رواية آصرة العزايزه الجزء الثاني" أغرك مني أن هواك قاتلي " الآصرة الخامسة بقلم الكاتبه نهال مصطفى (حصريه وجديده على مدونة قصر الروايات كامله)
رواية آصرة العزايزه الجزء الثاني" أغرك مني أن هواك قاتلي " الآصرة الخامسة بقلم الكاتبه نهال مصطفى (حصريه وجديده على مدونة قصر الروايات كامله)
(5)
<الجـزء الأول والثاني من الفصل >
"الحُب ؛ وكفى …"✨
من أعظم الهبات الربانيـة التي جاءت من أنهار الجنة وهي مجرى شريان القلب حينما يتدفق بهِ سائل الحُب ، يحول قلبنا الصلـد لأرض خضراء تمرح بها فراشـات الحيـاة ، الحبّ يضيء روحك في مواقفك الصعبة، في اللحظات التي تتنكر فيها روحك التي بين جنبيك من الهمّ، ولا يتنكرّ صفوه ودفئه وحنانه، يضيء؛ يضيء حين تصفعك الظلمة، ويستحيل بابًا في المغالق، ومركبَ نجاة في يمّ الحياة ودروبها الوعرة ..
••••••••••••
-"مع نهـاية حلقتـنا بحب أوجه الشكر لضيوفي النهاردة ،وكمان أنا حابـة اطمنكم عليـا وأني دلوقتـي في أحسن حال وبالنسبة لاتهام مامتي أنا وضحته في بداية الحلقة .. أنا عمـري ما كُنت كويـسة زي الأيام دي "
ثم أخذت نفسًا طويلًا وتبسمت وهو ترسل له نظرة من وراء الكاميـرا فاستقبلها بغمزة طريفة من عينيه :
-عشان قلبي خلاص اطمن ولقى اللي بيدور عليـه من زمان .. مرة حد قالي أن الحُب هو الرزق الوحيد اللي مينفعش يتاخد لا بالسعى ولا بالقوة والجـاه .. ولا بالحيـل والخطط ، الحُب هو الرزق اللي يدق بابك وأنتِ تحت لحافك بتتفرجي على فلمك المفضل …
"الرزق أنواع .. نوعٍ تسعى إليه وآخر يسعى إليك"
كانت معاكم ليـلة الجوهري من حكاوي ليلة .. وكل أسبوع حكاية ؛ استنوني .. باي باي"
ختمت " ليلة" حلقة برنامجها بعد ما تمردت على مشاعرها المشتتة حول الأمر الذي اكتشفت حقيقتـه قبل ساعـة ، ساعدتها الفتاة في نزع الميكروفون وما زالت عينيها مفتوحتين لعنده ، كان واقفًا بشموخ يراقبها بفخـر وإعجاب .. ما وثبت من مكانهـا فك ذراعيه المعقودتين وتبسم بوجهها ، أقبلت نحوه بحماس :
-كُنت حلوة !! ولا أيـه رأيـك ؟!
داعب بأصبعيـه ذقنهـا بلُطفٍ :
-أنتِ على طول حلوة يا ليـلة !!
أحمر وجهها لمجاملته المدججة بالحُب:
-مرسي ..
فهزت رأسهـا وبلعت غصتها منه وقالت :
-هجيب شنطتي وأحصلك … اسبقني .
أصدر إيماءة خفيفة :
-ماشي هستناكي في العربيـة ….
ثم أوقفها مستفسرًا :
-فيكي حاچة وشـك مش عاچبني وعينك حيرانة !مش دي ليلة اللي أعرفها ؟!
أنكرت غصتها وهي تحرك رأسها يمينًا ويسارًا:
-لا أنا كويسـة .. مش هتأخــر عليـك .. هرجع بسرعة.
مرت قرابة النصف سـاعة عليهمـا في سيارتـه التي يقودها بسرعة معقـولة ، كان الصمت يخيم عليهما كغيوم السُحب من فوقهمـا ، تتكور بداخل المقعد وكل ما تحسم أمرها حـول معاتبته تتراجع في آخر لحظـة .. تتراجع مُطلقـة زفيـر حيرتها وتعود لتتأمـل الطريق من وراء النافـذة مرة آخرى ، كانت نظراته ثاقبـة ؛ فاحصة ، كاشفـة لأمـرها .. أدرك أنها تخفي أمرًا ما عنـه .. فوجئت بـه يقوم بصف السيـارة جنبًا على "كورنيش النيـل" ، فنظرت له تتساءل:
-أنتَ وقفت هنا ليـه ؟!!
قفل ماتور سيارته متسائلًا بهدوء يخفي ضيقه الذي لا يتحمـل شحوبها :
-ليـلة ؛ مالك ؟!
هزت كتفيها بارتباك متقنـة بأن ساعة المواجهة قد حانت :
-مفيش !! ليه بتقول كده ! أنا عادية على فكرة
تنهد بغضب مدفون :
-ليلة .. لما أسألك مالك تردي على طول .. في مخلوق داس لك على طرف وأحنا هناك !
شاحت بنظرها بعيدًا عنـه :
-لا مفـيش ..
أكل شفته السُفليـة وهو يدلف من سيارته متجهًا للرصيف حاملًا جيوش غضبه كي لا تنفجـر بوجهها ، كي يحميها من خوفه المُبالغ عليها .. وقف أمام النيل يتأمل صورته التي ينعكس فيها الضباب ، كضباب الحقيقة المجهولة عنه .. زفرت "ليلة" بضيق ولحقت بهِ بخطوات واسعة لتسأله باختناق :
-أنتَ نزلت ليه !! أحنا مش بنتكلم .. مش أسلوب ده على فكرة .
رد دون الإطلاع عليها :
-ومينفعش أكون عكلمك وتولي وشك الناحية التانيـة .. كام مرة المفروض أقولك ماينفعش تخبي عني حاچة!!
أدركت خطأها بخُصلة شعرها التي أرجعتها وراء أذنها وهي تبرر :
-أنا عملت كده عشـان …. -ثم غيرت مجرى الحديث-هارون أنت بتزعق ليه كده !! وانا كام مرة المفروض أقولك أن الصوت العالي بيوترني .. أف!! متزعقش.
ثم لوحت بكفها بضجـرٍ :
-ولا أنتَ خلاص فاكر نفسك عشان بقيت جوزي بتشخط براحتك .. على فكرة أنا لسه موافقتش على العلاقة دي وو …
قفل جفونه بكـلل ثم نظر لها ليضع حدًا لهذيانها :
-أنا چوزك غصبٍ عن عين أي حد ، حتى لو كُنتِ أنتِ !!
عقدت ذراعيها أمام صدرها بخيبة أمل :
-بلاش يا هارون الكلام ده !! عشان أنت عارف أنه مستحيل ، بلاش تعيشني حلم أخرته كابوس نصحى عليه أحنا الاتنين ..
ثم استردت قوتها بوجهه :
-وحتى ولو جوزي ده يديك الحق تزعق لي وتتعصب عليا كده فالشارع !!
كز على فكيه :
-ليـلة !! أنا متعصبتش !! أنا أضايقت من طريقتك .
تراقصت الدمعـة على رموشها :
-هارون أنتَ كمان شايفنـي فاشلة !!
عقد حاجبيه مندهشًا وهو يدنو منها ماسكًا مرفقها بلطف :
-أيه لزمته الحديت ديه !! وبعدين فاشلة كيف وبرنامچك مكسر الدِنيا كُلها والعالم كله بيحكي عنِــه ومش ملاحقين على الإعلانات !! مين چاب الأفكار الشوم دي في راسك !! ولا هو نكد وخلاص!!
جلى حلقها باختناق:
-أنتَ اللي ممول البرنامج !! ما قولتش ليه !! على فكرة أنا بابي سايب لي اللي يخليني أعمل بدل البرنامج عشرة ، بس أنا مكنتش عايزة كده ، كنت عايزة أنجح عشان أنا ليلة ، مش عشان واسطة وأخد مكان حد !!
ثم هزت رأسها بخزى :
-بس الواضح أنك عشان تنجح في البلد دي لازم حاجتين مهمين ، لازم يكون معاك فلوس وحد تقيل يحركك ، وده سبب أننا متأخرين ، لأن مش كل واحد يستحق المكان اللي هو فيه … ليـه عملت كده !
وقف أمامها وهو يحجب عنها شعاع الشمس الخافت :
-وليـه حسبتيها كِده !! ليه مش دفعة لقُدام عشان تظهري للنور!
عاتبته:
-ميصحش اللي أنتَ عملتـه وكمان من غير حتى ما تاخد رأيي .. أنتَ كده عملت زيهم ، صحاب المحسوبية والواسطة .
-وأنا كُنت عملت أيه !! ديه شُغلي تتدخلي فيه ليـه ؟!
أصرت ليلة معترفة :
-شغلك في البلد ، في العزايزة مش هنا ، أنتَ مالك بالإعلام والتلفزيون وو
مسك ذقنـها ليرفع عيونهـا لعنده وقال بغمز:
-شُغلانتي أني لما أعتر على صفقة مربحة زيك أكلبش فيها بيدي وسناني .. ديه شُغلي .. وديه شُغلانة رجل الأعمال الناچح .
أحمر وجهها وهي تهتز خجلًا أمامه وتتأرجح عينيها بتشتتٍ:
-كلمني اسكندراني .. عشان مش فاهمة .. أو أنا فهمت والله بس عايزة أسمعها تاني وو .. هارون …..
قربها منـه أكثر حد تعانق أنفاسهـم والبسمة ترتسم على محياه ويقول :
-أنتِ شغلي يا ليـلة …
أحمر وجهها بتوتر :
-هارون !!
رفع ذيل حاجبه :
-ليـلة !!
-نعم !!
-دي مش عيشـة !! كل ما أجي أقول كلمتين وشك يقلب ألوان الطيف وأحسك هتقعي مني ، أجمدي عاد ….
ثم وضع كفها على قلبه وأكمل :
-فيـه حديت متعبي و متشال هنـه بالكـوم لازمًا أقوله .. وبحالتك دي متنفعش..
ألجمها سيف النظرات ورنق الكلمات فشهقت مبتعدة عنه :
-أحيــه !! هارون !! أحـنا في الشارع …..
ما كادت أن تخطو خطوة فتراجعت تتساءل من جديد :
-يعني أنتَ عملت كده عشان أنا شطورة واستاهل بجـد ، مش مجاملة منك ؟!
حدجها بلومٍ :
-أنتِ هتثقي في روحك ميتى !! عقولك أيه الحال ديه مايعجبنيش .. مراة هارون العزايزي لازمًا تكون كيف الچبل مش كل هبابة ريح يهزوها .
بللت حلقها عندما طبع على قلبـها وسام ملكيتها إليـه وقالت بارتباك :
-خلاص علمني بقى .
-هعلمك …
مسك كفها بعد ما زينـهُ بقبلة خفيفة وهو يسحبها نحو السيارة ويقول معاتبًا بلطف :
-لما يكون في حاچة جواتك تيچي طوالي تحكيها ، مش عاوز أشوف الـوش اللي فات ديـه تاني، فاهمـة ؟!
استقلت السيارة بمساعدته وما اتجه ليستقـل مقعده نظرت له متساءلة :
-أحنا هنروح فين !
-أنتِ عاوزة تروحي فيـن ؟!
بللت شفتها التي جفت وقالت بقلق:
-عايزة اكلم مامي ، قلقانة عليها أوي … وكمان نفهمها يا هارون سوء الفهم اللي حصل .. عشان أنتَ متبقاش زعلان منها وهي كمان..
بلع غصة براءتها التي عُدمت من هذا الكون وقال :
-بس هي سافرت ، عنِديها مؤتمـر كام يوم لما تعاود هخليكي تشوفيها …
-بالسرعة دي؟! بس أنتَ عرفت ازاي!!
-عرفت وخلاص يا ليـلة …
ثم حرك مقود السيارة أقصى اليمين وانطلق بسيارته وهو يتطلع بالمرايـا حوله وأتبع :
-هنروحوا للدكتور عندك معاد ، و الليلة هنتحركـوا على العزايـزة …
بخوف:
-ليه العزايزة طيب ؟!
•••••••••
~المشفــى بمحافظـة قِنـا .
خرج الطبيب من غرفة العمليات وهو ينزع الماسـك الطبي عن وجهه ويتنهد براحة ، فأقبـل نحـوه هاشم متلهفًا للإطمئنان على صحة زوجته :
-طمني يا داكتور ..
حرك الطبيب رأسه وقال :
-واضح إنها اتعرضت لضغط نفسي هو اللي سبب لها نزيف .. هي والطفل بخيـر بس لازم ترتاح راحة تامـة .
ثم نظر للممرضـة بإشارة ما :
-وهتفضل تحت عنينـا الكام ساعة الچايين وبعدين تقدر تروح البيت ..
فأعقبت الممرضة تتساءل:
-أنتَ چوزها !!
تدخلت هاجر على الفور لتلحق أخيها قبل ما تحكمه العاطفة :
-دي چايلنا زيارة من بحري .. وتعبت وچوزها مسافر ووو
فلكزت أخيها :
-ولا أيه يا هاشم يا خوي!!
حرك الطبيب رأسـه :
-عمومًا هي بخير وتقدروا تخشولها بس بلاش ضغط نفسي او أي حاجة تزعلها …
انتظرت هاجر حتى غادر الطبيب ومساعدته فدرات نحو أخيها :
-هاشم وحياة أمك وأبوك ما تقول حاجة خلي اليـوم يعدي بالسـتر .. أحنا مش ناقصين .
بدأ يحصد عاقبـة أخطاءه وأولهما عجزه بالاعتراف بزوجته وابنـه .. بات جسده عبارة عن جمرة مشتعلـة من الغضب انعكس تأثيرها على وجهه المُحمـر .. زفر بامتعاض :
-أنا مش هينفع اسكت يا هاجر، دي مرتي واللي في بطنها ولدي!!أنا مش هخاف من حـد .
ردت ساخطة عليه :
-علي صوتك يا خوي واللي ما عرفش يچي يسمع ويبقى وديت روحك ومرتك في داهية .. وحد الله بس لغايـة ما نحلوها.
فرك عينيـه متحيرًا :
-خليكي هنه ، هخشلها …
تحرك متجهـًا نحو غرفتها ، فأول ما فعلته هاجر وهو تسجيل مقطع صوتي لأختها :
-هيام طب ردي عليّ أنتِ التانية ! أنتِ واخوكي فين يچي يشوف النصيبة دي ويلحق أخوه قبل ما يدب ويتصرف من نفوخه ، هاشم طلع متچوز ومرته هِنه والبيت قايد نار ، قولي لهارون مش عارفة اوصله … ابقي كلميني يا هيام وبطلي شغل عبد المأمور ديه ، عشان أنا واثقة أن هارون اللي قايلك متروديش عليّ !! بس ترچعي ..
ثم أرسلت رسالة لشريف بلوم خفيف :
-على فكرة أنتَ مش صاحب چدع وأنل هصرف نظر عن الصحوبية دي يا حضرة الظابط..
قفل هاشم باب الغرفـة خلفه وتقدم اليها ، كانت تتكئ على وسادتهـا والمحاليـل مُعلقـة بيدهـا وما اخترقت رائحته أنفاسها نظرت له معاتبـة بحرقة :
-عاجبك اللي إحنا وصلناله ده يا هاشم !! رغد تستاهل منك كل ده ؟! ده جزاتي أني حبيتك تعمل فيـا كل ده .. شوفت وصلنا لأيه ؟
جلس على طرف فراشها وأول ما فعله هو طبع قُبـل اعتذاره على كفها ، تنهد أسفه وحُرقـة قلبـه المنفطر عليهـا ، تراقصت الدمعة من عينيها وهي تتأمل تفاصيله التي اشتاقت إليهـا كثيرًا .. رفع جفونه المُحملة بالهمـوم إليها واعدًا :
-كُل هيتحـل .. وحياتك كُله هيتحل !!
خيم اليائس على ملامحها :
-أيه اللي هيتحل !! بابا ؟! للأسف مش هعرف اتخلص من نسبه ، عيلتك وقوانينها !! للأسـف دول لو شموا خبر هيقتلونا .. الثقة ما بينـا ؟! حتى دي بقيت معدومة يا هاشم … قول لي أيه ولا أيه اللي هيتحل !! ولا هو ده أمل كداب بتحاول تحايلني بيه !! هاشم أحنا بقينا قُدام أبواب النار وحتى المواجهـة مش حل ..
-رغـد .. ينفع متركزيش في أي حاچة وقولت لك كُله هيتحـل … ولو على الثقة ما بينـا كله هيتصلح طالمـا الحُب لساته موجود ..
تقطرت دمعة من طرف عينها :
-بتحلم يا هاشم .. ألف مرة أقولك اللي بينا هو ابني وبس .. وأول ما تسجله أنا هسيب لك الدنيا كلها وأمشي ..
طوق ذراعـه خصرها وهو يهيـم بتفاصيلها شوقًا ، رائحتها التي كانت تتربع بساحة صدره ، صوت ضحكاتها الذي كان يزيح غمامة الهموم عنـه وعن أيامه ، حـن للياليهم المختلسـة من بين فكي الزمن ، حن لحنين قلبه الذي كان يهرب من شغله وأهله لعندها ، حن حنينـه لمحميتها النادرة التي أسرته من العالم .. سبح في بركتي عينها :
-مين سمح لك تقرري مصير ولدي ومرتي ؟!
-ابنك ومراتك !! معلش أنتَ تقدر تتجوز وتخلف بداله عشرة ، لكن أنا للأسف مش هقبـل لراجل تاني يلمسني بعدك .. البيبي ده هدية حبي ليك يا هاشم اعتبره مكافأة نهاية الخدمة .. أما أنتَ …
قاطعها:
-أما أنا !! أمـا أنا نفسي أجيب لك نجمة من السما بس ترضي يا رغـد .. أنسى كل اللي فات واللي چاي هنحلوه.. وبعدين ما أنتِ عارفـة أني متهور وعصبي ووو
تملصت من حصاره متمردة على حنين قلبها الذي زادت ضرباته:
-هاشم .. كلامنـا انتهى ؛ أنا هعفيك من كُل ده وطلقنـي وكل واحد مننا يشوف حياتـه زي ماهو عايز وو
ثم رمقته بخيبة :
-روح اتجوز اللي تقدر تعيش معاها في النور مش فالضلمـة زيي..
مسح على وجهها بكفه الخشـن :
-رغد ؛ قولت لك مسألة وقت وكله هيتحـل بس ساعديني ..
حدجته بحدة تحمل الخذلان :
-أنا مش عايزة منك حاجـة يا هاشـم ؛ خلاص أنتَ اخترت .. وأنا معنديش حاجة تانية ممكن أقدمهالك !!
ثم انفجرت وهي تلومه :
-افهم بقا ، أنا مش هقدر أسامحك ، زي ما أنتَ مش هتقدر تتقبل حقيقة ارتباطك بواحدة أبوها هيأذيك في شُغلك ، خلاص يا هاشم متصعبهاش عليا وعليـك أكتـر من كـده .
اقتحمت هاجر الغُرفة وهي تقول :
-اسفة .. بس هاشم عاوزينك في الحسابات تحت ..
••••••••••••
~دوار الچباس .
تتقدم خطوة وتتراجع خطوتين ، يكسو الارتباك خُطاها كما يغلف التوتـر ملامح وجهها ، وصلت " نغم " لنهاية الدرج بعد محاولات عديدة من بين التقدم والتراجع ، بين الخوف والقوة ، التغلب والهزيمة ،مُشتنة بين أن تتمسح بالجدران كعادتها القديمة التي تربت عليها أم تهد هذه الجدران التي تفصلها عن الحياة فوق رؤوس كل من يعوق طريقها .. كل من يتعدى حده معـها ..
بأعيـن متذبذبة تتفحص أرجاء البيت الصعيدي الخالي من المارة لكنه لا يخلو من أصواتهم المترددة من بعيـدٍ ، وضعت كفها المرتعش فوق مقبض الدرج الخشبي وبقلب يتنفض يلملم شتات قوتـه قبل ملاقاة الأسـد ، شهقت مذعورة إثر لمسـة رقيقة من كف " غنـوة " ابنة فارس الجباس على كتفها وهي تدلف من أعلى؛ انفجـرت " نغم" صارخة بوجهها وهي تحت تأثيـر رجفتها شاهقة :
-حرام عليكِ !! في حد يفزع حد إكده !!
اتسع بؤبؤ عيني الصغيرة التي تلألأ الدمع بعينيها وهي تتأهب راكضة :
-وربنا لأقول لأبوي أنك صرختي عليّ ..
فرت كالعصفورة من أمامهـا فلم يوقفها همس نغم التي تُنادي عليها حتى ظهرت السيدة " زُبيدة" الخارجة من المطبـخ تهلل لرؤيتها بسـاحـة المنزل :
-أيوة إكده انزلي وعيشي في دوار چدك وأبوكي ، هتضلك حابسة روحـك لميتى !! الحبسة ممنهاش فايـدة .
أحكمت ربط حجابها :
-عندك حق يا عمتـي ، هو عمي فيـنه ..عايزاه ؟!
-عمك قاعد مع فارس بره والبت راحت تشيع له ، هبابة وتلاقيهم عاودوا ، أصلًا الغدا چيه وعمك وفارس عيحبـوه بناره ..
ثم ربتت على كتفها :
-تعالي أقعدي وأشبعي من زاد وخير عمك وأبوكي .. اللي مايشبعش على طبليـة أبوه عمره ما هيدوق طعم الشبـع في حياته .. وأنتِ حالك أهو يغم ويوچع يا كبدي ..
ثم سحبتها من كفها برفق حتى وصلت بها للمائدة التي تضم أشهى المأكولات واللحوم وسحبت لها المقعد وهي تربت على كتفها :
-أقعدي ، أقعدي وارتاحي يا ضنايا .. ماتتكسفيش .. ديه بيتك يا حبـة عيني وحدش يتكسف في بيتـه .
-شالله تعيشي يا مراة عم ..
ختمت " نغم" جملتها بحمحمة قـوية من صوت عمها الذي جاء مستندًا على عكازه مُهللًا بقدومها :
-وه وه يادي النور اللي حَل على دارنا ، نورتي بيتك يا بت أخوي..
وقفت نغم بعجلٍ لتنحني وتقبل يد عمها الذي يبلغ الثامنة و الستين من العُمر :
-تعيش يا عمي .. الدار منور بيـك وبحسك فيه .. اتوحشتك .
ربت على كتفها والابتسامة تداعـب وجهه :
-واللي يتوحش حد يهمله طول السنين دي كلها ، بس ولا يهمك أنا مسامح والمهم عنـدي راحتك ياغالية يابت الغالي ..
ثم شد مقعده وأشار لها :
-يلا أقعدي وكلي چاري .. چار عمك وشدان الچباس .
بحركات مهزوزة جلست "نغم" بجوار عمها ، شاركتهم زُبيدة وهي تنادي على أحد الفتيات :
-شوفي فارس و فايـد فينهم .. يچوا يتغدوا ..
شرع العـم في تناول وجبته بعد ما حمس ابنة أخيـه على الإقبال .. كان الحزن يملأ قلبها وينعكس صداه على ملامحها الباهتـة وحركة فاهها وهو يراقص اللقمة بداخله بمرارة .. لحظات وأقبـل فارس الذي يحمل ابنته التي اشتكت على نغـم وما رأتها أشارت بأصبعهـا بذعر :
-هي دي يا أبوي اللي زعقت فيّ .. مشيها.
وقعت الملعقة بما تحويه من حبيبات رز من يد نغم وهي تنظر مصيـرها من ذلك المتعجرف الذي يقف لها على شفا خطأ .. ترك ابنته فوق أحد المقاعد وهو يرمقها بنظرات الذئب قبل الانقضاض على فريسته ، رفعت زبيدة جفونها :
-أقعد يا ولدي قبل الوكل ما يُبرد ..
ضرب بكفه الضخم على سطح الطاولـة بنبرة مرعدة :
-أبا .. مين سمح لها تخش البيت ديه !! مش كُنا قفلنا عليها ودفناها من زمان ..
وثب أبيه مذهولًا :
-أباي ؟! چرالك أيه يا فارس!! دي بت عمك وديه بيت أبوها ومش عاوزة أذن عشان تخُشه …
جعـر بغضبٍ دفين :
-أبوها والله يرحمه ، مات .. وهي باعت أصلها ومشت ورا هواها وباعتنا .. يبقى خُلصت يا أبوي … راچعة لنا ليه؟
برق الأب مندهشًا :
-أنتَ هتنسى روحك يا فارس!! أيه كبرتك على نچعك كُله عشان تكبـر على أبوك !!
-أنا مش هقعد مع نغم بت شدوان في بيـت واحد ..
حدجه بعفنوان :
-فـارس …
انكمشت نغم بحضن زوجة عمها بنوبة من الهلع وهي تراقبـه بذعر ، لم يوقفه نداء أبيه بل أشعل بركانًا من الغضب بجوفه :
-اللي عندي قُولته يا أبوي … تغور في ستين داهيـة بعيد عنينـا .. مش عاوز أشوفها في بيتي.
ثم طاحت يده لتشد مفرش السُفرة بدون احترام لأحد لتتهشـم محتويات الطاولة بأكملها بالأرض بصوت ينافس طبقات غضبـه ، ينافس كسـرة قلبه الذي احتفظ بحبها لسنوات وهي باعتـه بدون ثمنٍ .. صرخ بوجه الجميع :
-قعدتها على الوكل سممته .. مالها عيش عندينـا يا أبوي ، ولو طلع عليها شمس وهي لساتها في بيتي هقتلها بيدي .. سامعين!!
هول الموقـف أخرس الألسن ومدد بؤر العيـن وكتم الأنفـاس ، تركت نغم حضن عمتها واخترقـت فتات الأطباق المُهشمة بقدمها الحافيـة لتقف أمامه معاتبة والدمع يتراقص بعينيها :
-ليـه!! ليـه تصعب الحياة عليّ أكتر من إكده !! ليـه مش كفاية الزمن طفحني سنين عُمري أنت واليِتم عليّ !!چاي تكمل عليّ …
ثم ارتعشت شفتها وأتبعت متحدية :
-أنا مش ماشية يا فارس ، عشان بصريح العبارة أنا مش قاعدة في بيت أبو حـد ، وأنت لو مش عاچبك قعادي تقدر تهملنا وتروح من هنه ، لكن أنا مش هكرر غلطتي وأسيب بيت أبوي .. سمعت !!!
ثم صرخت باكية :
-سمعت يا فارس يا وِلد عمي!! يا مربيني!!!!
سكبت فـ قلبـه زيف مشاعره المعكوسـة ، لمست نقطة ضعفه ، تذكر ولادتها وهو صاحب الثانية عشر من عمره وتركتها أمه أمانة بين يديه حتى يشيعان جثمان أمها ، تذكر تفاصيل بكائها المتواصل وضعفها .. تذكر تفاصيل نومهما في فراش واحـد لأسابيع قبل أن تأخذها خالتها صفيـة .. اعتصر شفته من شدة الآهات المتفجرة وأعلن الانتقام من قلبه الذي أحبها وهو يجهر متوعدًا :
-يبقى تتلقى اللي هيچرالك مني………
أنتـى اللي اخترتي …..
••••••••••••
~القـاهـرة .
-تمام يا مدام ليـلة .. هنمشي على الأدوية دي شهرين وأشوفك .
ثم نظر لهارون مؤكدًا :
-هارون بيـه ، المواعيد.. كل علاج بميعاده ..
هز هارون رأسه :
-متقلقش يا داكتور ، هديهولها بنفسي وو
تبسمت بهدوء وهي تلتفت للطبيب مستفسرة :
-دكتور ، أنا أمتى هبطل أخد الأدويـة دي وأعيش طبيعي..أنا تعبت أوي ..
تبسـم الطبيب بارتياح :
-دي في أيدك أنتِ ، في ناس بتاخد ٦ شهور وتتعافى وقبل كده كمان وفي ناس بتاخد سنين ومش بتتعالج ، كله يتوقف على حالتك أنتِ النفسية .. ساعدي نفسـك بنفسك وأنتِ اللي مش هتكوني محتاجة الأدويـة دي بعد كده..
ثم طالع هارون مؤكدًا بنظرات ذكوريـة لا يفهمـها إلا معشر الرجال بين بعضهم البعض :
-هارون بيه .. مش محتاج أعرفك أن العلاقـة الزوجيـة ضرورية و أهم عامل في العلاج .. هيساعدها كتير في التخلص من أي استرس وو
أحمر وجـه ليلة بخجـل فلم يصل لمداركها ما يقصده الطبيب بل تفهمت على سجيتها العلاقة المتبادلة في التعامل مع الطرفيـن ، فتدخلت بفطرتها فارحة :
-دكتور هو حضرتك عرفت منيـن أننا متجوزين ؟! هو باين علينـا أوي كده ..!!
عقد الطبيب حاجبيـه متعجبًا :
-أنا عارف الظروف اللي حصلت وخلتكم تستعجلوا بالجواز ، وده أسلم حل .. وأحيي هارون بيه عليه و
ثم اتكئ على مقعده ناصحًا:
-من رأيي تأجلوا موضوع الخلفة الفترة دي شوية، لأنه هيبقى صعب مع الأدويـة لحين بس ما الحالة تستقر وو
وثبت من مكانها كالملدوغـة بارتباك يعُمه الخجل :
-دكتور ممكن نمشي !!
قرأ الطبيب حالتها المهزوزة والتي تُنكر زواجهم الفعلي .. فتبسم متفهمًا وهو يضـرب الجرس للطبيبة المساعدة التي دخلت على الفور :
-مدام ليلة اتفضلي مع دكتورة ريم..
وقف هارون ليتأهب بالمغادرة مستأذنًا ، فأوقفه الطبيب قائلًا :
-هارون بيـه ، من فضلك استنى … عايزك .
تأرجحت عينـي الثنائي بتردد ، فدنى هارون منها ليُطمئنها وهو يمسح على كتفهـا بحنان :
-روحـي وأنا هحصلك …
-متتأخرش عليا ..
انتظر حتى غادرت ليلة الغرفة بخطواتها المهزوزة فالتفت للطبيب متسائلًا :
-خيـر يا داكتـور ؟! هي ليلة فيها حاجة …؟
-متقلقش يا هارون بيه ، اتفضـل بس هاخد من وقتـك دقايق ..
جلس هارون على مضض وهي يتحفز لسماع تقرير الطبيب المعالج حول حالتهـا الصحية ، فشرع الطبيب النفسي في تشخيصها :
-هارون بيه ، مدام ليـلة مشكلتها الأساسية معشتش طفولتهـا زي أي بنت في سنها ، فهي وصلت للسن ده ولسه بتعاني من العلة دي ، العلـة مسيطرة على تفكيرها ومسببلها أزمة نفسيـة كبيرة لدرجة أنها مش عارفة تعيش بروح الأنثى اللي جواها .. هي تايهة بين البنت اللي عندها ١٢ سنة وبين الليدي اللي المفروض تعيشها .. وده للأسف علاجه مش أدويـة ومش عندي ..
احتدت معالم وجهه وهو يستمع له ، فسيطر القلق على ملامحه :
-كيـف يعني مش عندك !! أومال عند مين ؟!
-عندك أنتَ …. خطوة الجواز دي كانت أهم حاجة في سلم العلاج وبالأخص من شخص فاهم حالتها كويس ، زيك بالظبط..
كور يده مغلولًا :
-بالراحـة كِده يا داكتور وفهمني !! أنا كيف يعني ؟! المفروض أعمل أيه…
نزع الطبيب نظارته الطبيـة متنهدًا :
-اسمح لي اتكلـم معاك كأب أنتَ زي ابني ، وليلة زي بنتي ، ليلة محتاجـة تحس بأنوثتها ويشغلها فطرتها اللي ربنا خلقها بيها .. لازم تفجر طاقة الست اللي جواها ده بعد ما تسحبها من عالم الطفلة اللي هي مفتقداه .. بس الأهم وقبل أي خطوة لازم نتأكد من حاجـة مهمـة ..
ثم تنهد وأتبـع :
-حبها ليك حُب عاطفي أم حُب أبوي ؟!!!
استغرق الطبيب قرابة النصـف ساعة في حواره مع هارون وكيف سيكون التعامل بينهما كي تتجاوز فترة مرضها العصيبـة ، خرج هارون من غُرفة الكشف فكانت "ليلة" تنتظره على مراجـل من نار ، هرولت نحوه متوترة :
-الدكتور كان بيقـول لك عليا أيه !!
مسح على شعرها براحـة كفه وهو يطبع قُبلته على جبينها وقال بلطف يتلألأ من عينيـه :
-بيوصيني عليـكِ يا ستي ، ومايعرفش أن قلـبي عليكِ متـوصي .
الجزء التاني
(5)
<الجـزء الثانـي من الفصل >
"الحُب ؛ قبل كل شيء …"✨
قبـل أن يأتي حُبك لم أحلم مرة بفرح هائل، بحكاية فائقة الغرابة، بصورة للحب تشع كضربة شمس، كان يكفيني فقط الهدوء والسلام.. ولكن كل ما طرأ علي فجأة من مطامع جميعها بسببك أنتَ ….
••••••••••
~مقـر النيـابة العامـة .
-"أنا من حقي أفهم ، ليا ٤ ساعات هنـا ليه وبتهمة أيه !! أنا مش هسكت على اللي بيحصل ده .. "
انفجرت " نادية " بوجه وكيـل النائب العام بنفاذ صبر خاصة بعد تأخـر رشدي عليـهـا .. ثنى النائب عقب سيجارته بقلب المطفأة بهدوء:
-دكتورة نادية أهدي وهتفهمي كُل حاجـة دلوقتي !
-أفهـم أيه؟! افهم أن بنتي مخطوفـة ومش عارفة طريقها وأنتوا هنا متحفظين عليـا !!
فتح النائب شاشـة هاتفـه وبالأخص " الفيديو " الترويجي لحلقة ليـلة المسـاء .. عرض المقطع أمامها قائلًا :
-افتكر المفروض تطمني دلوقتِ بنتك لانها بخير .. وأهو شوفي بنفسـك .
تلقت ناديـة الخبر بذهول وهي تستمع لتأكيد ابنتها على موعد الحلقة ومقتتطفات من البث حديث التصويـر .. تركت الهاتف من يدها وهي تحت تأثيـر صدمتهـا :
-يعني ايه ؟!!! طيب أنا هنا بتهمة أيه ؟! حد يرد عليـا….؟
قلب النائب بعض الأوراق بيده وهو يخبرها :
-نقابة الأطباء والطبيب المُعالج لبنت حضرتك مقدمين بلاغ بإفشاء أسرار مريض على الهوا… عندك علم بعواقب تهمة زي دي يا دكتورة …. !!
-أزاي يعني ؟!!!
قفز الذعر بمقلتيها وهي تجلس بمحملة بأحجار الهم والورطة التي حلت بها :
-أنا ممكن أعمل تليفون ضروري.
••••••••••
-"العيـار اللي ما يصبش يــدويش يا عمـة "
عودة للعـزايـزة وبالأخص لنسوة الحج خليفـة اللاتي يحملن هم الورطة التي ورط هاشم بهـا نفسـه .. ظلت صفية تطلم الخدود وتضرب على فخذيهـا بحرقة :
-بس كانت فين النصايب دي بس ياربي، وأحنا ملاحقيـن !! يارب أنت عالم بحالي وحرقة قلبي .. يارب انا مش عاوزاه العيل اللي هيجي بالخراب ديه ، خده عندك يارب وتبقى جات من عندِك !! خده وريح قلبي .. وأنا ندرًا عليّ هخليه يطلقها ويغورها من هنه العايقة الملعلعة دي !! أنا مش عارفة ماله ذوق عيالي ، زغللوازعنيهم بنات بحري ..
توقفت أحلام عن لف أحجار سبحتها وهي تستغفر ربها :
-بطلي قويق وفقـر وتفي من خشمك .. أنتِ عتقـولي أيـه !! ديه ولدنا ومن دمنـا !! أتهوستي!!
-ديه هيخربيتنا لو چيه يا أحلام!! أنتِ عتفكري كيف !! مجلس العزايزة لو شم خبر هيخلونا فِرچة للخلق .. يا غلبـك الـ مستنيكي في ولادك يا صفيـة !!
حدجتها أحلام بعنفٍ :
-اقفلي خشمك يا صفيـة .. وطلعي روحك من الموضوع ديه ، عشان ولدك مش هيسيبها وماسك فيها بيده وسنانه .. خفي خوتة يا تغوري من چاري أنا مش ناقصـاكي .
هبت صفية مفزوعة :
-مش بكيفه !! مش بكيفه يا أحلام ، أنا أمه وله حق عليّ ومُچبر يسمع كلامي .. البت دي ملهاش عيش وسطينا لا هي ولا ولدها ، يارب خده عندك ويريح قلبي يارب .. مش عاوزاه .
ثم ولولت بحرقة :
-وهارون التاني اللي ماعارفهوش طريق!! دي حتى مرته بت الحسب والنسب ما خش عليها !! دِلوق جرستنا هتبقى جُرسة في النچع كُله !! سايب عروستـه وداير على هواها بحري!! ديه كمان واخدلي البت معاه يا أحلام ..
-يخربيت فقر أهلك على اليوم اللي دخلتي فيه بيتي .. ما تخليكي في حالك يا صفيـة وتلمي روحك وإلا هقوم أكسرلك راسك الناشفـة دي .. وأنتِ فكرك ولدك هيقرب من البت الفاچرة دي بعد عملتها المقندلة !! قوليلها متحلمش.
لوحت بكفها فدق ناقوس الأساور الذهبية :
-أومال متچوزها ليه !! لااا مش بمزاجه أنا اللي هقف له يا أحلام ابعدي سمك بس عن عيالي اللي حالهم اتشقلب من يوم وليلة ووو
كادت أن تجادلها فجاءت " زينة " لتقطع حديثهم :
-مالك يا عمة شايل الطين ليه !! هو مفيـش خبر على هارون ؟! يا عمة وربنا ما ينفع الحديت ديه ولا يرضي حد.. دي أيه دخلة الندابـة دي..دي فال شوم ..
ربتت صفية على كتفها :
-تعالي اقعدي يابتي ومتزعليش روحك ، عمتك فـ ضهـرك … هارون هيروح فين مسيره معاود . و
ما جلست لتعبث بفوضى الحديث مع عمتها فجاءت "رقية" بهيئتها الضعيفة لتقول :
-خالة أحلام ، شيخ هلال عيقـولك هو نازل البندر لـ هـ -ابتلعت جملتها وأتبعت- ، ماعاوزاش حاچة !!
-شالله يعيش يابتي ، قوليلو بس يخلي باله على روحه ويسوق على مهله ..
تدخلت صفية بحرقة :
-وأشمعنا أحلام !! هي مين فينا اللي مراة أبوه .. قوليلو أمك عاوز بسبوسة وهو معاود يچيبها .. أهي حاچة تحلى خشمنا المُر ديه ..كفاية المرار اللي طافحينه .
اقترحت رقية بحماس:
-ما أعملهالك أنا يا عمة .. دي هتعچبك قوي !! تچربي ؟!
لوحت بكفها بضجر :
-مش عاوزة حاچة من يدك ولا من وشك …
رفعت حاجبها مستقبلة إهانتها بمرح :
-بس أكيد خالتي أحلام نفسها تدوق !! أيه رأيك يا خاله هعملك بسبوسة وهعمل لشيخ هلال كيكة .. وتقولي رأيك.
-أعملي يابتي ، أهي حاجـة تحلى خشمنا ..
ضربت زينـة كف على الأخر وهي تتهامس مع عمتها :
-بقا ياعمتي البت السهتانة دي نايمة ومتهنية في حضن چوزها وكمانها هتعمله كيكة وأنا قاعد أندب حظي چارك !! يكون في معلومك هارون لو مچاش من عشية أنا هروح بيت أبوي ، أمي كل هبابة تكلمني وأنا مش عارفة أقولها أيه !!
ضربتها صفية على كتفها بجزع:
-مش ناقصاكي أنت وأمك وأهمدي هبابة ..
~بالخارج .
توقف هلال على أعتاب البوابة ويجلس أبيه بجواره الذي أصر أن يطمئن على حفيده بنفسـه ولكن أثر رؤيتهم لرجال المجلس أمام البوابة هبط من سيارته متسائلًا :
-في أيه هنه !! أنتوا عاوزين ايه..
رد كبير الخفر :
-هارون بيه فينه يا شيخنا ؟! عاوزينه .
هلال بضيق:
-هارون عنديه شغل في بحري ومعاود .. حصل أيه يعني للغاغة دي !!
هز الرجل رأسه وهو يناظر مساعدينـه :
-المچلس عاوزه الليـلة دي ، والأحسن له يعاود قبـل دخلة الليل .. دي أوامر.
جهر الحج خليفـة معنفًا من النافذة المفتوحة:
-اقفل خشمك يا وِلد ، ومتنساش أنك چايب سيرة كبير العزايزة يعني سيدك وسيد أبوك .
طأطأ الخفير رأسه كإيماءة اعتذار منه وهو يقول متواريًا :
-حقك علينـا يا عُمدة بس أصلوا اللي عيتقال يمخول الراس .. عيبة متطلعش من الكبير يا عمدتنا .
أرخى العجوز سدوله مستفسرًا :
-قصدك أيه يا وِلد المحروق أنت؟!!!
••••••••••••
~مســاءً ..
تجلس " ليلة " برفقة "هيام" أمام التلفاز بصمتٍ تام لا يقطعه إلا صوت المقرمشات ، ألقت نظرة سريعة على الساعة وهي تقول بتوجسٍ :
-هيام ؛ هارون اتأخر ولا أنا متهيألي؟! الساعة جت ١٠ وهو لـسه مرجعش .. أنا قلقـانة عليه .
خفضت هيام صوت التلفاز :
-هو قال هيعوق هبابة يا ليلة .. خشي نامي أنتِ .
-لاطبعا مش هعرف أنام وهو لسـه برة ..
ثم جذبت هاتفها بلهفة :
-أنا هكلمـه ..
جرت المكالمـة فكان صوت رنيـن هاتفه بالخارج ومع أصوات المفاتيح هبت متحمسة وهي تقترب من الباب :
-أهو جيـه .. هقوم افتح له ..
ما فتح الباب فوجد قمرها ساطعًا أمامه .. تبسم بهدوء:
-دانتي حارسة الباب !!
تنهدت بارتياح وهي تعاتبه بصوت متهدج:
-كنت مستنياك .. قصدي كُنت فين كُل ده !! قلقت عليـك .. أنت كويس ؟!
دنى منها وأصابعه تعزف على جدار رقبتها تحت مظلة شعرها بلمسات حنونة طابعًا قُبلة طويلة على وجنتها سرت بها قشعريرة مباغتة وهمس :
-اتوحشتك ..
رفعت جفونه بحياء:
-وانت كمان ووحـ
ثم تراجعت إثر مجيئ هيام لهما، وهي تقول:
-هارون حمدلله على سلامتك ؛ أخيرًا چيت تعالى عاوزاك ..
أحست ليلـة بثقل وجودها بين الأخوة فأتبعت قائلة :
-أنا اطمنت عليـك، هروح أنام بقى .. تصبح على خير ..
رمى مفاتيحه على الطاولـة بفتور وقال بصوت ماكر :
-متناميـش ، چايلك …
أومأت بخفوت وهي تفارق عينيه ببچامتها السوداء القطنيـة التي تبرز تفاصيلها الفاتنة لقلبه ، ما وصلت لباب الغرفة فأرسلت له ابتسـامة خفيفة ثم قفلت الباب بهدوء ، وقفت خلف الباب تتحسس نبض قلبها المتسـابق ، تتذكر تفاصيـل قُبلته الساحرة التي كانت هنا ، في أحد أركان الغرفة تحديدًا ، تتذكر حالة قلبها الخاضع لأوامره ولا يجادله أبدًا ، شعور ما يتلهف المزيد من لمساته الحنونة .. تفتقد الساعات التي تغرب شمسه عنها .. تسارع الادرينالين بصدرها وهي تركض أمام المراة تتفحص هيئتها وتتساءل هل هي مناسبة أم لا !! هل ستعجبه أم لديها الأجمل .. أمسكت بحمرة الشفاه القوية ورسمت ثغرها كدعوة صريحة منها لتراوضه على القُبل .. أخذت تتأمل هيئتها مع الحمرة الطاغـيـة فأحست بالخجل الشديد وهي تسحب منديلًا مُبللًا وتمسح شفتها :
-أيه الجنان ده !! ليلة عيب كده !! أنتِ شاغلة بالك ليه .. واللون ده كمان بيعصبـه .. أف !! ده مش بيتمسح ليـه !! أنا أنسب حل أنام .. أنام قبل ما يجي ..
-"وبعدين يا هيام "
بعد ما انتهى من ارتشافه للماء بالمطبخ وأخته تتلو على مسامعه أخبار البلدة وأهلها التي يعرفها جيدًا أردف جملته الأخيـرة بملل ، فأعقبت :
-هارون عقولك البلد مقلوبة قلـب وكله قايد في بعضه وكانوا مستنينك الليلة .
رد بهدوء لا يتناسب مع ثورة أختـه:
-عارف!!
-عارف يا هارون وعشان كِده لغيـت السفر وأچلته لصُبح! …
ترك الزجاجة من يده جاهرًا :
-عشان مش هارون العزايزي اللي يمشي تحت طوع حد يا هيام .. وهاشم أخوكي ديه حسابه لما انزله ، المهم ولده زين دِلوق !!
فاض صبر هيام من. تصرفات أخوتها العبثية:
-عليا النعمة صفية لو جرتلها حاجـة هتبقى من تحـت راسكم !! حرام عليكم يا هارون أنتَ وهاشم .. الست طافح كيلها ..
-هيام خشي نامي ..
-هنام كيف وكل النصايب دي مستنياكم ..
عارضها ساخرًا :
-وسهرك هو اللي هيحلـها يعني !!
-يوه يا هارون .. مش وقت مِقلدة أنا هموت من خوفي عليكم وأنتَ ليك نفس تهزر .. أقولك روح شوف مرتك أحسن لك وسيبني في حالي ..
رفع حاجبه وكأن الفكرة راقت له:
-أهو ديه الحديـت الموزون ..
ما خطى خطوة فتراجع :
-دكتور عمار لو رن تاني مترديش وتقوليـلي… سامعة!
هزت رأسها تحت صدى خفقان قلبها وبثرثرة عفوية :
-لا والله هو مرنش من ساعتها ، وطلع محترم وعيفهم في الأوصول ، أو شكله طفش لما وقفته عن حده.. متخافش يا أخوي أختك بمية راچل وو بس هو بعت رسالة وقال اسف وانا بردو والله ما رديت ، تحب تشوف محمولي .. ولاا هارون خلاص مش هچيبلك سيرته تاني انسى .. ديه باينله غلبان مش هنعملو عقلنـا بعقـله وو
ربت على كتف أخته وهو يقبـل رأسهـا :
-روحي نامي يا هيام الله يهديكي أنتِ وأمك عليّ ……
تعلم أن للنجوم طريقةٌ مميزة في النوم دونَ إساءةٍ لليل ، قد تسهر نجمةٌ وتنامُ أخرى كي يظلَّ الضوءُ في ميزانه تجري الملائكةُ الصغارُ وتفتح الآفاقَ
ثمةَ سهرةٌ تضفي على نوم النجوم …
ما سمعت صوت خطواته يقترب من مدخل الغرفة ركضت محتمية باللحاف الأبيض .. قفلت جفـونها وشدت الغطاء فوقها وهي تنتفض من شدة الحُب واللهفة .. فُتح الباب فوجدتها تتكور تحت لحافهـا التوى ثغره بابتسامـة خفيفـة وقفل الباب بهدوء .. شرع في التفتيش عن ملابسه على الضوء الخافت وهي تراقبه بأعين متلصصة تحت الغطاء .. انتظرت حتى أخذ حمامه الدافئ وخرج ليُكمل ارتداء ملابسـه بالخارج حتى انتهى به الأمر لارتداء ملابسه الرياضية السوداء كانت تتأمل تقاسيم صدره الأشبه بلون حبة القمح القاتمة وتفاصيله التي حركت كل ساكن مجهول بداخلها .. قفل هاتفه المكدس بالمكالمات التي لم يلتف إليها ونزع نعله وهو يتأهب للنوم بجوارها .. ما أحست بقُربه فوثبت كالملدوغة من مكانها ، فسألهـا :
-هو أنا مش قولت استنيني متناميش !! من أولها عتكسري كلمتـي!
فزعت والخجل يكسوها متأهبة للذهاب :
-نمت .. قصدي منا صحيت اهو ، أنتَ صحتنـي خلاص .
تبسم لتشابك كلماتها مع تيـه نظراتها التي حيرته :
-استنى .. على فـين ؟!
بدّ الارتباك على ملامحها وهي تشتت أنظارها المتراقصـة عنـه وتهز كتفيها بخجـل:
-ولا حاجـة ، هسيبـك تنـام في السرير ؛ لوحدك ، هترتـاح أكـتر .. وو
ثم حانت منهـا نظرة خاطفة نحو كفه القابض على معصمهـا :
-أنتَ ماسكنـي كـده ليـه !! هارون بتـوتـر والله ..
تراقص حاجبـه بإعجـابٍ وبنظراته التي تُربكـها أكثر :
-أيه متوترك !!
ليـلة بتردد وهي تجلي حلقهـا مرات متتاليـة :
-أنتَ ، أنتَ بتوتـرني .. هيام ؛ هروح اطمن علي هيام … هي لسه صاحية مش كده .
التقـط حقيقة هروبها الطفولي منـه وقال بهدوء مشاكس:
-هيـام نامـت ، وأنتِ كمـان لازمًا تناميلك هبابة قبل ما نسافروا الصبح ..
-منا هنام ، لازم أنام ، بس أنام فيـن وأنت هتنام هنا فـ السرير ؟!
رد هارون بتريث:
-في حضني !! أومال هتنامي فين يعني ؟!
كتمت أنفاسها بكلا كفيها وبرقت عينيهـا بذهول:
-احيه !! لا طبعا عيب؟! أيه حضنـك ده!! مفيش الكلام ده .. انسى .. يالهوي!!
تمددت ملامحه بدهشة :
-ياصبـر الصبر !! على أساس كُنتِ مبرطعـة في حضن مين ليلة إمبارح !!
أحمر وجهها من شدة الخجل وانفجرت مثرثرة بوجهه :
-ايه!! يعني ايه مبرطعة دي!! لالا انتَ لازم تفهم إني لسه زعلانة واللي حصل امبارح كان لظروف خاصـة وأنت .. أنت أصلًا ضحكت عليا وأخدتني فـ حضنك بالأونطـة وو
احتدت نبرته :
-ليلة ؟!
بنظرات أرنب مذعور :
-نعم والله ..!
شبح ابتسامة خفيفة ظهر على شفته وهو يجذبها لحضنـه برفق و يتخذان وضع النـوم معًا :
-حلوة الأونطة مش كِده !!
اندس نصف وجهها بصدرها وهي تبتلع ضحكتها التي يدثرها بالغطاء فوقهـا بحنان ذاخر ، فمـا تلاقت ملامحهم المدججة بالحُب الثائر بينهمـا ، تراقصت جفونها وهي تحاول التملص من قبضتـه لتهب مقيمة خيمة شروطها :
-خلاص هنام في حضنك بس بشروط ، الأول تكون مؤدب وأكيد فاهم أقصد أيه ، ومتبصليش كده بعنيك الحلوة دي وتوتـرني أقول لك غمض عينيك دي خالص ، ثانيـا ، ممنوع اللمس …
-ودي تتعمل كييف يا فالحة !!
-خلي أيدك جمبك يا عمدة ، سهله أهي ..
-أومال هعمل أيه؟!!
ثم فزعت من مكانها وأكملت بدلال وهي ترفع سبابتها بوجهِه :
-هحكي لك حواديت ، تسمـع ؟!
اتخذت من ذراعه مسندًا لرأسها وعينيها تتأرجح في كُل الاتجاهات حتى استقرت على خاتم يدها :
-الخاتم حلو أوي كل شويه ابص له وابتسم .. لايق على أيدي صح !!
بلمسات طريفة من يده تدرك هدفهـا جيدًا تتنقل هنا وهناك لتحدث بها عواصف وعواطف جمـة خاصة بعالمهما الفريد .. كانت تنهيداته كالريح الخفيفة لا يود إغراق السفن بل يود النجاة على متنها ، تغلغلت أنامله بين خصلاتها بحنو وهو يتأمل طريقة نطقها للكلمات وهي تتاظره قائلـة :
-أنتَ عارف أن شهرزاد هي اللي عرضت الجواز على الملك !! كانت حجتها عشان تنقذ بنات القريـة من ظُلم الملك اللي خانته مراته وقرر ينتقـم من كل البنات اللي هيتجوزها .. بس اللي الناس متعرفهوش بقا .. أن شهرزاد كانت معجبـة بالملك من زمان كان هو فارس أحلامها، وبقوته وذكائه ومع أول حجة ليهـا استغلتهـا وعرضت عليه الجواز …مش سهلة شهرزاد بردو ..
أنصت لهـا باهتمام وهو يداعب ملامحها :
-وبعـديـن ، والملك وافق على طول كِده !
تململت في حضنه بخفة وهي تتأمل خاتمه بأصبعها :
-شهرزاد كانت جميلة أوي يا هارون .. كل الرجالة كانوا بيتنافسـوا عليها ، وأول ما شافهـا الملك وقع في غرامهـا ..
ثم عضت على شفتهـا التي سقاها برحيقه من قبل ورفعت جفونها لعنده :
-الجمال هو الفخ الحقيقي لأي راجل مايقدرش يرفضـه أبدًا .. أنت نفسـك آكيد قابلتك بنات حلوين واتمنيتهم ..
مسك كفها المُزين بخاتم زواجهـم ووضعه جهة قلبه قائلًا :
-أنا ما قابلتش وماتمنتش غيرك ..
-والله العظيم ولا بتسرح بيا !!
أصابتهـا رعشـة الخجل والحُب معًا وهي تتأمله بنظرات انبهار :
-مش قصدي ، تعرف أول مرة أحس أن مامتي داعية لي!!
تمتم بسره:
-وايه لازمتها السيرة العِكرة دي!!!
-بتقول أيـه !! مسمعتش ..
ثم اعتدلت من نومتهـا بنصف زاويـة ومازال كفها مستندًا على صدره :
-أحنا مش كنا هنسافر قنا الليلة !! غيرت رأيـك ليـه ؟! أحلام وحشتني وهيثم و
تعانقت الأعين كما تود قلوبهما أن تسبح في فضاء الحُب ، رفع صدره على الوسادة وهو يقبض على كفها ولا يود أن يفارق مكانـه أبدًا ؛ وقال ممازحًا :
-ماليش ، قولت أسرق من الزمن ليلة زيادة في حُضنك ..
اهتز قلبها من اعترافه الصريح :
-بجد.
ثم تجرأ كفه ليحتل خصرها المتقوس ليثير بها غرائز حبـه وأتبع :
-مش ضامن اللي مستنيني في البـلد ..
خفق قلبها برعب:
-هارون متقلقنيش .. أنا كل ما أحاول افكر بس في اللي ممكن يحصل بتجنن ، ممكن أطلب منك طلب …
-أنت تؤمري ..
سحبت كفها بخوف من المستقبل :
-بلاش نعرف حد أننا اتچوزنا ، أنا فعلًا كنت معترضة الأول أني أكرر غلطة رغد ، بس هستفيد بأيه لما النـاس تعرف وتروح مني .. بص خلاص خلاص أنا موافقـة والله هقضي عمري كله معاك في السر بس بلاش تروح مني … أنا مش عايـزة أخاف ..
اعتدل من اتكائه جالسـًا وهو يلمس تفاصيل وجهها بحُرية ويقول :
-وأنا مش هعيش عمري كله معاكِ غير في العلن ، مش هارون العزايزي اللي يدارى في حضن واحدة وهو خايف ، أنا أخدك في حضني قصاد الكُل ومحدش له حق ينطُق كلمة في حقنا ..
تشبث كفها بعضلات ذراعه الأيسر بتوسل :
-هارون ، متقلقنيش…عشان خاطري بلاش حتى وضع مؤقت تمام ، وأنا والله مش هضغط عليـك ، بس المهم أن آخر كُل ليلة اتونس في حضنك حتى ولو فالسـر والله راضيـة .. أنا خلاص فكرت.
-فالسـر والعلن وكُل الأحوال أنتِ مرتي يا ليـلة ..
اعتدلت في جلستها وهي تضم رُكبتيهـا صدرها وتستند بذقنها عليهما وتُقر معترفـة :
-تعرف أن الجواز كان فكرة مرعبة أوي بالنسبة لي .. كان الكابوس اللي كل فترة أهرب منه أو أأجله .. بس معاك غير .. هارون أنا مش خايفـة من حضنك ومش متهابـة وأنا مستغربة ، أنا أزاي كده .. هو مش طبيعي أبقى خايفة ومخضوضة !! لا أنا نفسي العُمر كُله يفوت وأنا معاك وأفضل باصة لك كده ..
ثم أشاحت بأعين قطة لا يليق بها الهدوء في فناء المشاعر :
-برغي كتيـر !!
ثم قاطعته بعفويتها :
-تعرف أني عمري ما حسيت بشريف ده أنه هيبقى چوزي وو
تحول الرجل المدجج بالحب أمامها لثور هائج عند ذكرها لاسم رجل مثله ، جحظت عيناه بحدة أرعبتها :
-الاسم ديه تمحيـه من نافوخك وو
لم تتحمل البقاء أمام نظراته العاتيـة أكثر ففزعت راكضة :
-هو أحنا مش صحاب وبفضفض عادي .. هارون متبصليش كده وو
-لا أنا رجل صعيدي ومخي ديه قفل مصدي …
لحق بها متبعًا خُطواتها بآخرى واسعة :
:
-أنتِ متعرفيش تتمي حاچة عِدلة لآخرها واصل !!
احتمت بظهر المقعد الخشبي تتوسله :
-والله آخر مرة مش قصدي .
حاول الإمساك بها ولكنها فرت كالأرنب من قبضته ضاحكة :
-هارون اخر مرة بقول لك ، خلاص والله انا اصلًا معرفتش حد بالاسم ده لا شريف ولا شهاب ولا شـ
هجر والغيرة تكسوه وهو يشـد حزامه الجلدي :
-شكلك مش ناوية تفوتي ليلتك ..
هبت صارخة والضحكة تتقاذف فوق ملامحها:
-يخرب عقلي أنا بصلح ولا بعُك ، خلاص يا هارون سيب الحزام ده أنتَ هتعمل عقلك بعقلي .. عيلة وغلطة أيه نموتها !!
لف الحزام الجلدي حول خصرها ليجذها إليه بغتة مُطلقة صرختها بصدره محاولة الهرب منه :
-أنت بتغش والله .. هارون بقا …
برقت عيناه محذرًا :
-تنسي الرجالة العرة دي كلها من نافوخك ، بصي افقدي الذاكرة العِكرة وهركبلك واحدة جديدة وبورقتها .. ذاكرة مكتوب فيها هارون العزايزي وبس ..
فرت من قبضتـه راكضة لتصعد فوق الفراش من جديد :
-خليك أوبن مايند شوية.. متقفلنيش منك …
رمى الحزام من يده وهو يعض على شفتيه متوعدًا ويراقب هيئتها المرحة وهي تتنقل هنا وهناك كالفراشة التي تسود الجمال على المكان ، حاول أن يمسك كفها ففزغت صارخة فاختل اتزانها لتقع فريسته في مصيدته :
-هتهربي تروحي فين يعني!!
مددت في منتصف فراشهما وهي ترفع قدميها وتضمهما لصدرها وقدميها يتحركان بالهواء صارخة بأصوات يعُمها الضحك مُعلنة هزيمتها وعيناها تتراقص نحوه :
-والله بهزر .. خلاص بقا أنتَ كسبت..
نصب أعمدة خيمته حولها وباتت أسيره لمرفقيه اللاتي يحاصرونها من اليمين واليسار ، تحت سطو نظراته المالكة .. كطاووس يحمي عصفورة من غدر المناخ .. تعانقت الأعين فانخفض صوتها وبجزل طفولي تترجاه :
-بهزر ، سوري مش هتتكرر تانـي عمري ..
بتبرته التي يرتد أنفاسها بوجهها :
-لو سمعتك بس جبتي حرف الشين على لسانك هتزعلي ..
-وههون عليـك ؟!!
احتدت نبرته :
-ليلة …..!!
اربكتها أنفاسها ونظراته التي لا يفصلها إلا مبادرة منه
-هارون موترني .. خلاص والله .. مفيش ..
رفع حاجبـه مؤكدًا :
-مفيش أيه ؟!
ردت بدهاء:
-مفيش غيرك أصلًا .. هارون بيـه العزايـزي .. حافظة أنا أهو .
أرضت غروره كي تنجو من فخه المنصوب فسقطت عيناه على سُرة بطنها المُتعرية ، وحمُرة شفتها التي تحرشت بغرائزه ، تنهد مؤكدًا :
-ولو غلطتي تاني …؟!
-أحيــه !! ليـه وأنا عبيطة !! حرمت خلاص .. وعد آخر مرة ..
كلمتـها الأخيرة بدلالها المُفرط وأسلوبها في التغنج تحت يده مفعولهما كالسحر على رجل مثله بدون أي بوادر مُعلنـة أطبق قُبلته على شفتيها فكانت برقـة النسيم الذي لا يُثلج الجسده ولا يدفأه ولكنـه كافيًا لاشعال ثورة مجهولة من المشاعر .. من هول صدمتها بلعت صوتهـا لتتحول لقُطة راضخة لتلك المشاعر الغريبة التي تتسرب إليها .. قفلت جفونها لتذوب معه في عالم الخيال وهي ترخي سدول أعصابها التي تُقاومـه ، فكان كالفنان الذي يلون شحوب لوحته ببراعـة ، ما حرر ثغرها المتورم بهدوء لينقل لجدار الفاصل بين قبلها وثغرها ولت وجهها جنبًا مستسلمـة بمشاعر مدفونـة عنه تخجل بالإفشاء بها ، تمادى وتزايـد في نقش حبه على لوحتها البريئة حتى اشتعلت نيران حارقة بجسد تلك الطفلة التي تجهل تفاصيل ما وراء الحُب .. ظلت تكتم وتخفي بمشاعرها حتى فاض الدمع من مُقلتيها وهي تتمتم متحيـرة بين اللذة والألم :
-هارون ..
ما تلاقت أعينها الغارقـة في بحر عشقه الذي فجره للتو واكتشفته على دكة لمسته الخاطفة كادت أن تتفوه والعبرات تكسو وجهها وجسدها يتنفض تحت عينيه عاد من قصر الحُب متعجبًا لهيئتها العصيبة حيث باتت كالحمامة المذبوحـة تحت يده ترتعش وترتجف فسألها :
-مالك !
حاولت أن تبرر حالتها :
-معرفش .. انا متوترة شوية بس وو
ثم دفتعه متمردة على قربه لتهرب من احتلاله محتمية بالحمام بارتباك :
-انا هروح الحمام….
•••••••••••
~مرسـى علم .
ما تأكدت نجـاة من نوم صغيرها تسللت بخفة شديدة من جواره بعد ما طبعت قبلتها الحنـونة على رأسـه .. تركت النور الخافت بجواره.. سارت على أطراف أصابعهـا حتى غادرت الغرفة وقفلت بابها بحرص شديد .. تنفست الصعداء وهي تتوجه صوب غُرفـة رؤوف الذي ينتظرها على مراجل تحرق ، يقطع خطاوي الأرض ذهابًا وإيابًا ، تنهدت بارتباك شديد وهي تدق باب غرفته بقبضة يده والذي كان واقفًا خلفه ، على الفور فتح بابها مزفرًا بحماس :
-لو مكنتيش چيتي كُنت هاچيلك وو
جلت حلقها بارتباك:
-چعان أجهزلك وكل !!
شدها من كفها قاطعًا المسافة الفاصلة بينهما لتتوسد حضنه المتعري شاهقة وباليد الآخرى أحكم غلق الباب عليهما وهي يتنهد تنهيدة الوصول الأخيرة:
-آخيرًا…… !
•••••••••••••
~العزايزة .
-"نورتي بيتـك يابتي ، وخلي بالك من روحك من اللي في بطنك ، سلامتكم تعز علينا "
بغُرفة أحلام احتشد الجميـع حول رغد العائدة من المشفى ، زام ثغر صفيـة متراقصًا بضيق ، فتدخلت أحلام :
-سلامتك يا بتي .. يكش ما تشوفي مكروه واصل في حياتك ..
كان هاشم واقفًا بمحاذاة النافذة ينفث دخان سيجارته حائرًا في سُحب الفكـر خاصةً بعد انقلاب البلدة على أخيـه لمجرد إشاعة أطلقت عليه ، فتدخلت مزمجرًا :
-حچ خليفة ، أحنا هنسكتوا على اللي داير يتقال علينا في النچع !!
رد خليفة بارتياح خاصـة بعد عثوره على ورقـة رابحـة لتبرئة ابنه :
-سيب اللي يقول يقول وركز في روحك يا هاشم ..
فأكمل بحدة :
-كلم أخوك قوله يعاود وبزياداه قعاد في بحري.. وشوف رؤوف صاحبك خد البت وراح على فين ، قوله عاود يا رؤوف وبطل لعب عيال …
فأعقبت صفية بقهرة مدفـونة :
-ما خلاص ولادك مبقاش ليهم رابط يا حچ ، كل واحد مطلوق على كيفه وبكرة نقولوا ياريت اللي چرى ما كان …
تجاهل الحج عويلها ثم نظر لرغد :
-وأنتِ يابتي تؤمري بحاچة أشيع هيثم يچيبهالك ..
-ولا حاجة يا عمو ، ربنا يخليك .
دخل هيثم برفقة أخيه الشيخ هلال الذي لا يرفع عينيه من الأرض متحمحمًا :
-ألف لا بأس عليـكِ يا زوجة أخى ..
خيمت الحيرة على وجه رغد لتحدثه بالعربية و ردت مجاملة :
-شكرًا لحضرتك ..
فأعقب هيثم مغازلًا :
-سلامتك يا مراة الغالي .. وأم الغالي .. وو
فحدجه هاشم محذرًا ليبتلع بقية جملته :
-لسه ماقولتش حاچة غلط أنا .. بس ناوي أقول ..
زفر هاشم بضيق من داعبة أخيـه المُغايرة لأوانها ، فأتبع هيثم يزف الخبر لأبيه بفرحة :
-العزايزة ملهلبة برة على هارون ، هموت وأعرف الخبر ديه طلع منين !! ديه واحد مركز قوي معاه .. بس مش وِلد سويلم .
فأتبع هلال باختناق :
-هارون يرچع ولازمهم واقفـة من حديـد يا أبوي .. دول محدش هاممهم ..
-الكُل هياخد حسابه يا ولدي .. طول بالـك .
دخلت رقية حاملة بيدها مائدة معدنية بها أطباق صغيرة من الحلويات " كيك وبسبوسة" صنعتها بيدها وهي تمشي على مهلٍ فما دار هلال ووجدها حمل المائدة نيابة عنها معاتبًا :
-ما قولتيش ليه كنت چيت قَليتها بدالك ..
فعاتبتها أحلام بنُصح :
-يابتي متشليش حاچة تقيلة لتكوني حبلى .. بالعدل على روحك ..
تبدلت ملامح صفيـة بسخط :
-ضربتين في الراس يوجعوا يا عمة ، ماهي ناقصـة !! ناقصة نكد على راس صفية واللي چابوها.
وضع هلال المائدة على الطاولة متجاهلًا تلميحات أمه :
-بس أيه الچمال ديه كله يا رقية ، يسلم يدك ..
تقدمت رقية بحب وهي تحمل طبقًا من الحلوى وتمده لحماها قائلة :
-اتفضل من يدي يا عم الحچ ، يارب يعجبك .. تحب أعملك شاى جنبيه ..
أخذ خليفة الطبق منها بيده المرتعشة من الكِبـر وشكرها :
-شالله تعيشي يا بتي .. ناكلوا في الفرح .
ارسلت له ابتسامة مجاملـة ثـم ولت لرغد المستندة على الفراش ومنحت لها طبقًا:
-أنا عملت عشانك أصلا ، لازمًا تاكلي وتتغذي زين عشانك أنتِ واللي في بطنك . يلا خدي من يدي .
اعترضت صفية الجالسة جنبًا بحرقة :
-علموكي في المدارس اللي دخلتيها إنك تكبري الصغيرة على حماتها ..كان فين المُر دي يا ربي..
عارضتها رقية بخفـة تحمل نكهـة المرحٍ :
-مش أنتِ قولتي مش عاوزة حاجة لا من يدي ولا من وشي يا عمتي!! رچعتي في كلامك ليه ! ولا يدي ووشي بقوا حلوين دِلوق .
تمتم هيثم لهلال أخيه :
-مرتك عتحفـر قبرها مع أمك .. خش ألحقها .
ضربت صفية كف على الأخر وهي تراقب الأعين التي تحاصرها خافيـة ضحكها وقالت :
-مقصوفة الرقبة دي عترد عليّ الكلمة بكلمتها .. وربنا لو ما اتعدلت لأعدلهالك ياهلال .. دي عتكيدني!!
تحمحم هلال متدخلًا في خضم حوارهم متغزلًا بها :
-بيضاء رعبوبة ، بالحُسن مكبوبـة بالمسك مشبوبـة ، يقُال عنها ذات رقبة مقصوفة!! ماتديها نضارتك يا أحلام شكلٍ المقاسات عند أمي بعافية ولا تحبي تاخدي عيوني تشوفيها بيها يا أم هارون!!
-كفاية عليك أنت يا خوي !! نضارة الحُب متعوسة ، وأنا تعسة ولادي بالكوم .
همهمات من الضحك اندلعت من الأفواه لتقول صفية مغلولة:
-يلا أهي حمارتك العرچة تغنيك عن سؤال الكهين… اللي ما يعرفش يقول عدس …
ثم زفرت بقهرة:
-ياخيبتك في ولادك ياصفية، كل واحد وقعته أنقح من التاني، ياريتني چبتكم كلكم بنات وارتحت من همكم …. مالها البت مش فاهمة !!
ما بين أصوات ضحكهم المتعالي اقتحمت البومة مجلسهم وهي ترمي على رأسهـا الوشاح بعشوائيـة :
-ما تضحكوني معاكم ولا هي الوكسة والخيبة التقيل عتحط على زينة وبس ..
تأفف هلال وهو يقرب زوجته منه بلطفٍ :
-سلام قولًا من رب رحيم.
تهامست رقية مع زوجها :
-دايما عتعارك دبان وشها البت دي ..
-رقية ؛ دعك منها ومن شأنهـا ، ركزي معي .
-كيف منا معاك أهو ، بشتكيلك بس ، أنت نفسك لسه قايل سـ.
ضغط على خصرها بحرص لم يلحظها أحد ومن خلف فكيه المنطبقين تهامس:
-باقي الكيكة دي طلعيها الأوضة أنا لسه مكلتش ومن شكلها عاوز أكلها وكل هي واللي عملتها ..
همت فارحـة :
-و الله عچبتك ؟!
برق الغزل بعينيـه :
-هي عاچبني من زمان .. بس تحن هبابه لوچه الله وشفاعة بقلب عبده .
جلست زينة على طرف الفراش الذي ترقد فوقه رغد :
-بردك مش هتعرفوني مين الحلوة حتى نضايفوها ونقوموا بالواچب !! ما تقوليلي أنتِ مين ومالك ملمومين كلهم حوليكـي ليه!! دأنتِ لو چايبـة لهم ولي عهد ما هيحتفلوا بيكي إكده !! هي مين دي ياعمتي ..
كاد هاشم أن يقف لها فتدخلت أمـه واقفة أمامه :
-قولنالك ضيفـة وبعدين أنتِ سايبة اوضتك ونازلة ليه !! في عروسة تهمل أوضتها إكده..
فأتبعت ساخرة تشكو حالها :
-وهو عدم اللامؤاخذة فينـه العريس يا عمتي!! فينه اللي نقفلوا علينا بابنا وكافيين خيرنا شرنـا ..
ثم عادت ناظرة لرغد :
-وأنتِ مش هتقولي مين ! ولا زي المذيعة اللي چات مخولت راس الكبيرة وهچت !! ماهي نفس العياقـة والشخلعة !! ياترى راسمة على ميـن هِنه !! هاشم ولا هيثم !!!
أعقب هيثم ساخرًا :
-والله هيثم كان نفسـه بس چيه متأخر ..
حدجه هاشم بعنفوان فلحق نفسه هيثم قائلًا :
-ما تتمسي عالمسا يا زينة !!
ضرب الحچ خليفـة الأرض بمؤخرة عكازه آمرًا :
-يلا كُل واحد منكم يروح يشوف مصالحه مش عاوز حد يزعل ضيفتي .. وأنت يا هاشم تعالى عاوزك ..
فركت زينة كفوفها ببعض:
-ما تردي ياختي أنتِ مين ولا لسانك بالعاه القُطة !!
تأرجحت عيني رغد بذهول فهي لا تدرك كيفيـة التعامـل معهـا فتدخلت رقية قائلة :
-مش باين عليها عيانة ومفهاش حيل للمناهدة !! لا في دم ولا نظر أومال في أيه ؟! هموت وأعرف !! سيبي الضيفة ترتاح وحلي عن راسهـا يا زينة …
-حوش حوش، رقية أبو الفضل بقالها حِس وصوت منفوش..!!
تدخل هلال بحزمٍ وهو يمسك كف زوجته:
-يلا يا رقيـة ..
••••••••••
~القـاهـرة .
قرأت نصًا قديمًا في أحد الدفاتر الباليـة :
هناك أشخاص في الحياة يأتون كاعتذارات عن العمر المنسي، عن المتاهات والوقت الضائع، عن حماقات البشر، وقساوة الواقع.
فتشعر وكأنهم يمتازون بخفة لا توجد إلا فيهم، كـ نسيم بارد في عنفوان حرارة الصيف، أو كـ طيف دافئ في ليالي الشتاء الجميلة، كـ بلسم للزمن الجاف وكـ الرزق لسنين العمر العجاف.
ظلت تغسل وجهها حتى كاد أن يذوب حزنه من كثـرة الماء الفاتر وهي تغرق في عُمق المجهول وعُمق العالم الذي طلت عليه من بعيدًا معـه عالم رغم جماله إلا أنه مُربكًا للغايـة ، دق الباب بقلق لتأخيرها بالداخل :
-ليلـة !!
أخذت نفسًا عميقًا وهي تقفل الصنبـور وتدور لتفتح البـاب والخجل يعُم على ملامحهـا ، فما رأته تصلبت مكانها فتلهف مطمئنًا :
-فيكي حاچة !! متقلقنيش عليكِ .
بللت حلقها ثم اندفعت لحضنه كالغريق المتعلق بقشة النجاة وهي تقفل ذراعيها حول خصره كأنه شيء مهم لا تود خسارته أبدًا .. أخذ يمسح على رأسها :
-أنا معاكِ أهو هروح فين !! متخافيش .. چرالك أيه..؟!
ثم انحنى ليحملها بين يديه بدون مجهود يُذكر لخفة وزنها ، حاول التدقيق فـ ملامح وجهها ولكنها دفنته بحضه وهي تتعلق برقبته ، فأردف ممازحًا :
-كُل ديه عشان حِتة بوسة !! دانتِ قلبك خفيف قوي هتچمديـه ميتى !!
ضربته على كتفه برفق :
-هارون خلاص بقا اسكت وإلا ..
تحرك نحو فراشـه بهمـلٍ :
-ما بلاش وإلا دي محدش عيفرفر غيرك !!
ثم جلس على طرف فراشه وهمس معتذرًا :
-حقك عليّ و
رفعت جفونها بخجل :
-هارون أنا عايزة أنام لو سمحت ..
لبى طلبها بدون جدال وتحرك ليضعها بمكانها ثم انحنى هامسًا بآذانها :
-مش عاوز أشوف الخوف اللي شوفته ديه في عينك مرة تانيـة ، أنتِ مرتي ومحدش هيصونك قدي ومتخافيش مفيش حاجة هتحصل بينا غير فالعلن وكل الناس هتكون عارفـة .. هيتعملك أكبر فرح في مصر كُلها .
ثم غمز لها بطرف عينيه وأتبع :
-واعذريني أصلي أنا من الرجالة اللي بيغويهم الچمال ، قصادك حسنك ربنا يصبرني لغاية ما يچي اليوم دي..
ثم طبع قُبلته الطويلة بين حاجبيها :
-ديه وعدي ليكي.. وعد هارون العزايزي ..عايزة حاچة أبعت أجيبهالك من تحت ..؟
هدأت ضربات قلبها ولمع الحُب بوجهها وهي تمسك كفه طالبـة منه بدعوة أمان صريحة :
-هارون .. عايزة أنام في حضنك وبس .
•••••••••••
-هو هاشم عصبي ومتهور بس غلبان والله يابتي ، أقعدي معاه واسمعيـه .. يكش المية تعاود لمجاريها..
أردفت أحلام بنبرتها الحنونة وهي تربت على كتف رغد وترق قلبها على هاشم، فتراقصت العبرات بمُقلتيها:
-اتجرحت منه يا طنت ، ومامي مستحيل هتوافق، دي أصلا مفكرة إني كل ده فالبيت والطيارة فاتتني وو
هبت أحلام ناصحة:
-يابت يا عبيطة دي چوزك وأبو ولدك اللي چاي ، زعلانـة منه ربيه ولاعبيه لكن مش تقاطعيه، متزعلهوش لغاية ما يهج من عشك ..
ردت بضيق:
-أنا مابقتش عايزة هاشم يا طنت خلاص.. أنا مستحيـل أسامحه مهما عمل …
ختمت جملتها بصوت الباب الذي فُتح على مصرعيه بعد ما تأكد من نوم سُكان البيت اقتحم غرفة أحلام التي هبت مفزوعة :
-يكش تاكل أمك !! ايه دخلة المُخبرين ديه !!
بدون أي مقدمات هجم على مرقدها واخترق حصونها وحملها متجاهلًا صرخاتها وتحذيراتها:
-هاشم أنتَ اتجننت !!بتعمل ايه؟!
حاولت أحلام أن توقفه عن فعله الجنوني ولكن أن انطلق سهم القلب من يرجعه .. حملها وغادر الغرفة بنظرات تحذيرة واتبع :
-رغد ولا كلمة !!
تهامست بحذر :
-هاشم نزلني !! أنت فاكر إني كده هسامحك !بلاش جو البلطجة ده خلاص مش هياكل معايـا.
رفع حاجبـه بحسمٍ وهو يتجه صوب غُرفته معاندًا :
-على أخر الزمن أن حد يقول لي اتعامل كيف مع مرتي!! ليه !!
-هاشم نزلني بقول لك مش خايف حد يشوفنا !!
وصل لغرفته وأنزلها برفقٍ ثم قفل بابها بالمفتاح حاسمًا أمره :
-وأدي الباب يا رغد ، مفيش طلوع من الأوضة دي غير وأنتِ فاردة بوزك …
-هاشم !!
-رغد !!
تحركت نحو فراشه واتخذت وضع النوم لتتجاهل وجوده تمامًا :
-ماشي، اتكلم مع الحيطان بقا وكسر ورزع مع نفسك ؛ أنا حامل ولازم أنا وارتاح …
زفر بامتعاض بعد ما أشعلت ثورة محرقـة بصـدره :
-رغد بلاش أسلوب العيال ده!! وكلميني زي ما بكلمك ..
تحدته بعناد كي تهرب من ضعفها أمامه ورضوخها الواقع لا محالة رغم مصائبه الفادحة:
-أقفل النور يا هاشم ….
•••••••••••••
~صباحًا …
ضُبت الحقائب وعُزم أمر الترحال وبعد محاولات متعددة بإقناع ليلة بالعودة معه يومين لا أكثر وافقت على مضضٍ ، خرج من مدخل العمارة فكان العم حسن بانتظاره، سلم عليه وشكره وأرجع له مفاتيح شقة ابنه ، ساعد العـم حسن هارون في وضع الحقائب بمؤخرة السيارة ، اعترض هارون على مساعدته وحاول اعطاءه بعض النقود الورقية ولكنه رفض قطعًا وقال موصيًا:
-ليلة بنتي يا ولدي ، أمانة عليك خلي بالك منها البنت ملهاش غيرك دلوقتي.
-في قلبي وفي عيني والله يا عم حسن والله، اطمن ..
رن هاتف العم فاستأذن ليجيبه وأكمل هارون تجهيز سيارته للانطلاق للعزايزة .. جلس على مقعده الأمامي يفحص بنزين السيارة التي حتمًا سيملأها قبل أن يتحرك ففوجئ بفوهة سلاح مصوبة نحو رأسه وصوت شريف يصدح من ورائها قائلاً :
-مش بالسهولـة دي يا عزايزي …..
يتبع ‼️
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا