رواية فى حي الزمالك الفصل السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرين بقلم ايمان عادل كامله
رواية فى حي الزمالك الفصل السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرين بقلم ايمان عادل كامله
الفصل السادس عشر: تَأْثِير 🦋✨🤎
أخذت أفنان تتأمل الرسالة وقد ابتسمت ابتسامة واسعة حتى شعرت بآلم في فكها، لم تستوعب هي كونها مراقبة من الجميع وخاصة نوح، أما عن رحيم فوقف خارج القاعة يتأمل وجه أفنان السعيد من خلال الفتحة الصغيرة في باب القاعة.
"خلاص خلصنا نرجع لشغلنا كله يبصلي هنا." صدح صوت نوح الغاضب يرج أرجاء القاعة لتنتفض أفنان من موضعها وهي تنظر نحوه بإستياء لصراخه الغير مبرر، أكمل نوح الشرح لتبدأ أفنان في تناول فطورها بنهم بينما تحتسي المشروب المثلج، كان يشعر نوح بنيران تشتعل داخل قلبه فهو لم يرى أفنان سعيدة لهذه الدرجة عند حصولها على شيء ما من أحدهم.. أو ربما فعل فلقد كانت تحمل تعابير الوجه ذاتها حينما إبتاعها الدمية التي كانت تتمناها في عيد مولدها التاسع.
"كده أحنا خلصنا الشرح والمرة الجاية هنحل أسئلة عاللي شرحته ياريت كله يذاكر مفهوم؟" سأل نوح بنفس النبرة الحادة ليومئ الجميع بينما لم تهتم أفنان لأن ترفع عيناها نحوه.
"اتفضلوا عالمعامل." تحرك الجميع من موضعه وكان آخر من فعل هو أفنان كالعادة.
"حلو الدونتس مش كده؟ الله يرحم." علق نوح بسخرية بينما تسير أفنان نحو الخارج، تقف وتستدير لتنظر نحوه بإزدراء.
"اه حلو، عايز أيه يعني؟"
"لا مفيش بقول يعني بعد ما كنا بنجيب سندوتشات فول بقى بيجلنا دونتس."
"مش فايقالك على فكرة، لَخص!"
"متمشيش بعد العملي، هوصلك ونتكلم."
"بص يا نوح لو كلامك معجبنيش وحسيت فيه بذرة إهانة.. بعيداً عن أني هسيبك وأمشي طبعاً بس همسح بكرامتك المنطقة الصناعية كلها تمام؟" أردفت أفنان بنبرة جادة هي ترفع سبابتها في وجه نوح مُحذرة إياه، ابتسم نوح بسخرية غير مُهتم بتهديدها.
اتجهت أفنان إلى القاعة وهي تبحث بعينيها عن رحيم لكنها لم تجده لذا اتجهت إلى داخل المعمل لتجد أنه ليس هناك كذلك، لكن سمعت فجاءة صوت نداء بهمس يُشبه خاصة الذي يُصدره الجميع عند النداء على قطة.
"بست.. بِس بِس." إلتفتت أفنان لتجدد رحيم يقف في أحد الممرات التي لم تنتبه لها من قبل، تبتسم ابتسامة واسعة وتتجه نحوه وهي تسأل:
"أول مرة أشوف الحتة دي والمكاتب.. وبعدين ثواني.. إيه بتبسبسلي ليه شايفني قطة؟"
"ما أنا لو نادهتك بإسمك والناس خدت بالها هتتخانقي معايا." فسر رحيم لتنظر نحوه بإبتسامة واسعة قبل أن تقول:
"فاهمني أنت يا رحيم."
"بحاول بكل طاقتي والله.. عشان فعلًا حابب افهمك أكتر وأكتر."
"تصدق أول مرة أخد بالي من حاجة.."
"أيه هي؟" سأل رحيم بحماس لتأخذ أفنان نفسًا عميقًا ثم تقول بمزاح:
"أنك شاطر في الكيميا والكلام الحلو."
"وهو أنتي اصلًا بتديني فرصة؟ ده أنا كل لما أتكلم بتحرجيني!" أردف رحيم بنبرة من طفح كيله لكن نبرته كانت أقرب إلى المزاح.
"مش بيبقى قصدي.." أردفت لينظر نحوها رحيم بحاجب مرفوع لتحمحم وتُعلق وهي تحاول ألا تبتسم قائلة:
"يعني مش طول الوقت بصراحة.. عمتًا متزعلش يا سيدي حقك عليا."
"مبزعلش منك اصلًا."
"طيب خلاص كفاية سهوكة بقى عشان نفسي بتجذع." اردفت أفنان حينما بدأت تشعر بالتوتر من كلمات رحيم الحُلوة.
"بتج.. بِت أيه؟"
"لا بقولك أيه مش وقته.. أنا هبقى أجمعلك مصطلحاتي كده في قاموس وتبقى تحفظهم مع نفسك بقى."
"فكرة حلوة بس مش أحلى من صاحبتها." قال رحيم بصوت منخفض وبنبرة لعوب لتنظر نحوه أفنان من الأعلى إلى الأسفل ثم تتنهد وتغادر متجه نحو المعمل، كان المعظم قد توجه إلى الداخل بالفعل عدا أفنان التي اتجهت نحو الداخل ولحقها رحيم مباشرةً فنظر الجميع نحوهم بشك وقد رأت بعض الفتيات يهمسن، تتجاهل أفنان نظرات الجميع وتذهب لتجلس في مقعدها ومن داخلها تسب رحيم واليوم الذي رأته فيه في حي الزمالك!
"بس خلاص كفاية كلام يلا يا دكاترة عشان نشتغل."
"دلوقتي كفاية كلام." تمتم فتى بصوتًا منخفض لكن رحيم استطاع سماعه، لذا استدار نحوه بغضب وصاح موبخًا إياه قائلًا:
"بتقول حاجة؟ سَامّعني."
" كنت بقول نبدأ شرح."
"لا هو أنا اللي أقول أمتى نبدأ مش أنت." اردف رحيم بنبرة هجومية قليلًا لتنظر نحوه أفنان بنظرة مغزاها أن يهدأ ليصمت هو لثوانٍ ويأخذ نفسًا عميق قبل أن يُرخي عضلات وجهه.
"طيب دلوقتي أنا عايزكوا كده تفكروني أحنا خدنا أيه المرة اللي فاتت." سأل رحيم ليبدأ الجميع في التحدث بعشوائية فيُغمض رحيم عيناه بإستياء ثم يقول:
"شباب شباب.. احنا مش في nursery 'حضانة' حد واحد بس يتكلم." أنهى رحيم جملته وعلى الفور رفعت أفنان وفتى وفتاة أيديهم ليُجيبوا.. نظر رحيم طويلًا نحو أفنان لكنه في النهاية أشار للفتاة الآخرى لتجاوب بدلًا عنها.
أجابت الفتاة بدقة متذكرة كل ما أشار إليه رحيم في المرة السابقة لينظر نحوها ويبتسم ثم يُردف:
"براڤو عليكي كل اللي قولتيه مضبوط، ده انتي طلعتي شاطرة اوي.. شكلك هتنافسي كويس على الجايزة اللي في آخر التدريب." ابتسمت الفتاة ابتسامة واسعة، بالطبع فمن سيتم مدحة من شخصًا كرحيم يجب عليه أن يشعر بالإطراء، نظرت نحوه الفتاة وصدر منها ضحكة صغيرة ثم علقت قائلة:
"شكرًا يا دكتور وبعدين ده بسبب مجهودك وشرحك يعني."
" دكتور رحيم، بعد إذنك هروح التواليت!" استأذنت أفنان وهي تتحدث بنبرة حادة ثم اتجهت نحو الخارج غير منتظرة ردًا من رحيم وأثناء سيرها دفعت الفتاة بخفة بواسطة كتفها.
"أيه ده حسبي!"
"معلش أصلي مشوفتكيش." قالت أفنان بلا مُبالاة وهي تتجه نحو الخارج وتصفع الباب بعصبية، اتجهت أفنان إلى دورة المياة لتقوم بغسل وجهها بالمياه الباردة علها تُطفئ الغضب اللا مُبرر الذي تملكها.. نظرت إلى نفسها في المرآة وهي تهمس مُحدثة نفسها قائلة:
"أيه يا أفنان الجنان اللي أنتي فيه ده؟ كل ده عشان قال أنها هي اللي هتقفل الامتحان؟ طب وايه يعني ما في داهية المكافئة.." حاولت أفنان أن تُقنع ذاتها أن هذا هو سبب الغضب لا أن رحيم قد فضل فتاة آخرى عليها ووقف يمدحها أمام الجميع بل وأمامها هي شخصيًا، فليس من حقها أن تغضب على أي حال.
جففت أفنان يديها بواسطة منديل ورقي وقامت بضبط وشاحها ثم اتجهت نحو الخارج، دلفت إلى المعمل لتجد أن الجميع يرتدون معاطفهم البيضاء بالفعل عدا هي.
"البالطو يا دكتور." تحدث رحيم فجاءة من خلف أفنان لتنتفض من موضعها ثم تنظر نحوه بإستياء وتقول:
"هلبسه والله حاضر بس الصبر."
"أفنان! أتكلمي بطريقة أحسن من كده لو سمحتي." وبخها رحيم لكن بنبرة منخفضة راغبًا في عدم سماع أحدًا آخر، نعم لقد أغضبته نبرتها لكن هذا لا يعني أن يقوم بإحراجها أمام الجميع.
"أسفة.."
"خلاص حصل خير، يلا أقفي مكانك عشان نبدأ شغل." أومئت أفنان ووقفت في موضعها ولأول مرة تقريبًا تلوم نفسها على التحدث مع أحدهم بحدة، فرحيم ليس كأي شخصًا آخر فأخلاقه تلك تُجبرها على احترامه..
سار الشرح والعمل بصورة سلسة وكان رحيم يعاملها بلطف هي وسائر المُتدربين وتلقائيًا قفز إلى عقلها كيف كان يعاملها نوح بحقارة أمام الجميع لمجرد أنه غاضبًا منها بل وبلا سبب أحيانًا لكن ها هو رحيم يتعامل وكأن شيئًا لم يكن بالرغم من تحدث أفنان إليه بفظاظة.
"دكتورة أفنان! Watch out 'احذري' كنتي هتحرقي إيدك." صاح رحيم فجاءة وهو يهرول نحوها.
"أنا.. أسفة سرحت بس.. دماغي مصدعة شوية." قالت أفنان وهي تُمسك برأسها لينظر نحوها رحيم بقلق ويسألها قائلًا:
"تحبي تاخدي Break 'راحة' ؟"
"لا أنا كويسة.."
"متأكدة؟" كان القلق باديًا على نبرته لتبتسم أفنان ابتسامة صغيرة.
"اه.."
"عالعموم احنا مش هنطول النهاردة يا شباب كلكوا باين عليكوا الإرهاق." تحدث رحيم بنبرة التعميم لكن أفنان كانت تعلم جيدًا أنه قال ذلك فقط من أجلها..
"أحنا كده خلصنا وتقدروا تتفضلوا يا شباب." قال رحيم بعد نصف ساعة تقريبًا، غادر الجميع المكان بالفعل ومن ضمنهم أفنان فهي لم تشعر بأن مزاجها جيد للتحدث مع رحيم أو المزاح معه فعلى الأغلب ستتحدث بسخف وسينتهي الأمر بشجار ولكن ذلك لم يحدث مع نوح فلقد كان ينتظرها بالقرب من السُلم، اتجهت ناحيته وهي تزفر بضيق قبل أن تقول بإرهاق:
"أيه رأيك نأجل كلامنا عشان بجد مش رايقة خالص."
"الكلام اللي هقوله مش هينفع يتأجل يا أفنان." تحدث بنبرة جادة غير مُباليًا بما تقوله أفنان.
"أرغي يا نوح ومتزعلش من أسلوبي اتفقنا؟"
"كده كده متعود على أسلوبك اللي زي الزفت متقلقيش." اردف نوح لتنظر نحوه أفنان بحده وهي ترفع أحدى حاجبيها.
"لَخص يا نوح بقولك مش رايقة!"
"هسألك سؤال وهسيبك تمشي.. أيه علاقتك برحيم يا أفنان؟"
"وأنت مالك يا نوح؟ ده يخصك في أيه يعني؟"
" أفنان لآخر مرة بسألك أيه علاقتك باللي اسمه رحيم ده؟" سأل نوح بنبرة هجومية وهو يصيح.
"أيه آخر مرة يعني؟ هتعمل أيه مش فاهمة؟"
"أنتي بجد ساذجة لدرجة أنك فاكرة أن واحد زي رحيم ممكن يبصلك! فوقي لنفسك يا أفنان!"
"نوح حاسب على كلامك!" صاحت أفنان في وجهه وهي ترفع سبابتها مُحذرة إياه.
"غبية ومُغفلة بجد.. ده آخره يتسلى بيكي شوية ويرميكي!"
"أنا استاهل ضرب الجزمة أني عملالك قيمة وواقفة أتكلم معاك." قالت بوجه ممتعض ثم استدارت لترحل متجاهلة وجوده.
"احنا مش في فيلم عربي، ابن الباشا عمره ما هيحب بنت الجنايني يا أفنان، مش لازم أفسر هو هيبقى عايز منها أيه وبمجرد ما هياخده مش هيعبرها تاني، وأظن الوضع وقتها مش هيعجبك.. ولا أنتي ليكي رأي تاني؟" قال نوح بنبرة استفزازية وبصوتًا عالٍ نسبيًا، كادت أفنان أن ترحل لكنها عادت أدراجها ووقفت تنظر إلى داخل عين نوح قبل أن ترفع يديها وتصفعه.. فتح نوح ثغره وأتسعت عيناه من الصدمة، غادرت أفنان المكان بخطوات واثقة وهي تتجه نحو الأسفل بواسطة السُلم.
"عارف أنا كنت ناوي أتخانق معاك عشان بتتكلم على لساني وبتشوه صورتي قدام أفنان بس اعتقد أن القلم اللي خدته منها كان رد كافي."
"أنت أيه اللي دخلك حياتنا؟!" سأل نوح بإستنكار وهو يركض نحو رحيم ويضم قبضته راغبًا في لكمه لكن قبضة رحيم كانت أسرع وأقوى.
"أنت اللي أيه بيدخلك بيني وبين أفنان؟!"
"أفنان دي تخصني من قبل ما يجي اليوم الأسود اللي شافتك فيه!" صرخ نوح بتلك الكلمات بعد أن استقام وهو يترنح نسبيًا من آثر اللكمة، نظر نحوه برحيم بتسأول وهو يضم عيناه محاولًا فهم مقصد نوح من تلك الكلمات.. استغل نوح تلك الثواني وركض نحو رحيم في محاولة للكمه ولكن قبل أن يصل إليه كانت الحراسة الخاصة برحيم تحول بينهم ويمسكون بنوح بقوة.
"بتتحامى في الأمن يا جبان؟! تعالالي هنا راجل لراجل."
"أنت عارف كويس يا نوح أني لو مسكتك محدش هيعرف يخلصك من ايدي ولكن أنا هسيبك احترامًا للمكان اللي احنا فيه واحترامًا لأفنان اللي أكيد مش هتبقى مبسوطة لما تعرف اللي حصل دلوقتي ده." اردف رحيم ثم اتجه نحو المصعد وضغط على الزر، دلف إلى الداخل وقبل أن يغلق الباب بثوانٍ أضاف رحيم:
"خلاص سيبوه." اتجه رحيم إلى خارج الشركة مُسرعًا بحثًا عن أفنان لكن لم يجدها في الأرجاء لذا توقع أنها قد رحلت بالفعل، ذهب رحيم لإحضار سيارته لعله يجدها أثناء قيادته حول الشركة.
أما عن أفنان فقد غادرت قبله بمدة قصيرة.. تهرول في الشارع بأعين باكية ونبضات قلب متسارعة لا تُصدق ما قاله نوح لها بالأعلى.. لأول مرة تشعر أفنان بهذا الكم من الغضب تجاه نوح، تحاول كتم شهقاتها بصعوبة.. تشعر وكأن العالم كله جاثمًا على صدرها حتى بات التنفس امرًا مؤلمًا بالنسبة إليها.
"ازاي وصلنا لكده؟!" همست لنفسها بصوتًا مكتوم، عقلها يأبى استيعاب ما قاله نوح قبل قليل.. هل حقًا يتحدث عنها بتلك الطريقة؟! وكأنها فتاة ليل أو فتاة بلا كرامة وشرف.. كيف لنوح الذي كان يُدافع عنها في صغرهم أن يتحدث إليها بتلك الطريقة؟ لقد ترك نوح ندبة داخل قلب أفنان وآلاف الإعتذارات منه لن تستطيع أن تُعيد الأمور إلى سابق عهدها..
قطع بكاءها صوت بوق سيارة عالٍ لتلتفت سريعًا وهي تنوي أن تسُب ايًا كان قائد السيارة لكنها وجدته هو.. رحيم، تمسح دموعها سريعًا ثم تقترب من السيارة لتسمع ما يود قوله.
"اركبي العربية نروح نقعد في حتة ونتكلم."
"مش هركب." قالت بنبرة حازمة ليأخذ نفس عميق ثم يُردف:
"يلا يا أفنان please 'من فضلك'."
"قولتلك مش هركب يا رحيم وبجد معنديش ذرة طاقة للخناق والجدال دلوقتي."
"طيب بصي هطلبلك حد يجي يوصلك على مكان كافية مش بعيد أوي عن هنا وقابليني هناك تمام؟"
"تمام.." اردفت بقلة حيله فلا طاقة لها للجدال الآن، وقفت على جانب الطريق تنتظر وصول السيارة.
"بصي أنا حطيت location 'الموقع الجغرافي' الكافية، خدي بالك من نفسك ماشي؟" قال لتنظر نحوه بأعين فارغة وتكتفي بالإيماء، يعبس وجه رحيم فقد كان ينتظر منها أن تمازحه أو أن تسخر مما تقوله لكنها لم تفعل ذلك.. لم تكن كعادتها.
وصلت السيارة بعد ثلاثة دقائق وتأكد رحيم من أن السائق يعرف الطريق جيدًا وتأكد من أنها مُرتاحة داخل السيارة، انتظر انطلاق السيارة التي هي في داخلها اولًا ثم لحقها هو.
لم تستغرق الكثير من الوقت حتى وصلت إلى الوجهة التي اختارها رحيم، مقهى ومطعم فاخر وإن كان يبدو شبابيًا إلى درجة كبيرة لكنه مازال ذو ذوقًا رفيع وأسعار باهظة غالبًا.
فور توقف السيارة غادر رحيم خاصته واتجه نحو الآخرى ليفتح الباب لأفنان بنُبل.
"شكرًا.. تسلم."
"عفوًا، يلا؟"
"لا استنى ثواني أنا لسه مدفعتش."
"تدفعي أيه بس؟! انزلى، تقدر تتفضل حضرتك." سألها رحيم بسخرية واستنكار وهو يبتسم ابتسامة جانبية ثم يُشير لأفنان بأن تبتعد عن السيارة.
"ايه طب فاهمني طيب؟"
"أنا اصلًا طالب من ال App وعامل أن ال Payment 'طريقة الدفع' تبقى من ال credit card 'بطاقة الإئتمان'."
"اه.. تمام.."
"عارفة أنا زعلان أوي وأنتي مش بترخمي عليا ولا بتهزري معايا زي الأول.. أنا عايز أفنان القديمة."
"قديمة أيه يا ابني ما أنا كنت بهزر من ساعتين عادي." علقت بسخرية وقد زين شبح ابتسامة ثغرها لينظر نحوها بإبتسامة واسعة ويقول:
"ايوا كده هو ده اللي أنا عايزة، يلا اتفضلي.. Ladies first 'السيدات اولًا'." دلفت أفنان نحو الداخل ليلفحها نسمات الهواء الباردة بسبب المُكيف، تنظر بعيناها إلى الطاولات حتى تجد واحدة شبه منعزلة وتكفي لفردين فتتجه إلى هناك مباشرة.
سحب رحيم أحدى الكراسي بنُبل سامحًا لأفنان بالجلوس لكنها ظنت أنه يسحبه لنفسه لذا ذهبت إلى الجهة الآخرى فوقف ينظر نحوها بدون استيعاب.
"في حاجة؟ ما تقعد." قالت ليقهقه بقوة ثم يجلس على مقعده، يُمسك بقائمة الطعام والمشروبات ويسألها قائلًا:
"تحبي تشربي ايه؟ ولا أقولك ممكن ناكل أحسن."
"مليش نفس.."
"تاكلي grilled chicken 'دجاج مشوي' ولا steak 'لحم'؟" سأل رحيم متجاهلًا ما قالته لتنظر نحوه بإمتعاض وتُردف:
" يا دكتور أنت مش سامعني ولا أيه؟ بقولك مليش نفس بجد..."
"بصي يا أَفي كونك زعلانة ده شيء ملوش علاقة بالأكل.. أنا عارف كويس أحساس الجوع الرخم ده اللي بتحاولي تقاوميه لمجرد أنك المفروض زعلانة." أوضح رحيم بنبرة واثقة وهادئة وكأنه قد أختبر كثيرًا الشعور الذي يتحدث عنه.
"أَفي؟" سألت أفنان وهي تَضم حاجبيها بإندهاش مع إبتسامة صغيرة زينت ثغرها.
"اه ده nickname 'اسم للتدليل' لإسم أفنان من تأليفي." فسر لها رحيم لتبتسم ابتسامة بلهاء ثم تُردف بنبرة مُرتفعة:
"الله!!! ده حلو أوي بجد أول مرة حد يقوله."
"هو Style الدلع أوربي شوية يعني فمش هتلاقي حد بيقوله، بس هو لايق جدًا عليكي."
"جميل أوي بجد ومختلف.. المهم طب خلاص بقى سيبك من موضوع اسمي ده دلوقتي وقولي أنت جايبني هنا ليه؟" ابتسم رحيم ابتسامة واسعة عندما انتبه لوجه أفنان الذي كسته الحمرة وهي تحاول تغير مجرى الحديث، صمت لثوانٍ ثم حمحم وهو يُقلب في قائمة الطعام قائلاً:
"ها Chicken 'دجاج' ولا Steak 'لحم'؟"
"أنت هتاكل أيه؟"
"اه عشان تجيبي زي وكده؟" سأل رحيم بسخرية وهو ينظر إلى قائمة الطعام لتنظر نحوه ببلاهة لثوانٍ قبل أن تُجيبه قائلة:
"لا عشان اجيب عكسك."
"ياربي عالغلاسة! عموماً أنا هاكل Steak 'لحم' ياستي."
"تمام وأنا هاكل فراخ." أشار رحيم للنادل والذي أتى على الفور ليدون طلباتهم، اعتدل رحيم في جلسته ثم قال بنبرة هادئة وهو ينظر نحوها بدفء:
"بصي عشان أكون صريح معاكي.. أنا سمعت جزء كبير من الكلام اللي الحيوان اللي اسمه نوح ده قاله، وبصراحة كنت هتدخل لكن معملتش كده لسببين.. اولًا: احترامًا لخصوصيتك وأني المفروض مكنتش اسمع اصلًا، ثانيًا: عشان أنا واثق تمامًا أنك قادرة تجيبي حقك من غير أي مساعدة مني."
وضح رحيم بصدق ليظهر شبح ابتسامة على ثغر أفنان فقد راق لها كثيرًا الطريقة التي يُفكر بها إن كان صادقًا بالطبع، فلقد منحها شعورًا بالثقة بالنفس بإستخدامه لتلك الكلمات.
"شكرًا أنك إنسان مُتفهم.. لحد دلوقتي يعني." تحدثت بجدية في بداية جملتها ثم أنهت بسخرية ونصف ابتسامة.
"ليه متوقعة الأسوء مني؟"
"مش منك.. بس إذا كان في ناس قريبة مني أوي وعشرة عمر وفي الآخر عملوا حركات مش تمام هتيجي عليك أنت ياللي لسه عرفاك من كام يوم؟" تحدثت بإبتسامة مُصطنعة لكنه لم يتكبد عناء النظر إلى ثغرها بل نظر إلى داخل عيناها التي ارتسمت داخلها كل تعابير الحزن والخيبة..
"كلامك يُعتبر منطقي لكنه مش صح One hundred percent 'مئة في المئة' يعني، وبعدين وثواني وأنتي كنتي قريبة من نوح ده ليه؟ تعرفيه منين اساسًا؟ ليه بتتكلموا كأنكوا تعرفوا بعض من سنين؟!"
"بس بس اهدى كده، أنت سيرة نوح بتعفرتك ليه كده؟" سألت وهي تقهقه متناسيه تمامًا الجو الدرامي الذي ساد قبل دقيقة واحدة.
"بتعمل ايه؟" سأل بدون فهم لتضحك ثم تصمت وهي تحاول أن تُرتب أفكارها لكي تجد معنى مناسب للكلمة ثم تُفسر مُردفة:
"بتخليك متعصب مش على بعضك كده.."
"يا أفنان متّوهنيش أبوس ايديك.. جوابي على سؤالي بس."
"أيه أبوس ايديك دي؟ هو أنا والدتك! ما علينا المهم يعني أصل نوح يبقى قريبي." تحدثت بمزيج من الإستنكار والسخرية مُقتبسة جملة من فيلم كوميدي شهير على الأغلب لم يشاهده رحيم من قبل.
"نعم ياختي!"
"أعوذ بالله! أنت ليه قلبت من السَبتيه فجاءة كده!"
"قريبك ازاي يعني؟ لا فهميني، ها قولي."
"يا ابني ثواني.. أبلع ريقك كده واديني فرصة أجاوب الله!" صمتت لثوانٍ وهي تتحاشى النظر إلى عينيه لا تدري كيف تُخبره بذلك، أخذت نفسًا عميقًا ثم أردفت:
"نوح يبقى ابن خالتي."
"نعم؟!!!! أنتِ بتستهبلي؟! يعني اللي كنتِ سهرانة عنده في بيته ده كان نوح؟!!!"
صاح رحيم بإستنكار ودهشة بنبرة صوت مرتفعة لينظر الجميع نحوهم ولا تعي أفنان بنفسها سوى وهي تَدس قطعة من الخبز التي وُضع كمقبلات أمامهم في فم رحيم لكي يصمت، ودعنا نتفق على أمرًا ما، يمكننا أن نجد العديد من الفروقات بين الرجال لإختلاف المستوى الإجتماعي، التربوي، المادي ولكن حينما يتعلق الأمر برجلًا آخر يتحول الرجال جميعًا إلى صندوق نفايات ناطق.
"هتفرج علينا المكان! وبعدين ثانية واحدة.. أيه كنت سهرانة عنده دي؟ الناس هتفهمنا غلط منك لله يا أخي!!" صاحت أفنان وهي توبخه بنبرة مرتفعة قليلًا، نظر نحوها بإستياء ثم أضاف:
"ومقولتيليش الموضوع ده ليه من بدري؟"
"عشان أنت مسألتش! وأساسًا هقولك ليه؟ أحنا مكناش قريبين من بعض اصلًا!"
"يعني دلوقتي بقينا قريبين؟" سأل لتصمت أفنان لثوانٍ لا تعلم الإجابة لذا أطلقت تنهيدة طويلة وهي تقول:
"مش عارفة.." ساد الصمت لدقيقة تقريبًا بينما شرد رحيم في الإتجاه الآخر.
"شيء سيء أوي أن الشخصية ال toxic 'السامة' تبقى جزء من عيلتك.." تحدث رحيم بنبرة صادقة وهو يتكأ على كرسيه مائلًا نحو الخلف قبل أن يُخرج علبة سوداء فاخرة من حوزته، لم تعرف أفنان ماهيتها لكن حينما فتحها أدركت أنها ليست سوى عُلبة تحوي لفافات تبغ لكنها باهظة الثمن وكأنه من المُحتم أن تكون الأدخنة التي ستقتحم رئة الأغنياء مُختلفة عن خاصة العامة، ياله من هراء فكلاهما مُضر على أي حال!
"مكنتش أعرف أنك بتدخن." علقت بخيبة وهي تعتدل في جلستها ليُشعل السيجارة بواسطة قداحته السوداء الصغيرة التي اتخذت هيئة سلاح ناري، يسحب نفسًا عميق قبل أن يتقدم بجسده نحوه للأمام ويقترب منها قليلًا ثم يقول بنبرة جادة وهو ينظر إلى داخل عيناها العسلية:
"لو عايزاني أبطل تدخين هبطل." ارتبكت معالم أفنان من جملته وشعرت بنبضات قلبها تتسارع قبل أن تُحمحم ثم تُردف:
"أنت لو هتبطلها يبقى عشان نفسك.. صحتك مش عشاني يعني.."
"وأنا مش مُستعد أبطلها غير عشانك، أعتقد أنتِ الدافع الوحيد اللي ممكن يخليني أعمل حاجة زي كده.." قال بنبرة لطيفة وتعابير وجه مُعبرة عن ما في جوفه قبل أن يأخذ نفسًا آخر من لفافته.
" أيه ده في أيه؟ الموضوع كبر أوي.. أنا قولت كومنت واحد مش أكتر.." علقت بتوتر وهي تضحك ضحكة غير مُبررة بينما تتحاشى النظر نحوه، لم يُعلق بل صمت قليلًا وكأنه يُفكر.
" عارفة.. كان نفسي اتخانق معاه وأضربه بعد اللي قاله، وده عكس طبيعتي تمامًا أنا شخص مُسالم في العادة مش ضعف ولكن بحس أن الإسلوب والطريقة الحيوانية في حل المشكلات هو شيء بشع، لكن عشانك النهاردة.. كنت مستعد أعمل حاجة عكس طبيعتي.. هو أنتِ بتعملي فيا أيه؟ ازاي ليكي كل التأثير ده عليا؟!"
لم تدري أفنان بما تُجيبه وقد غادرتها كل الكلمات.. كان ينظر بخضرواتيه إلى داخل عينيها كانت نبرته صادقة وتعبيراته كذلك.. كانت كلماته حُلوة ونبرة صوته عذبه، لم تكن لتؤمن أفنان بفكرة "المثالية" فلا يوجد شيئًا أو شخصًا في تلك الحياة يحمل كل الصفات المرغوبة ولا يحوي غلطة واحدة لكن هو..
كان مثاليًا.. وهذا أكثر ما يُخيفها..
_____________________________
(تذكره: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.)
❤️الفصل السابع عشر: غَضِب مُزْدَوِج 🦋✨🤎
" عارفة.. كان نفسي اتخانق معاه وأضربه بعد اللي قاله، وده عكس طبيعتي تمامًا أنا شخص مُسالم في العادة مش ضعف ولكن بحس أن الإسلوب والطريقة الحيوانية في حل المشكلات هو شيء بشع، لكن عشانك النهاردة.. كنت مستعد أعمل حاجة عكس طبيعتي.. هو أنتِ بتعملي فيا أيه؟ ازاي ليكي كل التأثير ده عليا؟!"
"أنا.. أنا.. لازم أمشي أصل.." قالت أفنان بتلعثم وهي تستقيم من مقعدها محاولة الهرب من الموقف برمته.
"أقعدي يا أفنان مش هتمشي.." أردف وهو يجذبها بلطف من حقيبة يدها دون أن يلمسها، تجلس وهي تأخذ نفس عميق.. ثم تُلوح بيدها بحثًا عن الهواء.
"أنا عارف أنك شايفة أني مُتسرع.. يمكن عندك حق، بس صدقيني ده معاكي أنتِ بس.. معاكي بعمل كل حاجة عكس شخصيتي.. كأنك سحرالي.. لا.. سحراني.."
"أنا.. أنا مش عارفة أقول أيه بجد.. مش عارفة أرد يعني عالكلام ده.. أنا.."
"أكيد مش متفاجئة.. أصل إنبهاري بيكي كان باين من أول يوم شوفتك فيه، أنتِ مختلفة.. مختلفة عن كل الناس اللي قابلتها في حياتي، مُختلفة بشكل جميل.." حاولت أفنان بكل طاقتها أن تتنفس بصورة طبيعية لكن كلمات رحيم لم تسمح لها، لم تكن تميل أفنان إلى الكلام الحُلو والأحاديث الرومانسية لم تشعر يومًا أنها في حاجة لسماع مثل تلك الكلمات بل كانت تشعر بالتقزز من أفلام الحُب وقصص العشق الدامية البائسة لكن الآن.. هي لا تدري.. كيف تغير شعورها إلى تلك الدرجة؟! كيف استطاعت بضع كلمات من فم رحيم أن تؤدي إلى كل ذلك التخبط في مشاعرها..
"رحيم أنا..." كادت أن تتحدث لكن قاطعها صوت هاتفها بأغنية إنجليزية شهيرة، تنظر إلى الهاتف ويمتعض وجهها قليلًا ليسألها رحيم بفضول:
"ممكن أعرف مين؟ لو مش هتضايقي يعني.." فتحت أفنان ثغرها لثوانٍ قبل أن تتنهد وتُردف:
"خدمة العملاء.." أجابت لينظر نحوها رحيم بشك لذا تجنبت النظر نحوه ثم جعلت هاتفها على الوضع الصامت.
"كنا بنقول أيه؟"
"كنتِ بتتهربي من الرد على كلامي.. بس عمتًا أنا مش قصدي اضغط عليكي نهائي أنا بس كنت بقولك كلام كنت حاسس أني محتاج أقوله لكن مش مستني رد." قال رحيم بنبرة متفهمة لتنظر نحوه أفنان بإبتسامة صافية وهي تتأمله داخليًا، كيف لشخصًا واحد أن يحمل كل هذا النُبل واللباقة؟ مؤكد يمتلك الكثير من العيوب لكنها ليست ظاهرة بعد لذا لا سبيل للمعرفة سوى البحث عنها أو الإنتظار حتى تُعلن عن نفسها.. هكذا حدثت أفنان نفسها داخليًا قبل أن تفيق من شرودها لتجد أنها كانت تُحدق في رحيم طوال تلك الثوانِ.. نظرت نحوه بحرج وبوجنة مُشتعلة ثم أردفت بتلعثم:
"أنا.. امم.. كنت بفكر في حاجة فسرحت معلش."
"عادي ولا يهمك، ممكن تاخدي صورة لو حابه It will last longer 'ستظل لمدة أطول'." قال بنبرة لعوب وهو يقهقه لتنظر نحوه بإشمئزاز ثم تُردف بسخرية:
"دمك خفيف أوي ما شاء الله."
"كل الناس بتقولي كده، بمناسبة دمي خفيف وكده أنتي فصيلة دمك أيه؟" سأل رحيم بفضول لتنظر نحوه أفنان بتعابير وجه مُتسائلة وثغر مفتوح لثوانٍ قبل أن تُعلق مُردفة:
"ده أغرب سؤال اتسألته في حياتي.. عمتًا يعني؛ معرفش."
"معقول في السن ده ومتعرفيش فصيلة دمك؟!!" سأل رحيم بإستنكار وهو يسخر منها.
"تخيل! وبعدين بما أنك بتتفزلك كده قولي أنت فصيلة دمك أيه؟"
"اولًا أنا مش بعمل اللي بتقولي عليه ده، ثانيًا فصيلة دمي AB+" أنصتت أفنان لإجابته بإنصات تام قبل أن تسترد وعيها وتقول بنبرة مازحة مشوبة ببعض الإنفعال:
"ثواني بس! أنا أيه اللي دخلني في الحوارات دي كلها يا عم؟ قاعدة مع أخصائي تحاليل ياربي!"
"ما أنا بتكلم جد مش عاجبك، بهزر مش عاجبك.. أعمل أيه طيب؟"
"اسكت خالص.." أجابته ليعبس وجهه لثوانٍ ثم يُعلق بنبرة صادقة قائلًا:
"ما أنا مش عايز اسكت.. وأنا معاكي بحس أني عايز أتكلم كتير أوي."
"يا عم رحيم أرحمني." همست بها أفنان وهي تُغطي وجهها بكفيها.
"من كلامي؟" سأل رحيم بمزيج من الإحراج والصدمة وهو يحمحم لتقهقه أفنان الى مظهره ثم تُجيبه قائلة:
"أنا كنت هقول من كلامك الحلو.. بس بصراحة شكلك كان كيوت أوي وأنت مخضوض كده ياربي.."
"طب يا ستي شكرًا على التريقة عليا، وعلى فكرة حاجة حلوة أنك تحاولي تهزري وتضحكي بس برضوا هنتكلم في اللي مضايقك."
"يا عم مين قالك أني متضايقة؟ فكك متركزش."
"أنتي متعودة دايمًا تخبي مشاعرك كده؟" سأل رحيم لتتفاجئ أفنان ولا تُجيب على الفور بل تصمت قليلًا وهي تنظر إلى الجهه الآخرى وكأنها تُفكر قبل أن ترد على سؤاله بآخر:
"عايز الصراحة؟"
"ياريت."
"بخاف يتقال عني أني أتنشن.. دايمًا باخد كل حاجة بهزار وبفوت.. متعودتش أني أقول كذا زعلني.. أصل زعلي مش هيفرق كده كده فهتعب نفسي وأحاول أفسر مشاعري ليه.."
"غريبة مع أنك بتتخانقي كتير يعني وبتفرغي طاقة الزعل دي."
"لا ما هو عشان في فرق بين المُضايقة وبين الزعل.. أنت لو ضايقتني ولا رخمت عليا مش هرحمك، بس لما الموضوع بيبقى جرح مشاعر أو كسر خاطر مثلًا بيبقى الوضع مختلف."
"عشان كده بتتهربي من الكلام عن نوح؟"
ابتسمت أفنان بآلم ثم أمسكت بكوب المياه لترتشف منه وتبتلع بصعوبة وساد الصمت لدقيقة قبل أن تقول:
"أنت فاهمني يا رحيم.. بس يارب تفضل فاهمني للآخر." همست بهدوء وثبات لينظر نحوها وهو يضم حاجبيه ثم يسأل بفضول:
"الآخر؟ فين الآخر؟"
"قصدي يعني بعد مدة، لما إنبهارك بيا ينطفي والروتين يسيطر عالحوار وتبدأ تحصل مواقف تضايق وسوء تفاهم.. أتمنى ساعتها أنك تفهمني صح ومتفهمش تصرفي بطريقة غلط تضايقك.. أتمنى وقتها أنك متحكمش عليا من غير ما تعرف أسبابي.." تفوهت أفنان ببطء شديد وهي تُفكر في كل حرفًا تتفوهه.
"أوعدك أني عمري ما هفهمك غلط."
"غشيم.. بتوعد بحاجة عمرك ما هتقدر تنفذها، لإننا كبشر بيحصل بينا سوء تفاهم كتير وكتير لما بنكون زعلانين أو متضايقين من الشخص اللي قدمنا بناخد الكلام بمنعطف تاني خالص، فأنت متقدرش توعدني أنك عمرك في حياتك ما هتفهمني غلط لأن ده وارد يحصل ولو بنسبة ١% مثلًا."
"أقتنعت.. خلاص أوعدك أني هحاول مفهمكيش غلط قدر الإمكان.."
"كده حلو.. اتفقنا." اردفت بنبرة طفولية وهي تبتسم لينظر نحوها بلطف، يسود الصمت لثوانٍ ثم تسأله:
"هو أنت ليك صحاب؟ ولا هو البتاع اللي معانا في الشركة ده؟"
"بتاع مين؟ اه قصدك على أنس يعني.. لو سمحتي مبحبش حد يتريق عالكلب بتاعي." علق رحيم بنبرة جدية مستاءة وهو يُلق دعابة ذُكرت في أحد الأفلام العربية لتصمت أفنان لثوانٍ ظنًا أنه تضايق لكنها قهقهت حينما استوعبت أنه يمزح.
"مبحبوش الواد ده مش بستريحله."
"اه وأنتي تحبيه ليه أصلًا؟!" سأل رحيم بإستنكار وهو يرفع أحدى حاجبيه لتنظر نحوه بإزدراء ثم تقول بعصبية:
"أيه يا رحيم العبط ده؟ أكيد مش قصدي أحبه بالمعنى الحرفي أحنا ناقصين قرف يا عم الحج، أنا قصدي أني مش بتقبله بصراحة، المهم يعني ليك صحاب تانين عدلين ولا لا؟"
"في صحاب تانين.. بس let me tell you 'دعيني أخبركِ' بأن أنس ده أحسن واحد فيهم وأكتر واحد محترم."
"يالهوي! أنس ده أحسن واحد؟ أومال أوحش واحد عامل ازاي؟!" تحدثت أفنان بإستنكار وبنبرة ساخرة ليقهقه رحيم ثم يقول:
"حرام والله.. أنس يمكن يبان bad boy 'فتى سيء' بس هو بجد من أجدع الناس اللي أعرفهم، باقي صحابي التانيين زي ما بقولوا صحاب... صحاب أيه؟"
"صحاب سوء يا ضنايا."
"أيوا هي دي." علق بإبتسامة واسعة قبل أن يضم حاجبيه بإستغراب وقبل أن يفتح فمه ليستفسر قاطعته أفنان مُفسرة:
"ضنايا دي يعني ابني ولكن بطريقة شعبية ونفسي أعرف أنت متربي في أني حارة من حواري لندن عالدوشة اللي أنت عاملها دي."
"لو قولتلك اسم المكان هتعرفيه؟"
"مكان أيه؟ ثواني.. أنا بتريق عليك!" قاطع حديثهم الساخر قدوم النادل بأطباق الطعام ليضع أمام كلًا منهم طبقة وقبل أن يرحل النادل سأل رحيم قائلًا:
"حضرتك تحب تاخد Drink 'مشروب' مع الأكل يا فندم؟"
"اه ياريت."
"تحبوا حضراتكوا Soft drink 'مشروب غير كحولي' ولا Hard drink 'مشروب كحولي'؟" سأل النادل لتعقد أفنان حاجبيها بإستغراب وهي تتسأل متى أصبح وجود الخمور في المطاعم والمقاهي أمرًا عاديًا؟! تهجم وجه أفنان قليلًا لكنه أرتخى حينما سألها رحيم مُردفًا:
"أفنان تشربي بيبسي؟"
"ماشي وأنت هتشرب أيه بقى؟" سألت وهي ترفع أحدى حاجبيها منتظرة رده على أحر من جمر فلو فعل ما تُفكر فيه وقام بطلب مشروب كحولى فأقل ما ستفعله هو أن تُحطم الطاولة على رأسه.
"أنا كمان هشرب زيها، thank you 'شكرًا لكَ'."
"كنتي فاكرة أني هشرب خمرة مش كده؟"سألها رحيم بإبتسامة جانبية على ثغره وهو يُريح ظهره على الكرسي.
"كنت هضربك لو كنت عملت كده." أردفت أفنان بنبرة هادئة ولطيفة لا تتناسب قط مع ما تتلفظ به.
"يا مامي!! أنتِ مُرعبة بجد!!"
"ايوا كده ناس تخاف متختشيش." قهقه رحيم على ما قالته قبل أن يوجه تريكزه نحو الطعام،
أخذت تراقبه أفنان وهو يُمسك بالسكين في يُمناه والشوكة في يُسراه ويقوم بتقطيع اللحم إلى نسائل صغيرة ثم يأكلها برفق دون أن يُلطخ فمه أو ثيابه، تأملت لُطفة المبالغ فيه بينما شعر هو بمراقبتها له فحمحم ببعض الخجل ثم سألها:
"مبتاكليش ليه؟ الأكل مش عاجبك؟"
"لا حلو جدًا.. هو بس سخن."
"طب ما ده المطلوب ولا أيه؟" سألها رحيم بإستغراب وهو يبتسم لتُجيبه قائله:
"لا ما هو أنا مش بعرف أكل أو أشرب حاجة وهي سخنة بستنى تبرد شوية يعني.." فسرت أفنان ثم أخذت اثنتين من البطاطا المقلية لتتناولها بنهم.
"وأنتي يا أفنان بقى ملكيش صحاب؟"
"ميرال ومريم." قالت وهي تضع قطعة الدجاج المشوي في فمها.
"دول صحابك؟"
"ميرال أختي ومريم بنت خالتي."
"طب والجامعة؟ المدرسة؟ ال Neighbourhood 'الحي' وكده."
"ال أيه يا أخويا؟"
"قصدي يعني.. الناس اللي ساكنة جنبك وكده، الحي.."
"كنا صحاب زمان بس في ناس منهم عزلت وكده وناس بطلنا نتكلم، المدرسة كان ليا فيها صحاب بس كل واحد خد جنب بعد ما دخلنا الجامعة.. وفي الجامعة هما زمايل مرحلة مش أكتر.. بنبقى مع بعض في سكاشن، نذاكر سوا، بروچكت مثلًا لكن أكتر من كده لا.." سردت أفنان بمرارة بينما تمر من أمام عيناها جميع ذكرياتها منذ الطفولة وحتى الآن.
"ده شيء مُحزن أوي.. أنا أسف ليكي.. بس at least 'على الأقل' في أختك وبنت خالتك دي."
"أنت بتحقد عليا عشان عندي أخت وأنت لا؟" سألته بنبرة طفولية متعمدة إثارة غيظه لينظر نحوها بإبتسامة جانبية ثم يُعلق قائلًا:
"يمكن أكون كان نفسي في أخ أو أخت لكنك مش هتقدري تغيظيني لأنك مجربتيش برضوا شعور أنك تبقي الأبنة الوحيدة وكل ال Attention 'الإهتمام' يكون ليكي."
"لا أقنعتني فعلًا." أردفت وهي تبتسم ليُبادلها الإبتسام ثم يعاود كلاهما تناول الطعام، مرت بضع دقائق من الهدوء قبل أن يقطع هذا الهدوء الآتي..
"يا نهار أبيض عالصدف المهببة!!! قوم بسرعة قوم!!" صدح صوت أفنان فجاءة لينتفض رحيم من مقعده بذعر بينما يلتفت حوله بحثًا عن سبب خوفها وهو يسألها:
"أيه؟ في أيه؟"
"شايف جروب البنات اللي هيدخلوا دول.." قالت وهي تُشير بيدها نحو الفتيات من خلال الزجاج الشفاف للمقهى.
"مالهم؟!"
"واحدة فيهم قريبتي ولو شافتني دلوقتي هيبقى حوار!!!"
"حرام عليكي! You scared me as hell! 'لقد أخفتيني حد اللعنة' ، في أيه هو أحنا قاعدين في بار؟ ده كافية عادي."
"بقولك قريبتي!! ولو شافتني هتعملي فضيحة في العيلة كلها!!" فسرت أفنان سريعًا وهي تلتفت حولها مسببة المزيد من التوتر لرحيم ليُردف بصوت مُرتفع نسبيًا بإستنكار:
"أنتي محسساني أننا ضاربين ورقة عرفي!!! يا بنتي أحنا قاعدين في مكان عام وسط الناس وأنا المُدرب بتاعك في الشركة."
"مش وقته فزلكه وحياة أهلك، عايزين نخرج من هنا وبسرعة.. هو مفيش باب تاني؟"
"أكيد في بس هيبقى للناس اللي بتشتغل هنا.." بينما كان رحيم يشرح كان الباب يُفتح ويدلف إلى الداخل أصدقاء ريماس لذا بدون سابق إنذار هرولت أفنان نحو المطبخ وهي تدفع رحيم إلى هناك بواسطة حقيبتها.
"لو سمحت ممكن تقولنا عالحساب بسرعة!"
"يا فندم ممنوع حضرتك تبقي هنا، انتظري برا وأحنا هنقولك الحساب." أردف أحد العاملين بالمقهى لتنظر نحوه أفنان نحوه بإستياء ثم تقول برجاء:
"مش هينفع انجزني بسرعة!!!"
"ثواني يا فندم.. الحساب أهو."
"حلو أوي، رحيم معلش حاسب وبعدين روح بسرعة الحمام ولا أي حتة المهم تختفي.. متبقاش ظاهر!! وانجز عشان خلاص داخلين!!!" أردفت بتلعثم وتوتر قبل أن تهرول لتعود إلى الطاولة قبل أن تدخل ريماس ولحسن حظها أن الطاولة كانت في مكان بعيد عن الباب لذا لم تلحظها ريماس على الفور سوى حينما كانت تتجول بعيناها في المكان بحثًا عن طاولة فارغة.
"ايه ده أفنان أيه الصدف دي؟"
"ازيك يا ريماس أخبارك أيه؟ صدفة غريبة فعلًا.." تحدثت أفنان مع إبتسامة مزيفة، لتنظر نحوها ريماس بغرور ثم تُردف بسخرية:
"مكنتش أعرف أنك بتقعدي في كافيهات وأماكن زي كده."
"معقول؟ مع أني على طول بقعد في كافيهات وعمري ما شوفتك يعني.." ردت أفنان كلماتها اللاذعة بكلمات مثلها لتحمحم ريماس بإحراج ثم تعاود السؤال:
"وأنتي هنا لوحدك؟"
"اه."
"وبتاكلي طبقين؟ نفسك مفتوحة ما شاء الله!" علقت ريماس ساخرة وهي تنظر إلى عين أفنان بعدم تصديق لتحمحم أفنان ثم تقول:
"لا أصل.. صاحبتي كانت هنا وقامت مشيت من شوية."
" امم.. وصاحبتك دي بقى بتشرب سجاير؟ مش غريبة دي؟!"
"هو ده تحقيق ولا أيه أنا مش فاهمة! وبعدين أيه عمرك ما شوفتي بنت بتشرب سجاير قبل كده؟!"
"وهي مشيت من غير ما تحاسب كده؟" سألت ريماس بخبث لتتوتر أفنان لثوانٍ ثم تُجيبها محاولة الحفاظ على هدوئها قائلة:
"اه ما هي حصلها ظروف طارئة وأنا هدفعلها."
"وأنتي معاكي فلوس بقى تدفعي ليكي وليها؟" بإستنكار وسخرية سألت ريماس لتنظر نحوها أفنان بإبتسامة مزيفة قبل أن تقول:
"اه يا حبيبتي خير ربنا كتير الحمدلله تحبي أعزمك أنتي وصحابك كمان؟"
"لا شكرًا أصل بابا حبيبي لسه باعتلي مصروف كبير أوي فمش محتاجة حاجة من حد وخصوصًا أنتي يعني." أردفت ريماس وهي تُعيد خصلات شعرها نحو الخلف بغرور بينما تنظر نحو أفنان بإبتسامة جانبية.
"طب بقولك أيه يا ريماس، على فكرة مفيش مكان فاضي فهتتحطوا waiting list 'قائمة انتظار' فالأحسن أنك تاخدي صحابك وتشوفلكوا مكان تاني بقى." نظرت نحوها ريماس بغيظ وفي تلك اللحظة كانت أحدى الفتيات من رفاقها جاءت لتهمس لهم بأنه لا يوجد طاولة فارغة بالفعل عدا اثنتين وقد تم حجزهم مسبقًا.
"ماشي يا أفنان، همشي وكانت صدفة حلوة أوي أني قابلتك أنتي و...صاحبتك."
"صدفة رائعة فعلًا." قالت أفنان بإبتسامة مزيفة قبل أن تستقيم من مقعدها وتقترب من ريماس وكأنها ستضمها وقبل أن تفعل همست في أذنها قائلة بنبرة صارمة:
"لمي الدور يا ريماس بدل ما أعلمك الآدب قدام صحابك، أنا محترمة ومش راضية أحرجك." ابتعدت عنها أفنان ثم لوحت لها وهي تُضيف:
"أشوفك يوم الجمعة يا حبيبتي إن شاء الله." مرت بضع دقائق بعد رحيل ريماس ليعود رحيم نحو الطاولة مجددًا وهو يسأل:
"مشيت؟"
"اه." أجابت بإختصار وهي تحاول أن تُخفي إمارات الضيق التي كان حديث ريماس السخيف سببًا فيها.
"طب أيه يلا كملي أكلك."
"لا.. نفسي اتسدت خلاص، أنت حاسبت صح؟"
"اه خلاص، طيب بصي خدي الأكل ده Take away 'للمنزل'."
"لا مش عايزة.."
"اسمعي الكلام بقى بدل ما تطلع في دماغي اطلبلك meal 'وجبة' تانية." قال رحيم بنبرة مُراوغة لتبتسم أفنان ثم تُعلق مُردفة:
"لا خلاص مش ناقصة.. هاخده معايا ماشي وقولي دفعت كام بقى."
"ده ليه إن شاء الله؟ أنا عازمك."
"أنا مبتعزمش أنا، انجز وقول دفعت كام." سألته بنفاذ صبر بينما نظر نحوها بهدوء تام قبل أن يُردف:
"أفنان أنتي مش هتدفعي جنية واحد طول ما أنتي معايا تمام؟"
"ده على أساس أيه بقى إن شاء الله؟! ماشية مع مكنة ATMM؟"
"على أساس أنه من الذوق والنُبل أن مينفعش أنك كبنوتة كده تدفعي في وجودي." تحدث رحيم بنبرة لطيفة هادئة مُحاولًا كسب إقتناع أفنان دون بذل جهد في الجدال لكنها لم تقتنع وجادلته قائلة:
"والله اللي أعرفه أن لندن اللي أنت متربي في حواريها دي كل واحد بيدفع حسابه لنفسه ولا رأيك أيه يا دكتاره؟"
"دي حقيقة فعلًا، لكن أنا في النهاية شاب عربي مصري يا أفنان، وبعدين الكلام اللي بتقوليه ده مع أي حد تاني ما عدا أنتي." فسر رحيم مُنتقيًا كلمات لطيفة حتى لا يُثير غضب أفنان وحتى يستطيع إقناعها دون الخوض في جدال طويل.
"بس أصل أنت مش فاهمني برضوا.. أنا مبرتحش نفسيًا لما حد بيدفعلي!!!"
"معلش تعالي على نفسك المرة دي، يلا نمشي بقى؟" تحدث بنبرة ودودة وهو يمنحها الحقيبة التي تحوي بقية طعامها لتنظر نحوه وقد ارتسمت إبتسامة واسعة على ثغرها مُردفة.
"يلا يا سيدي."
غادروا المطعم بسعادة وكان كل شيء على ما يرام، لكن أثناء سيرهم نحو سيارة رحيم توقف رحيم لثوانٍ وكأنه قد تذكر أمرًا ما.
"وقفت ليه؟ في حاجة؟"
"لا.. بس كنت ناسي موبايلي Silent 'وضع صامت'."
"أنت مستني مكالمة معينة من حد؟" سألت أفنان وهي تشعر بغيظ غير مُبرر.
"لا بس.. معلش ثواني.." نظر رحيم نحو الهاتف بإضطراب وقد ضم حاجبيه، انتقل الإضطراب بالفعل إلى أفنان وهي تراقب تعابير وجهه، كان رحيم ينظر إلى سجل المكالمات والذي أظهر أنه لم يُجيب على عشرة مكالمات فائتة أكثر من نصفهم كان أنس وقبل أن يحاول رحيم أن يتصل به كان قد سبقه أنس وفعل تلك الخطوة.
"ألو.." وقبل أن يتفوه رحيم بحرفًا آخر قاطعه صوت أنس الجاد وهو يُخبره بالآتي بذعر:
"رحيم، مامتك أتصلت بيك كذا مرة وأنت مش بترد عليها.. حاول تكلمها بسرعة عشان هي متعصبة وقالت لو معرفتش توصلك هتروحلك عالشركة.. فحاول تتصرف وبسرعة!!!" استمع رحيم إلى ما قاله أنس ثم أغلق الخط دون أن ينبس ببنت شفه، تنهد تنهيدة طويلة ثم نظر نحو أفنان بضيق مُردفًا الآتي:
"أفنان أنا لازم أمشي دلوقتي.."
"أيه؟ ليه؟ حصل حاجة؟"
"لا.. بس في شغل طلعلي كده مهم ولازم أمشي حالًا، بس متقلقيش هطلبلك عربية توصلك لحد البيت." أردف رحيم بإختصار شديد دون توضيح، ليظهر الضيق على وجه أفنان وتُعلق قائلة:
"لا شكرًا مش محتاجة توصيلة، أنا هعرف أروح لوحدي."
"يا أفنان من فضلك! أسمعي الكلام ومتجادليش!" تحدث رحيم بنبرة تميل إلى الحده لتنظر نحوه أفنان بتجهم ثم تُردف:
"لا أنت تكلمني بإسلوب أحسن من كده يا رحيم! نبرتك دي متنفعش معايا!"
"يا أفنان بجد مش وقته اللي أنتي بتعمليه ده.. أنا بطلب عربية أهو، لو سمحتي روحي دلوقتي وأنا هفهمك كل حاجة بعدين، أوعدك."
وقفت أفنان صامته وهي تعقد حاجبيه وتهز أحدها قدميها بغضب وإستياء والآن بعد أن كانت تشعر بالغضب تجاه نوح وحده، أصبح الضيق والغضب منقسمًا بين رحيم ونوح.. فأحدهم قد استخدام كلمات جارحة وقد أهان كرامتها والآخر يتحول في ثانية إلى شخصًا غامض دون وجود أسباب واضحة.. انتظرت بالفعل قدوم السيارة ليس لأنها تنصاع لما يقوله بل لأن موقعها الآن بعيد المنزل لذا كانت ستضطر في جميع الأحوال أن تطلب سيارة أجرة.
"بصي أنا مش عارف ال Location 'موقع جغرافي' بتاع البيت عندك بس لما تركبي العربية حطيه تمام؟ وطمنيني عليكي لما توصلي please 'من فضلك'."
لم تُجيبه أفنان بل نظرت نحو الجهه الآخرى وهي تزفر بضيق منتظرة قدوم السيارة وبالفعل خلال دقيقتين جاءت السيارة، يفتح لها رحيم الباب بنُبل فتتحاشى النظر نحوه.. يعبس وجهه لتعاملها لكن من داخله يعلم جيدًا أن لها كامل الحق في ذلك، يلوح لها مودعًا فور تحرك السيارة لتتجاهل أفنان ذلك ايضًا.
يقود رحيم سيارته بأقصى سرعة عائدًا إلى الشركة مجددًا محاولًا الوصول قبل والدته بينما يحاول أن يُهاتفها في الوقت ذاته عله يمنعها من الذهاب إلى الشركة والتحدث في المنزل عوضًا عن ذلك، أما عن أفنان فجلست داخل السيارة تستمع إلى بعض الموسيقى الصاخبة علها تفرغ طاقة الغضب التي تملكتها.
بعد مرور ساعة ونصف تقريبًا وصلت أفنان إلى منزلها، تنهدت تنهيدة طويلة محاولة أن تُرخي تعابير وجهها متخلصة من مشاعرها السلبية قبل أن تدلف إلى الداخل، تفتح أفنان باب المنزل بهدوء تام وهي تخطو نحو الداخل بخطوات بطيئة لتجد والدتها في وجهها مباشرة وهي تقول بنبرة حاده:
"ما لسه بدري يا أفنان هانم!!"
أردفت والدتها بنبرة مُمتعضة لا تُبشر بالخير وقد ضمت كلتا ذراعيها إلى صدرها بإعتراض مُشكلة علامة X بينما يجلس من خلفها على الأريكة نوح بوجنة مُحمرة وأنف دامي...
_____________________________
(تذكره: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات، ورب الأرض ورب العرش الكريم.)
الفصل الثامن عشر: دِفَاع 🦋✨🤎
"ما لسه بدري يا أفنان هانم!!"
أردفت والدتها بنبرة مُمتعضة لا تُبشر بالخير وقد ضمت كلتا ذراعيها إلى صدرها بإعتراض مُشكلة علامة X بينما يجلس من خلفها على الأريكة نوح بوجنة مُحمرة وأنف دامي...
"نوح.." همست أفنان بها وهي تضع يدها على وجهها وكأنها تمسح وجهها بعنف ثم تخطو خطوة واحدة نحو الداخل وهي تُردف:
"هو.. في.. في أيه أنا مش فاهمة حاجة؟ وبعدين مين اللي عمل في وشك كده؟!"
"يعني مش عارفة في أيه؟"
"لا معرفش!!"
"وكمان مش عارفة مين اللي عمل في وشه كده؟" هنا ازدردت أفنان ما في فمها برعب وهي تهز رأسها بالنفي..
"أفنان أنتي مديرك في التدريب حاول يتحرش بيكي؟" كان سؤال والدتها بمثابة صاعقة لها، لم يستطع عقل أفنان أن يُترجم الكلمات التي تفوهت بها والدتها؟! بل من أين جاءت بتلك الفكرة من الأساس؟ مؤكد أنه نوح من سيكون غيره! لكن.. كيف لنوح أن يكذب كذبة كتلك؟! مؤكد أنه فقد عقله!!!
"أيه؟ من الكداب اللي قالك كده؟ و..و اه أنا كده فهمت.. البيه طبعًا هو اللي ضحك عليكي وفهمك كده!" تحدثت أفنان بمزيج من العصبية والتوتر وهي تحاول أن تُبعد تلك الإشاعات عن رحيم، مُشيره بأصابع الإتهام نحو نوح.
"أفنان أتكلمي عن ابن خالتك كويس." وبختها والدتها على الفور لتنظر نحوها أفنان بعدم تصديق وهي تحاول التحكم في إنفعالها قائلة:
"يعني أنتي عايزاني اسيبه يتبلى على شخص محترم ومعملش حاجة وماسكه في أسلوبي في الكلام؟!!"
"وهو نوح هيكدب ليه اصلًا؟!" سألت والدتها بإستنكار لتزفر أفنان بقوة ثم تُردف:
"ما هو قدامك أسئليه!"
"نوح أيه معنى الكلام اللي أفنان بتقوله ده؟"
"خالتو أنتي عارفة أني مش من طبعي الكدب صح؟" هنا ضحكت أفنان بسخرية لينظر ثلاثتهم نحوها بإمتعاض.
"والله وأنا كمان مبكدبش، يا ماما الدكتور بتاعي في التدريب ده شخص محترم وبيتعامل معانا كلنا بحدود وبإسلوب كويس وعمره ما بصلي بصة مش تمام ولا قالي حاجة."
"طب وأما الراجل كويس ليه يا نوح يا ابني بتقول عليه كده؟!"
"الراجل اللي بتقولي عليه محترم ده اتخانق معايا وضربنا بعض! وكل ده عشانك!" صاح نوح بغضب في وجه أفنان وهو يُشدد على كلمة 'عشانك' لتعبس ميرال الجالسة على الأريكة وهي تشعر بغصه في حلقها.
"تقدر تقولي هو عملي أيه؟ وضربك ليه؟" سألت أفنان بإنفعال مثله تمامًا، ازداد غضبه من وصفها لما لحدث ليسألها بإستنكار قائلًا:
"أيه ضربني دي؟ اسمها ضربنا بعض!! وبعدين هو نظراته ليكي مش تمام!"
"وأنت عرفت منين أن نظراته مش تمام يا عم المفتش كرومبو؟!"
"أفنان اتكلمي مع نوح حلو!!" صدر هذا الدفاع من قِبل ميرال لتنظر نحوها أفنان بحده بطرف عيناها وهي تقول:
"أركني أنتي يا ميرال دلوقتي من فضلك."
"عرفت عشان أنا شاب زي زيه وأفهم نظراته كويس."
"اممم معقول؟ غريبة مع أنك مش بتبقى موجود معايا وقت ما الدكتور بيشرح لنا." علقت أفنان وهي تنظر نحو نوح بتحدي، فبكثرة الحديث سيُفتضح أمره فالكذب لن يطول.
"هو أنت بتجادلي كتير ليه أنا عايز افهم؟" سأل نوح بإستنكار وإمتعاض لتنظر نحوه أفنان بحده وهي تستقيم من مقعدها قائلة:
"أنت متتكلمش معايا بالإسلوب ده! ولو الحكاية هتبقى كده يبقى تحكيلهم اللي حصل النهاردة كله أيه رأيك؟"
"أنا همشي يا خالتو! وأنتي هتعرفي بعدين أن كلامي صح!"
" ايوا ايوا اهرب من المواجهة، عالعموم يلا بالسلامة مش عايزين كدابين هنا!" أردفت أفنان وهي تفتح باب المنزل لنوح وكأنها تقوم بطرده، ينظر نحوها بغضب قبل أن يأخذ أغراضه ويرحل لتُغلق أفنان الباب بقوة من خلفة، فور رحيله هرولت أفنان إلى غرفتها مباشرة وقد أغلقت باب الحجرة من خلفها تحاول تجنب الشجار مع والدتها أو على الأقل تأجيله لبعض الوقت فحتمًا ستقوم والدتها بتوبيخها.
"هو أنتي ليه عملتي كده؟" سألت ميرال بغضب ولكن بنبرة صوت أهدى من خاصة أفنان بعد أن أقتحمت الغرفة بينما تخلع أفنان وشاحها، تنظر نحوها أفنان ببرود ثم تُردف بصوتًا منخفض:
"وطي صوتك وأدخلي وأقفلي الباب وراكي لو سمحتي."
"من فضلك بلاش الهدوء المُستفز ده وفهميني!"
"أفهمك أيه؟"
"اللي عملتيه ده! ازاي بتكلمي نوح كده وكمان بتكدبيه؟!!"
"طب ما هو كداب فعلًا!" أجابت أفنان بسهولة وهي تبتسم ابتسامة ساخرة.
"وأنتي عرفتي منين؟ وبعدين حتى لو بيكدب مينفعش كده تصغريه قدامنا وقدام ماما وتحرجيه!"
"يا سلام؟ يعني أسيبه يتبلى على إنسان محترم وكويس عشان يعجب سيدتك يعني ولا أيه؟!"
"هو أنتي بجد أنتي واثقة من نية واحد غريب عننا وبتكدبي ابن خالتك اللي متربي معانا؟!! أنا مش قادرة استوعب!" تحدثت ميرال بمزيج من الصدمة والعتاب لتنظر نحوها أفنان بطرف عيناها وقد ارتسمت على ثغرها إبتسامة جانبية وهي تقول بنبرة ساخرة:
"سبحان الله يا ميرال طول عمري أعرف أنك درستي تجارة بس أول مرة أعرف أنك درستي حقوق، في أيه يا ميرال وهو كان وكلك محامي دفاع عنه ولا أيه؟!"
"هو أنتي بتتكلمي كده ليه يا أفنان؟!" سألت ميرال بعتاب وقد عبس وجهها وكسته الحُمرة من الغضب، لتنظر نحوها أفنان بالنظرات ذاتها لكن أكثر حدة وهي ترد على سؤالها بآخر بنبرة مُستنكرة:
"أنتي مش سامعة نفسك يا ميرال؟!"
"لا مش سامعه نفسي، وشايفة أنك كبرتي الموضوع عالفاضي! وبعدين بتدافعي عن الدكتور ازاي وبتكدبي نوح ازاي وهو وشه بايظ كده؟! طب ده حتى في دليل مادي على صدق كلامه.." تحدثت ميرال ببعض الإنفعال لكن بالرغم من ذلك مازالت نبرتها أكثر هدوءًا من خاصة أفنان.
"أيه علاقة اللي في وشه باللي هو بيقوله؟"
"ما هو أكيد نوح مضربش نفسه يعني.."
"نوح.. نوح.. نوح.. كل حاجة نوح، كل الدفاع عن نوح.. أنا قرفت وزهقت!!" صاحت أفنان بتلك الكلمات وهي تشعر بأنها على وشك الإنفجار من شدة الغضب.
"طالما هو مش عاجبك أوي كده خلاص ابعدي عنه!" تفوهت ميرال بتلك الكلمات بدون قصد لكن سرعان ما أدركت ما قالته لتعض على شفتها بندم بينما أمسكت أفنان بوشاحها وحقيبتها وكانت على وشك مغادرة الغرفة وهي تُردف بإستياء:
"هغور في داهية! وأوعي بقى متتكلميش معايا ولا ليكي دعوة بيا!"
"أنا بجد مش قادرة أفهم هو انتي بتتخانقي معايا ليه؟" سألت ميرال بنبرة أشبه بالنحيب للتتوقف أفنان لثوانٍ وتأخذ نفس عميق قبل أن تلتفت لتواجه شقيقتها وهي تنظر نحوها بآسى ثم تُردف:
"مش بتخانق يا ميرال بس انا يومي كان زي الزفت بجد.. وانتي حتى مفكرتيش تسأليني عاملة أيه ولا حصل معايا أيه؟ مسألتنيش ليه بقول على نوح كداب؟ كل اللي همك تطلعي نوح مش غلطان! على فكرة مش هتاخدي كأس التميز عشان بتدافعي عنه!"
"خلاص حقك عليا متزعليش.. أنا فعلًا أڤورت في الدفاع عنه وكان لازم اسمع منك الأول.. بس أصلي لما بشوف نوح.." سرعان ما تراجعت ميرال عن دفاعها وأدركت أنها اخطئت في حق شقيقتها لذا حاولت إصلاح الموقف.
"بتتلغبطي ودماغك بتلف.. عارفة عارفة."
"ده حقيقي.. فبجد متزعليش ويلا احكيلي حصل معاكي أيه؟"
"بسم الله الرحمن الرحيم كده.. أنا قبلت ريماس النهاردة!"
"مين؟!! قابلتيها فين إن شاء الله؟" خرجت شهقة من ميرال وهي تحاول استيعاب ما تقوله أفنان، تنظر نحوها أفنان بإرهاق وهي تُعيد خصلات شعرها نحو الخلف قبل أن تبدأ في سرد ما حدث:
"بصي أنا كده بحكي من ورا لقدام فخليني أحكي كويس من الأول.. مبدأيًا كده أنا ونوح اتخنقنا مع بعض."
"اه ما أنا كنت قاعدة!"
"لا يا ذكية مش قصدي دلوقتي.. قصدي أن القلم اللي علم على وشه ده كان مني أنا!"
"نعم ياختي!!! أنتي أتجننتي!!"
"شش بس! هتسمعي محافظة الجيزة كلها؟! في أيه؟! اصبري عليا واسمعيني للآخر!!"
"سكت."
"هو قالي كلام جارح وهان كرامتي وشرفي!" لم تجد ميرال ردًا أو تعليقًا على ما تسرده أفنان لذا حاولت جاهدة أن تصمت وتستمع حتى النهاية.
"المهم يعني ضربته بالقلم بس باقي الخرشمة اللي في وشه دي أنا مليش علاقة بيها!! معقول يكون..." فسرت أفنان حديثها لكن في نهاية جملتها اتسعت عيناها حينما قفز رحيم إلى عقلها..
"يكون مين؟"
"رحيم!!"
"قولي كده بقى! رحيم داخل في الموضوع، أتاريكي جايه على نوح جامد وبتطرديه وحركات."
"لا مش دي الفكرة.. بس أنا فعليًا مكنتش أعرف أن رحيم ضرب نوح.. ده على اعتبار أن رحيم هو اللي ضربه طبعًا.. بس مش أكيد يعني.. ده مجرد أحتمال.." حاولت أفنان إبعاد الشُبهات عن رحيم أو مُحاولة إقناع نفسها بأنه ليس من فعل بالرغم من أنه لا أحد غيره قد يضرب نوح.
"مظنش في حد تاني ممكن يضرب نوح غيره."
"يا شيخة ده نوح بقى ملطشة وكل الناس بتضربه، بس هو المنطق بيقول أن رحيم ضربه بس السؤال بقى ضربه ليه؟!"
"أنتي بتسأليني أنا؟ طب ما تسأليه؟"
"ما أحنا كنا سوا ومجبش سيرة الحوار ده خالص.." تحدثت أفنان بثقة وبصوت عالٍ نسبيًا لكنها سرعان ما خفضت صوتها في نهاية الجملة..
"كنتوا أيه؟!"
"ما هو أصل... أنا ورحيم روحنا قعدنا في كافية بعد التدريب.."
"أنتي بتستهبلي يا أفنان!!!"
"هي مش دي بس المشكلة.. أصلي.. أصلي قبلت ريماس هناك.."
"يا نهار مش فايت!!!" شهقت ميرال فور سماعها لما تقوله أفنان، فلقد كان كم كبير من المعلومات السيئة في آنٍ واحد.
"في حاجة يا ميرال؟"
"لا يا ماما مفيش حاجة بنهزر بنهزر.." أردفت أفنان بصوتًا عالٍ وهي تكتم فم ميرال بيدها.
"في أيه يا ميرال هتفضحيني!!"
"ريماس شافتك أنتي ورحيم؟!"
"لا ما هو قام.. بس هي شافت السجاير وطبقه فشكت طبعًا بس أنا توهت يعني.."
"كمان سجاير؟!" سألت ميرال بأعين مُتسعة لتنظر نحوها أفنان بإمتعاض وهي تُردف:
"وهو أنا بقولك مخدرات! اه هو بيشرب سجاير."
"وهو مش أنتي كنتي بتقولي عمري ما هرتبط بواحد بيشرب سجاير ولا كل الكلام ده راح في الهوا لما شوفتي سي رحيم بتاعك ده!" قالت ميرال وهي تُعيد على أفنان حديثها في السابق مُقلدة نبرة صوتها بسخرية، تبتسم أفنان إبتسامة جانبية ثم تُعلق بتوتر قائلة:
"مين قال أني هرتبط بيه أصلًا؟! وبعدين هو قالي أنه مُستعد يبطلها عشاني.."
"بجد قالك كده؟"
"اه بجد.. بس اليوم ممشيش حلو عشان البيه فجاءة مشي وسابني.."
"مشي وسابك في المطعم يعني؟!!" سألت ميرال بإستنكار وهي تقوم بتجهيز العديد من الكلمات الغاضبة التي كانت تنوي جمعها في جملة أو اثنتين لتعبر عن ضيقها من الموقف السيء الذي وضع رحيم شقيقتها الوحيدة به لكن رد أفنان جاء عكس توقعها.
"لا حاسبنا وخرجنا وطلبلي عربية وسلم عليت وبعدها مشي وسابني.."
"والله؟! كده اسمها مشي وسابني؟ أومال لو كان مشي ودبسك في الحساب كنتي هتقوليها ازاي؟"
"يا بنتي بجد اتضيقت جامد.. هو بيبقى كويس وفجاءة بتجيله مكالمة أو حد بيقوله حاجة ووشه بيقلب وأسلوبه بيتغير وبيستأذن ويمشي.."
"أكيد بتحصله ظروف تخليه يعمل كده."
"عارفة ومش معترضة بس اعتراضي أنه عمره ما فسر في أيه ولا في وقتها ولا بعدها وبحس أنه مخبي حاجة مش عارفة..."
"والله أنا اللي مش عارفة أنتي ازاي عايشة في الدراما دي كلها لوحدك.. ده أنا دماغي لفت بعد ما سمعت يوم واحد بس من حياتك أومال لو أنا اللي عيشاها هيجرالي أيه؟!"
"عشان تعرفي بس أني بعاني جامد."
"خلاص يا أوڤر.. تعالي بقى نخرج ونشوف هنصالحك أنتي وماما على بعض ازاي."
"ماشي ياختي.."
بالعودة إلى رحيم الذي حاول الإتصال بوالدته مرارًا لكنها لم تُجيب لذا اتجه نحو الشركة مباشرة بعد أن ترك أفنان، كان يقود بسرعة كافية لإيصاله في وقتًا قياسي لكن دون أن يكسر حدود السرعة المعروفة.. بمجرد أن وطأت قدماه أرض الشركة قد علم بأن الكارثة قد حدثت بالفعل! لقد وصلت والدته إلى الشركة قبله.. أمتعض وجهه قليلًا وهو يحاول أن يُقوم بتهيئه نفسه لسماع موجه التوبيخ التي ستغمره في خلال دقائق، أقترب من موظفة الإستقبال التي وقفت في إنضباط زائد وتحدثت في نبرة رسمية مُردفة:
"مدام إيڤلين وصلت يا فندم."
"عارف.. هي فين؟"
"منتظرة حضرتك في مكتبك." فور سماع رحيم للكلمة اتسعت عيناه بشدة وهو يصفع نفسه داخليًا، يُحاول أن يزيح عن باله كم الأشياء التي قد تراها والدته بالداخل فتزيد حصته من التوبيخ لليوم!!
هرول رحيم نحو السُلم فلا وقت لإنتظار المصعد، وصل إلى الطابق حيث يقع مكتبه لكن عكس ما توقع كان المكتب مُغلق بينما يقف أنس بالقرب من الباب وعلى وجهه إبتسامة مميزة قبل أن يُردف بنبرة مُرتفعة قليلًا وكأنه يتعمد أن يُسمع شخصًا ما:
"أهلًا يا دكتور رحيم، مدام إيڤلين موجودة في مكتبي لأني قولتلها أن مكتبك بيتنضف زي ما طلبت قبل ال lunch break."
"شكرًا يا دكتور، أنا هدخل أرحب بيها بنفسي دلوقتي." تحدث رحيم برسمية وهو ينظر نحو أنس بإمتنان لإنقاذه، كانت والدة رحيم تجلس على الأريكة البيضاء داخل مكتب أنس القريب من خاصة نوح، تجلس مُعتدلة وقد وضعت أحدى قدميها على الآخرى وبثياب رسمية فاخرة وخصلات شعر مُرتبة، طرق رحيم باب المكتب مرتين قبل أن يدخل وقد رسم على وجهه ابتسامة صغيرة قبل أن يُحي والدته قائلًا:
"أهلًا بحضرتك يا مامي، الشركة نورت."
"كنت فين؟ And why your phone is silent 'ولماذا هاتفك في الوضع الصامت'؟"
"هو أنس مقالش لحضرتك؟ أنا كنت في ال Lunch break وقبلها كنت في session فعشان كده كان التليفون Silentt."
"قالي، كنت بتتغدى مع مين؟"
"لوحدي."
"لوحدك؟ Are you sure 'هل أنت متأكد'؟" سألت بشك وهي تحاول العبث بأعصاب رحيم لكنه أومئ بثبات قبل أن يجلس بجانبها وينظر نحوها بهدوء قبل أن يسألها برسمية شديدة:
"الشركة نورت بوجود حضرتك طبعًا، لكن ممكن أعرف سر حضورك الكريم؟"
"أظن أني من حقي أجي في أي وقت من سبب أو من غير سبب، وبعدين قولت أشوفك بتعمل أيه؟ بقيت راجل فعلًا وأد المسئولية ولا لا."
"وكل الفترة اللي فاتت دي مأثبتتش لحضرتك يعني؟"
"أتكلم معايا بإسلوب أحسن من كده."
"مامي.. من فضلك أنا بجد مُرهق جدًا وورايا شغل كتير أوي وبجد مش قادر أخد محاضرة في الأخلاق دلوقتي."
"أنت شايف كده يعني؟ تمام حسابك معايا في البيت."
"يا مامي حضرتك زعلتي ليه بس؟ أنا عندي كام إيڤيلين قمر زيك كده؟ هي واحدة بس." أردف رحيم بنبرة حنونة وهو يحاول إصلاح الأمر فورًا تجنبًا لحدوث أي شجار بينهم، دنى من والدته ليُقبل رأسها.
"أنت فاكر الكلمتين دول هيأثروا فيا وكده؟"
"يا مامي بقى.. ده أنا ابنك حبيبك الوحيد مش معقول المعاملة دي.." تحدث رحيم بنبرة مازحة وهو يحاول أن يستميل قلب والدته لتبتسم هي الآخرى وتقول:
"خلاص هسامحك المرة دي وبس."
"أنا أصلًا مش هضايقك تاني... إن شاء الله يعني." تحدث رحيم بنبرة واثقة في بداية حديثه ثم ختم كلامه بالمشيئة فهو لا يدري إن كان سيصدق في قوله أم لا..
"اتفقنا.. you know how to fix things 'أنت تعرف كيفية إصلاح الأمور' زي حامد بالضبط."
"زي ما بيقولوا هذا الشبل من ذاك الأسد، المهم حضرتك تحبي تاخدي Tour 'جولة' في الشركة؟" استعان رحيم بالجملة الشهيرة التي تُقال في مثل هذه المواقف ثم قرر أن يأخذ والدته في جولة ليُنسيها أمر دخول مكتبه.
"ياريت."
"أتفضلي." أشار بيده بنُبل نحو الخارج سامحًا لوالدته بالخروج أولًا ثم تبعها هو، لم تدوم الجولة كثيرًا قبل أن تُخبره والدته أنها ستعود إلى المنزل وستكون في انتظاره على العشاء، يصعد رحيم إلى المكتب مجددًا بعد تأكده من ركوب والدته سيارتها الفارهة.
"أفُ I was almost caught 'لقد كنت على وشك أن يُمسك بي' وجود مامي هنا النهاردة مش صدفة.." تحدث رحيم بإرهاق فور رؤيته لأنس قبل أن يجلس على الأريكة وهو يزفر بتعب.
"أمك جايبه مُرشدين يا عم رحيم ولا أيه؟" سأل أنس بنبرة تليق بتاجر مخدرات لا بموظف في شركة لتتسع أعين رحيم على الفور ويقول بإنفعال:
"أيه ده أيه ده؟ أيه ال language 'لغة' وال tone 'نبرىة' اللي بتتكلم بيها دي؟! ده أنا كنت لسه هقولك Thank you 'شكرًا لكَ' بس خلاص مش هقول حاجة!!"
"خلاص يا عم حقك على دماغي.. مامي بتاعت حضرتك جايبه ناس يفتنوا عليك ويقولولها خط سيرك.. والحاجات ال Naughty 'السيئة' اللي بتعملها.. حلو كده؟" سخر أنس من حديث رحيم الذي نظر نحوه بإزدراء في البداية لكن سرعان ما تغيرت تعبيرات وجهه إلى الجدية وهو يقول:
"بعيدًا عن الإستظراف بس اه.. وكارثة بجد لو عرفت حوار أفنان ده!!"
"ليه بقى؟"
"عشان مامي مش هتسمحلي أقرب من بنت مش على ذوقها ولا أختيارها وبصراحة مش عارف ردة فعلها هتبقى أيه.."
"بس قولي هو موضوع أمك ده بس اللي مضايقاك ولا في حاجة تانية حصلت؟"
"أصل.. أصلي بصراحة سبت أفنان فجاءة كده واستأذنت من غير ما أشرحلها موقفي وهي زعلت جامد من الحوار و it's not the first time 'ليست المرة الأولى' اللي أعمل فيها الحركة الحقيرة دي.." تحدث رحيم وهو ينظر إلى الجهه الآخرى وهو يعبث في خصلات شعره الناعمة متحاشيًا النظر إلى تعابير وجه أنس التي ستكون مليئة بالتوبيخ واللوم وبالفعل بدأت جرعة ال 'تهزيق' بمجرد أن فتح أنس فمه.
"طب وأنت بتعمل كده ليه يا عيل يا خنزير؟"
"ما هو أنا مش عايز احكيلها عن مامي.. عن طرقتنا مع بعض.. يعني أنت فاهم الوضع."
"فاهم، بس مش شايف فين المشكلة؟ مش لازم تحكيلها قصة حياتك يعني ممكن تقولها مثلًا ماما عايزاني ضروري، ماما تعبانة.. خالتو جايه تزورنا أي حاجة بدل السكوت ده عشان الحاجات دي بتخلي البنات مخها يودي ويجيب!"
"عندك حق.. تصدق أول مرة أخد بالي أنك بتفهم!"
"بغض النظر عن قلة أدبك، بس قولي هتصالحها ازاي بقى يا فالح؟"
"مش عارف.. ده هي اصلًا لسه مخذولة من حد جدًا قريب منها، جيت أنا كملت عليها." تحدث رحيم بنبرة مزيج من الشعور بالذنب والضيق عندما تذكر نوح.
"فاضلها تتخذل مرة كمان وتفتح مصنع خذل ونسيج هه." أردف أنس بأكثر نبرة سمجة في الوجود لينظر نحوه رحيم بإشمئزاز قبل أن يذهب إلى مكتبه ويرفع سماعة الهاتف الخاص بالشركة ويتحدث إلى المساعدة خاصته قائلًا:
"بقولك أيه.. أنا عايز إنذار بالرفد يجيلي عالمكتب حالًا ومتكتبيش فيه اسم الموظف."
"لا يا رحيم وحياة أمك أنا كنت بهزر!!!"
"أنا هعلمك تستخف دمك بعد كده."
"خلاص أسف والله، المهم يا فالح ناوي تصالحها ازاي؟!"
"ما هو أنا مش هينفع أبعت ورد.."
"اه فعلًا كليشية أوي بصراحة!"
"كليشية؟ أيه فهمك أنت في الذوق والرومانسية يا معفن؟ مش دي الفكرة اصلًا.. الفكرة أني بعتلها ورد قبل كده."
"عملت أيه ياخويا؟"
"زي ما أنت سامع، بقولك أيه.. أنا غلطان أني بتكلم معاك أصلًا." أدرف رحيم بضيق بينما وقف أنس ينظر نحوه بإبتسامة مُستفزة ليأخذ رحيم نفي عميق ثم يُضيف:
"أنس بقولك أيه.. غور من وشي دلوقتي."
"أصلًا كده كده كنت ماشي عشان مُونيكا مستنياني عالعشاء..."
"لا لا خد هنا استنى.." أوقفه رحيم ليستدير أنس نحوه بسخرية وهو يقول بمزاح:
"طبعًا يا واطي أول ما عرفت أن السبوبة فيها بنات قولتلي أرجع تاني."
"مونيكا دي بتاعت الوفد الأجنبي اللي كانت هنا من شهر؟" سأل رحيم بهدوء وبتعابير وجه مُرتخية.
"اه هي." قال أنس بثقة ولكنه سرعان ما أدرك الخطاء الذي وقع فيه ليقف وهو يغمض عيناه بقوة بينما يصفع نفسه داخليًا، وقبل أن يفتح عيناه كان رحيم يقف بالقرب منه بسرعة البرق وهو يجذبه من بذلته الرسمية وكأنه قد قبض على لص.
"وأنت بتيجي بقى تشتغل ولا تشقط يا حيوان!!"
"من غير قلة قيمة.. وبعدين على فكرة اصلًا هي اللي شقطتني!"
"وفخور أوي؟! أنا كام مرة قولتلك ملكش دعوة بأي بنت من اللي بنتعامل معاهم في إطار الشغل؟"
"أعتقد ألف واحد وخمسين مرة دلوقتي بقوا اتنين وخمسين." أجاب أنس بسخرية لينظر نحوه رحيم بتجهم وهو يتحدث بجدية قائلًا:
"مش عارف ليه أنت مش مقتنع أني ممكن أرفدك بجد وأضيع مُستقبلك وأن صحوبيتنا مش هتفرق معايا."
"آخر مرة وحياة أمك بقى.."
"أنس Style 'أسلوب' حياتك غلط خالص ومش مقبول ابدًا، وأحسنلك تتغير من نفسك دلوقتي بدل ما تتضبط غصب عنك وهيكون وقتها الآوان فات." كانت تلك المرة الأولى التي يتحدث فيها رحيم بهذه الجدية مع أنس الذي أومئ بخجل وهو يزدرد ريقه بصعوبة.
"تقدر تتفضل." غادر أنس المكتب ليجلس رحيم على كرسيه وهو يزفر بضيق، لقد كان اليوم مُرهقًا بحق.. كاد أن يتصل بميا فهي الوحيدة التي تستطيع مساعدته في مثل هذا المواقف كما أنها مُستعمة جيدة لكن سرعان ما تراجع رحيم عن الفكرة أو لنقول أنه قرر تأجيلها لصباح اليوم التالي فهو بحاجة إلى راحة بعد كل الأحداث التي مر بها اليوم.
في صباح اليوم التالي لم يذهب رحيم إلى الشركة وعوضًا عن ذلك قرر مُهاتفة ميا وأنس ليأتوا لمنزله ليقضوا اليوم سويًا.
"طيب يا ميا now you know all the details 'أنتِ الآن على درايه بكامل التفاصيل' المفروض أصالحها ازاي بقى؟"
"بصراحة You don't deserve my advice 'أنت لا تستحق نصيحتي' بس Anyway
'على أي حال' مفيش أجمل من Message 'رسالة' لطيفة وهدية حلوة." تحدثت ميا بثقة وهي تُحارب لنطق الكلمات بالعربية فابالرغم من أنها تفهم أغلب الكلمات إلى أنها سيئة في نطقها.
"أنا متفق في حوار المسدچ أما الهدية لا، هتطمع بقى وتاخد على كده وهتندم أنت قدام!" بمجرد أن تفوه أنس بتلك الكلمات نظر نحوه ميا ورحيم بإشمئزاز قبل أن يُعلق رحيم على حديثه مُردفًا:
"دكتور أنس ابقى عرفني يعني لو أنا بصرف من جيبك أو حاجة! وبعدين تتعود براحتها أنت مالك أنت!!"
"الله الله!! هي بقت كده؟ شكلك وقعت على بوزك يا ابن البكري."
"تاني؟ الطريقة السوقية دي تاني؟"
"هي دي طريقتي مش عجبك شوفلك صاحب تاني، المهم.. اسمع اقتراحي؛ أنا شايف أنك تخش تبعت مسدچ كده وتعتذر وتنكشها ومتقعدش تتسهوك لأن أفنان دي بلطجية ومش هتحب الجو ده! ادخلها بداخلة ثقة كده وكلام جامد هتتصالح عادي جدًا."
"لا لا رحيم Don't listen to him!! 'لا تستمع إليه' !!"
"أومال يسمع نصايحك المايصه دي؟!" سأل أنس بإستنكار وسخرية بينما نظرت نحوه ميا وهي تُضيق عيناها بشك فهي لم تفهم ما قاله بالمعنى الحرفي لكنها استشفت أنه مُعترض ويسخر منها، قلب رحيم عيناه من جدالهم الطفولي..
في النهاية انتهى الأمر برحيم واقعًا في حيرة كبيرة هل يُنفذ نصيحة ميا أم أنس؟ كلام كلاهما مُقنع إلى حدًا كبير بالنسبة إليه، بعد دقائق من الصمت استقام رحيم من مجلسه وهو يُردف بإبتسامة بلهاء غير مفهومة:
"شكرًا يا شباب عالنصيحة أنا خلاص عرفت أنا هعمل أيه.. ساعة وهرجعلكوا."
نظر كلًا من ميا وأنس نحو بعضهم البعض بينما يدعي كلاهما من داخله ألا يُفسد رحيم ما هو مُقبل على فعله..
في مساء ذلك اليوم في منزل أفنان وفي أثناء مشاهدتها لفيلمًا مُرعبًا برفقة شقيقتها بينما يتناولون التسالي، أخترق صوت إشعار الهاتف الصاخب أذن أفنان لتقفز من موضعها في رعب وهي تُبسمل فلقد كان تركيزها كاملًا متجهًا نحو المشهد المُرعب الذي يحدث وصوت الهاتف قد أفزعها، تفتح أفنان الهاتف بحثًا عن الإشعار ولكنها عن طريق الخاطئ قامت بفتح الرسالة على تطبيق الواتساب وقد كانت الرسالة مُرفقة بصورة وقد كُتب فيها الآتي..
"مساء الخير يا أشطر دكتورة،
بصي بقى أنا عارف أنك زعلانة مني بس أحنا هنتصالح دلوقتي أمين؟ أنا بس حبيت أقولك.. اه وأنا جبتلك البوكس ده ومش هقولك جواه أيه عشان تتفاجئ لما تفتحيه بنفسك.. بس لو موافقتيش أنك تاخديه مني هضطر أني أحاول أقنعك قدام المعمل كله.. ففكري كده وأنا تحت أمرك في اللي تختاريه.♥"
_________________________________
(تذكره: اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك، وجميع سخطك.)
الفصل التاسع عشر: اِتِّفَاقٌ 🦋✨🤎
"مساء الخير يا أشطر دكتورة،
بصي بقى أنا عارف أنك زعلانة مني بس أحنا هنتصالح دلوقتي أمين؟ أنا بس حبيت أقولك.. اه وأنا جبتلك البوكس ده ومش هقولك جواه أيه عشان تتفاجئ لما تفتحيه بنفسك.. بس لو موافقتيش أنك تاخديه مني هضطر أني أحاول أقنعك قدام المعمل كله.. ففكري كده وأنا تحت أمرك في اللي تختاريه.♥"
نظرت أفنان إلى هاتف بصدمة وبثغر مفتوح قبل أن تبتسم ابتسامة واسعة ثم بدأت تضحك بطريقة هيستيرية لتترك ميرال طبق البوشار الذي كان في يدها وهي تنظر نحو أفنان بخوف ثم تسألها بجدية قائلة:
"أفنان أنتي اتلبستي ولا أيه؟" لم تُجيبها أفنان وأكتفئت بتحريك رأسها ب 'لا'
"رحيم بعتلي مسدچ يصالحني.."
"وهو قايلك فيها نكت ولا أيه؟ مالك سخسختي على نفسك كده؟" علقت ميرال بحنق وهي تنظر نحو وجه شقيقتها وعيناها التي على وشك أن تشع قلوب حمراء.
"لا هو بيصالحني عادي وبيقولي أنه جابلي هدية.."
"مازلت مش لاقيه حاجة بتضحك في الموضوع!"
"ما أصل هو طريقته ضحكتني أوي! أكيد حد غششه الكلام ده، أصل ده مش أسلوب رحيم في الكلام أنا عارفة طريقته كويس.. أكيد أنس الزفت!"
"يا نهار أبيض! مين أنس ده كمان إن شاء الله؟!" سألتها ميرال بإستنكار وقد اتسعت عيناها بصدمة.
"ده.. ده دكتور في الشركة برضوا.. وصاحب رحيم يعني."
"ما شاء الله وهو أنتي كمان بقيتي عارفة صحاب رحيم؟"
"يا بنتي مش بشوفهم مع بعض في الشركة.."
"طب وريني المسدچ والهدية."
"ماشي بس هو عمتًا مش باين أيه الهدية عشان هي محطوطة في بوكس هدايا."
"ده سرسجي أوي يا أفنان أيه ده؟!!" أردفت ميرال بنبرتها الهادئة المُعتادة وتعابير وجه مُشمئزة لتقهقه أفنان ثم تُعلق قائلة:
"لا لا هو مش كده في الحقيقة خالص!! واضح أن أنس محفظة جملتين يقولهم بس هو بجد أسلوبه بيضحك أوي.. بس أنا برضوا لسه متضايقة منه!"
"عشان مشي وسابك؟"
"عشان خبى عليا موضوع نوح.. مكنش ينفع يعمل حاجة زي دي! أنا طبعًا متضايقة عشان ضربه في العموم وكمان اتضايقت أكتر عشان مجاش يحكي من نفسه وأتدبست أنا في حوار نوح لما جيه هنا!!"
"طب هتعاتبيه ولا هتعملي أيه يعني؟"
"مش عارفة بس غالبًا هتخانق معاه عشان الحوار ده، مش كفاية أني متعصبة منه من الأساس!" أجابتها أفنان بإنفعال بتنظر نحوها ميرال بعدم تأثر وهي تضم كلتا عينيها ثم تقول:
"متأفوريش عشان أنتي عارفة كويس أنكوا هتتصالحوا."
"دي حقيقة فعلًا بس لازم أعمل جو إثارة وساسبنس وبتاع."
"هسميكي بعد كده أفنان حوارات!"
"تصدقي وتؤمني بالله."
"لا إله إلا الله."
"محدش بيعمل حوارات أكتر من سي نوح بتاعك ده."
"ملكيش دعوة بنوح وخليكي في الواد التوتو اللي اسمه رحيم ده."
"فكراني هتخانق معاكي؟ لا مش هتخانق عارفة ليه؟ عشان هو توتو فعلًا."
"كويس أنك عارفة."
"طيب نوقف الحوار ده هنا كده، أنا هدخل أنام بقى عشان مش قادرة وأنتي متسهريش أوي عشان عندك شغل الصبح."
"ماشي يا أختي تصبحي على خير."
"وأنتي من أهله." بمجرد أن ذهبت أفنان لتخلد إلى النوم فُتح باب غرفة والديها ليخرج منها والدها ويسير بخطوات هادئة ويذهب للجلوس بجانب ميرال، يُقبل رأسها ثم يسألها قائلًا:
"حبيبة بابا سهرانة بتعمل أيه؟"
"بتفرج عالتلفزيون.. أفنان سابتني ومكملتش الفيلم معايا."
"ولا تزعلي نفسك نكمله احنا سوا."
"حبيبي ربنا يخليك، بس مش عايزاك تسهر عشان متصدعش بكرة في الشغل."
"لا متغشليش بالك بيا، أنا لما كنت في سنك كنت بطبق وبصحى اروح الشغل عادي جدًا."
"ربنا يديك الصحة وطول العمر يا حبيبي يارب."
"تسلمي يا حبيبتي، بقولك يا ميرال عايز اسألك على حاجة كده."
"اتفضل طبعًا، خير إن شاء الله؟" سألت ميرال بقلق وقد اعتدلت في جلستها وهي تنظر نحو والدها بجدية.
"كل خير يا حبيبتي، أنا بس عايز اطمن على أفنان أختك."
"مالها أفنان بس؟"
"حالها مش عاجبني.. حاسس أنها متغيرة وبقالها فترة مش بتحكيلي كل حاجة زي الأول وواضح أن في مشاكل بينها وبين ابن خالتك بس مردتش أعلق عالموضوع قدام رانيا عشان أنتي عارفة أنها بتضايق لما بقول حاجة عن ولاد أختها."
"هما فعلًا متخانقين، بس شغل عيال يعني متشغلش بالك يا حبيبي."
"طيب كويس طمنتي قلبي.. أهم حاجة أنها تبقى بتتكلم معاكي وبتفضفضوا لبعض، أنا كده مطمن عليكوا الحمدلله ماهو أنا مش هعيش ليكوا العمر كله بس أنتوا ربنا يديكوا طول العمر لازم تفضلوا في ضهر بعض دايمًا في الصغيرة قبل الكبيرة."
"أيه الكلام ده بس يا بابا؟! ربنا يخليك لينا أنت وماما وتفضلوا أنتوا ضهرنا وسندنا دايمًا." هنا اقترب منها والدها ليضمها برفق ثم يُقبل رأسها مجددًا.
"ريحتي قلبي، أنا دلوقتي هقوم أنام وأنتي كمان نامي عشان تعرفي تصحي للشغل."
"حاضر يا حبيبي، تصبح على خير."
في صباح اليوم التالي استيقظت أفنان بنشاط على غير العادة فلقد كانت متشوقة لرؤية الهدية والتحدث إلى رحيم ولكن حماسها قد ازداد أكثر للشجار الذي ستفتعله بسبب لكمه لنوح، ارتدت ثيابها سريعًا ثم تناولت فطورها واتجهت نحو الشركة مُباشرة، وقفت بالقرب من الباب لثوانٍ وهي تأخذ نفس عميق قبل أن تدلف نحو الداخل وهي تدعو بداخلها أن يمر اليوم بسلام وأن تُنهي مشكلة رحيم وألا ترى نوح اليوم...
"دكتور رحيم وصل؟" سألت موظفة الإستقبال والتي أخبرتها أن رحيم قد وصل بالفعل وأنه يجلس في 'الكافتيريا' الخاصة بالشركة، ابتسمت أفنان بإنتصار فهذا المكان هو الأنسب للحديث بعيد عن أعين باقي الطلاب، اتجهت إلى هناك مباشرة لتجده يجلس على أحدى الطاولات وأمامه قدح من القهوة وأحد أنوع المخبوزات التي لم تعرفها أفنان بينما يعبث ، اقتربت منه حتى أصبحت تقف أمامه مُباشرة ثم سألته بنبرة ساخرة وهي تضحك قائلة:
"يا ترى مين اللي غششك الكام كلمة العربي اللي كتبتهم صح في المسدچ؟"
"الناس الطبيعية لما بيشوفوا بعض الصبح بيقولوا Good morning 'صباح الخير'." أجاب بهدوء وبنبرة جادة وهو يُغلق هاتفه ويرفع عيناه الخضراء ليُقابل خاصتها.
"معلش هو أنا كده، بحب ادخل في الموضوع على طول!" علقت بإقتضاب وهي تسحب الكرسي لتجلس أمامه.
"تشربي أيه؟"
"فطرت قبل ما أجي."
"قهوة؟ لا أنتي لسه صغيرة عالقهوة هطلبلك عصير مانجو." سألها متجاهل إجابتها تمامًا ثم في النهاية أتخذ القرار بدلًا منها.
"مانجو؟" سألت أفنان بسخرية وهي تضحك لينظر نحوها بعبوس ثم يقول:
"هي اسمها كده بال English 'اللغة الإنجليزية' على فكرة."
"ما أنا عارفة على فكرة" قلدت نبرته بسخرية ثم صمتت لثوانٍ وبعدها أضافت:
"بغض النظر عن الإستظراف في حوار القهوة ده بس اشطا اطلبلي مانجا."
"طيب تحبي تشوفي الهدية الأول ولا نتكلم ونتصالح الأول؟" سألها بلطف لتنظر نحوه أفنان وهي تُفكر في كيفية تمكنه من تغير تعبيرات وجهه عدة مرات في الدقيقة ذاتها، أخذت نفس عميق قبل أن تستعد للشجار وهي تقول بعصبية:
"أحب أديك بالجزمة على دماغك عشان أنت مقولتليش أن أنت ونوح ضربتوا بعض!!!" هنا تهجم وجه رحيم قليلًا وقد اضطربت ملامحه، أخذ نفس عميق قبل أن يقول بنبرة مُستفزة بينما ارتسمت ابتسامة جانبية على شفتيه قائلًا:
"لا هو أحنا مضربناش بعض.. هو أنا ضربته!"
"مش فارقة كتير!" عقبت أفنان وهي تقلب عيناها بتملل ليُعلق بإستنكار قائلًا:
"لا تفرق طبعًا! أنا مضربتش، وبعدين هو اللي إنسان مُستفز!"
"وهو احنا من أمتى بنضرب الناس اللي بتستفزنا؟!" سألته أفنان بإنفعال ثم هدأت حينما أدركت ما قالته، نظر نحوها رحيم بسخرية ثم علق قائلًا:
"أولًا بلاش أنتي تعلقي على النقطة دي! ثانيًا مش أنا اللي بدأت خناق هو اللي جيه يضربني الأول!"
"يعني هو جيه ضربك من تلقاء نفسه كده؟! يعني عايز تفهمني أن أنت مسخفتش عليه بالكلام ولا استفزيته؟!"
"أنا مش فاهم هو فارق معاكي أوي كده ليه؟ خايفة عليه مني يعني ولا أيه مش فاهم!!"
"فارق معايا أني مش عايزة شكلك يبقى وحش وأن حد يغلطك مثلًا! فارق معايا أن ميحصلش مشاكل بسببي! فارق معايا عشان نوح ده ابن خالتي." وضحت أفنان بصدق لترتخي معالم رحيم قليلًا ثم يسألها بنبرة لطيفة قائلًا:
"ابن خالتك وبس؟!"
"وأخويا كمان ومتربين سوا واللي حصل ده ضايقني جدًا، سواء منك أو منه!"
"أنا أسف... متزعليش مني بس أنا الدم غلي في عروقي بعد ما سمعت الكلام اللي قالهولك وصدقيني لولا أنك باقية عليه عشان قريبك أنا كنت وريته الوش التاني!" تحولت نبرة رحيم من النبرة الهادئة التي بدأ بها حديثه إلى نبرة حادة مُمتلئة بالغضب حينما تفوه بجملته الأخيرة.
"ايوا كده أنت كده رحيم اللي أنا أعرفه... أو معرفهوش مش متأكدة."
"أنتي بتبقى ماشية حلو وبعدين الكلام بيبوظ منك."
"حسيت فعلًا، المهم متعرفش نوح جاي النهاردة ولا لا؟" سألته بتعابير وجه جادة لينظر نحوها طويلًا ثم يُمرر يده على خصلات شعره الناعمة بإستياء وهو يقول:
"والله أنتي لو قاصدة تعصبيني مش هتعملي كده."
"أنا عملت أيه؟"
"والله؟ عالعموم مش هيجي خالص الأسبوع ده عشان بيخلص حاجات لل Master 'الماچستير' بتاعه."
"يلا أحسن عشان نخلص شوية من حواراته دي!" قالت بدون إدراك لينظر نحوها رحيم بأعين متسعة وهو يسألها بغضب:
"ثواني بس... حوارات أيه؟ هو أتعرضلك تاني؟"
"لا ما هو أصل..."
"أصل أيه! Spit it out 'مصطلح يعني أخبريني بسرعة'."
"أصل هو جيه البيت يوميها عشان كده عرفت أنك ضربته."
"لا wait 'انتظري' ثواني كده... هو جيه البيت عشان يقولك أني ضربته؟"
"لا جيه البيت يشتكي لماما أن الدكتور اللي في التدريب ضربه..." قالت أفنان وهي تضم عيناها بعد أن ارادت أن تصفع نفسها لأنها أخبرته بما حدث، ضم رحيم حاجبيه بإقتضاب وإمتعض وجهه بعد أن سمع ما قالته وعلق على ما قالته بإنفعال مُردفًا:
"ولما أقولك هرفده وهخرب بيته بترجعي تزعلي!! يعني هو بجد بيعمل مشاكل بينك وبين طنط مامتك وفي الآخر تقوليلي أنك still 'مازالتِ' مهتمه بيه عشان هو ابن خالتك!!!" صفعت أفنان جبتها وهي تتنهد بضيق قبل أن تجبر نفسها على رسم إبتسامة صغيرة على ثغرها وتقول:
"بقولك أيه... مش هتوريني الهدية بقى؟"
"هوريكي الهدية، وعلى فكرة لما سيبتك المرة اللي فاتت واضطريت أمشي بسرعة كان بسبب أن في زيارة فجائية لحد مهم هنا في الشركة وفعلًا مكنش ينفع مرجعش على هنا، أنا عارف أني اللي عملته قلة ذوق بس صدقيني غصب عني."
"خلاص سامحتك بس لو سمحت متتكررش... أنت بس عرفني أو أديني نبذة عن السبب وأنا بجد هحترم الموضوع لكن لما بتقرر تمشي فجاءة كده أو وشك بيقلب بدون مُقدمات أنا حقيقي بتضايق.
"خلاص وعد مش هتكرر تاني إن شاء الله..." ابتسمت أفنان بسعادة كبيرة حينما قدم المشيئة كما تفعل هي وهي تدعو بداخلها أن يكون قد فعل تأثرًا بها وبطريقة حديثها في العموم.
"يلا افتحي ال Box 'صندوق' بتاعك." سحبت أفنان الصندوق من يده بحماس شديد والذي كان متوسط الحجم، فتحته بسرعة شديدة لتجد بداخله ما يقرب من الخمسة كُتب كانت جميعها متنوعة بين الكيمياء والأدوية ومعلومات عن علم الصيدلة بشكل عام، برقت عين أفنان فور رؤيتها للهدية لتقفز من موضعها بسعادة وهي تُردف بصوتًا عالٍ:
"الله!!! دول حلويين أوي بجد!! والكتاب ده كان نفسي فيه جدًا بس كان غالي شوية بصراحة فكنت مستنية أحوش! ربنا يخليك ليا بجد!!!"
كانت نبرة أفنان صادقة وقد لمعت عيناها بشدة، جلس رحيم في مقعده يتأملها إنها أجمل من أجمل لوحة فنية رأها يومًا بل إنها أجمل ما وقعت عليه عيناه، لم يهتم رحيم لإرتفاع صوتها ولم يهتم لرؤية أحدهم لما يحدث فهو لن يُفسد عليها طريقة تعبيرها عن سعادتها بأي شكلًا كان.
حينما قالت جملتها الأخيرة 'ربنا يخليك ليا' شعر رحيم بنبض قوي في قلبه، ابتسم لا إراديًا وهو يُعيد تكرار الجملة داخل عقله... هل هي سعيدة حقًا بأنه إلى جوارها؟ هل هي حقًا تتمنى أن يظل بجانبها؟
حينما أدركت أفنان ما قالته وفعلته أشتعلت وجنتها بالحمرة لتحمحم بإحراج ثم تعاود الجلوس في مقعدها بينما مازال ثغرها مُزين بإبتسامة واسعة.
"أنا فضحت الدنيا وغالبًا كل اللي معدي من هنا بص علينا..."
"مش مهم، المهم أنك مبسوطة." تحدث بصدق لتتسع إبتسامتها أكثر ثم تحمحم وتقول بنبرة أهدأ:
"أنت حقيقي كلفت نفسك أوي والموضوع مكنش مستاهل يعني... أنا مش هقدر أقبل الهدية دي..."
"بس بلاش هبل please 'من فضلك' ، فداكي أي حاجة المهم أشوفك بتضحكي وفرحانة..."
"كفاية يا علي!!!"
"علي مين؟!!!"
"ديه حتة من فيلم! لا ياريت تذاكر الأفلام كويس عشان لما أقول مشهد من فيلم تبقى معايا عالخط."
"خضتيني بجد! أنا قولت مش كفاية نوح، هيبقى نوح وعلي!!!" علق رحيم بضيق لتقهقه أفنان بقوة على ردة فعله ثم تمتمت مُردفة:
"بهزر يا سيدي بهزر! أيه ده يا نهار أبيض أحنا اتأخرنا عالتدريب!"
"صحيح! أنا نسيت خالص أحنا هنا بنعمل أيه! طب يلا اطلعي وأنا هحصلك عشان متبقيش متضايقة."
"تمام، أشوفك في العملي بقى... باي."
بعد انتهاء اليوم عادة أفنان إلى المنزل والذي ظهرت إضاءته خافته من الخارج لذا توقعت أفنان أنه لا أحد بالداخل أو من في الداخل نائمون لذا قامت بإستغلال الأمر ودلفت إلى الداخل بهدوء شديد تحسبًا لوجود والدها أو والدتها، كانت تُعامل الهدية مُعاملة الممنوعات التي يتم تهريبها وبخطوات خفيفة وسرعة اتجهت نحو غرفتها هي وميرال لتضع الصندوق في الداخل، بدلت أفنان ثيابها سريعًا وقررت أخذ قيلولة بعد أن خبأت الصندوق في خزانة ثيابها، بعد ساعتان ونصف استيقظت أفنان على صوت والدها وهو يتحدث بالهاتف لتُغادر غرفتها بهدوء وتتجه نحوه
"والله حمدلله على سلامته...طب مقولتيش ليه كنت روحت خدته من المطار، لا العربية لسه متصلحتش بس كنت هاخد تاكسي يعني... عالعموم حصل خير، المهم ألف مبروك وربنا يتمم بخير... اه أكيد طبعًا هنيجي إن شاء الله، تمام هضبط مع رانيا والبنات... ماشي مع السلامة..." سمعت أفنان تلك الجمل المتقطعة أثناء تحدث والدها بالهاتف ومن الصوت الطفيف الذي صدر من الهاتف استطاعت أن تُميز صوت عمتها الوحيدة.
"خير يا بابا في حاجة؟" سألت أفنان لتخرج تنهيدة طويلة من والدها ثم يُجاهد ليبتسم ويُجيبها قائلًا:
"بنت عمتك جالها عريس أنتي أكيد عرفتي... المهم، جوز عمتك راجع من السفر هو والعريس وهنتجمع كلنا في بيت عمتك عشان نقرأ الفاتحة ونتفق وهي كانت بتقولي يعني عشان أفضي نفسي."
"شكلك مش مبسوط..." علقت أفنان وهي تأكل قطعة شيكولاتة على الطاولة لا تعلم خاصة من لكنها تناولتها على أي حال.
"ربنا يتمملها على خير لو ليها خير في الجوازة دي ولو شر ربنا يبعده عنها..."
"الحوار مش مريحني بصراحة بس أنت عارف طبعًا لما حد فينا بيتكلم ولا بيحاول ينصح بيبقى رد الفعل عامل ازاي..."
"عارف وأنا والله يا بنتي عمومًا اللي فيه الخير يقدمه ربنا، المهم أنتي فضي نفسك يوم الجمعة عشان نروح لعمتك."
"حاضر يا بابا بإذن الله."
"هي ميرال لسه مجتش؟" سألت أفنان والدها لينظر إلى الساعة المُعلقة على الحائط ثم أجابها قائلًا:
"لا لسه، كلمتني قالتلي هتجيب حاجات بعد الشغل."
"طب تمام، أنا هروح أساعد ماما في الأكل."
"ماشي يا حبيبتي."
"بابا... عايز أقولك على حاجة كده..."
"وأنا عايز اسمع." قال والدها بلطف لتبتسم له بتوتر ثم تذهب لتجلس على الأريكة ويجلس هو على الكرسي المُقابل لها.
"أنا جالي هدية النهاردة."
"اه البوكس اللي كنتي ماشية بتتسحبي بيه ده."
"أيه ده أنت كنت موجود؟!"
"اه كنت واخد إذن من الشغل رجعت اجيب حاجة، فكراني نايم على ودني يا بت أنتي ولا أيه، ها مين اللي جابلك الهدية بقى؟ نوح؟"
"لا نوح أيه وبتاع أيه... بصراحة هو الدكتور اللي بيشرحلي في التدريب." أجابت والدها وهي تتحاشى النظر داخل عينيه بينما تعبث في أصابعها.
"وجابلك هدية بمناسبة أيه؟"
"جابلي كتب في الكيمياء وعلم الصيدلة والأدوية..." أردفت أفنان لتضطرب معالم والدها قليلًا، فما قالته هو آخر ما توقع أن تكون الهدية.
"بمناسبة أيه... بمناسبة أن حصل بينا سوء تفاهم يعني، أنت عارف يا بابا أني بتخانق مع الناس كلها تقريبًا وهو افتكر اني اتضايقت وكده ف... يعني." أجابت أفنان بتلعثم وبنبرة صوت خافته.
"اممم وبعدين؟"
"أنا طبعًا مكنتش عايزة أقبل منه الهدية دي وكده لأن الموضوع مش مستاهل وكمان الكتب دي غالية بس هو أصر عليا..."
"تمام عمومًا يُشكر يعني، في حاجة تاني؟"
"لا خلاص." قالت أفنان وهي تبتسم ابتسامة صغيرة.
"خليكي عارفة يا أفنان أني بثق فيكي ومديكي الآمان أتمنى متخونيش الثقة دي ومهما حصل أنا جنبك وفي ضهرك فياريت متخبيش عليا حاجة ابدًا.
"حاضر يا حبيبي... أنا هقوم بقى." همست قبل أن تتجه نحو المطبخ لمساعدة والدتها ومن داخلها شعرت بالذنب لأنها لم تُخبر والدها بالحقيقة كاملة ولا تدري لما فعلت ذلك... شعرت بنغزة في قلبها لفعلها ذلك وما زاد الطينة بلة هو كلماته الأخيرة.. لذا قررت أنها ستُخبره بكل ما حدث في الفترة الماضية ولكنها ستؤجل الموضوع قليلًا...
"أيه ده الله أكل!!"
"بسم الله الرحمن الرحيم بيطلعوا أمتى دول؟ جيتي أمتى؟"
"لسه داخلة حالًا، جبت حاجات حلوة أوي تعالي أفرجك."
"بعد الأكل طيب عشان خلاص هنغرف."
بعد أن انتهوا من تناول الطعام وذهبت الفتاتان إلى غرفتهما أخذت ميرال الحقائب لتُري المشتريات لشقيقتها.
"حلويين أوي مبروك عليكي! بس مكنتش أعرف أنك بتحبي اللون الأزرق للدرجة يعني." علقت أفنان لغرضًا ما في رأسها، فلم تكن ميرال من مُحبي ذلك اللون للدرجة التي تجعلها تشتري فستانًا وكنزة باللون ذاته مع اختلاف الدرجة قليلًا لكنها فعلت ذلك ببساطة لأن نوح يُحب ذلك اللون بل يعشقه، لم تستطع أفنان أن تلوم شقيقتها على فعل ذلك فلو كانت في موضعها لفعلت المثل...
"اولًا ده زهري مش أزرق، ثانيًا تغير يعني ما أحنا معظم لبسنا ألوانه مكررة ده أنتي لوحدك عندك بتاع ٣ طرح كافية مثلًا." أجابت ميرال بهدوء ثم سخرت من شقيقتها في نهاية الجملة.
"صحيح استني أوريكي رحيم جابلي أيه."
"ايوا وريني أنا متحمسة أوي!!!" كانت تتحدث ميرال بحماس وهي تصفق في يدها وازداد الحماس حينما رأت الصندوق الأسود الفاخر المُزين بخطوط ذهبية عشوائية لكن بمجرد أن فتحت أفنان الصندوق ذهب الحماس وتبدل بخيبة ربما أو تعابير غير مفهومة.
"كُتب؟!"
"اه كتب عن الكيمياء والصيدلة والحاجات دي يعني."
"يعني يوم ما يجيلك هدية من شاب قمر كده تبقى كُتب!!! الدح وصل بيكي لكدة!"
"كل واحد حسب اهتمامه والحاجات اللي بيحبها بقى!"
"على رأيك المهم أن الهدية عجباكي وأنك مبسوطة."
"اه الحمدلله.. بقولك أيه هو نوح كلمك؟"
"لا."
"تمام... صحيح عمتك كلمت بابا عشان عمو جيه من السفر هو وعريس ريماس عشان يقعدوا يتقفوا وكده."
"طب كويس ربنا يتمم بخير بس ياريت يا أفنان تمسكي لسانك ومتعلقيش على أي حاجة خليكي في حالك مش ناقصين وجع دماغ." أردفت ميرال وهي تحاول جاهدة لإقناع أفنان التي فقط نظرت نحوها طويلًا ثم علقت قائلة:
"أنتي عارفة أني مبقدرش بس هحاول على أد ما أقدر."
"ماشي ياختي."
مر الأسبوع بسلام وقد صدق رحيم فنوح لم يأتي قط طوال أيام التدريب لهذا الأسبوع، كانت الأوضاع مستقرة بينها وبين رحيم، وفي يوم الخميس لم تذهب أفنان وأسرتها عند خالتها كالمعتاد فلقد ذهبوا إلى زفاف أحدى فتيات العائلة من جهه والد نوح ومريم وفي صباح يوم الجمعة استيقظت أفنان باكرًا، فتحت عيناها بكسل وفي اللحظة ذاتها أنار هاتفها برسالة من رحيم لتنتفض من موضعها وهي تُمسك بالهاتف لتقرأ محتوى الرسالة.
"صباح الخير، أتمنى يومك يبقى لطيف، قوليلي أيه خططك لليوم؟" قرأت الرسالة عدة مرات وهي تتوقف عند أمنيته أن تقضي يومًا لطيف، آهٍ لو يومها يكون بلطف رسالته تلك!
"صباح النور، أيه اللي مصحيك بدري كده؟ أنا معزومة عند عمتي عالغدا أنا وماما وبابا وميرال."
"لطيف جدًا Enjoy 'استمتعي' ، أنا نزلت أجري شوية الصبح ودلوقتي بتمرن." قرأت أفنان الرسالة ثم غادرت المُحادثة لثوانٍ لتجد أنه قد أنزل حالة 'Story/status' تحوي صورته وهو يرتدي 'تي شرت' قطني بدون أكمام وقد ظهرت عضلات ذراعيه وجزء من عضلات صدره بالإضافة إلى ذقنه المُهذبه وخصلات شعره الناعمة المُبعثرة الذي جعلت مظهره أجمل بإضعاف، شهقت أفنان بصدمة بينما تتأمل صورته قبل أن تقول:
"استغفر الله العظيم يارب!!!" ثم أغلقت الصورة على الفور لتستقيظ ميرال بفزع وهي تسألها:
"في أيه عالصبح؟"
"صورة لرحيم... بس صورة مش زي أي صورة!!!"
"مش لابس هدوم ولا أيه؟!!" سألت ميرال وهي تقفز من سريرها لخاصة أفنان بسرعة البرق.
"أيه ده قلة الأدب دي؟! لا بس في الچيم وشعره مبلول كده وحركات وعضلات وبتاع." فسرت أفنان وهي تغمز بإحدى عينيها بينما نظرت نحوها ميرال ببلاهة قبل أن تقول:
"وريني طيب."
"لا مش هينفع أنتي أختي وهو شرفي."
"أفنان متقعديش كتير عالسوشيال ميديا عشان بقيتي تقولي حاجات غريبة."
"ده تريند يا بنتي بس أنتي اللي نرم، عمتًا كويس أنك صحيتي عشان نقوم نجهز لبسنا ونساعد ماما لحد ما بابا ينزل يصلي ويجي نفطر كلنا."
"هو أحنا هنروح لعمتك أمتى؟"
"هنفطر وننزل عشان هما عايزنا من بدري."
"أفنان انتوا صحيتوا؟"
"اه يا ماما اتفضلي."
"كويس انكوا صحيتوا عشان عايزة أقول كلمتين وياريت يتنفذوا سمعاني يا ست أفنان؟"
"طبعًا يا ماما تحت أمرك." أردفت أفنان بنبرة درامية لتنظر نحوها والدتها بعدم إقتناع وهي تضم عيناها ثم تُكمل التعليمات قائلة:
"محدش يعلق بحاجة النهاردة خالص! ملكوش دعوة بعمتكوا ولا جدتكوا ولا العريس ولا الكلام ده، أحنا ملناش دعوة أحنا مجرد ضيوف هناخد واجبنا ونقرأ الفاتحة ونتكل على الله فياريت نتجنب المشاكل قدر الإمكان وخاصة أنتي يا سوسة."
"سوسة؟ الله يكرم أصلك يا ماما، عالعموم حاضر يا حبيبتي."
"طبعًا أنتي بتاخديني على أد عقلي أنا عارفة، يلا ربنا يستر."
في تمام الساعة الثانية ظهرًا كانوا قد وصلوا إلى منزل عمتها وقد بدأت مراسم الإستعداد لإستقبال العريس المُنتظر، مثل وضع المفارش البيضاء ناصعة البياض، وضع الشيكولاتة الفاخرة التي احضرها والد ريماس، تناولوا الغداء الذي أعدته عمتها والذي كان أقرب للوليمة منه إلى الغداء العادي فلقد طبخت ما يقرب من الخمسة أصناف ونوعان من الطيور.
"بناتك كبروا يا أحمد ما شاء الله بقوا عرايس حلويين."
"ربنا يخليك، اه البنات كبروا وكبرونا معاهم."
"متقولش كده أحنا لسه شباب، صحيح أنا جبت للبنات هدية بسيطة كده يارب تعجبهم."
"ربنا يخليك مكنش في داعي تتعب نفسك."
"اه فكريني يا رانيا أبقى أوريكي طقم الدهب اللي جابهولي الحج من برا."
"مبروك عليكي يا حبيبتي تتهني بيهم." أجابت رانيا بإبتسامة مُصطنعة، في الحقيقة هي لا تهتم بالماديات وتلك الأشياء فهي يكفيها وجود زوجها وبناتها الأثنتين إلى جانبها.
"يلا يا ماما ناكل بسرعة عشان ألحق ألبس واجهز."
"تعبان يا عروسة من حقك تتشرطي ده اليوم يومك." أردفت جدتها لتبتسم لها ريماس وتُرسل قبلة في الهواء بينما تقلب أفنان عيناها بتملل.
بعد مرور ساعة تقريبًا كان الجميع انتهى من تناول الطعام وقد بدأت ريماس في ارتداء ثوبها الجديد والذي كان باللون الأحمر الداكن وقد وضعت أحمر شفاه باللون ذاته وقد تركت خصلات شعرها لتنسدل على ظهرها كانت تبدو جميلة للغاية.
"قمر ما شاء الله." اردفت أفنان وهي تنظر نحو ريماس بإبتسامة واسعة بينما تقوم بضبط ثوب الأخيرة لتُبادلها ريماس الإبتسام قطع المشهد اللطيف صوت عمتها وهي تقرأ المعوذتين بصوتًا واضح وتُشير بعلامة الكف 'بتخمس' بالقرب من أفنان وميرال، تنظر نحوها أفنان بحنق ثم تذهب لتجلس على السرير وقد قررت ألا تُساعد ريماس مجددًا وألا تُعلق بأي شيء.
صدح صوت جرس الباب في الخارج لتتوتر الأجواء قليلًا، تتجه والدة ريماس نحو الخارج لتقوم بإسدال الستائر التي تفصل بين الممر والغرف والمكان حيث سيجلس الرجال.
"ادخلي جوا يا ريماس يلا ومحدش يطلع صوت بقى." نفذت أفنان ما قالته والدتها، ثم سمعوا جميعًا صوت الباب وهو يُفتح ثم صوت ترحيب.
كانت الفتيات ثلاثتهن يجلسن في غرفة ريماس ومعهم والدتهم وعمتهم حيث جلس الرجال فقط في الخارج وجدتهم.
"يا ماما عايزه اشوفه، هبص بسرعة من ورا الستارة مش هياخد باله!!" ترجت ريماس والدتها كطفلة تُريد الحلوى وقد رسمت وجه جرو لتنظر نحوها والدتها وعلامات الإعتراض مُرتسمة على وجهها لكن في النهاية استسلمت وقالت لريماس الآتي:
"ماشي بس لو شافك هقطم رقبتك أنتي سامعة."
"ماشي ماشي." ذهبت ريماس بخطوات خفيفة لتنظر من خلف الستارة ثم تعود نحو الغرفة وهي تبتسم ابتسامة واسعة ثم تُشير لأفنان وميرال أن يأتوا لينظروا هما ايضًا.
كان الشاب والذي يُدعى فريد يجلس بجانب والد ريماس، كان ذو وجه حسن؛ بشر قمحية وعيون سوداء وشارب كثيف منحه هيبة وكان يبدو من هيئته أنه طويل القامة، كان جسده وسطًا بين النحافة والسمنة وكان أقرب قليلًا للسمنة وبالرغم من أنه قريب من منتصف الثلاثينات إلا أنه بدا أصغر في العمر.
عادت الفتيات كلهن إلى الغرفة مجددًا بينما يحاولون سماع الحوار الذي يدور في الخارج لكنهم فشلوا في ذلك، بعد مدة قصيرة جاءهم صوت والد ريماس وهو يقول:
"تعالي يا عروسة سلمي على عريسك." خرجت ريماس بتوتر نحو الخارج وقد ألقت التحية على الشاب الوسيم الجالس وقد رسمت إبتسامة لطيفة على ثغرها، مر اللقاء بسلام وقد تم الإتفاق بشكلًا جيد، جلس الجميع سويًا بعد رحيل فريد ليبدأو في إلقاء التعليقات حول اليوم وكيف جرى.
"يعني كده يا بابا أنا هتخطب سنة صح؟"
"إن شاء الله أقل من السنة وهتكوني في بيتك." أجابها والدها لتبتسم والدتها إبتسامة واسعة من الأذن للأذن فلقد كانت تتمنى طوال حياتها أن تتزوج فتاتها قبل فتيات شقيقها أحمد، ساد الصمت لثوانٍ قبل أن يقطعه صوت عمتهم وهي تقول بنبرة ثعبانية:
"وأنتي يا ميرال مش ناوية تخلينا نفرح بيكي يا حبيبتي؟ ده العمر بيجري يعني.." نظرت ميرال بذهول وصدمة نحو عمتها وهي لا تجد ردًا على كلماتها الجارحة لذا اكتفت بالصمت لكن ذلك لم يُرضي أفنان التي دافعت عن شقيقتها بإندفاع قائلة:
"والله يا طنط ميرال بيجلها عرسان كتير بس هي اللس بترفض."
"ليه يا حبيبتي شايفالك شوفه ولا أيه؟"
"لا يا عمتو مش كده..." أجابت ميرال بتوتر وتلعثم وكان الحزن باديًا على ملامحها لتنكزها أفنان بلطف وتُكمل الإجابة بدلًا عنها قائلة:
"ما هو يا طنط هي مش بيعة عشان اللي جاي معاه قرشيين يجي يحمل ويشيل عشان احنا بني آدمين مش بهايم، الشخص اللي بيتقدم ده لازم نشوف فكره وثقافته ونشوف مناسب ولا لا."
"وهو الفكر والثقافة هيصرفوا عليكوا ولا هيعشوكوا بالليل."
"الفكر والثقافة والتفاهم هيخلي لما ميبقاش في عشاء في البيت هيبقى في أفكار ازاي نجيب عشاء، هيبقى في رضا وقناعة، هيبقى في حب وود يخلينا نتحمل الظروف الصعبة عشان بعض أما بقى لو اعتمادنا كان على الفلوس فوقت ما الفلوس تختفي الجوازة هتبقى فركش." وضحت أفنان وجهة نظرها بهدوء وبآدب وفي الآن ذاته قد أظهرت كم أن عمتها مُخطئة في تحليلها وحكمها على الأمور، امتعض كلًا من عمتها وجدتها التي لم تتفوه بحرف بل اكتفت بإصدار صوتًا بفمها 'مسم'
"الله ينور عليكي يا حبيبتي." علق والدها بفخر وهو ينظر نحوها بسعادة فلقد شعر أن ما بذله في التربية وصنع فكر لأبنته لم يضيع هبائًا.
"اه طبعًا ماهي عمرها ما هتتفرعن كده غير لما أنت اللي تبقى مقويها." صاحت عمتها بغيظ وإندفاع لينظر نحوها شقيقها بهدوء تام ثم يقول:
"بناتي ولازم أقويهم وأدعمهم أومال أبقى أب ازاي لو معملتش كده."
"ماهو كده يا أخويا هيفضلوا قاعدين جنبك طول العمر."
"ينور ويشرفوا... بيتهم وبيت أبوهم ومفتحولهم طول العمر وعلى أد ما نفسي أفرح بيهم على أد ما نفسي يفضلوا في حضني طول العمر." أجابها أحمد وهو يضم ابنتيه الجالستين إلى جانبه واحدة في الجانب الأيمن والآخرى في الأيسر.
"ماشي يا أخويا..."
"يعني أنت يا خالو مش عاجبك العريس؟ ده معنى كلامك؟" سألت ريماس بتوتر وهي تنظر إلى والد أفنان ليبتسم لها بدفء ثم يُردف بصوتًا منخفض وبنبرة مازحة:
"هبقى أقولك لما مامتك تقوم."
"ماشي اتفقنا.." قالت ريماس وهي تضحك ثم تصمت لثوانٍ قبل أن تُضيف بصوتًا مسموع ونبرة تحدي:
"إلا قوليلي يا أفنان أخبارها أيه صاحبتك اللي كنتي قاعدة معاها في الكافية دي؟"
_________________________________
(تذكره: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.)
الفصل العشرون: مُحَاوَلَة 🦋✨🤎
"إلا قوليلي يا أفنان أخبارها أيه صاحبتك اللي كنتي قاعدة معاها في الكافية دي؟" سألت ريماس فجاءة بنبرة خبيثة وقد ارتسمت إبتسامة سمجة على وجهها، نظرت نحوها أفنان بصدمة وقد فتحت ثغرها لثوانٍ قبل أن تُحمحم ثم تُجيبها بثبات قدر الإمكان:
"الحمدلله كويسة، بتسلم عليكي." سخرت منها أفنان في نهاية الجملة.
"ابقى خد بالك يا خالو أفنان بتصاحب مين، أصل صاحبتها دي بتشرب سجاير." قالت ريماس بخبث وهي تبتسم ابتسامة جانبية لتتسع أعين أفنان وهي تسبها أسفل أنفاسها قبل أن تُعلق على ما قالته ريماس وتحاول إصلاح الوضع بسرعة مُردفة:
"لا هي مش بتشرب سجاير..."
"أومال أيه..." قاطعتها ريماس بطفولية لتنظر نحوها أفنان بحده ثم تُردف:
"متقاطعنيش أنا لسه مخلصتش كلامي!" كانت نبرة أفنان عنيفة لدرجة أن الجميع ألتفتوا نحوها، أغلقت عيناها لثوانٍ وهي تحاول أن تهدأ مجددًا وتُكمل حديثها بتفسير منطقي:
"هي مش بتشرب في العموم بس أصل يا حرام بعيد عنك يعني إن شاء الله كان متقدملها واحد وكانت الدنيا ماشية كويس وهي حبته وفجاءة قبل الفرح بإسبوعين فسخ الخطوبة من غير سبب وخد حاجته وسافر."
"أعوذ بالله أيه الفال الوحش ده؟!!!" قالت عمتها بفزع لتبتسم أفنان بإنتصار فلقد تحقق غرضها من الجملة، أن تثرثر عمتها في الحديث فينشغل الجميع عن أمر صديقة أفنان الوهمية والمقهى لكن من داخلها كانت تعلم أن والدها لن يفوت تفصيلة كتلك وأنه سيسألها بكل تأكيد وقد تضطر إلى الكذب بسبب تلك الحرباء التي تُسمى ريماس والتي كانت تشعر أفنان منذ دقائق أنها قد تكون إنسانة جيدة من الداخل لكن ما فعلته الآن جعل أفنان تتراجع عن تلك الفكرة تمامًا، كان والد أفنان هادئًا طوال الحوار الذي دار ولم يتفوه بحرفًا واحد مما جعل القلق يتسرب إلى قلب أفنان لكن والدها حسر الصمت أخيرًا وقال:
"رانيا يلا أنتي والبنات عشان نروح."
"ليه بس يا أخويا ما لسه بدري أقعدوا أتعشوا معانا." علقت عمتها بنبرة مُزيفة، يتحاشى والدها النظر نحو شقيقتها ثم يُردف برسمية:
"لا ربنا يخليكي كفاية كده، نسيبكوا بقى تحتفلوا بالمناسبة السعيدة دي كأسرة مع بعضكوا."
"كلك ذوق يا أحمد والله." قال زوج عمتها ليبتسم له والد أفنان ويصافحه بود.
"باي يا خالو وهستناك تكلمني اتفقنا؟" أردفت ريماس بحماس طفولي لتنظر نحوها أفنان بطرف عيناها بحدة وازدادت تعبيرات وجهها حدة حينما سمعت رد والدها.
"اتفقنا يا حبيبتي."
بمجرد أن غادروا منزل عمتها تقدمت أفنان بضع خطوات بحيث تواكب خطوات والدها وهي تقول بغيظ:
"من أمتى يا بابا وأنت بتقول حبيبتي دي لحد غير أنا وميرال وماما؟؟!"
"أيه؟" سأل والدها بعدم فهم لتتسارع خطوات أفنان حتى تقف إلى جانبه تمامًا وتقول:
"حضرتك دلوقتي لسه قايل لريماس حبيبتي، وهي مش حبيبتك اصلًا!!!"
"يالهوي عالغيرة!! ده رانيا مش بتغير عليا كده!"
"مليش دعوة بماما أنا! أنا ليا دعوة أنك بابايا أنا لوحدي!!" أردفت أفنان لتنكزها ميرال بخفة لتحمحم أفنان ثم تُعدل جملتها قائلة:
"بابايا أنا وميرال يعني."
"عارف يا أحمد ساعات بحس أن ميرال خدت التربية كلها وأني سقطت أربي أفنان." علقت والدتها بنبر ساخرة ليقهقه والدها بقوة ثم تنظر أفنان نحو والدتها وهي ترفع كتفيها بلامبالاة وتقول:
"والله دي مش مشكلتي، دي مشكلتك أنتي يا ماما تحمليها." أقتربت منها والدتها لتقرصها في خديها بقوة وسط ضحكات والدها وميرال.
فور عودتهم إلى المنزل جلست أفنان تثرثر بأحداث فيلمًا ما لميرال بينما كانت الأخيرة منشغلة بهاتفها بطريقة غير معهودة، تضحك ضحكات واسعة تُغلق الهاتف لثوانٍ ثم تُعيد فتحه مجددًا.
"ميرال أنتي سمعاني؟"
"همم بتكلميني؟" همهمت ميرال والتي لم تستمع لحديث أفنان الذي استمر لعشرة دقائق تقريبًا لتضم أفنان عيناها بشك ثم تنقض على ميرال كأسد ينقض على فريسته وهي تسحب منها الهاتف ثم تركض بعيدًا.
"يا رخمة أنتي هاتي!!" صرخت ميرال وهي تركض خلف أفنان بينما تقهقه الأخيرة، خرجت والدتهم من حجرتها وهي تُردف بغضب:
"أنتوا اتجننتوا يا عيال ولا أيه؟! ده أنتوا معملتوش كده وأنتوا عيال!!"
"سيبيهم يا رانيا أخوات وبيهزروا مع بعض."
"هاتي بقى!!" صاحت ميرال فور أن تبعت أفنان إلى داخل حجرتهم، تنظر أفنان إلى المحادثة ثم تشهق وتقول:
"يا كلبة! وأسألك نوح كلمك ولا لا تقولي لا مكلمنيش وأنتوا مقضينها رغي!!"
"هاتي بقى يا رخمة! وبعدين ملكيش دعوة بتفتشي في تليفوني ليه أصلًا!!"
"هي بقت كده يا ميرال؟!"
"اه مش الصبح مردتيش تديني التليفون وقعدتي تقوليلي أني شرفك وهو أختك وحاجات كده!!"
"ششش بس بس أنتي بتقولي أيه؟ ده أنتي عملتي خلط في الأنواع حرام عليكي، وبعدين دي حاجة ودي حاجة يا نادر."
"يا سلام هو بمزاجك يعني؟!"
"اه بمزاجي يعني." قلدت أفنان نبرة ميرال بسخرية ثم تمتمت:
"استني استني ده نزل أستوري."
"طب ما تشوفيها من عندك بقى وبلاش رخامة."
"لا ما هو أنا ونوح عاملين لبعض Hide من الإستوري عشان أحنا متخانقين، وبعدين ثواني انتوا بتتكلموا عالإنستجرام ليه؟ من قلة الأبلكيشنز التانية يعني؟!"
"أيه ده جو أطفال أوي اللي بتعملوه ده، وبعدين ملكيش دعوة نتكلم فين، اسكتي بقى خلينا نشوف منزل أيه."
"أكيد طبعًا منزل صورته مع بنت." أردفت أفنان مُتعمدة إثارة غيظ ميرال وبالفعل نجحت في ذلك حيث ضربتها ميرال بكتفها بخفة وغضب طفولي، أمسكت ميرال بالهاتف وذهبت بعيدًا عن أفنان لتفتح الصورة ببطء شديد وتوتر.
"يا ستي افتحيها وخلصينا أيه جو نبيل الحلفاوي ده!!" علقت أفنان بإستهزاء لكن ميرال لم تُجيبها بل ظلت تتأمل الهاتف بنظرات لم تعهدها أفنان وكأن عيناها على وشك أن تُشع قلوبًا حمراء.
"في أيه؟ بتسبلي للموبايل ليه؟ هي دي آخرتها يا ميرال تحبي شاشة؟!"
"بصي منزل أيه!!!!" صرخت ميرال بحماس وبنبرة غير معهودة لتُغلق أفنان عينيها بقوة وهي تضع كلتا يديها على آذنيها بسبب اختراق صوت ميرال لطبلة آذنها بقوة.
"أوباااا!!!" قالت أفنان فور رؤيتها صورة نوح وهو يجلس في مكتبه بينما يُمسك في يديه 'المج' الجديد الذي أهدته إياه ميرال.
"أفنان بصي!!! ده مش بس متصور بالمج بتاعي ده حط الصورة دي عشان جاله سؤال بيقول ورينا صورة آخر هدية جبهالك حد عزيز عليك! يعني هو شايفني حد عزيز عليه!!"
تحدثت ميرال بسعادة لا مثيل لها وقد لمعت عيناها ببريق لم تراه أفنان من قبل لكن قرأت عنه كثيرًا في الروايات، اتسع حدقة العين واللمعة في عين البطلة دائمًا.. لكن بقدر السعادة التي شعرت بها أفنان لرؤية شقيقتها في تلك الحالة إلا أن قلقها قد ازداد ايضًا فماذا إن كان مصير شقيقتها هو ذاته مصير بطلة الرواية التي ينتهى بها الحال بقلبًا مكسور... هل حقًا يعني نوح أن ميرال شخصًا عزيزًا على قلبه؟ هل يُدرك حجم ما فعله بالنسبة لميرال التي تنتظر منه ولو إشارة واحدة... أم أنه يقصد أنها عزيزة عليه كما الحال مع مريم!
"طبعًا أنتي حد عزيز عليه وعلى الناس كلها وأي واحد في الكون ده كله يتمنى أنه يتعامل معاكي وأنك تحبيه."
"بجد يا أفنان؟" سألت ميرال بنبرة أقرب إلى الهمس وهي تتحاشى النظر إلى عين أفنان بينما تعبث بأصابع يدها.
"عندك شك في كده؟"
"أصل يعني ساعات بحس أني مش مميزة.. سواء شكلًا أو شخصية، يعني أنتي مثلًا شخصيتك قوية ودمك خفيف فبتحذبي أي حد بيتعامل معاكي، مريم مثلًا أحلى مني شكلًا وكمان شاطرة في شغلها، ده حتى ريماس تعليمها وأسلوب كلامها بيخلي الجنس الخشن ينجذب ليها."
"الجنس الخشن ازاي يعني؟"
"عكس الناعم."
"اسكتي يا ميرال اسكتي الله يرضى عليكي عشان أنتي بتقولي أي كلام أصلًا، مبدأيًا كده أنتي أجمل واحدة فينا ومش بقول كده مُجاملة أو عشان أنتي أختي، وهقولك عمتًا أسباب عشان متفتكريش أني بقول كده وخلاص، أولًا أنتي أرق مني بكتير..
كملامح وشك أو نبرة صوتك يعني بجد رقيقة جدًا وكيوت، ثانيًا شاطرة جدًا ومميزة في شغلك يعني عايزة أيه أكتر من أنك عرفتي تشتغلي في مجالك على طول الحمدلله، ثالثًا أنك شخصية متفاهمة ومتسامحة على عكسي مثلًا.." صمتت أفنان لثوانٍ وهي تبتلع ريقها ثم تُكمل:
"يعني أنا مثلًا مش بعرف أنسى ولا أسامح غير بصعوبة كبيرة، وكمان مبقدرش أتقبل وجهات النظر أوي أنتي عارفاني طبعًا.. فكل دي مميزات عندك أنتي بس ومش عند أي واحدة فينا وكمان يا ميرال كل واحد فينا ليه شخصية مميزة حتى الناس أمثال ريماس بيبقى عندهم مميزات للأسف يعني، بس الفكرة أن مش كلنا بنقدى نظهر الجانب الجميل ده من شخصيتنا لكن أنتي بتقدري."
انتهت أفنان وهي تأخذ نفس عميق بعد أن تحدثت لمدة طويلة بصورة متواصلة، لم تُعلق ميرال على ما قالته أفنان بل نظرت نحوها بحب وحنان وقد لمعت عيناها بالدموع قبل أن تهم لتضم أفنان بقوة في عناق دافئ وهي تُتمتم:
"أنا بحبك أوي بجد! معرفش حياتي كانت هتبقى عاملة ازاي من غيرك ربنا يخلينا لبعض."
"وأنا كمان بحبك أوي، أوعي بقى هتفطسيني وبعدين سيبيني أنام بقى عشان عندي تدريب الصبح إن شاء الله." أردفت أفنان وهي تبتعد عن ميرال وتذهب إلى سريرها بينما تُمسك بهاتفها لتقوم بضبط المنبه كي تستقيظ في ميعاد التدريب لكن قبل أن تُغلق الهاتف جاءتها رسالة من رحيم محتواها الآتي:
"عندي Meeting 'اجتماع' مهم بكرة أحتمال حد تاني يشرحلكوا، هحاول أتصرف وأشوفك قبل ما تمشي يلا Goodnight." قرأت الرسالة لكنها لم تُجيب بل زفرت بضيق وهي تتمتم:
"يادي النكد."
"حصل أيه؟"
"رحيم مش هيدخلنا بكرة عشان قال أيه عنده ميتينج وزفت!"
"طب ما الراجل مشغول ولا هو هيسيب شغله ويقعد جنبك يعني! المهم مقولتليش أرد على نوح أقوله أيه؟"
"في أيه بالضبط؟"
"عالصورة اللي هو منزلها."
"وتردي ليه هو وجهلك كلام أساسًا؟ ده منزل صورة عادي، أتقلي يا ميرال."
"بقالي أكتر من اتنين وعشرين سنة تقلانة يا أفنان أتقل أيه أكتر من كده!!!"
"طب خلاص أبقي أعملي reply 'رد' بكرة مش دلوقتي."
"ماشي، تصبحي على خير."
"وأنتي من أهله."
في صباح اليوم التالي اتجهت أفنان للشركة كالمعتاد وقد صدق رحيم فيما قاله فمن قام بعملية الشرح للجزء النظري هو شخصًا آخر غيره وغير نوح والجزء العملي كذلك، وفي ذلك الوقت كان رحيم يجلس بالفعل في أحد الإجتماعات الهامة من أجل الشركة وبينما كان أحد الموظفين يقوم بشرح مُخطط ما على ال Projector، كان عقل رحيم في مكانًا آخر... شعر بحُزن مفاجئ حينما أدرك شيئًا ما وهو أن مدة التدريب على وشك الإنتهاء!!!
هذا يعني أنه لن يرى أفنان مجددًا!!! فلقد كان السبيل الوحيد للتحدث إليها ورؤيتها هو تدريب الشركة لكن الآن هي ستختفي من أمام ناظريه.. ستعود إلى الجامعة وسوف تنساه تمامًا وكأنه لم يكن، ولعلها تقابل فتى في مثل عمرها أو يكبرها بعام أو اثنين وتقع في غرامه!
"أيه رأي حضرتك يا دكتور رحيم..."
"رحيم؟"
"أنا متأسف جدًا.. ممكن تعيد آخر جزء تاني؟ أنا بس مُرهق شوية ففصلت."
"طبعًا يا دكتور رحيم كنت بقول...." أعاد ما كان يقوله مجددًا ليُحاول رحيم جاهدًا أن ينتبه هذه المرة.
"أنت دماغك مسافرة خالص النهاردة، الناس كلها خدت بالها." وبخه أنس بعد انتهاء الإجتماع وهو يجلس أمام رحيم الذي كان جالسًا على مكتبه وقد أعاد ظهره نحو الخلف على الكرسي بينما يُعيد خصلات شعره الناعمة نحو الخلف.
"أيه ده أنت خدت بالك؟"
"خدت بالي؟ مصر كلها خدت بالها يسطا، القكة منكدة عليك ولا أيه؟" سأل أنس بإستنكار وبنبرة ساخرة لينظر نحوه رحيم بإشمئزاز ثم يُردف بإنفعال:
"قطة؟ ما تحسن ألفاظك يا حيوان أنت!"
"وهو أنا شتمتها!!"
"لا بس الطريقة اللي بتستخدم بيها الكلمة دي مش بتبقى محترمة وأنا مقبلش أنك تقول عليها كده!!"
"ششش بس اسكت أيه ده في أيه يا عم هتديني درس في الأخلاق؟! حقك على أهلي، الزفتة اللي اسمها أفنان زعلتك في حاجة؟!" سأل أنس بنفاذ صبر وهو يزفر بضيق لينظر نحوه رحيم بحده قبل أن يقذفه بُعلبة المناديل الورقية والتي كانت مُوضوعة داخل عُلبة سوداء فاخرة ليتآوه أنس حينما اصطدمت بكتفه.
"هي دي الأخلاق والرجولة؟ بتضربني عشان ست أفنان؟"
"أنت ليه محسسني أنك مراتي وأني بخونك؟ ما تنشف كده يا أنس وكفاية دراما please 'من فضلك'."
"أنا ماشي سلام."
"كابتن مش ملاحظ أننا في شركة وشغل وممكن اخصملك باقي اليوم لو مشيت وكده؟"
"ياه يا رحيم ده أنا بهزر معاك يا أخي..." قاطع حديثهم رنين هاتف أنس ليُخرجه من جيب بنطاله وينظر طويلًا إلى اسم المُتصل وتتوتر ملامحه ولا يُجيب بل يُعيد الهاتف مجددًا إلى جيبه لكن ينظر نحوه رحيم بشك وهو يسأله:
"مين اللي بيتصل بيك يا أنس؟"
"ها؟ محدش... ديه تيتا."
"تيتا الله يرحمها بتتصل بيك ازاي يعني؟ ماتصعش عليا يا أنس وقولي مين بيكلمك."
"طب من غير تهزيق ماشي؟"
"على حسب... اخلص!"
"مونيكا."أعترف أنس وهي يُمسك بيد الكرسي خاصته إستعدادًا لأن يركض من المكان في أي ثانية.
"تاني يا أنس؟ هو أنت مبتحرمش يا ابني؟!"
"المرة دي بتكلمني عشان الشغل والله." أقسم أنس بنبرة طفل يجلس في جلسة إعتراف أمام والدته والتي تُمسك بفردة من 'الشبشب' في يدها كتهديد.
"وأما هو كده مردتش عليها ليه؟"
"ما هو أنت قولتلي مكلمهاش فقولت مردش قدامك عشان متعمليش حوار وأنا مصدع أساسًا."
"أنس حبيبي... You have 3 seconds to run 'أمامك ثلاث ثواني لتهرب' وإلا هزعلك."
حينما سمع أنس ما قاله رحيم ورأى الغضب الكامن داخل عيناه استقام من مقعده بكل هدوء قبل أن يهرول نحو الخارج وفي طريقة اصطدم بأحدهم، لم يرى رحيم من حتى سمع صوت شجار:
"ما تفتح يا أعمى أنت!!"
"أفنان؟!" همس رحيم وهو يستقيم من مقعده ويتجه مُسرعًا نحو الخارج.
"صاحبك الأعمى ده كان هيخبط فيا لولا أني صديته لا وكمان مش عاجبه أني بقوله يعتذر!" صاحت أفنان بغضب شديد وهي تنظر نحو أنس بحده ليأتي رحيم ويقف بالقرب منهم ويُردف بلطف:
"أنا بعتذر بالنيابة عنه، وأنت يا بني آدم ما تفتح!"
"لا مش قابلة الإعتذار أنا عايزاه هو اللي يعتذر عشان هو اللي غلط مش أنت."
"ما خلاص بقى أنتي عاملة حوار على أيه وهو أنا ضربتك بالنار يعني؟!" علق أنس بإستنكار ليزداد غضب أفنان أكثر وهي تضم قبضتها بقوة وتحاول التماسك كي لا ترتكب جريمة.
"خلاص حقك عليا أنا متزعليش، سيبك منه!" أردف رحيم بنبرة لطيفة وهو يقف حاجزًا بين أفنان وأنس لتنظر نحوه أفنان لثوانٍ قبل أن ترتخي معالم وجهها الغاضبة وتُردف بهدوء:
"ازيك يا دكتور رحيم عامل أيه؟"
"دي ملبوسة يا عم أيه الجنان ده!" قال أنس بإندهاش وهو ينظر إلى الفتاة الرقيقة التي تتحدث إلى رحيم والتي كانت أشبه برجال العصابات قبل دقيقة.
"أنا كويس الحمدلله أنتي أخبارك أيه؟" سألها رحيم بنفس النبرة الهادئة ذاتها بينما يُشير بيديه الموضوعه خلف ظهره لأنس بأن يرحل، فهو يعلم جيدًا أنه إن تفوه أنس بحرفًا آخر فلن تتردد أفنان في قتله في التو واللحظة.
"كويسة أو كنت كويسة يعني قبل ما بيه يخبطي ويعكنن مزاجي."
"هو أكيد مش قصده يخبطك هو مشافكيش أكيد."
"ليه إن شاء الله هو أنا شفافة؟"
"لا عشان أنا قولتله أنه قدامة ٣ ثواني ويمشي من قدامي وإلا مش عارف هيكون رد فعلي أيه... عمل حاجة يعني في الشغل عصبتني فهو خرج بسرعة ومخدش باله بس هي دي كل الحكاية."
"عارف يا رحيم لو الناس كلها بتتكلم بهدوء وذوق زيك كده الحياة هتبقى أحلى بكتير، خلاص هسامحه المرة دي عشان خاطرك بس المرة الجاية وحياة أمي ما هحله!" كان ينظر نحوها رحيم بإنبهار وخجل فهو لم يتوقع أن تغازلة بالطبع إن اعتبرنا أن تلك مُغازلة لكن انتهى به الأمر وهو يضم حاجبيه بإندهاش وعدم فهم، كيف لتلك الفتاة أن تتحكث بنبرتين مختلفتين تمامًا في الجملة ذاتها وكأنها تتحول إلى شخصًا آخر.
"خلاص سيبك منه بقى وركزي معايا، بصي أنا عايزك تذاكري كويس وتراجعي على كل الشرح القديم ولو في حاجة خش فاهماها اسأليني تمام؟"
"تمام بس ليه يعني؟ ده لسه بدري على إمتحان الكورس."
"بدري؟"
"اه."
"طب بصي في ال Date في الموبايل كده." نفذت ما طلبه لتنظر نحو هاتفها ثم تنظر نحوه ببلاهة.
"ف أيه بقى؟"
"التدريب خلاص قرب يخلص..." تحدث رحيم بنبرة أقرب للهمس وقد فاح منها الحزن، لتنظر نحوه أفنان طويلًا وقد شعرت بغصه في حلقها قبل أن تُعلق بنبرة مرحة:
"معقول؟ الوقت عدى بسرعة أوي... يعني التدريب كان لطيف أوي فمحستش بالأيام وهي بتجري."
"ده أحلى تدريب أحنا عملناه هنا في الشركة... وأكيد هنعمل تدريبات تاني السنة اللي جايه تاني إن شاء الله وطبعًا هنبلغكوا لأن أنتوا أولى الناس بالتدريب عشان احنا Already أتعملنا معاكوا وعرفناكوا." أومئت أفنان وهي تنظر نحوه ببلاهة وهي لا تدري لما تحولت نبرته إلى تلك الرسمية الشديدة بعد أن كان يتحدث بنبرة دافئة وهو ينظر إلى داخل عينيها، ابتلعت أفنان الغصة التي في حلقها لترد على ما قاله برسمية ايضًا مُردفة:
"تمام يا دكتور رحيم شكرًا لحضرتك، بعد إذنك." سارت مبتعدة عنه لخطوات سريعة بينما زفر هو بضيق قبل أن يعود إلى مكتبه ويُغلق الباب بقوة.
فور مغادرة أفنان لمقر الشركة هاتفها رحيم فهو لم يُخاطر بإضاعة المزيد من الوقت دون تفسير لما فعله، أجابت أفنان على الهاتف ببرود تام.
"نعم."
"أنا عارف أن تصرفاتي مش مفهومة، بصي وأحنا فوق وبنتكلم في واحدة من مديرين الشركة وجروب من البنات اللي بيتدربوا كانوا ماشيين من وراكي وأنا كان لازم اتكلم بالطريقة الرسمية دي عشان محدش يفهم غلط وأنتي تضايقي." حاول رحيم تفسير ما حدث وكانت نبرته صادقة لكن أفنان لم تتأثر كثيرًا بما يقوله وأجابته بإقتضاب:
"مش متضايقة ولا حاجة."
"والله؟ ده صوت واحدة مش متضايقة؟"
"والله أنا أدرى بصوتي منك يعني."
"عالعموم أنا قولت أشرحلك عشان متزعليش و Sorry لو كنتي اتضايقتي.. هقفل بقى عشان عندي Meeting 'اجتماع'."
"سلام." أردفت بفتور قبل أن تُغلق الخط دون انتظار ردًا منه، لا تدري لما يُشعرها رحيم بالإضطراب فهو يكون لطيف في اوقاتًا كثيرة ثم فجاءة تتحول نبرتة إلى نبرة باردة الأمر الذي يزعجها كثيرًا لكن في الوقت ذاته هو سريع الإدراك حينما يُخطئ ويعمل سريعًا إلى إصلاح الموقف والإعتذار.
في طريق عودة أفنان إلى المنزل وادخل عربة الأجرة 'الميكروباص' كان السائق قد أشعل مُشغل الأغاني على أغنية تنتمي لفترة التسعينيات، أغنية من النوعية التي تُعيدك خلال ثوانٍ إلى تجمع عائلي في أحد شواطئ المصايف المصرية الأصيلة وهنا تذكرت أفنان على الفور كيف كانت تلهو برفقة نوح ومريم وميرال شقيقتها.. كانوا جميعهم صغار ولم تُخلق بينهم أية مشاكل لكن الآن فقد انقطعت علاقتها بنوح تقريبًا بعده مرور تلك السنوات أختفى أخاها وصديقها المُقرب.. والأحمق لم يحاول حتى إصلاح الأمر، تنهيدة عميقة صدرت من أفنان بحزن وهي تستمع إلى كلمات الأغنية بحنين شديد إلى الماضي...
في مساء ذلك اليوم جلست أفنان في حجرتها لتدرس قليلًا وتحاول إسترجاع المعلومات التي تعلمتها منذ بداية التدريب لتقتحم ميرال الحجرة فور عودتها من العمل بعنف أشبه بطريقة أفراد مكافحة المخدرات.
"أفنان عرفتي اللي حصل؟"
"بسم الله الرحمن الرحيم أنتي طلعتي أمتى؟ وبعدين لا معرفتش في أيه عالمسا؟"
"ريماس حددت معاد الخطوبة... هيبقى الأسبوع اللي بعد الجاي." زفت ميرال الخبر لأفنان لتتسع عينيها وتترك ما في يدها وتنظر نحوها وتُردف بإستنكار:
"يا ربي عالإستعجال!! معرفش دماغهم فيها أيه بجد، يعني هيلحقوا أمتى يحجزوا قاعة وتجيب فستان وميك أب لا ثواني... هيجيبوا الشبكة أمتى أساسًا؟"
"بيقولوا لبابا أن الواد اللي متقدم ده صاحب باباه عنده محل مجوهرات كبير فهيروحوا يشتروا منه."
"طب كويس ربنا يوفقهم بقى في اللي بيعملوه ده لو كان خير يعني..."
"أكيد خير هو الجواز بقى شر أمتى؟"
"أكيد مبتكلمش عالجواز في حد ذاته يا ميرال صباح الفل، ولا حتى بتكلم عن طريقة الجواز دي في العموم ما عادي جدًا أن حد يتقدملي عن طريق بابا أو ماما ونتقابل ونتكلم ونتعرف ومش لازم نبقى لوحدنا خالص لا نبقى في مكان عام ومعانا أهلنا اللي بتكلم فيه إن بأي منطق أنها تتخطب لواحد متكلمتش معاه كلمتين على بعض لا قدام أهلها ولا من وراهم حتى!" فسرت أفنان وجهة نظرها ببعض الإنفعال لتنظر نحوها ميرال بعدم إقتناع وتُردف:
"أنتي عايزة تفهميني أنك خايفة أوي على ريماس يعني؟"
"بغض النظر عن ريماس كريماس لكنها في النهاية بنت زينا وإنسانة برضوا، هي إنسانة مستفزة اه بس إنسانه."
"سيبك من ريماس والحوارات دي، مالك ضاربة بوز ليه؟"
"عشان حاجتين ليهم علاقة برحيم."
"أيه ده معقول سألتك وجاوبتي على طول من غبر ما أقعد أقولك لا بجد مالك وفضفضي والحاجات دي، أحييكي أنك مبتحرقيش بنزين كتير والله." علقت ميرال بمزيج من الدهشة والسخرية، لم تُعلق أفنان على حديثها بل بدأت تسرد سبب ضيقها.
"بصي اولًا رحيم طريقته بتتغير معايا قدام الناس أو يعني زي ما قولتلك قبل كده ممكن مثلًا يجيله مكالمة فيقلب وشه ويكلمني ببرود وأنا الموضوع ده بيضايقني جدًا بجد."
"شكله هيطلع توكسيك ولا أيه؟"
"معرفش... المهم ده سبب، السبب التاني أن التدريب خلاص بيخلص وأني مش هشوف رحيم تاني."
"ليه هو مهاجر ولا أيه؟!" سخرت ميرال من أفنان بالإضافة إلى ضحكة صغيرة سمجة.
"هنستظرف؟ هنستظرف." كررت أفنان كلمتها بصيغة السؤال مرة وبصيغة التأكيد مرة آخرى بنبرة ساخرة وهي تُلقي الوسادة على ميرال ثم تُضيف:
"التدريب هيخلص وأنا هرجع الكلية تاني بعد الأجازة هنتقابل فين بقى إن شاء الله؟ عند أمي."
"مش عارفة... لو ليكوا نصيب تتقابلوا هتتقابلوا."
"خلاص كده؟"
"اه أومال أنتي فاكرة أيه." علقت ميرال بجملة مقتبسة من أحدى الأفلام الكوميدية.
"طب شوفي طيب نوتفيكشن المسدچات اللي بتجيلك من نوح."
"يا سلام لو كل واحد يخليه في حاله بجد." تمتمت ميرال وهي تُمسك بهاتفها وفي الوقت ذاته كانت تُمسك أفنان بهاتفها ايضًا وتبحث عن شيء ما بتركيز شديد.
"بحاول أدور على أكونت رحيم عالفيس بوك بس مش عارفة أوصله... أنا أصلًا معرفش أسمه رحيم أيه ولا أعرف كاتب اسمه ازاي، كل واحد بيكتب اسمه بالإنجليزي بطريقة غير التاني."
"ابقي اسأليه."
"أيه العبط ده لا طبعًا."
"خلاص لو بيلبس ID 'بطاقة تعريف الهوية' شوفي اسمه باباه أو عيلته."
"لا برضوا مش بيلبس ID، بس مش مشكلة هحاول أتصرف في الحوار ده." أردفت أفنان وهي تُلقي الهاتف بعيدًا وتُعيد الإمساك بالأوراق التي أمامها لتنظر نحوها ميرال بتملل ثم تقترح الآتي:
"بقولك أيه ما تسيبك من المذاكرة دي وتعالي ننزل نتمشى شوية."
"ننزل نتمشى فين؟ وبعدين أنتي معاكي فلوس أصلًا؟"
"هنتمشى فين مثلًا؟ هو أحنا لينا غيرها... الزمالك طبعًا وبعدين معايا فلوس ملكيش أنتي دعوة."
"طب ماشي هقوم أشوف هلبس أيه."
"شوفيلي معاكي طيب."
"ينفع ألبس البلوزة الزهري بتاعتك؟" صمتت ميرال لثوانٍ وهي تنظر نحو أفنان ببلاهة.
"خلاص لو مش عايزة بلاش."
"لا ليه يعني... عادي أكيد، أنا هلبس البلوزة البني والطرحة الكافية."
"ما شاء الله مبدلين مع بعض هنجيب للناس حول." علقت أفنان بسخرية وهي تنظر طويلًا إلى الثياب، كادت أن تُبدل رأيها لكن في النهاية قررت ارتداء ثياب ميرال على سبيل التغير.
"قولتي لماما أننا نازلين؟"
"اه، قولتلها أول ما جيت."
"ما شاء الله ده أنتي مخططة من بدري."
"حاجة شبه كده، يلا بقى عشان نلحق نرجع."
غادرت كلتاهما المنزل واتجهتا إلى حي الزمالك ليجلسوا داخل مقهى لطيف سويًا.
"ناكل ولا نشرب؟"
"أنا عن نفسي هشرب Ice coffee 'قهوة مثلجة' وأنتي؟"
"هطلب عصير مانجا." أشارت ميرال للنادل ليأتي ويأخذ طلبهم، بعد مرور بضع دقائق فوجئت أفنان بأحدهم يسحب الكرسي ويجلس أمامهم على الطاولة.
"أيه ده؟!! أنت أيه اللي جابك هنا؟!" صاحت أفنان بصوتًا مُرتفع فور جلوس نوح على الكرسي وقبل أن يتفوه بحرفًا واحد أمسكت بحقيبتها وأستقامت من مقعدها وهي تُضيف:
"أنا ماشية!"
"أهدي بس وأقعدي ومتفرجيش الناس علينا!" بالنبرة المُرتفعة ذاتها تحدث نوح بحده بينما حاولت ميرال أن تجذب ساعد أفنان لتحثها على الجلوس مجددًا لكن الأمر لم يُجدي نفعًا بل ازداد سوءًا.
"أنت متتكلمش معايا بصيغة الأمر أنت سامعني! وأنتي سيبي دراعي أنتي كمان!!"
"طيب لو سمحتي من فضلك وطي صوتك يا أفنان وأقعدي نتكلم زي الناس الكبيرة العاقلة ممكن."
"وأنتي طبعًا كنتي متفقة معاه يا ست هانم صح!" وبخت أفنان ميرال التي نظرت نجوها بقلة حيلة وشعور بالذنب ثم نظرت نوح الذي نظر لها بنظرة تعني 'سيبك منها' ساد الصمت لبضع ثوانٍ بينما يتأمل نوح أفنان وقد انتبه أنها ترتدي اللون الزهري، لونه المُفضل! لاحظت ميرال لمعة عيناه تلك فشعرت بغصة في حلقها قبل أن تحمحم وتقول:
"نوح اتفق معايا أني أعمل كده عشان هو عارف أنك هترفضي تقابليه، أنا مش قاصدي أزعلك أو اضايقك أكيد."
"للدرجة دي مش طايقة تشوفيني؟"
"أومال كنت فاكر أيه؟ أنت مُدرك للي أنت عملته وقولته ولا أنت مبتفهمش ولا أيه؟!"
"مبفهمش.. وحمار وغبي وأكتر من كده كمان لو تحبي، أنا عارف أني غلط غلطة كبيرة بس أنتي متعرفيش أنا ليه عملت كده!"
"مفيش أي مبرر للقرف اللي أنت قولته ده يا نوح، وأنا عمري ما هنسالك الكلام اللي أنت قولته ده... أنت جرحت كرمتي وأهنت شرفي وحاجة متطلعش من واحد جاي من الشارع مش من ابن خالتي وأخويا اللي متربين سوا!!"
كانت نبرة الخذلان والعتاب تُغلف حديث أفنان، كانت كلماتها كالسهام التي تخترق قلب نوح فقد تضاعف شعوره بالندم لكن أسوء جزء في حديثها هي كلمة 'أخويا' كانت ميرال تجلس في منتصف العتاب ولا تدري ماذا تقول لذا أكتفت بالصمت ومراقبة الوضع.
"أنا مُدرك لكل ده كويس... بس برضوا أنتي..." حاول نوح أن يجد مُبررًا لما فعله لكن أفنان قاطعته على الفور بحده مُردفة:
"مش عايزة مُبررات لأن مفيش أي مبرر للي حصل ده."
"أنا خايف عليكي منه! وشايف اللي أنتي بتعمليه ده غلط ومؤذي ليكي."
"وأنت بصفتك أيه تدخل في حياتي وتصرفاتي يا نوح؟ أنا كبيرة كفاية أني أبقى مُدركة للوضع اللي أنا فيه ولتصرفاتي، أنا مش العيلة الصغيرة اللي كنت بتدافع عنها لما حد ياخد منها الحاجة الحلوة، أنا خلاص دخلت في العشرينات أنت مُدرك؟"
"أنا أسف."
"أسفك مش مقبول يا نوح... أنت خزلتني." أتسعت أعين نوح بعد جملتها الأخيرة... فهو يعلم أنه مُخطئ وبشدة لكن شعوره بأنه قد خزلها يحرق قلبه.
"طب أعمل أيه عشان تسامحيني؟"
"معرفش، ما هو أنا غالبًا مش هسامحك أصلًا." تفوهت أفنان ليضرب نوح جبينه ويزفر بضيق لتقاطع ميرال ما يحدث بنبرة هادئة محاولة تلطيف الأجواء:
"بقولكوا أيه أنا هقوم أضبط الطرحة، أرجع ألاقيكوا اتصالحتوا."
"ماشي متتأخريش لحسن أختك ممكن تضربني." علق نوح بنبرة ساخرة لتقهقه ميرال فتنظر نحوهم أفنان بجدية ثم تقول:
"أنتوا بتضحكوا ليه دي حقيقة، أنا أحتمال أعمل كده فعلًا."
"ها برضوا مش راضية تصالحيني." أردف نوح بنبرة حنونة يحاول إستمالة قلب أفنان بينما يُبدل مكانه ليجلس على كرسي ميرال بحيث يُصبح أقرب من أفنان، تُشيح أفنان بنظرها بعيدًا عنه وتنظر نحو الخارج من خلال الشرفة الزجاجية الكبيرة للمقهى لتجد شاب وفتاة يسيرون بالقرب من المقهى وفجاءة توقف الشاب وأقترب قليًلا من شرفة المقهى من الخارج ليتأمل أفنان ونوح بحدة قبل أن يبتعد عن المكان سريعًا...
__________________________________
(تذكره: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته)
لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله اضغط من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا