القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية شبح حياتي الفصل السادس وعشرون والسابع وعشرون والثامن وعشرون والتاسع وعشرون والثلاثون بقلم نورهان محسن

 رواية شبح حياتي الفصل السادس وعشرون والسابع وعشرون والثامن وعشرون والتاسع وعشرون والثلاثون   بقلم نورهان محسن 





رواية شبح حياتي الفصل السادس وعشرون والسابع وعشرون والثامن وعشرون والتاسع وعشرون والثلاثون   بقلم نورهان محسن 



الفصل السادس والعشرون شبح حياتي لا يحدث نسيان إلا لمن يعشق بعينيه ، أما من يحب بالروح والقلب فلا يوجد بقاموسه هذه الكلمة إطلاقاً. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أدار المفتاح في الباب ، وفتحه بسهولة ، ودخل المنزل بخطوات هادئة ، وثمة مزيجًا مؤرقاً من التعب والضيق على وجهه. عقد حاجبيه تعجبًا من إضاءة أنوار الصالة والتلفزيون ، وما زاد من دهشته وجود المفتاح الآخر للمنزل على المنضدة في مدخل الرواق. خلع سترته السوداء الطويلة ، ورماها على أحد الكراسي. لم يمض وقت طويل حتى ظهرت علامات الصدمة على وجهه ، بمجرد أن وصل إلى أذنيه صوت أنثوي ناعم قادم من المطبخ لتأخذه قدميه صوبه ، لكنه توقف عن الحركة عندما رآها تخرج منه ، بينما هي تتحدث إلى قطهُ الصغير. : والمصحف هتاكل معايا يا طفس .. اهمد شوية يا ميجو هتوقع الكوباية من ايد... بترت باقي كلامها بصدمة يشوبها ذعر ، وعيناها مثبتتان على حذاء أسود ، وهناك صرخة ماتت في مهدها عندما ارتفع رأسها تدريجيًا نحو الذي يرتدي بنطال أسود و كنزة زرقاء داكنة ، وعيناه البنيتان الغامقتان مليئتان بالأسئلة ، يقف شامخًا أمامها ، على بعد متر واحد فقط. تجمدت في مكانها بتفاجئ ، ولم تمر وهلة حتى سقط الكوب منها على الأرض بعد أن انزلق من يدها المرتعشة ، لتتناثر قطراته على قدمها وساقها ، بينما كان الصحن في يدها الأخرى معلقًا في الهواء. ثبتت عيناها فى ذهول وعدم تصديق علي بدر الذي لم تقل صدمته عنها شيئًا ، لكنه بدا وكأنه محافظًا على اتزانه ، أو بالأحرى توقف عقله عن العمل لوهلة من الزمن. نظر كلاهما إلى بعضهما البعض لبضع لحظات ، ظهرت خلالهم العديد من الأسئلة والمشاعر في أعينهما. قفز قلبها من قفصها الصدري بفعل قوة النبض ، بينما كان عقلها غير قادر على التفكير بشكل سليم. : انتي مين .. ودخلتي هنا ازاي؟ اتسعت عيناها بسبب الصدمة ، وتضاعفت خفقات قلبها بينما نظراتها تبدلت من اللهفة إلى العذاب ، حينما باغتها بنفس السؤال الذي طرحته من قبل في أول لقاء جمعا بينهما ، لتقول لنفسها كلمات لم يسمعها هو : مجرد طيف.. افاقت على نفسها فور أن دحرجت عينيها بعيدًا عنه للأسفل باتجاه القط الذى يلعق العصير المسكوب. رمقت الفوضى التي سببتها بسبب المفاجأة غير المتوقعة ، لتتفوه بتقطع : انا .. انا مش حرامية .. اسفة ماكنش قصدي اوقع ال... لم تكمل الجملة ، لأنها هبطت على الفور إلى القط ، والتقطته بخفة ، ثم دخلته المطبخ مع الصحن ، وأحضرت أدوات التنظيف ، ثم أغلقت الباب خوفًا من مغادرته وإيذاء نفسه بسبب الزجاج المهشم تحت أنظاره المراقبة لأفعالها. خطت خطوات بطيئة صوبه ، محاولة أن تأخذ نفساً عميقاً لتهدأ قليلاً من ضربات قلبها السريعة ، ولكن كيف لها أن تتحكم في توازنها وهو يحدق بها بهذا التركيز ، متخللاً أعماق روحها ، وهو يقول بجدية : ممكن تسيبي اللي في ايدك و تجاوبيني ؟ هزت رأسها رافضة ، دون أن تتجرأ على النظر إليه بسبب ارتباكها ، وكل ما يخطر ببالها هو الهروب من المكان. لا يجب أن تضيع المزيد من الوقت ، لأنها ليست مستعدة للمواجهة معه. نظرت إلى ما كان في يدها ، لتبدأ التنظيف بشكل عشوائي ، لكنها ضغطت دون وعي على إحدى القطع الزجاجية المتناثرة حولها بقدمها العارية. فر أنين متألم من فمها ، لكنه لا يقارن بما في قلبها. أغلقت عينيها بإحكام ، فخطى بدر خطوة لتقديم المساعدة وقال محذرًا ، يحاول تهدئة روعها ، مبتلعًا لعابه ويجاهد التحلي بالصبر حتى يفهم ، وعيناه تتبعان لمحة حزن غشت عسليتها عندما رفعتها له : علي مهلك .. مفيش داعي... وجهت راحة يدها نحوه لمنعه من المضي قدمًا بعد أن أنهت عملها بالفعل ، وهمست بنبرة حاولت أن تبدو ثابتة ، لكنها خرجت ممزقة مثل قلبها : انا كويسة .. مفيش حاجة .. انا جارتك اللي حضرتك قلبت شقتها مخزن من غير معرفتها و اضطريت اقعد هنا لحد ما تقوم من الحادثة.. قطعت كلماتها تزامنًا مع ترك ما كانت تحمله في يدها ، وهي تنوي المغادرة في أسرع وقت ممكن قبل أن تنهار بالبكاء كونه ينظر إليها بجمود مميت ، لكن كان عليها أن تمر بجانبه لتتمكن من الوصول إلى غرفة النوم حتى تبدل ملابسها لأخرى نظيفة بعد أن أدركت بإحراج أنها كانت تقف أمامه مع بنطالها الجينز الباهت عليه بقع العصير ، أما شعرها الأشعث حدث ولا حرج. سارت متخطية اياه ، لتشعر بأصابعه تلتف حول معصمها ، مانعًا اياها من الفرار ، حيث ومضت عيناه بنظرة غريبة حالما استنشق عطرها المميز ، وتحولت علامات الاستفهام داخل عقله إلى هدوء من نوع خاص ، دفعه ليقول بكلمات عفوية بصوت عميق أجش : عيب لما نكسر حاجة مش بتاعتنا .. وعيب أكبر لما تعلقي روحي بيكي و تبقي عايزة تبعدي يا مانجتى سرت قشعريرة بجسدها من لمسة يده ، وأدارت رأسها جانبًا لمواجهته ، بفم منفرج قليلا بدهشة ، من تلك الجملة التى أعاد قولها للمرة الثانية ، حيث كانت هذه الجملة أول ما قاله لها مسبقًا ، وهذا اللقب الأخير قد سمعته من قبل ، لتهمس في عدم تصديق ونبرة متقطعة منذهلة : يعني .. انت فاكر!! ارتفعت ابتسامة جانبية على حافة شفته ، أقرب إلى الغموض ، وهو يحني رأسه تجاهها ، لتصبح ثمة بضع بوصات فقط بينهما ، وأصابعه لا تزال تآسر معصمها دون أن يؤلمها : قولتلك قبل كدا مش هنساكي تاني حدقت في بنيتاه الجذابة ، بينما تتصارع مئات التحليلات فى خلايا عقلها ، لتهمس بسؤال خافت : يعني لما صحيت من الغيبوبة عملت نفسك ماتعرفنيش؟ رمشت عيناه عدة مرات متتالية ، مزدردًا لعابه ، ثم قال بنبرة هادئة ، عكس نبضه العالي في صدره من سيل المشاعر المتأججة في قلبه : كنت لسه فايق من ساعة لما دخلتي وقولتي انك ممرضة .. ماكنتش مركز .. كان بقالي اسابيع جوه شرنقة يا حياة .. بس لما عيونك اللي كانت بتضحك بقي كلها دموع وخرجتي جري .. حسيت ان في حاجة بتحصلي مش فاهمها .. كأنك سرقتي حاجة من جوايا وانتي ماشية.. استرسل حديثه دون انتظار ردها على ما قاله ، وعيناه مثبته على تعابير وجهها ، بينما عيناها تبعته بصدمة : اسمك اتكرر كتير وهما بيحققو معايا حاولت افهم من جاسر بس ماجاوبش .. كل اللي سمعتو ماكنتش مستغربو كأني شوفته وانا نايم .. وحدة وحدة افتكرت المجنونة اللي نورت بيتي و حياتي و روحي ختم كلامه ، قارصًا خدها بخفة ، فأسبلت رموشها من الخجل والفرح الذي تغلغل في قلبها بعد كلماته الحانية المليئة بالمشاعر الجميلة ، ولكن سرعان ما تحول شعورها للغضب ، لتقول بسخط بعد أن عادت لتنظر إليه دافعة يده بعيدًا عنها ، وتتراجع خطوة إلى الوراء : قال وانا اللي خوفت احاول افكرك لا ماتصدقنيش و تتهمني بالنصب عليك .. وابقي انا وبس اللي عشت في وهم صدقته و ان اي احساس حسيته نحيتي.. . صمتت عندما خطا خطوة ، ووضع سبابته على شفتيها وأردف بصوته المتحشرج : حقيقي يا حياة .. كل حاجة عيشتها وحسيت بيها معاكي حقيقية .. مجرد ماكنت بسمع إسمك قلبي ماكنش بيبطل دق .. عشانك انتي رجعت للدنيا دي تاني.. توقف للحظة ، أحاط وجهها بكلتا يديه ، ثم رفعه نحوه ، متأملاً ملامحها بشوق وشغف ، ثم استأنف حديثه : طب انتي فاكرة اخر حاجة اكلمنا فيها .. كان في حاجة عايز اعترفلك بيها بس مالحقتش يا مانجتي مش كدا!! نطق بدر بكلماته الأخيرة بابتسامة جانبية جعلت وجهها يتورد خجلاً ، ثم ما لبث أن حدجته بنظرات نارية وهي تصرخ فيه معنفة إياه ، بينما تحرك رأسها للخلف حتى يطلق سراح وجهها القريب من وجهه بشكل خطير : لا مش فاكرة حاجة و اوعي ايدك دي.. أردفت بينما لكزته بقوة في صدره ، ليترنح أثر ضربتها المفاجئة مع بعض الألم ، لكنه سرعان ما استعاد توازنه وحدق فيها بنظرة غامضة : ودمك مش خفيف ابدا بالعكس يلطش و تقيل و سخيف و... شهقت بتفاجئ مع وقف سيل من الشتائم التي أغدقته به ، حيث أعماها غضبها منه ، ممَ جعلها تتفوه بما يجول في ذهنها المرتبك والخجول دون انتقاء ، حالما أمسك بذراعيها ، وجذبها نحوه ، واحتضنها بلهفة بين ضلوعه ، بقلب يرتجف من مقدار المشاعر التى تعترى صدره ، محاولاً بث اشتياقه العارم لتلك اللحظة ، وهو يتمتم بنبرة مفعمة بالعشق : بحبك بجنون يا حياة .. عارف ان ممكن هتقومي حرب عشان بحضنك .. بس انا محتاج اتأكد ان المرة دي مابحلمش و اني عايش و ضامك بين ايدي أنهى كلماته بتنهيدة حارة خرجت من قلبه ، مشتعلة بنار الحب ، لتلفح جلد رقبتها الرقيقة. هدأت حركتها تمامًا بمجرد سماعها كلماته الصادقة ، ولا شعوريا رفعت يدها حول خصره وغمست رأسها أكثر في صدره لتغلق عينيها. من دون تمهيد ، تسللت الدموع تشق طريقها لتتدفق مثل الشلال على خديها ، وكأن ببكائها الذى قمعته كثيرًا ، تطرد آخر ما يربطها بالحزن والترقب والحيرة ، لتغمغم من أعماق قلبها المتيم بهذا الرجل : وانا كمان بحبك اوي يا بدر ابتسامة تتوق خافتة ، مليئة بكل الشوق في صدره لها ، اعتلت فمه حينما التقطت أذناه ما قالته ، بينما ارتفع كف يده يمسد به فى نعومة على خصلاتها البرتقالية. : وانا عايز اتجوزك انهاردة مش بكرا و لو اعترضتي هدخلك القفص غصب عنك قال بنبرة خافتة مازحا ، لتخرج من حضنه ثم أطرقت رأسها للأسفل بخجل منه ، لتهتف ضاحكة وسط دموعها : بدر.. ابتسم بلطف لابتسامتها ، وهو يعانق وجهها مرة أخرى بكفيه ويمسح دموعها ، هامسًا بنبرة مشبعة بالحب : حياة بدر ملك ايديكي يا مانجتي تلاشت ابتسامتها واتسعت مقل عينيها بصدمة ، وهي تحاول أن تفلت من ذراعيه التى ما زالت تطوقها ، حالما سمعت صوتًا يقول بمرح من خلفهم بعد أن أطلق صافرة شعرية : الله الله وانا اللي طالع متوقع اشوف دم في كل حته و معارك .. بس شايف ان الحب ولع في الدرة خالص رفع بدر رأسه ، ناظرا بضيق إلى أخيه ، بالتزامن مع حياة التى ادارت رقبتها إليه ، تحدق فيه بعيون ضيقة ونظرات خجولة ، ليوزع بصره بينهما حينما لاذوا بالصمت ، ليوجه حديثه نحو حياة ببراءة : ماتبصليش كدا مافتحتش بوقي ولا قولت حاجة أخفت حياة ضحكاتها ، ووضعت يدها في كف بدر ، لتقول بهدوء مفعم بالبهجة : خلاص مش مهم اي حاجة .. المهم انه قدامي دلوقتي وبخير نظر إليهما جاسر بعبث غامزًا بطرف عينه ، واستكمل مبتسمًا بعد أن وضع يده في جيب بنطاله وأشار بيده الأخرى نحوهما : ايوه طبعا انا مش محتاج اسأل عن اي حاجة .. الاجابة باينه علي وشكم حدق به بدر بابتسامة صفراء ، وهو يرفع حاجبه الأيمن قائلاً بغيظ مكتوم : لماح زي اخوك و بتفهم دوى ضحكة جاسر في المكان وهو يشاهد عيني بدر تشتعل ، ليقول بسماجة بين ضحكاته : تشكر يا متر تنهد قبل أن يهز كتفيه و أردف بقلة حيلة : لا مؤاخدة اضطريت افتح بالمفتاح اللي معايا من كتر القلق اللي شحنتني بيه شذي الله يباركلها : مساء الخير يا جماعة عرجت أعينهم تجاه الواقف عند مدخل الصالة بحرج ونوعًا من التردد ، ليهتف جاسر بصوت عالٍ مرحبًا به : مساء النور يا دكتور تقدم مازن خطوتين إلى الأمام وقال بابتسامة هادئة : معلش لاقيت الباب مفتوح و سمعت صوتكم فدخلت .. حمدلله علي سلامتك يا بدر ابتسم بدر له وهو يصافحه بهدوء مشيرا إلى اليمين ، قائلا ببحته المميزة : الله يسلمك يا مازن .. اتفضل البيت بيتك تمتم مازن بصوت هادئ : الله يحفظك.. جلس مازن على مقعد ، وجاوره جاسر في الكرسي الآخر ، مقابلهما بدر وحياة على كنبتين ، يفصل بينهما زاوية صغيرة فقط. تحدث مازن بابتسامة ، مستديرًا نحو حياة : عاملة ايه يا حياة؟ علي فكرة مروة لسه راجعة من السفر هي وجوزها انهاردة وكانت بتسالني عليكي أومأت إليه باسمة الثغر ، قائلة بنبرة هادئة : انا الحمدلله .. هكلمها في اقرب وقت ان شاء الله استأنف مازن حديثه بنبرة عملية ، ناظرا إلى بدر : طمني عليك اخبار صحتك ايه دلوقتي يا بدر؟ رفع حاجبه ، ملاحظًا أن نظرته مليئة بالإشراق اتجاه حياة ، لكنه أجاب بنبرة باردة وساخرة في نفس الوقت : الحمدلله بقيت احسن كتير نظر إليه جاسر بقلق ، وقال بامتنان ، محاولاً تلطيف الأجواء وهو ينظر إلى مازن : احنا بنشكرك جدا يا دكتور علي وقفتك معانا وقت الازمة دي هز رأسه نفيًا وقال بأدب : لا شكر علي واجب .. احنا جيران تحركت نظراته عفويًا نحو حياة التي لم تهتم بهذا الحديث بالمعنى الحرفي للكلمة ، لأنها تحملق في بدر بعمق ، ليقطب مازن حاجبيه وقال بضيق : الحمدلله اننا اطمنا عليك يا بدر ربنا يديك الصحة و العافية حدجه بدر وعيناه تلمعان نظرة غريبة ، ثم تكلم بابتسامة جانبية : الله يخليك يا دوك و ياريت تقولي مبروك كمان تابع بدر بصوت حازم ونبرة ذات مغزى ، بينما كان لا يزال يحدق به بنظراته الجادة ، أما الآخر فقد استقبلها مثل السهم ، محطمًا فيه شعورًا لم يكتب له نصيبًا ليكون متبادلاً : انا و حياة هنتخطب قريب اوي ان شاء الله ختم كلماته بابتسامة عذبة مليئة بالحب ، موجهة إلى حياة ، التي غرقت في خجلها ولم تعقب ، بينما ألجمت الصدمة لسان مازن عن الرد لبعض الوقت ، أما جاسر فقد جاهد لإخفاء ابتسامته المدهوشة ، كونه يعلم أن أخيه الرصين يفكر مليًا قبل اتخاذ القرارات ، ليضع يده خلف رأسه ، ويفرك رقبته بخفة. خرج صوت مازن بنبرة لبقة ، محاولا رسم ابتسامة على فمه : الف مبروك رد عليه بدر بينما خفضت الأخرى بصرها بإبتسامة خجولة في صمت ، وهي تقضم خدها من الداخل : الله يبارك فيك يا دكتور عقبالك .. و شكرا علي كل حاجة اختتم حديثه بابتسامة شكر ليستاذن مازن بالمغادرة ، موضحًا أن لديه عمل في عيادته الخاصة ، مقررًا أنه سيطفئ بسرعة شرارة هذا الإعجاب من داخله. يقال أن كل ممنوع مرغوب فيه ، قد تتوهم أن هذا هو الحب ، ولكنها مجرد مشاعر الافتتان وحب الفضول لمعرفة ما يخفيه هذا الشخص في أعماقه الغامضة ، وهذا بالضبط ما جعل مازن ينجذب إلى حياة. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد نص ساعة خرجت حياة من الغرفة مرتدية سروالاً أبيض وكنزة من نفس اللون ، وفوقها سترة من القطن السماوي ، وشعرها البرتقالي يتدفق بنعومة على كتفيها. نظرت في الردهة بحثًا عنه ، لتجده جالسًا ومرفقيه على الأريكة ، يضع قبضته أمام فمه ، يداعب لحيته ، مطرقًا عيناه للأسفل. عرفت أنه مشغول بالتفكير العميق ، فتوجهت نحوه بخطوات مترددة إلى حد ما ، بينما كان بدر شاردًا في بحر واسع من الأفكار ، وعلى رأس القائمة ذلك المازن الذي كان عليه أن يجعله يستيقظ من أوهامه ناحية حياة ، واثقًا من أنه قدم له المساعدة مسبقًا فقط من أجل الاقتراب منها ، فهو لم يكن على وفاق معه منذ سنوات. : بدر انبسطت أساريره فور سماع اسمه من بين شفتيها الرقيقة ، فالتفت نحوها وهو يشير إليها للجلوس بجانبه. أومأت بالموافقة أثناء جلوسها وثني ركبتها تحتها ، ليقلد هو طريقة جلوسها تلقائيًا حتى يتمكن من رؤيتها بشكل مريح. ظل محملقًا بها ، سارحًا بملامحها الجميلة ، قبل أن يحمحم بخشونة ، واضعا يده فوق كفها الدافئ على الأريكة بينهما ، قائلا بتنهيدة عميقة : مش عايزك تزعلي من اللي قولته قدام مازن .. بس انا مانسيتش عزومته ليكي علي الغذاء وحركاته من الأول .. فكان لازم اوقفه عند حده أنهى كلماته بنبرة منزعجة مشددًا على كلماته ، بينما هي تنظر إليه مبللة شفتيها ، لتنبس بصوت منخفض خجول من تحديقه بها مطولاً : مين قالك اني زعلت؟ اتسعت عيناه متفاجئًا ، وكاد يشعر أن قلبه سيخرج من مكانه ويعانقها بشدة ، لكنه سيطر على عواطفه ، مبررا ذلك بنبرة خافتة رجولية : يعني .. عشان قولت كدا من غير ما اعرف رأيك .. بس دلوقتي هسألك .. موافقة تتجوزيني يا حياة؟ ارتسمت ابتسامة سعيدة داخل قلبها بسبب رغبته في توطيد العلاقة معها بشكل جاد ، و أيضًا بسبب احترامه واهتمامه بما تريد ، لكنها حاولت التماسك ثم ردت بجدية : بدر .. انا وانت مشينا طريق صعب مع بعض وانا حبيتك وانت حبتني دي خطوة مهمة في طريقنا .. بس لسه في حاجات كتير قدامنا قبل ما نقرر نخلي الارتباط رسمي أجابها بابتسامة ، مفتونًا بكلماتها العقلانية ، وتابعت عيناه كل حركة منها بتدقيق عفوي : عندك حق وانا مش بستعجلك في الرد عليا .. خدي وقتك براحتك وانا هستني .. بس لازم تعرفي اني علي قلبك مكان ماهتروحي ضحكت حياة بمرح وقالت بصوت ناعم : واضح انك مش ناوي تأثر عليا ابدا يا متر أمسك بدر بكفها ورفعه نحو فمه ، ملثمًا إياه برقة ، مما أدى إلى ارتجافة بسيطة بجسدها. ازدردت لعابها في ارتباك ، وهي تسحب يدها إلى جانبها بخجل ، ليقول بابتسامة ملتوية : المتر عنده كلام كتير محتاج يتكلم فيه معاكي ردت حياة بصوت مرتجف ، بعد أن خفضت رموشها ، وتوردت وجنتيها خجلاً : و وانا كمان .. بس الوقت جري بسرعة وانا لازم الم حاجاتي و اروح عند شذي رفع بدر حاجبيه باستنكار وتمتم بسخط طفيف : ليه يعني؟ نسيت خجلها للحظة وهي ترمقه بتعجب ، ثم استطردت حديثها بحرج : بدر .. اكيد مش هنبات انا وانت هنا .. كمان انت لسه خارج من المستشفي ومحتاج تستريح .. انا بقالي اسبوع قاعدة عندها وبكرا هنروح انا وهي نشوف شقة ليا في مكان قريب من هنا لوى بدر ثغره قائلا بإعتراض : الغي الكلام دا كله مش هيحصل حدجته حياة فاغرة فمها وتسارعت دقات قلبها ، لتسأل بغرابة : ازاي بقي؟ زفر بدر الهواء من فمه ، ثم نظر بعمق في عينيها محاولاً التحدث بنبرة هادئة : شوفي انا مش عايز اقلقلك .. بس ماينفعش تكوني بعيد عني يا حياة خالص الفترة الجاية .. ماتنسيش كريم هربان وانا ماضمنش ممكن يعمل ايه؟ جعدت حاجبيها بدهشة وفتحت فمها للمجادلة ، لكنها كبت اعتراضها حينما أكمل حديثه قائلا بحزم أعجبها : انتي هتفضلي هنا و شقتك من بكرا هرتب نقل العفش اللي فيها مكان تاني .. و اتفقت مع شركة حارسة هيكونو هنا من بكرا عشان العمارة ومعهم بتوع صيانة الاسانسير كمان هزت حياة رأسها بعدم تصديق اقرنته بنبرتها المنذهلة : حيلك حيلك عليا انت لسه تعبان يا بدر لحقت ترتب كل دا امتي؟ ابتسم بدر بثقة ، يميل نحوها قليلاً ليقول بهمس : اسبوع كامل في المستشفي يا مانجتي .. حاجات كتير حصلت فيه .. اما بالنسبالي هقعد في شقة جاسر في الدور اللي تحتك علي طول يعني كل شوية هتلاقيني بنط عندك اطمن عليكي حدقت في غمازاته الجميلة دون أن تعى على حالها ، ثم تمتمت بإعجاب صادق : باين عليك شعلة نشاط يا متر عيني عليك باردة غمز لها بطرفة عينه دون تعقيب ، فابتسمت له بعذوبة وبراءة ، ليواصل حديثه بجدية : عارف ان ممكن تضايقي من الوضع الملبش دا .. بس صدقيني انا مايهمنيش حاجة اكتر من اني اكون مطمن عليكي رمقته بنظرة تفيض بالحب والامتنان ، لتهمس بصوتها الرقيق : وانا مش مضايقة بالعكس انا مبسوطة يا بدر كلاهما حدق في عيون الأخر لبضع ثوان ، ليهمس لها : وانا مبسوط بيكي .. خفض بصره إلى ساعة يده و أردف : لازم هنزل دلوقتي والصبح هعدي عليكي اوصلك المدرسة و بعديها هروح اشوف اميرة جفلت حياة وشعرت بقشعريرة تسري في عروقها وضربات عنيفة اجتاحت قلبها عند ذكر تلك المخلوقة ، لتتمتم بتردد : متأكد من الخطوة دي؟ أومأ بدر برأسه ناظرًا إليها بحسم ، وتابع بنبرة مستاءة : ايوه لازم اعمل كدا .. حسابات الماضي اللي بينا لازم اصفيها .. عشان اقدر ابدأ من اول وجديد ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد مرور يومين داخل النيابة العامة دخلت أميرة وجهها شاحب وبعض الكدمات تزين خدها ، لتتسع عيناها بصدمة فور أن رأت بدر جالسًا على الكرسي واضعًا قدم فوق الأخرى فى هدوء. غمغم بدر ساخرًا حالما خرج المدعي العام بعد أن سمح له بالتحدث معها على انفراد : مالك كأنك شوفتي عفريت قدامك .. مش هتقوليلي حمدلله علي السلامه أنهى كلماته بابتسامة ساخرة جعلتها ترتعد داخليًا ، وهو يستقيم شامخًا ويمشي نحوها بخطوات واثقة ، واقفًا أمامها يحدق بها بنظرات مظلمة ، مباغتًا اياها بصفعة قوية سقطت على خدها ، مما جعل رأسها يطيح إلى الجانب الآخر. تخدرت أطرافها من الألم حاد في فكها ، والدم ينزف من أنفها ، لتنظر إليه بخوف عندما قال لها بحقد : دي اخرت اشكالك .. قسما بالله ما هرتاح غير وانا متأكد انك مش طالعة من هنا غير علي قبرك انتي و الحيوان التاني حدجها بنظرات نارية ، فلم تستطع النظر إليه مطرقة رأسها نحو الأسفل ، لتسمع صوته الهامس المليء بالكراهية و الغضب بجانب أذنها : تعرفي انكو محظوظين .. يمكن حكم المحكمة هيبقى ارحم من العذاب اللي كنت ناوي اعملو فيكو .. رفع ذقنها بخشونة حتى نظرت إليه بالقوة ، محتجزا فكها بين كفه بقسوة ، متابعًا حديثه بحدة وغل دفين : لو عليا ادفنكو صحيين او اولع فيكو بجاز .. بس انا راجل قانون و اعرف اخد حقي بيه كويس اوي .. مش هضيع عمري و مستقبلي واجرم بحق نفسي عشان شوية او*اخ زيكو اهتزت حدقتيها بخوف سرى في عروقها وهي تهمس بإضطراب : بدر انا عارفة ان حقك تقول وتعمل اكتر من كدا .. بس صدقني كريم هو اللي خطط لكل حاجة هو اللي اجبرني ادخل شريكة معه نفض فكها و يدها متراجعًا خطوتين إلى الوراء ، وشعور بالاشمئزاز منها واضح في ملامحه : لا انتي اللي سيبتي باب الشيطان موارب ماقفلتيهوش ولا حاولتي تنبهيني عشان اخد حذري واحميكي منه .. واحدة واحدة قدر بسمو يتسرب جواكي خلاكي تطمعي اكتر واكتر لحد لما لاقيتي نفسك في الغلط من غير ماتحسي استمرت الدموع تنهمر في عينيها وهي تفرك يدها برفق ، وتجيبه تبريرًا : انا معترفة اني ضعفت قدام الفلوس كان نفسي اعيش في مستوي احسن و انقذ امي من الفضيحة يا بدر... رمقها بنظرات مخيفة جعلتها تبتلع بقية حديثها ، ليهتف بصوت عالٍ حاد : عذر اقبح من ذنب انتي طمعتي .. استحملت منك كتير اوي طول الفترة اللي عشتها معاكي .. حتي لما رفضتي نجيب اطفال اول جوازنا رغم ان دا ابسط حقوقي احترمت رغبتك .. بس مستحيل هغفرلك خداعك واستغفالك ليا قطبت حاجبيها للحظة ، وفكرت قبل أن تصرخ في وجهه بحنق يشوبه الارتباك : انا اللي استغفلتك تقدر تقولي حياة دي عرفتها امتي عليا ؟ انت كمان خدعتني يا بدر واول ما جتلك الفرصة بقيت عايز تخلص مني من غير ماتسمعني.. جفلت عندما قاطع استرسال كلماتها بعد أن ضاق ذرعًا ، ليهدر فيها بانفعال غاضب ، لذا تراجعت خطوتين إلى الوراء برعب : اسمعك!! ايه البجاحة دي ؟ ليكي عين تكلمي بعد كل اللي جرالي منك وكنتي عايزة تقتليني مرتين .. دا غير البلاوي اللي عملتيها ووصلتك لهنا؟ قوس بدر ثغره معللاً بفتور : بلاش تبرري لنفسك خيانتك و خداعك .. الوفي لا يخون الخاين .. مش طبعي ولا مبدأي .. انا عشان مقتنع باللي موجود في حياتي كنت مانع نفسي عن اي حاجة توقعني في الغلط .. من يوم ماتجوزتك و انا مقفل كل الابواب ومكتفي بيكي وبتقي ربنا اللي ماتعرفهوش فيكي لجأت إلى السلاح الوحيد الذي تملكه الآن البكاء قائلةً بيأس تستعطفه : صدقني احلفلك بإيه اني ندمت علي اللي عملته ؟ ابعد يده في الحال بنفور ، وشبكهما خلف ظهره عندما لمسته ، وحدق بها بصمت لبضع لحظات قبل أن أومأ برأسه ، قائلاً بجمود : يمكن دا يكون دليل علي ان في حته في ضميرك صاحية .. بس للاسف فات اوان الندم يا اميرة استشعرت السخرية في عمق نظراته إليها ، لكنها لم تهتم وواصلت حديثها بنبرة اكثر الحاحًا : ارجوك سامحني يا بدر .. انا عارفة ان دا صعب عليك .. بس انت دايما كنت طيب و بتسامحني .. انا معرفش ليه وصلت لكدا ارجوك ساعدني وطلعني من هنا يا بدر لوي شفتيه بابتسامة باردة لا تمت للمرح بأي صلة ، وفهم خدعتها التي لجأت إليها لإثارة شفقته عليها ، لكنه هز رأسه سلبًا ثم قال بنبرة جافة : دي كمان فات أوانها .. محدش بياخد كل حاجة من الدنيا و غلطاتك كانت فظيعة و مايتغفرش. أنهى كلامه متجاوزًا إياها ، وهو يتجه نحو باب الحجرة ، ثم توقف للحظة ، وقال بصوت بارد : بالمناسبة انا طلقتك رسمي امبارح ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

الفصل السابع والعشرون شبح حياتي ابديًا في روحي ، وبعيدا عن النسيان ، وفي مقطوره لا تجتمع مع التجاوز ، ستبقى معى كما سيبقى اسمي متعلقاً بي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بعد مرور عدة ايام فى منزل مازن : مساء الخير خفضت والدته صوت التلفزيون وأجابت بابتسامة حانية ، بينما قبّل مازن رأسها بلطف : مساء الهنا يا بني سألت مروة بمرح : عامل ايه يا دوك ألقى بمفاتيحه على الطاولة ، وأجاب بهدوء : كويس الحمدلله : هقوم احضرلك العشا يا حبيبي قالتها والدته بحنو ، ليهز كتفيه بلا مبالاة لأنه فاقد شهيته ، وقال بنفس الهدوء : ماتتعبيش نفسك يا امي أضافت بنبرة جادة مليئة بالحنان ، وهي تنهض من الأريكة : كل حاجة جاهزة انا هسخن بس علي ماتغير هدومك يكون الاكل جاهز أمسك بيدها وقبلها بحب ، بينما يتمتم بإمتنان : ربنا يخليكي ليا يا ست الكل جلس مرتاحًا على الأريكة ، متسائلاً ، بغير اكتراث ظاهري : قولتيلي في التليفون انك روحتي لحياة حصل ايه؟ رمشت مروة عينيها بتوجس من سؤاله ، وهي تنظر إليه لترد بهدوء : ابدا محصلش .. يعني كلام عادي ضم مازن فمه ، مستفسرًا بنبرة مشوبة بالشك : متأكدة يا مروة نظرتك دي مش مريحاني؟ ضغطت مروة على شفتيها قبل أن ترد بتبرير ، بينما كانت أصابعها تعبث بدبلة زواجها ببعض الارتباك : والله كلامنا كان عام مش علي حاجة معينة .. بس لو كنت عايز تعرف اذا جبت سيرتك ليها بحاجة كدا و لا كدا .. اطمن دا محصلش عدل مازن وضعية جلوسه ، وركز نظراته عليها متحفزًا ليحذرها مشددًا على كلماته : مروة انا نسيت الحكاية دي و انتي كمان انسيها خلاص انا اذا حبيت اتجوز هشتري بيت برا العمارة هنا انفصلت شفتاها في دهشة من كلامه كونها لن تفعل شيئًا ليقلل من شأن أخيها ، مهما كان سبب ، لترد بنزق مدافعة عن نفسها : ماتكبرش الموضوع كدا كأني روحت طلبتلك ايديها تنهدت مروة بصوت مسموع لتظهر استياءها من تفكيره ، ثم اضافت بصدق : كل كلامنا كان عليها هي وبدر كان شددني الفضول اعرف سر اهتمامها بيه هز مازن رأسه بالإيجاب وقال بثقة ممزوجة بالبرود ، كافح لتصنعه : من اول ما شوفت لهفتها عليه في المستشفي وانا حاسس بحبها ليه حتي لما حاولت اقرب منها ماكنتش شايفاني وخلاص انا قفلت على الموضوع دا يا مروة ردت مروة بهدوء على الفور : حقك عليا يا مازن والله ما كان قصدي اضايقك بكلامي أطلق مازن تنهيدة عميقة من صدره ، عاكسا ما يحتدم بداخل روحه الملتاعة ، متابعًا بحزن طفيف ، وهو يرمقها من زاوية عينيه : حصل خير كان مجرد اعجاب و راح لحاله مفيش نصيب منحته مروة ابتسامة جميلة بتفهم ، وقالت بلطف : عندك حق ربنا يباعتلك بنت الحلال اللي تسعدك يا حبيبي ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد ثلاثة أشهر ، مرت على أبطالنا في سلام ووئام داخل مطعم انيق : هو دا كل اللي حصل أنهى كلماته برصانة بعد أن أخبرها بكل ما حدث اليوم ، لتردد ورائه بصوت خافت : مؤبد و اعدام لاحظ الذعر في عينيها ، من الطبيعي أن هاتين الكلمتين لهما رهبة فى النفوس من مجرد قولهما. ابتسم بدر لها بحنان وهو يأخذ كفوفها الباردة بين يديه الدافئة ، وقال بنبرة هادئة : كنت عايزك تكوني موجودة معايا وقت الجلسة .. بس ماقدرتش اضغط عليكي لما لاقيتك رافضة ازدردت حياة لعابها ، ثم ردت بعد أن أنزلت جفنيها بحرج : اعذرني يا بدر انا قلبي مش جامد لدرجة دي اعتلت ثغره ابتسامة عابثة ، لم يبذل جهداً لإخفائها قائلاً بمرح : بس كان جامد وهو عايش مع شبح تاهت في ضحكته المميزة مع تلك الرنة الرجولية ، ورغم أنها قاسية وخشنة ، إلا أنها تتمتع بسحر مميز ، خاصة مع وجود غمازة خده ، والتي تشبه النجمة التي أرتسم فيها الهيام ، لتجد لسانها ينطق بإفتتان عفوي : لانه احلي شبح في التاريخ .. فور رؤيتها اتساع ابتسامته ، سحبت يديها للخلف بخجل ورفعت بهما كأس العصير ، لتغير مسار الحديث ، قائلة بعد أن شربت القليل منه : كان رد فعل اميرة ايه لما اتقال الحكم؟ ردع بدر ضحكته السعيدة عن الهروب ، حتى لا يستفزها ، مع مراعاة وجودهم في مكان عام ، بينما يستريح بظهره للخلف ، مجيبًا على سؤالها بنوع من الجدية : فضلت تصرخ بهستيريا وامها وقعت من طولها لما اتحكم عليها 15 سنة .. الغبية قدر بسهولة يلعب بيها و هي بطمعها جنت علي نفسها وسنين عمرها اللي هتضيع في السجن واصلت حياة الحديث بعد أن أخذت نفسا عميقا : بس كان باين من كلامها معاك في زيارتك ليها انها ندمانة بجد هز بدر كتفيه بلا مبالاة قائلاً برزانته المعتادة : اي بني ادم لما بتتقفل كل الطرق في وشه بيبدأ يراجع نفسه و بيحس انه ظلمها وبيعذبو ضميره حسنًا ، عليها أن تعترف بأنها ليست ملاكًا ، والحديث غريزيًا عن هذه المخلوقة يزعجها ، لكنها لا تستطيع تجاهل مدى أسفها حيالها ، على الرغم من أنها لا تستحق التعاطف بأي وسيلة. أومأت حياة إليه بالموافقة قبل أن تسأل بهدوء : ايه هيحصل لكريم بعد ما اتحكم عليه بالاعدام غيابي؟ أجابها بدر بنبرة واثقة من الظاهر ، لكنه أخفى فيها الكثير من التوجس : النائب العام اصدر قرار لمنعه من السفر والتحفظ علي امواله يعني هو لسه هنا .. دا غير ان كل الجرايد والمواقع السوشيال ميديا ناشرة الخبر يعني مش هيفضل هربان مصيره هيتمسك رفعت عينيها إلى الأعلى لتغمغم بتمنى : يارب حاول تصريف هذا الفكر السلبي عن عقله ، وقال بصوت أجش حاني ، حينما وقعت عيناه على خاتم الخطوبة الذي يزين إصبعها : عارفة نفسي فى ايه بعد كل الدومات دي ماتخلص؟ لم ينتظرها لتعقب على ما قاله ، واستمر في حديثه بتروى بعد أن رفع حدقتيه البنية في عسليتها : عايز بداية جديدة معاكي في بيتنا رمشت حياة بخجل باسمة الثغر ، وتسارعت دقات قلبها بصخب ، لتتمتم بصدق : ان شاء الله عبس بدر بملامحه الوسيمة وقال بتذمر : يا مفترية اخويا الصغير فرحه بعد اسبوع وانتي لحد دلوقتي مش عايزة تخلينا نحدد معاد الفرح مالت حياة رأسها قليلاً إلى اليمين ، وقالت بابتسامة مضمومة ، وهي تحرك عصا الشرب البلاستيكية في كأس العصير : اعمل زي ما هو عمل و اصبر يا متر واللي بيصبر بينول زفر بدر الهواء بقوة وقال في استسلام : ماشي يا غلباوية .. عايزة تفضلي في العمارة ولا نجيب بيت في مكان تاني حدقت حياة فيه بعيون براقة بحب ، وقالت بنبرة رقيقة مشوبة بالتردد : البيت دا جواه ذكريات كتير حلوة بينا حابة افضل عايشة فيه .. بس كنت عايزة اعمل فيه يعني شوية تعديلات لو ممكن تشكلت ابتسامة واسعة على فمه ، أقل ما توصف بأنها مهلكة لنبضاتها العاشقة ، وهو يربت على يدها ليطمئنها ، ثم أجابها بحب : كل حاجة هتخليكي مبسوطة هنفذها ابتسمت حياة بسعادة وهى تشبك اصابعها مع اصابعه ، ثم تمتمت بنعومة : انا بحبك اوي يا بدر .. ربنا يحفظك ليا كان بدر يحدق بها بعشق قبل أن يهمس بعبث ، وهو يغمز لها : هو مش دايما بعد الكلام الحلو بيبقي في حضن سحبت يدها بعيدًا ، وهمست له بتذمر مليء بالخجل لإصراره على استفزازها ، واضعة قبضتيها تحت ذقنها على الطاولة ، لكنها مع ذلك هى سعيدة بكل ما يفعله : و بدل ما نجهز نفسنا عشان فرح اخوك .. يجي هو يخرجنا من القسم بتهمة فعل فاضح في مكان عام يا استاذ بدر دوى ضحك بدر بصوت عالٍ ، وهو يشاهد وجنتيها تشتعلان بحمرة قانية ، وكأنهما تفاحة ناضجة وصالحة للأكل : بعشقك يا روح البدر ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد مرور اسبوع داخل قاعة كبيرة في فندق بالقاهرة على طراز فخم للغاية من الداخل. حيث كان الاحتفال بزفاف جاسر عز الدين الجالس بجوار زوجته بفستانها الأبيض. دخلت حياة بفستانها الأخضر الملائم كثيًرا مع شعرها البرتقالي المصفف للأعلى بتسريحة رقيقة مع مكياج ناعم ، جعلها فاتنة للغاية وجميلة. كانت في الطابق العلوي تحضر شيئًا من الغرفة المستأجرة لتجهيز العروس. اقتربت حياة منه ، رأته واقفا مع بعض المدعوين يجتذب الأحاديث. سمع بدر صوت كعب يقترب منه ببطء ، وعيناه تعرجان تلقائيًا نحوها. شرد فيها بإنبهار ، متأملاً في مظهرها الملائكي ، بينما ابتسمت له حياة برقة ، ووقفت على مسافة قصيرة من مكانه في انتظار أن يأتي إليها. لبى نداءها الصامت ، فارجًا فمه بابتسامة عاشقة ، وهو يتقدم نحوها كما لو كانت قد ألقت تعويذة عليه جعلته مسحورًا بأصغر تفاصيلها ، غير مبال بمن حوله ، فقط مدركًا أنه واقع رأساً على عقب في حبها الذي يفاقم في قلبه كل يوم. أما حياة ، كانت تراقب تقدمه بابتسامة جميلة ، و عندما وصل إليها ، بسط كفيه أمامه ، بعد أن أشارت بجفنيها له بخفة ، لتضع صندوقًا مخمليًا أسود في يديه قائلة بنفس الابتسامة : كل سنة وانت طيب يا بدر .. وان شاء الله الايام الجاية تكون سعيدة ومليانة فرحة يارب أشرقت عيناه بابتسامة قبل شفتيه ، قائلا بدهشة ملطخة بالفرح من اهتمامها به : وانتي طيبة يا روحي .. تعرفي اني بطلت احتفل بعيد ميلادي من يوم وفاة امي الله يرحمها لمحت في عينيه نظرة خاطفة من حزن ، لتبتلع لعابها ببعض التردد وهى تقول بنبرة حنونة : الله يرحمها .. بس بعد اذنك قررت اكسر القاعدة دي .. من هنا و رايح هنحتفل بيه مع بعض ابتسم بدر لها كدليل على موافقته ، ثم فتح الصندوق بفضول ليجد قلمًا فاخرًا منقوشًا عليه حروف اسمه ومذكرة جلدية بمظهر مميز يليق بصاحبها ، لينظر إليها وهو يقول بحب : ربنا يخليكي ليا حبيبتي عجبوني اوي ابتسمت شفتاها بفرح عندما لاحظت أن الهدية قد نالت إعجابه ، بادلها بأخرى جذابة ، هامسًا بصوت لا يسمعها إلا هي : مش كنا خلينا فرحنا معاهم كان اليوم دا بقي ميكس احتفالات أجبته حياة بنفس الصوت بعد أن اقتربت منه قليلاً : ان شاء الله تكون حياتنا كلها احتفالات حبيبي ارتفعت ضربات قلبه بجنون داخل صدره ، متأملاً في ملامحها الجميلة وحركاتها اللطيفة ، هامسًا بصوت عميق : انتي طلعتيلي منين يا حياة ؟ ضمت حياة شفتيها في تفكير ، مما جعله يشرد من لطافتها ، ثم سرعان ما نظرت إلى عينيه وهي تميل رأسها إلى اليسار وتهتف بمرح : من صندوق الحظ يا قلب حياة .. وبعدين دي لسه اول مفاجأة اتقل شوية قالت جملتها الأخيرة بصوت عالٍ وهي تمشي معه إلى ركن من القاعة ، بعيدًا عن ضجيج الموسيقى الشعبية التي تعالت للتو ، ليسألها بفضول : لسه في مفاجأت تانية ؟ أجابت حياة عليه بنعومة بعدما شبكت أصابعها خلف ظهرها : كتير كتير اندلعت الدهشة في ملامحه ، فظهرت ابتسامة عريضة على فمها لينظر إليها بعيون ضيقة ، بينما هتفت بحماس وهي تشير إلى وجهه : هي دي بالظبط النظرة اللي عايزة اشوفها فى عينك انهاردة .. بتبقي لذيذ اوي لما تكون حيران ومش متوقع الشئ اللي هيحصل ابتسم بدر بخفة ولعق شفتيه بلسانه فى مكر ، وهو ينحني إليها وينظر إليها ومحذرًا إياها : طيب بس انا حابب انبهك لحاجة مهمة اذا ماقولتيش دلوقتي علي كل مفاجأتك .. هتلاقيني فجأتك ببوسة في اي لحظة .. بس يا تري هيبقي شكل وشك ايه وقتها؟ احتفظت حياة بابتسامتها ، وهي تحدق فيه بغباء قبل أن ترفع حاجبها الأيسر ، قائلة في استنكار : دا اللي هو ازاي لا مؤاخذة؟ رد بدر ببساطة ، وهو يطوق ذراعيه حول خصرها : مش انهاردة عيد ميلادي يعني حقي اعمل اللي انا عايزه تسارعت خفقات قلبها بسبب شعورها بخطورة ما آل إليه الأمر في تلك الزاوية الحميمية ، لتناشد تعقله وتوازنه وهى تقول بهمس : لالا انت حبيب عاقل ماتعملش كدا هز بدر رأسه مستنكرًا ، وابتسامة متلاعبة شقت شفتيه قائلاً بنبرة حب : مين قال كدا !! انا عاشق مجنون بحبك انتي وكل شئ في قانون عشقي ليكى تجوز رفعت حياة إصبع السبابة أمام أنفه بتهديد ، وهي تتحدث في ثرثرة صارمة مضحكة : فكر مليون مرة قبل ماتحاول تعمل كدا قدام الناس دي كلها يا بدر .. عشان رد فعلي انا لسه مش متصورة هيبقي شكلو ايه .. اعقل بقي كدا وبلاش تتهور فور أن أنهت جملتها الأخيرة ، اقترب بدر منها بعناد ، محاولًا تقبيل ثغرها ، لتحرك رأسها للخلف بعيدًا حتى لا يقتنص شفتيها ، بينما تضحك في عدم تصديق على حركاته المجنونة ، ليقول بإصرار هامس : انا اقدر ابوسك في الوقت اللي يعجبني تحبي تشوفي؟ خفض بدر بصره ، ثم رفعه بسرعة قائلا بسؤال عابث : حاسس ان قلبك متكهرب ؟ تناثرت كلمات غير مرتبة من شفتيها بسبب ارتباكها المفرط ، وهي تدفعه قليلاً من صدره حتى يترك خصرها : لا .. اه .. فعلا خليك بعيد بقي لا تصيبك صاعقة منه رفع بدر يده إلى ذقنها ، وهو يتحدث بلهفة : هموت وانصعق من الشفايف الطعمين دول زمجرت حياة بعبوس محاولة السيطرة على رعشة جسدها الذي أصابته حرارة شديدة من قربه : بدر وبعدين معاك حوالينا ناس ماتبقاش مجنون لبى رغبتها على مضض ، وهو يتحرك قليلا للخلف ، وأبقى مسافة صغيرة بينهما حتى تسني لحدقتيه أن تتشرب كافة ملامحها المتوردة خجلاً منه ، ليهمس بابتسامة تظهر غمازاته : بعيدا عن كل حاجة .. انا اكتر واحد محظوظ في الدنيا لان ارق انسانة موجودة في حياتي انخفض صوته أكثر مغمغمًا بهوادة مبعثرة ، وامتلأت عيناه بالعاطفة الجياشة : حبيني يا حياة .. علي قد ماتقدري .. انتي دلوقتي حياتي اللي خلتني عايش ليها .. محتاجلك تكوني جنبي علي طول .. ماتبعديش عني ابدا مهما حصل بينا اهتزت حدقتيها بالدموع تأثرًا بكلماته التي خرجت من قلبه دون أن يفكر ، وهو ينظر إليها بشغف ودفء كأن قلبه في عينيه ، ثم أشارت بإصبعها السبابة نحوه وهمست بابتسامة رقيقة : قاعدة علي قلبك و مربعة أمسك بدر بأصابعها ، ووضع راحة يدها على قلبه ، وربت عليه بلطف ، ليهمس بنبرة مكتظة بنار الشوق التي لا تخمد بداخله : يا حظه قلبي .. مش قادر اتخيل لو ماكنتيش معايا كانت حالتي هتكون ايه ولا عايز حتي افكر ابتسمت حياة بهدوء ، وهي تهز رأسها نفيًا ، لتقول برقة : اوعي تفكر .. دايما اتفائل وان شاء الله نفضل مع بعض .. سيبها علي ربنا وأضافت مازحة بنفاد صبر ، وهي تلف أحد خصلات شعرها المتناثر على جانب وجهها : كفاية دراما بقي هعيط و الميكاب هايسيح والجنية الشريرة اللي جوايا هتطلع فبلاش فضايح و يلا نروح للعرسان تأملها بدر بحب شديد ، وهي تتحدث بتأثر ، و ثمة ابتسامة هادئة مرسومة على فمه. خفض يده عن خصرها ، ممسكًا بكفها الناعم ، ليقول بحسم : لا احنا هنرقص مع بعض .. يلا تعالى اتبع كلماته بالتحرك فعليًا نحو ساحة الرقص بعدما إنبثقت نغمات سحرية تملأ القاعة ، بينما أومأت برأسها بالموافقة في استسلام متوتر. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• تحركوا معًا بسلاسة وتناغم بالغ ، وشكلوا معًا رقصة حب مليئة بالمشاعر والانسجام ، ليبتسم بدر لها قائلاً بإعجاب : اتحسنتي اوي عن الاول انفرجت شفتاها بابتسامة خجولة من مديحه اللطيف ، لتهمس له بحب ، بينما بزاوية عينيها رأت الناس يرقصون من حولهم ، كلً منهم مع شريكه في الرقص : البركة في المعلم بتاعي أخذوا خطوة إلى الوراء ثم إلى الأمام ، بينما كلماتها جعلت ابتسامته تتسع ، وهو يقترب منها ويميل نحو أذنها ، هامسًا بهيام : عين و روح المعلم فداكي تباطأت سرعة حركاتها بمرونة ، لتتناسب مع إيقاع حركات بدر أثناء الرقص ، ثم ردت ضحكة ناعمة : انت بتغازل تلميذتك يا استاذ و دا ممكن يعرضك لمشاكل انت مش قدها التقت أعينهم وسط مشاعر مزدحمة جعلته يذوب بها ، لتستطرد حديثها بنفس النبرة العذبة : بس انا عندي محامي شاطر هيجيبلك حكم مخفف خطى خطوة تلتها الأخرى ، وفعلت الشيء نفسه أمامه ، ثم استدارت بخطوة سريعة ، ورفعت يدها ووضعتها على كتفه ، فتلاحمت نظراتهما العاشقة معًا ، قائلاً بصوت خافت اجش : عايزو يجيبلي حكم بالجواز منها .. عشان انا حياتي مابقتش تكمل من غيرها حدقت حياة فيه بذهول ، لتنبس بنبرة شقية أثناء تحركاتها : شوفو اللي بياكل و ينكر .. دا انا ساكنة قصاد منك .. يعني تفتح باب الشقة تشوفني .. باب البلكونة تشوفني .. باب الاسانسير تشوفني هز بدر رأسه في رفض ، وتوقفت قدميه عن الحركة ، وتمتم بصوت منخفض بجانب اذنها : مش كفاية عايزك تسكني في شقتي بقي .. امتي هتخليها توافق؟ قال الجملة الأخيرة بإلحاح ، ثم صمت ، في انتظار ردها عليه بلهفة ، لتجيبه بجدية ، بعد أن ضمت شفتيها معًا : بدر .. انت عارف الفترة اللي فاتت دي كان لازم تعدي كدا .. يعني من غير ارتباط رسمي .. كنت عايزاك تاخد وقتك و تستوعب وتتعايش مع كل الظروف اللي حصلت ظل بدر صامتًا ، يحدق في عيناها ، بينما أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تستأنف الحديث قائلة بإبتسامة رقيقة : احنا اتخطبنا من فترة قريبة و كل يوم بيعدي بنعرف بعض اكتر و بنقرب لبعض اكتر يعني ماشيين خطوة خطوة علي مهلنا أنهت حياة كلماتها ، ليتحرك معها مرة أخرى ، هامسًا بنبرة صادقة : وانا مش عايز اضغط عليكي .. بس فعلا مابقتش قادر اعيش من غيرك محتاجلك اوي و بتوحشيني اوي اوي كان يتحرك بخطوات واثقة ، وعيناه لا تفارق عينيها التى سلبت لُبَّه ، مضيفًا بصوته العميق مثل السحر : لما بتكوني قدام عيني ببقي مطمن .. بس لما بتسافري لأختك حتي لو ايام قليلة .. ببقي هجنن من خوفي عليكي و هفضل خايف لحد ما يتقبض علي كريم .. لكن مش عايز اعيشك في الخوف دا معايا عايزك مطمنة وبس تألقت عيناها بمزيج من المشاعر العاطفية وهي ترفع حاجبها بدهشة ، إزدردت لعابها بصعوبة ، بينما تستمع إلى كلماته النابعة من القلب والتى تجمع أحلى معانى الحب الذي يكنّه لها : تعرفي ان كل مرة اروح وراكي اسكندرية وافضل واقف تحت البيت وحرب جوايا بتقوم .. عايز اطلعلك بس ماببقاش عايزك تحسي اني خانقك ومش مديكي مساحة من الحرية والخصوصية لنفسك مع اهلك تشدق صدغه بحرج ، ثم تنهد بعمق مازحا : انا اكلمت كتير مش كدا ؟ خطت خطوة استدارت فيها مرتين ، ليجذبها من خصرها ، فإلتصقت به ووضعت يدها الحرة على الجانب الأيسر من صدره ، ونبضه تحت أسفلها شعرت أنه يمر عبر أوردتها ، لتقول بنبرة مدهوشة ممزوجة بالعشق : دي اول مرة تكلم عن اللي جواك بالصراحة دي .. الحاجات الحلوة والمشاعر دي كلها جواك وكتمها ..؟ كلماته الجميلة مع تناغم الموسيقى ، جعلتها متحمسة وسعيدة تطير بفرح ، بينما ترقص بإريحية ، ثم واصلت حديثها : ماتخبيهاش تاني عليا كررها وكررها علي طول ارتفعت قهقته ونظر إليها ، بابتسامة تعلو شفتيه من فرط حماسها وتحدث بنبرة خافتة : كدا هتملي جادلته حياة بحب بعد أن صنعت تواصلا بصريًا معهُ ، لتطير إلى السماء المرصعة بالنجوم تلتمع بعينيه : مش هيحصل انا مبسوطة اوي بأحاسيسك دي لا همل ولا هتخنق .. بالعكس اهتمامك دا بيخليني طايرة من السعادة همس بدر بدفء وعيناه تجولان على ملامحها الناعمة : ربنا يديمها يا حياتي اللي بعشقها اطرقت حياة رأسها ، وتمتمت بخجل بينما تشبك كلتا يديها خلف رقبته : امين .. وانا بموت فيك .. بالمناسبة انا موافقة عقد بدر حاجبيه بتساءل ، وهو يستمع إليها باهتمام بعد أن رفعت عينيها إليه في نهاية كلامها : علي ايه؟ توقفت قليلاً قبل أن ترد عليه بابتسامة ملتوية : اننا نتجوز مش قولتلك ان في مفاجأة انت لحقت تنسي ابتلع بدر ريقه ونظر إليها واضعًا جبهته على جبهتها ، مشددًا اكثر على خصرها ، قائلاً بلهجة عميقة تفيض هيامًا : اخيرا يا جبارة ما كان من الاول تقولي لازم افضل اتحايل كدا رفعت حياة كتفيها ، لتضحك بدلال ممزوجًا بالخجل قائلة : عروسة و بدلع فيها ايه ؟ لازم احس بمعزتي وقيمتي عندك طول الوقت ضمها بدر على صدره وهم يرقصون هامسًا بأنفاسًا ساخنة بجوار أذنها : انتي اغلي عندي من روحي يا حياة ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد مرور بعض الوقت وقفت حياة بجانب العروس ، وهي تقبلها بلطف على خدها وتقول بابتسامة : الف مبروك يا شذي ربنا يهنيكي ابتسمت لها شذى بنعومة ، وهتفت بسعادة : تسلميلي يا يويو مش مصدقة اني هطلع من هنا علي الطيارة علي طول كانت على وشك الرد عليها ، لكن قاطعها وصول بدر وجاسر معه قائلا في عجلة : حبيبتي هروح اجيب الشنط من فوق و نتحرك علي طول توترت ملامحها وهي تشير إلى فستان الزفاف قائلة بضيق : خدني معاك اغير الفستان يا جاسر لم يكن يريد أن يتجادل معها ، مدركًا صعوبة التحرك في ذلك الفستان الضخم ، لذا أومأ برأسه بالموافقة ، قائلاً تحذيرًا بينما بساعدها على المشي بسرعة : ماشي يلا بينا .. بس بسرعة مابقيش كتير علي معاد الطيارة تابع ابتعاد اخيه ليمدّ يده إليها قائلاً بنبرة هادئة : حياة تعالى معايا هجيب حاجة من العربية قالت حياة وهي تهز رأسها بإيماءة صغيرة ، وتمسك بيده ليضغط عليها برفق : يلا ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• شعرت حياة بالهواء النقي يهاجم شعرها ليرفرف بنعومة حول وجهها ، عندما نزلوا من المصعد إلى المرآب ، لتساءله وهو يفتح باب السيارة بينما تقف بجانبه : ماقولتليش انت جاي تجيب ايه ؟ أجابها بدر ببساطة : دول حدقت حياة بعدم فهم في التذكرتين اللتين رفعهما أمام عينيها ، لتتساءل بشك وهي تقوس شفتيها : ايه دول ؟ قام بدر بتحريك جانب فمه بابتسامة ، وهو يقفل باب السيارة باستخدام جهاز التحكم عن بعد ، ثم استدار بجسده كله إليها ، وليقول بغموض : مش انتي لوحدك اللي عملالي مفاجأت .. دي مفاجأتي فاكرة لما سألتك علي باسبورك اتسعت عيناها في تفاجئ ، وتفوهت ببلاهة : احنا هنسافر!! أخبرها بدر دون تحفظ ، مبتسمًا لها : بالظبط بس طبعا مش لوحدنا اختك وجوزها وعيالهم معانا فتحت حياة فمها غير مصدقة ، ليهز رأسه مؤكدًا ، مستأنفًا حديثه : هنوصل جاسر و شذى و نستني معاد طيارتنا بعديهم بتلت ساعات عانقته حياة بشكل عفوي وشكرته بامتنان ، وهي تضحك بسعادة غامرة : ربنا يخليك ليا يا روح قلبي ربت بدر على شعرها سعيدًا لفرحتها ، مطوقًا خصرها باليد الأخرى قبل أن يبعدها قليلا عنه ، ليهمس لها بمحبة : ويخليكي ليا يا مانجتي .. يلا بينا نلحقهم اِستقل كلاهما المصعد مرة أخرى ، متشابكين الايدي إلى القاعة ، حالما وصلوا لمفترق الرواق ، التفتت إليه وقالت بابتسامة : حبيبي شوفهم نزلو ولا لسه .. و انا هروح الحمام و بعدها هحصلك علي القاعة : طيب بس ماتتأخريش قالها بدر ثم رفع كفها إلى فمه ، ليقبلها برومانسية ، وقبل أن تبتعد ، لوحت له بإشارة صغيرة من يدها. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• دخلت ممرًا آخر يؤدى إلى الحمام ، بينما تحتل ثغرها ابتسامة سعيدة ، وهي تمرر أطراف أصابعها على الخاتم وتعض شفتيها بفرح ، ولكن بمجرد أن وضعت يدها على مقبض الباب لفتحه ، طوقها ذراعان قويتان ، قيدت حركة يديها ، لذا شهقت في تفاجئ وهي تحاول التملص بمقاومة ، بينما تدير رأسها للخلف للتعرف على الجاني. اتسعت عيناها في نفس الوقت مع شهقة أخرى مليئة بالفزع ، وهي ترى وجهه من تحت القبعة السوداء التي كان يرتديها لإخفاء ملامحه ، لتهمس بصوت مكتوم بعد وضع راحة يده على فمها : انت!! انفرج فمه بابتسامة لا تمت للمرح بأي صلة ، وأجاب بصوت مخيف بجوار أذنها : اهلا بالحلوة مرة تانية هذا كل ما استطاعت سماعه قبل أن تغلق عينيها تدريجياً مستسلمةً ، حينما وضع قطعة قماش مليئة بمادة مخدرة على أنفها ممَ جعلها تشعر بدوران الأرض تحتها ، والظلام يسحبها نحوه لتغرق في فقدان طويل للوعي ، بينما يحملها الآخر بين ذراعيه ، ليخرج بها متسللاً من الباب الخلفي للفندق. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 



الفصل الثامن والعشرون شبح حياتي ‏إن وجودك سبب كافٍ لي لأعرف أن الحياة لها وجه آخر يستحق كل هذا العشق والمعاناة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بعد حوالي خمس عشرة دقيقة رد بدر بسرعة على الهاتف ، وسأل بأنفاس المتلاحقة وهو يبحث عنها بعينيه : انتي فين يا حياة كل دا؟ رد عليه بنبرة متسلية : وحشك صوتي؟ اتسعت بؤبؤ عينه في دهشة ، وشحب وجهه للغاية ليتمتم تلقائيًا : كريم!! ارتفع جانب فمه بابتسامة مختلة ، مجيبًا عليه بتحدي : هو بعينيه .. بهنيك قدرت تكسب مني جولة بس نسيت يا متر ان الحرب لسه قايمة بينا وفي الحرب كل شئ مباح شعر بدر كما لو أن صاعقة قوية ضربت أعماق قلبه ، مما دفعه إلى ضخ الدم بعنف في جميع أنحاء جسده ليسأله بغضب نارى : تليفون حياة معاك ازاي!! عملت فيها ايه؟ أجاب كريم ببرود ، وهو يحدق بعينان داكنتان في النائمة على المقعد الخلفي للسيارة ، من خلال المرأة الأمامية : لسه معملتش .. بعتلك حاجة علي الواتس اب بتاعها شوفها و ارجعلي اعتصر قبضته بعنف عندما شاهد مقطع فيديو لها وهي مخدرة بالكامل في السيارة ليصرخ بحدة : يا حيوان و ديني لو مست منها شعرة .. قلب كريم عينيه متأففًا بنفاذ صبر ، قاطعًا حديثه بسخرية لاذعة : بلاش كلامك الخايب دا يا متر متقدرش تعمل حاجه .. تهديدك لواحد محكوم عليه بالاعدام مش هيأثر فيه صاح بدر بصوت أعلى ، واحمر وجهه من الغضب ، وتعهد بإصرار على تنفيذه : طول عمرك جبان يا كريم .. صدقني هحرقك حى لو أذيتها هخليك تتمني الموت وماطلوش الا بمزاجي لو فكرت تأذيها قهقه كريم ضاحكًا بلا خوف ، و تمتم بفظاظة : يا لدرجة دي بتحبها .. وانا مش عايز حاجة غير اني انتقم منك واحرق قلبك عليها يا بدر .. لو اول مرة ما أثرتش فيك ووقفت تاني علي رجلك .. المرة دي هموتهالك واخليك تعيش حياتك كلها متعذب بذنبها شعر بنصل سكين حاد يخترق قلبه ، منغرزًا بأعماقه يمزقه ، ليصيح بصوت مختنق ممزوج بالقهر : كريم هي مالهاش دعوة باللي بيني و بينك .. انتقم مني زي ما انت عايز .. بس سيبها وماتستعجلش موتك اللي هيكون علي إيدي مش هستني ينفذو فيك حكم الاعدام قال بدر جملته الأخيرة بنبرة شرسة ، ليتشدق صدغ الآخر بسخرية ، ليخبره بنبرة جافة قاسية لا تخلو من الخبث ، مما جعل الغضب يندلع كالنار في عروق الآخر مستعمرًا الخوف قلبه : في كل الاحوال انا ميت بس مش هروح للموت لوحدي حبيبة قلبك هاخدها معايا تونسني في قبرى .. بس طبعا مش قبل ما نتسلي شوية انا وهي في الدنيا أنهى كلماته بضحكة لئيمة يشوبها الحقد ، ثم أغلق بوجهه دون انتظار إجابته ، وألقى بهاتف حياة من النافذة المجاورة ، واحتلت شفتيه ابتسامة كبيرة مختلة يملأها النصر ، فيما انهار بدر جالسًا على المقعد المجاور له داخل القاعة ، يشعر بضغط شديد في قلبه يمنعه من التنفس. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد مرور دقائق قليلة : الشرطة بتفرغ الكاميرات ويعرفو ايه اللي حصل بالظبط؟ التقط بدر أنفاسه السريعة بثوران ، و بيد واحدة قام بفك ربطة عنقه ، ثم استدار وألقى نظرة حارقة على أخيه وهتف بوعيد : مفيش غيرها .. انا مش هسيبها الا لما تقر بمكانه .. هروحلها حالا أدرك جاسر على الفور مقصده ، وسار نحوه واقفًا أمامه واضعًا يديه على أكتاف الآخر قائلاً بجدية : اهدا يا بدر .. دا مش معاد زيارات و لازم تصريح هو انا اللي هقولك ؟ اصبحت ملامح بدر المحتقنة أكثر وحشية ، وغلي الدم في عروقه النافرة من رقبته ، متخيلاً كل السيناريوهات السيئة لوجود حياة مع هذا الشخص المختل وحدهما ، ليهدر غاضبًا وهو ينفض بشدة يدين الآخر عنه : اهدا !! عايزني اهدا ازاي .. دا واحد مجنون ماعندوش حاجة يبكي عليها واحنا دلوقتي تحت رحمته وهي في ايده تراجع جاسر بضع خطوات إلى الوراء بسبب دفع الآخر له ، ليهتف بإمتعاض : كان لازم تسمعه و تتفاوض معاه مش تستفزه وتتخانق معه زجره بدر بنظرة غاضبة وصرخ بزمجرة شرسة : دا مش عايز يتفاوض .. دا اتسعر خلاص عايز ينتقم وبس أخذ جاسر نفسًا عميقًا ، محاولًا التفكير في توري وهو يخلل أصابعه فى شعره ، ويشدها بإزدراء ، قال بصوت أجش مشوب بالجدية : كدا مش هنعرف نتصرف لازم تسيطر علي نفسك عشان نعرف نرجعها أدار بدر رأسه وزفر بحنق شديد ، تجمدت نظرته على المكان الذي كانت ترقص فيه معه منذ فترة وجيزة ، ليضغط على فكيه بقوة وخرج من المكان قبل أن تزهق أنفاسه ، وهو ينظر إلى الأمام بأعين مظلمة. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• حركت رأسها بثقل ، وهى تهذي ببعض كلمات غير مترابطة ، ثم فتحت عينيها ببطء ، ورفرفرت برموشها عدة مرات متتالية. نهضت واستقيمت في جلستها بفزع حينما استرجع عقلها أخر أحداث مرت عليها ، وهى تنظر حولها في رهبة وحيرة من هذا الظلام الذي يخترقه عدة شموع متناثرة في المكان. : معلش لو الخدمة مش قد المقام .. مع الاسف مافيش كهرباء هنا شعرت بالرعب عندما سمعت نبرة صوته الساخرة. أنزلت حياة قدميها على الأرض ، متسائلة ، بحذر ، مشوب بالخوف : احنا فين و جايبني هنا ليه؟ لوى كريم شفتيه بابتسامة ماكرة ، وأجاب بهدوء شديد : دا مكان بعيد اوي صعب يوصله البطل بتاعك .. بس ماتخافيش مني على الأقل دلوقتي صمتت حياة ولم ترد على ما قاله ، حيث كان قلبها يطرق مثل الطبول من شدة الخوف من ابتسامته المختلة ، بينما عقلها يدور بأفكار مشوشة لتجد طريقة للهروب منه. سقطت نظرتها على الشرفة المفتوحة ، حيث تسلل بعض ضوء القمر منها ، لتهب على الفور دون تفكير ، مستغلة انشغاله بعد أن استدار إلى الزاوية المجاورة ، ليشعل شمعة أخرى ، فركضت هى نحوها سريعا بتعثر ، تزامنًا مع انتباه كريم لها ليركض خلفها ، تاركًا ما يفعله. سرعان ما قام بتطويق خصرها ليرفعها قليلاً عن الأرض ، بينما تركل بقدميها في الهواء ، وهو يعيدها إلى الأريكة وألقى بها بعنف عليها ، ليصعد بجسده فوق جسدها ، مقيدًا يديها مما منعها من المقاومة. حاولت النهوض بجذعها ، لكنه ثبتها بقدميه ، فقالت بصراخ وهي تتحرك بشكل عشوائي : بتعمل كدا ليه ؟ سيبني حرام عليك.. نظر إليها بغضب ليضغط على فكها بقوة حتى تصمت ، و بيده الأخرى رفع سبابته أمام عينيها بتحذير ، هامسًا بهسيس الثعابين في تهديد : جربي تعملي عملتك دي تاني في لحظة هكون قتلك سامعة أنهى كريم حديثه بنظرة مخيفة ، لتهز رأسها على الفور بالموافقة وهي تحدق فيه بخوف وذعر. سرت قشعريرة مرتجفة في جسدها ، لأنها شعرت به يرفع راحة يدها ، وأطراف أصابعه تمتد لإخراج خاتمها من إصبعها عنوة. حاولت حياة المقاومة وشدّت قبضتها عليه بقوة ، وهزّت رأسها برفض تام تصرّ على عدم خلعه ، فأرسلت له نظرات مترجية لم تؤثر عليه إطلاقاً. زمجر كريم بحنق ونفاد صبر من مقاومتها له ، ليهمس بتحذير مخيف : افتحي ايدك احسن ما اكسرلك صوابعك صرخت حياة في وجهه بعناد ، وهي تدفعه بقوة ضعيفة في محاولة لإبعاده عنها ، لكنه مثل جدار لا يتزحزح : لا .. ابعد عني تفاقم غضبه إلى حد السماء ، فضغط على عظام أصابعها بخشونة ، مما جعلها تطلق صرخة بتوجع ، وتقلصت ملامحها من الألم ، وعبراتها تتسابق على خديها ، وهي تنظر إليه بضعف ممزوج بالقهر ، بعد أن نجح في إزالة الخاتم من إصبعها ، و ألقى به بإهمال على الأرض. تفاجأت حياة عندما أخرج منديلاً من جيبه ، ووضعه على أنفها لتتوسع عينيها في هلع. ما هى إلا لحظة واحدة فقط حتى سقطت يدها إلى جانبها بعد أن حاولت المقاومة دون جدوى ، حيث وقعت في بئر عميق ومظلم دون إرادتها. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• فى صباح اليوم التالى ذهب بدر إلى أميرة في السجن اندفع نحوها بسرعة الفهد بمجرد دخولها الغرفة ، ممسكًا برقبتها من الأمام ، وخنقها بشدة وهو ينظر إليها بعينين تطلق شررًا. كان مثل المجنون فاقدًا عقله بعد أن أعماه غضبه كليًا ، بينما روحه تتلوى وسط جمر الغضب وتحترق من الغيرة والألم ، لا يعى سوى شيئًا واحدًا فقط ، ليهدر فيها بقسوة : الاعيبك الحقيرة انتي والو*خ التاني كوم و اللي عملو انهاردة كوم تاني بحساب تاني يا اميرة .. انطقي الاقيه فين؟ حاولت أميرة الكلام ، لكنها لم تستطع حيث انها تزهق أنفاسها حرفياً بسبب اختناقها من قبضة بدر على عنقها. سارعت أسماء إليهم ، التى تجمدت للحظة بصدمة ، وضربت ذراع بدر بقوة ، تحاول إفلات ابنتها من براثينه الوحشية ، لكنها فشلت لذا صرخت به فى هلع : بنتي ماتعرفش حاجة عن كريم .. ابعد عنها مش كفاية عمرها اللي ضاع علي ايدك زمجر بدر فيها بشراسة ، وعيون دامية ، غير مبال على الإطلاق بمحاولاتها لإبعاده عنها : انتو ايه البجاحة بتاعتكو دي ؟ وصلتوني للموت و بعين قوية بتكلمي!! دلف جاسر على الفور عندما سمع صوت أخيه يزأر من الخارج ، ليركض نحوهم ، ساحبًا إياه بصعوبة بالغة للخلف ، حتى يطلق سراح أميرة من يديه ، قائلاً بإستماته ، محاولًا جعله يستعيد سيطرته على نفسه ويتوقف ما كان يفعله : اهدا يا بدر انت ناسي واقف فين ؟ سيبها ماتوديش نفسك في داهية انكمشت أميرة بين ذراعي والدتها ، ووجهها شاحب للغاية ، وهمست بصوت مبحوح مملوء بالذعر من جنون بدر الضارى عليهم : والله ما اعرف مكانه و لا أي حاجة عنه تحركت يدى أسماء وربت على ظهر ابنتها في محاولة لتهدئتها ، قائلةً بحدة : انت مالك زي الطور الهايج علينا كدا ليه ؟ احنا اللي محبوسين وجاي تسألنا عليه ما البوليس بيدور عليه !! حاول بدر أن يخطو خطوة نحوهما ، ونظراته لا تنذر بالخير ، لكن جاسر وقف بينهما ، موضحًا شرحًا موجزًا : كريم خطف حياة خطيبة بدر و هددنا بقتلها بعد مابقاش بيلزمو حاجة جن جنونه مرة أخرى عند تلك النقطة ، والدم تغلي في عروقه بغضب لا ينطفئ منذ الليلة الماضية ، وثمة سعير يكوي أعماقه ، بمجرد أن تخيل أن شيئًا سيئًا حدث لها على يد ذلك الوغد ، ليزمجر بهم فى غضب جحيمي : خافو ربنا لو مرة في عمركو يمكن يخلصكو من القرف اللي رميتو نفسكو فيه .. مش دا اللي كان سبب في ضياع عمركم .. في الاخر سابكو تحاسبو علي المشاريب التفت إلى أسماء ، مكملاً كلامه باشمئزاز : وانتي مبسوطة وضميرك مريحك بعد ماضيعتي بنتك بسبب ديونك .. ذنبها ايه حياة تتقتل عشان كانت واقفة جنبي وانتو بتتأمرو عليا .. ذنبها ايه؟ تأججت عيناه بنيران مشتعلة ، وهدر فيهم في نهاية جملته ، وكاد يندفع إليهما مجددًا حتى يفرغ غضبه بهم. تحرك جاسر بسرعة نحوه ، وطوق ذراعه ، محاولًا إبعاده ، صارخًا في وجهه لاستعادة وعيه : خلاص يا بدر اتحكم في انفعالك يا اخي .. خلينا نمشي واضح اننا بنضيع وقتنا علي الفاضى معاهم أنهى جاسر حديثه ، وجذب بدر إلى الباب للمغادرة ، لكنهم توقفوا عن التقدم حينما سمعوا صوتها ، بينما تتحدث بنوع من التردد : .... ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• تململت حياة من الملل لأنها استيقظت منذ ساعات ، لا تعرف كم عددهم ، ولم تبرح تلك الأريكة اللعينة ، وأسوأ شيء أنها مربوطة بحبال كثيرة تمنعها من التحرك تمامًا بسبب محاولتها الفاشلة للهروب ، وفوق كل هذا ، لا تزال الكهرباء مقطوعة كما قال لها ذلك الأحمق بالأمس. لا تعلم حتى ما إذا كان الوقت النهار أم الليل بعد أن أغلق جميع الشرفات والنوافذ. المكان مضاء حولها بعدة شموع متناثرة في معظم الاتجاهات فقط. بقيت بلا حراك ، على عكس عقلها ، الذي كان يدور مثل المكوك ، لإيجاد طريقة للهروب من براثن هذا المختل الذى لا ينفك عن شرب الخمر. جاء صوت كريم من على الكرسي الجانبي ، يسأل بلا مبالاة : اكلتي لسانك ولا مابقاش عندك كلام تقوليه؟ برزت حياة فمها للأمام بعبوس ، لتقول بنبرة ساخرة : هيفيد بإيه الكلام ؟ انت اصلا معندكش نظر مربطني بمية حبل من خوفك مني لا أطير وماتعرفش تمسكني أنهت كلماتها بقهر ، بينما الأخر لوى شدقه ، وقال بابتسامة متهكمة ، وهو ينظر إليها من زاوية عينه : ماعملتيها امبارح .. بس علي فين هتطيري المنطقة حوالينا مقطوعة يا قطة ؟ بررت بوجهها العابس وشعرها الفوضوي وهي تدحرج عينيها حولها : كنت مفزوعة وخايفة وانت خلاص سديت كل المنافذ عليا يعني مالهاش لازمة التكتيفة دي .. بس انت شكلك لسه خايف مني!! قالت حياة الجملة الأخيرة وهي تنظر إليه بمكر ، فقال بحاجب مرفوع ، وقد شعر بالضجر من ثرثرتها : وطي صوتك وكفاية رغي مالوش داعي نفخت الهواء من فمها لتبعد خصلة متمردة عن عينيها ، وهتفت بعناد طفولي وكبرياء أثناء تحريك أصابع قدميها : لا مش هوطي صوتي .. اوعي تكون فاكر اني هعيط و اترجاك تسيبني .. او اني مش خايفة منك .. لا انا خايفة منك بس متأكدة ان ربنا معايا ايا كان مصيري ايه حدق كريم بها بتفحص مشوب بالإعجاب ، جعلها تبتلع بتوتر لعابها ، بينما هو يتجرع القليل من كأس فى يده ، ثم صاح بثملة : يا بختك يا بدر .. محظوظ في الستات اللي دخلو حياته أضاف ، وهو يقوم من كرسيه ، ليتحرك بشكل عشوائي قبل أن ينظر إليها ببعض التشوش في رأسه : دايما كان احسن مني .. عارفة كلية الطب دخلتها بفلوس ابوه كان بيدفعلي المصاريف وكل حاجة نقصاني أنهى كريم حديثه بابتسامة ساخرة من نفسه ، لترفع حاجبيها قائلة بازدراء : مش مكسوف من نفسك وانت بتقول الكلام دا!! هز رأسه في نفى ، واستأنف حديثه بينما يبتلع بقية المشروب مرة واحدة : لا .. حتي البني ادمة الوحيدة اللي حبتها فضلته هو عليا رفعت حياة أحد حاجبيها في عدم الرضا ، وهي تهز رأسها بقوة وقالت بتوبيخ : لو كنت صارحته من الاول ماكنش اتجوزها عشان صداقتكم عنده كانت اهم صرخ كريم في وجهها بغير وعي مما جعلها ترتد ، وتغمض عينيها عند سماع صوته المزعج : ماعملتش كدا عشان انا جبان .. ماقدرتش اواجهه و اهين كرامتي قدامه واحسسه انه احسن مني‏ المشاعر المكبوتة لا تموت ، فهي تُدفن حية وتعود فيما بعد بطرق قبيحة. فتحت جفنيها مرة أخرى ، وردت بحدة ونفور : لا دا مش موضوع جبن .. انت متأكد ان اميرة ماحبتكش عشان كدا فضلت ساكت وبتدبر الاعيبك الخبيثة عشان تنتقم منهم ابتسامة عريضة تشكلت على فمه ، وحرك وجهه في إيماءة بسيطة ، وهو يسير باتجاهها جاثيًا أمامها وهو يمر بنظراته الوقحة على وجهها وجسدها ، مما جعلها ترتعد بتوجس ، ليقول بنبرة خافتة وعيناه تلمعان بنظرة مخيفة في ضوء الشموع : برافو .. انتي ذكية وقوية وكمان جميلة ومخلصة .. الفرق بينك و بينها ان هي تمثال رائع الجمال .. بس يا خسارة روحها من ازاز .. لكن انتي من اول لحظة شوفتك كنتي بتشعي حرارة وحياة علي عكسها باردة و جبانة ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• داخل زنزانة السجن تحركت أميرة بسرعة ، لتجلس على السرير المقابل لسرير والدتها ، قائلة بغرابة : مش مصدقة انك بسهولة كدا قولتلهم علي مكان كريم أضافت متسائلة بإلحاح : ازاي عرفتيه و امتي ؟ نظرت أسماء إليها من زاوية عينها وهي مستلقية على السرير ، ثم أجابت عليها بفتور : وحدة من صحباتي اللي كانو بيلعبو معايا .. فيلتها قريبة من فيلتنا لمحته هناك و جت تبلغني اتسعت عيناها بدهشة وسألت بريبة : وليه ساكتة من ساعتها ؟ ردت عليها بمرارة ساخرة بعد أن استنشقت نفسًا عميقًا زفرته ببطء : عشان كان عندي امل انه هيتصرف و يشوفلنا طريقة نخرج بيها من هنا .. بس خلاص مابقاش ينفع هو فعلا اتسعر زي ما قال بدر ولازم نخلص من شره حدقت أميرة بها فى ذهول حينما سمعت تلك الكلمات منها ، ووضعت قبضتها تحت ذقنها ، مستفسرة بتهكم : وايه خلي ضميرك يصحي كدا فجأة ؟ ضمت أسماء شفتيها بضيق لتمنع تلك الغصة المتصاعدة من أعماق جوفها ، ونبست بندم : ايام السجن طويلة يا اميرة خليتني غصب عني افوق من السكينة اللي كانت سرقاني ولما اخيرا فوقت لاقيت اني اجرمت في حقك وحق نفسي و ضيعتنا ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• خارج مديرية الأمن ركض جاسر خلفه بقلق وهو يصيح بصوت عال : بدر .. يا بدر استني رايح علي فين؟ فتح الباب الأمامي للسيارة ، وانحنى إلى الداخل وهو ينظر في أحد الأدراج ، بينما يجيب عليه بإيجاز : علي بيت المنصورية صرخ جاسر بعصبية فوق رأسه : انت مجنون عايز تروح لوحدك .. افرض انها بتكذب عليك وهو مش هناك هز بدر كتفيه وأجاب بلا مبالاة ، وهو ينتصب بظهره خارج السيارة : لازم اروح و اتاكد بنفسي اتسعت عيون جاسر بصدمة قائلا بشك مشيرًا إلى ذلك السلاح في يدي بدر : البتاع دا بيعمل ايه معاك؟ وضع بدر السلاح في بنطاله من الخلف ، صارخ في غضب عاصف : و رحمة امي هاخد بيه روحه لو عمل فيها حاجة؟ هتف جاسر بحدة ، محتجًا على هذا الكلام : بدر .. ايه اللي بتقوله دا ؟ انت اجننت!! هات الزفت دا أنهى كلامه ، متزامنًا مع اندفاعه إليه ، محاولًا أخذ السلاح ، لكن بدر تصدى له ودفعه من صدره بقوة. تراجع جاسر بسببها عدة خطوات ، ليهتف بدر بشراسة : ابعد عني مش هسيبو غير وانا مرتكب فيه جريمة ألقى جاسر نظرة خاطفة على أحد جنود الشرطة على مسافة ليست بعيدة منهم ، ودمدم من بين شفتيه : بالله عليك اهدا شوية احنا قدام المديرية خلينا نفكر بالعقل مد كفه إليه ، مضيفًا بترجى محاولًا إقناعه بأهدأ نبرة يمتلكها ، لكن يبدو أن أخيه يرفض الاستماع من نظراته الجامدة : هات المسدس اللي معاك الشرطة متعاونة معانا و هنرجعها حدق بدر فيه بعيون دامية ، ثم صرخ بعصبية وهو يجر على أسنانه : لو مخلصتش عليه بنفسي عمري ماهرتاح فاهم زفر جاسر بإرهاق وتلف أعصاب وهو يقف أمامه : استني يا اخي الشرطة هتتحرك حالا وان شاء الله هنوصلها قبل مايحصل حاجة هز بدر رأسه احتجاجا ، ليقول بإصرار قاطع وهو يبتلع غصة من الألم الضارى في قلبه : انا اللي هرجعها مش هستني حد .. ولا هسيبو عايش بعد كل اللي عملو دا هندمو على اليوم اللى فكر فيه يقرب منها اردف في جمود ممزوج ببعض الهدوء النسبي ، ليطمئن أخيه بينما يتجه إلى الجانب الآخر ويصعد إلى سيارته : جاسر لو مراتك كانت في نفس الظروف دي ماكنش هيكون دا موقفك .. ماتقلقش عليا المسدس مرخص و هنبقي علي اتصال ارتفع صدر جاسر متنهدًا ، وقال بقلة حيلة يشوبها القلق شديد : ماشي .. ربنا يسترها .. خد بالك علي نفسك ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• فى منزل المنصورية صاحت حياة بصوت عالٍ ، مليئ بالتذمر ، لجذب انتباهه وهو جالس على الأرض يشرب الكحول بشراهة : انا عايزة اروح الحمام و لا دا كمان ممنوع .. اكيد مش هفضل كتماها كدا وانا معرفش هتنيل هنا قد ايه؟ وضع كريم يده على أذنه منزعجا قائلا بلسان ثقيل : خلاص كفاية زن عايزة انفذلك طلبك انتي كمان لازم تنفذي طلبي ارتجفت من الخوف حينما لاحظت بريقًا خبيثًا يمر في حدقتيه ، لتلعن نفسها داخليًا على اللحظة التي فكرت فيها أن تفتح فمها ، لتسأله بترقب وضيق : اللي هو ايه؟ مد كريم يده إليها ، وابتسم بعبث ظهر جليًا على قسمات وجهه ، ليغمغم : تاخدي تجربي بوق من الكاس دا دب الرعب جدران روحها بمجرد سماعها لكلامه ، فقررت تنفيذ خطة مجنونة قد تؤدي بها إلى التهلكة أو تجعلها تهرب من يديه إذا حالفها الحظ ، ثم ردت بتهور دون تفكير : ماشي بس يلا اوام نهض كريم من الأرض ببطء ، وهو يغمز لها ، على فمه ابتسامة ملتوية ، قائلاً بمكر ، مملوء بالرضا : شكلنا هنتبسط و نتفاهم مع بعض .. يلا يا حلوة قرب الكأس من فمها ، فأشاحت برأسها بعيدًا بتعبيرات وجه مشمئز ، وازدردت لعابها بصعوبة ، في حين تشكلت ابتسامة أنثوية على شفتيها ، ورفرفت رموشها في غمغمة مراوغة : هشرب ازاي وانا متكتفة كدا فكني الاول هز رأسه في تفاهم بابتسامة جانبية ، ووضع الكأس جانبًا وانحنى لفك الحبال التي قيدها بها ، وبعد دقيقتين مد الكأس إليها مرة أخرى وهو يميل إليها بجزعه العلوي ، فأمسكته بيدها المرتجفة. تفاجأ كريم بأنها ألقت محتوى الكأس في وجهه على الفور ، دون أن تمنحه فرصة لأي رد فعل ، كونها باغتته بركلة قوية بين ساقيه ، ليتراجع للخلف وهو يطلق صرخة مدوية بألم. سقط كريم على الأرض وبدأ يتلوى بعنف ، وهو ينعتها بأفظع الشتائم. هرعت حياة بعد أن قفزت من الأريكة إلى باب المنزل محاولة فتحه ، لكنه كان مقفلاً كما توقعت. لم تفكر كثيرًا ، بل ركضت إلى الممر الجانبي لتجد المطبخ أمامها ، دخلت بسرعة وتهللت اساريرها حالما وجدت بابًا خلفيًا به انطلقت إليه لفتحه ، لكنها شعرت بالإحباط يسيطر عليها كليًا عندما اكتشفت أنه مغلق أيضًا. ارتجفت أطرافها ، واتسعت مقل عينيها ، عندما سمعت صوت هذا البغيض من عتبة المطبخ : ماكنتش ناوي اذيكي .. بس انتي جبتي اخرك معايا بعملتك دي أطبقت شفتيها خوفًا من نبرة صوته الواضحة فيها الغضب النارى ، وبدت نظراته مثل سهام سامة تخترق جسدها ، شعرت بالقليل من الثبات عندما وجدته يترنح من الإفراط في الشرب. أسرعت حياة دون تردد ، وألقت عليه كل الأشياء التي تضع عينيها عليها من حولها ، لعرقلة محاولاته للإمساك بها. ظل يتفادي الضربات بصعوبة مع بعض الألم ، لكنه أصر على التقدم منها وعيناه تحترقان بنار الكراهية. لم يعطها فرصة لفعل أي شيء آخر ، كونه أمسك بشعرها بعنف لدرجة أنه كاد أن ينزعه من الجذور ليسحبها نحو الباب ، بينما بدأت تضرب قبضته ، محاولة التراجع بضراوة للخلف ، وهى تصارع لفك حصار يده القاسية على خصلات شعرها وتصرخ من الألم : سيبني يا حيوان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

الفصل التاسع والعشرون شبح حياتي يبدو بأنني لن أتجاوز معك لهفة البدايات ، يبدو أنني سأحبك بهذا الاندفاع إلى الأبد. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أطبقت شفتيها خوفا من نبرة صوته الواضحة فيها الغضب النارى ، وبدت نظراته مثل سهام سامة تخترق جسدها ، شعرت بالقليل من الثبات عندما وجدته يترنح من الإفراط في الشرب. أسرعت حياة دون تردد ، وألقت عليه كل الأشياء التي تضع عينيها عليها من حولها ، لعرقلة محاولاته للإمساك بها. ظل كريم يتفادي الضربات بصعوبة مع بعض الألم ، لكنه أصر على التقدم منها وعيناه تحترقان بنار الكراهية. لم يعطها فرصة لفعل أي شيء آخر ، كونه أمسك بشعرها بعنف لدرجة أنه كاد أن ينزعه من الجذور ليسحبها نحو الباب ، بينما بدأت تضرب قبضته ، محاولة التراجع بضراوة للخلف ، وهى تصارع لفك حصار يده القاسية على خصلات شعرها وتصرخ من الألم : سيبني يا حيوان زمجر كريم فيها بحنق ، وهو يشعر بالسأم من تمردها ، ليدفعها بعنف على الطاولة الرخامية ، محاولًا صفع رأسها فيها لمنع حركتها الهوجاء. لمحت حياة شيئًا ساطعًا ومدت ذراعها نحوه ، تسعى الوصول إليه بصعوبة ، بينما لوى كريم ذراعها الأخر خلف ظهرها ، لتنجح في إمساك السكين من صندوق السكاكين ، وطعنته بقوة دون ذرة تردد ، لتصيب كتفه بعد أن التفت إليه. أطلق كريم صرخة قوية من الألم الحاد الشديد ، وتركها قسرا لتهرب من يده على الفور ، بينما وضع يده على كتفه محاولًا إيقاف النزيف. هرولت حياة بذعر تجاه الردهة مرة أخرى ، بينما الدموع تنهمر من عينيها بلا توقف ، وتعثرت قدمها فى إحدى الطاولات ، مما تسبب في سقوط الشموع من فوقها واشتعال السجادة على الفور. جحظت عيناها من الفزع عندما سمعت خطى قدميه قادمة من بداية الردهة ، لتنهض بسرعة وركضت حتى تصعد الدرج ، وجدت نفسها أمام رواق يحتوي على عدة أبواب لتدخل الغرفة الأولى وأغلقت الباب جيدًا بالمفتاح ، ووضعت يدها على فمها لكتم تنهداتها الممزوجة بالبكاء. دارت بحدقتي عينيها في الغرفة بحثًا عن مخرج من مأزقها ، فلم تجد شيئًا سوى نافذة متوسطة الحجم بجانب الفراش ، تحركت إليها لفتحها ، أخرجت رأسها لتلقى نظرة للأسفل ، فشهقت من الخوف والإحباط عندما وجدت المسافة بعيدة. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• فى سيارة بدر أتاه اتصال ليضغط على الزر المثبت في السيارة ، و رد على الفور : ايه يا جاسر .. حصل جديد!! دوى صوت جاسر المتذمر : لا ماشيين وراك اهو بس بقولك ايه .. لو سمحت هدي السرعة شوية ولا عايز تعمل حادثة تاني؟ شعر بدر بجمرة حارقة في عينيه ، وهو يفكر في مواقفهم الجميلة والصعبة خلال الأشهر القليلة الماضية. كيف جعلت أيامه سهلة عليه ، بقلبها الحنون وروحها الملائكية المبهجة ، تصاعد الدم بعنف في عروقه ، وفكرة أن هذا اللقيط ألحق بها الأذى سيطرت عليه ممَ جعل قلبه يغلي مثل الموقد ، ليهدر بصوت مرتفع حاد : مايهمنيش .. حياة معاه يوم بليلة يا جاسر الله اعلم يكون عمل فيها ايه!! ابتلع جاسر الغصة العالقة في حلقه بصعوبة ، ليزيد إحساسه بالضيق والحزن ، ملتمسًا لأخيه كل الأعذار ، فأجابه بإلحاح ، داعيا الله أن ينقذهم : هنحلقها ان شاء الله بس بلاش تتهور انت أطلق زفيرًا مثقل بالهموم وهو يرد بسرعة : طيب طيب اقفل دلوقت في رقم غريب معايا علي الانتظار ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• قبل ذلك بدقائق قليلة خرج كريم من المطبخ مترنحًا في مشيته ، وبصره مشوش بسبب الدم الذي فقده وثمة ألم حاد في أعلى كتفه ، كما قام بربط قطعة قماش عليه لوقف النزيف. أصيب كريم بصدمة وجحظت عيناه هلعًا من النيران المشتعلة في معظم أنحاء المنزل ، ولم يكن هناك أي أثر لحياة ، حتى وصل إليه صوت ضجيج قادم من الأعلى ليصعد الدرج فورًا. شهقت حياة لالتقاط أنفاسها من دخان الحريق المتسرب من فتحة الباب السفلي ، بينما كانت تجاهد من أجل أن تسحب طاولة متوسطة الحجم لوضعها خلف الباب كحاجز مؤقت. نهج صدرها علوًا وهبوطًا بتعب ، والعرق يتصبب من جانبي وجهها ، لترفع راحة يدها ، تمسحه بشكل عشوائي ، ثم ادارت حول نفسها في أرجاء الغرفة بتشتت. تبحث بلا هدف في الخزانة ، وأدراج الطاولة حتى صادفت ما جعل الابتسامة تشق طريقها إلى فمها. تفقدت هذا الهاتف بعد تشغيله لتتسع عينيها ، وهي تستمع إلى بعض التسجيلات الصوتية لكريم وأميرة ، لتبدأ في الضغط على الأرقام التي حفظتها جيدًا ، حينما لاحظت أن البطارية على وشك نفاذ الطاقة منها ، ورفعته باتجاه أذنها في انتظار الرد. بمجرد أن وصل صوته إليها ، رغماً عنها ، لم تستطع السيطرة على دموعها ، التي انهمرت بغزارة ، ثم اجهشت بالبكاء وهي ترد : بدر .. بدر الحقني اخترق الرعب جدران قلبه بمجرد أن سمع صوتها الباكى ، ليسألها بلهفة : حياة !! انتي كويسة ؟ أخذت حياة نفسًا عميقًا للسيطرة على نوبة بكائها ، ثم أجابت عليه بصوتها المنتحب : لحد دلوقتي اها .. بس النار ماسكة في كل حتة يا بدر .. انا خايفة اوي ضيق عينيه بعدم استيعاب كامل ما سمعه منها للتو ، ليكرر بنفس النبرة : اهدي حبيبتي .. وخدي نفسك .. نار ايه دي! دُمعت عيناها أكثر ، وصاحت بنبرة مرتجفة : حريقة ولعت في البيت اللي جابني فيه كريم .. انا طلعت اوضة فوق وقفلت عليا بس هو مش هيسيبني انقطع صوته وحبس أنفاسه لبضع ثوان بسبب تأثير كلماتها على روحه ، قبل أن يكمل حديثه بصعوبة مليئة بالعذاب والغضب من إحساسه بالعجز عن مساعدتها : حياة .. حياة خلي في ايدك حاجة حادة تضربيه بيها وانا في الطريق ماتخافيش .. انا عارف هو خدك علي فين... سكت بدر عندما سمع طرقًا عنيفًا على الباب وصراخ كريم صاخبًا قادمًا من الخارج ، ثم انقطعت المكالمة بعد قطع شحن الهاتف الذى تتحدث منه حياة. اتسعت عيناه بجنون ، ثم أزمجر وهو يقود أسرع ، حيث كان على وشك الوصول. شهقت حياة بفزع وهربت الدماء من وجهها ، حينما تمكن كريم من كسر الباب بعد عدة محاولات فاشلة ، بسبب صعوبة حالته في حالة سكر شديدة وإصابة كتفه. دخل كريم بأنفاس حارة من شدة غضبه ، بينما نظراته تنذر بكل شر وهو يشتمها بكلمات قاسية ، تزامنًا مع ملأ الدخان الكثيف الغرفة كلها ، لتغطى أنفها وفمها براحة يدها ، وهى تسعل بإختناق بينما كريم لم يظهر عليه الإهتمام حيال هذا الأمر ، هادرًا بسخط : عجلتي بموتك تصلب جسدها وخفق قلبها رعبًا ، وهي تتبع ببصرها خطواته المترنحة نحوها ، بينما عيناه امتلأت بالشر والحقد. استدارت حياة يمينًا ويسارًا بحثًا عن أداة حادة ، حتى سقطت عيناها على منفضة السجائر التي كانت موضوعة على المنضدة بجانب السرير ، بينما شعرها يتطاير بعشوائية بسبب النافذة المفتوحة خلفها. تسللت يداها لتلتقطها خلسة ، وقلبها ينبض بقوة من شدة الخوف وهي تحدق به عن كثب ، وهو يقترب منها و يسعل بعنف. حاولت التراجع سريعًا للخلف بهلع ، لكنه أمسك برسغها وشد أصابعه حوله ، مما منعها من الهروب ، لتنتهز حالة السكر الذي كان يغرق فيه ، وبكامل طاقتها ، باغتته فجأة بضربة على رأسه بمنفضة سجائر ، تزامنت مع تنحيها جانباً ، فاندفع بجسده أمام النافذة المفتوحة ، ليسقط منها بعد أن فقد توازنه. أطلقت حياة شهقة مذعورة ، ووضعت كلتا يديها على فمها ، قبل أن تتحرك بسرعة إلى النافذة وتطرق رأسها للأسفل ، لتتسع مقل عينيها في رعب ، حالما رأت جسده ملقى باعوجاج ، وساكنًا بدون أدنى حركة. لم يعد بإمكان قدميها حملها أكثر من ذلك ، خاصةً مع نقص الأكسجين حولها ، لذا استلقت على الأرض وفمها مفتوح ، تحاول التقاط أنفاسها بعجز ، وجبينها يتصبب عرقاً بغزارة ووجهها يزداد شحوبًا ، فأغمضت عينيها مستسلمة للموت المحتم. ★★★ في ذات الوقت توقفت سيارة بدر التي ترجل منها بأقصى سرعة ، ونظراته مصوبة نحو المنزل ، لتعكس لهيب النار في عينيه الجاحظتين بصدمة ورعب. ركض إلى باب المنزل ليجد أنه مشتعل ، ومن الصعب الدخول منه ، فانتقل إلى الجانب الآخر وحرك عينيه في اتجاهات مختلفة ، فربما يجد مدخلاً آخر يمكنه الولوج من خلاله. لفت انتباهه جسد ملقى بسكون مثل جثة هامدة على مسافة بعيدة منه ، ولم تتضح ملامحه له لأنه كان مستلقيًا على بطنه. شحب وجه بدر ، و دب في قلبه الرّعب ، وطار عقله مقشعرًا جلده ، وهو يقفز في مخيلته انها أصابها مكروهً ، ليندفع مثل المجنون حيث يرقد هذا الجسد. فغر بدر فمه بإنشداه حالما وقف أمامه ، ثم انحنى على ركبتيه ، محدقًا في كريم بشكل مبهم الغارق في دمه. رفع رأسه تلقائيًا ، لتتسع مقل عينيه في رعب عندما رأى نافذة مفتوحة ، لينادي باسمها عدة مرات متتالية بأعلى صوته : حياة .. يا حياة .. حياة!! كانت حياة لا تزال في وضعها المأساوي ، لكن فجأة اتسعت عيناها بدهشة عندما سمعت صوت صراخ باسمها ، لتنهض بجسدها المرتجف من الألم بسبب الكدمات الكثيرة التى تعرضت لها ، حاولت تحديد مكان الصوت ، لتسير بترنح حتى وقفت أمام النافذة بقدمين من الهلام. رأته واقفا ، ينظر إلى اليسار واليمين بضياع ، ظلت تنظر إليه لبضع لحظات بعيون واسعة جامدة كما لو كانت داخل حلم. حركت شفتيها بجهد لإخراج صوتها المختنق المليء بالألم باسمه ، والدموع تنهمر في عينيها : بد...