واسعة وقد لمعت عيناه حينما أدرك أن أفنان ترتدي نفس الثوب الذي ارتدته في أول مرة رأها لكن ما لم تعرفه هي أن في كل مرة يراها ينبهر بها كأول مرة، ذلك اللون بلون 'الكافية' ولون الوشاح الذي يميل إلى الدرجة ذاتها لكن أفتح قليلًا، تلك الحُفر في وجنتيها التي تظهر حينما تبتسم وتلك البشرة الشاحبة والحبوب المُحمرة التي اتخذت أماكن متفرقة في وجهها لكنها لم تزدها إلى جمالًا في عينيه فجمالها هو الجمال الحقيقي وهو ألا تكون كاملة في كل شيء كالدمى البلاستيكية، فعيوبها البشرية هي أجمل ما يُميزها، أقتربت منه أفنان قليلًا ليسألها بنبرته الهادئة المُعتادة:
"مُستعدة للإمتحان؟"
"عيب عليك، I was born ready 'تعبير معناه لقد وُلدت مُستعدة'." ابتسم رحيم ابتسامة واسعة حينما سمع جُملتها تلك فلقد أصبحت طريقتها تُشبه خاصته لكن ما لم يُدركه هو أنه أيضًا قد تأثر بطريقتها في الحديث.
"أنا واثق فيكي." كانت أفنان قادرة من الناحية الذهنية على إجتياز الإختبار لكن بعد سماعها لتلك الجملة أصبحت قادرة على إجتياز الإختبار، التحليق في السماء ورفع المبنى بأكمله بذراعًا واحد فقط بعد سماعها لتلك العبارة المُشجعة، ابتسمت له أفنان بتوتر وإمتنان وأكتفى هو بإبتسامة جانبية صغيرة قبل أن تتحول تعابير وجهه للجادة وهو يتجه نحو قاعة الإمتحانات ويعود إلى تنظيم أماكن جلوس الطلاب.
لم يطلب رحيم من أفنان الجلوس بالصف الأول بمحض الصدفة بل فعل ذلك عن قصد وهذا لعدة أسباب من أهمها ألا يظن أحد أنه قد أجلسها في المؤخرة كي يتسنى لها الغش أو شيئًا من هذا القبيل، ايضًا حتى لا يشوش عليها أحدهم أو يطلب منها أن تقوم بمساعدته في الحل واخيرًا حتى تكون أمام عيناه مباشرةً.
"طيب يا شباب كل واحد هيبقى معاه Model 'نموذج' مُختلف عن التاني فياريت محدش يحاول ي.. ي.." تلعثم رحيم وهو يحاول أن يتذكر الكلمة التي يقصدها لترفع أفنان رأسها وتنظر نحوه وهي تهمس إليه:
"يغش." كان صوتها منخفضًا فلم يسمعها لكن استطاع أن يقرأ شفتيها.
"زي ما كنت بقول مش عايز حد يحاول يغش أظن كلكوا كنتوا بتحضروا وكلكوا شاطرين أصلًا وهتعرفوا تحلوا الإختبار ده لكن في كل نموذج في سؤالين أو تلاتة هما دول اللي هيميزوا الناس عن بعض وكده كده كلكوا تقريبًا هتاخدوا ال Certificate 'شهادة' فا Don't worryy 'لا تقلقوا' يعني." أنهى رحيم حديثه ثم أشار للمُدربين بجواره بأن يبدأو في توزيع الأوراق ليفعلوا ويفعل هو المثل ويبدأ اولًا بمنح أفنان ورقتها.
"الإمتحان مدته 90 minutes 'تسعون دقيقة' Good luck 'حظًا موفق' يا شباب." أضاف رحيم حينما انتهى من توزيع الأوراق، تفتح أفنان قلمها وقبل أن تنظر نحو الورقة بدأت تقرأ قصار السور التي حفظتها ثم بسملت قبل أن تبدأ في كتابة بياناتها ثم بدأت تُجيب عن الأسئلة واحدًا تلو الآخر.
كان يتابع رحيم تعبيرات وجه أفنان أثناء إجابة الأسئلة، فتارة تنظر إلى السؤال بتعابير وجه متوترة تتحول إلى الفرح حينما تتذكر الإجابة، تارة آخرى تتحدث إلى نفسها أو إلى السؤال، ازدادت مراقبته لهاحينما وصلت إلى الثلاثة أسئلة المنشودين وفي تلك اللحظة ازداد تركيز أفنان ووضعت أحدى قدميها فوق الآخرى وبمجرد أن رأى رحيم جلستها ضحك بصوتًا خافت لكنها استطاعت سماعه لأنه المسافة بينهم قليلة لتنظر نحوه بحده وهي تسأله:
"في حاجة؟" نظر نحوها بتعابير وجه جادة وهو يخفي ضحكته ثم يُردف بصرامة:
"مفيش بصي في ورقتك يا دكتورة."
"ماشي يا ابن ال... بكري." همست لكنه استطاع سماعها ليُدير وجهه بعيدًا عن أعينها وأعين الطلاب ويضحك بصوتًا مكتوم.
"أنت يا دكتور! لو بصيت جنبك تاني هسحب ورقتك وهعتبرك ممتحنتش!" صاح نوح الذي أقتحم المكان من اللامكان لينتفض الجميع ثم يلتفتون نحوه، وضع رحيم يده على أذنه كرد فعل تلقائي على الضوضاء التي تسبب فيها نوح.
"أيه ده في أيه؟" سأل رحيم بضيق لينظر نحوه نوح ببرود ثم يقول:
"مفيش يا دكتور رحيم الولد اللي ورا ده كان بيبص في ورقة اللي جنبه."
"طيب ماشي أتعامل مع الموقف براحة." أردف رحيم بنبرة هادئة حتى لا يتسبب في إحراج نوح الذي لم يهتم لمكانة رحيم في الشركة وعلق على حديثه بهجوم قائلًا:
"والله يا دكتور رحيم أنا أدرى." نظر نحوه رحيم بحده وهو يضم قبضة يده فيُحمحم نوح وقد أدرك الخطاء الذي أقترفه لذا عدل من حديثه ونبرته على الفور مُضيفًا:
"قصدي بحُكم شغلي في الكلية يعني، وعمتًا أنا بعتذر لو شوشت على الدكاترة." لم تتغير تعابير وجه رحيم المُمتعضة لذا قررت أفنان أن تحاول إلهاء رحيم لذا أشارت إليه وهي تتفوه بالآتي:
"دكتور رحيم ممكن سؤال بعد إذنك؟"
"في حاجة مش واضحة في الورقة؟"
"اه." أجابت أفنان ليقترب رحيم منها ويدنو بالقرب من الورقة وهو ينظر إلى الأسئلة لكنه لم يجد شيئًا مجهول لتهمس هي له على الفور:
"حقك عليا أنا هو نوح عيل غتت أصلًا." ابتسم رحيم ابتسامة جانبية ثم قرأ أحد الأسئلة العشوائية ثم أردف:
"السؤال واضح يا دكتورة، ركزي كده وهتعرفي تجاوبي إن شاء الله."
"سلااامو عليكوا! أيه يا دكاترة الكلام على أيه؟!" صاح أنس فجاءة وهو يدفع باب قاعة الإمتحان بقوة لتتسع أعين رحيم وهو يصفع وجهه بيده قبل أن يتجه نحو أنس ويسحبه نحو الخارج ثم يدفعه نحو الحائط بعيدًا عن باب القاعة وهو يوبخه بإمتعاض:
"أيه يا حيوان أنت داخل غُرزة ولا أيه؟!"
"أيه ده يا ابن اللذينة أنت عارف الغُرزة؟ أنت اتطورت أوي يا رحيم." تحدث أنس بنبرة غير مُتزنة تخللتها ضحكات عشوائية متقطعة.
"أنت بتستعبط يا أنس؟! أنت داخل قاعة الإمتحان بتهزر وازاي بتتكلم كده اصلًا أنت اتجننت ولا أيه؟"
"أنا عملت أيه يا أبيه رحيم؟"
"أبيه رحيم؟ أنس هو أنت...ثواني كده..."
"أنس Are you freaking kidding me!! ' واللعنة هل تمزح معي' أنت جاي الشغل شارب!"
"أنا مش شارب يا رحيم!" صاح به أنس ليرد عليه رحيم بنبرة عنيفة موبخة وهو يدفعه بقوة نحو الحائط مجددًا وهو يُردف:
"لا متنيل شارب وريحتك باينة! أنا مش عارف أنت بتعمل في نفسك كده ليه بجد؟ ليه يا بني آدم أنت فاهمني؟!"
"في أيه يا رحيم؟ أنت مكبر الموضوع أوي على فكرة!"
"بس Shut up 'أخرس' تعالى معايا كفاية فضايح." قال رحيم من بين أسنانه وهو يضع يده على فم أنس الذي كان يضحك بهستريا بينما غلفت عيناه طبقة بلورية شفافه، أجل إنه على وشك البكاء، جذبه رحيم من ذراعه حتى نهاية الممر حيث يقبع مكتب رحيم، فتح رحيم الباب ودفع أنس نحو الداخل ثم عاد خطوتين نحو الباب ونظر نحو الخارج ليتأكد من عدم رؤية أحد لما حدث قبل قليل ثم دلف للداخل مجددًا ليرى أنس قد تمدد على الأريكة البيضاء دون أن يخلع حذائة.
"أنت مش متخيل يا أنس أنا هعمل فيك أيه لما تفوق بجد!"
"هتعمل أيه؟" سأله أنس بنبرة ساخرة وهو يغمز بأحدى عينيه ليتقدم رحيم منه ويسحبه من ثيابه بقوة بحيث جعل أنس يعتدل في جلسته وهو يسأله بنبرة جادة:
"مالك يا أنس؟ فهمني أيه اللي حصل؟ حصل أيه وصلك للحالة دي؟!" كانت نبرة رحيم أقرب إلى الصياح منها إلى الهادئة ولقد نجحت نبرته تلك في إعادة التركيز ولو بنسبة ضئيلة إلى أنس الذي نظر نحو رحيم بزوجًا من العيون السوداء المُغرورقة بالدموع وهو يُفصح أخيرًا عن ما حدث مُتحدثًا بنبرة مُنكسرة أشبه بالهمس:
"عايزين يفصلوا الأجهزة عن أروى..."
_________________________________
(تذكره: اللهم إني أسألك عيشة نقية وميتة سوية ومرداً غير مخزٍ ولا فاضح.)
استعدوا بقى للكوارث بدءًا من الشابتر الجاي إن شاء الله. 😂😂😂♥♥
الفصل الثالث والعشرون: دُمُوعٌ مُنْهَمِرَةٌ ✨🦋🤎
"عايزين يفصلوا الأجهزة عن أروى..." أفصح أنس اخيرًا عن ما حدث لينظر نحوه رحيم بحاجبين مرفوعيين وقد فرق شفتيه بصدمة، عقله لا يكاد يستوعب ما يقوله أنس.
"يعني أيه هيفصلوا عنها الأجهزة؟! على أي أساس هيعملوا حاجة زي كده؟ وأنت؟ أنت هتسيبهم يعملوا كده؟!!" سأل رحيم عدة اسألة متكررة بإستنكار، ولأول مرة تقريبًا منذ أن أصبح رحيم وأنس رفقة منذ عدة سنوات يكون رحيم هو الشخص المُنفعل المُتحدث بنبرة غاضبة أقرب إلى الصياح بتلك الطريقة في حين يجلس أنس هادئًا صامتًا مُنكبًا على وجهه.
"أعمل أيه يا رحيم قولي؟ انت عارفة كويس... محدش بيقدر يوقف قصاده." سأله أنس بنبرة مبحوحة وبقلة حيلة بينما انهمرت المزيد من الدموع لتُبلل وجنته وتنحرف بعضها لتُبلل شفتيه، بينما نظر نحوه رحيم طويلًا وهو يَهز قدميه بقوة وإستياء شديد، هو لم يرى صديقه بتلك الحالة من قبل، لم يرى أنس ينهار بتلك الطريقة ولم يرى هذا الكم من التيه في نظرات عينيه.
"مش بإرادته! الحياة والموت دول بإيد ربنا بس!! وأنت مينفعش تسمحله بحاجة زي دي! بطل تبقى سلبي ولو لمرة في حياتك!!" صاح رحيم لينتفض أنس من صوت صراخه ثم يرفع عينيه الدامعة بضعف وكاد أن يفتح فمه ليتحدث لكن الكلمات حُبست كأشواكٍ من الحديد داخل حلقه وانتهى به الامر بثغرًا مفتوح وشفاه مرتجفه.
"متبقاش زيي يا أنس، متبقاش إنسان سلبي مش قادر يواجه وياخك قرار، مينفعش تسمح لحد أنه يتحكم فيك ومش بس فيك وفي أروى كمان خاصة في الوضع اللي أحنا فيه ده! أنا طول عمري مش بقدر أخد رد فعل اتجاه مامي وبابي لكن أنت أحسن مني وطول عمرك أشجع مني مينفعش تيجي المرة دي وتخيب! انت لو سكت المرة دي هتفضل ساكت طول العمر وهتفضل عينيك مَكسورة ومش قادر تبص لنفسك في المراية وهتكره نفسك يا أنس، ومظنش أروى هتبقى فخورة بيك لو شافتك بالوضع ده!"
أخرج رحيم ما كن يكتمه في صدره منذ فترة في جمل متواصلة دون فاصل، لم يُفكر ولو لثانية فيما قاله بل ترك كلامه ينساب بكل يُسر لكنه سرعان ما شعر بالندم يعتصر قلبه، لقد كانت كلماته قاسية لكنه لم يقصد أن يزيد من حزن أنس بل يريد أن يجعله يفيق! لكن أنس لم يفعل بل أرتخت تعابير وجهه لثوانٍ قبل أن يرفع قدميه على الأريكة البيضاء مرة آخرى ويضم قدميه إلى صدره بمعنى أصح يتكور على نفسه كطفلًا صغير خائف ثم يُردف بنبرة ضائعة وهو ينظر إلى اللامكان:
"أنا تايه وخايف.. رحيم مينفعش أروى تسيبني وتمشي.. انا مش هعرف اعيش من غيرها يا رحيم انت سامعني؟ هي الوحيدة اللي كانت بتطبطب عليا وقت زعلي وكانت دايما بتصالحني.. عارف لما بابا كان بيزعقلي زمان أو يمد ايده عليا كانت دايمًا بتقف قصاده، كانت دايمًا قوية وبتحارب مش عارف ليه المرة دي استسلمت.. رحيم أروى مش بس أختي.. أروى أختي وأمي وحته من قلبي لا، هي قلبي كله وروحي يا رحيم.. محدش بيقدر يعيش من غير روحه."
"هترجع يا حبيبي، هترجع يا أنس وأنت المرة دي اللي هتقف وتدافع عنها.." تفوه رحيم وهو يُربت بيده على كتف أنس بخفه وقد شعر بحُرقة في عينيه هو ايضًا، ليس من عادة رحيم البُكاء لكن حالة أنس تلك تُشعره بثِقل شديد في قلبه فالطالما أعتبر أنس أخًا له وليس فقط صديقه المُقرب بل وأروى كذلك فلقد كانت في مثابة شقيقته خاصًة وهم صغار، ساد الصمت لبعض الوقت قبل أن يتحدث رحيم بنبرة لا تخلو من لوم نفسه قائلًا:
"معقول يا أنس شايل كل ده جواك كل الفترة اللي فاتت دي؟ وأنا ازاي غبي وكنت بضغط عليك وانت Already 'بالفعل' مضغوط ومكسور.. حقك عليا.. أنا أسف بجد.."
أردف رحيم وجذب أنس في عناق شديد ليسمح أنس لشهقاته بالخروج دون أن يشعر بالخزي أو الخجل فهو في نهاية المطاف بشرًا من لحمًا ودم وليس عليه التظاهر بالتمساك طوال الوقت، فلقد حبس دموعه طويلًا متتبعًا المقولة الحمقاء:
'مفيش راجل بيعيط/الرجالة مبتعيطش.' وكأنه كرجل أو كذكر يجب أن يكون مُجرد من المشاعر، لا يجب عليه أن يشعر بالآلم والإنكسار، لا يجب عليه أن يشتكي، لا يجب عليه أن يُعبر عن حزنه واخيرًا لا يُسمح له بإستخدام حقه الطبيعي الذي منحه الله إياه في التعبير عن ما يؤلمه، يُقلقه ويُحزنه وهو البكاء..
لكنه الآن يبكي.. يبكي على كل شيء ومن كل شيء.. فقدانه لشقيقته، خوفه من المجهول، شعوره بالضعف واخيرًا مواجهة والده ذلك الرجل عديم الشعور والضمير.
لكن لم تكن تلك الأسباب فقط ما يُبكي أنس ويفطر قلبه بل شعوره بأنه شخصًا سيء.. رحيم مُحق لو كانت رأته أروى بتلك الهيئة وهذه التصرفات وذلك السلوك الذي اتبعه مؤخرًا لنفرت منه ولربما توقفت عن التحدث إليه وكان ليكون ذلك أهون عليه من غيابها الذي استمر لمدة ليست بقصيرةٍ الآن، بعد أن فرغ أنس من بكاءه أو على الأقل هدأ قليلًا نظر نحوه رحيم بجديه بينما يحك ذقنه بيده وهو يُردف بنبرة جادة هادئة:
"أنس أحنا لازم نتصرف وبسرعة وأول حاجة هنعملها أننا نبعد أروى تمامًا عن أبوك، لازم ننقلها من المستشفى اللي هي فيها، لازم طقم الدكاترة المسؤولين عن حالتها يتغيروا أنا اساسًا مش قادر أفهم ازاي لو حالتها فيها أمل في الشفاء الدكاترة هيفصلوا عنها الأجهزة؟ أنا مدرستش ال Law 'القانون' قبل كده بس It's by logic 'لكنه بالمنطق' اللي هيعمله ده جريمة."
"طب.. هنعمل.. أيه؟" سأله أنس بنبرة مُتقطعة ليتنهد رحيم قبل أن يُجيبه قائلًا:
"استني.. I got an idea 'حصلتُ على فكرة' يومين بالضبط إن شاء الله وهقولك هنعمل أيه، كل اللي طالبه منك أنك تحاول تهدى وحاول تبعد تمامًا عن أي نقاش مع أونكل فريد."
"حاضر.." أردف أنس بهدوء وهو يُعيد خصلات شعره الطويلة نسبيًا التي تبعثرت.
"ومتشربش تاني! لو عرفت أنك شربت تاني مش هيحصل حاجات كويسة! ولا أقولك أنت تيجي تقعد معايا في البيت ملهاش لازمة تقعد لوحدك أصلًا." أردف رحيم بعد أن أعاد التفكير سريعًا، فمكوث أنس بمفرده في هذه الحالة لن يُفيده بل سيضره وقد يُقدم على أي فعل متهور، كانت جمل رحيم العربية غير مُرتبة لدرجة كبيرة ولو كان أنس في وضعًا آخر لما تردد أن يسخر منه.
"طيب أنا دلوقتي.. مش قادر أسوق بس تعبان ومحتاج أروح.. على الأقل أجيب لبس من البيت.." تحدث أنس بجمل مُتقطعة ليُعلق رحيم على حديثه مُردفًا الآتي:
"طيب أستناني هنا عشر دقايق هلم الورق وأشيله في مكتبي هنا وهنمشي على طول، ملهاش لازمة نروح بيتك النهاردة هديك أي pyjamas 'منامة' من عندي لحد الصبح."
"تمام." أعطاه رحيم ابتسامة صغيرة قبل أن يتجه نحو الباب ولكن قبل أن يُغادر يناديه أنس وهو يقول:
"رحيم... أنت أجدع حد قابلته في حياتي." نظر نحوه رحيم بإبتسامة واسعة وحنان بينما بادله أنس نظرات إمتنان وشكر، يتركه رحيم ويذهب نحو القاعة وهو يُفكر في كيفية إصلاح الجلبة التي أحدثها أنس قبل قليل، لكنه تذكر على الفور أن نوح كان بالداخل وأنه بالطبع استطاع السيطرة على الوضع سريعًا، ذلك الوغد نوح للمرة الأولى يكن ذو نفع.
دلف رحيم إلى داخل القاعة بهدوءه المُعتاد الممزوج بالهيبة لترفع أفنان رأسها تلقائيًا وتنظر نحوه، لقد انتهت من حل الإختبار بالفعل لكنها لم تود الرحيل حتى يعود رحيم مجددًا وقد كانت بدأت تشك أنه لن يفعل لكنه فعل في النهاية، ابتسمت نحوه ابتسامة صغيرة لكنه لم يُبادلها بل لم يلحظ من الأساس حيث كان شاردًا على غير العادة وكأنه يُفكر ثم ذم شفتيه وكأنه مُستاء من أمرًا ما، أشاحت أفنان بنظرها عنه حينما لمحت بطرف عيناها نوح وهو يرمقها بحده يبدو أنها أطالت النظر حتى لاحظ من حولها، كان الصمت يسود في المكان قبل أن يقطعه رحيم قائلًا:
"فاضل 10 minutes 'عشرة دقائق' وهنلم الورق يا دكاترة." تحدث وهو ينظر إلى ساعة يده السوداء الفخمة، أنبهرت أفنان كثيرًا بساعته حتى أمضت دقيقة كاملة تقريبًا تتأملها، إنها تعشق الساعات الرجالية وتجدها مُلفتة للغاية.
لاحظ رحيم وعقد حاجبيه وهو ينظر إلى ثيابه وجسده وهو يحاول أن يفهم فيما تُحدق تلك المُريبة؟! كان يود رحيم أن يُشاكسها لكنه لم يشعر أنه في مزاجًا لذلك لذا قرر تجاهل الموقف مؤقتًا.
مرت العشرة دقائق سريعًا وطلب رحيم من المُدربين الآخرين أن يقوموا بجمع الأوراق وقد طلب منهم أن يفعلوا ذلك من الخلف إلى الأمام بحيث يُصبح الشخص الأول في الصف هو آخر شخص تُستلم ورقة الإجابة خاصته، وقد تعمد ذلك لغرضًا في رأسه.
"سيبوا الورق عالمكتب هنا يا دكاترة وأنا هاخد ورق الصف ده وأحصلكم." أردف رحيم بنبرة مزيج بين الأمر واللطف وهو يتحدث إلى المُدربين، نفذ الجميع بالفعل وحقق رحيم غرضه في أن تكون ورقة أفنان هي آخر ورقة إجابة يستلمها وتكون هي آخر من يُغادر القاعة.
"أنت كويس؟" سألته فنمت ابتسامة على ثغره على الفور، لتعقد حاجبيها وهي تسأله بإستنكار:
"أنا قولت حاجة بتضحك؟"
"لا مش قصدي، ابتسمت عشان خدتي بالك أني مش كويس."
"طب قولي حصل حاجة؟" سألت بلهفه لينفي رحيم برأسه ب 'لا' دون أن يُجيب إجابة سريعة مما دفعها للتساؤل مجددًا مُردفة:
"أنت تعبان طيب؟"
"لا.. في مشكلة كده بس إن شاء الله هتتحل على طول."
"بص مهما كانت المُشكلة كبيرة وصعبة لو أتوضيت وصليت ركعتين كده ودعيت ربنا بإيمان تام أنه هيستجيب لدعائك إن شاء الله كل حاجة هتتحل وهتحس أن ذهنك صافي ونفسك مرتاحة." نصحته أفنان بنبرة لطيفة صادقة ليبتسم رحيم على الفور وهو يُفكر في كونها مُحقة بالفعل لكن ما جعل ابتسامته تتسع هي أنه للمرة الأولى تقريبًا يتعرض لنصيحة مُفيدة كتلك، نظر نحوها ثم تمتم بالآتي:
"حاضر."
"صحيح يا رحيم هو الواد أنس كويس؟ شكله مش مضبوط وداخل علينا اللجنة كأنه داخل صالة بيتهم.." علقت أفنان ثم صمتت لثوانٍ قبل أن تتسع عينيها بصدمة وهي تُضيف:
"داهية لا يكون بيبلبع بُرشام!!!" صاحت أفنان لينظر نحوها رحيم بصدمة وهو يُحاول إستيعاب ما تقوله قبل أن ينفجر ضاحكًا مُتسببًا في صدى صوت في القاعة بضحكاته الرجولية لتنظر نحوه بحاجبًا مرفوع وهي تضع أحدى يديها على خصرها بإعتراض ثم تُردف بحنق:
"مظنش قولت حاجة بتضحك للدرجة يا دكتور رحيم." حاول رحيم التوقف عن الضحك لكن تعابير وجهها المُستاءة جعلته يضحك أكثر ثم أمسك بفكه بآلم وهو يقول:
"حرام عليكي بوقي وجعني من كتر الضحك، أيه بُرشام ديه يا أفى؟ اسمها بِرشام أرحميني!"
"اه هو أنت منهم؟"
"من مين؟" سألها بعدم فهم لتتنهد قبل أن تقول بتملل:
"الناس اللي بتقول بِرشام مش بُرشام وضفر مش ضُفر وكده."
"لا Wait 'انتظري' أنتي بجد بتنطقيها كده مش بتهزري؟" سألها وهو يحاول ألا يضحك مجددًا كي لا يُغضبها بغض النظر أن تعابيراتها الغاضبة تُضحكه وتبدو لطيفة للغاية.
"وأنا ههزر معاك ليه هو أنا أعرفك؟ وبعدين يلا نخرج عشان الناس كلها خرجت وشكلنا هيبقى مش حلو."
"ماشي أتفضلي يا أفي هانم قُدامي، شكلك أنتي اللي هتطلعي بتاخدي بُرشام في الآخر." علق رحيم بسخرية وهو يشير نحو الباب كي تُغادر بينما يُقلد نبرتها في الحديث بسخرية، توقف كلاهما في الممر المؤدي للقاعة وكانت أفنان في مواجهة رحيم مع مراعاة المسافة بينهم فرحيم لا يود أن تضربه بواسطة حقيبتها مرةً آخرى.
"خلينا نتكلم بجد شوية أنا عارفة أنه شيء صعب عليكي ولكن معلش حاولي، دلوقتي أنا عندي مشكلة فعلًا ومش كويس أنا بس عايزك تدعيلي وبما إن النهاردة رسميًا آخر يوم في التدريب فعايز أقولك أن الفترة دي كانت من أحلى الفترات في حياتي تقريبًا وأحب أقدم شكر للحرامي اللي كان بيحاول يسرقني عشان عرفني على الدكتورة صاحبة أطول لسان في العالم."
"حاول يسرقك؟ اسمها ثبتك." علقت أفنان بسخرية ليعض رحيم على شفته السُفلية بغيظ وهو يُغمض عينيه ويمسح بكفه على وجهه بضيق قبل أن يُردف بتذمر:
"هو ده اللي لفت نظرك في كلامي كله؟ يا شيخة ارحميني ده أنا لسه شباب وصغير عايزة تخلصي عليا بدري ليه؟"
"بهزر معاك بفك الجو كده... مبحبش الوداع، بخاف منه... بترعب من فكرة الخروج من المنطقة الأمان بتاعت ضمان وجود الأشخاص والأشياء وبخاف أواجه حقيقة أن الفترة خلصت أو أن الشخص مبقاش في حياتي عشان ده شيء مؤلم جدًا."
"عندك حق... عشان كده أنا النهاردة هقولك إلى اللقاء مش الوداع." نظرت نحوه أفنان وقد نمت ابتسامة خجولة صغيرة على ثغرها ليُبادلها الإبتسام، كاد أن يتفوه بالمزيد من الكلمات المعسولة لكنه سرعان ما تذكر أنس المخمور الشبه نائم في حجرة مكتبه والذي قد يُفتضح أمره إن دلف أي أحد إلى مكتب رحيم، لعن رحيم أسفل أنفاسه لقد فسد يومه الأخير مع أفنان لكن لا بأس هو يعلم كيف سيُصلح الأمر.
"نوح بيرن عليا... أكيد عايز يوصلني في طريقه." كان سيبدي رحيم إعتراضه لكنه وجدها فرصة جيدة لكي ترحل أفنان سريعًا دون أن يتسبب لها في أي حرج بإنشغاله عنها، أكتفى بإيماءه صغيرة لتنظر نحوه أفنان بشك وهي تُضيق عينيها.
"في حاجة؟"
"أنتَ اللي في حاجة؟" سألت أفنان وهي تتحدث من بين أسنانها بغيظ لتنمو ابتسامة جانبية على ثغر رحيم وهو يقول:
"لا لا مفيش... توصلي بالسلامة إن شاء الله."
"بس كده؟ أوصل بالسلامة بس؟"
"لا مش بس... وخلي بالك من نفسك."
"طيب يا ابن البكري مع السلامة."
"هو أيه موضوع ابن البكري... ابن البكري ده؟ بحسك بتستخدميها كشتيمة."
"لا شتيمة ليه هو مش ده لقب عيلتك؟ وبعدين يلا روح شوف أيه وراك وشاغلك أوي كده." بصقت أفنان كلماتها وهي تبتسم بسخرية قبل أن تستدير وترحل تاركة رحيم يُحدق في موضعها حيث كانت تقف بثغرًا مفتوح، تلك الفتاة! مُجرد التحدث إليها لبضع دقائق يُرهقه إلى درجة كبيرة ما بال من يقضون معها اليوم بأكمله في المنزل!
اتجهت أفنان نحو المصعد وظلت تُحدق في رحيم وبادلها هو النظرات لثوانٍ خاطفة قبل أن يُغلق الباب ويشعر بإنقباض في قلبه، لا يُريدها أن ترحل لكن ما باليد حيلة أو على الأقل في الوقت الحالي، عاد رحيم إلى مكتبه بوجهًا عابس ليجد أنس قد غفى بالفعل على الأريكة كما توقع رحيم لذا اتجه نحو الخارج مُجددًا ليُقابل المُساعدة خاصته في وجهه فيأمرها بالآتي:
"مش عايز أي حد يدخل عليا المكتب وإلغي أي Meeting 'اجتماع' أو Appointment 'موعد' عندي النهاردة ومفيش أي exceptions 'استثناءات' مفهوم؟"
"مفهوم يا فندم." أجابت الفتاة بنبرة مُهذبة ثم انصرفت ليعود رحيم أدراجه إلى المكتب، أراد أن يوقظ أنس لكنه بدى مُرهقًا للغاية فحتى وهو نائم لم ترتخي تعابير وجهه وقد تكور على نفسه طفلًا صغير مذعور، شعر رحيم بوخزة في قلبه لرؤية الحال الذي وصل إليه صديقه.
أما أفنان فغادرت الشركة بغيظًا شديد، لقد تعمدت أن تُخبر رحيم بشأن نوح لترى ردة فعله لكن على عكس ما توقعت لقد كانت باردة تمامًا حتى بدا أمامها أقرب إلى شخصية أولاف من ذلك الفيلم الكرتوني، اتجهت أفنان نحو سيارة نوح لتفتح الباب بقوة ثم تدلف للداخل وتُغلقه بقوة أكبر لتتسع أعين نوح وهو يُوبخها قائلًا:
"أيه يا حجة حرام عليكي أنا لسه مصلح الباب!!"
"هتسكت ولا أنزل أجيب طوبة أدغدغلك بيها أم العربية كلها؟"
"هسكت وأوعي تفتكري أنه خوف منك لا!!!" صاح أنس بنبرة درامية لتنظر نحوه أفنان بنظرة لا تليق إلا بقاتلة متسلسلة فيحمحم نوح ثم يُعيد صياغة جملته:
"مش خوف منك بس خوف عالعربية بصراحة."
"طب بص قدامك وأتفضل اتحرك بقى."
"شكلك كنتي عشمانة أنه ياخدك بعربيته الآخر موديل ويفسحك بس طبعًا خلع للأسف." علق نوح بسخرية قاطعًا للصمت لتنظر نحوه أفنان بغيظ وتبتلع الغصة التي في حلقها ولا تُعلق.
"أنا حذرتك مليون مرة وأنتي مفيش فايدة، ده انسان حقير ومش سالك، طب أنتي عارفه أنه قافل مكتبه على حد ومش سامح لأي حد يُدخل؟ والنهاردة كمان شافوا داخل الشركة مع بنت، كويس أنك لحقتي تلململي شوية من كرامتك قبل ما تمشي النهاردة."
استمر نوح في استفزاز أفنان بلا مُبالاة وقد انتظر ردة فعل منها لكنها بقيت صامته حتى أنها حديثه لتُفاجئه بتحريك قدمها فجاءة لتضغط على الفرامل بقوة ولولا أن نوح كان يرتدي حزام الأمان لأصطدم بعجلة القيادة، نزعت أفنان حزام الآمان خاصتها وغادرت السيارة على الفور في حين أن نوح كان يحاول إستيعاب ما فعلته تلك المخبولة للتو.
حينما أستوعب نوح ما حدث وتوقف بالسيارة في أحدى الجوانب ليتجنب حدوث حادث كانت أفنان قد غادرت بالفعل بواسطة سيارة أجرة، لعن نوح أسفل أنفاسه ثم ركل إطار السيارة بواسطة قدمه بغضب وهو يسأل نفسه ما الذي يُميز رحيم لتلك الدرجة التي تجعل أفنان تُوشك على التسبب في قتلهم لأنه فقط ذم في ذلك اللعين، كان غضب نوح يعميه عن حقيقة أنه يهين أفنان نفسها لا رحيم بحديثه ذلك، بعد أن هدأ نوح وعاد إلى سيارته حاول أن يتصل بأفنان لكنها تجاهلت اتصالاته.
بمجرد أن وصلت أفنان إلى منزلها أغلقت الهاتف وهرولت إلى غرفتها لتُغلقها ايضًا وتُبدل ثيابها سريعًا ثم تحاول أن تحصل على قسطًا من الراحة وتنام لعل عقلها يتوقف عن التفكير قليلًا.
بالعودة إلى رحيم فقد جلس في مكتبه وقد بدأ في تصحيح بعضًا من أوراق الإختبار وقد قرر أنه سيفعل ذلك من دون مساعدة من أي شخص فعلى أي حال هو من قام بعملية الشرح في كثيرًا من الأحيان وهو من وضع الأسئلة كذلك لذا فهو أدرى بالإجابات النموذجية أكثر من غيره.
كان يرفع عيناه من الورقة ليراقب أنس النائم من حينًا لآخر، وفجاءة فتح أنس عيناه واستقام من نومته بسرعة ليتضاعف آلم الرأس الذي قد أصابه بالفعل منذ الثانية التي فتح فيها عيناه وقد أُضيف إليه دوار كذلك.
"أنت كويس؟" سأله رحيم وهو يستقيم من مقعده ويقترب من أنس لكن أنس لم يُجيب عن سؤاله وأردف بنبرة مُتعبة:
"عايز أروح."
"متأكد هتقدر تروح في الحالة دي؟ شكلك تعبان."
"قولتلك كويس!" صاح أنس بحنق وهو يحاول النهوض لكنه كاد أن يسقط لكن رحيم أمسك به على الفور ثم جعله يجلس مجددًا ثم أردف:
"هخليهم يعملولك فنجان قهوة عشان تفوق شوية عقبال ما أخلي السواق يجيب عربيتي من الجراچ." أومئ أنس بهدوء وهو يُدلك رأسه بحركة دائرية بواسطة أصبعيه لعل ذلك يُخفف من آلم رأسه الذي كاد يفتك به.
كان كل شيء على ما يُرام وقد تحسنت حالة أنس قليلًا حتى وصل إلى منزل رحيم وصعد إلى حجرته وبمجرد أن خطى خطوته الأولى كاد أن يتعثر ويسقط فهرول رحيم ليُمسك به لكن جسد أنس كان ثقيلًا للغاية بحيث جثى على ركبتيه وقبل أن يستوعب رحيم ما يحدث استفرغ أنس على الفور على بساط رحيم بل وعلى رحيم نفسه تقريبًا.
"يعم يخربيت قرفك!!! سايب الأماكن كلها وملقتش غير سجادة أوضتي!!!" نظر نحوه أنس بوهن وأعين دامعة ليتنهد رحيم ثم يُردف:
"خلاص حقك عليا متبصليش كده.. يا دادة!!!" صاح رحيم لتأتي على الفور امرأة تبدو في الخمسين من عمرها، ترتدي ثوب باللون الأبيض ووشاح باللون ذاته، تُدعي بهيام... دادة هيام، تهرول هي حينما ترى أنس الذي ظهر عليه الإعياء بشدة وتحاول مع رحيم أن تساعده على النهوض والذهاب إلى دورة المياه القابعة داخل غرفة رحيم.
"رحيم بيه أنا هجبله غيار من هدوم حضرتك وأنت ساعده يغير."
"حاضر يا دادة بس بسرعة Please 'من فضلك'." أومئت المرأة بحنان ثم ذهبت وعادت على الفور وهي تحمل في يدها الثياب ليأخذها رحيم ثم يستأذنها في إغلاق الباب ثم يفتحه بعد عشرة دقائق وقد بدل أنس ثياب وغسل وجهه ورأسه بمياه الصنبور الفاترة، يأخذه رحيم ليجعله يستريح على سريره ثم يتجه نحو هيام مُربيته التي تقف بالقرب من الشرفة.
"هو أنس بيه أكل حاجة من الشارع ولا أيه؟" سألت المرأة بقلق ليحك رحيم مؤخرة عنقه ثم يُجيبها ببساطة:
"لا يا دادة كان شارب خمرة."
"يا مصيبتي! خمرة!!"
"وطي صوتك يا دادة مامي وبابي تحت! وبعدين هو عنده ظروف..."
"ظروف أيه يا ابني وبتاع أيه؟! مفيش أي حاجة في الدنيا تخلي الواحد يعصي ربنا ويعمل في نفسه كده! عنده مُشكلة ولا حِمل تقيل يصلي ركعتين ويدعي ربنا ولا يطلع صدقة لكن يروح يسكر ويعربد ده حرام وعيب وحرام عليه صحته وشبابه!"
باحت المرأة بكل ما يدور داخل عقلها وقلبها بطريقة بسيطة تناسب وضعها لكن في الوقت ذاته كان حديثها صحيحًا بنسبة مئة بالمئة، ابتسم رحيم وهو ينظر نحوها بحنان.. تلك المرأة التي قضى معها رحيم وقتًا طويل منذ أن كان طفلًا صغيرًا، لم تتوقف قط عن إدهاشه بوجود حلول لكل المشكلات ووجود ذلك الكم من الحنان تجاه أي شخصًا تُقابله خاصة وإن كان ذلك الشخص هو أنس والذي تعتبره في مثابة رحيم عندها ايضًا.
حينما سَمع رحيم ما قالته المُربية خاصته تذكر على الفور حديث أفنان في صباح هذا اليوم، فكلاهما نصحه بالصلاة والدعاء كحلًا لمُشكلته بل وكحل لكل المُشكلات بشكل عام، بدا الأمر صائبًا بالنسبة إليه لذا قرر أن يفعل..
في صباح اليوم التالي فتح رحيم عيناه ببطء شديد وهو يتآوه بسبب الآلام المتفرقة التي أصابت جسده.
"صباح الخير." جاءه صوت أنس ليلتفت رحيم النائم على الأريكة نحوه دون أن يستقيم.
"صباح النور، طبعًا صاحي عادي جدًا ولا كأنك عامل كوارث إمبارح!"
"أيه اللي نايمك عالكنبة؟ ما السرير واسع والبيت بيتك يعني.. ثواني كده.. هو ده بيت مين؟ أيه ده هو أحنا مش في بيتي؟!" سأل أنس بدهشه ليصفع رحيم جبهته ثم يزفر بحنق قبل أن يقول:
"يا بني هو أنت لسه مفوقتش ولا شربت تاني ولا حكايتك أيه؟! وبعدين ما أنت عارف مبعرفش أنام جنب حد."
"لا فوقت فوقت أنا بس بحتاج وقت أستوعب أنا مين وفين وأمتى وكده، وبعدين بالنسبة لما تتجوز أيه هتنام عالكنبة برضوا؟" سأله أنس متعمدًا استفزازه بجملته تلك ليقذفه رحيم بإحدى وسائد الأريكة.
"أولًا مين قال أني هتجوز؟ ثانيًا أنت هتقارن نفسك بمراتي يعني؟!" سأله رحيم وهو يبتسم بسخرية قبل أن يستقيم من نومته الغير مُريحة على الأريكة وهو يضع يده على مؤخره عنقه بآلم.
"رحيم هو أنا عملت أيه إمبارح ولا قولت أيه أنا مش فاكر نص اليوم اصلًا."
"عملت أيه؟ Don't ask 'لا تسأل' بجد لأني عايز أديلك قلمين على وشك." ازدرد أنس ما في فمه بصعوبة قبل أن يسأل:
"هو أنا عكيت الدنيا أوي كده؟!" نظر نحوه رحيم بحده بطرف عيناه ليحمحم أنس ثم يتمتم:
"شكلي عكيتها أوي.. المهم أحكيلي بقى عشان الفضول مموتني بصراحة."
"لا معملتش أي حاجة أنت بس دخلت علينا قاعة الإمتحانات وأنت عمال تتهز يمين وشمال مفيش أي إتزان وقعدت تضحك بطريقة غريبة وداخل تزعق وتقول السلام عليكم بس أنت نطقتها بطريقة غريبة يعني."
"بس كده؟"
"هو أنت كنت عايز تعمل أكتر من كده؟ وبعدين خدتك عالمكتب و.. أتكلمنا شوية وبعدها خدتك وجيت على هنا عشان حضرتك ت Throw up 'تستفرغ' على السجادة بتاعت اوضتي!!"
"فدايا ألف سجادة أيه يعني!"
"أنس You threw up 'لقد استفرغت' عليا وعالسجادة." هنا تجهم وجه أنس قليلًا قبل أن يقول بنبرة درامية وهو يُمسك بملابسه ويُقربها من جسده بفزع:
"أيوا صح.. أنت خدتني وغيرتلي هدومي يا قليل الأدب!!" انفجر رحيم ضاحكًا من طريقة أنس قبل أن يُلقي عليه أحدى وسادات السرير فتصطدم بوجهه مباشرة ثم يأخذ واحدة آخرى ويضرب رحيم بها عدة مرات متتالية بدلًا من إلقائها عليه:
"تعالالي بقى عشان أنا ساكتلك من الصبح وعمال تحدفني بالمخدات!!"
"ما أنت اللي بتضايقني."
"خلاص يعم أنا أسف، أيه ده هو أنت جبت ورق الإمتحانات؟"
"اه كنت بتسلى فيه إمبارح."
"حد خد ال Full mark 'الدرجة النهائية' ولا لسه؟"
"لسه، مع أني علمت نص الورق تقريبًا." أردف رحيم وهو يُعيد خصلات شعره المُبعثرة نحو الخلف، كان أنس على وشك أن يُعلق على ما قاله لكنه أغمض عينيه بقوة وهو يضغط على رأسه بآلم ويقول بصوتًا خافت:
"أنا محتاج فنجان قهوة."
"هخلي ال Maid 'الخادمة' تعملك، أرجع ارتاح شوية عالسرير بقى وبطل تجهد نفسك عالفاضي." أومئ أنس وتوجه رحيم نحو الخارج ليطلب من الخادمة صنع فنجانًا من القهوة له ثم عاد إلى الحجرة مجددًا ومازال عقله مشغول بمسألة أروى تلك.
في منزل أفنان، جلست هي تراقب هاتفها في انتظار رسالة إعتذار من رحيم بسبب انشغاله عنها بالأمس لكنه لم يفعل على غير العادة! أصابها شعور بالغيظ الشديد فجلست تقضم أظافرها وهي تتأمل اللاشيء في حجرتها، وفجاءة تذكرت أمر الفتاة التي ذكرها نوح أثناء شجارهم ليزداد غيظها أكثر وتشعر بنيران تملأ صدرها، لقد أعماها الضيق لدرجة أنها لم يخطر على بالها أن أنس هو من كان داخل مكتب رحيم خاصة وأنها رأته بنفسها في حالته المُريبة تلك ولم يخطر ببالها ايضًا أن نوح من الممكن أن يكذب فقط لتشويه صورة رحيم في عينيها، وكأن صورته تحتاج إلى التشويه!
"مالك مكشرة ليه؟" سألتها والدتها التي أقتحمت الغرفة لترفع أفنان رأسها نحوها وتُردف بعبوس:
"مفيش حاجة، زهقانة."
"أنتي لحقتي تزهقي؟ ده أنتي يا دوبك لسه مخلصة التدريب بتاعك إمبارح! تموتي أنتي في اللف والصياعة." أردفت والدتها وهي تقوم بإعادة ترتيب بعض الأشياء في حجرة أفنان وميرال العشوائية.
"طب يا ستي شكرًا."
"إلا قوليلي هو أنتي أتخانقتي مع نوح؟" سألت والدتها لتزفر أفنان بضيق ثم تسأل بنبرة ساخرة:
"هو لحق قالك؟"
"لا، قال لميرال."
"وميرال الفتانة قالتلك!!!" صاحت أفنان وهي تَسُب ميرال من داخلها.
"لا برضوا سمعتها بتكلمه وقبل ما تقوليلي أني بلمع أوكر يا قليلة الأدب أختك هي اللي كانت فاتحة ال Speaker 'مكبر الصوت'." فسرت والدتها لتضحك أفنان بقوة لأن والدتها تعرفها جيدًا، فلقد كانت أفنان على وشك قول تلك الجملة بالفعل.
"بصي يا ماما، المفروض أن أحنا ناس كبيرة ولما تحصل مشكلة بيني أنا ونوح تفضل بينا ميروحش يشتكي للناس كلها زي العيال الصغيرين."
"أنتي عندك حق في دي، بس نوح بيعمل كده عشان أنتي غالية عليه فهو مش بيبقى عايز أنكوا تفضلوا زعلانين من بعض." حاولت والدتها التبرير لتتنهد أفنان فهي تعلم أن والدتها تُحب نوح كثيرًا لذا ستجد له مُبرر، حاولت أفنان أن تشرح وجهة نظرها لوالدتها دون أن تجعل صورة نوح سيئة أمامها.
"ما هو السبب في الزعل اللي بينا يا ماما أصلًا، نوح بينسى أنه مُجرد ابن خالتي وبس يعني لا ليه حُكم عليا ولا ليه يتدخل في تصرفاتي آخره أوي أنه ينصحني لكن غير كده لا."
"بس أنتي بالنسبة لنوح مش بنت خالته وبس."
"ده ميخصنيش في حاجة أنا مش هحترم مشاعر هو فارضها عليا!"
"أنا مش عارفة أنتي بتجيبي الكلام الغريب ده منين؟!"
"العلام حلو برضوا." علقت أفنان بسخرية لتقرصها والدتها من أذنها ثم تُردف بغيظ:
"طب ما أحنا متعلمين يا أختي بس الفرق أننا أتربينا لكن أنتوا جيل مش متربي."
"والله ده ذنبك أنتي مش ذنبي أنا."
"أنتي يا بت أنتي مسحوبة من لسانك؟"
"بصراحة يا ماما اه."
"عوض عليا عوض الصابرين يارب!" دعت والدتها بيأس وهي تغادر الحجرة لتقهقه أفنان ثم تعاود الإمساك بهاتفها لتجده لم يبعث بأي شيء بعد وكادت أن تُلقي هاتفها بعيدًا لكن سرعان ما خطر على بالها فكرةً ما وقد فعلت الآتي، قامت بإختيار صورة تجمعها بنوح وحدهم ثم قامت بوضعها كحالة على تطبيق الواتساب، ولكنها عدلت الإعدادات بحيث لا يرى تلك الصورة سوى شخصًا واحد... رحيم!
انتظرت أفنان بضع دقائق على أحر من جمر قبل أن تُعلن نجاح خطتها حينما تُضئ شاشة هاتفه برسالة محتواها الآتي:
"بجد يعني؟! ملقتيش صورة Uglier 'أقبح' تُحطيها؟!"
___________________________________
(تذكره: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى.)
الفصل الرابع والعشرون: الْمَرْكَز الْأَوَّل ✨🦋🤎
'بجد يعني؟! ملقتيش صورة Uglier 'أقبح' تُحطيها؟!' أرسل رحيم تلك الرسالة لأفنان فور رؤيته للحالة التي وضعتها دون أن يُفكر ولو لثانية فلقد أعماه غيظه!
'مالها الصورة؟ دي حلوة جدًا وشكلنا فيها حلو.' أرسلت هي الرد فورًا وحينما قرأ رحيم الرسالة ألقى بالقلم الذي بيده على الأرض بعصبية لينظر نحوه أنس بريبة ثم يسأله:
"في أيه يسطا عالصبح؟ متعفرت ليه؟"
"بص الإستفزاز!" تفوه رحيم بضيق ليُمسك أنس بالهاتف لتظهر ابتسامة جانبية على ثغره ثم يقول:
"أنت متعصب ليه؟ متتعصبش لأن هي قاصدة تعصبك."
"اه ما أنا عارف أنها قاصدة تعصبني!"
"طيب ماشي وأما أنت عارف بتتعصب ليه؟ أنا هقولك على حاجة، أقطع دراعي إن ما كانت لاعبة في ال settings 'الإعدادات' عشان محدش يشوف ال Status 'الحالة' دي غيرك، فأنت بقى متعومش على عومها ورد ببرود ولا كأنك اتضايقت."
"أعوم أيه دلوقتي؟! هو ده وقته!" صاح رحيم ليقهقه أنس بقوة وهو يتمتم:
"أرحمني يارب! بص يا رحيم أنا هقولك ترد عليها بإيه عشان تغيظها أمين؟"
"أوكي، بس وريني قبل ما تبعت." أومئ أنس ثم جذب الهاتف من يد رحيم ليكتب سريعًا ويُرسل الرسالة دون أن يأخذ رأي رحيم وكان محتوى الرسالة الآتي:
'طيب يا دكتورة عقبال صورتكوا في الكوشة.' نظر نحوه رحيم وعيناه يتطاير منها الشرار وهو يلكمه في كتفه بخفه بينما يتمتم:
"أنت أيه اللي بعته ده؟ وبعدين مش أحنا قولنا توريني قبل ما تبعت! ويعني أيه كوشة أصلًا؟!"
"أصلًا؟ الكوشة دي يا حبيبي اللي بيقعد فيها العروسة والعريس."فسر أنس وهو يحاول كتم ضحكاته كي لا يزيد من ضيق رحيم، أتسعت أعين رحيم حينما أنتهى أنس من تفسيره ليصيح رحيم بغضب:
"يا نهارك أبيض! وأنت بتدعي أنها تقعد مع نوح في الكوشة؟!"
"رحيم بابا ركز معايا! دي جملة ساخرة وأنا واثق أنها هتتغاظ جدًا عشان هتحس أنها مش فارقة معاك."
"أفرض اتضايقت مني ولا عملتلي Block 'حظر' ؟"
"يا عم Block 'حظر' مين دي دايبة في دباديبك وبعدين حتى لو زعلت يبقى بركة في مليون بنت غيرها و أحلى منها."
"مفيش فايدة فيك بجد!" نظر نحوه أنس بتعابير وجه مُرتخية ولم يُعلق ليحمحم رحيم وهو يحك مؤخرة عنقه، هو لم يقصد الجملة حرفيًا وقد غاب عن باله أن أنس أصبح يتحسس من كل كلمة تُقال، كاد رحيم أن يُصلح الأمر لكن سبقه رسالة من أفنان جعلته ينتبه هو وأنس لما أُرسِل:
'يا نهار أبيض هي وصلت للكوشة يا ابن البكرى؟! يعني أنت عايزني أقعد مع نوح في كوشة واحدة؟ مُتأكد؟' قرأ رحيم الرسالة واتسعت ابتسامته ونظر نحو أنس الذي كان يُبادله نظرات فخر وغرور قبل أن يتمتم رحيم:
"أنت مُبهر بجد! المُهم دلوقتي أنا مش عارف أرد بأيه.."
"استنى أنت بقى شوية." أردف أنس وهو يأخذ الهاتف من رحيم ويكتب الآتي:
'مش أنتي اللي منزلة صورتك معاه وفرحانه بيها ولا كأنك متصورة مع مو صلاح.'
"أيه ده أنت بتحب حمثلاح؟ اه طبعًا تلاقيك بتتفرج عليه وهو بيلعب مع liver pool 'اسم فريق كرة قدم إنجليزي' ما أنا عارفاك مبتشجعش أي منتج محلي." قهقه أنس بقوة حينما قرأ الرسالة حتى كاد الهاتف أن يسقط من يده، لكن رحيم أكتفى بإبتسامة واسعة، لما تظن أفنان أنه يميل دومًا لكل شيء أجنبي؟ هو لم يفعل أي شيء يدل على ذلك أو هذا ما يظن.
'بقولك أيه يا أفنان سلام دلوقتي عشان بصحح الإمتحان.' أرسل أنس تلك الرسالة مُتعمدًا إثارة غيظ أفنان أكثر وأكثر لينظر نحوه رحيم بإستنكار وهو يسأله:
"أيه يا بني آدم أنت قلة الذوق دي؟ حد يقول لحد كده!"
"يا عم رحيم هما الحريم بيحبوا كده، وبعدين كمل تصحيح فعلًا عشان نتنيل نعملهم الحفلة ونخلص من حوار التدريب ده خالص ونرجع نركز في شغلنا." تحدث أنس بنبرة مُريبة وكأنه تحول فجاءة من شخصًا ذو مستوى رفيع وذو تعليم جيد إلى تاجر ممنوعات.
"حريم؟! اسمها بنوتات، آنسات، مُدمزلات خلي عندك ذوق ورُقي كده."
"خليهولك أنت يا أخويا.." علق أنس بسخرية وساد الصمت لثوانٍ قبل أن ترتخي معالم وجه أنس وهو يستفسر من رحيم عن الآتي بنبرة هادئة جادة:
"رحيم هو أنا حكيتلك كل حاجة إمبارح صح؟ قصدي يعني عن أروى وكده.."
"اه.. تقريبًا يعني."
"طيب.. هو أحنا هنعمل أيه؟ أنت أكيد مش هتتخلى عني صح؟" سأله أنس بصوتًا مبحوح وهو يعبث في خصلات شعره بتوتر لينظر نحوه رحيم بحنان لكنه يُردف بنبرة تميل إلى الحدة:
"أنت عبيط يا أنس؟ هو أنا عمري أتخليت عنك قبل كده؟ متقلقش أنا قولتلك هحل المُشكلة دي."
"خلاص أنا معاك أيًا كانت أيه خطتك المهم أروى تفضل كويسة، على أعتبار أنها دلوقتي كويسة.." استقام رحيم من مقعده ليضم أنس لثوانٍ ثم يفصل العناق وهو يسأله بصوتًا منخفض:
"أنس مش معاك Cigarettes 'سجائر'؟"
"معايا طبعًا، لا وأيه حاجة من اللي قلبك يحبها." قال أنس وهو يُخرج من جيب بنطاله الجينز المُلقي على أرضية الحجرة بإهمال سيجارة ضخمة ومن مظهرها بدا أنها سيجارة محشوة بمخدر ما، وهو الحشيش غالبًا.
"خد دي وإدعيلي، دي بقى ماركة كل البنات بتحبك كل البنات حلويين."
" يا نهارك أبيض!! ده مامي مش بس هتطردنا من البيت لو شافت اللي في ايدك ديه، دي احتمال تبلغ عننا وتحبسنا!!!"
"تصدق أنت مش وش نعمة، وبعدين أنت عندك حق Auntie 'عمتي/خالتي/طنط' إيڤلين ممكن تعملها فعلًا ولا هيفرق معاها.. طب أستنى أنا معايا سجاير فرط."
"سجاير أيه؟ ده Brand 'ماركة' جديد ده ولا أيه؟" سأله رحيم ببلاهة ليقهقه أنس بقوة فيرمقه رحيم بحنق ليحاول أنس أن يتوقف عن الضحك وهو يُجيب عن سؤاله مُردفًا:
"رحيم يا حبيبي فرط دي يعني تروح لعمو بتاع الكشك تشتري منه سيجارة أو اتنين بدل ما تجيب علبة على بعضها يعني."
"أوه، طب وأنت مش معاك فلوس تشتري علبة يعني؟"
"لا معايا بس أصلي كنت بشتري حاجات حلوة وأتبقى كام جنية فقولت بدل ما يديني بيهم لبان أخد سيجارة." فسر أنس لينظر نحوه رحيم بثغرًا مفتوح وأعين متسائلة ليمسح أنس بيديه على وجهه بضيق، إن رحيم لا يفهم نصف ما يقوله أنس!
"حقيقي يا أنس الكلام معاك بيرهقني ذهنيًا عشان أحاول أستوعب كمية الحاجات الغريبة اللي بتقولها في جملة واحدة."
"سيبك من الكلام ده.. هو أحنا مش هنفطر ولا أيه؟"
"نفطر؟ أنت عارف الساعة بقت كام؟"
"لا متحسسنيش أننا المغرب يعني ده الشمس طالعه!"
"الساعة بقت واحدة يا أنس وده معناه أن معاد ال lunch 'الغداء' قرب، فهنستنى بقى."
"هو أنت ليه محسسني أني حاجز في Hotel 'فندق' والأكل والشرب بمواعيد؟! ده بيتكوا يا ابني ما اللي يجوع ينزل يعمله سندوتش جبنة وخلاص!"
"لا ما هو أصل الأكل هنا بمواعيد طول ما مامي في مصر.." قال رحيم بنبرة تحوي في طياتها الإحراج والخجل لينظر نحوه أنس بإبتسامة ظنًا من أنه يمزح لكن تعابير وجه رحيم كانت جادة، تعجب أنس لأنه لا يتذكر أن والدة رحيم كانت تفعل ذلك في صغرهم.
"يا كبد أمك يا ابني! يعني يوم ما بتاخد أجازة عشان ترتاح وتنام وتصحى براحتك بيجوعوك! أتاريني بقول جسمك رياضي ورشيق ازاي كده." علق أنس بنبرة درامية ساخرة ليضحك رحيم وهو يقلب عيناه، أنس قادر على تحويل أي حوار من كونه جدي تمامًا إلى مُزحة.
"المهم لحد ما الغداء ما معاده يجي تعالى نكمل تصحيح الورق ده عشان نخلص."
"ماشي بس لو سمحت صحح بضمير."
"حاضر، أيه ده هو أنت مغطي الأسامي ليه؟" سأل أنس وهو يعبث في الأوراق الموضوعة أمام رحيم.
"عشان أكون Fair 'عادل' في التصحيح."
"قصدك عشان لما توقع في أيدك ورقة القطة متديهاش درجة أزيد يعني عشان ضميرك وكده." تحدث أنس وهو يغمز بإحدي عينيه وكاد رحيم أن يُجادله لكنه قرر أن يوفر طاقته، زفر رحيم بنفاذ صبر ثم علق قائلًا:
"اه يا أنس."
مرت نصف ساعة تقريبًا على كليهما وهم يُجريان عملية تصحيح للإختبار، كان الصمت سائد فيما عدا صوت أغنية تابعة للفلكلور الإنجليزي ليذم أنس شفتيه ويتمتم:
"ما تغيرلنا يا عم أنت القرف اللي أنت مشغله ده."
"قرف؟ بقى الرُقي ده يتقال عليه قرف؟ ركز في اللي في إيدك يا أنس و Shut your mouth 'أغلق فمك'."
"أيه ده يا ساتر يارب؟!"
"في أيه؟"
"حد خطة وحش جدًا! ده بيكتب برجله ده ولا أيه؟!" سخر أنس وهو يقوم بقراءة الإجابات بصعوبة ولسبب ما شعر أن تلك الورقة تخص أفنان.
"متتريقش على حد عشان كده عيب."
"لا خط وحش أوي بجد صدقني، بس هو حالل صح أو حالة يعني معرفش نوع الكائن صاحب الورقة."
"طب كمل تصحيح وخلص عشان مامي هتبعتلنا ال Maid 'الخادمة' كمان ربع ساعة بالضبط عشان ميعاد الغداء."
"رحيم بيه مدام إيڤلين بتقول لحضرتك أن الغداء جاهز."
"تمام، أتفضلي أنتي."
"ما شاء الله القمر دي Maid 'خدامة'، الدنيا دي غريبة جدًا."
"حتى ال Maid اللي عندنا مش سايبها في حالها! أرحمني، أنس بقولك أيه مش عايز فضايح قدام مامي وبابي ده أنا إمبارح دخلتك أوضتي كأني بهرب ممنوعات عشان محدش فيهم يشوفك!"
"عيب عليك يا معلم هي دي أول مرة أقعد معاهم يعني؟"
"ربنا يستر.." همس رحيم وهو يُعيد خصلات شعره نحو الخلف ويُفكر في أنه خصلات شعره قد استطالت بشدة وعليه أن يقوم بقصها.
توجه كلاهما نحو الطابق السفلي ليجدوا والد ووالدة رحيم يجلسون على طاولة الطعام داخل حجرة الطعام بالفعل، ترتدي والدته ثياب فخمه وقد قامت بإعادة خصلات شعرها الشقراء نحو الخلف بإحكام وترتدي في يديها حُلي من الألماس وكان والده يرتدي بذلة رسمية، كان من الواضح أنهم متوجهين إلى مكان ما.
"مساء الخير." أردف رحيم وهو يتجه نحو والدته ويُقبل يدها ومن ثم يذهب لوالده ويفعل المثل بينما يكتفي الإثنين بمنحة إبتسامة متكلفة، كان أنس يقف خلفه ثم تقدم من والدة لرحيم لينحني لها ويُقبل يدها بلطف وهو يتمتم:
"مساء الخير Auntie 'طنط/خالتي' ، معقول هيكون ليا الشرف أتغدى مع حد بالجمال والأناقة دي؟" كان أنس يدري تمامًا كيف يتعامل مع والدة رحيم فبكلماته البسيطة تلك استطاع جعلها تضحك بخجل وهي تُردف:
"أنس حبيبي Thank you 'شكرًا لك' ، أتمنى رحيم يتعلم منك اللطف ده." ابتسم أنس ابتسامة جانبية وهو ينظر نحو رحيم بطرف عيناه بينما ذم رحيم شفتيه.
"ده أنا متعلم الكلام ده من رحيم، Uncle 'عمو' حامد حضرتك وحشتني جدًا." أردف أنس وهو يُقبل رأس والد رحيم الذي همس في أذنه بصوت منخفض:
"طول عمرك بكاش يا ولد، ياريت تبقى تقول لصاحبك يعمل زيك."
"والله يا أونكل هو صاحبي شكله مش طايقنا كلنا."
تفوه أنس بسخرية حينما رأى تعابير وجه رحيم المستاءة، بعد خمسة دقائق كانوا يجلسون جميعًا ويتناولون الطعام في صمت تام فيما عدا صوت الأشواك والملاعق الخافت لكن الصمت لم يدوم حيث قطعته والدة رحيم وهي تقول:
"أنس رحيم حكالك عن ال Bride 'عروس' اللي أنا جبتهاله؟ بنت من عائلة كبيرة وجمالها أوربي وشاركت في تربيتها لكن صاحبك Refused to travel and met her 'رفض أن يُسافر ويُقابلها'."
"في الواقع رحيم حكالي فعلًا، هو مش معترض على الجواز ولا العروسة إطلاقًا هو بس.. مشغول بالشركة يعني والتدريبات وكده.." حاول أنس أن يُخرج صديقه من الموقف الحرج الذي وضع فيه عن طريق استخدام موهبته في إدارة النقاش فهو بارع في ذلك بغض النظر عن أن حديثه ساخر في معظم الأوقات.
"كل ده Important but it's not more important than settling down and making a family 'إن ذلك مهم ولكن ليس أهم من الإستقرار وتكوين عائلة'."
