القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية شبح حياتي الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم نورهان محسن

 رواية شبح حياتي الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر  بقلم نورهان محسن 





رواية شبح حياتي الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر  بقلم نورهان محسن 



الفصل السادس شبح حياتي من بين الكل ، كنتِ أنتِ من أشعر معهُا بالألفة الصادقة ، ‏كالنُور يعبُر ضوئكِ ظلام روُحي لتُبدديه دون أن تدركين. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقت بعد الظهيرة في مجمع راقي داخل فيلا صغيرة نوعا ما امرأة في أوائل الخمسينيات من عمرها كانت جالسة بهدوء تحتسي فنجان قهوة في صمت ، بينما نزلت امرأة أخرى من أعلى السلم بخطوات مسموعة كسرت هذا الصمت بسبب الكعب الطويل الذي تحب أن ترتديه بإستمرار. قالت السيدة الأولى بابتسامة : كل دا نوم يا ميرو و بعدين ايه الشياكة دي كلها!! إبتسمت الآخري بغرور يليق بأناقتها ، وعلي عينيها نظارة شمس كبيرة نوعا ما تخفي ورائها ملامحها ، وقالت بنعومة : ميرسي يا ماما .. انتي عارفة اليوم اجازة عندي سألت السيدة الأولى ، وحاجبها مرفوعًا عندما وجدتها تتجه نحو باب المنزل رغم أن اليوم عطلة كما ذكرت من برهة : انتي خارجة ولا ايه؟ توقفت عن الحركة لحظة ، ثم التفت إليها ، وقالت بنبرة رقيقة لكنها مليئة ساخرة : اه يا ماما .. هروح اشوف الهانم للي قاعدة في شقة جوزي من غير استئذان دي أومأت إليها بفهم وقالت بعدم اهتمام : تمام انا شوية كدا و هخرج كمان هروح النادي اشوفك هناك بقي لوحت لها بيدها ، ثم استدارت نحو الباب لتغادر ، وهي تهتف بسرعة : اوكي .. يلا باي ★★★ كانت سماعة الأذن في أذنها ، وهي تتحدث في الهاتف أثناء القيادة زفرت الهواء من رئتيها ، وقالت بإمتعاض : عايزني ماروحش اشوفها ليه؟ انت ناسي انه جوزي!! أطلق ضحكة ساخرة لم يستطع كتمها ، وقال مصححًا : قصدك طليقك شكلك نسيتي انك اطلقتي منه جادلت في استنكار ، مشوب ببعض بالغيرة : لا انت اللي نسيت بدر هيفضل جوزي لحد ما جثته تظهر و استلم كل حاجة تخصه .. ماتنساش كمان اني وريثته الوحيدة التوى فمه متهكمًا وتمتم بنبرة ذات مغزى : انتي مابتشبعيش ابدا ولا مكفيكي اللي عندك!! وهو حيلته ايه غير العمارة والمكتب اصلا اللي هتورثيهم؟ أردف بصوت غاضب حين استنتج أن كلماتها مجرد حجة تجادله بها ، ويبدو أن الأمر الأهم لا تكترث به : انا مش ناسي يا هانم .. زي ما انا مانستش ان اللي كنت عايز اوصله قبل مايموت .. لسه ماوقعش في ايدي ولسه ماتأكدناش من موته حتي أدارت تارة السيارة بعصبية ، وعيناها على الطريق قائلة بتوتر : مافيش تفسير عن اختفائه غير انه مات وبطل اسلوبك دا عشان بيخوفني صاح فيها بتحذير : لازم تفضلي خايفة عشان سواء اللي معه ظهر او هو ظهر انا وانتي هنخسر كل حاجة نفخت خديها بحنق ، وهدرت فيه بإنفعال : يوووه احنا مش هنخلص بقي من الكلام دا .. اومال انا عملت اللي عملته دا من الاول ليه و ورطت نفسي معاك!! تشدق صدغه بسخرية ، و قال بنبرة باردة : اللي ورطتك في دا كلو امك يا بنت خالتي لم تعد قادرة على تحمل كلماته أكثر من ذلك ، لتقول بنبرة حاولت إخراجها هادئة قدر الإمكان : خلاص خلاص كفاية اقفل يا كريم انا وصلت عمارة بدر زفر الهواء بهدوء مقرراً تأجيل هذا الحديث لوقت لاحق ليغمغم : ماشي هقابلك بليل في النادي دمدمت بعجلة : طيب باي ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• في شقة بدر جالسان بجانب بعضهما البعض على الأريكة بصمت ، ويشاهدان التلفزيون بينما تضع حياة القط في حجرها وتمسد رأسه برفق. سأل بدر فجأة ، محاولاً قطع هذا الصمت بينهما : مين معاذ دا ؟ وقبل ماتسألي عرفت ازاي .. انتي قولتي اسمه وقت ماكنتي بتكلمي نفسك سحبت حياة الهواء على صدرها بقوة قبل أن تجيب بهدوء : كان خطيبي قال بدر بسؤال كأنه يريد استفزازها لسبب غامض عنه شخصيًا : ولما سابك جيتي علي هنا؟! نظرت حياة إليه بحاجب مرتفع ، وأجابته بإندفاع : انا اللي سيبته .. عشان خاني حدق بدر فيها بذهول ، وسألها باهتمام : خانك .. ازاي!! حياة عبست ملامحها بلطافة ، وردت بسخرية مشوبة بقليل من المرارة : شوفته قاعد قعدة رومانسية جدا مع وحدة في مطعم قوس بدر شفتيه للاسفل بإستغراب ، و تساءل بإستخفاف : هو اي وحدة يخونها خطيبها تسيبله البلد و تهرب؟ نظرت حياة إلى القط وهو نائم بهدوء و استسلام على ساقيها ، ثم رفعت بصرها نحو بدر ، وقالت بخفوت : انا ماهربتش .. كل الحكاية انه اخو جوز اختي وهي كانت هتضغط عليا زي كل مرة عشان ارجعلو بس المرة دي انا مادهمش فرصة لكدا إستفهم بدر بجدية : كنتي بتحبيه؟ تجعدت حاجبيها وهي تنظر بحزن إلى اللا مكان ، بينما تضع مرفقها على حافة الأريكة خلفها ، وأجابت بصدق : يمكن اكون حبيته انا كنت معجبة بيه قبل ما نتخطب .. عارف انسحرت بشكلو وهيبته .. بس بعد ما اتخطبنا لاقيت احساسي نحيته بيتغير وهو ماقصرش الصراحة .. بالعكس ساعد كتير بتصرفاته يخليني اتجنبه غمغم بدر بإبتسامة حين أنهت جملتها بإنفعال : طيب خدي نفسك وهدي اعصابك ابتسمت حياة إبتسامة حزينة ، ثم تمتمت بأسي على حالها بطريقة مضحكة : انا في منتهي الهدوء .. شوفت حظي الحلو يعني بعد كل المشاكل اللي هربت منها دي .. وقعت في كارثة هتدخلني العباسية أضافت بنبرة ساخرة : معرفش انا ايه مقعدني مع شبح و مستغربة من نفسي اني لحد دلوقتي ماجاليش انهيار عصبي بعد دا كله لمعت عيناه بريق غامض قبل أن يتكلم بتأنى : وانا عمري ماكنت حاسس اني وحيد ومحتاج لحد معايا قد ما انا محتجالك دلوقتي يا حياة رفعت حياة عينيها إليه لتجده يحدق بها بعينين ثاقبتين بنظرة غامضة تجاهها ، لكنها شعرت بالإرتباك يغلفها من كلامه ، فتجاهلت الإجابة وقالت بسؤال : هو ازاي انت بتقول ان اميرة دي طليقتك وعم حمزة بيقول انها مراتك و انها عادي بتيجي هنا؟! نظر بدر إلى الجانب الآخر وقال بهدوء : معرفش اجابة السؤال دا زي اسئلة كتير مش لاقي لها تفسير همت حياة للرد عليه ، لكن حديثهما انقطع بصوت جرس الباب ، فقالت بمزح مليئ بالتحذير ، وهي تنهض وتضع القط على الوسادة الدافئة بجانبها : هقوم افتح الباب .. خليك انت هنا جنب ميجو ابتسم لها ، وهو يومئ برأسه في موافقة ، لكنه لم يستطع الجلوس وشعر بالفضول يحرضه على النهوض ، فذهب خلفها مباشرة ، لكن الابتسامة اختفت من على وجهه بعد أن رأى المرأة الجميلة التي هو متأكد من أنها ليست زوجته كما تدعي تقف أمام باب منزله ، لكن ليس لديه دليل سوى شعوره بذلك. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• أمام بوابة البناية كان حمزة يضع قدمه على المقعد الخشبي ويتكئ بمرفقه عليه ، ناظراً نحو الفراغ ، ويبدو شارد الذهن. تساءلت كريمة بإستغراب بعد أن جلست بجواره : في ايه يا حمزة سرحان في ايه!! أطلق حمزة زفيرًا شديدًا قبل أن يجيب بصوت خافت : مستعجب يا ام كرم جعدت حاجبيها بعدم فهم ، وتساءلت : من ايه خير!! تحدث حمزة بقلق وغرابة شديدة : محدش عارف بمكان المفتاح الاحتياطي غيري انا و استاذ بدر حتي مراته ماتعرفش بيه أردف بإرتياب : ازاي حياة لاقيته!!؟ ردت كريمة بسذاجة : يمكن لاقيته بالصدفة لوح بيده غير مقتنع قائلا بتوجس : الله اعلم .. بس اللي مستغرب له اكتر .. سؤالها عن مرات استاذ بدر وليه قالت انها طليقته واللي حصل معاها بليل .. اول مرة ساكن يشتكي أنه شاف حرامي في البيت .. اشمعنا هي !؟ غمغت كريمة بتبرير : يمكن بيتهيألها البنية صغيرة وغريبة عن المكان اكيد كانت خايفة من القعدة لوحدها أومأ لها برأسه ، وهو يحك أذنه قائلا بهدوء : كل شئ جايز ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بالأعلي في منزل بدر خلعت المرأة النظارة عن وجهها ، وهي تقف أمام حياة. رشيقة ، مرتدية ملابس أنيقة وتبدو ثمينة للغاية و رائحة عطرها قوية ومميزة كحضورها ، قائلة بابتسامة رقيقة تشبه نبرة صوتها الناعمة : مساء الخير .. اكيد انتي حياة!! أومأت حياة برأسها بالإيجاب ، وسألت بهدوء : ايوه انا .. مين حضرتك!!؟ تقدمت منها خطوة ، ومدت يدها وصافحتها برقة ، قائلة بنبرة واثقة : انا اميرة مرات بدر عز الدين حدقت بها حياة مندهشة ، فهذه الأميرة جميلة جدا ، ترتدي بنطال ضيق مناسب لقوامها النحيف ، بخصر مرتفع بلون زيتوني ، وبلوزة بأكمام طويلة وكتف مائل باللون البيج مع تداخل اللون الزيتي من منطقة الكم اليمين ويصل إلى الركبة من الخلف ويصل إلى منتصف الفخذ مائلة من الأمام وترتدي حذاء بكعب عال ، وتحمل حقيبة يد صغيرة في يدها باللون البيج ، ولها أيضا وجهاً لطيف. حياة شعرت بغرورها من الطريقة التي نظرت بها إليها ، لأن أميرة إعتقدت أنها ستذهب لتلتقى بأنثى ماكرة ، ولكن حياة تبدو من هيئتها البسيطة أنها متواضعة الجمال. : اهلا وسهلا .. اتفضلي.. قالتها حياة بتوتر طفيف ، وحاولت إبعاد ذلك الشعور عن طريق العض على شفتيها بخفة ، عندما لمحت بدر واقفا خلفها يحدق في أميرة بنظرات متجهمة في صمت. دخلت أميرة المنزل بخطوات رشيقة ، ثم أشارت إلى القط في اشمئزاز ، الذي عندما رآها صار مواءًا نسبيًا بصوت عالٍ ، ونزل من الأريكة متجها نحو حياة. هتفت أميرة في دهشة : القطة دي لسه موجودة هنا ليه انا قولت لحمزة يسربها !!؟ تساءلت حياة بغرابة : يسربها ليه ؟ هي مش بتاعت استاذ بدر!! هزت أميرة رأسها بالإيجاب ، قائلةً بصوت غير مبالٍ وهي جالسة بشكل مريح أمام حياة : ايوه بس انا مابحبش القطط عندي فوبيا منهم انحنت حياة وإلتقطت القط ، ثم عانقته بلطف على صدرها حتى يهدأ ، وكأنه يشعر بكراهية تلك المرأة الفاتنة له قائلة بهدوء : بس دا حرام اعتبريها قطتي انا لحد ما يرجع استاذ بدر واخدها منه لو مش عايزنها مطت أميرة شفتيها بعدم إهتمام وغمغمت : اوكي حاولت حياة التحلى بصبر رغم الضيق الذي أصابها من أسلوب هذه المرأة ، ثم قالت بإبتسامة مجاملة : تشربي ايه!! ضحكت أميرة بصوت ناعم قائلة بنبرة متعجرفة ممزوجة بالسخرية : دا واجب عليا يا حبيبتي .. اول مرة اشوف الضيفة بتعزم علي صاحبة البيت!! نظرت حياة إلى المرأة المتكبرة ببرودة زائفة ، لكنها لا تنكر أنها بدأت في إثارة غضبها الذي إذا اشتعل ، يمكن أن تلقى بها من الطابق الخامس دون ذرة ندم. كنت على وشك الرد عليها ، لكن صوت بدر المحتد قطعها : دي طليقتي يا حياة مش مراتي قوليلها كدا وزعت حياة نظراتها التائهة بين بدر الذي يقف بجانب المرأة التي تجلس على أحد الكراسي أمامها ، وتضع قدمها فوق الأخرى وتنظر إلى حياة بنظرة متعالية. إبتلعت حياة ريقها بخفة متسائلة : انا كنت عايزة اسألك .. فين استاذ بدر؟ استغربت أميرة من سؤال حياة غير المبرر ماذا تريد من بدر حتى تسأل عنه ، لكنها أجابت ببرود : بدر مسافر في شغل جلست حياة على الكنبة مقابل أميرة لتقول بارتياب : يعني بيكلمك! نظرت إليها أميرة بازدراء ، وتمتمت بريبة : بتسألي ليه!! أخذت حياة نفسا عميقا ، في محاولة لتهدئة أعصابها ، وفركت كفيها ضد بعضهما البعض ، ثم قالت بتبرير : عادي زي ما انتي شايفة انا هنا من امبارح وشقتي عبارة عن مقلب زبالة حتي العفش اللي فيها ماينفعش استعمله واللي هيحل المشكلة دي هو استاذ بدر استندت أميرة على الكرسي بارتياح بعد اقتناعها بتبرير حياة قائلة ببرودة استفزازية : بدر بقاله كام يوم تليفونه مقفول ومش عارفة اوصله .. غالبا هو في مكان مفهوش تغطية استفسرت حياة بعد أن رمقت بدر المقتحن وجهه بقوة : يعني هو بيترافع في قضية برا القاهرة!!؟ مدت أميرة شفتيها إلى الأمام ، وأجابت بلا مبالاة : انا الحقيقة معرفش تفاصيل شغله و مابحبش اسأله عنها استأنفت أميرة حديثها وهي تنهض مستعدة للمغادرة : عموما خليكي هنا لحد ما يرجع معنديش مانع زفرت حياة بحنق من برودة تلك الكائنة الفاتنة ، وقالت بضيق : ميرسي لذوقك همهمت حياة بغيظ بعد أن أغلقت الباب خلفها : مراته دي لا تطاق ابدا بس مزة اوي الصراحة!! "أميرة احمد يسري" "28 سنة" "تعمل في شركة إعلانات" "متزوجة من بدر عز الدين" "لديها شخصية طموحة وأنانية تسعى لتحقيق اهتماماتها في جميع جوانب حياتها ، تفضل دائما الاختلاط مع الطبقات الاجتماعية الراقية ، لديها القدرة على الإحتيال وخداع الآخرين بأسلوبها الدبلوماسي الخبيث ، وجاذبيتها الكبيرة ، وثقتها العالية بالنفس. تغضب بسرعة من الأشياء التافهة ، وتعبر عن توترها بكلمات مؤذية ومضرة ، كما أنها تتشبت برأيها فهي عنيدة ولا تتوقف حتى تحصل على ما تريد. رقيقة و ناعمة للغاية وتتمتع بجمال مبهر لأنها رشيقة ونحيلة ، كعارضة أزياء بمشيها وشكلها وجسمها الفاتن ، بجمالها الفريد وجاذبيتها الفطرية ، ووجهها المستدير ببشرة ناصعة البياض ، و لديها شعر بني حريري طويل ، وعيناها رمادية ذات نظرات ساحرة ، وشامة تزين الجزء العلوي من شفتيها الممتلئة." ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• في صباح اليوم التالي كان جالسًا طوال الليل بجانبها على السرير ، يحدق بها بنظرات غامضة وغريبة ، كأنه يستشف شيئًا من وجهها ، كأنه أمام لوحة جميلة يجب التأمل فيها بتركيز ، ويدرسها بأقصى درجات الرصانة والهدوء دون تعب أو ملل ، بينما لسان حاله يردد لقد تجلَّت لي الحياة في هذا الوجه. أحب إطلالتها الرقيقة أثناء نومها ، محتضنة وسادته بين ذراعيها ورجليها بطريقة لطيفة للغاية ، وكأنها طفلة صغيرة رغم أن نومها كان متقلبًا وحادًا مثل شخصيتها. اتسع بؤبؤ عينه مع بريق غامض ، عندما سقطت عيناه على خصلاتها البرتقالية الزاهية بشدة بسبب أشعة الشمس عليها ، حتى أصبحت ومضات من مشاهد خاطفة لذلك الشعر المتموج في تمرد يمر مثل شريط فيلم أمامه. كان مستغرقًا في أفكاره ، غير منتبهاً إلى التي استيقظت تفرك عينيها بشدة ، وتتثاءب بصوت عالي حتى صرخت في استغراب عندما رأته واقفاً أمام السرير : انت بتعمل ايه هنا!؟ تفوه بدر بلا وعي : ايه!! نظرت حياة إليه وعيناها منتفختان من النعاس ، وشعرها فوضوي وفي حالة يرثى لها ، كما لو كانت قد خرجت للتو من معركة حربية. قالت بابتسامة ساخرة ، و تحك رأسها بكلتا يديها بخفة لتجعله أشعث أكثر : عمرك ماشوفت حد نايم قدامك قبل كدا .. عارف لولا اني متأكدة انك شبح .. ومش بتفكر بقلة ادب كنت شوفت مني وش احنا الاتنين هنتفاجأ بيه نظر إليها بدر بإنشداه من هجومها عليه ، ثم تمتم بتعجب ساخر : ابلعي ريقك و خدي نفسك! تجاهلته حياة ، ونظرت بعيون شبه مغلقة في الهاتف بعد أن أسندت جسدها على ظهر السرير ، ثم مرت برهة قبل أن تنتفض فجأة من نومها وتقول بفزع : يا نهار مش فايت الساعة سبعة و نص!!! عقد بدر حاجبيه بعدم فهم ، متسائلا بدهشة : فيها ايه؟ قامت حياة من السرير ، واستدارت دون هدف محدد ، وأجابت بتذمر : اتأخرت علي الشغل .. حرام عليك ماصحتنيش ليه!! رفع حاجبيه بدهشة لأنه علم لأول مرة أنها تعمل ، قائلا بصوت مذهول : شغل ايه..؟ أضاف بضحكة ساخرة ، وعيناه تتبعانها ، متجهة نحو زاوية من الغرفة : ولحقتي تنسي تهديدك ليا لو حاولت اصحيكي يا مروشة انتي عادت له حياة وهي تحمل إحدى حقائبها التي بدت ثقيلة عليها ، وألقتها على السرير الفوضوي بسبب نومها المتقلب. صرخت حياة بسخط ، مشيرة إليه بإصبعها السبابة ، وهي تبحث عن حذائها الرياضي : اهو دا اللي باخدو منك تريقة و المرة الوحيدة اللي المفروض تصحيني فيها ماعملتهاش لم تحصل منه على إجابة ، لتستغرب وتلتفت إليه ، فرأته يسير وراءها بفضول. توقفت حياة وحدقت به بغضب ، وهدرت بنفاذ صبر : ممكن تبطل تتحرك ورايا كدا .. خليني اشوف هلبس ايه!! أدارت حياة ظهرها إليه ، وانحنت لتفتح حقيبتها ثم أخرجت الملابس منها بلا مبالاة حتى ملأت السرير بالكامل بملابسها ، ونظرت إليها بحيرة وهي تحاول اختيار شيء مناسب لتلك المقابلة ، بينما تراقبها عيناه بتمعن وهو منتصباً بشموخ ، ويداه داخل جيب بنطاله. سحبت حياة الملابس التي اختارتها ، ثم استدارت إلى باب الغرفة لتذهب إلى الحمام الخارجي ، وتغير ملابسها فيه ، وهي تهمهم بإستياء : صحيح اللي عنده دم احسن من اللي عنده عذبة!! بعد عدة دقائق عادت حياة بخطوات سريعة ، مرتدية جميع ملابسها ، والتي تتكون من بنطلون قماش ضيق بني فاتح ، وقميص شيفون أبيض ، ومعطف طويل بلا أكمام من قماش مفتوح من الأمام باللون البني ، بدرجة أغمق من البنطال. وقفت أمام المرآة ، وأخذت تشهق ممسكة بشعرها المجعد من أطراف أصابعها : يووه نسيت خالص اغير لونه ودلوقتي متأخرة ودا بياخد وقت..!! سأل بدر من ورائها عندما رآها تبحث في حقيبتها عن شيء ما ، ثم أخرجت قبعة قطنية عالية بنهاية عريضة وأنيقة من اللون الأبيض لتغطي شعرها تحتها : ليه عايزة تعملي كدا!؟ وقفت حياة تقوم بتعديل خصلاتها المتمردة خلف الطاقية ، وردت بعفوية ، دون أن تدرك ما تقوله ، لأنها كانت منشغلة بما كانت تفعله : عشان مديش لحد فرصة يتريق و يتنمر عليا أنهت حياة جملتها بينما بدر عيناه تلمعان بوميض غريب. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


الفصل السابع شبح حياتي حساسة بشكل مفرط ، تجرحها بعض الكلمات الصغيرة التي ربما لا أحد يلقى لها بالا ، تثرثر كثيراً ولكن بالوقت ذاته كتومة ، تخلق جواً من السعادة أينما وجدت ، إمرأه تسكن ملامحها براءة طفولية ، كفيلة بأن تجبرك بالوقوع في حبها من جديد كلما ابصرتها ، بسيطة جدا بكل تفاصيلها الصغيرة تلك ، ملفتة بحب ، بل و متلفة أيضا. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقفت حياة تقوم بتعديل خصلاتها المتمردة خلف الطاقية ، وردت بعفوية ، دون أن تدرك ما تقوله ، لأنها كانت منشغلة بما كانت تفعله : عشان مديش لحد فرصة يتريق و يتنمر عليا أنهت جملتها بينما بدر عيناه تلمعان بوميض غريب ، حيث عادت إليه هنا فقط ذكرى كاملة لما حدث في الماضي. Flash Back منذ سنوات كثيرة كانت تجلس على درج الطابق الخامس من المبنى طفلة صغيرة لم تبلغ ثماني سنوات بعد ، كانت لديها شعر مجعد ملفوف بشكل متكرر باللون البرتقالي يطوق وجهها من الجانبين ويغطي كتفيها يصل إلي منتصف ظهرها ، فكانت تبدو في غاية البراءة و اللطافة. تميزت بحيويتها وشقاوتها اللامتناهية ، لكنها فضلت اللعب بألعابها المنتشرة حولها التي كانت تلعب بها بمفردها ، لأنها لم تكن تحب الخروج للعب مع باقي الأطفال أمام المبني ، حتى لا يجذبوا شعرها ويزعجونها بسخريتهم وتنمرهم المستمر عليها كلما حاولت الاقتراب منهم. كانت تحب اللعب بعروستها جميلة المفضلة إليها بشعرها الأسود الناعم ، عكس شعرها تمامًا. وذات يوم ، بينما كانت تلعب ، كالعادة ، أمام باب منزلها في الطابق الخامس. جذب انتباهها صوت يأتي من باب المنزل المقابل لها ، فوجهت وجهها ببراءة تجاه ذلك الشاب اليانع بعد أن خرج من المنزل الذي يعيش فيه مع والديه. نظر إلى الفتاة الصغيرة بحاجب مرفوع ، وانزعاج منها بسبب الضوضاء التي تحدثها فى الطابق ، والتي تزعجه هو فقط ، لأن والدته سعيدة جدًا بتلك الفتاة الشقية التي تحبها وتعتني بها ، وكثيراً ما تخرج لإطعامها بنفسها وهي تلعب أمام بابها ، ولكن بالنسبة له يعتبرها متطفلة على حياته بسبب تكرار ذكر اسمها من قبل والدته ، وحضورها الدائم في منزله. تنهد في سخط متجاهلا وجودها تماما ، ثم وقف أمام المصعد منتظرا مجيئه دون أي تعبير على وجهه إلا الجمود. ظهرت ابتسامة طفولية على شفتيها ، تظهر أسنانها غير المنتظمة بطريقة مشاكسة ، ثم نهضت من الأرض وعروستها في يدها قائلة بمرح : المفروض لما تعدي علي ناس تقول سلامو عليكو تطلع بها بطرف عينه مع ابتسامة جانبية على شفتيه ، متسائلا بسخرية لم تفهمها بسبب صغر سنها : هما فين الناس دول؟ أشارت إلى نفسها ببراءة وهي تقترب منه خطوتين ، ثم قالت بضحكة طفولية أزعجته أكثر : انا ناس!! عبست ملامح وجهه ، وهو يتكئ على الحائط خلفه ، عاقدا يديه على صدره ثم إِستهزأ منها ببرود : لا انتي بنت سخيفة و مزعجة تجادلت معه في دفاع طفولي عن النفس ، بينما أومأت برأسها بالسلب : انا مش دي اللي بتقول عليها رفع حاجب واحد باستنكار ، و قد بدأت تثير غضبه تلك الحمقاء ، قائلا بنبرة حادة : لا انتي كدا واكتر عشان بسبب الدوشة اللي عملها هنا .. انا مابعرفش اذاكر ولا اركز في حاجة حدقت فيه بعدم فهم لما كان يقوله ، وهمست بصوت طفولي رقيق : مش فاهمه هو انت بتزعقلي كدا ليه!! زفر بدر الهواء المنحصر في صدره خلال اقترابه منها ، و دني إلى مستواها ، قائلاً بزمجرة : المفروض تنزلي تلعبي تحت مع العيال مش هنا كأنك نوغه حنت رأسها في خجل طفولي ، وتقوس شفتيها إلى أسفل ، ثم همست بحزن : لا مابحبش ألعب مع العيال تحت بيتريقو عليا لم يلاحظ نبرة الأسي في صوتها ، وكل ما خطر بباله أنها تحاول استفزازه بمجادلتها له ، لذا قرر صب جام غضبه عليها. إشتعلت عيناه بلهب الغضب الناري منعكساً لما يعتري في صدره ، متناسيًا أن التي تقف أمامه مجرد طفلة لا تفقَّه معنى كلامه ، ثم أمسكها من ذراعيها وهزها بعنف دون وعي من شدة القهر في قلبه من أشياء كثيرة. صاح بشماته وعيناه تتألقان من الحقد والاشمئزاز : ليهم حق طبعا .. عشان شكلك غريب بشعرك المنكوش اللي مش بتسرحيه دا .. وكفاية لونه يوجع العين اصلا اتسعت عيناها في صدمة من تنمره عليها أيضًا ، وأصبح لسانها معقودًا ، فقد وجدته لطيفًا ، رغم أنها لم تتعامل معه من قبل بشكل مباشر ، ولكن كانت والدته دائمًا تخبرها عنه أنه عطوف ورحيم ، لكن ما تراه الآن هو شخص مخيف لا تريد أن تعرفه على الإطلاق. زأر عليها بصوت شرس وتحذير مرعب ، عندما لم يتلق منها سوى نظرات مرتعبة والصمت المطبق منها ، حيث جعل قلبها يقفز من ضلوعها من شدة الفزع : اسمعي لو شوفتك بتلعبي هنا تاني .. هنزلك بإيدي للعيال للي تحت يعملو عليكي حفلة ويضربوكي بعد ما انا هضربك فاهمة اهتزت مقلتا عينيها خوفاً بدموع ، وأومأت برأسها عدة مرات متفقة مع كلماته وهي تتعثر بين يديه القويتين قائلة بتلعثم : ف..ف..فاهمه .. فاهمه دفعها عنه ببغض عندما ارتفعت شهقاتها من البكاء الشديد الذي كانت إنخرطت فيه ، والذي زاد منه أكثر عندما اصطدم جسدها الصغير بالأرض من قوة دفعه بعنف لها ، وتركها وراءه دون أن يوليها أدنى اهتمام. منذ ذلك الحين ، لم تحاول مغادرة شقتها إلا للذهاب إلى المدرسة ، ورفضت دخول شقة والدة بدر لتجنب رؤيته. أصبحت تمقته و تخافه في نفس الوقت ، وزادت الكراهية بداخلها تجاهه أكثر بسبب كلام أختها السيء عنه. Back شعر بدر بالاختناق في صدره يزداد عندما تذكر ذلك اليوم ، متذكرًا كيف كانت تنظر إليه في تلك اللحظة ، لكن لا يبدو أنها تتذكر شيئًا عن هذا الموقف بينهما ، بل إنه مخزّن في عقلها الباطن ، لذا فهي ترفض الكشف عن شعرها حتى لا يتنمر عليها الآخرون ، بعد أن فقدت الثقة في نفسها ، وهو شارك في هذا الشيء بكل حماقة. همس بدر بحنو بالغ مليئ بالصدق لأول مرة يكلمها به ، ناظرا في عينيها العسلتين لتقبل كلامه : بس انتي لون شعرك جميل يا حياة ماينفعش تغطيه أغمضت حياة عينيها بشدة ، وكان هناك شيء بداخلها يخبرها بفعل العكس ، ثم أشاحت عينيها تمامًا عنه ، ونظرت إلى المرأة حتي تضع القبعة على رأسها بلا مبالاة يغمره العناد : مايخصكش .. انا حرة ضغط بدر على شفتيه غاضبا من أسلوبها المتمرد ، قائلا بعناد أكبر : لا مش هتلبسيها ابتسمت حياة بسخرية ، وهي تعلم أنه غير قادر مطلقاً على فعل أي شيء ، قائلة باستخفاف : انت ماتقدرش تمنعني زم بدر شفتيه حتى أصبحا كالخط المستقيم ، واحتقَن وجهه بغضب من استفزازها له ، ثم قال بتحذير ضاغطا علي كل كلمة ينطقها : ماتعصبنيش .. قولت مش هتلبسيها انفرجت شفتيها بأوسع إبتسامة على وجهها ، وهي تلتفت إليه وتقول بلا اكتراث ، وهي تضع يديها على القبعة ، و تخرج له لسانها بمشاغبة حتي تثير غيظه : خلاص .. لبستها اهي حلوة تأججت عيناه بنار الغضب وهو يحدق بها ، غير متقبلاً جدالها معه ، ثم ظهرت ابتسامة غامضة خطيرة على شفتيه ، وقال لها بخبث : افتكري انك انتي اللي اجبرتيني علي كدا لم يمهلها وقتاً للتفكير في كلماته ، لانه انتهى من جملته تزامنا مع اقترابه السريع لها ، وإقتحامه جسدها حتى اصبحوا جسد واحد. ارتعدت أوصالها بشدة ، وشعرت بدغدغة تهاجم جسدها ، وهي تصرخ بصوت عالٍ : ايه دا .. بتعمل ايه يا متحرش .. ابعد عني يا حيوان حاولت حياة التحرك بشكل عشوائي ، لكن شيئًا ما منعها من السيطرة على نفسها ، حيث وجدت يديها مرفوعتين إلى الأعلى والقبعة سقطت من رأسها ، رغم مقاومتها الرهيبة لعدم حدوث ذلك ، لكنها لم تستطع فعل أي شيء ، فكان ذلك أقوى منها. أنهى بدر مهمته ثم خرج جسدها ، فسقطت حياة على الأرض فجأة عندما دفعها بعيدًا عنه. شعرت حياة بصعقة كبيرة ارتجف لها جسدها بالكامل وانهارت قواها تماماً ، ولم تشعر بأعصابها من شدة ذعرها مما حدث لها للتو. وقف بدر بجانبها وهي على الأرض ، ينظر إليها من فوق ، بابتسامة منتصرة تحتل شفتيه ، وكم أرادت حياة في ذلك الوقت أن يكون على قيد الحياة ، حتى تقتله بيديها وتمحى تلك الإبتسامة السخيفة من الظهور مجدداً. أشار بدر إليها بإصبعه ، وصدره يتحرك لأعلى ولأسفل ، وهو يلهث ، وقال بنبرة هادئة مليئة بالتحذير ، لكنها أقرب للتهديد : لما اقول علي حاجة بعد كدا تسمعيها و اوعي تعانديني هتندمي اوي اتسعت عيناها بذعر ، وفرغت فاهها من الصدمة ، وهمهمت بصوت منخفض ، وهي تجز على أسنانها بقوة : منك لله يا عفريت يا ابن الجز*ة انت.. سرعان ما صرخت بإتهام ، وهي لا تصدق ما فعله وتشير عليه بغضب : وانا اللي كنت فاكرة انك طيب .. بس طلعت عفريت شرير وكنت هتلبسني حرام عليك يا شيخ كان بدر يسيطر على نفسه بصعوبة حتى لا ينفجر ضاحكا عليها ، حمحم مدعيا اللامبالاة : بطلي كتر كلام مالوش لزمة وقومي يلا استقامت حياة بعد عدة محاولات فاشلة في النهوض ، لأن قدميها أصبحتا كالهلام ، ولم تستطع السيطرة عليهم بسهولة. وقفت تحاول ترتيب ملابسها المتبعثرة ، ومشطت شعرها الأشعث وربطته من الخلف مثل ذيل الحصان ، قائلة بكلمات غير مترابطة وهي تهرول للخارج : يخربيت سنينك .. المدرسة .. انا اتأخرت اوي استمع بدر إلى كلماتها وهو يسير خلفها ، ثم وقف عند باب المطبخ ينظر إليها ، ويطرح سؤال مستفسراً : انتي بتشتغلي في مدرسة!! صاحت حياة بضجر ، أثناء ما كانت ترمقه بنظراتها الحانقة بوجهها الطفولي المتورد من شدة سخطها مما فعله ، ثم أنزلت وعاء الحليب إلى القط على الأرض : الله يخليك في حالك بطل حشارية .. بسببك اتأخرت وهنزل من غير فطار كمان بعد الصدمة الكهربائية للي عملتهالي علي الصبح لم تعطه فرصة للرد ، فاندفعت من جانبه كالسهم من عجلتها ، وأقسمت أنها ستعلمه درسًا بسبب ما فعله بها قبل قليل عندما تعود من الخارج. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• أمام باب المنزل أغلقت حياة الباب بسرعة ، ووضعت المفتاح في حقيبة يدها الصغيرة ، ثم كانت على وشك النزول ، لكنها توقفت عندما سمعت صوتًا رجوليًا يقول : صباح الخير استدارت إلى جهة الصوت القادم من أعلى الدرج خلفها. نظرت حياة إليه وأحست بداخلها أنها ليست المرة الأولى التي تسمع فيها هذا الصوت ، ثم قالت بنبرة لطيفة : صباح النور!! أنهى الدرج سريعاً وسار نحوها بابتسامة جميلة على وجهه قائلاً بنبرة مرحة : ازيك يا حياة .. اكيد مالحقتيش تنسيني؟ حدقت حياة فيه بدهشة ، فأدرك أنها لا تتذكره ، وعذرها على ذلك ، مستأنف حديثه : انا اللي استنجدتي بيه علي السلم لما حسيتي بحرامي جوا البيت فغرت حياة فمها منذهلة ، وهي تحدق في عينيه الأخضرتين مثل العشب ، واتسعت حدقتيها في هذه اللحظة فقط عندما تذكرت لقائهم الأول ، وهي تفرك جبينها بخفة ، قائلة بابتسامة محرجة : افتكرت معلش دماغي يومها كانت ملخبطة ومش مجمعة حاجة .. اهلا و سهلا بحضرتك ضغط على كفها بود وهو يصافحها ​​، ثم لاحظ الآن أنها خرجت من شقة بدر فتساءل بفضول : منورة القاهرة .. انتي خلاص سكنتي هنا في شقة بدر أمسكت حياة بيد حقيبتها على كتفها ، وهي تنظر إلى الساعة في هاتفها وقالت بعجلة : يعني دي حكاية طويلة ومعلش انا مستعجلة دلوقتي أنهت كلامها وهي تتقدم نحو الدرج حتى تنزل ، لكنه لحق بها ونزل بجانبها قائلاً بهدوء : طب استني انا نازل معاكي كلاهما لم ينتبه لبدر الذي ينزل بخفة وراءهما بملامح مقتضبة. قلب بدر عينيه بنفاذ صبر عندما سمع صوت ذلك الرجل الغليظ الوسيم يقول : حياة مجدي مش كدا!! نظرت إليه حياة بإستغراب قبل ان تتساءل : ايوه انت تعرفني ولا عم حمزة هو اللي قالك!؟ أجابها بضحكة خافتة : لا اعرفك من وانتي صغيرة ماكنش فيه حد اسمه حياة في العمارة وبشعر برتقالي الا انتي وكنت في الطالعة والنازلة بشوفك بتلعبي قدام شقتكو لمست حياة شعرها من خلف القبعة بحركة لا إرادية ، ونظرت خلفها لتجد بدر نازلاً ورائها ، و يبدو عليه الغضب من عقدة حاجبيه ، لكنها تمتمت : شعري.. أعادت بصرها إلى الرجل ذو العيون الخضراء متسائلة بفضول : هو حضرتك تبقي مين!!؟ جاءها صوت بدر قائلا بسخرية لاذعة : دا دكتور مازن ساكن في الدور اللي فوقنا أنهى بدر جملته تزامنا مع رد الآخر الذي قال بابتسامة جذابة : انا اسمي مازن .. مازن جلال دكتور باطنة .. وساكن مع ولدتي في الشقة اللي فوقك منك علي طول تساءلت حياة بصوت مذهول : انت اخو مروة صح!؟ حملق مازن فيها بدهشة وتساءل : لحقتي تعرفي مروة كمان أومأت حياة برأسها ، وأجابته بابتسامة حلوة : ايوه هي جتلي واكلمنا مع بعض .. عرفتني بيها وكلمتني عنك وعن مامتك هز مازن رأسه بفهم ، ثم قال مازحا : مروة بتاخد علي الناس بسرعة .. ياريت ماتكونش دوشتك بكلامها الكتير تأفف بدر بضيق ، وقال بحدة : انا علي فكرة مش حابب الدكتور دا .. شكله ملزق ماتتلكعيش وانزلي بسرعة جعدت حياة حاجبيها من أسلوبه الوقح ، الذي يجعلها تتوتر بسرعة ، لكنها قررت تجاهل وجوده وقالت بنبرة صادقة : لا بالعكس دي لطيفة جدا .. انا اتشرفت بيك يا دكتور ابتسم مازن لها إبتسامة واسعة ، وقال بنبرة هادئة : انا اللي زادني شرف و انبسطت من الصدفة اللي خليتنا نتكلم.. أردف مازن بفضول عندما وصلوا إلى مدخل المبنى : قوليلي هتفضلي قاعدة قد ايه في شقة بدر؟ فركت حياة حاجبها برفق وهي تفكر بماذا تجيب ، ثم قالت بهدوء : لسه مش عارفة .. بس غالبا لحد ما يرجع يلم حاجاته من شقتي عشان اقدر اقعد فيها توقف مازن عن المشي والتفت إليها بكامل جسده قائلاً بابتسامة : عموما اي حاجة تحتاجيها تقدري تطلبيها مني .. احنا كنا صحاب قدام بس شكلك لسه ناسية تمتمت حياة بإختصار وبصوت يلهث ، حيث تأكدت بداخلها أن فرصة العمل التي كانت تطمح إليها قد ضاعت : ان شاء الله يا دكتور عن اذنك زفر بدر الهواء من صدره بملل قائلاً بعبوس : اخيرا هنخلص منه رمقته حياة بنزق ، وكادت أن تتحرك إلى الشارع ، لكن صوت مازن أوقفها عندما قال بإستفهام : انتي رايحة فين!! حدق فيه بدر بنظره ناريه قائلا بزمجرة : وبعدين بقي!! نفخت حياة الهواء من صدرها بضيق شديد تجاه ما يفعله بدر ، لكنها نظرت إليه بتحد ، ثم أعادت بصرها لمازن وقالت بهدوء ظاهري : مدرسة... تساءل مازن بإستغراب ، حين برزت فكرة في ذهنه : دي اللي علي اول الشارع من برا دمدم بدر في أذنها سخطًا : امشي و سيبيه انتي مش عمالة تقولي متأخرة تنحنحت بقوة لكى تجعل بدر يصمت لأن كلماته كانت موترة لأعصابها الهشة في تلك اللحظة ، ثم قالت بعناد ممزوج بالارتباك : أحم ايوه هي دي .. هشتغل مدرسة للاطفال والمفروض عندي مقابلة مع مديرة المدرسة .. بس اتأخرت نص ساعة عن الميعاد ومعرفش اروح ولا اعتذر وأجلها تحرك بؤبؤ عيناي بدر إلى اليسار ، وهو يفرك ذقنه بعنف لردها بالتفصيل على مازن ، بينما هو عندما سألها لم يأخذ منها عبارة مفيدة ، ثم هتف بحدة : واضح أن الكلام معه مش هيخلص تعجب الأخر من كلامها ، وقال بصوت هادئ : وليه تعتذري!! عادي ابن مروة في المدرسة دي .. ومديرة المدرسة معرفتنا بيها كويسة.. أضاف مازن بابتسامة مليئة بالعذوبة عندما نظرت إليه بعيون تائهة : اذا حابة اجي معاكي لو قلقانه انا في الخدمة!! أطلق بدر سباب من تحت لسانه عندما سمع كلام مازن المبطن ، وكأنه يهدف للوصول إلى شيء ما : اه ياض يا ابن الص*يعة... ثم صفق بكلتا يديه باستهزاء ، وقال بابتسامة غاضبة وهو يشير نحوه بإصبع الإبهام ، ثم حدق في حياة : لا برافو عليك .. دا بيشقطك يا انسة وانتي واقفة متنحة في جمال عيونه الخضرا لوحت حياة بيدها أمام وجهها ، حين شعرت بامتعاض شديد قائلة بهمهمة بدر سمعها فقط ، وفهم أنها تسخر منه : النموس هنا فظيع.. أردفت حياة بعيون تتألق بالأمل : يعني هو حضرتك ممكن تعمل كدا بجد!! لوى مازن شفتيه متظاهرا بالتفكير ، لكنه في الحقيقة كان يخفي ابتسامة سعيدة عندما رأى بريق الحماس يتألق في عسليتها الساحرة ، ومازحها بابتسامة : لو شيلتي من الجملة دي كلمة حضرتك ممكن اعمل كدا!! استدار بدر ونظر إليها بغضب كاد أن يحرقها في مكانها ، فابتلعت لعابها بتوتر شديد ، وللمرة الأولى ترآه بهذا الإستهجان ، وازداد ارتباكها عندما صرخ بتهديد مضحك : النموس دا انا هخليه يلدغ أمه عشان يغور من هنا اندهش مازن من صمتها ، لكنه أقنع نفسه بأنها تفكر في الأمر ، غير مدرك أنها في صراع داخلي ، من ناحية أرادت الموافقة ، من ناحية أخرى تريد تحطيم فك ذلك الأرعن بجانبها ، لكنها لا تريد أن تظهر مختلة عقليا أمام ذلك الرجل الأنيق الذي قال لها بسرعة يحثها على اتخاذ القرار : قولتي ايه موافقة!! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


الفصل الثامن شبح حياتي دعينا نختلف مرةً واحدة، لنذهب في إتجاهين مختلفين مثلاً، أنا بإتجاهكِ وأنتي بإتجاهي 🖤 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ استدار بدر ونظر إليها بغضب كاد أن يحرقها في مكانها ، فابتلعت لعابها بتوتر شديد ، وللمرة الأولى ترآه بهذا الإستهجان ، وازداد ارتباكها عندما صرخ بتهديد مضحك : النموس دا انا هخليه يلدغ أمه عشان يغور من هنا اندهش مازن من صمتها ، لكنه أقنع نفسه بأنها تفكر في الأمر ، غير مدرك أنها في صراع داخلي ، من ناحية أرادت الموافقة ، من ناحية أخرى تريد تحطيم فك ذلك الأرعن بجانبها ، ولكنها كانت لا تريد أن تظهر مختلة عقليا أمام ذلك الرجل الأنيق الذي قال لها بسرعة يحثها على اتخاذ القرار : قولتي ايه موافقة!! قلبت حياة عينيها عن بدر متجاهلة شعلة الغضب الملتهبة في عينيه ، ثم أومأت برأسها لمازن بهدوء وقلب مطمئن لأنها لن تذهب بمفردها بعد تأخرها ، قائلة بامتنان صادق : اكيد موافقة .. انا مش عارفة اشكرك ازاي علي ذوقك معايا سرعان ما ارتفع جانب شفتيها باستياء ساخر لم يلاحظه أحد إلا بدر عندما سمعته يزمجر بحنق : انا خلاص جبت اخري .. مانتيش راكبة معاه يا حياة علي جثتي بينما اتسعت ابتسامة مازن ، وأومأ برأسه لها ، قائلا بلطف : استنيني هنا لحظة واحدة .. هجيب عربيتي من الجراچ وراجع تمتمت حياة بنبرة ناعمة دون أن تنظر في عينيه لأن فكرها كان منشغلاً بشيء آخر : اتفضل عندما غاب عن عينيها تحولت نبرة صوتها من النعومة إلى الحدة ، وقالت بهمس غاضب وهي تستدير نحو بدر مرسلة له نظرات حانقة : ايه قلة الذوق دي يا كائن انت .. عمال زن زن علي وداني وتشوشر علي كلام الراجل .. ماكنتش عارفة ارد عليه وخليتني متلخبطة زي الهبلة قدامه حدق بدر في وجهها بعيون ضيقة ، ثم صاح باستنكار : عايزاني اقف جنبك طبق دش ساكت ولا اعمل ايه!! وبعدين دا منحنح اصلا انا عارفو كويس ارتفع حاجبها وهي تنظر إليه بشك ، ثم سألته : تعرفه كويس والله .. وايه مشكلته بقي!! نظر إليها بدر في صمت لفترة طويلة ، ثم تمتم بسخرية : ابدا لسانه حلو مع كل الستات ردعت حياة ضحكة صاخبة كادت أن تفلت من حلقها ، لكنها ابتسمت وقالت باستفزاز : دا عز الطلب .. مش احسن ما يكون محامي وكشري .. مابيعرفش يضحك حتي في الصور لاحت شبه ابتسامة على فمه رغماً عنه ، وهو يغمغم : كأنك بتلقحي عليا بالكلام!!؟ هزت حياة كتفيها بلا مبالاة ، وهي تنظر في الاتجاه الآخر ، وقالت ساخرة : الحدق يفهم بقي عادت عيناها بسرعة إلى عينيه ، وبداخلها نظرة مترجية ، وأردفت بإستماتة : انا ماصدقت حد يساعدني ماضيعش الفرصة من ايدي هز بدر رأسه رافضًا لسبب غامض ، وعادت ملامحه جامدة مجددًا ، قائلاً بإصرار : بصي انا قولت كلمة .. علي جثتي لو ركبتي معه يا حياة رفعت حياة يديها بشكل عفوي ولوّحت براحتيها بعدم تصديق ، ثم هدرت بإستنكار : لالا واضح ان عندك لبس في مخك .. انت مجرد شبح واحد ميت طلعلي .. مش ولي امري وانا حرة في تصرفاتي فاهم ..... : انسة حياة عندما وصل صوت مازن إلي مسمعها ، صمتت على مضض ، وأبعدت عينيها عن بدر ، ثم هرولت مسرعة من أمامه نحو سيارة مازن ، بينما كان بدر محدقا فيها بعدم رضا. "مازن كمال منصور" "32 عام" "طبيب باطني" "لديه شخصية اجتماعية ، لطيف جدا ، طيب القلب ، خفيف الروح ، مبتسم دائما ، مفعم بالحيوية والنشاط ، والثقة بالنفس ، ولديه جاذبية قوية ، لكنه غير مستقر وهذا نابع من حبه الكبير للشعور بالحرية ودائما يغير رأيه في وقت قصير ، يتمتع جاذبية أخاذة ، ووجه مضيء ، حسن المظهر ، ويهتم كثيراً بأناقة ملابسه ، وهو دائمًا يحب التمارين البدنية والفكرية ، يعشق شرب الحليب يومياً ، يمتلك جسد طويل رياضي ، وشعر بني ، وعينين ذو نظر حاد وثاقب تتميز بلونها الأخضر المائل للون البحر." ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• في غرفة مكتب واسعة مع أثاث أنيق حياة جالسة أمام مكتب مديرة المدرسة ، التي بدورها نظرت إليها بنظرة شاملة. شعرت حياة بتوتر داخلي كبير وقلق ، خاصة في وجود ذلك البدر ، المقتضب وجهه بقوة ، من أسلوب مازن اللطيف معها ومجاملته الرقيقة لها كلما سنحت له الفرصة. أولت حياة اهتمامها الكامل للمرأة التي يبدو أنها في أواخر الأربعينيات من عمرها ، عندما قالت متسائلة بعد إغلاق ملف حياة الورقي : كنتي بتشتغلي في مدرسة اسكندرية قبل ما تيجي هنا يا حياة؟ حاولت حياة تجاوز هذا التوتر بأخذ نفس عميق يجلب السلام لقلبها ، ثم ردت بابتسامة مهذبة : بالظبط حضرتك .. انا ادآب انجليزي وكان نفسي اشتغل في شركة سياحة .. لكن لسه مجتش فرصة شغل مناسبة سألتها المديرة بهدوء : وانتي ليه عايزة تعلمي اطفال الحضانة .. الافضل انك تكوني مدرسة ابتدائي!! ابتسمت حياة برقة ، وأجابت بلباقة : انا بحب الاطفال الصغيرين جدا ولما اتخرجت من سنتين تقريبا .. اشتغلت في مدرسة في اسكندرية بعلم الاطفال الصغيرة مش انجليزي وبس .. طريقة النطق الصحيحة والرسم وأنشطة تربوية تساعد في تأسيسهم قبل المرحلة ابتدائية إنفرجت شفتي المديرة بابتسامة ، وقالت بإعجاب : حلو جدا يعني هتملي وقت الاطفال بأنشطة مفيدة عاد إلي حياة الشعور بالحماس ، وهزت رأسها قائلة بثقة : إن شاء الله هعمل كدا تدخل مازن في الحديث بخفة ظل ، بعد أن كان صامت يتابع الحوار بنظرة مليئة بالإنجذاب نحو حياة : علي خيرت الله .. نقول مبروك يا استاذة ميرفت علي قبولها معاكي ابتسمت ميرفت بطبية لمازن ، ثم عاودت النظر إلى حياة التي شعرت بتشنج في بطنها من القلق والترقب ، وقالت بنفس الابتسامة ولكن بنبرة جادة : شوفي يا حياة انتي هتشتغلي فترة مؤقته .. اشوف فيها مدي شطارتك مع الاطفال .. دا عشان انتي ورقك قدامي مظبوط وحاسة بروحك الحلوة اللي هتبهج الاطفال وعشان مجية دكتور مازن لحد هنا .. بس مش هتتعيني رسمي الا مع بداية العام الدراسي الجديد أومأت حياة برأسها متفاهمة ، ثم سألت بأدب : تمام يعني ابدأ احضر مع الاطفال من امتي ؟ أجابت ميرفت بنظرة حازمة تليق بمنصبها : من بكرا .. بس اهم حاجة عندي تكوني هنا في معادك مابحبش التأخير خالص دمدمت حياة بابتسامة مجاملة ، في حين عاد لها الشعور بالقلق مرة أخرى وهي تفكر في كيفية الالتزام ، وذلك الوقوف وراءها دفع نفسه عنوة إلى حياتها البائسة : ان شاء الله .. ميرسي جدا ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• أمام المدرسة بعد بضع دقائق خرجت حياة من البوابة الكبيرة ، تبعها مازن ، بينما مر بدر عبر الحائط ، فهزت رأسها استنكارًا منه ، حيث أصبح يزعجها بمطاردته إليها في كل مكان ، وهذا ما زاد من إضطرابها رغم عنها. تنحنحت حياة بخفة ، وقالت بإبتسامة خجولة : انا اسفة اوي عطلتك معايا يا دكتور اكيد اتأخرت علي شغل والمرضي بيدعو عليا عقد مازن حاجبيه بإعتراض ، ثم هتف بود : ماتقوليش كدا احنا جيران ودا واجبي اتسعت ابتسامتها من أناقة أسلوبه ، وقالت بعذوبة : ميرسي اوي انت في منتهي الذوق ابتسم لها مازن بهدوء وهو يفرك رقبته ، كأنه يشاور عقله في أمر ما ، لكنه متردد ثم سألها بتريث : تحبي اوصلك البيت !! فجأة زأر بدر بوعيد ، وهو واقف بينهما وكأنه عازول : عارفة لو وافقتي هعفرت امه انا جبت أخري منكو انتو الاتنين جفلت حياة بشدة وتبخرت شجاعتها عندما تذكرت ما فعله بها في الصباح ، ووجدت نفسها بسرعة تهتف الكذبة الأولى التي قفزت في عقلها ، وهي تلوح بيديها بشكل عشوائي : لالا مفيش داعي اتعبك .. انا حابة اتمشي شوية وهروح اشوف وحدة صحبتي قريبة من هنا ابتسم بدر برضا من ردها ، بينما عبس مازن محبطًا لأنه استمتع برفقتها ، لكنه قال بابتسامة قبل أن يستدير لسيارته : زي ما يريحك اشوفك علي خير اطلقت حياة زفرة راحة قائلة بخفوت : مع السلامة ★★★ انتظرت حياة عدة لحظات حتى اختفت السيارة تمامًا عن بصرها ، ثم التفتت إلى بدر بغيظ ، لكنها شعرت بسقوط قلبها عند قدميها عندما رأت ملامح وجهه مكفهرة جدًا ، وكادت أنفاسه الغاضبة أن تمزقها من أرضها ، لكنها قررت ألا تظهر أي خوف رغم أنها ترتجف كالورقة البالية في داخلها. ظلت نظراتها العسلية العنيدة ثابتة في عينيه الغاضبتين ، كأنها تتحداه بتلك العيون وتستهزأ به ، ثم صرخت في وجهه بهجوم : ايه مشكلتك بالظبط؟ من الصبح مش طبيعي .. انت معصبني بتصرفاتك وكلامك علي فكرة ازداد السخط في عقل بدر حين رأى وميض من الإعجاب يتلألأ في عينيها تجاه ذلك الطبيب ، وشعور غريب بالألم يندلع في قلبه حتى أنه لا يعرف لما يشعر بذلك الشعور. هو فقط يفهم أنه غاضباً لأول مرة منذ أن قابلها ، أو بالأحرى عندما تذكر شجاره مع ذلك المازن منذ فترة. استشاط غضبا جازا علي أسنانه بقوة ، عند وصوله لهذه النقطة من التفكير ، صائحاً بصرامة : لا والله .. الواد دا مش عايز يكون ليكي علاقة بيه مفهوم ضيقت حياة عينيها مستنكرة سلوكه الغريب ، ثم قالت بخفوت : انت ايه !! كل شوية تهددني بالطريقة دي بأي حق!! ثم أردفت بنبرة حانقة في محاولة منها ، لتجاهل دقات قلبها التي ارتفعت من عينيه الثاقبتين في عينيها : انا ماخلصتش من تسلط خطيبي واختي عليا عشان اقع في شبح عايز يقلبلي حياتي من غير وجه حق رفع جانب شفته العليا وسألها باستهزاء : اومال عايزة حد زي الدكتور المنحنح دا في حياتك حدقت حياة فيه بغيظ ، ثم حذرته قائلة بتذمر : لو سمحت ماتلبخش في الكلام ومايخصكش.. ثم استأنفت كلامها بنبرة منفعلة : وانا مش هرتاح إلا لما اشوف طريقة اصرفك بيها من حياتي شعر بدر بوخز في قلبه لما قالته ، لكنه رسم ابتسامة مزيفة على وجهه وقال بكبرياء : ومين قالك اني عايز اكون معاكي حبا فيكي!! ماتتعبيش نفسك وتدوري.. عقدت حياة حاجبيها بتهكم على كلامه المتعجرف ، ثم استفسرت : يعني ايه؟ سحب بدر الهواء إلى رئتيه بقوة ثم تكلم ببرود : ساعديني افهم اللي جرالي دا سببه ايه!! في مقابل انك قاعدة في شقتي بدل بهدلة الأوتيلات سكتت حياة قليلاً ، تفكر في إقتراحه ، ثم سألت بعناد ، و ذراعيها متشابكتان أمام صدرها : وانا ايه يجبرني اساعدك!! أشار بدر إليها بذقنه باتجاه الطريق الرئيسي ، حيث كانت تقف تحت ظل شجرة كبيرة تمنع المارة من رؤيتها ، ثم قال بجدية : جربي تكلمي معايا قدام حد هتلاقيهم بيبصولك بإستغراب وشفقة .. عشان واقفة بتكلمي شخص مالوش وجود الا قدام عينك انتي بس.. وأضاف بنفس الجدية حين لاحظ عبوس ملامح حياة : مفيش قدامك غير إختيارين يا أما هيخدوكي علي مستشفي الأمراض العقلية اذا استمر الحال علي كدا .. يا توافقي تساعديني بجد وتعرفي اللي حصلي .. ساعتها اوعدك اني هسيبك في حالك كانت تستمع إلى ما كان يقوله بصمت ، وهي مطرقة رأسها للأسفل محدقة في الأرض ، وبدأت تقلب تلك الكلمات القاسية التي تفوه بها بدر في حيرة شديدة تطوف داخل ذهنها ، و غيمة من الحزن حاوطت قلبها من شدة البؤس الذي غلفها فجأة ، إذا استمر هذا الوضع لفترة طويلة ، فإنها بالتأكيد ستفقد عقلها والعمل الذي سيجعلها تستقر هنا دون الحاجة إلى مساعدة أختها أيضًا ، هامسة في سرها : يعني خلاص انا ادبست فيه .. اشكي لمين انا ولا احكي لمين!! محدش هيصدقني .. اذا كنت انا نفسي مش مصدقة نفسي كانت منغمسة في أفكارها ، حتى جاءها صوته البارد الذي يتخلله الترقب عندما تأخرت في الرد عليه : ها قوليلي قرارك ايه؟ رفعت حياة رأسها إليه ، وإستقرت عيناها المملوءة بالحنق فى عينيه الداكنتين اللتين لم يكن فيهما سوى بريق يتلألأ بآمال كثيرة تتعلق على كلمة واحدة منها. تجعد حاجبيه بحزن عندما رأى ذلك اللمعان المتلألأ بالدموع في عينيها ، لكنه أغمض عينيه براحة تغلغلت بعمق في داخله على الرغم من نطقها بتلك الأحرف القليلة بتردد كبير : هساعدك ★★★ بعد مرور فترة وجيزة وصلت حياة إلى مدخل المبنى وواضحة علامات الإرهاق على وجهها الشاحب ، على عكس ما خرجت منه في الصباح ، بسبب التفكير المستمر في ذلك القرار الذي اتخذته للتو ، وتساءلت في قرارة نفسها!! هل يمكن أن تكون قد تسرعت عندما وافقت على ذلك الجنون الذي طغى على حياتها فجأة ، ليس هناك أي منطق فيما يحدث؟ في حين أن بدر التزم الصمت التام مثلها ، و سار خلفها بهدوء. حركت قدمها لتصعد الدرجة الأولى من الدرج ، لكنها أمسكت بدرابزين الدرج بيدها اليسرى ، ورفعت يدها الأخرى على جبينها ، وهي تئن بصوت ضعيف عندما هاجمها شعور بدوار قوي علي حين غرة. حاولت جاهدة المقاومة لكنها لم تستطع تحمل ذلك ، فلم يستغرق الأمر بضع ثوان حتى فقدت وعيها بالكامل بعد أن سمعت صوت نداء وصل إلى أذنيها من بعيد. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• تركض بنشاط في المجمع السكني الذي تعيش فيه كالمعتاد يوميًا قبل الذهاب إلى العمل للحفاظ على وزنها المثالي ، مرتدية بدلة رياضية بيج مع خطوط متباينة الألوان واسعة ، حيث كانت السترة مصممة بفتحة أمامية بسحاب وكان البنطال من نفس الألوان ، ذو خصر مرن ، وفيه جيبان كبيران في الأمام وجيبان صغيران في الخلف يتناسبان مع جسدها ، ويبرز جمال قوامها الرشيق. وصلت إلى منزلها ثم دخلت بخطوات خفيفة كالفراشة ، تتساقط بعض قطرات العرق من جبينها ، التى بدأت تجففها بمنشفة صغيرة أحضرتها الخادمة عندما قابلتها عند الباب. تفاجأت عندما وجدته في غرفة الجلوس الفخمة ، جالسًا بشكل مريح على الأريكة ، باسطا يديه على ذراعي الأريكة وفارجا رجليه باتساع ، فتساءلت بدهشة : كريم!! انت بتعمل ايه هنا؟!! حدق كريم بسخرية في ملامح وجهها المصدومة من رؤيته ، وأجاب بابتسامة مستفزة : هكون بعمل ايه!! قاعد مستنيكي يا اميرة هانم شعرت أميرة بتصلب في جسدها من نبرة صوته ، التي جعلتها ترتبك رغم إرادتها ، لكنها حاولت التظاهر باللامبالاة وتحدثت باستفسار : اشمعنا .. وليه بدري اوي كدا.. ؟ أردفت بقلق ، وخطت نحوه خطوتين بعيون واسعة بترقب : في جديد حصل!! أدار كريم عينيه بغيظ من قلة اهتمامها لأمره وكل ما يجول في خاطرها فقط الاطمئنان على نفسها ، ثم ابتسم بتهكم على أنانيتها التي لن تتغير ، قائلاً ببرود : قولتيلي هشوفك في النادي واختفيتي وماردتيش عليا من ساعتها .. قولت اجي اشوفك انا تنهدت أميرة بارتياح ، ثم قالت بكذبة بدت في حركة عينيها الزائغة في كل مكان ما عدا عينيه الحادتين : عادي انشغلت شوية وماقدرتش اروح النادي مع ماما أنهت جملتها تزامنا مع وقوف كريم بإستقامة أمامها بكل أناقته ، متألقاً في قميصه الزيتوني ، تاركا أزراره الأولى مفتوحة وبنطاله الأسود الذي وضع كفيه في جيوبه ، واقترب منها بينما يتمتم : هحاول اقتنع زفرت أميرة الهواء بإستياء ، ثم اشاحت نظرها المشتت عنهُ وقالت بنزق : كريم .. لو في مفيد قوله ولا انت جاي تكركب معدتي علي الصبح وخلاص!! لم يعجبه هروب عينيها منه ، دائراً وجَّهها بأبهامه واضعاً أياه تحت ذقنها ، حينها التقت عيناها الجميلتان مباشرة في عينيه الثاقبة لسبر أغوارها بضع ثوان قبل أن تنخفض عيناه إلى شفتيها الشهية ، و لمعت فيهم شعلة الرغبة ، وانحنى قليلاً في اتجاهها تلقائيا ، يتحسسهم بطرف ابهامه شاعراً بنعومتهم المهلكة لأعصابه ، وتساءل في همس مثير : مالك بقيتي عصبية اوي كدا؟ ابتلعت أميرة لعابها بتوتر وهي ترفع يدها وتبعد يده عن وجهها ، ثم استدارت خلفها بحذر وهي تقول بتذمر : يوووه تعالي نتكلم في مكتب بدر أنهت كلامها تزامنا مع تحرك قدميها إلى اليسار ، بينما كريم يمسح وجهه بضيق ، ثم مشى خلفها بخطوات واسعة. انتظرت أميرة حتي ولج إلى المكتب ، وأغلقت الباب خلفه ، قبل أن يستدير نحوها صائحا بتساؤل دون وعي منه : انتي لسه مضايقة من اللي حصل بينا!! تجهمت ملامح وجهها الجميل ، وصرت علي أسنانها غضباً ، ثم همست بتحذير : لو سمحت وطي صوتك ماما في البيت . . والاحسن اننا مانفتحش الموضوع دا خالص و ننساه تبدلت تعابير وجه كريم إلى صرامة بعد أن كان ينظر إليها بتساؤل ، وتحدث بلهجة هادئة ولكنها لا تخلو من بعض الحدة : ننساه ليه؟ انا قولتلك اني عايز اتجوزك .. واللي عملته دا كنت بعبرلك بيه عن حبي اللي لو كنتي حسيتي بيه من الاول ماكناش وصلنا للي عملنا دا!! حملقت فيه أميرة بصدمة لبضع ثوان ، حتى استطاعت استيعاب ما قاله ، ثم تمتمت بحدة ناعمة : انت اتهبلت يا كريم جواز ايه؟ انا لسه علي ذمة بدر .. واللي انت عملته دا انا مش هسامحك عليه انا بنت خالتك وبس فاهم كلامي رفع كريم حاجب بعدم تصديق مما تفوهت به أمامه ، ثم سأل باستنكار : والله ايه البراءة اللي بتكلمي بيها دي؟ كأنك ماشتركيش في اللي عملنا سوا في بدر جوزك!! تساءل بسخرية لاذعة يشوبها حزن مصطنع في نهاية جملته قبل أن يتحرك نحوها قاطعاً الخطوتين التي تفصل بينهما ، وقبض على عضدها بعنف ساحبا أياها تجاهه حتى اصطدمت أجسادهم ببعضها البعض ، مردفا بهمس خطير كفحيح الأفاعي في أذنها : هي كلمة تحفظيها زي اسمك .. انتي بتعتي يا اميرة و خلاص بدر مات .. واول ماهتظهر جثته ونتأكد ان مفيش خطر علينا هنتجوز تجمدت أوصالها للحظات دون أي رد فعل منها ، وتخدر ذراعها في أسر قبضته ، ثم سرعان ما انتبهت لما قاله ، وأنه قريبًا جدًا منها ، فدفعته بيدها وابتعدت عنه مسافة لا بأس بها ، قائلة بغضب : اوعي ايدك .. بلاش جنانك دا اللي هيودينا في داهية يا كريم!! تنهد كريم بعمق ، وأغلق عينيه بقوة لبعض الوقت حتى يتمكن من السيطرة على نفسه المبعثرة من قربها المهلك من جسده ومشاعره. فتح عينيه ببطء ، ثم تصنع الامبالاة ، متسائلاً ، وعيناه تراقب بابتسامة ما آلت اليه تعبيرات وجهها المتورد من التوتر والغضب : ماشي عملتي ايه مع البت اللي قاعدة في شقة بدر!!؟ "كريم فخري الجمال" "32 عام" "طبيب جراح في إحدي المستشفيات" "أعزب" "يبحث عن كيف يكون ثريًا ، حتى لو تطلب الأمر قتل ضميره ، يشعر بالغيرة الشديدة ممن حوله ، ولا يمكنه الاستقرار في العلاقات الغرامية ، لأن ما يحبه اليوم يمل منه غدًا ، والمرأة التي تستطيع أن ترضيه في عقله وقلبه وجسده معًا متزوجة من رجل آخر ، متهور إلى أقصى الحدود ، ولا يغفر أو ينسى حقده إذا أخذت منه شيئًا يريده أو إذا أساءت إليه. جذاب ، وسيم للغاية ، ذو بشرة بيضاء وجسد رياضي وطويل ، وجه مستدير ، وخدود عريضتين وذقن مدببة مغطاة بلحية خفيفة ، ورقبة طويلة ، وجبهة عريضة ، وعيون حادة من العسل الفاتح ، وشعر بني فاتح ناعم." ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


الفصل التاسع شبح حياتي اللسان مجرم مسجون خلف الأسنان ، إن أفرجت عنه عند الغضب رماك في زنزانة الندم تحت حكم الضمير. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ سمعت أصواتا غريبة من حولها ، لكنها لم تفهم منهم شيئا ، ثم بعد لحظات فتحت عينيها المتشربة بلون الشمس ببطء وحذر بسبب الضوء القوي في عينيها حتى تعتاد على أشعة الشمس الساطعة فوقها. نهضت متكئة على مرفقيها ، تدير رأسها وتنظر إلى اليسار واليمين حتى تستكشف هذا المكان الغير مألوف من حولها ، لتجد نفسها كانت مستلقية على العشب الأخضر في أرض مستوية كبيرة ، ولا يوجد فيها مخلوق أخر سواها. قالت بخفوت ، بينما علامات الاستفهام تحوم فوق رأسها : انا بعمل ايه هنا..!! اتسعت عيناها في دهشة عندما لم يستطع عقلها ترجمة ما تراه ، ثم تمتمت ببلاهة ، وهي تنهض ببطء من الأرض : اكنش موت و روحت الجنة : حياة استدارت بسرعة عندما سمعت ذلك الصوت المحفور في ذاكرتها إلى الأبد ، واتسعت مقل عينيها النرجسية في عدم تصديق ، وتلعثمت من المفاجأة : ب بابا!! ظهرت ابتسامة عريضة على ذلك الوجه البشوش محدقا بها بشوق ، قائلا بنبرة مليئة بالحنان : عاملة ايه يا حبيبتي!! طمنيني عليكي.. رمشت عينها عدة مرات ، حتى أدركت أنه لا يوجد أحد أمامها إلا والدها الحبيب ، وسرعان ما ملأت الدموع عينيها قبل أن ترد عليه بلهفة مقتربة منه : انا كويسة انت وحشتني اوي يا بابا أردفت حياة بنوع من الحيرة بعد بضع ثوان من الصمت : بابا احنا فين هو انا موت و جيتلك الجنة!! هز رأسه سلبا ، ثم قال بجدية : لا يا حياة انتي لسه عايشة وانا اللي جيت اقولك الحقيه جعدت حاجبيها بعدم إستيعاب قبل أن تسأل : مش فاهمه قصدك مين يا بابا!! وضع يده على ظهرها ودفعها برفق حتى تمشي معه ، متحدثاً بهدوء : حياة .. مش فاكرة لما كنتي دايما تسأليني انا ليه مختلفة عن باقي الناس أومأت حياة بالإيجاب دون أن تنبس ببنت شفة. أستأنف قولا بإبتسامة صغيرة : فاكرة كنت برد اقولك ايه؟ دي خلقة ربنا ليكي وعمر ابدا ما ربنا ماخلق حاجة وحشة .. وكل حاجة دايما ليها سبب يا حياة حتي لو ماكناش نعرفه بس السبب دايما موجود ابتسمت له حياة ، وهي تخفض بصرها إلى الأرض ، وهم يمشون ، ثم همست بخفوت : ونعم بالله.. توقف والدها فجأة عن المشي وهو يلتفت إليها ، ثم مد أطراف أصابعه برفق ، ورفع وجهها لتنظر إليه ، ليكرر كلماته بإصرار أكثر : المرة دي انا جاي اقولك نفس الكلام وافكرك بيه .. مافيش حاجة مالهاش سبب حتي لو مانعرفوش حدقت به لبرهة دون أن تجيب قبل أن تشيح بنظرتها عنه بفكر مشوش بادياً على ملامحها ، لكنه قطع حبل أفكارها حين هتف بجدية : هي دي مهمتك يا حياة افتكري انك جيتي الدنيا عشانه و لازم تساعديه يا بنتي .. يمكن تتعبي شوية بس مفيش مستحيل ولا صعب هيحوشك ان شاء الله ماتيأسيش رفعت بصرها إليه بعد خروجها من حالة ذهول التي انخرطت فيها عدة دقائق ، ثم حاولت الاعتراض على ذلك قائلة بمجادلة : بس يا بابا انا... قطعت كلامها حالما وجدت المكان خاليًا ولا أثر لأبيها ، ثم صرخت مندهشة وهي تنظر حولها : بابا انت روحت فين!! رفعت رأسها إلى السماء متنهدة بقلة حيلة ، ثم بعثرت شعرها بكلتا يديها ، وأحاطت بها علامات التعجب والاستفهام من جميع الجهات ، ثم تمتمت في حيرة من أمرها : دا انا اللي محتاجة مساعدة يا حج .. باينك هتشربي المر بشاليمو يا حياة! وضعت يدها فوق عينيها حتى تحجب أشعة الشمس عنها حتى ترى من يقف بعيدًا ، يدير ظهره لها ، لم تتعرف عليه في البداية ، لكنها سارت في اتجاهه بفضول ، لعله يتمكن من مساعدتها. اندهشت عندما لم تعد المسافة بينهما كبيرة حيث استطاعت تحديد هويته رغم أنها لم تفهم سبب وجوده هنا ، لكنها نادته بصوت عال حتي يلاحظ وجودها : بدر .. يا بدر واصلت الركض نحوه حتى أصبحت المسافة بينهما بسيطة للغاية ، ولكن عندما التقطت أنفاسها حتى تتمكن من الكلام ، فجأة ، اهتزت الأرض بقوة تحت أقدامهم ، مما جعل حياة تفقد توازنها وتسقط على الأرض التي تغير لونها من تفقد الأخضر إلى الأسود. شعر بدر أن الأرض تنفصل عن بعضها وتنقسم تحت قدميه ، لكنه لم يستطع الهروب وسقط في الهاوية. صرخت حياة باسمه خوفًا ، وشعرت بألم يعتصر قلبها بشدة ، لكنها نهضت من الأرض وهرعت نحوه بأسرع ما يمكنها ، وعندما وصلت إلى حافة الأرض الممزقة ، نظرت إلى الأسفل بعيون منفرجة علي مصراعيها من هول ما تراه ، فالمسافة كانت شاهقة ومرعبة ، لكنها تنفست الصعداء عندما رأت بدر يتشبث بكلتا يديه على حجارة كبيرة تأخره عن الوقوع في تلك الهاوية التي في جوفها نار منصهرة. جثت حياة على ركبتيها ، ومدّت يدها إليه لمساعدته ، تجمعت العبرات الساخنة داخل مقلتاها مهددة بالنزول ، صائحة بسرعة : بدر .. حاول تمسك في ايدي ولكن قبل أن يمسك بيدها ، ظهرت مجموعة من الهياكل العظمية تحته ، محاطة بنيران مشتعلة ، وتمسكت بقدميه يرغبون أسقطوه بالقوة. ألقى بدر نظرة إلى الأسفل وهو يقاوم من يجذبونه ، ثم نظر إلى حياة التي كانت تجتهد للوصول إلى يده الممدودة إليها بكل طاقتها ، وعندما كانت على وشك أن تلمس راحة يده ، قال لها : حياة .. لا تدعينني أرحل!! ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بإحدي المستشفيات داخل غرفة بيضاء على سرير صغير حيث كانت حياة مستلقية عليه بوجه شاحب بينما كان بدر جاثياً بجوار رأسها مباشرة ، يراقب ما يحدث حولهم بتركيز. على الجانب الآخر من السرير ، وقفت ممرضة تتفقد المغذي المعلق في يدها ، قبل أن تتجه إلى حمزة ، الذي قد دخل للتو ، وقال بلهفة : طمنينا عليها يا بنتي!! ابتسمت الممرضة وقالت بنبرة طبيعية : ماتقلقش يا عم الحج كان ضغطها واطي وهي دلوقتي نايمة لما يخلص المحلول هتروح معاكو قالت كريمة بابتسامة بينما كانت الممرضة تغادر الغرفة : متشكرين يا ست البنات ربنا يطمن قلبك أمسك حمزة بذراع زوجته وقال بصوت هامس : خلينا نستني برا لحد ما تفوق براحتها يا ام كرم سارت بكريمة ، متكئة عليه بحذر ، وقالت بطاعة : حاضر يا حج يلا بينا ★★★ أما بدر فلم يسمعهما لأنه كان غارقًا في أفكاره ، وداخل ذهنه تساؤلات كثيرة تطرح نفسها مرارًا وتكرارًا ، ما هذا الألم الغريب الذي استوطن في قلبه؟ ما الذي يمر به الآن ، هل هذا ما يسمى الشعور بتأنيب الضمير؟ لأن حرفيًا فرت الدماء من عروقه بذعر عندما وجدها فاقدة للوعي أمامه. كان شعوره بالخوف عليها في تلك اللحظة كافياً لإقناعه بأن ما يحاول الوصول إليه وإثباته. ما هو إلا سراب وأنه ليس إلا في المكان الخطأ ، ثم يعود عقله يجادل مرة أخرى ، قائلاً هذا الأمل الأخير لدينا ، كيف يمكنه التخلي عنه بهذه السهولة؟ ولماذا يضحي بهذا الأمل من أجلها؟ ليصدح صوتًا مجهولاً في أعماقه ، ويكرر أن آخر ما يريده الآن هو أن يكون سببا في إذيتها التي من الواضح إذا استمروا معًا أكثر من ذلك ، ستحدث لها المزيد والمزيد من المشاكل ، لكن هناك شيء مخبأ بداخله منعه من المغادرة رغم أنه لا يعلم إلى أين وجهته دون أن يودعها على الأقل ، معربًا عن ندمه الشديد على ضغطه عليها خلال اليومين الماضيين. همهمت حياة في غفوتها باسم بدر الذي تصلب بصره عليها ، بمجرد أن سمع اسمه من شفتيها الشاحبتين دليلا علي إرهاقها ، وهناك عبره هاربة من عينها ، رآها بوضوح. تململت في السرير ، وحاجبيها مجعدان بوهن ، تشعر بعبء ثقيل على رئتيها ، فتحت عيناها سريعًا حينما مرت عليها تلك الأحداث المرعبة التى راودتها مؤخراً. رفرفت رموشها عدة مرات بسبب عدم وضوح الرؤية أمامها حتى تعتاد على الضوء تزامنا مع صوت إغلاق الباب ، بينما عيناها تجولان في الغرفة التي تقطن فيها ، ثم عفويا أدارت رأسها إلى الجانب الآخر لتلتقي بعينيه الغائرتين التي كانت تحدق بها بهدوء. استمرت حياة تتأمل في ملامحه القريبة من وجهها بشرود عدة لحظات ، قبل أن تتنفس الصعداء عندما أدركت أن ما رأته ليس سوى حلم. انتظرته قليلا ليبدأ الحديث معها ، لكنه بقي صامتاً وهو يحدق بها بعيون هادئة فقررت بتر ذلك الصمت ، وهمست بصوت متهدج : هتفضل ساكت كدا!! محدش موجود ممكن تتكلم وقف بدر أمامها بإستقامة قبل أن يجلس بجوارها على حافة السرير ، قائلا بنبرة حزينة دون أن ينظر إليها : مش قادر اقول حاجة بعد اللي حصل بس انا بجد اسف إعتدلت حياة قليلا في جلستها مع بعض التعب ، قائلة بغير فهم : أسف علي ايه!! رد بدر ببساطة : علي رقدتك دي بسببي رفع عينيه ليلتقي بنظرتها التي كانت تحدق به بدهشة ، ثم أردف : انا كنت اناني لما ضغطت عليكي ووصلتك للحالة دي أراد أن يكمل كلماته ، لكن حياة أوقفته بإشارة من يدها ، ثم قالت بنفاذ صبر : هش!! ممكن تسكت وتسمعني شوية .. اللي حصلي دا سببه حاجات كتير من قبل ما اشوفك اصلا..! الآن جاء دوره لمقاطعة كلماتها بصوت خافت يملؤُه الاعتراض : بس برده دا كان تصرف بشع مني اني استغل مساعدتك ليا بالطريقة دي.. طأطأ رأسه محاولا ضمر ما يعترى قلبه من مشاعر سلبية ، مخاطباً نفسه دون أن يلفظ بلسانه أمامها : حسيت بضعف وعجز لما شوفتك مرمية علي الارض وانا مش قادر اعمل حاجة خالص .. لولا عم حمزة سمع صوتك وانتي بتقعي ونقلوكي علي هنا معرفش كان ممكن يجرالك ايه!! نظر إليها ، بينما قناع من البرود الزائف مرتسماً على وجهه ، قائلا بهدوء يتناقض مع فوران النار الذي ينهش قلبه : انا حبيت اشوفك قبل ما اختفي خالص عشان اقولك انا اسف ومش هحاول ازعجك تاني تستمع إلى كلماته ، وهناك شعور غريب برفض ما كان يقوله ، مسبباً لها إختناق مجهول المصدر ، لكنها سرعان ما تجاهلت هذا الشعور ، وهزت رأسها بشكل سلبي ، ثم صاحت معارضة بصوت مبحوح : انت جرا لمخك حاجة!! اللي بتقوله دا مش هيحصل لازم نوصل لسبب اللي انت فيه .. ماتسيبنيش يا بدر نظر في عينيها بعمق وكأنه يسبر أغوارها ، مما جعل حياة متوترة في مكانها ، وبحركة لا أرادية ، أشاحت بصرها بعيدًا عنه عندما تساءل : وايه اللي خلاكي تغيري رأيك؟ مش كنتي بتقولي ان دا جنان!! ليه صدقتي فجأة؟ تنهدت حياة وهي تنظر إليه مجددًا ، وتقول بإنزعاج مزيف : ما انا لازم اصدقه ماقدميش الا كدا يا اما هتأكد اني مجنونة بكلم مجرد طيف مالوش وجود وانا متأكدة انك موجود وبصراحة فضولي هيموتني عشان افهم مرت بضع ثوانٍ من الصمت ، كان بدر خلالهم يجول بعينيه في ملامحها العابسة بلطافة ، ثم كسر ذلك الصمت قائلا ببعض التردد : يبقي خليني اقولك علي حاجة قبل ما تقرري هتكملي معايا ولا لا!! تساءلت حياة بنوع من التشوق : حاجة ايه دي؟ لم يرد عليها ، بل تأمل فيها بصمت ، خصلاتها البرتقالية الثائرة مثل سجيتها حول وجهها الجميل ذو السحر الآخاذ ، خصلاتها تتدلى على ظهرها وكتفيها ، ثم أجاب بهدوء : انا افتكرتك لما كنتي صغيرة ربتت على شعرها خفة تقوم ترتيبه بتلقائية ، عندما رأت عينيه مثبتتين عليه ، ثم تمتمت بتعجب وهي تشير على نفسها : افتكرتني انا!! ابتسم بدر علي فعلتها العفوية ، قبل أن يهز رأسه قائلاً بجدية : ايوه افتكرت موقف وحش اوي حصل بينا اتسعت حياة عينيها بذهول ، ورغم إرادتها مال جسدها نحوه باندفاع ، متسائلة باهتمام : ايه هو!!؟ ابتلع بدر لعابه قبل أن يخبرها بما تذكره بنبرة حزينة : كنت طالع من البيت مضايق اوي عشان ابويا صمم ادخل كلية الحقوق وانا ماكنتش عايزها .. فضغط عليا كعادته معايا ورضيت بالامر الواقع رفع مقل عينيه إليها محدقاً فيها بنظرة لم تستطع تفسيرها ، لكنه كان يستعيد في ذاكرته الضعيفة صورة مشوشة لها إلى حد ما ، قبل أن يردف سارداً : خرجت من شقتنا لاقيت بنوته جسمها صغير اوي كأن عندها اربع سنين مش تمانية .. كل وقتها كانت بتلعب علي السلم عشان بتخاف تنزل تلعب مع عيال الجيران قدام البيت وانا ساعتها كنت متعصب و شايط .. حظها الوحش خلها في طريقي يومها طلعت غضبي المكتوم كله فيها.. تشكلت ابتسامة جذابة على شفتيه ، واستأنف حديثه بصوت هامس بعد أن أمال رأسه بالقرب منها كأنه يخبرها سراً : بيني وبينك انا كنت بغير منها ساعات .. أصلها واخدة اهتمام امي مني .. تخيلي انها كانت قبل حتي ما تعشيني تسأل الاول حياة اكلت ولالا اقولها انا مالي ومالها .. تقولي اسكت يا واد احنا عندنا كام حياة لازم نهتم بيها ابتسمت حياة بخفة ، لكن تلك الابتسامة تلاشت فور أن أكمل كلامه : قولتلها كلام جرحها ووجعها .. اثر فيها اوي خليتها تفقد ثقتها في نفسها وندمان انه خرج من بوقي اصلا وياريتني ما قولته .. بس وقتها عصبيتي عميتني ساد الصمت بينهما ليكون سيد المكان ، كل منهما سابحاً في أفكاره ، لكن بدر قال بصوت خافت أمام وجهها فجأة : أقولك سر.. كانت حياة تنظر إلى أصابعها بتفكير كأنها تبحث عن تلك الذكري داخل طيات عقلها ، ولكن حالما سمعت صوته الدافئ رفعت رأسها إليه بإهتمام ، وهمست بعيون واسعة ببراءة : قول!! قال بدر بابتسامة حنونة تحمل في طياتها الكثير من المشاعر المجهولة لكليهما : انا كنت معجب جدا بشعرها اللي لونه غريب اوي واللي مستحيل يليق علي بنوته غيرها وماكنتش عايزها تفضل قاعدة بيه قدام اللي طالع واللي نازل علي السلالم وضع بدر يده خلف رقبته ، وفركها بخفة ، ثم أضاف إليها نظرة براقة لم تلاحظها : بس بسبب غبائي برده لون شعرها اتغير من كتر ما صبغته عشان تداري علي جماله .. بس انا هفضل فاكر لونه الحلو وعمري ما هنساه تاني ابتلعت حياة غصة في حلقها ، وانهمرت الدموع في عينيها من تلك الذكرى التي عادت إليها منذ الصغر ، لكنها متفاجئة جدًا من نفسها ، لماذا لا تشعر بالحقد والكراهية تجاهه؟ كيف يمكن أن يتأثر قلبها بكلماته الرقيقة لها التي لم تنكر أنها جعلتها سعيدة للغاية عندما تلامست فيها الصدق ، وقالت بصوت مبحوح دون أن تتطلع إليه : انت خوفتني اوي يومها يا بدر ظهرت ابتسامة آسرة على شفتيه عندما تلفظت اسمه لأول مرة ، بهذا الصوت الناعم الخالي من أي السخرية ، ثم همس بهدوء : حقك عليا يا حياة انا ندمان علي اللي عملته وعايزك ماتزعليش مني رفعت جفنيها إليه ، محدقة في عينيه المشعتين ببريق يعكس صورتها فيه بشكل جعل خفقاتها تتسارع في صدرها وكأنها دخلت في سباق سريع ، خاصة أنه كان يرمقها بعيونه العميقة وحواجبه المسترخية ، ووجدت نفسها تهتف بإندفاع أخفى توتر جسدها ، وهي تبعد أحد خصلاتها خلف أذنها : ايه ماتبصليش كدا!! ماهو اكيد انا مش هسامحك بسرعة اوي كدا .. اديني فرصة اعمل نفسي مقموصة يعني سرعان ما تحولت نبرة صوتها المشاكسة إلى ضائقة عندما تذكرت ذلك الحلم الذي حلمت به منذ قليل ، واستأنفت حديثها وهي تنظر إلى يدها المعلقة فيها المحلول : اخر مرة دخلت فيها مستشفي يوم وفاة بابا من ساعتها بقيت بكرهها اوي و بكره ريحتها عايزة اخرج من هنا بسرعة أطبق بدر جفنيه قليلاً ، حيث أرهقته نغمة صوتها الخافتة الحزينة ورق قلبه لها ، ثم سرعان ما فتحهما متسائلاً بتردد : حياة .. ممكن نبدأ من اول وجديد!! نظرت في عينيه الداكنتين لبضع ثوان ، لكنها اتخذت قرارها في النهاية ، ثم أومأت إليه بالإيجاب لأول مرة دون أن يكون هناك أي شعور بالتردد بداخلها. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• جاء الليل يسحب ستاره بعد غروب الشمس كانت حياة نائمة وسط سرير بدر بالعرض ، بطريقة فوضوية تمامًا ، وساقها تتدلى من السرير وتعانق الوسادة بوداعة تتعارض مع أسلوب نومها الغريب من وجهة نظر بدر ، الذي لا يفعل شيئًا سوى مشاهدتها. رغم أنه يحب مظهرها البريء وهي نائمة ، لكنه يفضلها وهي مستيقظة وتتشاجر معه بدلا من أن تتشاجر مع ذاتها أثناء نومها هكذا ، منذ عودتها من المستشفى وهي على هذه الحالة وكأنها لم تتذوق طعم النوم منذ عدة أشهر ، ولا ينكر أن حالتها تحسنت كثيرًا عن الصباح ، وهذا ما جعله يشعر براحة بسيطة. اكتشف أن رؤيتها متعبة أمامه دون أن يكون قادرًا على تقديم أي شيء للمساعدة ، يجعله ضعيفًا جدًا أمام نفسه ، لأن ذلك الوجه الملائكي لا يستحق الإرهاق والحيرة التي سيطرت عليها منذ دخوله حياتها دون موعد ، فإنقلبت رأسًا على عقب ، لكن رغبته في البقاء بجانبها تزداد مع مرور الوقت ، فماذا يمكنه أن يفعل؟ تململ بدر بضجر قبل أن ينحني بخفة أمامها على السرير ، ثم صرخ متذمراً : حياة .. يا حياة أصحي بقي ايه النوم دا كلو!! فجأة رفعت حياة رأسها بعيون نصف مغمضتين بينما ارتدت مرعوبة على صوت صراخه الذي اخترق أذنيها أثناء سباتها العميق وقالت بفزع : يمه العمارة بتتهد .. فين تليفوني .. ايه في ايه!! عبست ملامحه الجذابة في استنكار حيث سألها ببراءة متناقضة مع صوته القاسي : انتي ليه بتتخضي مني كدا كل ما بصحيكي؟ ولو البيت اتهد تنفدي بجلدك ولا هدوري علي التليفون!! فركت حياة فروة رأسها ، وهي تتثاءب بصوت مسموع ، ودلكت قلبها بيديها في محاولة لتهدئة دقاته السريعة بعد أن امسكت هاتفها العزيز وقبلته بإطمئنان ، ثم ردت عليه بابتسامة ساخرة : صحيح تفتكر ليه بتخض !! طالعلي عفريت بيفوت من جوا الحيطة و دايما قاعد فوق راسي وانا نايمة .. المفروض اخدو بالبوس و الاحضان واعملو عشاء كمان مش كدا!! همهم بدر يلمس أنفه بحرج ، وقال ببرود استفزازي : من باب الذوق المفروض تعملي كدا.. ألقت حياة الوسادة التي كانت تحت رأسها لتوها تجاهه ، وتمتمت بسخط بينما مرت الوسادة من خلاله : عبو رخامتك زأر صوت ضحكته الرجولي عالياً قبل أن يقول بدهشة ، ويشير إليها بإصبعه السبابة : سبحان الله اللي يشوفك دلوقتي مايشوفكيش الصبح قد ايه كنتي رقيقة و هادية بتتحولي بليل ولا ايه!!! أنهي بدر جملته وهو يغمز لها ، مما جعل نبض قلبها يرتفع في صدرها مفتونًا ، لكنها تجاهلت سؤاله الساخر ثم التفتت لتنظر إلى الساعة المعلقة على الحائط ، و هتفت منزعجة بعد أن ترك النوم عينيها : عايز ايه يا بدر!! حرام عليك الساعة 8 بليل كنت سيبتني انام للفجر مط بدر شفتيه إلى الخارج ، وسألها بصوت مذهول : وانا هقعد لوحدي للفجر!! تشدق صدغها بسخرية وهي تجلس متربعة أمامه مباشرة على السرير واضعة قبضتيها تحت ذقنها ، وهناك نظرة زائفة من الدهشة على وجهها ، ثم سألته بمكر : ليه بتتكلم زي ما تكون عيل صغير وبتخاف من القعدة لوحدك!! دا احنا دفنينو سوا.. صر بدر أسنانه بغضب من أسلوبها الاستفزازي معه ، ثم تمتم بسباب : يلعن ابو ملافظك .. بتفولي عليا!! مدت لسانها تجاهه ، وهي تضحك ثم نهضت من السرير ، ولم ترد عليه بل تجاوزته ، وإتجهت نحو الحمام لتستحم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

الفصل العاشر شبح حياتي ضحكاته كالصغار ، أكاد اذوب ولهاً بهاتين الحفرتين على جانبي خديه ، ومستعدة انفق عمري كاملاً تقديسا لهذا الثغر المبتسم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بعد وقت قصير كانت حياة بشعرها الرطب الذى تفوح منه رائحة الشامبو المنعشة برائحة المانجو المفضل لديها. جالسة على الأريكة الفسيحة مع وعاء كبير من الفشار في حضنها ، تأكله بشراهة أثناء مشاهدتها فيلمًا بتركيز وشغف يتألق داخل مقل عينيها. دفعت القط بمرفقها بعيدًا بلطف حتى لا يدخل برأسه في الطبق ، قائلة بتوسل وعيناها مثبتتان على الشاشة الكبيرة في منتصف الصالة : بس بقي يا ميجو الله يرضي عليك مش عارفة اركز دا احلي مشهد في الفيلم : الله برده هتفت حياة بحنق ونظرت إليه بعيون ضيقة عندما اقترب مرة أخرى بإلحاح أكبر ، فتمتمت بغيظ بعد أن وضعت بعض حبات الفشار أمامه ليأكل ويرضي فضوله : دا انت رخم زي صحبك . . خدههم و حل عني بقي شوية لفظ بدر سهواً ، دون مقدمات : مالو صاحبو بقي!! سمعت صوته الهامس الذي داعب مشاعر عميقة بداخلها لدرجة أنه من اندماجها الكبير في الفيلم الذي كانت تشاهده ، اعتقدت انها تتخيله ، لذلك غمغمت دون وعي : غمازاته .. تجنن ومض وهج في عيني بدر مقرباً وجهه من جانب وجهها لتداعب أنفه رائحة شعرها الرائعة والغريبة لكنها راقت له كثيراً ، وإرتسمت ابتسامة جانبية على زاوية فمه ، وهو يهمس بسؤال : مين دا!! عضت شفتيها إنشداه ظهر في عينيها ، التي فتحتها على مصراعيها بذهول مما قالته للتو ، ثم تمالكت نفسها بسرعة ، مبررة بنبرة بريئة مشوبة بالتوتر وهى تشير إلى الأمام بإصبعها : ها .. أحم دا .. دا البطل .. قصدي علي بطل الفيلم كز بدر على أسنانه سخطًا من أسلوب المراوغة الذي من الواضح أنها جيدة فيه ، لكنه متيقناً أنها كانت تقصده خاصة بعد الإرتباك الواضح الذي طرأ عليها. صمت على مضض ، بينما يجلس بجانبها على الأريكة ، بعد أن كان يقف خلف الأريكة. قوست حياة شفتيها بحزن ، ثم سرعان ما هتفت بابتسامة حالمة : خسارة الفيلم خلص .. بس عارف دا تحفة بموت فيه وكل ما بيجي بتفرج عليه ظلت تعبيرات وجه بدر المُتجهمة كما هي مركّزًا للأمام من شدة عبوسه ، احتجاجًا على اجابتها السابقة ، لكنه غمغم على مضض : فعلا!! وضعت حياة الطبق على المنضدة ، ثم سردت بحماس شديد دون ادني اهتمام إلى تعابير وجهه المكفهرة ، بعد أن استدارت على الأريكة وهي تثني إحدى رجليها تحتها حتى واجهت بدر بشكل كامل : ايوه دا فيلم خيالي و رومانسي اوي .. بيحكي ان بنت جميلة عايشة في عالم سحري كان نفسها تعيش حب حقيقي مع امير و فعلا لاقت الامير دا .. لكن الساحرة الشريرة مرات ابوه بعدتها عنه .. بس ماكنتش عارفة ان دا لمصلحة البنت عشان لما راحت لعالم الواقع اللي نفتها فيه قابلت حبها الحقيقي وفضلت معه .. عارف البطل كان محامي زيك بدر على الرغم منه ، ابتسمت ملامحه وهو ينظر إليها ويقول بنبرة ذات مغزى : والبطلة صوتها حلو زيك!! ابتسمت له حتى ظهرت أسنانها ، ثم غمزت بشقاوة قبل أن تقول بصوت منذهل : دا انت متابع الفيلم ومركز من بدري بقي!! جال بصره عليها في شرود ، ثم ردد مخاطبا نفسه : هو انا مركز غير معاكي وأضاف بدر ، بعد أن افاق من أفكاره ، محاولاً تجاهل هذا الشعور الذي يطغي عليه معها بالسخرية منها : شوفت عينك هتبظ لبرا لما كانو بيرقصو مع بعض .. من حسدك ليهم الساحرة دي هجمت زي القضي عليهم حدقت حياة به في عبوس ، منحرجة من كلماته ، ثم نظرت إلى الشاشة وتمتمت في استياء : يا دمك صدح صوت ضحكه الرجولي العالي في المكان قائلا بعبث : عسل و شربات.. سرعان ما أومأ برأسه قائلا بجدية بعد أن تقلصت ضحكته : بس خلينا في المهم دلوقتي تمتمت حياة بفضول ، وقد تأهبت حواسها لما سيقوله : ايه..! استطرد بدر قولا بنفس اللهجة الجادة : عايزك تفتحي المكتب يمكن نلاقي حاجة تفيدنا نظرت إليه بدهشة ، وقالت بعدم فهم : نفتحو ازاي!! وهو مقفول بالمفتاح.. أضافت بسرعة دون إعطائه فرصة للرد ، حيث وضعت إصبعها السبابة أمام وجهه بعد أن تربت على ياقة البيجامة خاصتها بغطرسة مزيفة : اوعي تكون عايزني اطفشو بطفاشة!! ماقدرش اعمل كدا بريستيجي مايسمحليش رغماً عن أنفه وجد فمه يتلوى بابتسامة من مزاحتها ، ثم صاح ساخرًا : انتي اساسا شكلك محترفة في تطفيش الابواب يا ام لسانين .. بس مش هنحتاج لمهارتك دلوقتي المفتاح ورا الكتاب التالت علي الرف التاني في المكتبة اللي جنب باب المكتب أشاحت حياة بصرها عنه إلى الخلف حيث يشير بيده ، ثم نظرت إليه بعيون مذهولة ، تهتف بعدم تصديق : نعم يا عمر . . انت كنت عارف مكانه وساكت دا كلو!! لف عينيه بضجر وهو يقول بتذمر : انا بدر مش عمر وماجتش فرصة اقولك .. الاول كنتي لما بتشوفيني بتصرخي في وشي كأنك شايفة شبح أنهى بدر جملته ، مستهزئًا بها وهي تنظر إلى زاوية فمه ، الذي ارتفع بإبتسامة لعوب ، كأنه يغيظها ليتشدق صدغيها باستنكار ، وهي تضع قبضتيها تحت فكها بعد أن أتكئت بمرفقيها على حافة الأريكة. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد مرور نصف ساعة تجلس حياة متربعة على الأريكة وتضع جهاز الحاسوب المحمول في حجرها ، وبجانبها قعد بدر الذي كان يحدق فى الشاشة معها ، وهي تبحث بين الملفات بتركيز. تنهد بدر بعمق قبل أن يزمجر بخيبة أمل : قولتلك ان اللاب مافهوش حاجة مهمة ضمت حياة شفتاها بغضب تأجج في قلبها ، عندما شاهدت بعض صور بدر مع زوجته على الحاسوب ، بدا وكأنهما عشاق في شهر العسل وسعيدان للغاية. لا تدرى تحديداً ؟ هل هذا شعور فطري بالغيرة المحمودة من جمال هذه المرأة الفاتنة أم من الغيرة على الجالس بجانبها؟ هل فقدت عقلها لتغار على شبح شخص ميت؟ سرعان ما استيقظت من أفكارها الحمقاء وبّخت نفسها داخلياً على ذلك ، ما علاقتها بهذه الأمور الخاصة بين الزوج وزوجته ، وقالت بنبرة هادئة بعد استنشاق الهواء بقوة : ماهو دا الحاجة الوحيدة اللي لاقينها في المكتب .. اصلا اول ما فتح معايا من غير باسورد عرفت ان اللي عليه حاجات عادية بس من باب الفضول قولت اشوفه يمكن نستنفع منه بحاجة هز بدر رأسه لها مؤكدا ، وقال بجزم : معاكي حق .. اميرة ماكنتش هتسيبو لو عليه حاجة تستاهل شعرت حياة باليأس في نبرة صوته الخافتة ، لذا هتفت بتشجيع مبهج : خلينا ننظر لنص الكوباية المليان ادينا عرفنا حد انت افتكرته في الصور اللي علي اللاب صمت بدر ينظر إلى الأمام ، ويفكر بعمق ، ثم أدار رأسه تجاهها ، سألاً بجدية : انتي قولتي ان قصة العفريته اللي طلعت للراجل الطيب دي قتلوها عشان يستفيدو من موتها أومأت له حياة بالإيجاب بصمت تحثه ليواصل حديثه. قام بدر من الأريكة مستقيماً بجسده ، يتحرك ذهابًا وإيابًا أمام بصر حياة ، ليقول في استفهام ، وكأنه يتحدث إلى نفسه بصوت عالٍ : انا متأكد اني مطلق اميرة .. يبقي ليه بتقول انها لسه مراتي!! رفعت حياة حاجبيها مندهشة ، وهي تضع الحاسوب بجانبها على الأريكة قبل أن تسأل باستفسار بنبرة منصدمة : يعني عايز تقول انها ممكن تبقي سبب في موتك!! هز بدر رأسه عدة مرات بالإيجاب ، ثم قال بإصرار : حاسس أن ليها يد في اللي انا فيه .. اصل مين مستفيد من موتي غيرها!!؟ ارتجفت أوصالها من الانزعاج عندما نطق بكلماته الأخيرة ، وانتابها شعور بالضيق في أعماق قلبها ، لكنها قاومت بكل قوتها ذلك الشعور ، ولم تستطع الجلوس ساكنة بسبب توتّرها ، فوقفت على الفور غاضبة وكأنها لدغتها أفعى ، ثم قالت بسؤال جعل سحابة الحزن تسيطر عليها أكثر : وهي تموتك ليه اساسا؟ دي واضح انها بتحبك .. انت ماشوفتش كنتو مبسوطين في الصور ازاي تقولش عصافير حب في شهر العسل!! نظر في عينيها مطولاً بعد أن وقفت أمامه مباشرة ، متجاهلاً لهجة السخرية في نهاية كلامها ، بينما يضع كلتا يديه في جيوبه ، ثم تحدث برزانة تليق به : ماتاخديش بالظاهر يا حياة . . مش كل حاجة بتلمع معناها انها مش هتأذي .. اكيد ورا الحكاية حكاية .. يعني انا اكيد طلقتها عشان حاجة كبيرة ولو افتكرت السبب دا هوصل لحاجات كتير مفقودة في الحكاية نظرت بعيدًا عنه وهي تتجه نحو النافذة المطلة على الشارع الواسع ، وحل الصمت عليهم لبضع دقائق ، ولم تحاول كسره ، لأنها لم تعد ترغب في النقاش هذا الموضوع بعد الآن ، حتى سمعت صوته الهادئ من خلفها : حياة ردت بضيق من شعورها بإنقباض في قلبها قبل أن تلتفت إليه بكل جسدها : نعم! اقترب بدر منها قليلاً ، ولم تكن المسافة بينهما إلا بوصات بسيطة ، قائلاً بصوت أجش : لازم نروح في اقرب وقت لمكتب المحاماه بتاعي .. جايز نعرف اخر مرة شافوني فيها روحت فين بعديها نظرت حياة بِحدقتيه مُضيقة عينيها ، بينما كلماته تدور في ذهنها ، إقتنعت أنه على صواب ، ثم قالت في حيرة : ماشي .. بس هنوصل للمكتب ازاي!!؟ أجاب بدر بموضوعية : خدي عنوان مكتبي من عم حمزة اكيد يعرفه أومأت حياة برأسها بخفة ، وشبكت ذراعيها أمام بطنها ، وتحدثت بإستفهام : طيب بس برده قولي هنعمل ايه بالظبط!! أجاب بدر بصوت أجش ، وعيناه تلمعان بغموض : سيبيها لوقتها ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• توقيت منتصف الليل داخل منزل أميرة كانت أميرة تسترخي على أحد الأرائك في الردهة الفسيحة مع تشغيل التلفزيون دون إصدار صوت. نظراتها شاردة في الفراغ ، حيث كانت أفكارها المتضاربة في ذهنها سافرت بها لبعيد. تسأل نفسها بحزن ، كيف لها أن تسمح لأنانيتها أن تتحكم فيها حتى وصلت بها لما فعلته بالشخص الذي لم ترى منه شيئًا سوى الحب والاحترام طوال العامين اللذين عاشتهما معه. تعترف في قرارة نفسها أنها لم تكن ضحية بالمعنى الحقيقي للكلمة ، بل هي التي أودت بحالها إلى ما هي عليه الآن بعد أن استغلها كريم بسبب حاجة والدتها للمال لإنقاذ سمعتهم وأقنعهما ببيع مجوهراتهم ، وجعلهم يشاركون معه في شراء المستشفى الذي يعمل فيه ، لكن لا أحد يعرف حتى الآن أنهم أصحاب ذلك المستشفى الحقيقين ، وهم مسؤولون بشكل أساسي عما يحدث داخله. تشعر أن هناك شيئًا يحبس أنفاسها ، إحساس بتأنيب الضمير والشعور بالذنب ينهشها طوال الليل ، مهما حاولت الهروب منه ، فهو لا ينفك يطاردها ويؤرق نومها. والدتها التي تدعي أسماء نزلت لتروي عطشها ، لكنها تفاجأت عندما رأت ضوء التلفزيون مشع. مشيت إلى الأمام بخفة ورأت سريعًا ذلك الجسم الرشيق الذي يحتل الأريكة ، لذلك انحنيت ، وأمسكت بجهاز التحكم عن بعد وأطفأت التلفزيون ، قائلة بغرابة : ايه اللي مسهرك يا اميرة!! عادت أميرة من السفر بأفكارها على صوت والدتها ، ثم أجابت بهدوء ، وهي لا تزال في مكانها : مش جايلي نوم خالص يا ماما استأنفت حديثها بنبرة خافتة ، وهي تنهض على جذعها العلوى بعد أن رأت والدتها تجلس أمامها على نفس الأريكة : حاسة اني مخنوقة مش قادرة افضل في أوضتي انا وبدر .. كل ما بغمض عيني بشوفه قدامي رفعت أسماء حاجبًا واحدًا مندهشة ، ثم سألتها بضحكة ساخرة : اللي يسمعك بتقولي كدا يفتكر انك بتحبيه بحقيقي يا اميرة!! خفضت جفنيها متجنبة النظر في بؤبؤ عين والدتها ذات النظرات الثاقبة ، وبدأت في اللعب بأصابعها بإرتباك ، وهي تجيب بنبرة ناعمة : مش هكذب واقول بموت فيه .. يعني اول ماقابلته عجبني اسلوبه الهادي و شياكته و تقله في الكلام .. وزغللت عينيا عربيته الغالية .. بس بعد ما اتجوزنا لاقيت ان العيشة معاه عادية مش زي اللي كنت بحلم بيها دا خلاني امل بسرعة قالت باندفاع بعد رفع روماديتها الساحرة التي ورثتهما عن والدتها ، لتنظر إليها : بس انا حبيته أومأت أسماء نافية برأسها ، وتمتمت بقسوة : انتي ماحبتهوش خالص .. محدش بيحب حد ويأذيه مش يقتله تجمعت دموعها في مقلتيها الرقيقتين اللتين تأسرا القلوب رغما عنهم ، وهتفت بانفعال مهزوز بسبب أعصابها المتوترة بشدة هذه الأيام : كنتي عايزاني اعمل ايه!! ضغط كريم علي اعصابي و تخويفه ليا من ناحية ومشاكلك مع صالات القمار من ناحية تانية اللي لو كان شم بدر خبر بيها كان هيكشف كل حاجة لانه مش هيسكت لو عرف تنهدت أسماء بعمق ، وهي تنظر إلى الجانب الآخر ، وبررت بلا مبالاة كما لو أنها لم تكن سببًا رئيسيًا لما وصلت إليه ابنتها : احنا اتورطنا ودا كان الحل الوحيد والخلاصة زي ما قال كريم يا اميرة حياته كانت قصاد حياتنا كلنا طأطأت أميرة رأسها متسائلة بخوف وقلق : طيب فرضي حد عرف حاجة عن اللي حصل ووقع الورق اللي كان مع بدر في ايد حد تاني حدقت اسماء في وجهها بضيق ، وانتقلت لها طاقتها السلبية ، لكنها حاولت الثبات ، وقالت بنبرة صاقعة البرودة : صعب يتفهم معني الكلام اللي قي الورق دا و خلاص هو ادفن مطرح ما ادفن بدر يا أميرة .. واحنا ماعملناش حاجة بإيدنا عشان نخاف وأضافت تحذيرًا هامساً ، وهي تربت بلطف على كف ابنتها : بس اهم حاجة ان محدش عارف انه رمي عليكي يمين الطلاق عشان تفضلي انتي في نظر الكل مراته حبيبته اللي كنتو بتموتو في بعض وبترجعو لبعض رغم اي مشاكل بتحصل بينكو .. واهو بقالو اسبوعين لا حس ولا خبر عنه يبقي مات و خلصنا وقريب الموضوع هيتقفل ولو عايزانا نسافر نعيش في اي حتة بعيد عن هنا انا معنديش مانع زفرت أميرة بارتياح عندما همست والدتها تلك الكلمات التي جعلتها تطمئن قليلاً ، ثم قولت بإقتناع : معاكي حق يا ماما ماهو اكيد لو عايش ماكنش هيستني كل الوقت دا وهو في ايده دليل اثبات علينا ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• في اليوم التالي عادت حياة من المدرسة بعد يوم مرهق قليلاً مع الأطفال ، وبالتأكيد رافقها بدر الذي لم يسكت وظل يتحدث معها طوال فترة عملها حتى يستفزها ، لعلمه أنها لن تستطيع التحدث معه بحرية أمام الجميع ، ثم أخذت حمامًا دافئًا لتنشيط جسدها واستعادة نشاطه وطاقته مرة أخرى. وقفت داخل المطبخ تعد لها وجبة غداء خفيفة بينما كانت تهمهم بإحدى أغانيها المفضلة بصوت غاية في العذوبة ، ثم التفتت وراءها ولم تر معها بدر كما إعتادت في الآونة الأخيرة. عقدت حياة حاجبيها بتعجب ، وهي تنظر إلى القط وتسأله مازحة : صاحبك المستفز دا راح فين يا ميجو .. طبعا مش عارف .. انت ريحة الاكل مجنناك و عينك راشقة في الغدا بتاعي يا طفس سمعت نغمة هاتفها قادمة من الردهة ، فأطفأت النيران عن الطعام ، ثم خرجت متجهة نحوه. نظرت حياة إلى الاسم ، فأشرقت ابتسامتها تضئ محياها ، وأجابت على الفور : الو جاء الرد المرح من الجانب الآخر : ازيك يا جميل!! اتسعت ابتسامة حياة بلطف من أجل تلك الودودة قائلةً بترحيب : بخير يا مروة .. انتي عاملة ايه!! تنهدت مروة بخفة ، ثم تساءلت باهتمام : الحمدلله ماشي حالي .. طمنيني عليكي عرفت انك كنتي في المستشفي امبارح!! أجابت حياة بلا مبالاة ، ثم ألقت بثقل جسدها على المقعد المنفرد خلفها : كانوا شوية ارهاق وبقيت احسن دلوقتي تكلمت مروة بود : الف حمدلله علي سلامتك حبيبتي .. ايه بتعملي ايه كدا!! أنهت مروة جملتها بفضول ، فسكتت حياة ثوان ، ضلّت ملامحها شاردة في الفراغ ، ثم رددت بتردد بعد أن حمحمت بصوت منخفض : الله يسلمك .. بصي انا كنت محتارة شوية في حاجة وعايزة رأيك!! تساءلت مروة بنبرة فضولية : يا سلام ومالو قولي محتارة ليه؟ سحبت حياة كمية لا بأس بها من الهواء إلى رئتيها ، وجمعت شجاعتها بما فيه الكفاية ، ثم أجابت بكلمات سريعة مشوبة بالخجل : انا عايزة اروح اعمل شعري و اشتري شوية هدوم جديدة كدا .. بس معرفش الاماكن هنا كويس ومش عايزة يضحك عليا في الاسعار ف ياريت إذا ينفع تيجي معايا اتسعت ابتسامة مروة بحماس على الجانب الآخر ، ثم سرعان ما هتفت بضحكة واثقة : جيتي في ملعبي .. محسوبتك تموت في اللف علي المولات و المحلات و دوشاهم بالاسئلة بس بغلبهم علي ما بشتري حاجة ابتهجت أساريرها ، وسرعان ما سألتها بإستفهام : تمام اوي .. طيب انتي فاضية امتي؟ حكّت مروة رأسها في تفكير ، وأجابت على سؤالها بسؤال : انتي عايزة تنزلي علي امتي كدا!!؟ عضت حياة علي شفتها بحماس تمكن منها بسبب أسلوب مروة الجميل معها ، وأجابتها بعفوية : ياريت لو انهاردة عشان بكرا ورايا مشوار مهم اوي همهمت مروة ، ثم قالت بضحكة خفيفة على نبرة حماستها : ماشي يا جميل خلاص .. هعدي عليكي كمان ساعة كدا اسيب يوسف عند ماما وننزل مع بعض غمرت الفرحة قلب حياة ، حيث أنها لم تتذكر متى آخر مرة قامت فيها بالتسوق وشراء أشياء جديدة رغم أنها تحب ذلك ، وهتفت بسعادة : حبيبتي اقسم بالله ماتحرمش منك ابدا بدا .. اتفقنا .. سلام ★★★ : هتروحي فين أدارت حياة رقبتها للخلف بسرعة ، تطالعه بإنشداه ، وهو مستلقٍ على الأريكة الكبيرة مسترخيًا جدًا. كيف لم تنتبه لوجوده؟ ربما بسبب فرط حماستها ، ثم أجابت على سؤاله بمرح طفولي ، وهي تنهض حتي تستعد للخروج : زي ما سمعت يا بوده هخرج اشتري شوية حاجات جديدة أنهت كلماتها بالتزامن مع انتصابها دون أن تنتبه لملامحه المصدومة من اللقب الجديد الذى نادته به ، وكادت أن تذهب من أمامه مسرعة ، لكنها توقفت متصنمة فى أرضها عندما سمعته يقول : هاجي معاكي نظرت حياة إليه بدهشة وهي تراه يستقيم مستعدًا للنهوض ، فرفعت يدها وأشارت إليه برفض قاطع أثناء قولها بتبرير : لالاماينفعش تيجي يا بدر .. انت بتكون زي الراديو المفتوح جنب وداني ومابعرفش اركز نوهائي توقف بدر عن الحركة على الأريكة ، ورفع حاجبيه غيضاً ، وقال باستنكار : لدرجة دي!! طيب التفتت حياة إليه بعد أن أطفئت التلفاز ، وقالت بنبرة رقيقة خرجت منها بعفوية : ماتزعلش يا بوده .. انا هروح اشتري هدوم واعمل شعري وهرجع علي طول نظر بدر إليها بعيون ضيقة مغتاظًا من طريقة ملاطفتها له ، وكأنه طفلاً من الأطفال الذين تتعامل معهم. صمت قليلا كما لو انه كان يقيمها في ذهنه ، وقال متفاجئًا بشك : تعملي ايه في شعرك؟ جحظت عيناها مستاءة لأنه لم يفهم الأمر بديهياً ، ثم أشارت إلى نفسها و رددت ساخرة : ايه هو اللي هعمل ايه!! انت مش شايف .. ازاي هروح مكتبك بشكلي دا!!؟ تجمدت نظرته عليها ، كما لو كانت الطيور ترفرف فوق رأسها ، وتمتم بحماقة : مش فاهم .. مالو شكلك!! نفخت خديها بسأم من قلة تركيزه ، رغم أنها أمضت الليل كله تفكر في حل لهذه المعضلة دون أن تصل إلى شيئا حتي أتت مكالمة مروة لها ، فكانت مثل طوق النجاة الذي قررت التمسك به حتى تتجرأ على قيام ما ستفعله بقلب قوي ، ثم ردت عليه بشرح بعد أن مسكت بشعرها المجعد على كتفيها بأطراف أصابعها : انا عرفت من عم حمزة ان مكتبك في محامين وناس كتير مستويات راقية .. عايزني ازاي ادخل عليهم المكتب بالكدش دا ولا بالكوتشي!! مش لطيفة خالص هيفتكروني متسولة وهو مش هيصدق اصلا اللي هروح اقوله ليه!!!! حدق بدر للأمام وكأنه قد أدرك لتوه صحة كلماتها المقنعة ، ثم نظر إليها مرة أخرى ، وقال بإندهاش : تصدقي مافكرتش فيها دي!! قالت حياة بابتسامة متعجرفة ، وهي تضع يديها في الجيوب الخلفية من سروالها الجينز ، بينما ترفع رأسها بشموخ : انا فكرت وعرفت هعمل ايه حدق فيها بنظرة ساخطة ، بينما كان لا يزال جالسًا على الأريكة ، مع رفع حاجب واحد تساءل بإمتعاض : واشمعنا هتاخدي ست مروة هانم وانا لا ساد الصمت لعدة لحظاتٍ قبل أن تجيبه... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تكملة الرواية من هنااااااااا





تعليقات

التنقل السريع