ر جذب انتباهه طنين خافت ، سرعان ما رفع رأسه حالما سمع صوتها يناديه مرة أخرى ، ليصيح بلهفة بمجرد أن لاحظ شحوب وجهها كالموتى : حياة .. انا هلاقي طريقة ادخل بيها ماتتحركيش من مكانك تسلل في داخلها شعور غريب بالأمان والطمأنينة ، لتبتسم له بوهن ، وبدأت الأرض تميد تحت قدميها ، كونها لم تأكل منذ الليلة الماضية ، ناهيك عن المجهود الشاق الذي بذلته مع كثافة الدخان التى استنشقته. فقدت الوعي ببطء ، بلا حول ولا قوة ، وهي تسمع صراخه ونداءاته لها بيأس ، لكنها لم تستطع الرد عليه لأول مرة. كاد بدر أن يفقد عقله في تلك اللحظة ، لكن حدسه أضاء بشيئًا ، ليتجه مباشرة إلى الجزء الخلفي من المنزل ، تزامنًا مع وصول الشرطة وسيارات الإسعاف والإطفاء. وصل صوت أبواقهم بصوت عالٍ إلى سمعه بوضوح شديد ، لدرجة أنه كان على وشك الالتفاف ليذهب إليهم ، لكنه غير رأيه حالما رأى الباب الخلفي للمطبخ أمامه ليتخذ قراره بالدخول بتهور ، إذ كل لحظة تمر تضع حياة فى عداد الأموات. حاول بدر فتح الباب بدفعه بكتفه ، لكنه لم يفتح ، فتراجع خطوة إلى الوراء وركله بقدمه بقوة لينجح في فتحه ، متزامنًا مع دخان كثيف خرج مباشرة في وجهه. استدار لتجنبه بينما يسعل بشدة. ولج إلى الداخل بحذر ، و الرؤية شبه معدومة أمامه ، وبالكاد استطاع أن يلمح طفاية حريق معلقة على الحائط. ركض في الرواق إلى الردهة ، المليء بالأثاث المحترق ، ليستخدم المطفأة لإخماد النيران التي تعيقه عن التقدم ، بينما يكتم فمه بذراعه ، وهو ينظر إلى أسفل بعفوية ، ليرمش في تعجب من الشيء البراق أمامه على الأرض. أخرج الهاتف بسرعة وأضاء شاشته بالتزامن مع اقترابه و الركوع على ركبة واحدة ، اظلمت عيناه من الغضب وهو يلتقط خاتم حياة ويقبض عليه بقوة داخل راحة يده بعد أن فهم ما فعله هذا اللعين ، لتزيد نار الكراهية تجاهه سعيرًا في خلجان صدره وتنساب على جدران قلبه ، فتشتعل بلهيب أقوى مما التى هو وسطها الآن. وقف على قدميه ونظر يمينًا ويسارًا حتى سقطت عيناه على الدرج ، وقفز نحوه وصعد سريعًا إلى الطابق العلوي. تمكن رجال الإطفاء من الدخول عبر الباب الرئيسي بعد لحظات قليلة ، وانتقلوا في كل مكان ومعهم المعدات اللازمة التي تمكنهم من إطفاء الحريق. وصل بدر إلى الأعلى ليقف في بداية الرواق ، محاولًا أن يرى من خلال الضباب الكثيف ، مشى بخطوات حذرة وهو يحرك عينيه عبر الأبواب ليرى باب مفتوحًا على مصراعيه ، بينما كان هناك جسد ضئيل يرقد فى سكون على الأرض. اتسعت عيناه بذهول ، وتيبست قدميه غير قادر على تحريكها للحظة قبل أن يندفع إليها مسرعا ، راكعا بجانبها ، ممسكًا بها بيديه في رعب بالغ ، ووضع رأسها على قدميه ، محاولًا إيقاظها. : حياة .. خليكي معايا افتحي عينيكي .. حياة نادى عليها بصوت مرتعش وعينيه تلتمع بالدموع ، حيث الذعر والخوف من فقدانها يلتهمان روحه ، ولم يمر دقيقة حتى وجد رجالًا يرتدون ملابس الإطفاء يندفعون إليهم وخلفهم فريق الإسعاف. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد مرور فترة زمنية يجوب أرضية الرواق بنفاذ الصبر ذهابًا وإيابًا أمام الغرفة التي يتم فيها فحص حياة ، ومن لحظة إلى أخرى ينظر إلى ساعة يده ، ليتوقف فجأة حالما سمع صوت أخيه خلفه : ما تقعد يا بدر بقي الله يرضي عليك كفاية جو التوتر دا : فين حياة يا بدر؟ استدار كلاهما إلى مصدر الصوت الأنثوي ، حيث سارعت ميساء نحوهما ، وتحدث جاسر بهدوء بينما وقف بدر ، وهو يزفر في قلق : اطمني يا مدام ميساء هي بخير .. دلوقتي هيخرج الدكتور ويطمنا نظر بدر نحو الطبيب الذي خرج لتوه من الغرفة ، وعيناه مليئة بالخوف والقلق لينطلق إليه ، ويسأل بصوت يلهث : عاملة ايه حياة يا دكتور؟ زفر الطبيب بنوع من التعب قائلا بنبرة عملية : ماتقلقوش الانسة حياة بخير لحقتوها في الوقت المناسب و الا دخان الحريق كان هيقضي علي حياتها .. دلوقتي هي كويسة بس نايمة و مافهاش غير كدمات بسيطة هتزول بعد فترة بالكريمات و الادوية تنفس الجميع الصعداء ، ليطلب منه بدر بتلهف واضح : شكرا يا دكتور .. اقدر اشوفها أجابه الطبيب وهو يهز كتفيه قائلاً بهدوء : اكيد هي شوية وتفوق الأحسن تفضل مستريحة عشان احساسها بوجع الكدمات يكون اقل .. وحمدلله علي سلامتها ابتسمت ميساء لبدر ، مشيرةً إليه ليدخل لها أولًا ، ثم استدارت وسارت بخطوات سريعة خلف الطبيب قائلة بقلب يرتجف : دكتور لو سمحت اختي فيها حاجة انت مخبيها علينا. . قطعها الطبيب على الفور بابتسامة ، وأجاب بنبرة مطمئنة : طبعا لا يا مدام كل الحكاية خدوش وكدمات وبس .. اطمني هي بخير الله حفظها ليكم ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد مرور ساعة ظل بدر جالسًا أمامها ، ممسكًا بيدها في يده ، إذ لم تسترد وعيها بعد ، و عينيه مصوبة نحوها بجمود ، بينما لم يفيق بعد من صدمته ، ويشعر بالضياع والعجز. يعيد له عقله مرارًا وتكرارًا أنها كانت على وشك أن تزهق روحها ويفقدها إلى الأبد ، كل ذلك بسببه ، ولكن إذا التزم الصمت بشأن الإساءة إليه بأي شكل من الأشكال ، فلن يقبل أبدًا أن يمسها سوء ، لن يتحمل رؤيتها تعانى أو تتألم ، حتى لو كان مجرد ألم بسيط. زفر بدر بإرهاق ، مستغفرا الله في سره ، ثم تكلم بصوت خافت يحثها على الاستيقاظ بشوق : يلا يا حياة .. فتحي عينيكي .. انتي ليه بتحبي تعذبيني كدا.. لم يتلقى أي رد منها ، فقام من مكانه ، وربت برفق على راحة يدها الناعمة ، ثم ذهب إلى النافذة ، واستنشق بعض الهواء النقي لتصفية ذهنه وإبعاده عن الأفكار المظلمة. : بدر استدار نحو السرير عندما وصل إليه صوتها الهامس شبه المسموع ، واندفع نحوها قائلاً بترقب ونظرات قلقة عند رؤية شحوب وجهها : حبيبتي ماتكلميش لو حاسة انك تعبانة؟ نهضت حياة من السرير وجلست مذعورة ، حيث كانت الرؤية أمامها غير واضحة ، وشعرت بالدوار فجأة ، وتلفظت ببعض الكلمات المتحشرجة : كان هيموتني يا بدر أمسك بدر بذراعيها ، وساندها بخوف جليًا على ملامحه ، وجذبها بين ذراعيه ، فبكت على كتفه ، وهى ترتجف بعنف. شعرت حياة أن ذراعيه يطوقان ظهرها وتضغطان على جسدها لاحتوائها أكثر على صدره ، وهي تبكي بصوت مكتوم ، وتسمع خفقات قلبه الثائرة من أجلها ، ثم همس بدفء : اهدي انا جنبك .. ماتخافيش .. خلاص انتي معايا احتضنها بدر لتشعر بالأمان والطمأنينة ، وتركها تفرغ كل ما يثقل صدرها حتى تتمكن من إراحة أعصابها المنهارة داخل أحضانه ، ليسمع تأوهها بألم ، على الفور أبعد رأسه قليلاً ونظر إليها بقلق : اسف .. وجعتك .. حاسة بإيه؟ ردت حياة بنبرة باكية : يعني .. شوية وجع بسيط في جسمي .. بس قادرة استحملو أعطاها بدر كوبًا من الماء ، مبتسمًا لها بلطف ، وشربته ببطء وهي تبلل شفتيها الجافتين. سحبها إلى صدره مجددًا وطوق جسدها بحنان ، مما جعلها تشعر بمزيد من الاحتواء والدفء. سألت حياة بصوت منخفض ، وهى تتكئ برأسها على صدره : هو ايه اللي حصل؟ انا اخر حاجة فاكرها اني شوفتك من الشباك .. ولا كنت بهلوس .. مش عارفة !! مسح بدر على ظهرها ببطء ، وهو يذكرها بلهجة حانية : لا كنت فعلا واقف جنب كريم قدام البيت بدور علي طريقة ادخلك بيها خرجت حياة في ذعر من ذراعيه ، حينما تذكرت ما حدث ، لتنظر إليه قائلة بتلعثم : الحريقة .. انا خبطت في الشم... رمشت بأهدابها ، مدركة كلامه ، فقالت بسؤال : تدخلي بيها ازاي؟ تردد بدر قليلا ثم بدأ في سرد ​​كل ما حدث بالتفاصيل ، بينما كانت حياة تستمع إلى حديثه بحاجبين معقودين في حالة من عدم الرضا ، وشعرت بثقل رهيب في قلبها الخائف ، لتقول بتوبيخ : كان ممكن يحصلك حاجة يا بدر ليه تعمل كدا؟ أنهت حياة حديثها ، وقبضت يديها على قميصه لتتسع مقل عينيها ، بمجرد أن وقع نظرها على إصبعها الفارغ ، لتتنفس بسرعة في حزن. نظرت إلى ملابسه ، فهي نفس الملابس التي كان يرتديها في زفاف أخيه ، باستثناء السترة وقميصه الأبيض ملطخ بالأسود ، وبدت ملامح وجهه متعبة بلا نوم وحالته يرثي لها وفوضوية ، بينما كانت ترتدي ثوب المستشفى الأبيض مع محلول معلق في يدها. أما بدر ، ينظر إليها بألم في قلبه من الدموع التي غمرت خديها ، مما جعله يغمس وجهه في رقبتها ويتنفس رائحتها التي إشتاقها كثيرًا. بدونها ، كان مثل الطفل الذي فقد والدته ، ليهمس بنبرة أجش : ماقدرتش اصبر يا حياة لما وصلتلك كنتي بتتنفسي بالعافية واغمي عليكي .. الحمدلله المطافئ وصلو بسرعة .. بعد ما الخط اتقطع وانتي بتكلميني اتصلت علي طول بجاسر و بلغتو يتصرف ارتجف جسدها بخدر فور أن أحست أنفاسه الدافئة تلامس جانب رقبتها ، لكنها استيقظت من غيمة مشاعرها ، مدركة ما يؤول إليه قربهما ، فتراجعت قليلاً ، ودفعته من صدره بخفة. ابتعد بدر عنها ، حينما رأى وجهها محتقن من شدة الاحراج. تنهد بعمق ، محاولًا التحكم في دقات قلبه المجنون بحبها ، الذي يحثه على غمرها مجددًا ، ثم غمز لها وقال بابتسامة مشاكسة : بس انا ماكنتش عارف اني بحب عبدو موته .. تعرفي ان عنده كسر في ضلعين و في ايده و رجلو ابتلعت حياة لعابها في رعب ، وهي تهمس دون وعي بصوت خفيض في بلاهة : انا ماكنش قصدي اوقعه خالص .. هو كدا ممكن يحبسوني عشان وقعته انفجر بدر رغماً عنه ضاحكاً بقوة لدرجة أن عينيه ذرفت الدموع أمام نظراتها مندهشة منه ، ليقول بنبرة طريفة بين ضحكته ، لترفع حياة يدها ، ولكمته على كتفه في غيظ : انتي محتاجة اديكي درس مكثف في القانون يا عبيطة هو اللي خطفك دي تهمة جديدة انضافت للقايمة بتاعته و المرة دي مش هرتاح الا لما ينفذو حكم الاعدام فيه قال جملته الأخيرة بصوت خالي من الضحك ومليء بالجدية ، وهو يمرر أصابعه برقة بالغة ، ويمسح قطرات اللؤلؤ اللامعة بين ثنايا رموشها ، ثم أضاف ، دون انتظار ردها على ما قاله : سامحيني يا حياة اني عرضتك لكل دا.. أخذت حياة نفسًا عميقًا ، تسعى ان تجعل نبرة صوتها هادئة ، بينما رفعت اناملها برقة لتلمس خده الشائك ، وهى تغمغم بحنان لإبعاد شعوره بالذنب تجاهها : دا قدر اتكتب مهما عملنا ماكناش هنقدر نتفاده يا بدر .. الحمدلله انها جت علي قد كدا و اننا بخير.. تدحرجت عينيها بخجل طفيفاً ، ثم ما لبث أن اتسعت في حالة صدمة عندما لاحظت يده ، ورفعت بصرها إليه ، بعد أن مررت أصابعها بحذر عليها ، قائلة بصوت هامس يشوبه القلق : ايه الجرح دا يا بدر؟ تذكر ذلك الجرح السطحي في أعلى معصمه الذي حدث عندما كان يحاول كسر الباب الخلفي للمطبخ ، ليبتسم ويقول على الفور : ماتخافيش يا قلبي دا خدش بسيط الدكتور شافه وماعلقش عليه شعرت حياة بالغضب من إهماله ، لذلك صاحت بحدة ، متناسية أنها كانت تبكي على كتفه بضعف منذ دقائق قليلة : انت ايه البساطة للي بتكلم بيها دي ولا بقيت متعود؟ حدق بدر بها بصمت لبضع لحظات ، فأردفت بحزن : كل دا بسببي قبل بدر جبهتها بحب ، وهمس بحرارة : انا كنت مستعد اعمل اي حاجة انقذك بيها حتي لو كنت هموت رمقته حياة بنصف عين ، وأجبته بإستياء ممزوج بالحب : ما بلاش كلام دبش .. الف بعد الشر عليك يا حبيبي .. انا ماصدقت الحمدلله انك بقيت كويس ابتسامة عريضة ارتسمت على شفتيه ، وجبهته ترتكز على جبهتها ، وهو يهمس بصوت عميق مليء بالعشق الخالص : انتي موتيني في حبك و رجعتيني للحياة بوجودك يا مانجتي تعمقت في عينيه التى ينبعث منها الأمان ، مما جعلها تشعر بالراحة والسعادة يغمران قلبها ، لتهمس له بابتسامة حلوة : انت قلب المانجة و روحها و حياتها أشرقت عيناه ، والابتسامة لا تزال تزين وجهه ، غير قادر على التحكم فيها ، ثم قال بمداعبة وهو يقرص أنفها الأحمر : مش ملاحظة انك مابتعرفش تقولي كلام حلو غير في المستشفيات قامت حياة بطي ذراعيها في ضيق طفولي دون أن تجيب ، ليغمغم بهدوء : غمضي عينيك ابتلعت ريقها في ارتباك ، لكنها أذعنت لطلبه ، غير قادرة على المجادلة ، لتشعر به يرفع راحة يدها بين يديه ، و يدخل فى إصبعها شيئًا بارد الملمس ، ثم طبع قبلة على كفها بعمق ، لتفتح عينيها آليًا ، فتتسعان بإنشداه ، وهى تحدق به قائلة في عدم تصديق : دبلتي!! قال بدر بصوته الدافئ ونظرته الحنونة ، وهو يشعر بسكين حاد يخترق قلبه ، ممزقًا إياه من ردة فعلها : ليه العياط يا قلبي؟ همست حياة بصوتها الباكي ، وهي تلعب بالخاتم فى إصبعها : خلعها من ايدي بالعافية و رماها.. همس بدر بعشق ممزوجًا بالجدية بجوار أذنها بعد تقبيل رأسها : وخلاص لاقيته و رجع لمكانه من تاني .. اهدي بقي وخلينا نتجوز يا حياة كفاية تفضلي بعيد عني استرخت ملامحها على الفور ، وتحول عبوس جبينها إلى ابتسامة خجولة على خديها ، بينما أومأت بصمت بالموافقة. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد مرور شهرين ذهب بدر في زيارة لكريم في السجن قبل تنفيذ الحكم بعدة أيام قليلة ، واقفًا خلف باب الزنزانة وينظر إلى الآخر ببدلة الإعدام الحمراء عبر النافذة المربعة أعلى الباب الحديدي. صمت بدر للحظة ووضع يديه في جيوبه ، ثم تحدث بهدوء مدروس : مش محتاج اسألك عن اخبارك واضح انك متكيف مع وضعك زم كريم شفتيه سخطًا عليه ، ليقف ويتقدم نحو الباب من الداخل بخطوات ثقيلة ، قائلاً بصوت يشع بالكراهية : ولا انا محتاج اخمن سبب الزيارة .. جاي تشوفني مذلول وتشمت فيا أجاب بدر وعيناه متصلبتان عليه بجمود : ابدا مش شماتة بس دا العدل اللي امثالك مايعرفوش حاجة عنه بالخصوص انت انفرج فمه بابتسامة لا صلة لها بالمرح ، وتابع حديثه بقسوة : وجاي اسمعك يا اللي كنت صاحب عمري .. يمكن لسه عندك كلام اخير عايز تقولو قبل ما يعدموك.. اكفهر وجهه بشدة ، وحدجه بحدة ، بينما يصرخ بمقت بالغ وهو يضغط على أسنانه بحقد : عمري ماحبيتك يا بدر و ندمان علي فشلي اني ماقدرتش اخلص منك بدري عن كدا هز بدر كتفيه بلا إكتراث ، ليقول بابتسامة جانبية مليئة بالسخرية : مش متفاجئ بعد كل اللي جرالي علي ايدك .. بس للاسف اللي قدامك رجل قانون مالوش في الانتقام و الحقد اللي مسود قلبك و عاميك لحد ما ضيعت عمرك بغباء كان على وشك التحرك ، لكنه أدار رأسه تجاهه ليضيف ببرود : بالسلامة علي جهنم اللي هتتحرق انت وشياطين الارض امثالك فيها ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


الفصل الثلاثون شبح حياتي يحتاجُ الإنسانُ إلى وطنٍ في هيئة إنسان، وبلدٍ في صيغة ضلوع، وحياةٍ ملخصة في حيّ، وجنةٍ حدودها ذراعان." ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ في فندق يطل على شاطئ البحر الأحمر : انبسطتي انهاردة!! التفتت إليه حياة على شفتيها ابتسامة واسعة ، لتجيب على سؤاله بحماس : طبعا المكان تحفة و يجنن .. بجد كان يوم جميل اوي سكت بدر للحظة وهو يراقب رد فعلها ، وعيناها تتألق بالبهجة ، ليقول بنبرة هادئة : انتي اللي تجنني و زي القمر .. واحلي من القمر كمان تمتمت حياة بتنهيدة حالمة هربت من شفتيها الوردية ، وعيناها تتأمل ملامحه القريبة منها بحب : انت اللي القمر جنبك لمبة سهاري حيرة مشوبة بالقلق ، ومضت في عينيه ، رافعًا حاجبيه بدهشة ، وصاح مستفسرًا بشك : انا شاكك ان العصير اللي شربتيه دا مخلوط بكحول؟ أجابت حياة بتبرير فى نعومة ، بعد أن دحرجت عينيها بتذمر : ماتقلقش حبيبي انا زي الفل اهو قدامك قطب بدر حاجبيه بعدم الارتياح ، حينما أشارت إليه بيدها ، وأردفت بابتسامة بلهاء : يلا اتفضل روح اوضتك وانا هقف هنا استناك لما تدخل واعملك بإيدي باي لوحت حياة له في نهاية جملتها ، ليدمدم بحدة ، رغم أن صوته منخفضًا ، حتى لا يزعج النزلاء في الغرف المجاورة : حياة .. بلاش هبل انتي ادخلي .. مش هتحرك الا لما تدخلي ..وخدي شنطتك دي أنهى بدر كلماته ، وهو يعلق حقيبة يدها على معصمها ، لترفع يدها الأخرى لدعمها حتى لا تنزلق على الأرض ، وهي تراقب تجعد ملامحه ، ثم تمتمت بعبوس : حاضر اوامرك يا حضرت المحامي المبجل أستدارت حياة مولية ظهرها إليه ، وهي تنوي الدخول إلى الغرفة ، لكنها سارعت في تغيير قرارها ، والتفتت إليه مرة أخرى قائلة على الفور : افتكرت كنت عايزة اقولك حاجة.. تلاشى صوتها وهي ترفع رأسها ، لتنظر إلى وجهه ، فإلتحمت عيناها العسليتان في حدقتيه البنيتين ، مدركة أنها قريبة جدًا منه. تسارعت خفقات قلبها المجنون بعشقه في صدرها ، ثم استأنفت كلامها بتلعثم ، متناسية للحظة ما أرادت قوله : حاجة .. مهمة.. حرك بدر رأسه في إيماءة يحثها على الكلام ، وانبسطت أساريرُ وجهه المتجهمة على الفور ، فابتسمت ابتسامة رائعة وأمالت رأسها جانباً ، مستفسرةً بنبرة عاشقة : احنا قد ايه حلوين مع بعض بذمتك؟! ابتسم بدر لها ، وهو يتأمل بمحبة في ملامحها الملائكية ، فأن لحظات قليلة من الجنون بالقرب منها توازي حياته السابقة كلها ، ليقول بنبرة عميقة وخافتة : احنا مافيش احلي مننا مع بعض .. احنا نجنن مش بس حلوين عضت حياة شفتها السفلى بخجل ، وأسبلت جفنيها ، وقد أحببت ما قاله كثيرًا ، ثم مدت يدها لتصافحه ، وهمست بنبرة مبحوحة : ما تيجي نتعرف علي بعض من تاني .. يلا هات ايدك لتكمل سريعًا بحماسة : انا حياة .. هكون حرم الاستاذ بدر بكرا .. وانت؟ حدق بدر فيها بدهشة ، ورفع حاجبيه ، لكنه فضل مجاراتها بما تقوله ، واثقًا من أن عقلها لا يعمل بشكل صحيح ، أو بالأحرى ، فقدت السيطرة على تفكيرها العقلاني ، ليقوم بمصافحتها ، وهو يلمس راحة يدها الناعمة ، قال بنبرة رصينة تليق به : تشرفنا يا حياة وانا بدر عريسك أمسك يدها بين راحتيه الدافئتين ، وقبلها بحرارة مليئة بالحب ، ممً جعل جسدها يرتجف ، لتقول بنبرة صادقة ممزوجة بالعشق : محدش في الدنيا دي كلها زيك يا بدر .. لطيف وقلبك حنين و رقيق .. مش عارفة اعمل فيك ايه؟ نظر بدر إليها بتمعن ، ثم ابتسم بمكر ، وهو يقطع المسافة بينهما حتى لم يعد يفصله عنها إلا انشا واحدا ، ثم تابع حديثه بنبرة عابثة : ولا انا عارف .. بس قوليلي ايه اللي جه علي بالك مثلا؟ تأرجح بصرها التائه بين شفتيه المبتسمتين ، وعينيه الداكنتين اللامعتين ، لتصدر صوتًا بلسانها وعلى شفتيها ابتسامة عريضة ، وترفع سبابتها على وجهه بتحذير متحدثة بشقاوة : عارف يا بدر انت فظيع وسهن اوي اقترب بدر منها كثيرًا ، هامسًا بصوت أجش مليء بمشاعره المتأججة بجانب أذنها : لولا ان الممر هنا مرشق كاميرات وهنتفضح كنت بوستك ألقت حياة رأسها للخلف ، وأطلقت ضحكة مرتجفة ، وهي تتكئ على الجزء الخلفي من الباب المفتوح ورائها ، مما جعله يتحرك ، ففقدت توازنها وكادت أن تسقط. سارع بدر على الفور ، ولف ذراعيه حول خصرها واقربها منه ، وهو ينبس بقلق : بشويش خدي بالك وضعت حياة يدها على ذراعه ، ومدت الأخرى نحوه ، قائلة بشكل تلقائي : هات بالي للي انت اخدته مني رفع بدر حاجبًا في استنكار ، مغمغمًا بإستفسار بمكر : متأكدة اني انا اللي اخدته مش العصير؟ هزت حياة رأسها نفيًا ، بصوت ناعم مليء بالعفوية المحببة تكلمت : محدش قدر يدوخني الا انت .. بس انا مبسوطة اوي بالدوخة دي اتسعت ابتسامته ، ونظرته العاشقة تطوف بصمت على وجهها ، فأطلقت تأففًا رقيقًا بحزن ، لتقول بعبوس طفولي : مش عايزة اسيبك وانام اعمل ايه بقي .. لو ينفع نعيد اليوم دا من الاول ونفضل مع بعض نظراتها إليه تفيض عشقًا ، وعمق نبرة صوتها المنبثقة من قلبها الذي يتوق لقضاء الوقت معه ، جعلت قلبه يتخبط بين ضلوعه بشوق يفوق شوقها إليه ، لذا حاوط وجهها بنعومة بين كفيه ، وعينيه عانقت عينيها الساحرتين ، وهو يتكلم بصوت هامس أمام شفتيها : ادخلي نامي دلوقتي ووعد مني هخليكي تعيش ايام احلي من دي بكتير بعد الجواز رفعت حياة عينيها للأعلى ، متظاهرة بالتفكير ، لتقول مازحة بابتسامة : كل الرجالة بيقولو كدا في الاول وبعد الجواز الستات مابتخرجش مع ازواجهم الا في المناسبات الرسمية بس.. استأنفت حديثها بدلال ، وعيناها تشع بريقًا آسرًا : بس انت لسه واعدني دلوقتي اوعي تخلف وعدك قام بدس خصلات شعرها وراء أذنها ، وهو يحدق في ملامحها الجميلة المشرقة كالشمس ، قائلاً بنبرة لا تترك مجالًا للشك : طبعا عمري ماهخلف وعدي معاكي أردف بدر بصوت أجش بجوار أذنها : يلا علي النوم عشان تصحي فايقة يا قلبي ولا اجي معاكي قالت حياة بنبرة نعسانة ، مشددة على كل كلمة نطقتها ببطء ، وكأنها تحاول إطالة الوقت بينهما ، لم يكن لديها أدنى فكرة أنها تلعب معه على أوتار الحب دون خشية من السقوط : لا انا هخش انام واصحي بسرعة عشان اجهز نفسي يا عريسي ظلوا يتبادلون النظرات الطويلة في صمت ، ثم دون أن تفكر حياة ، باغتته بقبلة على خده ، قائلة على الفور : تصبح علي خير أنهت كلامها بالتزامن مع إغلاق الباب بسرعة دون انتظار رده حتى لا يرى وجهها المحمر من الخجل وابتسامتها الهائمة ، الأمر الذي جعله يضحك عليها في صمت ، متفاجئًا بشكل مفرط من جراءتها. واثقًا أنها لن تنظر إليه في الصباح بسبب إحراجها منه عندما تتذكر تلك الأفعال ، لكنه متيم بكل حركاتها التي تسرق قلبه. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• في اليوم التالي وبالتحديد يوم حفل الزفاف "بدر عز الدين" علي التي أحيت روحه وسرقت قلبه وسحرت عقله "حياة مجدي". الليلة لن تكون اعتيادية بكل ما يشملها ، لذلك حرصت حياة على جعلها أسطورية واستثنائية بفكرة جديدة خارجة عن المألوف ، سوف يتذكرونها في أذهانهم إلى الأبد. أمام ساحة واسعة مفتوحة مباشرة أمام البحر في سهل حشيش ، حيث المناظر الطبيعية الرائعة و الطقس المثالى ، لإقامة حفل زفاف خيالي ، وأيضاً لقضاء شهر عسل مميز. يغلب اللون الأبيض على ديكورات الزفاف ، وخاصة المقاعد والطاولات والممر والكوشة مع ورود صفراء وخضراء وفوشيه ، متناغمة مع اللون الأبيض. كما تم توزيع لافتات مميزة ومتناسقة على الشاطئ ، مع تصميم الممر من الخشب الذي ينسجم بشكل سحري مع الشمعدانات ، وفروع الضوء الرائعة. ★★★ تسللت قدماه بهدوء وحذر نحو غرفتها بعد أن لاحظ مجموعة الفتيات يغادرون مع أختها. أطلق زفيرًا متحمسًا لرؤيتها أخيرًا قبل أن يلف أصابعه على مقبض الباب ، ثم يديرها ببطء ليدلف بسرعة ، ويغلق الباب خلفه ، ثم يستدير ويمشي بخطوات هادئة بالداخل. تسمرت قدميه على الأرض في حالة صدمة وانشداه ، حينما جاءت عيناه مباشرة على تلك الجنية البرتقالية. أما حياة كانت واقفة أمام المرآة ، محدقة بعيون مشرقة من الفرح والإعجاب بجمال فستان الزفاف الأبيض عليها ، فهو طويل وليس به تموجات أو طبقات كثيرة ، بل ينسدل على جسدها بنعومة ، إلى أخمص قدميها في قالب واحد ، مما يبرز جمال خصرها النحيل ، يتميز بالعديد من التفاصيل الدقيقة التي تضيف إليه طابعًا راقيًا بأكتاف طويلة شفافة وتسريحة شعر جديلة على جانب كتفها ، ويزين رأسها طرحة بيضاء طويلة. أما بالنسبة لملامحها الملائكية ، فقد حملت بعض مستحضرات التجميل الخفيفة للغاية فقط لإبراز جمالها الطبيعى. كانت بسيطة ورقيقة بكل معنى الكلمة ، سلبت فؤاده بجمالها الآسر. أغمضت حياة عينيها حينما داهمها رائحة عطره الذي تعشقه ، وسرعان ما رفعت عينيها تجاهه في المرآة ، ونظرت إليه بذهول ، بينما اتسعت ابتسامته الجانبية ، واقترب منها بخطواته فى تأنى ، قائلاً في إنبهار : ايه القمر اللي منور في الابيض دا؟ تسارعت خففاتها المجنونة ، وغمرت حرارة شديدة المكان من حولها على الرغم من الطقس المعتدل ، ليس فقط من نظراته المدهوشة إليها ، ولكن من مظهره الرجولي الجذاب في بدلته السوداء الأنيقة ، وقميصه الأبيض مع ربطة عنقه الصغيرة على شكل فراشة سوداء ، كما يزين فكه الحاد لحيته الخفيفة ، وشعره الأسود المصفف للأعلى. تدلّت عيناها إلى الأسفل ، متجاهلة النظر إلى عينيه الثاقبتين بخجل ، فيما تردد صدى ضحكاته الماكرة خلفها ، ملاحظًا شرودها فيه. حدقت حياة فيه بوجه محمر ، خجولة وغاضبة فى آن واحد ، ثم هتفت في تذمر ، بينما تشبك اصابعها فى بعضهم البعض : ممكن تقولي ايه طلعك هنا ودخلت ازاي؟ أنهت كلماتها ، واستدارت في مواجهته مباشرة بعد أن جلبته قدميه إليها ، بينما هو يرفع حاجبيه رافضًا ما كانت تقوله مستفسرًا : ايه هو اللي ازاي و ايه طلعني؟ انفرج فمه بابتسامة جانبية مؤكدًا بخشونة ، بينما هى ترفع يديها تلقائيًا ، وقامت بتعديل ربطة عنقه بنعومة : لو رجعتي بطن امك تاني هوصلك برده .. انا شبحك يا حياتي ردت حياة بسخرية ، وهي تضحك بصوت خافت : انت بقيت بيئة اوي اوي علي فكرة راقص حاجبيه بخبث ، وقال بمشاكسة : من قعدتي معاكي حدجته حياة فاغرة فمها ، متناسية إحراجها ، وهي تضع يديها على خصرها ، ترسل إليه نظرات معاتبة ، ثم زمجرت بصوتها الناعم : يا نعم يادلعادي .. ليه شايفني قاعدة في سوق خضار؟ عالج الموقف بلباقة ، ليُكوب وجهها بين راحتيه ، واقترب منها حتى اختلطت أنفاسهما ، ليقول بصوت همس رجولي مهلكاً لحواسها : انتي قعدة جوا قلبي رقصت ابتسامة خجولة على ثغرها الوردي ، لتغمغم بصوت متلعثم ونظرات مرتبكة : بدر .. اا اتفضل انزل قبل ما ميساء تشوفك و تفضحنا نبض قلبها بعنف فى حلقها ، حينما تلقت عيناها مع عينيه اللامعتين ، لتدلى رموشها الطويلة إلى أسفل ، فقال ببحة صوته المميزة التي تخطف الأنفاس من صدرها : مهما حاولتي تبيني انك جامدة .. مابتعرفيش .. اوام بتحمري حتي مابتقدريش تبصي جوا عيني ربع دقيقة علي بعض رفع بدر ذقنها إليه ، وغمز بعينيه مضيفًا بصوت هامس : لا ربع الدقيقة دا كتير كمان ابتلعت ريقها بصعوبة ، وتوردت وجنتيها خجلاً ، ثم قالت وهي ترمش عينيها ببراءة ، رافعة أطراف أصابعها إلى كفه التي تأسر ذقنها : هما طفوا التكييف ولا بيتهيألي تحدث بدر بثقة : دي حرارة قلبي المولع بحبك قطبت حياة حاجبيها بإنزعاج ، وشعرت بالكلمات تذوب من شفتيها ، بينما دقات قلبها الصاخبة تتخبط عشقًا بهذا الرجل المحنك ، لذا دمدمت بحرج : بدر وبعدين معاك بقي بطل تحرجني بسط بدر كفيه ليبتسم لها ، وقال ببساطة : اعمل ايه بس مش بإيدي يا روح الروح فجأة ، جذبها بدر نحوه من خصرها حتى تلامست شفتيهما معًا ، لتشهق حياة ذهولًا ، ودفعته من صدره ، ثم صاحت باستياء خجول : ايه دا هتعمل ايه !! مايصحش تبوسني عيب ارتفع جانب فمه مستنكرًا ، ليقول بسخط شديد ، بينما تضغط أصابعه برفق على خصرها : نعم يا ماما انتى عروستى نسيتي ان بعد ربع ساعة هنكتب كتابنا أطلقت حياة ضحكة خافتة رغماً عنها ، ثم قالت بابتسامة بينما أسندت يديها على صدره برقة جعلته يغرق فى بحور هواها أكثر : لا بقي ماتنساش انت قعدت تتحايل قد ايه عشان اوافق؟ همهم بدر بمكر ، لينطق بحة رجولية أجش : وفي الاخر وافقتي ابتسمت حياة له بسعادة ، ثم حمحمت بخفة ، لتقول بحب : ماهو انا ماقدرش اقولك لا مال بدر رأسه واقترب منها مرة أخرى حتى اختلطت أنفاسهم ، وهمس بصوت يتلوى بالمشاعر : طب هاتي اطه بقي يا قطة دفعته حياة بعيدًا في ارتباك من جرأته ، لتنجح هذه المرة ، مستنشقة الهواء الذي سرق منها بسبب قربه المهلك لحواسها ، وتحدثت بعبوس خجول : لا اتأدب .. وامشي اطلع برا قبلها من جبهتها قبلة طويلة ، وهمس بصوته الخشن الأجش ، ليلين قلبها إليه ، فأغمضت عينيها ، متأثرة بقربه ، لتسمع صوته ، ينبس بعناد : مش هتحرك من هنا .. الا وانتي معايا صنعُت تواصلاً بصريًا معه لعدة ثوانٍ قبل أن تهمس بنبرة ناعمة ولينة ، ربما يتعاطف معها : ميساء لو عرفت انك طلعت هنا وشوفتني بالفستان قبل ماننزل هتقتلنا هز بدر رأسه احتجاجًا ، متلامسًا أنفها الدقيق بأنفه بمشاكسة قبل أن يهمس بصوته العميق مشوب بالعبث : كان لازم اشيك عليه بنفسي يمكن محتاج حاجة كدا ولا كدا أنهى كلماته بوضع قبلة عميقة على خدها المتورد ، لتتمتم بقشعريرة لذيذة : يا غلس.. تنهدت حياة في استسلام عاشق قبل أن تبتعد عنه قليلاً ، وتحول نفسها بين ذراعيه نحو المرآة ، وألقت نظرة أخيرة على مظهرها ، ثم قالت برقة : خلاص انا اصلا خلصت .. يلا ننزل أنهت كلماتها ، بينما اتسعت ابتسامته في صمت ، ومدّ ذراعه إليها حتى تعانقه بكل سرور. خرج الاثنان من الغرفة ونزلوا الدرج معًا بفرحة غامرة في قلوبهم. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• تم عقد القران قبل دقائق ، والآن يقفون لتلقي التهاني من المدعوين ، بينما ابتسامة حياة الواسعة على وجهها ، والتي تعبر عن فرحتها ، لا تفارق شفتيها. أما بدر ، مبتسمًا فى شرود بها ، بل محلقًا بسعادة ، والحمد لله صارت زوجته أخيرًا. : الف الف مبروك يا متر رد بدر بابتسامة صفراء وهو يصافحه : الله يبارك فيك يا معاذ باشا .. عقبالك تكلم معاذ بإبتسامة هادئة : ميرسي .. مبروك يا حياة ربنا يسعدك صافحته حياة قائلة بابتسامة صافية : الله يبارك فيك يا معاذ وعقبالك حالما غادر من أمامهم ، أدار بدر رقبته نحوها ، مائلاً إلى جانب أذنها ، وضم شفتيه في خط مستقيم ، وهو يغمغم بين أسنانه : دا اللي جابو هنا دا؟ نظرت حياة إليه بحاجبين مرفوعين ، ثم تمتمت بصوت منخفض : ازاي مايجيش!! انت ناسي انه اخو جوز اختي مايصحش اني ماعزموش تنهد بدر وهو يجعد حاجبيه ، ثم وجه يده نحو رقبته نحو تفاحة آدم ، ودمدم بإمتعاض : مش طايقو ولا راضي يتبلع من هنا .. مش حابو يا خلق عانقت أصابعه بين أصابعها ، وابتسامة جميلة على شفتيها ، ثم همست برقة في أذنه : مش مهم تحبه .. حبني انا و بس : بعشقك هذه الكلمة هربت من شفتيه بشكل عفوي ، حيث استرخت ملامحه مع تأثير قوي من أنفاسها الحارة على أذنه ، ثم سألها مردفًا : مبسوطة!! برمت حياة شفتيها في تفكير ، ثم ردت بابتسامة ملتوية : سؤال غريب .. اومال جايبني هنا بالعافية يعني أطلق بدر ضحكة خافتة رغمًا عنه ، ثم قال بآسى على حالته : هو مافيش مرة تجاوبني من غير ماتحشري لماضتك وسطنا هزت حياة رأسها إلى اليسار واليمين ، وهي تقرب وجهها منه كثيرًا ، بينما هو يستمتع باقترابها ، لتقول بنبرة ماكرة : ان كان عجبك بقي .. ولما انا لمضة كنت حبتني ليه ؟ أجابها بدر هامسًا في أذنها بحة رجولية دافئة قبل أن يطبع قبلة خاطفة على شفتيها ، مما جعل ملامحها تتشبع بالخجل من جرأته : و ازاي اقدر محبكيش وانتي حلوة اوي و مميزة و قلبك ابيض .. حقيقية و بسيطة بس كالعادة شوية هابة منك و مطرقعة تمتم بخفوت فى نهاية كلماته ، منهياً إياها بابتسامة خبيثة على وجهه ، لتطلق نسيمًا غاضبًا وهي تضربه على كتفه ، بينما تبتعد عنه بنظرة متوعدة : اما وريتك يا بدر المطرقعة مابقاش انا حياة : ايه يا متر انت و هي ماسكين في بعض ليه؟ التفتوا معًا إلى جاسر ، الذي كان ينظر إليهما بتعجب ، بينما ارتفعت ابتسامة ماكرة علي فمه ، فابتسم بدر له بذات الابتسامة ، ليغمغم بنبرة عبثية لم يسمعها جاسر بسبب الضوضاء المحيطة بهم ، لكن حياة تمكنت من سماعه جيدًا : لا احنا هنمسك في بعض فوق مش هنا لكمته حياة بقبضتها في صدره بخفة ، وهي تتذمر في سخط محرج : احترم نفسك يا بدر اقترب بدر من أذنها ليهمس لها ، وثمة ابتسامة لعوب تعتلى فمه : يا حبيبتي لو احترمت نفسي هتزعلي مانتش عارفة حاجة وزع جاسر نظراته بينهما ، ووضع يديه في جيوبه ثم هتف بابتسامة عريضة : طيب انا كدا اطمنت عليكو .. رايح اشوف شذي فين.. أجابته حياة على الفور : شذي قالت رايحة تشوف البوفيه التفت جاسر إليها سريعًا ، وعيناه مفتوحتان على مصرعيهما من كلماتها التي صدمته ، ثم قال على عجل قبل أن يركض من أمامهم : يا خبر ابيض هروح اشوف ايه المتبقي منه .. من يوم ما حملت وهي مش مبطلة اكل كأنها عايشة في مجاعة قال بدر بوجه مزين بابتسامة عذبة : حبيبي .. ايه زعلانه مني؟ بادرت بوضع قبلة رقيقة على خده ، ثم تمتمت بابتسامة صادقة : انا مفيش وحدة في الدنيا اسعد مني انهاردة انا بحبك اوي اوي همس بدر بنبرة مفعمة بالعشق ، وهو يشعر بمداعبة أنفاسها على جانب أذنه : ربنا يخليكي ليا يا حياتي و قلبي و روحي ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• دلف بدر الجناح حاملاً حياة بين ذراعيه ، وكأنه لا يحمل شيئًا ، فوزنها أخف من الريشة بعد إصرارها الفظيع على ذلك. توقف بدر عن المشي في منتصف الغرفة ، ثم أنزلها برفق على الأرض ، بينما إنزعجت ملامحها المبتسمة ، وقالت بتذمر طفولي : مش هاين عليك تكمل الطريق و تحطني علي السرير زي الافلام رفع بدر يده ، وفك ربطة عنقه ، والأزرار الأولين من قميصه حتى يتمكن من التنفس بشكل مريح قبل أن ينظر إليها من زاوية عينه ، ويتمتم : احمدي ربنا اني وافقت اشيلك قدام الحشد اللي كان تحت دا .. كنت حاسس ان منظري منيل أنهى جملته متخطيًا إياها ، ورمي ما كان في يده بلا مبالاة على السرير المزين بالزهور. شهقت حياة في استنكار ، وعيناها واسعتان بذهول ممَ تسمعه ، وهي تضع يديها على خصرها ، وتهتف بنبرة حانقة من خلفه : لا يا شيخ!! ليه ان شاء الله .. اي بنت يوم فرحها على المتعوس علي عينه جوزها بيشيلها قدام الناس .. دي من طقوس الجواز يا بابا انتهى بدر من نزع سترته ، واستدار ينظر لها بحاجب مرتفع ، ثم تمتم في تعجب : يعني انا متعوس يا حياة!! سارعت حياة تحرك رأسها فى إنكار ، وابتسمت بإتساع وهي ترد عليه : لا يا حبيبي دا انا اللي متعوسة وصحباتي كلهم معاتيس كمان .. روق دمك كدا اقولك هروح اطلبلك ليمون يعدل مزاجك قالت ذلك وتوجهت مباشرة للهاتف ، ليلحق بدر ممسكًا بيدها ليسحبها إليه ، فشهقت بتفاجئ حينما إرتطمت بصدره ، بينما يقول فى ذهول : تعالي هنا يا مطيورة في عقلك سألته حياة بعدم فهم ، وهي تضع يديها على كتفيه : مالك في ايه؟ رمش بدر بعينيه في تعجب ، وهو يجيبها مستفسرًا : هو في حد بيطلب ليمون ليلة دخلته؟ رفعت حياة كتفيها ، وأجابت عليه بابتسامة حمقاء ممزوجة بالجدال : الليمون مالوش مواعيد علي فكرة بيطلب في اي وقت قاوم بدر الابتسامة التي تسعى الظهور على وجهه ، وأضاف بنبرة واثقة ، وهو يلف ذراعيه حول خصرها أكثر : لا يا حبيبتي ليلة الدخلة دي بقي من طقوسها شرب حاجات تانية برزت شفتها السفلى إلى الأمام ، وسألت ساخرة : و ايه هي الحاجات التانية دي يا خبرة؟ أمال بدر رأسه إلى جانب أذنها ، هامسًا لها ببعض الكلمات لا يسمعها إلا هي. تشبعت وجنتيها بحمرة قانية ، وصاحت بشهقة خجولة ، وهي ترمقه شرزًا ، وتصفعه بامتعاض على كتفه : ما تحترم نفسك حد يشرب الحاجات دي في ليلة مفترجة زي دي ربنا يبارك في الجوازة دي ازاي حدجها بدر بإغتياظ ، وهو يدلك المكان الذي ضربتها فيه ، ثم أمسك بذراعها ، وقال مازحا : يخربيت ايدك بتلسع .. دي عصايا مش ايد انثي رقيقة سحبت ذراعها من بين قبضته ، محدقة فيه بنصف عين ، ثم قالت بإعتراض : انسي يا بدر مافيش حاجات من دي هتدخل هنا .. هو اخرك ليمون عجبك ماشي مش عجبك نام خفيف كانت على وشك تجاوزه ، منهية هذا النقاش ، لكنه أوقفها حالما اعترض طريقها ، وهو يجعد حاجبيه ، ويتساءل بغرابة ، مشوبًا بالسخط : انتي رايحة فين يا بت انتي .. ماتجننيش .. ونوم ايه اللي هنامو دلوقتي الليلة دي مافيهاش نوم اصلا أختتم بدر جملته بغمزة عابثة بحافة عينه ، فإشتعلت وجنتيها من الخجل حينما وصل لها مغزى كلامه ، لتحاول تغيير دفة الحديث بطريقتها المرحة : مش هتقدر تنام من فرحتك انك اتجوزتني .. مش مصدق نفسك من الفرحة مش كدا اقترب بدر منها ، وهو يداعب خدها بإبهامه ، ويرسم ابتسامة صادقة مصحوبة بنبرة دافئة ممَ جعل قلبها يخفق بقوة : طبعا انا اسعد واحد انهاردة عشان خلاص بقيتي مراتي وهقدر رسميا اقص لسانك اللي اطول منك دا اتسعت عيناها سخطًا على كلماته الأخيرة ، فأخرجت لسانها إليه لكى تثير غيظه ، ثم قالت بتحد : ماتقدرش اقترب بدر منها حتى اختلطت أنفاسهما ، وقال بصوت همس مثير أمام شفتيها ، محذرًا إياها : تحبي تجربي دون تردد ، لفت حياة ذراعيها حول رقبته ، ورفعت جسدها قليلاً على أطراف أصابع قدميها ، وفي نفس الهمس قالت بغنج : اهون عليك يا بدورتي منع نفسه عن الابتسام ، وحني شفتيه في استياء ، وسألها في اندهاش : بدورتك دا ايه يا بت!! ردت حياة عليه ببساطة ، بينما أصابعها تداعب أزرار قميصه ، مما تسبب في إرتفاع حرارة جسده من حركاتها المغرية : بدلعك يا حبيبي كنت عملهالك مفاجأة لبعد الجواز قهقه در بخفة فى آسى على حاله ، وتمتم بصوت يكاد يسمع : انا ايه اللي عملته في نفسي دا!! دوى ضحكها الناعم بصوت عالٍ ، ثم زمت فمها الوردي ، وقالت بفخر أنثوي : قدرك يا حبيبي خلاص فات الاوان وبقيت من نصيبك .. ايه هتعترض علي حكمة ربنا ؟ ظهرت ابتسامة جذابة على ثغره ، وعيناه مليئة بالعشق والشغف ، انحنى يغمس وجهه في تجاويف رقبتها ، تزامنًا مع مداعبة أطراف شعرها ، ليهمس تنهيدة حارة : ونعم بالله العلي العظيم .. انا راضي يارب بنصيبي كوكتيل المانجة علي الفراولة دا رغماً عنها ، أغمضت عينيها بخدر وحاولت التحدث بثبات ، لكن نبرتها خرجت مرتجفة وهي تدفعه بضعف ، وخفقات قلبها تهدر بصوت عالٍ : بدر.. رفع رأسه إليها ببطء ، والتقت عيناها بعيونه التي تتوق إليها بشغف ، فاستطردت على الفور بثرثرة ممزوجة بارتباك ملحوظ : انا هروح اغير هدومي اتخنقت من الفستان دا طابق علي مراوحي مش قادرة اتنفس و رجلي ورمت من الكعب العالي قام بتحريك رأسه بالاتفاق وهو يلمس خدها بحنان ، يتفهم موقفها تمامًا ويتقبل خجلها منه ، ووعد نفسه بأنه سيعمل على إزالة أي حواجز بينهما على المهل ، وقال بإبتسامة : ماشي ماتتأخريش عشان هنصلي مع بعض ركعتين عشان ربنا يرزقنا الذرية الصالحة والعشرة الطيبة ويبعد عننا الشيطان ويبارك في حياتنا الجاية ابتسمت حياة وهي تومئ إليه بالقبول ، ثم دلفت بسرعة إلى الحمام ووقفت خلف الباب ، ووضعت يديها على صدرها ، في محاولة لتخفيف نبضاتها الصاخبة ، لأن المزاح لم يقلل من توترها وخوفها مما سيحدث فى تلك الليلة المنشودة. سارت حياة ببطء بعد أن خلعت حذائها ، ثم نظرت إلى انعكاسها في المرأة ، تهمس بهدوء لنفسها بينما تحاول تنظيم تنفسها : اهدي يا حياة دا بدر حبيبك ماتخافيش دي ليلة فرحك وانتي في امان معه .. اهدي .. اهدي كدا وافرحي ماتقلبيش الليلة نكد يا حبيبتي مرت عدة دقائق طويلة ، تصارع في نزع الفستان والطرحة قبل أن تخرج من الحمام ببدلة نسائية ربيعية ضيقة إلى حد ما ، بأكمام طويلة ، باللون الكحلي وعليها نقوش على شكل نجوم ، و أسدلت شعرها البرتقالى على كتفيها مما عكس نعومة ملامحها وجاذبيتها. نظرت إلى الأمام فوجدته يمشط خصلات شعره الداكنة أمام المرآة ، وهو يرتدي قميصًا أبيض بلا اكمام وبنطالًا بنفس اللون ، ورائحة عطره التي تسحرها تملأ أرجاء الغرفة. ابتلعت حياة لعابها ، وهي تجعد حاجبيها من الألم الذي بدأ يزداد أكثر من ذي قبل. وضعت يدها تلقائيًا على بطنها ، ربما يخف الألم ، لكن دون جدوى ، فتنهدت بضيق شديد ، ممَ جعل بدر ينتبه لوجودها ويستدير إليها بابتسامة ، لكنها تضاءلت تدريجياً عندما رآها بهذا الشكل ، ولم تكن ترتدي رداء الصلاة. سأل بقلق وهو يتقدم نحوها : حياة!! انتي كويسة .. مالك؟ تمتمت بصوت خافت ، وعقلها يسعى لإيجاد صيغة مناسبة لتخبره عن هذا الأمر ، لكنها فشلت : انا كويسة.. وضع بدر كفيه على ذراعيها بلطف قائلاً باهتمام : وشك تعبان كدا ليه و ماسكة بطنك ليه؟ لم يحصل على إجابة منها ، لذلك بدا حائرًا غير قادر علي معرفة ما يحدث ، لأنها خفضت رأسها إلى أسفل لتجنب النظر إليه : قوليلي حاسة بإيه؟ عضت شفتيها من الألم الممزوج بالحرج ، فوضع أطراف أصابعه تحت ذقنها ، ورفع وجهها إليه. تفاجأ بعينيها تلتمع بالدموع ، وسمعها تهمس بصوت ضعيف : بطني وجعاني شوية نظر بدر إليها باستفهام ، واقترب منها ، يسمح على خدها بإبهامه : دا قلق العروسة الطبيعي يعني واكلتي حاجة مش كويسة فهميني!! بدأ خدي حياة يحمران ، وهمست بخجل وصوتها شبه معدوم ، فتطلب منه الأمر أن يدنو إلى مستوى شفتيها حتى يسمعها جيدًا : لا انا .. عندي يعني .. ظرف قهري : ظرف ايه... فرت الكلمات عن لسانه ، فاغرًا فمه في صدمة من إيضاحها المستتر ، بعد أن فهم سريعًا المغزى منه ، ليسأل بحذر ، بينما يشير إلى رأسه بإصبعه السبابة : اوعي يكون اللي جه في بالي صح؟ أومأت حياة إليه بضعف ، وهي تخفض عينيها في حرج وقلق من رد فعله القادم. ابتسم بدر بإتساع لأنه يعتقد أنها تمزح معه كالمعتاد ، لكن من العقدة على جبهتها يبدو عليها الألم حقًا ، ليقول بعدم إستيعاب نادرًا ما يحدث له : مش فاهم ازاي يعني مش بتحسيبلها؟ أومأت برأسها مرة أخرى مؤكدة كلامها دون أن تنبس ببنت شفة. نظر بدر إليها بعيون ضيقة ، وقال بنوع من التأنيب بعد أن تذكر أحداثًا مماثلة في الماضي مع زوجته السابقة المخادعة : يعني كنتي عارفة بميعادها يا حياة ؟ ليه ماقولتيش طيب عشان نأجل شوية؟ حمحمّت حياة لتخرج صوتها المرتعش من الألم ، وامتلأت مقل عينيها بالعبرات : لما حددنا معاد الفرح ماجتش علي بالي .. بس لما حسبتها لاقيتها قربت وماكنتش عارفة ازاي اقولك يا بدر اتحرجت منك جفلت من صوته حالما سألها بنبرة منفعلة ، وهو يلوح بكلتا يديه في الهواء : يعني بقيت انا الغلطان كمان مش كدا؟ لانت ملامح وجهه الغاضب بمجرد أن رأى الدموع تنهمر على خدها بصمت ، ليقول بقلق بعد أن شعر بوخز في قلبه من بكائها : بتعيطي ليه دلوقتي؟ همست حياة بإختناق بين شهقاتها المتقطعة ، بعد أن غطت عينيها بكلتا يديها ، وبكت أكثر : عشان بتزعقلي كأني قتلتلك قتيل اتسعت عيناه بذهول ، مشيرا إلى نفسه مصدوما ليسأل بتعجب : انا زعقت امتي ؟ ماكنتش اقصد.. لم يكمل تبريره عندما أدرك أخيرًا ما قاله لها بعد صدمته ، فى حين انها هزت رأسها إنكارًا ، حيث رفعت رأسها بحدقتيها المحمرة الدامعة ، مقلدة حركته ، قائلة بنبرة مليئة باللوم وبحة طفولية خافتة : لا انت قاصد تتنرفز عليا وبعد ما كنت بتطبطب عليا بعدت وشوحت بإيديك في وشي كأنك هتضربي شعر بدر بصدمة بالغة لما قالته مع اتساع مقل عينيه ، مرردًا بنفى ، بينما تهز رأسها مؤكدة كلامها : انا عملت دا!! أغلق بدر عينيه بضيق ، حينما رمقته بتلك النظرات الحزينة المملوءة بالعتاب ، معنفًا نفسه داخليًا فيما قاله دون مراعاة مشاعرها. زفر الهواء بصوت مسموع ، وأزال أي إزعاج من صدره وهو يفتح عينيه ، مبتسمًا لها بندم ، ليكوب وجهها بكلتا يديه ، ويمسح حبات اللؤلؤ من على خديها ، هامسًا بحنان بالغ بعد أن استعاد هدوءه : انا اسف حقك عليا .. خلاص اهدي وبطلي عياط وحياتك عندي ماكنتش اقصد كدا انا بس كنت متفاجأ شوية أنهى بدر كلامه بوضع قبلة حانية على جبهتها ، وهو يربت على شعرها ، لتغمس حياة وجهها في صدره ، قائلة بخفوت وهي تمسح الدموع من عينيها : يعني مش زعلان مني اني بوظت الليلة؟ ابتسم عندما وصل إليه صوتها المتردد ، بينما يطوق ذراعيه حول جسدها اكثر ، ليهمس بحنان : ليه ازعل دا بيحصل عادي مش بإيدك .. خلاص ياروحي ماتزعليش مني قام بالإستعاذة من الشيطان في سره ، واثقا أنها على عكس أميرة ، وتكن له مشاعر صادقة وعشق كبير فى قلبها مثله تمامًا ، كما كان ينبغي ألا يكون في عقله مثل هذا التفكير في حقها. شاكرا الله على تداركه هذا الموقف الذي كاد أن يدمر بينهما الكثير ، ويخلق شكًا في قلبه لا سبب له على الإطلاق ، ويدعو الله أن يكون قادرًا على محو آثار ذلك الزواج من حياته إلى الأبد. استنشق بدر عطرها بقوة قبل أن يخرجها من عناقه قليلاً ، بينما يضع يده خلف ظهرها ويجعلها تتحرك معه نحو السرير ، حتى تستلقى عليه برفق قائلاً بابتسامة هادئة : استريحي علي ما اطلبلك حاجة سخنة تهدي معدتك نظرت إليه عدة لحظات بعد أن مسحت دموعها ، وهي تفكر في رد فعله ، لقد أخبرها بما كان يحدث في زواجه السابق ، لذا كانت مترددة في إخباره بما حدث معها حتى لا يسيء فهمها. تنفست حياة بارتياح كبير مما قاله للتو ، وهى مسرورة بتفهمه وحنانه معها ، لكنها قالت بابتسامة صغيرة مليئة بالشقاوة : لا عايزة ليمون صاح بدر رافضًا ، وهو يرفع سبابته لتحذيرها : كلو الا دا انا اتشائمت منه خلاص مافيش شرب ليمون تاني ضحكت حياة بمرح من حالة العصبية التي أحاطت به دون سابق إنذار ، بالتزامن مع استنشاقه للهواء بالراحة من عودة البهجة إلى عينيها التي ذرفت الدموع بسببه منذ قليل. قبل بدر جبهتها ، وقال في بمزاح يشوبه بالاستياء : انا كنت حاسس ان الليلة دي مش فايته طبيعي يعني كان لازم تصري تخليني اعزمهم رفعت حياة حاجبيها بدهشة وسألت : قصدك مين؟ لوى بدر فمه ودحرج عينيه ، قائلاً بعدم رضا : مازن و معاذ هو فيه غيرهم نظرت حياة إليه بعيون واسعة ، وقالت بتوبيخ هادئ : حرام عليك يا بدر ماكنش ينفع مانعزمهمش مروة ومازن دول جيرانا ومعاذ اخو جوز اختي صر بدر أسنانه في سخط ، وزمجر بامتعاض : ماهي عينهم رشقت في الليلة وباظت يا اختي مرتاحة كدا عبست حياة من جديد ، وشبكت يديها على صدرها محذرة إياه بضيق : تاني بتزعق!! هز بدر رأسه نفيًا ليقول بتنهيدة عميقة ، ورفع يديه في استسلام : مابزعقش ولا حاجة .. كنت بسأل نفسي ليه عصبية بزيادة اليومين دول و دلوقتي فهمت أنهى كلماته بالغمز إليها باستفزاز ، لتبرم شفتيها ، قائلة بإغتياظ : دمك تقيل علي فكرة همس بدر لها ، وهو يلوى شفتيه بابتسامة ماكرة ، بينما ينهض ليجاورها على السرير ، بعد أن أفسحت له مكانًا ، فرفع ذراعه ووضعه خلف ظهرها ، وأحاط بها : بس بتموتي فيا .. حاسة بوجع جامد لسه؟ سألها بدر باهتمام في نهاية جملته ، لتهمس له بعد أن أسندت رأسها على صدره ، وغمست وجهها فيه ، وهي تغلق عينيها استعدادًا للنوم : هبقي كويسة بس انت خليك جنبي نثر قبلاته على شعرها البرتقالي ، ونبس بنبرة دافئة : حاضر يلا نامي مرت لحظات قبل أن يسمع صوت أنفاسها المنتظمة على صدره. ابتسم لمنظرها الملائكي بين ذراعيه ، ثم ضاق عينيه ، ملاحظًا تلك الدموع التي ما زالت عالقة في رموشها ، فاقترب بخفة ، يقبل عينيها برقة ، ماسحًا دموعها بشفتيه ، ويغرس رأسه في شعرها ، واستنشقه بحب وعيناه مغلقتان ، ليستسلم لسلطان النوم الذي بدأ يتسلل إلى جفنيه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

تكملة الرواية من هناااااااا

تعليقات

التنقل السريع