"أنا مع حضرتك، بس لازم رحيم يكون مؤهل نفسيًا أنه يدخل في علاقة ويكون بيت، الموضوع مش بس محتاج أنه يكون مستقل ماديًا وأنا من وجهه نظري المتواضعة جدًا طبعًا شايف أن رحيم لسه مش مستعد، بالتأكيد هو مش قاصده يضايق حضرتك."
"كل مرة بتبهرني بتفكيرك الناضج ومهاراتك في الإقناع يا أنس." أردفت والدة رحيم وهي تنظر نحو أنس برضا تام بينما نظر رحيم نحو أنس بنظرة وهو يسأل بداخله 'مين ده؟' بينما حاول أنس ألا يضحك كي لا يُفسد الصورة الجادة المتزنة التي رسمها بإتقان أمام والدة رحيم.
"شكرًا Auntie، بتعلم من حضرتك ومن Uncle حامد."
انتهى الغداء على خير وعاد أنس ورحيم إلى الطابق العلوي بينما غادر والديه لحضور إجتماع في بيت أحد العائلات الكبيرة دون أن يُطلعوا رحيم على المزيد من التفاصيل وهو لم يهتم كثيرًا.
"أنس أنا كده خلصت الورق كله، ورتبته بترتيب الدرجات ناقص بس أشيل ال Sticker 'المُلصق' عشان أعرف مين صاحب الورقة اللي قفلت، اه معلش يا أنس أبعتلهم مسدچ باللي هقولهولك ماشي؟"
"ومتبعتش أنت ليه؟"
"عشان مش عايز أبان Online."
"ماشي يا أخويا."
'مساء الخير يا شباب، دكتور رحيم انتهى من التصحيح وقرر أنه هيعملكوا حفلة بمناسبة اجتيازكوا للتدريب والإختبار، الحفلة هتكون في الشركة وفي القاعة اللي متعودين نشرح فيها، الحفلة هتكون بعد بكرة الساعة 33.'
قرأت أفنان الرسالة بمزيج من الحماس والتوتر، ستكون تلك المرة الأخيرة رسميًا التي ستقابل فيها رحيم وفي الوقت ذاته تشعر بالتوتر حيال أمر الجائزة النقدية فإن لم تفز هي بها ستتدمر أحلامها التي أخذت تبنيها في الأسابيع الماضية.
"ميرال بقولك أيه؟"
"همم؟"
"مش عارفة ألبس أيه في الحفلة."
"ماشي."
"ماشي؟ ماشي أيه؟ أنتي سامعة أنا بقول أيه أصلًا؟" لم ترد ميرال لتنهض أفنان بغضب وتسحب الهاتف من يد ميرال وهو تُردف بغضب:
"اه طبعًا لازم مترديش عليا ما أهو أنتي مشغولة بنوح بيه!"
"معلش هو كان بيكلمني في حاجة مهمة فكنت مركزة في التليفون."
"طيب خليه ينفعك بقى."
"طب أنتي كنتي عايزة أيه؟"
"مش عايزه من وشك حاجة." صاحت أفنان وهي تُلقي الهاتف على السرير وتغادر الحجرة بغضب طفولي، لحقت بها ميرال وهي تُنادي عليها لكن أفنان تجاهلتها وأخذت إسدال الصلاة وأرتدته ودلفت إلى داخل الشرفة، أمسكت أفنان بهاتفها وقامت بمراسلة مريم وقد بعثت لها الآتي:
'مريوم بقولك أيه عندي حفلة عشان التدريب اللي كنت بروحه خلص ومش عارفة ألبس أيه ونظرًا لأنك عارفة لبسي كله انا وميرال فإقترحي عليا حاجة.'
'ألبسي الفستان الأسود أو ألبسي البنطلون البوفريند الفاتح وعليه الكارديجان الكشمير.'
'لا مليش مزاج، أقترحي حاجة تانية.'
'طب بصي أنا جبت فستان جديد لونه كُحلي أيه رأيك تعدي عليا تاخديه؟ أو ممكن ابعتهولك مع نوح.'
'طب صوريه كده.'
'ها أبعته؟'
'حلو أوي ثانك يو يا مريوم بجد، أبعتيلي معاه طرحة وبندانة بقى.'
'مش عايزة DVD؟'
'لا شكرًا، هضطر بقى أشوف جزمة عندي لأن مقاسك أصغر مني.'
'تمام هتصحي تلاقيهم عندك إن شاء الله.'
أغلقت أفنان هاتفها وعادت إلى غرفتها، لتجد ميرال تقترب منها ولكن أفنان تتمددت على السرير وأخفت كامل جسدها بواسطة الغطاء.
"خلاص بقى متزعليش أنا أسفة." لم ترد أفنان لذا أنقضت عليها ميرال وهي تُزيح الغطاء وتقوم بدغدغة أفنان بعشوائية لتقهقه الآخرى بقوة وهي تقول:
"خلاص مش زعلانة أبعدي بقى!!! وبعدين هو مش أنتي المفروض عندك شغل؟ منزلتيش النهاردة ليه؟"
"أنتي لسه واخده بالك؟ وبعدين ما أنا قولتلك أن الجمعة بس أجازة أساسي واليوم التاني مش ثابت."
"ماشي ياختي، وعلى فكرة بقى أنا خلاص أصلًا سألت مريم عاللي أنا عايزاه." قالت أفنان مُتعمدة إثارة غيظ ميرال ليستمر الجدل بينهم لعدة دقائق والذي انتهى بدخول والدتهم الغرفة لتقوم بتوبيخ كلتاهما.
مر اليومان سريعًا حتى جاء يوم الحفلة خاصة أفنان وقد أرسل لها نوح الثياب وأعطاها لوالدتها حيث رفضت أفنان أن تغادر حجرتها وتُقابله، أرتدت أفنان الثوب ذو اللون الأزرق الداكن 'كحلي' والذي لم يحمل أي نقوش سوى حزام صغير حول الوسط، ارتدت أفنان وشاح باللون السماوي الفاتح 'Baby blue' يحوي نقوشًا بدرجات مُختلفة من اللون الأزرق، لم تكن أفنان بارعة في وضع مساحيق التجميل حيث لم يكن والدها يسمح لهم بوضعها سوى في المناسبات فقط لذا أكتفت بالكحل الأسود في عينيها وأحمر شفاه باللون الوردي، نظرت إلى إنعكاسها في المرآة لقد بدت جميلة في ذلك الثوب بل ملائكية لكنها لم تشعر كذلك فلقد أعماها شعورها بالتوتر.
غادرت أفنان حجرتها وهي تبحث داخل 'الجزامة' على حذاءها الذي لونه مماثل للون الوشاح ليُقاطع ما تفعله والدها وهو يُردف:
"بسم الله ما شاء الله، أيه الجمال ده كله يا حبيبة بابا؟ شكلك عروسة الله أكبر." ألتفتت أفنان لتواجه والدها الذي كان ينظر نحوها بعيون تشع حنانًا وحب، تقترب منه لتضمه بلطف ثم تقول:
"ربنا يخليك يا حبيبي، وبعدين عروسة أيه بس يا بابا وده مين مجنون هيرضى يتجوزني." أنهت حديثها بسخرية وهي تقهقه ليشاركها والدها الضحك ثم يُعلق بنبرة تجمع بين الجدية والمزاح قائلًا:
"وهو حد يطول يتجوزك أصلًا؟ وبعدين يا حبيبتي كل فولة وليها كيال.. أكيد هتلاقي الشخص اللي يحب جنانك وعفويتك وشخصيتك كلها على بعضها."
حينما سمعت أفنان حديث والدها لم يخطر ببالها سوى شخصًا واحد.. رحيم! فهو الشخص الوحيد تقريبًا الذي يتقبل شخصيتها الحادة وتقلباتها المزاجية بل ويُحب طريقة حديثها الساخرة والألفاظ التي تستخدمها، هو الوحيد الذي لا ينتقدها بإستمرار.. اتسعت ابتسامتها حينما تجمعت تلك الأفكار في رأسها لينظر نحوها والدها بنظرة ذات مغزى وهو يسألها:
"أيه ده سر الإبتسامة دي؟ هو في حاجة أنا معرفهاش ولا أيه؟"
"هاه؟ في الواقع.. هحكيلك لما أرجع يا حج عشان اتأخرت ولسه الطريق طويل." حاولت أفنان الهرب من الإجابة على السؤاله وفي الوقت ذاته هي قد تأخرت على الحفلة بالفعل فلقد كانت الساعة تقترب من الثانية والربع وهي لم تُغادر المنزل بعد.
جلست أفنان طوال الطريق في توتر شديد وتحاول جاهدة ألا تقضم أظافرها حتى لا تُفسد مظهرهم، شعرت بآلم شديد فالمعدة جراء شعورها بالتوتر ليزداد وضعها سوءًا، نظرت إلى هاتفها لتجد أن الساعة أصبحت الثالثة إلا عشرة دقائق وهي لم تصل بعد، دق هاتفها لتتحمس وتنظر إليه لكن سرعان ما تعبس مجددًا حينما ترى أن المُتصل هو نوح وليس رحيم، بعد عناء شديد وصلت أفنان إلى الشركة لتهرول نحو الطابق المنشود دون انتظار المصعد، يصدح صوت هاتفها في المكان فتُجيب دون النظر إلى اسم المُتصل فيأتيها صوت رجولي ثقيل من الجانب الآخر مُردفًا:
"أفي.. أنتي فين؟" سأل المُتصل والذي كان رحيم لكنه لم يتلقى إجابة، أخذ يتجول بعيناه في المكان قبل أن يلتفت نحو الخلف حينما لمحها بطرف عيناه، آخر شخصًا يحضر الحفل.. تسير بِطلتها البهية وابتسامتها المتوترة.. تسير بخطوات متجانسة كعارضة أزياء مُتمكنة، يدها ترتجف بوضوح وعيناها ترمش بقوة.. تُبطء من خطواتها كلما أقتربت من رحيم الذي وقف وهو يضع إحدى يديه داخل جيب بنطال بذلته الرسمية الكُحلية وبالآخري يحك ذقنه.
كانت تتأمله هي على إستحياء حيث أن عينيه لم تتحرك بعيدًا عنها، استطاعت أن تلاحظ بسهولة أنه يرتدي ساعة يد فاخمة جديدة، رائحة عطره لم تتغير، لقد هذب لحيته وشعره بدا أقصر قليلًا من المُعتاد، كان يرتدي بذلة رسمية فاخرة كالمعتاد لكن ما لفت انتباهها هو أن بذلته بنفس لون ثوبها فبدى الأمر وكأنهم فعلوا ذلك عن قصد كي يبدوان مُتماثلان، أقترب هو بضع خطوات نحوها هذه المرة وهو يُردف بصوته الرجولي المبحوح:
"ينفع التأخير ده؟ الساعة بقت تلاتة وربع."
"أنا أسفة أصل الطريق..." حاولت التفسير لكن شعورها بالتوتر ونظر رحيم إليها جعلها تفقد القدرة على تجميع الكلمات، رفع رحيم عينيه لتُقابل خاصتها وهو يتفوه بنبرة صوته المميزة بكلمات الغزل الآتية:
"أنا مقدر طبعًا أن ال Princess 'الأميرة' هي آخر حد بيوصل بس أنا قلقت عليكي جدًا وأنتي مكنتيش بتردي عليا."
"برنسيسة حتة واحدة؟ الله يكرم أصلك والله." أردفت بتلعثم ليضحك رحيم حتى تُغلق عيناه وتظهر أسنانه اللامعة وتذوب هي مع ضحكته تلك، كيف لشخصًا أن يجمع بين الجاذبية واللطف في آن واحد؟!
"طبعًا Princess 'أميرة' ومحدش يقدر يقول غير كده، ال Dress 'الفستان' لايق عليكي جدًا."
"ربنا يخليك والله ده أنا استلفته من البت مريم بس أول لابسة متقلقش." نظر نحوها رحيم وهو يعقد حاجبيه في حيرة لتضحك هي بإحراج وتحمحم ثم تهمس مُحدثة نفسها بالآتي:
"الظاهر أني عكيت الدنيا.. مكنش المفروض أقول كده ولا أيه؟"
"هو أنا مش فاهم حاجة بس مين مريم؟"
"أخت نوح." تبدلت تعابير وجه رحيم فور سماعه لإسم نوح، حيث زم شفتيه وعقد حاجبيه لأنظر نحوه بإبتسامة ساخرة وأنا أقول:
"في حاجة يا رحيم؟ بتبصلي كده ليه وكأن في حبهان تحت ضرسك."
"بغض النظر أني مش فاهم، بس هو لازم كل حاجة بتعمليها في حياتك يكون ليها علاقة بنوح؟ يعني لازم اسم نوح يجي على لسانك كل ما تفتحي بوقك." صاح رحيم في بداية جملته لكنه سرعان ما أدرك أن أحدهم قد يسمعهم لذا خفض من نبرته وتحدث من بين أسنانه.
"أيه ده أنت مالك قلبت جد كده ليه؟ يسطا ده ابن خالتي ومتربين سوا ما طبيعي أجيب سيرته كتير."
"طب يعني عالأقل حاولي وتعالي على نفسك معلشي ومتعمليش كده قدامي." حاول رحيم أن يطلب منها ذلك بهدوء محاولًا عدم إظهار غيظه الشديد فهو لا يدري لما يشعر بلهيب في صدره كلما نطقت أفنان حروف اسم نوح، كان ينتظر منها أن تُجادله كالعادة لكنها لم تفعل بل أكتفت بالتفوه بكلمة واحدة:
"حاضر."
"أيه ده خلاص كده؟"
"اه أومال حضرتك فاكر أيه؟" تفوهت بإقتباس من أحدى الأفلام الكوميدية لينظر نحوها بإبتسامة جانبية وهو ينظر نحوها بمكر وهو يسألها:
"يعني مش هتكملي جدال ونتخانق ونفرج الشركة كلها علينا؟!"
"لا، النهاردة آخر يوم بقى فعيب نعمل كده."
"صح.."
"يلا يا عم الحبيب خلونا نخلص بقى!" قاطع حديثهم اللطيف ظهور أنس من اللامكان لينظر كلاهما له بإزدراء ثم يُشير له رحيم بيده بأن يرحل.
"طيب تعالي ندخل وبعدها نكمل كلام براحتنا تمام؟" أومئت أفنان ب 'نعم' ثم تقدمت رحيم في الدخول إلى القاعة، كان المكان مُزين بالبالونات باللوني الأبيض والأزرق وقد زُينت المقاعد بشرائط بذات اللونين، كانت الأجواء لطيفة للغاية.
ذهبت لتجلس في منتصف الصف الثالث وكان رحيم يتابعها بعينه ليتأكد أنها تجلس في مكان مُريح وفي تلك الأثناء جاء نوح وهو يلهث نتيجة ركضه لأنه تأخر للمرة الأولى في حياته تقريبًا، بمجرد أن لمحه رحيم وجه نظره نحو أفنان التي نظرت نحو نوح بخبث، ابتسم رحيم ابتسامة جانبية وقرر الإنتقام من أجل أفنان وباقي الطلاب سواء في التدريب أو في الكلية.
"دكتور نوح حضرتك متأخر نصف ساعة وخمس دقايق و 24 seconds 'أربعة وعشرون ثانية'." أردف رحيم وهو ينظر في ساعته ثم يرفع رأسه ببرود ليرى وجه نوح الذي أشتعل غيظًا، ساد الصمت لبُرهة قبل أن يعتذر نوح بإمتعاض مُردفًا:
"أنا أسف يا دكتور رحيم، العربية عطلت."
"ولو أنه مش عذر لكن نظرًا لأنها أول مرة فتقدر تتفضل." رمق نوح رحيم بنظره أخيرة قبل أن يذهب ليقف إلى جانب سائر المُدربين.
"طيب يا شباب النهاردة أحنا اتجمعنا احتفالًا بإن التدريب خلص وأن نتيجة الإمتحان ظهرت بقى وعرفنا مين الأول على التدريب وكمان عشان تاخدوا ال Material 'المواد/المحتوى' بتاعت التدريب، بس هو للأسف في مشكلة في ال System 'النظام' فالشهادات هتتأخر شوية، عمومًا يا شباب أحنا عايزين نقول Thank you 'شكرًا لكم' ليكوا كلكوا على المجهود اللي عملتوه وإلتزامكوا بالتدريب الفترة اللي فاتت وحقيقي الشركة نورت بيكوا."
تحدث رحيم وأنهى حديثه بجمل لطيفة من أجل المُتدربين ليصفق له الجميع والفتيات بصورة خاصة لتتسع ابتسامته وهو يضع يده على صدره كتعبير عن شكره وإمتنانه لهم.
"طيب دلوقتي هنقول مين الشخص اللي قفل أو قفلت اللي هياخد الجايزة اللي اتفقنا عليها، Are you guys ready؟ 'هل أنتم مستعدين'." سأل رحيم ليُشعل أجواء الحماس والتوتر في الجميع، كان الكل ينظر نحوه بفضول شديد لكنه لم يتحدث مباشرة ليقترب منه أنس في أذنه ويهمس ساخرًا:
"اخلص هي نتيجة ملكة جمال!!"
"طيب اللي جاب ال Full mark 'العلامة النهائية' هي: دكتورة أفنان أحمد." أعلن رحيم لتتوجه جميع الأنظار نحو أفنان، بعضها نظرات حقد، بعضها كان ابتسامة صغيرة لأنهم استطاعوا تخمين أنه من ستجتاز الإختبار بجدارة وبعضها كان مُستهزءًا، أما عن أفنان فعلقها قد توقف تمامًا من الصدمة والسعادة فبقدر ما كانت تتمنى حدوث ذلك إلا أنها كانت واثقة من عدم تحققه لكن القدر أنصفها هذه المرة.
"أتفضلي يا دكتورة هنا من فضلك."
أشار لها رحيم لتجفل أفنان لثوانٍ قبل أن تستقيم من مقعدها بأرجل مُرتجفة وبمجرد أن خطت أول خطوة كادت أن تسقط لولا أن هناك فتاة لطيفة أمسكت بها، صعدت البضع درجات كي تكون في مستوى رحيم وإلى جانبه، مد رحيم يديه ليُحيها لكنها نظرت بإحراج نحو يده قبل أن يُدرك ما يحدث ويعتذر بآدب قائلًا:
"أسف نسيت.." منحته أفنان ابتسامة صغيرة وهي تتمتم:
"لا ولا يهمك." لقد أسعدها كثيرًا إستيعابه بأنه من المفترض ألا يلمسها على الإطلاق كما أسعدها ايضًا أنه لم يشعر بالحرج بل أصلح الأمر سريعًا كي لا تشعر هي بذلك، ياله من شخصًا نبيل! هذا ما حدثت به أفنان نفسها.
"أتفضلي ديه الهدية ودي Certificate 'شهادة' غير اللي هتاخديها عشان خلصتي التدريب، دي واحدة تانية عشان الشطارة يعني."
"تفوق اسمها." عدلت على حديثه بصوتًا خافت ليُحمحم هو ثم يُردف:
"عشان التفوق، اتفضلي يا دكتورة أفنان."
"شكرًا جدًا لحضرتك.." أردفت بتلعثم وهي تنظر نحوه بإمتنان شديد ليُبادلها هو بنظرات حنونة بينما يُسلمها ظرفًا بلون القهوة يُشبه الرسائل التي كانت تُرسل بين العاشقين قديمًا، كان الظرف يحوي بداخله الجائزة المالية وقد كُتب عليه من الخارج اسم أفنان باللغة الإنجليزية بخط يد مُبهر، استلمت أفنان الظرف من يد رحيم للتلامس أيديهم عن طريث الخطأ فترتجف يدها الباردة حينما تُلامس خاصته الدافئة، يبتعد رحيم لثوانٍ ويعود وهو يُسلمها الشهادة التي تحمل اسمها.
"دكتور نوح معلش ممكن تصورنا؟" تعمد رحيم طلب ذلك الطلب من نوح لإثارة غيظه والذي لم يكن في مقدوره فعل أي شيء سوى تنفيذ ما طلبه رحيم، ألتقط نوح بضع صور لهم حيث كانت أفنان تقف مُبتسمة بخجل وفي يدها الظرف والشهادة بينما وقف رحيم على مسافة منها وقد زين ثغره ابتسامة واسعة، وفي الوقت ذاته كان يلتقط مصور الشركة بضع صور لهم بواسطة الكاميرا الفوتوغرافية.
في تلك اللحظة شعرت أفنان بأن المكان كله لا يسعها من شدة سعادتها، شعرت بأن قدمها لا تمس الأرض بل أنها تُحلق في المكان، مزيج من الشعور بالإنتصار، الفخر، التوتر، السعادة واخيرًا الدفء.. وجود رحيم إلى جانبها، نظراته الخاطفة لها وكلماته التي يتفوه بها، اهتمامه بالتفاصيل الصغيرة، وحرصه على إحترام فِكرها وأسلوب نشأتها كل ذلك يُشعر قلبها بالدفء وكأنها قضت العشرون سنة الماضية في شتاءًا باردًا قارص لا ينتهي، حتى.. حتى ظهر هو من اللامكان في زُقاق جانبي مُظلم في حي الزمالك حيث بدأ كل شيء...
____________________________________
(تذكره: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت.)
الفصل الخامس والعشرون: بِلَوْن الْبَنَفْسَج🤎🦋✨
بعد انتهاء المصور من إلتقاط بضع صور لأفنان ورحيم ولإفنان مع باقي المُدربين أخبرها رحيم أنه يمكنها الذهاب إلى أحد جوانب القاعة كي يلتقط لها المصور بضع صور بمفردها، أومئت هي بسعادة وهي تهبط من الدرجات بينما يتأملها هو في صمت.
"طيب يا شباب أنا هروح اضبط حاجة في المكتب بسرعة وهرجع تاني، محدش يمشي عشان لسه في كام حاجة هنعملها قبل ما تمشوا." أردف رحيم ثم دنى من أنس وهو يهمس في أذنه:
"خلي بالك على أفنان لحد أما أجي وبالذات من اللي اسمه نوح ده."
"ماشي يا عم الحبيب." رمقه رحيم بإزدراء قبل أن يذهب إلى مكتبه تاركًا القاعة وتاركًا أفنان تلتقط بعض الصور.
أما عن أفنان فكانت تبتسم بخجل في معظم الصور وهذا عكس طبيعتها لكن شعورها بأنها محط أنظار الجميع وأن هناك مصور أخذ الأمر من رحيم أن يقوم بتصويرها هي خصيصًا كان أمرًا موترًا لكن ذلك لا ينفي كونه شعور جميل في الوقت ذاته، كانت الأمور مستقرة تمامًا في تلك اللحظة لكن كالمعتاد لا شيء يسير بطريقة جيدة إلى النهاية فقد تبدل الأمر تمامًا حينما أخترق أذن أفنان صوت فتاة ما تُردف:
"أكيد كسبها شفقة أنتوا مش شايفين منظرها عامل ازاي؟"
"فعلًا عندك حق، أنتي مش شايفة Style 'أسلوب' لبسها ولا طريقة كلامها!" شعرت أفنان بأن الوقت توقف عند تلك الثواني، آلم كبير اجتاحها وكأن هناك حجرًا كبيرًا جاثمًا على صدرها، في تلك اللحظة تمامًا أدركت أفنان ما لم تُدركه من قبل!
هي حقاً تبدو مختلفة عن الجميع هنا، ولكن ليست مُختلفة بصورة جيدة بل سيئة لكنها لم تشغل بالها يومًا بذلك.. لكنهم محقين فمعظم من أجتمعت بهم هنا من طبقة مختلفة تمامًا، طلاب بجامعات لا تقل مصروفاتها عن آلاف الجنيهات في العام الواحد! مصروفات لو عملت أسرة أفنان كاملة لما حصلت ثمنها، الجميع هنا يملكون سيارات ويسكنون في أفضل المناطق ويرتدون أفخم الثياب، لكن هي... هي مجرد فتاة بسيطة ابنة موظف بسيط، إنها حقًا تختلف عنهم.
لكن ما لم تُدركه أفنان في تلك اللحظة هو اختلافها الجوهري عن أولئك الفتيات والذي يكمن في أنها تفوقهم في أخلاقها العالية، واحترامها للغير وأنها لو كانت في مثل موضعهم لما كانت لتتفوه بشيء يُقلل من شأن شخصا اخر.
"يا جماعة اصلًا جايزة 1500 pounds 'ألف وخمسمائة جنيهًا' حاجة عبيطة أوي ورقم صغير بس شوفتوا يا حرام فرحت ازاي؟"
"عندك حق، أنا بصرف أكتر من كده في قاعدة في Cafe 'مقهى'."
هنا شعرت أفنان بأنها على وشك الإنفجار، فقدت قدرتها على التحمل ولن تقبل بسماع كلمة آخرى، لم تدري بنفسها سوى وهي تُلقي حقيبتها والشهادة والظرف ارضًا وتهرول إلى خارج القاعة متجهة إلى مكتب رحيم لتقتحمه دون أن تدق الباب لتسأله بنبرة مُستاءة أقرب للصياح وهي تُردف:
"ممكن أعرف هو أنا فعلًا أتكرمت عشان قفلت ال test 'الإختبار' ولا أنت عملت كده قاصد؟" نظر نحوها رحيم بفزع جراء إقتحامها لباب مكتبه ولو لم تكن أفنان الفاعلة لكان وبخ من فعل ذلك.
"أيه ده في أيه؟ Calm down 'اهدأي' بس وقوليلي في أيه؟" تحدث رحيم بنبرة هادئة وهو يُحاول أن يفهم ما تقوله، ولقد أحبت أفنان نبرته تلك في كل الأوقات الآخرى لكن هدوئه الآن زاد من استياءها حيث نظرت نحوه بحده وهي تصيح قائلة:
"متقوليش أهدي! سألتك سؤال وعايزة إجابة، أنا فعلًا استحق التكريم ده وقفلت الإمتحان ولا أنت بتكدب وعامل كده قاصد؟"
"يعني أيه قاصد؟ وليه هعمل حاجة زي كده أصلًا؟" لقد كان يسألها رحيم بتلعثم فلقد باغتته بتلك الأسئلة وتعبيراتها المُنفعلة تلك، صمتت أفنان لثوانٍ قبل أن تتفوه بنبرة مُتآلمه بالآتي:
"يعني شايفني غلبانة وبتشحتني فلوس." أتسعت أعين رحيم من قولها ليُجيب على حديثها بعدة أسئلة بنبرة مستنكرة قائلًا الآتي:
"أفندم؟ أنتي بتقولي أيه؟ Are you serious 'هل أنتِ جادة'؟"
"أنت شايف أن دي حاجة ينفع أهزر فيها؟" سألته بنبرة جادة لينظر نحوها بإستنكار، لم يُجيب على سؤالها بل سألها هو بنبرة أقرب للصياح وهو يغادر مقعده قائلًا:
"أنا عايز أعرف أيه اللي جاب الكلام ده في دماغك؟ مين الحقير اللي قالك كده؟ قوليلي وأنا امسحلك بكرامته البلاط!!!"
"مش مشكلة مين قال ومين عاد، أنا عايزة رد على سؤالي دلوقتي!"
" لا يا أفنان، أنتي اتكرمتي عشان فعلًا جبتي ال Full Mark 'الدرجة النهائية'!"
"عايزة اشوف الورقة." تمتمت بصوتًا منخفض وقد عقدت كلتا يديها إلى صدرها ليزم رحيم شفتيه وهو يسألها بعدم رضا مُردفًا:
"فعلًا يا أفنان؟ هو أنتي بجد مش واثقة فيا ولا في كلامي؟" سألها بمزيج من الدهشة واللوم فهو لم يتوقع أن تقوم أفنان قط بتكذيبه، نظرت نحوه أفنان لثوانٍ قبل أن تنبس بإستياء:
"لو سمحت يا دكتور رحيم.. بعد إذنك عايزة اشوف الورقة، أظن ده حقي!"
"لا مش من حقك!" عقب رحيم على حديثها بغضب، لم يكن غاضبًا منها بالطبع بل غاضبًا من الشخص الذي زرع تلك الفكرة برأسها وبالطبع أول من خطر بباله هو نوح، فمن الحوار الذي دار بينه هو وأفنان من قبل وقد سمعه رحيم فبات واثقًا أن نوح قد يجرحها بكلماته دون أن ذرة اهتمام.
"يا رحيم لو سمحت!!" صاحت بإسمه دون لقب وكأنها تتراجاه ومن ثم انفجرت في البكاء وصدرت منها شهقه دون أن تشعر ليشعر بقلبه يتمزق في تلك اللحظة.. لقد اراد إسعادها لكن الأمر تم تخريبه كالمعتاد ولكنها ليست غلطته هذه المرة، في تلك اللحظة ود رحيم لو يضمها بشدة لعلها تهدأ لكن ذلك غير مسموح لذا أثر امنيته داخل نفسه.
استقام من مجلسه واقترب منها وهو يمنحها مناديل ورقية وبدلًا من أن تمسح دموعها وضعتها على وجهها مُحاولة تغطيته فهي تكره أن يراها أحدهم وهي تبكي وخاصة إن كان ذلك الشخص هو رحيم.
عاد إلى مكتبه مجددًا وجلس على كرسيه الجلدي وعلى الفور قام بفتح أحد الأدراج ليخرج منها الورقة التي حدثت بسببها تلك المشاكل.. ورقة إختبار أفنان.
"اتفضلي، عشان تعرفي أني مش بكدب عليكي!"
منحها رحيم ورقة الأسئلة خاصتها ونموذج الإجابة كذلك لتكفكف دموعها بيدها وتأخذ كلاهما منه بيد مُرتجفة، تُقلب سريعًا في الأسئلة لتجد أنها أجابتها جميعًا إجابات صحيحة بالفعل! تنظر نحو رحيم بندم، فلقد صبت غضبها عليه وإتهمته بأنه مُنعدم الضمير بطريقة غير مُباشرة، أخرج رحيم من جيب بنطاله علبة سجائر وأخرج لفافة وكأن على وشك أن يُشعلها لولا أن سبقته يد أفنان التي سحبت السيجارة من يده وألقتها في سلة القمامة.
"على فكرة، أنس هو اللي صحح الورقة بتاعتك يعني مش أنا عشان تفتكري أني بجاملك، وبعدين أنا عايز افهم شحاتة أيه وعطف أيه اللي بتتكلمي عنهم؟ ليه تفكيرك خد السكة دي أصلًا؟"
"أنا أسفة.. بس أنت مسمعتش هما قالولي أيه.. محدش هان كرامتك زي ما أنا اتهنت، أنا مش شخصية مادية يا رحيم لكن لأول مرة أحس أن الفلوس ليها قيمة فعلًا بالنسبة للناس حتى لو مش بالنسبالي وأنا الفلوس هي المعيار اللي بيتحدد على أساسه أنت إنسان كويس وينفع تبقى وسطنا ولا لا!" تحدثت أفنان وهي تحاول منع نفسها من البكاء مجددًا لكن الأمر كان غاية في الصعوبة خاصة أثناء تفوها بتلك الكلمات.
"شاوريلي عليهم! قوليلي مين هما وأنا هطردهم من الشركة كلها من غير ذرة تردد، الفلوس عمرها ما كانت معيار للآدمية يا أفنان، مش هقولك أن الفلوس مش مهمة لكنها مش أهم حاجة وفي ناس كتير معاهم فلوس بس اتحرموا من حاجات تانية أهم زي العائلة مثلًا..."
تحدث رحيم بإنفعال في بداية حديثة فعقله لا يستطيع تقبل فكرة أن أحدهم أهان أفنان أو سخر منها! أولئك الحمقى ألا يدرون أنها ذات أهمية بالنسبة إليه؟ وأنه لن يسمح لأحد بأن يؤذيها على المستوى النفسي أو الجسدي، في منتصف حديثه أعتدلت نبرة رحيم وعادت إلى الهدوء المعهود وهو يُحدث أفنان بكل صدق.
فبقدر معرفة رحيم بأهمية المال ومميزاته إلا أنه يُدرك ايضًا معنى أن تفتقر إلى الكثير من الأمور في مقابل حصولك على هذا المال.
فالمال لم يشكل فارقًا بالنسبة له حينما اضطر إلى تحمل أسلوب والدته الجاف وانشغال والديه الدائم في العمل والسفر، لم يُشكل المال فارقًا حينما شعر رحيم بآلام الوحدة كونه الأبن الوحيد.
"أنا عارفة بس كلامهم..."
"من أمتى يا أفي وأنتي بتهتمي بكلام حد؟" سألها وهو يبتسم لتنظر نحوه بأعين مُحمره وهي تقول بحنق:
"يعني كمان قصدك أني مبحسش!!"
"أنا مقولتش كده! أنا قصدي أنك واثقة من نفسك ومش بيفرق معاكي أي كومنت سخيف من حد."
"أيوا بس أنا بني آدمة وبحس وبتوجع، أنتوا ليه كلكوا فاكرين أني مش بحس عشان طول الوقت بهزر!"
"مين كلكوا؟ أنا قولتلك كده أمتى أصلًا؟ وليه هفكر في كده أساسًا؟ ما طبيعي You're a human and you have feelings 'أنتي بشرية وعندكِ مشاعر'."
"طب وأما الناس عارفين كده بيجرحوني ليه؟" سألت أفنان سؤال لم يمتلك رحيم إجابة له، فهذا السؤال لا يتعلق بأفنان لشخصها بل بالجميع.. فإن كنا نعلم أن جميع البشر أو لنقول تسعون بالمئة منهم لديهم مشاعر فلما نتعمد جرحها؟
"بقولك أيه تعالي معايا..." أردف رحيم دون أن يُجيب على سؤالها وهو يسير وهي من خلفه ولم تكن تلك من عادة رحيم فهو دائمًا ما يجعل أفنان تسير أمامه كنوع من النُبل لكن في ذلك الموقف تحديدًا الأمر مُختلف وقد فعل ذلك لغاية في رأسه.
"تعالي يا أفنان.. شاوريلي عالبنات اللي اتريقوا عليكي." تفوه رحيم بنبرة هادئة ولكن بصوتًا مسموع فور إقتحامه للقاعة مع أفنان، تلتفت أنظار الجميع نحوهم وتختفي ابتسامة الجميع على الفور وتتوقف الثرثرة.
كانت أفنان تقف خلف رحيم وكأنه درع حماية لها وقد تعمد رحيم فعل ذلك لكي يمنحها ذلك الشعور، هي في حمايته، يكفي الوقت الذي قضته هي في محاولة حماية نفسها بنفسها جاء الوقت ليستلم هو ذلك الدور بدلًا منها.
"أتكلمي متخافيش." همس رحيم لتنظر نحوه أفنان بحيرة قبل أن تزدرد ما في فمها ثم تُشير إلى الفتيات.
"أنتوا اللي اتريقتوا على أفنان؟"
"هو ده تحقيق ولا أيه يا دكتور رحيم؟ وبعدين البنت دي كدابة Why would we talk about her anyway 'لماذا سنتحدث عنها على أي حال'؟" تحدثت أشجعهم بلا مُبالاة ليضم رحيم قبضته بإستياء لكنه يحاول الحفاظ على تعابير وجهه الهادئة.
"اه تحقيق، وعمتًا أنا مش محتاج اسمع منكوا حاجة أنا مُكتفي باللي أفنان قالته."
"أوكي أكتفي." هنا فقد رحيم أعصابه تمامًا ولأول مرة تراه أفنان غاضبًا إلى تلك الدرجة لقد كانت عيناه تُخرج شرارًا.
"تمام يا دكتورة، أنتوا التلاتة بقى ملكوش شهادة عندي يعني أعتبروا نفسكوا محضرتوش التدريب أصلًا وكمان هتتحرموا من أي تدريب هيتعمل في الشركة ويلا اتفضلوا مع السلامة." نظرت نحوه أفنان بثغرًا مفتوح هي لم تتوقع أن يفعل شيئًا كهذا!
"يخربيت دماغك أنت بتعمل أيه؟" سأل أنس بهمس والذي ركض ليقف إلى جانب رحيم.
"خليك في حالك." همس له رحيم في المقابل، كان الصمت سائدًا في المكان كله ومعالم الدهشة قد ارتسمت على وجه الفتيات، على الأغلب لم يظنوا أن الأمر سيأخذ هذا المنحني ولم يستوعب عقلهم بعد ما قاله رحيم.
"يلا مع السلامة."
"على فكرة أنا هديكوا review زي الزفت!"
"تمام Do whatever you want."
غادرت الفتيات الثلاثة وفي تلك اللحظة شعرت أفنان بالإتتصار أخيرًا، لقد شعرت ولأول مرة أنها ليست بحاجة للدفاع عن ذاتها لأن هناك من يفعل عوضًا عنها، لقد شعرت بالإطمئنان وهو شعور عظيم لا يجده المرء بسهولة لكن رحيم قد منحها ذلك الشعور بكل يُسر.
لمح رحيم حقيبة أفنان المُلقاة وإلى جانبها الشهادة والظرف ليذهب ويُحضرهم على الفور ويُسلمهم لأفنان ثم يُشير لها بأن تسبقه نحو الخارج وكان سيتبعها لكنه توقف لثوانٍ وأردف:
"ياريت اللي حصل ده يعلمكوا أننا لازم نحترم بعض وأن مينفعش حد يقلل من التاني، عشان ده فعل مش أخلاقي ونتايجة دايمًا سيئة." أنهى رحيم كلامه وسط همهمات الجميع لكنه لم يهتم أن يسمع واتجه نحو الخارج ليجد أفنان تنتظره في نهاية الممر بالقرب من مكتبه، بمجرد أن رأته تهللت أساريرها وهي تُردف بنبرة مُمتنة:
"شكرًا يا رحيم... بجد شكرًا على كل حاجة."
"أنتي عارفة أن دي أحلى مرة سمعت اسمي فيها."
"احم... أنت عارف أن ماما عاملة حمام النهاردة عالغداء؟" أردفت أفنان بتلعثم وهي تحاول تغير الموضوع لينفجر رحيم ضاحكًا بشدة جاعلًا التنفس أمرًا مستحيل بالنسبة إليها...
"أفنان."
"اؤمر يا رحي.. يا دكتور رحيم."
"أنتي دموعك غالية أوي، وأنا مش هسمح لأي شخص أنه يخلي دموعك تنزل تاني." تحدث رحيم بنبرة هادئة لا تخلو من الجدية وهو ينظر إلى داخل عيون أفنان مجددًا قبل أن تهمس هي بصوتًا منخفض:
"يارب متبقاش أنت السبب فيهم.."
"بتقولي حاجة؟" سألها رحيم وهو يضم عينيه لتُجيبه بإختصار:
"لا.."
" طيب بقولك أيه ممكن نروح نشرب حاجة؟"
"أنت عارف الإجابة..."
"طيب خلاص... قابليني صدفة كمان نص ساعة في الكافية ده." قال بمكر وهو يُرسل لها الموقع الجغرافي لمقهى قريب من مقر الشركة ثم غمز لها بخضراوتيه قبل أن يتجه إلى مكتبه، لقد وضعها أمام الأمر الواقع بطريقة ما، لقد شعرت أفنان أن الأمر برمته خطأ وأنها ستندم ولكن للمرة الأولى ينتصر قلبها على عقلها...
"هو اللي حصل جوا ده؟ والبنات دول عملولك أيه؟ شكلك بتتبلي عليهم، وبعدين رحيم كان واقف بيقولك أيه؟" سأل نوح الذي ظهر من اللامكان بصيغة تحقيق لتنظر نحوه أفنان من الأعلى إلى الأسفل بإشمئزاز قبل أن تُغادر المكان دون أن تُجيبه.
أما عن رحيم فذهب ليقوم بإنجاز بضع أشياء سريعًا في مكتبه قبل أن يرحل لمُقابلة أفنان، والذي كان في صراع من داخله فعقله يُخبره أنها لن تفعل لكن قلبه يُخبره أنها ستفعل، قطع تفكيره صوت مقبض باب المكتب حينما دلف أنس نحو الداخل وهو يتحدث بنبرة لوم قائلًا الآتي:
"رحيم هو أنت بتستعبط؟ من أمتى وأحنا بندخل اللڤلڤة في الشغل؟!"
"بندخل أيه؟"
"اللڤلڤة مُشتقة من كلمة Love يعني، قصدي من أمتى وأحنا بندخل مشاعرنا في شغلنا؟"
"مشاعر أيه وشغل أيه؟ أفنان جاتلي المكتب منهارة عشان البنات اللي مش محترمين دول اتريقوا عليها وأنا اتصرفت التصرف اللي كنت هتصرفه لو كان أي حد مكان أفنان."
"متأكد يعني من الموضوع ده؟"
"اه، مش معنى أن أفنان مُتدربة مميزة شوية بالنسبالي أني هاخد قرارات متهورة عشانها." كذب رحيم أو حاول إقناع نفسه بذلك، فأكثر ما يكرهه رحيم هو أن يختلط العمل بالمشاعر.
"طيب يا رحيم أنا قولت بس أنبهك، وبعدين أنت واخد حاجتك ورايح على فين؟"
"هقعد مع أفنان شوية وبعدها هرجع على هنا تاني."
"وتفتكر أن القطة هتوافق تخرج معاك عادي؟"
"معرفش بس هجرب حظي، يلا Wish me luck 'تمنى لي الحظ'."
"ماشي يا أخويا."
بعد نصف ساعة كان رحيم يقف أمام المقهى في انتظار أفنان لكنها لم تأتي، انتظر رحيم لمدة عشرة دقائق لكنها لم تظهر أيضًا، بدأ رحيم يشعر بالضيق فأخرج هاتفه ليتصل بها لتُجيبه على الفور:
"ايوا يا رحيم، معلش ميرال أختي تعبت في الشغل ولازم أروحلها حالًا."
"طب أنتي فين وأنا أجيلك؟"
"أنا راكبة مواصلات ورايحهالها..."
"طيب هي محتاجة مستشفى؟" سألها رحيم بقلق لتبتسم هي ابتسامة صغيرة وهي تُجيبه قائلة:
"لا الحمدلله الموضوع مش مستاهل."
"طيب ابعتيلي اللوكشن بتاع الشركة بتاعتها وأنا هبعتلك عربية على هناك توصلكوا البيت."
"بس..."
"مش هاجي متقلقيش، العربية هيبقى فيها ال driver 'السائق' هيوصلكوا وياستي أبقي قوليلها أنك طالبة من أي أبلكيشن."
"تمام... شكرًا بجد يا رحيم."
أنهت أفنان مكالمتها مع رحيم وهي لا تدري أتشعر بالغضب لما حدث فأفسد يومها أم تكون شاكرة لأنها كانت على وشك الوقوع في الخطأ إذا أمضت اليوم برفقة رحيم وحدهم سرًا...
بالفعل وصلت أفنان إلى ميرال في الشركة والتي كانت فقدت وعيها أثناء فترة العمل، حينما دلفت أفنان إلى الداخل وجدت ميرال مُمددة على أريكة ما، هرولت نحوها أفنان وهي تطمئن عليها مُردفة:
"ميرال أنتي كويسة؟"
"اه.. بس لسه دايخة شوية.."
"طيب يا حبيبتي أرتاحي أنا طلبت عربية هتروحنا البيت." أومئت ميرال بوهن بينما طالعتها أفنان بقلق، بعد خمسة دقائق أرسل لها رحيم رسالة تحوي لون السيارة ورقمها.
"يلا يا حبيبتي." أمسكت أفنان بذراع ميرال بيد والآخرى وضعتها على ظهر ميرال كي تساعدها على السير.
"أنت السواق اللي بعته رحيم؟" سألت أفنان الشخص الجالس داخل السيارة ذات الزجاج الأسود والذي منعها من رؤية من في الداخل.
"سواق؟! لا أنا مش السواق ياختي!" صاح أنس فور قيامه بفتح باب السيارة لتعلو ملامح الدهشة وجه أفنان ثم سرعان ما تتحول للإمتعاض وهي تقول:
"هو أنت؟ يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم!"
"طيب دخلي أختك الغلبانة دي طيب وبعدين أتلامضي." نبهها أنس لتُدرك أفنان أنه ليس الوقت المناسب لتتشاجر معه ولحسن الحظ أن ميرال كانت مُنهكة بالفعل ولم تكن بكامل وعيها لذا لم تنتبه لما يُقال، أدخلتها أفنان ثم جلست بجانبها.
"وأنتي ساكنة فين على كده؟" سألها أنس لتجذب أفنان هاتفه المفتوح بالفعل على الموقع الجغرافي ثم تضع موقع منزلهم.
"ورحيم ملاقاش غيرك يوصلنا؟!"
"مش عاجبك هرميكي جنب أي رصيف وأوصل صاحبتك الغلبانة دي."
"أختي يعم مش صاحبتي أنت مصطبح ولا أيه؟!"
"منك لله يا رحيم خليت اللي يسوا واللي ميسواش يكلمني." همس أنس بغيظ لتنظر نحوه أفنان بحده ثم تُردف:
"بتقول أيه سمعني؟"
"مبقولش."
ساد الصمت من بعد ذلك، حتى أوصلهم أنس إلى وجهتهم وبالرغم من أن أنس يبدو كشخصًا متهور وغير متزن إلا أن طريقة قيادته كانت عكس ذلك تمامًا فلقد كان هادئًا للغاية.
"هو ده البيت؟" سأل أنس بنبرة تميل إلى الدهشة وهو يراقب المنزل بعيناه العسلية.
"اه هو، شكرًا يا دكتور أنس نجاملك في الأفراح إن شاء الله." أردفت أفنان وهي تُنبه ميرال التي غفت أنهم قد وصلوا بالفعل لتُغادر ميرال السيارة ببطء بينما يُعلق أنس على حديث أفنان قائلًا:
"عفوًا يا ستي، طب مش هتقوليلي أتفضل ولا أي حاجة؟"
"المرة الجاية أديك شايف يعني أختي عاملة ازاي، ياريت يبقى عندنا أحساس شوية."
"لا في دي عندك حق."
"سلام." تفوهت أفنان وهي تتجه نحو المدخل وبرفقتها ميرال، وقف أنس يتأمل المكان قليلًا، عمارات قديمة نوعًا ما، المكان مزدحم بشكلًا كبير والكثير من البائعة المتجولين، أطفال يلعبون ألعابًا مجهولة بالنسبة إليه وأخيرًا لقد كانت الشوارع في تلك المنطقة ضيقة بشكلًا ملحوظ، ألقى نظرة أخيرة على المكان قبل أن يعود إلى داخل سيارته.
صعدت أفنان إلى منزلها لتقوم بشرح ما حدث لوالدتها بإختصار كي لا تقلق، في مساء تلك الليلة وبعد أن اطمئنت أفنان أن ميرال أصبحت بخير أرسلت رسالة شكر لرحيم.
'مساء الخير يا رحيم، بصراحة مش عارفة أقولك شكرًا على أيه ولا أيه النهاردة.. بس اللي أعرفه أنك إنسان نبيل جدًا ومُحترم وذوق حقيقي، شكرًا على أنك دافعت عني وأنك بعتلي عربية بغض النظر أن أنس هو اللي كان سايق يعني!
وأخيرًا شكرًا على فترة التدريب اللطيفة دي وأشوفك على خير تاني إن شاء الله...' أرسلت أفنان الرسالة بأصابع مُرتجفة ونبضات قلب متسارعة لكن يقطع قلقها صوت ميرال المُرهق وهي تسألها:
"هو أنتي كنتي بتتخانقي مع كابتن العربية النهاردة؟"
"اه، أصله رغاي أوي بصراحة، هو أنتي سمعتي حاجة؟"
"لا مكنتش مركزة خالص بصراحة."
"طب الحمدلله." تمتمت أفنان بصوتًا منخفض لتنظر نحوها ميرال بشك، عاودت أفنان النظر إلى هاتفها وهي تنتظر على أحر من جمر أن يرى رحيم الرسالة وبالفعل رأها وأجاب بإختصار:
'عفوًا أفي، أنا معملتش حاجة تستحق الشكر ده كله، أهم حاجة أنك اتبسطتي.' وبالرغم من لُطف الرسالة إلا أن أفنان شعرت وكأنه يُجيبها على مضض، نظرت أفنان نحو الهاتف دون أن تدري بماذا تُجيب بل ولماذا رحيم تجاهل نصف رسالتها تقريبًا ولم يُجيب سوى على جزء صغير منها، أخذت أفنان تقضم أظافرها بتوتر وهي تحاول إقناع نفسها أنه لربما كان منشغلًا لذلك لم يُجيب على رسالتها.
'لا أنت عملت كتير، رحيم هو أنت متضايق مني عشان متقابلناش في الكافية صح؟'
سألته أفنان وقد ظهر أنه مُتاح 'Online' لكنه لم يُجيب، حاولت أفنان إقناع ذاتها مجددًا أنه ربما يكون منشغلًا لكن اليوم مر كاملًا دون أن يُجيب، استيقظت في اليوم التالي بلهفة كي ترى رده وقد جهزت العديد من الدُعابات التي ستقولها كي تجعل رحيم ينسى شعوره بالضيق تجاه ما حدث لكنه لم يُجيب ايضًا، مر يومًا آخر وتلاه آخر وآخر حتى مر أسبوعًا كاملًا ورحيم لم يُجيب على رسالتها...
باتت تسأل نفسها هل هو منشغل لتلك الدرجة التي تمنعه من الإجابة عن رسالة لن تستغرق من وقته سوى ستون ثانية على الأكثر؟ أم أنه مستاءًا منها لأنها لم تذهب معه إلى المقهى؟ أو ربما شعر بالضيق لكونها شككت في عملية التصحيح؟ ولربما يتجاهلها لأنها صرخت في وجهه... الأحتمالات لا حصر لها ولكن النتيجة واحدة وهي أن رحيم يتجاهلها لسببًا ما! ولقد كان ذلك الشعور مؤلم.. فكيف عساها تتأقلم مع فكرة أن الشخص الذي كانت تراه وتقضي معه أكثر من نصف يومها لمدة شهرين قد أختفى! وحتى المحادثات لم يعد يُجيب عنها!
'رحيم هو أنت مش بترد عليا ليه؟ اللي حصل مش مستاهل أنك تزعل كل ده يعني!'
أرسلت تلك الرسالة وسرعان ما تخلل الندم فكرها، شعرت بأنها حمقاء بإرسالها تلك الرسالة في حين أنه تجاهلها لإسبوعًا كامل! لكن ما لم تلحظه هي أن الرسالة لم تُعطي سوى علامة واحدة وليست اثنتين، مما يعني أن الرسالة قد تم إرسالها لكنه لم يتلقاها لأن هاتفه غير متصل بالإنترنت.
"مالك في أيه؟ حصل حاجة؟" سألتها ميرال فور رؤيتها لوجه أفنان العابس على غير العادة وبمجرد أن سألتها ميرال عن ما حدث أنفجرت أفنان في البكاء، تكسو الحُمرة وجهها ويصدر منها صوت شهقات متقطعة لتهرول نحوها ميرال وتضمها بحنان.
"أنتي تعبانة طيب؟ نوح عملك حاجة؟"
"رحيم..." همست أفنان من بين بكاءها لتفصل ميرال العناق على الفور وهي تسألها بجدية وذُعر:
"عملك حاجة ولا أيه؟ لمسك ولا بعتلك صور مش كويسة ولا أيه؟"
"أيه يا بنتي القاذورات دي؟!! لا مبيردش عليا!"
"يا شيخة وقعتي قلبي حرام عليكي!" تفوهت ميرال وهي تضع يدها على قلبها قبل أن تجذب عُلبة المناديل الورقية وتضعها جانب أفنان التي تاخذ منديل لتكفكف دموعها.
"ممكن تفهميني بقى أيه اللي حصل؟" أومئت أفنان بهدوء قبل أن تشرح لها بإختصار ما حدث.
"وأنتي كنتي ناوية تخرجي معاه؟" سألتها ميرال بنبرة يفوح منها العتاب لتتحاشى أفنان النظر إليها وهي تُردف:
"بصراحة..."
"بصراحة أيه يا أفنان؟ أنتي عارفة أنك كنتي هتخوني ثقة بابا وماما فيكي لو كنتي عملتي كده؟ يعني هما لما بيسمحولك تنزلي بيبقى عشان واثقين أنك مش هتروحي في حتة من وراهم وأنك مش هتخرجي مع حد من غير ما تستأذنيهم وده كمان مش أي حد... ده شاب!"
"أنا عارفة أني كنت هغلط خلاص كفاية تقطيم!"
"ده مش تقطيم دي نصيحة، أنتي أختي الصغيرة وأنا واجبي أني انصحك ولما أشوفك هتغلطي أنبهك! كويس بقى أني تعبت يومها."
"أيه يا ستي ده! بعد الشر عنك كويس أيه بس... عالعموم خلاص هو أصلًا مش بيرد وأحنا شكلنا هنقطع علاقتنا ببعض." نبست أفنان بإنفعال في بداية حديثها ثم تابعت بنبرة منكسرة، لقد كانت على علم بأن رحيم سيختفي تدريجيًا من حياتها حينما تنتهي فترة التدريب لكنها لم تُريد من الأمر أن ينتهي على هذا النحو، كان من الممكن أن يودعها بلطف ويضع حد لحديثهم لأن أن يتجاهلها بتلك الطريقة.
"المهم سيبك من كل ده وعايزين بقى نركز في خطوبة بهانة بنت عمتك." قالت ميرال بنبرة جادة لتبتسم أفنان ابتسامة صغيرة.
"صح عندك حق... بقولك أيه هو بابا صاحي؟"
"اه قاعد في الصالة بيتفرج عالماتش."
"متقوليش أهلي وزمالك؟"
"اه."
"نهارنا أبيض!! هتلاقيه متعصب دلوقتي، بس مش مشكلة هخرجله وخلاص."
استقامت أفنان من سريرها ثم أتجهت نحو أحد أدراج مكتبها لتُخرج منه الظرف الذي يحتوي على نقود التدريب والذي لم تفتحه منذ أن منحها رحيم إياه، قربت الظرف من وجهها لتغمرها رائحة عطر رحيم على الأغلب أنتقلت رائحته إلى الظرف اثناء كتابته عليه، أغمضت أفنان عيناها لثوانٍ وهي تستنشق الرائحة وعلى الفور تسترجع هيئته الجذابة في يوم الحفل قبل أن تسترد وعيها على الفور حينما تتذكر ما حدث بعد ذلك، غادرت حجرتها واتجهت إلى والدها الذي كان يُشاهد التحليل الذي يُذاع بين الشوط الأول والثاني.
"أهلًا حبيبة بابا."
"ازيك يا حبيبي، الماتش كام كام؟"
"٢-١ للأهلي."
"طيب جميل جدًا، بابا أنا كنت عايزة أتكلم معاك في حاجة بس أوعدني تسمعني للآخر ومتضايقش ماشي؟" حاولت أفنان أن تتحدث بنبرة بريئة لطيفة على غير العادة لينظر نحوها والدها بشك وهو يقول:
"استر يارب شكل في كارثة."
"عيب عليك يا حج أنا برضوا بتاعت كوارث؟ هو الموضوع وما فيه... بص يا بابا أنا طلعت الأولى عالتدريب زي ما حضرتك عارف."
"أيوا يا حبيبتي الحمدلله، فين بقى الكارثة؟"
"كان في مكافأة كده للشخص اللي هيطلع الأول والمكافأة دي فلوس... 1500 جنية، فأنا هاخد منهم 500 لنفسي وهدي لحضرتك الباقي تصلح بيهم العربية." كان والدها يستمع إليها بإنصات قبل أن تضطرب معالم وجهه في النهاية، أختفت ابتسامة أفنان لأنها تعلم أن والدها سيشعر بالضيق.
"حبيبتي الفلوس دي عشانك أنتي وأنتي تعبتي عشان توصليلها وأنا مش هقدر أخد منهم ولا جنية ومش هقبل نقاش في الموضوع ده، شوفي بقى هتعملي أيه بالفلوس هاتي لبس أو حاجة تشيليها لجهازك." كانت تُنصت أفنان إلى والدها بحزن وكانت على وشك أن تُجادله كي تحاول إقناعه لكن سرعان ما قفزت فكرة إلى عقلها جعلتها تتراجع وبدلًا من الجدال قررت أن تُمازحه مُردفة:
"جهاز مين بس يا بابا ده أنا هقعد في حضنك طول العمر."
"يارب بس متغيريش رأيك وتخلي زميلك يجي يتقدم وتقوليلي بحبه يا بابا!"
"لا من الناحية دي أطمن أنا اتخانقت مع زمايلي الولاد كلهم يحج ومحدش بيستجرى يكلمني، هسيبك بقى مع الماتش وهروح أشوف ماما بتعمل أيه."
ذهبت أفنان لتنفذ خطتها وهي الآتي: ستمنح والدتها المال الذي رفض والدها أخذه منها وستجعل والدته تُخبره بأن ذلك المال هو مال كانت خالتها قد أخذته على سبيل السُفلة وقد اعادته إليها الآن وأنها لم تُخبر والد أفنان كي لا تشعر خالتها بالحرج، لا تعلم أفنان إن كانت الخطة ستنجح أم لا لكن لا سبيل أمامها سوى المحاولة، أبقت أفنان على الظرف مُغلق في حجرتها مجددًا لحين تُخبرها والدتها بموعد تنفيذ الخطة والتي لم تنفذها في وقتها لأن والدها كان سيكتشف الأمر بسهولة.
مر أسبوعًا آخر ومازال الوضع كما هو عليه دون جديد، لم يُجيب رحيم على رسائلها بل ولم يطلع عليها من الأساس، حاولت أفنان تخطي الأمر بل وتخطيه هو شخصيًا لكن الأمر لم يكن بتلك السهولة، أجل هي لم تعرف رحيم منذ مدة طويلة لكنه كان يشغل حيزًا كبير من يومها... لكن لحسن الحظ أن خطبة ريماس قد أقتربت كثيرًا مما جعل أفنان تنشغل عن رحيم بصورة مؤقتة.
في يوم الخطبة جلست أفنان أمام المرآة وهي تضع بعض مستحضرات التجميل قبل أن يقطعها صوت ميرال وهي تطلب من أفنان أن تُسرع مُردفة:
"أفنان أنتي لسه مخلصتيش لبس؟ بابا هيجي يضربنا دلوقتي!"
"خلاص هضبط الطرحة وأجي." صاحت أفنان من داخل غرفتها وهي تقوم بضبط وشاح رأسها اللامع والذي كان بلون البنفسج تمامًا كلون فستانها والذي كان من قماش 'التُل' ذو طبقات عديد ولكن في الوقت ذاته ليس 'منفوش' كما يقولون والسبب في ذلك أن أفنان أرادت أن تبدو ريماس مميزة في هذا اليوم بثوبها وألا تخطف أفنان الأنظار منها.
"شوفتي عمتك عملالنا تاج عالفيس بوك في بوست فيه لوكيشن المكان، طب ما تبعته برايڤت لازم تعملنا عريضة يعني؟!"
"معلش سيبك منها لم نرجع نبقى نعملها بلوك، يلا بقى خلصي." قالت ميرال لتجعل أفنان تصمت وتكف عن التذمر.
"بسم الله ما شاء الله، أحلى بنات في الدنيا ربنا يحفظكوا." تمتم والدها فور رؤيته لها هي وميرال، جاءت زوجته لتنظر نحوه بعتاب فتظهر ابتسامة بسيطة على ثغره قبل أن يقترب منها ويُقبل رأسها وهو يُردف:
"بس طبعًا جمالكوا وحلاوتكوا ميجيش حاجة جنب جمال رانيا روح قلبي، كل مرة بشوفك فيها لابسة فستان بفتكر أول مرة." تحدث بحب وهو ينظر إلى داخل عينيها، تنظر نحوهم ميرال بتأثر شديد بينما تُقرر أفنان إفساد اللحظة فتغمز بإحدي عينيها وهي تمازح والدتها قائلة:
"أيه حوار أول مرة ده يا ست ماما؟"
"بس يا بت أنتي! صحيح ميرال كلمي نوح شوفيه فين."
"تكلم مين؟!!" سألت أفنان بإستنكار وبأعين متسعة لتنظر نحوها ميرال بطرف عيناها وهي تنبس ببطء مُتعمدة إثارة غيظ أفنان:
"نوح."
"نوح ليه؟ ليه نوح؟ هو مش ده فرح تبع عيلة بابا برضوا؟!"
"ياستي الولد كتر خيره عارف أن عربية أبوكي لسه متصلحتش فقال يوصلنا عشان القاعة بعيد."
"لا كتر خير أمه فعلًا." همست أفنان بسخرية وهي ترتدي حذائها الفضي اللامع ذو الكعب العالي، ألتقطت أفنان صورة لنفسها ثم وضعتها على تطبيق أو اثنين من تطبيقات التواصل الإجتماعي.
بعد مرور بضع دقائق هاتفهم نوح مُعلنًا وصوله ليتوجهوا جميعًا إلى خارج المنزل، كانت ميرال تشعر بأن قلبها على وشك أن يقف لا تدري لماذا لكنها كانت متشوقة لرؤية ردة فعل نوح حينما يراها في ثوبها الزهري هذا، بمجرد أن رأها هي وأفنان ابتسم نوح ابتسامة واسعة، قام بتحية خالته وزوجها قبل أن يوجه نظره نحو ميرال ويُردف:
"أيه القمر ده! أومال فين ميرال؟"
"ما بنقولش كدا يا بني آدم أنت!" وبخته أفنان لينظر نحوها نوح بإزدراء ثم يُعلق على جملتها قائلًا:
"ملكيش دعوة أنتي متدخليش بيني وبين ميرال لو سمحتي."
"عنده حق بتدخلي ليه؟" سألتها ميرال مستنكرة بنبرة مازحة لتنظر نحوها أفنان بغيظ وهي تضربها في كتفها بينما تُردف:
"بقى كده يا ميرال؟"
"اه كده ونص ومش عاجبك حصلينا مشي للقاعة."
"لولا أن ماما وبابا معانا ومحتاجين التوصيلة كنت جبتلك الأربع فرد على الأرض."
"الحمدلله أنهم معانا."
لم يستغرق الطريق سوى أربعون دقيقة تقريبًا بواسطة السيارة، كانت الخُطبة مقامة داخل ڤيلا خاصة بالمناسبات، زُين المكان بالعديد من أفرع النور الرفيعة، كانت المقاعد مُغطاة بقماش أبيض اللون مُزين ب 'فيونكة' ذهبية اللون لقد كان المكان لطيف إلى حدًا كبير لكنه لم يكن يُناسب ذوق أفنان.
ذهبت أفنان وأسرتها ومعهم نوح ليقوموا بإلقاء التحية على أفراد العائلة وبعد الإنتهاء من سماع نكات الأقارب المُريبة والضحكات المُزيفة والقُبلات التي لن تستطيع أبدًا أن تُحصي عددها قررت أفنان أن تذهب لأخذ صورة لنفسها، ألتقطت أفنان بضع صور وقبل أن تذهب لتجلس فوجئت بطفلًا صغير يُلقي إليها بوردة بنفسجية اللون وورقة مطوية وقبل أن تسأل أفنان الطفل عن من مُرسل الورقة فتحتها لتقرأ ما فيها وكان الآتي:
"إلى أفي المُبهرة، I never knew i had a favourite color till i saw you today in this dress 'لم أكن أعلم أن لي لونًا مُفضل إلا عند رؤيتي لكِ اليوم في ذلك الثوب'، دي وردة مني لأغلى وأقيم وردة شوفتها في حياتي."
-RHEB
_____________________________________
(تذكره: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلي نفسي طرفة عين.)
لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله اضغط من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا