رواية آصرة العزايزه الجزء الثاني" أغرك مني أن هواك قاتلي " الآصرة الثالثة والرابعة بقلم الكاتبه نهال مصطفى (حصريه وجديده على مدونة قصر الروايات كامله)
رواية آصرة العزايزه الجزء الثاني" أغرك مني أن هواك قاتلي " الآصرة الثالثة والرابعة بقلم الكاتبه نهال مصطفى (حصريه وجديده على مدونة قصر الروايات كامله)
(3) : "لا يُبتلى القلب إلا فيمـا أحب"💥
أما بعد :
لا قيمة لتلبية رغبةٍ
دهسها الوقت
ولا قيمة لأحد يصل متأخرًا
بعد نهاية كل شيء
أهم ما في كل شيء هو توقيته
التوقيت الذي يضفي
القيمة على الأشياء أو ينزعها….
•••••••••••
-تتچوزيني ………..!
كان وقع الكلمة على جسدها المرهق بمثابـة ماس كهربي ضُرب برأسها وجرى صداه بكاحلها .. أحس بانتفاضة قلبـها الذي وقع براحة كفه الذي يحوي ظهرها من الخلف وهي تقول بنبرتها المهزوزة :
-أيــه .. !!
كرر عرضـه مرة ثانيـة ، بنبرة صوت مسموعة عن تلك المتهامسة التي أحدثت بجسدها زلزالًا .. تطلع بعينيها قائلًا :
-تتچوزيني …. !!
ثم جلى حلقه الجاف من وهج مشاعره :
-مالك ؟! عاوزك تبقي مرتي وحلالي قِدام ربنـا !!
صوت الكاسات المهشمة التي ارتطمت بالأرض لا تختلف كثيرًا عن صوت ضربات قلبها التي ارتطمت بسور الكلمـة التي قالهـا ، صرخت "هيام" من الخلف معترضة :
-أنتَ عتقـول أيه يا أخوي !!
فرت العصفورة من عِشها وهي تتدفعه بكُل ما أوتيت من نار ورماد متكدس بصدرها ، ولت وجهها عنه وهي تستند على ظهر المقعد بكفوفها المرتعشة ، فتولت هيام خلق الأسئلة التي تُعيد له وعيـه :
-هارون أنتَ واعٍ لـ حديتك !! أخوي ما ينفعش هو أنا اللي هقـولك !! أنتَ .
صاح بوجـه أختـه :
-أنا عارف عقول أيـه وهعمل أيه .
-طب والعزايـزة يا أخوي ؟!
دوّى صوته الأجـش :
-تولع العزايزة بمجالسها بأعرافها ، أنا مش هسيـب ليلة يا هيـام .
رجت الكلمة كيان " ليلة" فشدت بُساط الحوار من تحت قدمي "هيام" لتنهي الحديث متمردة على الشعور الذي ملأ صدرها فجأة :
-من أمتى الكلام ده !! ومين قال لك أني موافقة .. أنا مستحيـل هوافق اتجوزك حتى ولو كنت آخر رجل في الدنيا دي .
ثم دنت منه خطوة بغرور العشق وتمرده :
-هي فرصة واحدة ، وأنتَ كان لازم تحترمها يا هارون بيه .. أنا مش لعبة في ايدك ، خلاص مبقتش عايزاك .
رفع حاجبه ببرود :
-خلصتـي !!
هزت رأسها بالإيجاب :
-اه خلصت ، وقراري أظن واضح .. وهو لا .. طلبك مرفوض .
ارتاح قلب هيـام للحظات عند رفضها لطلب أخيها الذي يحمل الموت بنهايته ؛ تنهد بارتياح وهو يتحرك ليجلس على المقعد المبطن واضعًا ساق فوق الأخرى بغرور:
-جبت لك شنطتك من الأستديو هتلاقيها چوة في الأوضـة خشي أجهزي عشان المأذون مسافة السـكة ويچي !!
برقت عينيها بذهول يكاد أن يجن عقلها :
-مأذون أيــه !! شكلك مسمعتش أنا قلت أيه !! أنا قولت لا يا هارون بيه ولو كنت آخر راجل في الدنيا دي كلها مش هتجوزك ..
فأتبعت هيام مقترحة :
-هارون يا أخوي ممكن تروق دمك وتفكر بعقل ، مفيش مشكلة ملهـاش حل وو
قاطعها بحـدة :
-هيـام !! سمعتي قلت أيه !! أنا مش هاخد أذن حد ، ومش عاوز حد يچادلني..
تعكزت ليلة على أحد المقاعد لتجلس على الأريكة المجاورة لمقعده والعِبرات تتلألأ من عينيها :
-أنا عايزة أرجع بيتي ، ومش عايزة اشوفك تاني ..ممكن ؟
-مش بكيفك ..
صرخت بوجهه ففجرت برِكة الدموع من عينيها:
-ولا بكيفك ، أنا مش تحت أمرك ، تقول لي ارجعي يا ليلة ، نتجوز يا ليلة !! أنتَ أيه ؟! بتعمل فيا كده ليه !! حرام عليك !! مصمم تعذبني !! مش كفاية الوجع اللي أنا فيه بتزوده له !!
نحن نقع في الحب كي تُضمد جروحنا لا لفتح جروح جديدة غيـرها ؛ نقع بالحب لتُقرأ أعيننا بمـا نحويه بدون ما نضطر لشرح كل ما يؤلمنا ، الحُب أيضـًا علاج لكنه يحتاج لطبيب ماهـر يصفـه .
تُشعل النيران بعود كبريت ، وتلتهب نيران قلب الرجل بدمعة إمرأة من عيني امرأة أحبها ؛ قفل جفونـه متخذًا نفسًا طويلًا ثم أتبع :
-ومتزوديش النار في قلبي وبزياداكي قول وعيد ممنهوش فايـدة !!
كفكفت دموعها بكفوفها المرتعشة :
-طيب ازاي ، يعني لنفترض أنا وافقت على الجنان ده!! أنتوا مش عندكم أعراف بتمنع الجواز ده !! أيه عايز تتجوزني من ورا أهلك زي ما أخوك اتجوز وفي الآخر ساب البنت المسكينة وابنها !! أنا مش هكون رغد رقم اتنين يا هارون !!
انصب دلو مثلج فوق كل من هارون وأخته التي أتبعت مندهشة :
-چبتي الحديت ديه منين يا ليـلة !ألحق يا هارون ؟! هاشم !!!!
أيدتها ليلة بحزن وخيم :
-هي دي الحقيقة ، أخوك متجوز واحدة في مرسى علم اسمها رغد ، والبنت بتتواصـل معايـا ، وكانت النتيجة أيه أخوك سابها وراح يتجوز نغم !!! لكن أنا عمري ما هقبل أكون مكان رغد ، أنا شوفت حزن في حياتي يهد جبال لكن المرة دي مش هتوجع تاني يا هارون..
تشبثت هيام بكف أخيها الذي احتقن وجهه بدماء الغضب :
-هارون أنتَ مصدق الحديت ديه!! هاشم أخونا ميعملهاش .. يا وقعة لو كان اللي عتقوله ليلة ديه صُح.
طوى صفحة أخيه برأسه فكيف يلومه على تصرفٍ يكوى بقلبه بقلب حارس هذه الأعراف نفسـه ، تعكز على فعل هاشم الذي كسر عُرفهم وأتبع خُطى أخيه قائلًا بصرامة :
-وأنا مش هاشم يا ليلة .. وسواء برضاكي أو غصب عنـك مش هيطلع عليكِ نهار چديد غير وأنتِ مرتي .. خلص الكلام .
صاحت جيوش اعتراضها التي تخُر دمًا ولست دمعًا :
-أنتَ مش طبيعي !! فجأة خدت القرار ، ولا كأن ليا وجود ، طيب تمام اتفضل هات المأذون وأنا هقف قدامه وأقوله أنك خاطفني ومتجوزني غصب عني ، ووريني هتعمل ايه !! وبعدين أيه السبب هاه بص لي !! مش كنت هتتجوز زينة ، حصل ايه غير رأيك سبتها وچيت لي ليه ، صعبت عليك ؟! قولت يا حرام أما اتجوزها واكسب فيها ثواب .. أنا مش هتجوز واحد عشان صعبت عليه ؛ ومش هتجوز واحد مش بيحبني لمجرد أنه عايز يريح ضميره اللي علقني بيـه وهو رافضني من جواه .. أنا مستحيل هوافق.
اعتصرت اتهاماتها القاسيـة قلبـه وهو يطوي بُساط الحب المفروش لها بقلبه ليقول بهدوء منكرًا الاعتراف برغبته الكاملة فيها :
-ليـلة ، أمـ.ك ، قصدي نادية أبو العلا مقدمة بلاغ فيّ إني خاطفك ، والبوليس قالب الدِنيا علينـا ، الحل الوحيد عشان نخلصـوا من الورطة دي اكتب عليكِ ، عشان في القانون مفيش حد هيخطُف مرته !
اغرورقت العبرات بعينيـها بحزن ، فهي كانت منتظرة اعترافه بحبها ، اعترافه بأنه أحبها مثلما أحبته ، على الأقل يبتر جدور اتهاماتها من رأسهـا ، رمقته بخيبة أملٍ :
-والله !! يعني عايز تتجوزني عشان تحمي نفسك من الحبس !!وبس ؟!
خيم كذب أقواله على معالمه :
-أصلو مفيش حل تاني !! لو يرضيكي أني اتحبس ارفضي ..مستقبلي في يدك وبكلمة منك .
تمردت على حزنها بجزل طفولي وهي ترمقه بخذلان :
-ااه يرضيني ، وأيه رأيك أنا كمان هنزل اشهد أنك خاطفني وبتهددني ، أنت أصلًا ، أصلًا حلال فيك الحبس عشان تخطف بنات الناس تاني !!
فتدخلت هيام التي تحصد خيبات أخواتها أمام عينيـها :
-يعني أيه يا هارون مفيش حل تاني عشان تطلع من الورطة دي غير بجوازكم !! طب والبلد وناسنا وو
أشاح بنظرة خبيثة مواصلًا لعبة استعطافها حتى يصطاد قُطته الشرسـة :
-هي ورقة هتتكتب يا هيام عشان نخلصوا من حوار أمها ، وبعدين هنقطعوها وأرمي عليها اليمين .. وكل واحد هيروح لحاله .. كتب كتاب وبس ..
صرخت عليه بتجُبر :
-انا مش رخيصة كده عشان ألعب معاك اللعبة دي ، وكفاية بقا عشان أنت نزلت من نظري أوي .. يا ريتني ما عرفتك بجد .. وأقول لك حاجة كمان ، أنت تستاهل الحبس عشان تتعلم الأدب هناك وتعرف يعني أيه مش كل حاجة لازم تمشي بمزاجك وبس ..يعني أيه بنات الناس مش لعبـة .
ثم نهضت حاسمة أمرها بثرثرة وذعر ينهش بدنها :
-أنا هروح أغير لبسي وهرجع بيتي .. ومش عايزة أعرفك تاني ..محاولش توصلي تاني وإلا المرة الجاية أنا هنزل أبلغ عنك بنفسـي .
في تلك اللحظة دق جرس الباب بسُرعة رهيبة قذفت الرعب بقلبها وهي تنظر له مضطربة :
-أحيه ده البوليس صح جاي ياخدك !!!
نهض من مرقده متأففًا متأهبًا لفتح الباب :
-هريحك مني أهـو ..
ارتمت في حضن هيام وهي تعض على أناملها خوفًا أن تتحقق عاقبة أقواله وهي ترتعش:
-هيام ، أنا خايفة ..
-ربنا يجيب العواقب سليمـة يارب..
ما فتح هارون الباب فتنفست ليلة الصعداء وهي تتمتم لهيام بفرحة :
-ده عمو حسن مش البوليس .. الحمدلله .
ما رأته فارقت حضن هيام على الفور وهرولت مرتميه بين يده لتشكو له أوجاعها :
-عمو حسن ، أنتَ هنا ، تعالى ألحقني …
قفل هارون الباب بضيقٍ لرؤيتها بحضنٍ رجل غريب ولكن هدأت دواخله على الفور عندما تذكر أنه شرعًا بمكانة أبيها لأن زوجته مرضعتها السـرية .. ألتفت لشكواها وهي تُلقيها على مسامع العم :
-شوفت اللي بيحـصل فيا يا عمو ؟ شفت .. أنا تعبت أوي ، من فضلك خدني من هنا أنا عايزة ارجع لمامي .. مش عايزة أقعد هنا تاني .. ده عايز يتجوزني بالعافية يا عمو بلطجة .. بيبلطج عليـا فاكر الدُنيا هتمشي على مزاجه وبس ، لو سمحت ارفض وقوله لا عرفه أن ليـا حد في الدُنيا دي ، مشيني من هنا … أنا عايزة أزور قبـر بابي ، محتاجاله أوي بجد .. خدني على هناك.
خيم الأسف على وجه العم حسن وهو يربت عليـها بشفقة ويطالع هارون الواقف جنبًا وكل جوارحه تتطوق لسجنها بين ذراعيـه ليقول بحزنٍ:
-لازم تفتحوا التلفزيون حالًا ، دكتورة نادية طالعة على القناة اللي اتذاع عليها برنامج ليـلة ، كانوا مشغلين البرنامج في القهـوة و
-مامي !! ليه ؟! افتحي بسرعة يا هيام .
فتحت هيام التلفاز بناءً على إشارة واحدة من أخيها ومنحته الريموت ، بحث سريعًا عن القناة فما فتحت الشاشـة على صورة نادية التي تصيح على الهواء مباشرة :
-يا استاذ بـدر ، أنا بنتي طالعة من مصحة نفسـية ليها ٤ سنين بتتعاطى جرعات مكثفة من الأدوية عشان تقدر تقف على رجليها وتتعامل مع البشر ، غير مؤهلة لأي تصرف أو قرار ، الجدع ده استغل حالتها وضحك عليها وكلنا شوفنا انهيارها على الهوا ، فين حق بنتي !! انا هوصل صوتي لأعلى مسئول في الدولة ، هارون ده مجرم لازم يتعاقب .. أنا من بكرة هقدم الوصاية على بنتي ، بنتي بتضيع مني يا بـدر ، أنا أم قلبها محروق لازم حقي وخق بنتي المسكينة يرجع ….
ضربت نادية بالكل في عرض الحائط بناء على تفكير وتخطيط رشدي الذي بذل أقصى جهوده لتوفير فقرة لها بأحد البرامج التلفزيونية ، كي يتخلص من هارون وليلة بضربة واحدة ..
من المنطق ألا تضع حدودًا للصدمات ، ألا تقول اكتفيت هذا أبلغ شيء قابلته بحياتي ، لا تصف حدثًا بأنه الناهيـة ، الحيـاة ثرية بالمواقف التي تجعلُك تصل إلى قناعةٍ تامة بأن كل الاشياء ممكنة ومُتوقعة .. وقاتلـة .
أطلق هارون سبـات علنيـة رجت عظام صدره قبل جدران الشقة ، ثم التفت لليـلة التي أوشكت أن تنهار من صدمتهـا الشديدة بأمها وهي تهذي كالمجنونة :
-هي ازاي مامي تقول عليا كده وتدمـر مستقبلي !! ازاي تفضحني قُدام الناس كلها وتقول أني مريضـة !! لا لا لا آكيد في حاجة غلط ، أنا لازم اكلمها ؛ عمو حسن اديني موبايلك أقولها توقف الجنان ده!! مستقبلي ضاع .
خيمت علامات العجز على وجه العجوز وهو يراقب هارون متحيرًا حاول ضم الفتاة ليُطيب جرحها وهو يقول :
-استهـدي بالله يا بنتي .. متعمليش في نفسـك كده ..
صرخت بحرقة وسيلان عينيها وأنفها يتدفقان في آنٍ واحد .. تبادلت أنظار الأخوة فبنظرة واحدة أخرس هارون أخته وهو يقف أمام "ليـلة " ويمرر طرف كُمه على ملامحها المبللة بالآهات ويزيح من عنها ماء خذلها في أمها المُزيفة ثم تفوه قائلًا :
-طول منا چمبك مش عاوزك تخافي من حاچة واصل ، الدنيا دي أطربقها فوق راس اللي يزعلك حتى ولو كان مين ..
رفعت جفونها المبللة إليه وهي تشكوه :
-أنتَ أكتر واحد زعلتنـي .. كلكم بتزعلوني كأن مفيش غير ليـلة تقسوا عليها ، أنتـوا بتعملوا فيا كده ليـه !
مسح على شعرها المُرهق مثلها وقال :
-كله هيتحـل ومحدش هيقدر يزعلك طول منا نفسي في الدِنيا ، حتى ولو كُنت أنا .. ليلة مفيش وقت للمقاوحـة أوثقي فيّ المرة دي وبـس .
تدخل العم حسن والحزن يقرض قلبه وهو يربت على ظهرها :
-وافقي يا بنتي عشان قلبي يطمن عليكِ وافقي لحد بس الفترة دي تعدي وبعدين لو عايزة تطلقي أنا بنفسي اللي هقف معاكي .. حرام هارون بيه يروح في داهيـة وأنتِ في أيدك الحل ..
ما زالت تحت تأثير صدمتها ترتجف وتبرر تصرف أمها :
-بس مامي مستحيل تقول كده !! هي آكيد في حاجة خلتها تقول كده وانا لازم أعرفها .. صح !! هي بتقول كده من خوفها عليا!
كيف يخبرها بأن هذه الأفعى ليست أمها !! قفل مخزن أسرارها بقلبه كي يواجهانها معًا ، أراد أن يملكها أولًا ، تمسك بمرفقيها كي تهدأ ، كي يُعجل بتمهيد الطريق إليها ، أن يحلل ضمة يده التي ترفع عنها حِمـل جبال من الهم عنها :
-ليلة ، بصي لي ، كل الكلام ده مش وقته .. مفيش قدامنا وقت ..
حركت رأسها يمين ويسارًا والخزى يحيط بملامحها ، فأتبع متوسلًا :
-ليلة ؛ باللي عملته نادية قلبت الدنيا علينـا ، أنا مش خايف من حبس ولا نيلـة ، أنا مش عايز أسيبك لوحدك ، نادية لو رفعت قضية هتكسبها ، أنا فاهم بقولك أيه وساعتها مش هقدر أساعدك ماليش حق ؛ لازم نكونوا سابقين بخطوة .
أخذ يتأملها متمليًا في تفاصيلها التي آسرته منتظرًا موافقتها ، فرفعت جفونها إليه بعجز :
-يعني مفيـش حل تاني غير .. غيـر الحل ده !
بدّ الارتياح على ملامحه التي استشعرت موافقتهـا و رغم الحلول المتعددة التـي تتسابق في عقله نفى تمامًا وجود أي حل غير أنها تُكتب باسمه :
-مفيش يا ليـلة .. لو في كُنت هقوله مش هستنى سؤالك ..
فتدخل العم حسن متوسلًا :
-هاه يا بتي ، قـولتي أيه !! نتوكل على الله وانزل أجيب المأذون !!
حانت منها نظرة خاطفة لهارون ثم خيم الارتباك والحزن على ملامحها وهي تُخبر العم قائلة بيأس متأهبة للاختباء بالغُرفة منفردة بهمومهـا :
-أي حاجـة ، أعمـلو اللي عايـزينـه مبقتش فارقـة .
ولكنها تراجعت لتقف أمامه عاقدة شرطها :
-بس ليا شرط واحد ..
تلهف لسماعها:
-هاه !!
-الجوازة دي تفضـل في السـر محـدش يعرفها غير هيام وعمو حسن .. لأنها مش هتطول ، زي ما قال هارون بيه ورقة وهنقطعها .
••••••••••••••
~العـزايـزة 💥
-بس الحال ديه ما يرضيش حـد يا عُمدة ، ولدك غايب له يوم بليلة ومحدش عارف له طريق !! لو بت من بناتك يرضيك يحُصل فيها إكده !!
صدحت أصوات العتـاب والشكوى من صدر زينـة التي نفذ صبرها ، رمقها خليفـة بجفاء:
-أنتِ اللي اخترتي قضاكِ يبقى تشربي !!
-يعني أيـه يا حچ !!
ضرب عكازه بالأرض :
-يعني الدِنيا مش هتمشي على كيفـك ، ولما تاخدي حاچة مش حقك استحملي عقابها ..
تدخلت صفيـة التي لم تتوقف عن الصياح والندب:
-من نقـرة لدُحديرة ويا قلبي لا تحزن !! واحد هچ ماعارفوش طريق ، والتـاني حالته تحزن اللي ما يحزنش!!
نظرت زينة لعمتها تشكوها:
-ما تخفي ندب وتقولي حاچة ياعمة !! وبعدين هي مين البت الخوچاية اللي قعدت لنا في الدار دي !! أحنا خُلصنا من المذيعة لما تچيبولنا المشغلعـة دي!! هو فيه أيه يا حچ !!
صاح خليفة بوجهها:
-فيه أنك بت قليلة الرباية أبوها معلمهاش يعني أيه البيوت ليها كبير يحكم فيهـا ، فيه أنك حاشرة روحك فـ اللي مالكيش فيـه !! فيه أنك عقاب ولدي في الدنيـا وأنا اللي هريحه منك ومن خوتتك !! اسمعي يا بت ، الكلمة هنه كلمتي ومفيش مخلوق له الحق يقول مين يقعد ومين لا غيري!! يعني تكتمي وتحطي جزمة في خشمك ، ومش عاوز أشوف وشـك لغاية چوزك ما يرجع!
عارضته ببجاحة :
-چوزي!! چوزي اللي هملني وراح ورا واحدة لا هي من دمه ولا تحل له ، بدل ما تشوفي أراضي ولدك فين چاي تبكتني وتغلطني ..
فزعت صفيـة لتقف أمام ابنة أخيها التي كانت ستنالها لطمة العجوز متوسلة :
-خلاص يا حچ دي عيلة عبيطة وأنا هفهمها غلطها .. متعكرش دمـك .
ثم نظرت لزينة وجهرت:
-اركبي على أوضتك مش عاوزة أشوف وشـك لغاية چوزك ما يعاود .. يلا يا بت وبطلي قِلة عقل..
جرت زينة ذيول قهرتها وغادرت ، دارت صفية لزوجها متحدثه بخوف :
-ما عنديها حق يا حچ ، البت محتارة مش عارفة تروح لمين وبعد المفضوحة اللي طلعت على التليفزيون وحكت اللي حكته ليها حق تتچنن !!
رفع سبابته محذرًا :
-فكرك نسيتلها اللي عملته ! البت دي هيتعاد ربايتها من أول وچديـد يا صفية ؟! شكل أخوكي مرباش ..
عاتبته بحسرة :
-ماهي أحلام ربت يا حچ ، كانت النتيجة أيه !! ولدك الكبير محدش عارف له طريق وواحد أخته معاه !! والتاني طلع متچوز في السر ومرته هتفتح علينـا أبواب نار ، والتالت چايبلي واحدة بفضيحة ، والرابع صايع ومحدش موقفه !! قول لي ألاقيها منين ولا منيـن !!
هز رأسه مدركًا الحقيقة:
-واضح أن مش بت أخوكي بس اللي ناقصة ربايـة يا صفية !! لايمي دورك معاي .. وإلا متلوميش غير روحك.
-طب سيبك من البت دي ،وسيبك من هارون ولدي عاقل وعارف حدوده زين وأكيد راح يوقف البت المذيعـة دي عند حِدها ، نيچوا للبت الخوچاية اللي چايبها ولدك !! دي لو حد شم خبـرها هيتاويهـا هي وولدي ، أحب على يدك يا حچ خليه يطلقها ويا دار ما دخلك شر ، محدش سمعنا .
حدجها باعتراض:
-وحفيدك يا صفية ، أيه عاوزاه يتربى من غير ناسه ولا أبوه!!
-ديه وِلد حرام مش عاوزينه !! الچوازة اللي تخالف قوانيننا حرام ، مصير ماهر ومرته كان ايه ، اتقتلـوا، وأنا مش هسكت لغاية ما يقتـلوا ولدي يا حچ !!
-طب اكتمي ووطي حِسك وأوعاكِ تچيبي سيـرة قِدام بنت أخوكي ، فاهمـة يا صفيـة.. والعيل ديه غصبًا عنك وعن العزايزة ولدنا ومش هنرموه في الشـارع ..
~بغُرفـة أحلام .
-ياحبيبـتي كُلي لُقمة هتفضلي مسرِتـه ورايحـة في ملكوت تاني لغايـة ميتى !!
أردفت أحلام جُملتـها بتوسل على مسامع رغد المُقيمـة بغُرفتها منذ الأمس .. وهي تضُم ساقيها إلى صدرها:
-بفكر يا طنت !! أنا بين نارين ، بين أني مش عايزة ابني يعيش نفس حياتي ويتربى بعيـد عن أهله ، وبين أن قوانين أهله ترفض وجوده !! أعمل أيه ؟! قوليلي ..
تمسكت أحلام بقلبـها إثر نغزة الحزن التي انتابتها :
-العمل عمل ربنا يا حبيبتي ، ربك هو اللي في يده الحـل ؛ كُلي واهتمي بصحة ولدك وبعدين نشوفوا رأي الحچ خليفة ..
مدت يدها للطاولة لتقطم قطعة من الخُبز وتضعها بفاهها ثم ولت متسائلة :
-كلمت هارون كتير على موبايلـه قبل ما أچي هنـا ، رقمه مجمعش خالص، هو راح لعند ليلة ؟!
تعجبت أحلام :
-وأنتِ كمان عتعرفي ليـلة ؟!
لكت اللقمة بفمها بمرارة :
-ااه ماهي اللي ادتني العنوان ومنها عرفت بخبر فرح هاشم وو ، طنت أنا مش غلط !! واللي بعمله هو الصح !!
ردت أحلام متحيرة :
-والله منـا عارفـة يا بتي .. هارون وهاشم شِيلتهـم تقضم الضهر هما الاتنـين ..
تنهدت بحزنٍ وهي تُخبرها :
-ليله بتحب هارون .. كان باين أوي من قبل حتى ما تعترف بده…
تنهدت أحلام بحُرقـة :
-وهو كمانه عيحبها وغرقان فيها لشوشتـه .. الحُب ديه غريب قوي ، مايچمعش غير اللي بينهم مسافة سما وأرض ..
قطع حديثهم صوت دق الباب الذي نادت أحلام بصوتها لتمسح للطارق بالدخـول ، فإذًا بهيثم الذي يخفض وجهه بالأرض قائلًا :
-ياساتر!!
نظرت له رغد نظرة مبهمـة فترجمها معتذرًا :
-والله أنا وشي منك في الأرض وچاي اعتذرلك بنفسي!!
تدخلت أحلام مستفسرة :
-عملت معاها أيه أنت كمان !
تبسمت رغد بهدوء وهي تشكو منه لأحلام :
-يرضيكـي يا طنت يعاكس مراة أخوه ..
شـد ياقة جلبابه متحمحمـًا وهو يلقي اللوم عليها :
-طب زمري اطلقي عيارين في الهوا ولا في نفوخي عشان أعرف أنك تبع الزعامة ..
تدخلت أحلام معاتبـة :
-أنتَ هتعقل ميتى يا واد أنتَ !
-لما اتچوز اللي فـ بالي يا أحلام ، هي اللي هتعقلني .. ادعي لي هبابة كيف ما بتدعي لهارون وهاشـم .
أحلام بسُخريـة :
-بحالك ديه مش هتعمر في چواز يا وِلد صفيــة ..
-ما بلاش تبوظي سُمعتنا البايظة دي أكتر من كِده قصاد الأچانب يا أحلام ..
ثم نظر لرغد الجالسة بينهما وذهنها مُشتت هنا وهناك :
-أنا في عرضك اللي حصل يبقى سـر بيناتنا هاشم ما يشمش خبر ، أنا شاب مخشتش دِنيا وهموت وأخشها .. وديه الهزار معاه تذكرة سفر للأخرة .
~بالخارج .
-يلا يا هاشم ، حِب على راس أبوك وراضيه .. وأنا هروح أخلي صفية تعملنا شـاي ..
استسلـم هاشـم لطلب أخيه وأنحنـى ليُقبـل رأس أبيه قائلًا :
-حقـك عليّ يا أبـوي ، أيوة أنا غلطت مش هنكـر .. وأنتَ ليك حق تموتني بس أعمـل أيه حبيتها يا أبوي وقلبي ساقني !!
حدجـه بعنفـوان وهو يوبخـه :
-وسبتهـا ليـه !! مطلعتش راچل للآخر ليه طالما أنتَ فاقـد ومش هامك حد ، ولا خلاص اتعودت تاخد كُل حاجة وتسيبهـا لما تزهـق منها !!
-يا أبوي أكيد مكنتش هعمـل إكده ، سيبك من اللي فات ، وخلينا نكلمو في اللي چاي ، قوللي أنتَ ناوي على أيه !! أنا عاوز أكلمها سيبني سيبني أحلها مع مرتي وبلاش تدخل وو
قطع جابو حوارهم راكضًا :
-ألحق يابا الحچ ، صديق قالب البلد على نچاة وعيقول أنها هربت مع الظابط رؤوف وِلد غالب ، والدِنيـا مقلـوبة قَلب ..
فرغ خليفة من مجلسه لما سمعه وهو يطلب من هاشم قائلًا :
-أخوك مش قاعد ، قوم تعالى معاي دِلوق !! هات العواقب سليمـة يا رب …..
~بالمطبـخ .
-من فضـلك كوباية شاي يا أم هارون ، نفوخي هيتفجر .
أردف هلال جملته بعد ما فارق أبيه الجالس على مراجل من نار بسبب المشاكل المتكدسة فوق رؤوسهم ، جلس على طرف المقعد الخشبي ونهضت أمه لتعد له كأسًا من الشاي بلهفة :
-چرالكـم أيه بس يا ولاد بطني ، محسب عليكم !! دي عيـن ، ورب العزة عين وأنت لازمًا ترقي البيت كُله يا هلال !!
ثم عادت إليـه متهامسه :
-بيني وبينك ، أنا بشوف كوابيس عِفشة وعيون عيون كِده مرقعـة الحيطان ومهمًا ما أبخر ولا حاچة محوقـة !!
هز رأسه ببشاشة :
-استهدي بالله يا أم هارون ، جميعها ابتلاءات واختبارات من عند المولى عز وچل ..
هنا اقتحمت زينـة المكان وهي تتمايل يمينًا ويسارًا والحقد يعقد خيمتـه فوق رأسهـا :
-خير يا عمتي، رغم انه باينلو مش خير واصل باللي عنسمعوه ، شوفتي نچاة واللي عملته !!
ثم شدت المقعد لتستريح على طرفـه :
-يامـا تحت السواهي دواهي بحق !! يرضيك اللي حُصل ديه يا شيخنا !! دي هربت مع عشيقـها والفضايح بقت قايدة واللي ماسمعش شايف دُخانها !
كور قبضة يده مغلولًا وهو يتحاشى التحاور معها هاتفًا بضيق:
-يامـا ، أسرعي الله يجازيكـي خير الواحد رأسه هتنفجر مش ناقص قـول وعيد !!
وضعت الشـاي بالكأس وهي تقول :
-أومال چرالك أيه أنتَ ومرتك العدمانة اللي مش نازلالي من زور دي ، من صُبحيـة ربنا رايحة چاية على الحمام تتقيا .. تكونش حِبلي يا ولدي!! يا وقعة !!
لم تمهله تلقي الصدمة فاقتحمت زينـة الحوار بسُمها وهي تلوى شفتيها أقصى اليمين وأتبعـت :
-ويـا عالـم حِبلى من چوزها ولا من اللي منـه ، يووه مش قصدي يا وِلد عمتى بس أنتَ قابلتها كام مرة عشان تِلحق تِحبل !!
طاحت يدي هلال ابريق الماء الزجاجي ليرتطم بالأرض وينتشر فتاته في كل الأرجاء وهو يقف كالسد المنيع بوجه زينـة التي يعاني في كظم غضبه عنها ولكن عينيه لم تفشل في ترهيبها حد تراجعها خطوة للوراء رافعًا كفه المتحمل بالجمر بوجهها الذي أطبق أصابعه بقسوة إهانتها في حق زوجته ، فانفجـر بوجهها قائلًا :
-لسانك لما يچيب سيرة مراة هلال العزايـزي يعرف حدوده زيـن ، ولو متعدلش أنا هعدله .. رقيـة ست البيت ديه واللي مش هيحترمها ويشيلها فوق رأسه هيلاقينـي في وشه ويا ويله !! فاهمة !!
تدخلت صفية لتربت على صدره بفـزع :
-هدي يا حبيبي دي عبيطة ومتقصُدش ، صل على النبي كِده ..
تجاهل حديث أمه الذي لـم يتغلغل لمسامعه فحرقته ثورة غضبه وهو يدنو خطوة منها مُكملًا :
-تعرفي حدودك زين ، مرتي مفيش عليها ذرة غبارة واحدة ، هي مش زيك الدور والباقي على اللي غارق في الوحـل ومش عارف يطلع منه ، هارون لما يرچع ليّ حديت تاني معـاه ..
ثم ركـل المقعد بقـدمه بعد ما أنصب الرعب بأوصالها وهي ترتجف قائلة بكهن والدموع الكاذبة تتراقص على مصل أهدابها :
-وأنا كُنت قُلت أيه يا عمتي!! لا ناقص يسفخني قلمين !! حقه منا ماليش راچل يقف في وش اللي يزعلنـي ، الحق على چوزي اللي مهمـلني ومعارفلهوش طريق !
-تقدري تقول لي يا عمـة أنا قولت أيـه غلط عشان ولدك يتحمق إكده !
-ماقولتيش ، وأصلا دي عدمانة وميتانة ، دي ولا حِمل حبل ولا نيلة دي ناصبة عودها بالمـرار !!
ثم استيقظ ضمير الأفعى بداخلها وهي تضرب على سطح الطاولة :
-بت سُهنة ونابها أزرق ، وديني وما أعبد منـا ساكتة ولا هعديهـا !!! وهتشوفي زينة بت صالح الطحاوي هتعمـل أيه عشان ولادك زودوها !!
دبت صفية على صدرها هاتفهـا على مسامع الحية المغادرة :
-يشندلك ! خُدي يـا حزينـة .. يخـربيت أمك !
أكل " هلال " خطاوي الأرض وهو يتسابق مع الأفكار التي تُلاحقه ، ففتح الباب بدون إذن مسبق كعادته مناديًا :
-رُقيـة !!
كانت ترقد بجسدها النحيـل ملتفـة باللحاف على الأريكـة خاصته وهي تعدل مُجيبة بتعـب :
-خير يا شيخ هلال !!
رفع اللحاف من فوقها وتغلغل ذراعه تحت رُكبتيها والأخر وراء ظهرها وحملها عنوة وخوفـه يُقاسـم معالـم وجـهه :
-قومي معاي !!
حملها على قلـبـه وهو بفتح باب المرحاض فوقع غطاء رأسها من عشوائية حركته :
-فيـه أيه فهمني طاب !!
أنزلها برفق وهو يفتح الصنبـور بالماء الفاتر ويغسل وجهها براحـة يده قائلًا :
-صفية قالت لي إنك عيانـة، هوديكِ لداكتور يلا البسي ..
رسى كفها الصغير فوق يده بهدوء وهي تبتلع بمرارة وجع عذرها الشهري المؤلم :
-مفيش داعي أنا زينـة والله ، شكلي خدت شوية برد من نومة الكنبـة !!
أغمض جفـونـه للحظة ليزيح عن رأسه فتيل النار الذي أشعلته زينة :
-رقية ، قولت هاخدك للداكتـور يلا ومش عاوز مناهدة!!
-مش مستاهله عقولك ، على بكرة هبقى كويسـة أنا عارفة روحي ..
ثم تحررت من سطو أنظاره وهي تتمسك بشرط الحبوب المُسكنة :
-شوف هاخد بِرشامة كمان وهبقى زي القِردة !! متكبرش الموضوع .
خطف الشريط من يدها واطلع على اسمـه متسائلًا :
-ديـه بتاع برد ومغصن ..
ثم شدت الشريط من يده بعد ما صوره على هاتفه و بهرولة لتقول مشتتة ذهنه لتقول بمزاح :
-ما أنت ليك كاتير عتنام عالكنبة !! اشمعنا أنا أول ما نمت عيت !! يلا عمومًا هي صحة ولا أنتَ مكنتش مسامح !
تمتم بسره وراء جفونه المقفولة :
-لا حول ولا قوة إلا بالله ..
توارت راكضة من أمامه لتحتمي بلحافها :
-رقيـة ، يلا هنروحوا للداكتور واسمعي الحديت !! أنتِ عتحكي كتير ليه !!
خشيت أن ينكشف سرها أمامه فرفضت قطعًا :
-مش رايحة حِتة .. هاخد البرشامة وهبقى زينة قلت لكَ .
أخرج هاتفه باحثًا عن اسم الدواء الذي تتناوله بفضول ليطمئن على حالتها ، فوجده مُسكنًا لكثير من الألآم منها آلام الحيض وغيرها ، فتنفس الصعداء وهو يخرج من المرحاض قائلًا :
-متأكدة انه برد ولا في حاچة تانية وأنتِ مش عاوزة تقـولي !!
-بردت والله ، متشغلش راسك ..
حك ذقنـه وهو يرمقها بنظرات المكر التي تحاوط أعينـه :
-طب قومي صلي معاي العشـا تاني وأرقيكِ لتكوني واخدة عيـن !!
ما أكمل جملته فتعرقلت قدمه بطرف السجادة متأوهًا :
-يااالله !! قل أعوذ برب الفلق !
فزعت من مرقدها ملهوفة :
-في أيه !!
-عين ، عين مقمـرة احتلت سمائي يا رقية !
تأرجحت عينيها بتوجس :
-مين حسدك بس !! تيچي أرقيك طاب !!
-شوفي أنتِ !! مش كِده يا رقيـة بس على مِهلك عليّ أنا لساتني عريس مخشتش دُنيا !! المهم دعك مني وشأني ؛ أنتَ كيـف حالك !
-زينة عقول لك ، وأنتَ مكبر الموضوع ليه تعالى أما ارقيـك ..
-دعي الرُقية لصاحبها ..
فتبسـم بوجهها قائلًا :
-صليتي!
ردت بخجـل وهي تتراجع للوراء وتهز رأسها يمينًا ويسارًا :
-لا .. قصـدي مِش عصلي !! بس هنام طوالي أهو وهصحى زي الفل ، كنت عيانة قوي العصر ووو
أمسك بمرفق كي يوقف رحيلها :
-نامي على سريـرك ، كي لا يستفـرد بكِ الشتاء بعد !
-وأنتَ ! هتنام فين ؟!
-هنام چارك ، اظن أن استفرد بكِ أهون من أن يستفرد بكِ برد الشتـاء !!
لطخ الخجل وجنتيها :
-وه!!! لا البرد أهون !
-أنا لا أمرضك لكن البرد يُمرضك !!
اندست تحت لحافهـا هاربة من سطوه :
-لا أنا عاوزة أمرض ، متشغلش بالك .. تِصبح على خير …
استغفر ربه سرًا ثم اندلعت منه تنهيدة ساخنة حرقت هواجس رأسه التي بختها بها الحيـة واقترب منهـا جالسًا على رُكبتين ليزيح الغطاء عن وجهها متصلص النظر لشعرها اللامع من كثرة نعومته ، تبادلت أعينهم المتوجـة ببيادر الحُب لتتهامس:
-فيه أيه !!
وضع رأسـه فوق جبهتها وهو يقـول بلطف :
-ألف لا بأس عليكِ ..
ثم بلل حلقه وأتبع معتذرًا :
-أسف عن أي تصرف صدر مني في غير أوانه ! لكن ما دخلي بهِ ، والله صب الشوق أحر من صبابـة أغسطس.
-شوق لميـن !!!
-لأمي .. لأمي ، صفية عارفاها !!
تلونت ملامحه بزهو الشوق المتوق إليها فارتعشت برهبة من ذلك النور المنبعث لها وحدها ، تمسكت كفوفها الصغيرة باللحاف والخجل يلتهمها ويتراكض الح :
-شيـخ هلال بلاش تبص لي كِده !!
كسا الحب ملامحه وهو يغازلها بملامحه بعد ما ارتاح قلبه من شكوكه ؛ قائلًا :
-أخبريني كيف للعين أن تتطلع في حقل الجمال ما دام الجميل يربكه نظرتي !
بللت حلقها الذي جف من وهج كلماته وأنفاسـه المحرقة بقلبـها :
-كبرت الموضوع ليه !! قصدي أقول لك عاوزة أنام .. تصبح على خير ..
اومئ رأسه متفهمًا حالتهـا ثم اكتفى بطبع قُبلة طويـلة على جبينها وقال متيمًا بشوق مدفون :
-تصبحي على الخير ونعيمه يا دكتـورة .. ربنا يهديكي !!
-يهديني لفيـن !!
-لطريقي !!
••••••••••
~القـاهرة .
تتشاجر "هيام" مع الأطباق بيدها لتفـرغ طاقـات الأسئلة التي تفتـقر الرد بداخلها حتى وصل صوت ضجيج الصحون لمسامع أخيها الذي يرتب شاله على كتفيه ، فاقتحم المطبخ قائلًا :
-ما علـى مهلـك يا هيام ديه مش مطبخ أبونا !'
-هطق يا هارون !! شايفاك عتغرز وأنا مش قـادرة ألحقك ولا أفوقك !'
أجابها ببـرود :
-ديـه ليـه يعـني !!!
جزت على فكيها بضيق:
-ليه !! هارون أنتَ كُنت هتطبق على روح وِلد عمك رفاعي لما بس قال أنه رايد بنت ماهياش من دَمـنا !! جرى لعقلك أيه شقلب حالك وكيانك !!
شبح ابتسامة متمـردة بدت على ملامحـه :
-عشانه چبان ، خاف من الموت وساب البت اللي رايدها !! الشعور القايد في قلبي ديه لو كان فـ قلبه قلبي وسابه يبقى حمار ومايستاهلش البت !!
-خايفة عليك يا أخوي !! أنتَ من ميتى عتفكر بقلبك دي !! دانت أبو العقل كُله !
-وعقلي مش هيفرط في البت اللي هچبته بردك يا هيام ، أهدى وأفردي بوزك دي ، أخوك عريس ولا أنتِ واخدة عرق من صفيـة وعاوزة چنازة تشبعي فيها لطم .. فكي لغـاية ما أشوف ليلة ..
زفرت بضيق:
-طـب يا أخوي ، طب ربنا يسترها والله قلبي ماهو مطمن بس ماشي ..
رفع سبابته محذرًا :
-هيام ، چوازتي من زينة دي كارت محروق ، ليلة ما تشمش خبر !! سامعة!!
انصرف هارون من المطبـخ تحت نظرات أخته المحترقة عليه وهو يطلق صفيرًا هادئًا لا يتناسب مع عصف المـوقف ، فتـح الشُرفة بأحد الغرف المجاورة وأخرج هاتفـه ليسجل رسالة صوتيـة لنادية بعد ما دس بطاقة المحاماة بجيبه ليقول بصوته الزئير :
-اقسم بچلالة الله لو المحضر اللي مقدماه ما اتسحب لـهلففك محاكم مصر كُلها ، من بكرة البلد كُلها هتعرف أن دكتورة نادية أبـو العلا معتخلفش وبالدليل ومش بس إكده دي حاولت تقتل البت اللي طالعه تقول أنها بتها عشان حتة أرض خايبة ، ورب العزة لهخليكِ تتمنى الموت ولا هطوليـه … أنت وقعتي مع اللي مبيحرمش مخلوق في الحـق !!!
ثم أرسل رسالتـه الصوتيـة وقفل هاتفـه ووضعـه بجيبـه وفارق الغُرفـة متجهـًا نحو الغرفة التي تختبئ بها " ليلة " ، دق الباب مرتين فهتفت ليـلة بصوتها المبحوحٍ :
-تعالـي يا هيـام ..
هتف من وراء الباب قبل أن يفتـحه :
-بس أنا هارون ، مِش هيام !!
رج الاسم قلبها وهي ترفع رأسها الملطخـة بالعِبرات :
-عايز مني أيه تاني !!
فتح الباب بهدوء وتسلل منه فوجدها تتكور بزاوية الأريـكة دافنة وجهها بمعصمي يدها وآثار الدموع جفت على وجنتها، دنى منها متحيرًا :
-وبعدهالك عاد!!
-أنتَ عايز أيه تاني !! هاااه .. مش كفاية اللي حصل لي !! مش كفايـة كده!!
ثم تدلت أقدامها لتُلامس الأرض هاتفة:
-هارون يا عزايزي أنت أفهم بقا ، أنا مش عايـزة اتچوزك !!ولو وافقت ده بس عشان الورطة اللي أنتَ فيها.
جلس بجوارها بهدوء:
-بس أنا عاوز ..وبكيفي .
أجابته بنفاذ صبر :
-وأنا لا .. مش عايزاك ..الله!!
-ليه يعني !!
لكت الكلمـات بفاهها :
-عشان !! عشان هتجوز شريف أنا خلاص أديتهم كلمة ..
رد ساخرًا :
-بليهـا وأشربي ميتها ، ولا بلاش ميتها دي مية عِكرة وأحنا مش ناقصـين !!
عاتبته بجزل طفولي:
-أنتَ كده هتطلعني صغيرة ومش أد كلمتي!!
رفع حاجبه بدون أي اندهاش:
-وأيه الجـديد !! طول عمرك صغيـرة ومش كد كلمتك!؟والدليل أهو ، فچاة نسيتي مين هو هارون !!
رمقته بسخرية وهي تمحو أثر الدمع من على وجهها :
-اااه ، شكلي اتعلمت منك !!
شبح ابتسامة خفيفة بدّ على وجهه:
-أنتِ كُل الزعابيب دي عشان خاطر شريف أبو العلا!! أومـال لو كان شريف منيـر كُنتِ هتعملي أيه !!
أغمضت عيونها بوهنٍ وهي ترفع وجهها للسقف :
-بردو بتهزر !! ليك نفس تهزر وأحنا في الظروف دي !! انا واحدة حياتها كلها ادمرت حتى … حتى حلقتي اللي مكسرة الدنيا وكل الناس بتتكلم عنها أنا مش قادرة أفرح بده!!
ثم أغرورقت الدماء بعينيها من جديد وقالت بندم :
-أنا كان نفسي بس أوصل رسالتي لشخص واحد وهو أنت!! فجأة لقيت نفسي قدام ملايين من الناس !! أنا اتورطت وورطتك معايا وورطت مامتي !! أنا مكنتش متخيلة أن كُل ده هيحصل !!
مسك ذقنها بأصبعيه وولى وجهها الباكي إليه:
-ينفع تبطلي تفكيـر وتقومي تغسلي وشِك ديه !! عم حسن والمأذون على وصول !!
-أنتَ مالك بتتكلم كأننا عرسان بجد !! أحنا بنعمل كده عشان بس أخرجك من ورطة أنت مش لاقي لها حل!!
ارتدى قناع العجز المزيف:
-مفيش في يدي حل غيره!! لو أنتِ عندك ألحقيني بيه!!
اعتصر الحزن قلبها وهي تسأله:
-يعني أنت بس هتتجوزني عشان متتحبسش!
احتل الحب جوارحه وهو يجفف دموعهـا بإبهاميه وبتعمق بعينيها الذابلة :
-أنتِ هتفضلي عاملة نفسك مش شايفة لغاية ميتى ! فكرك واحد زيي هيخاف من الحبس!! فكرك مش عارف أن أمك هتعمـل إكده ، آكيد مش هتعدي على محامي زيي!! ومتوقع الحركة اللي هتعملها أمك ومع ذلك كملت !!
لقد فاض صبرها منه:
-هاه بقا هو ده اللي عايزة أعرفه !! كملت ليـه!! وعشان أيه؟! عشان واحدة قلبك رفضها !!
اندفع بوجهها معترفًا :
-عشان واحدة قلبي رفض الكل وماقبلش غيـرها.
دلو مثلج انسكب فوق رأسها إثر انفعاله ، اعترافه ، هيئته التي تتصبب عرقًا ، لهفة صوته في إعلان حبه بطريقـة ضمنيـة ، خفف قلبها من مكانه وهي تسأله ببكاءٍ الصدمة :
-الواحدة دي تبقـى أنا !!!
غير مسار الحديث مؤجلًا اعترافه حتى تصبح ملكًا له أمام العالم :
-ليلة ، شايفة جزاة معروفي معاكِ أني اتحبس !! وأنتِ في يدك الحـل !!
ردت ساخرة وهي تتجرع آهات الامل المهشمة بصدرها بحرقة:
-لا ميصحش ، كِده هابقى ناكرة للجميل في نظرك طبعًا !! هو ده كل اللي هامك! طيب يارب تتحبس العمر كله ، وأنا خلاص مش مكملة ….
هنا اقتحمت " هيام " الغـرفة لتخبـر أخيها بقلق:
-أخوي ، الباب عيخبط .. عم حسن والمأذون شكلهم وصلـوا ….
••••••••••
"كنتُ دومًا أهفو إلى ماهو أبعد من وجودك ، كُنت اتوق إلى شعورٍ يمنح الدفء لجزءٍ من من قلبي أعتاد برد الوحـدة ، إلى صوتك خاصة عندما ينطق حروف اسمي ، إلى ارتداد شروق شمس تزورنا ونحن ما لبسنا كُنا رفاق للقمر طوال إلليـل ، إلى حكمتك ونصح الدائم لي أنك تفهمني من إيماءة واحدة بدون حاجة لتخرج الكلمات مني .. وبعد أعوام وأعوام ها أنا أمسك بين يدي ورقة الملكيـة ، ورقة إثبات ملكيتي لك لآخر العمر .. ها أنا أنعم في كنف الرحمـة والحُب كما وصفه قاضي الحب ، ها أنا أصبح ملك رؤوف القلب وصاحبه الأول ؛ شعور جميلٌ حد الرعب …
فتح رؤوف باب شقته الجديدة التي أجرها اليوم ، وبعد يوم طول قضاه برفقة نجاة وأبنها وفاتحته التي كانت بعقد قرآنهم ، ثم باشر تفاصيل يومهم بالتجول بالمولات والمتجرات التجاريـة وغيـره ..
كان يحمل صغيرها على كتفـه وبيده بعض الحقائب التي ابتاعها لهما منذ قليل ، وكانت تتبع سيره وبيدها الكثير والكثير من الحقائب وما خطت قدمها أعتاب الشقـة الجديدة القريبة من مكان عملـه ، وانغلق علي الحبيبين بابًا واحدًا .. تسلل رؤوف برفق لينيم صغيـرها وشرعت هي في تفقد الشقة المتكـونة من ثلاثة غُرف وصالة كبيرة إلى حدٍ مـا .. تركت الحقائب من يدها وأخذت تتجول بالمكان وأول ما قادتها قدمها إليه كان المطبـخ .. تسللت بهدوء لتتفقد أثاث الراقية والبسيطة وما تاهت في تفاصيله ، استدلت على خريطة شقوق يده التي حاصرت خصـرها بغتــةٍ .. فشهقت بصوت مكتوم :
-رؤوف !! عتعمل أيه !!
هام في تفاصيل حِجابها وهو يضمها إليه قائلًا :
-تعرفي أنا حلمت بالحضن ديه كام سِنـة ! اف ، طلع أحلى ما حلمت تِصدقي!
حاولت التملص من قبضته القوية متمتمة :
-رؤوف ، مازن يصحى بَعِد يدك بلاش الحركات دي !!
تغلغل في تفاصيلها أكثر وكأنه أراد إثبات ملكيتـه لها لآخر العُمر :
-مازن وأم مازن هيناموا الليلة دي في حضني ، تفتكري هعوز أكتر من كِده أيه !!يا بختي .
-رؤوف !! أنا هنام فـ أوضـة مازن وأنتَ هتنام في الأوضـة التانيـة .. مفيش الحديت ديه .
-تعالي نتفقوا اتفاق عشان شكلك هتغلبينـي !!
-طب هو الاتفاق ماينفعش غير وأنتَ مأنكشني كِده !!چرالـك أيه !!
-بالظبط ماصدقت قفشتك ،و ما ينفعش غير وأنتِ تحت يـدي كِده وحاسس بنبض قلبك … اسمعيني !!
تبسمت بارتياح وهي ترفع جفونها لعنـده :
-عاوز تقول أيه !!عيب الحركات دي على فكرة ديه مش اتفاقنا .
-عاوز أقول أني هنفذ كُل حاچة تحتاجيها حتى ولو كان لبـن العصفـور هچيبهولك ، إلا ..
تنهدت بخفوت والحب يبرق من ملامحهـا :
-هااه إلا أيه عاد !!
رد بحزمٍ :
-إلا أنك تعلميني أحبك كيف !! أنا هحبك على كيفي وأنتِ تقـولي آمين !! سبيني أعوض سنين غيابك عني !
خفق قلبها بتـوتـر :
-رؤوف ، أنتَ اتچننت !!
-بيكِ !!
ثم تحمـس قائلًا :
-تعالي أفرچك على أوضتنا ، هتعچبك قوي ..
خيم فطر الخوف على ملامحها :
-رؤوف !! استنى أنا خايفة ، زمانها البلد مقلوبة علينـا..
-تتقلـب وهي من ميتى كانت معدولـة !! المهم مش عاوزك تخافي من حاچة وأنا معاكِ .. أنا عحمي بلــد مش هحمـي مرتي وحبيبـة قلـبي .. !!
ما كادت أن تتحرك خطوة فصادفت مازن الواقـف أمام باب المطبخ يفرك بعينـيه قائلًا :
-أمـا أنا خايف ، تعالي نامي چاري !!
تحررت من يد رؤوف وهي تهرول لصغيرها بعد ما أرسلت له نظرة اعتذار :
-تعالى يا قلب أمك ، هنام أنا چارك .. قول لعمك رؤوف تصبح على خير ….
عض رؤوف على شفتـه متنهدًا :
-وأنتَ من أهله يا مازن أنتَ وأمك …
ثم دمدم متحسرًا :
-دي عين هاشم ورشقت..كان لازمًا تتسحب من لسانك وتقوله !!
•••••••
”ما لي وما للدُّنيا، ما أنا في الدُّنيا إلَّا كراكبٍ استَظل تحتَ شجرةٍ ثمَّ تأتي الريـح وتقتلعهـا من جذورها ، هذا هو سُلم حياتي باختصار ، خطواتي هزائم تُلتـى فوق قلـبي وعمري "
كانت تتوسط ذلك الفراش للذي يحويها دافنـة وجهها بين ركبتيها وتبكي بدون صوت تنتحب من شدة القهر ، دخل "هارون" من الباب بعد ما أخذ حمامه الدافئ وبدل ملابسـه الصعيدية لـ الرياضية السوداء التي ابتاعها قبل ساعات ، فلم يسمح لأخته أن ترافقها هذه الليلة ، فضل أن يتولى أمرها بنفسـه لقد زالت الحواجز بينهما .. ترك الباب خلفه مواربًا ثم تقدم إليها بمهـلٍ وهو يتأكد من قفل النوافذ كي لا تَبـرد .. كي لا يستفـرد بها صقيع الجو فيُضنيها أكثر يكفي ما سكن الهم بدواخلها .
جلس بجوارها وأخذ يمسح على ظهرها بضميـر مرتاح أنها أخيرًا بقيت له وملك يده بدون أي عتاب لصوت الضميـر القاتلة التي تبعده عنها .. نادى باسمها هامسًا :
-ليــلة ..
رفعت وجهها الشاحب والمبلل :
-نعم ..
-الدموع دي مش قولتلك مش عاوز أشوفها !! قولتلـك طول ما أنتِ معاي متعتليش هم ؟ مش طمنتك واتفقنا يا بت الناس!
دمدمت بخفوت :
-عايزني أعمل أيه يعني !! خلاص كُل حاجة راحت ، حاسة إني في كابوس ..
ثم أحست بصقيع البرد فمسحت على كتفيه برعشـة :
-كل حاجة في حياتي غلط ، أنا بحاول افتكر يوم واحد بس الدنيا صالحتني فيه ، مش فاكرة !! حتى أنتَ كنت مفكرة أني خلاص لقيت الشخص المناسب لكن أنتَ كمان خذلتني وكسرتني ، ده سوء اختياري صح !! مش كده ؟! انا اللي غبية وبمشي ورا قلبي من غيـر تفكير .. ولما اتجوز ؛ اتجوز علشان أنتَ متتحبسش !! شفت سخرية الزمن مني ومن قلبي!!
شدها برفق كي تقترب منه ، فدارت كزهرة عباد الشمس نحو مصدر طاقتها الأساسي عاقدة ساقيها وهي تكفكف دموعها ، تولى مهمـة إزالة الحزن عن ملامحها وسألها برفق وهو يعانق عينيهـا :
-أنتِ للدرچة دي شيفاني وحش!! طب قلبك مصدق الاتهامات اللي شغالة تحرقي بيها صدر هارون ديه من الصُبح !!
ارتعشت اكتافها وهي تنفي عملها:
-معرفش .. قلبي ده مش هسمع كلامه تاني خالص ، عشان هو اللي بيوجعني .. هو السبب في كُل حـاجة بتحصل لي !!
-معاي أنا وبس لازمًا تسمعي صوت قلبك .. عارفة ليـه !!
-ليـه!! ليه اشمعنا أنتَ !
أشار لقلبها بسبابته :
-عشام هو الوحيد اللي هيقول لك هارون مش إكده ، وهارون بردك مش اللي يوعدك بوعد وهو مش عارف هينفذه ميتى !! هارون لو فتح لك قلبه هتلاقي نار قايدة بتاكل فيه ، ميغركيش كلامي لانه عمره ما كان يشبهني ولا يشبـه الـ چواي .. أنا اتعودت على كِده !
عارضته معاتبة :
-أنتَ لو بتتكلم بجد كان لازم أعرف أنا كل ده! مش أحنا كُنا صحاب ؟ أنا مكنتش بخبي عنك حاجة ، أنتَ أهو اللي بتخبي!! كان لازم تبقى صريح معايا من البداية .. وحتى لما اتجوزتني اتجوزتني عشان مضطر لكده !! يعني مش عشان قلبك عايز ده !!
هز رأسه ولأول مرة يتفوه مندفعًا بدون تفكير ولكن بمنطوق قلبه قال :
-الراجل غير ، الراجل بفعله مش بقوله يا ليلة أنا اتربيت كِدِه ، أنا كُنت عكلمك في المحمول وبنضحكو وفي نفس الوقت قصاد باب المجلس داخلهم نناقشوا حوار چواز الدم من قبل حتى ما تقوليها كنت مقرر .. كنت مفشكل چوازتي مع زينة من اليوم اللي سألتيني فيه فين دبلتك .. من اللحظة اللي قلبك دق فيها في صدري!! فِكرك محستهاش !!
تلهفت لسماعـه بدموعٍ متأملة ومتألمـة :
-طيب وعملت أيه مع المجلس بتاعكم غيرت حاجة ؟!
رد بأسف:
-حاولت ألغيه الدِنيا اتقلبت .. اتورط أبوي يقول إني هتجوز زينة معرفتش اكسر كلمته رغم أني مش قاري اللي في راسـه .. لما جيتي البـلد كانت المشاكل حاطة فوق كتافي !! مكنتش قادر حتى اتكلم معاكي عارف أني هتهزم قَصادك ، مشيتك لغاية ما أعرف هعمل أيه !!
سرت بجسدها رجفـة العشق التي احتلتـها وهي تسأله بآهات مكتومـة :
-يعني أنا كنت صح !! يعنـي اللي حسيتـه أنتَ كمان كنت حاسس بيـه ومستني تظبط أمورك !! طيب ليه ما قولتش كده !! ليه مدتنيش أمل واحد أعيش عليـه ..
اعتدل في جلستـه ممسكًا بكفوفهـا المرتعشـة ، رفعهما لمستوى ثغرها ، فانحنى بشفتيـه المذمومة ليطبع فوق كل واحد منهم قُبلة طويلـة ، قبلة من نسيج خيوط العنكبوت التي تصنع ملجأ ومأوى لقلوبهـما ، قبلـة تنسج الوصال الأبدي بينهمـا .. فأبلغها الجواب بأسمى المعاني وأرقهـا .
فجأة تغيرت درجة حرارة كفها المثلج ليتحول لقبضتيـن ملتهمبتين كأن بداخلهم جمر ولست قُبل .. أحست بخشونة شفتيه التي ابتلت من نهرها .. أنفاسه تتدفق لعروقهـا بدون إذن حتى توقد القلب مع كفوفها ..
ظلت في غيبوبة السحر حتى فرغ وهو يراقب أعينها المهزوزة ويقـر ملكيته إليها:
-من اليوم أنتِ مراة هارون العزايـزي مش عاوزك تخافي من مخلوق خلقه ربنـا ..فاهمة؟ وكُل اللى چيه عليكِ هطفحه سنين عمره الباقية !! وديه وعدي ليكِ .
شدت كفوفها بارتباك :
-ولا حتى منـك !!
كسر جفاء الحديث بينهم بابتسامـة خفيفة :
-لا مني لازمًا تخافي ..
-يعني ايه !! أنتَ ناوي تزعلني تاني ؟!
-لا ما أنت هتخافي بس على زعلي .. يعني دموعك دي لما أشوفها بتچنن اللي چابوني بكون عاوز أكسر الدنيا بناسها وأجيبها تحت رچليكِ ..
تسربت ابتسامـة الرضا لقلبها بابتسامة أمنـة بطيف وجوده مغيرة مجرى الحديث:
-هي هيام فين !! مش سامعة صوتها؟
-نامت ..
أومأت بقلق تسلل لقلبها تود الهرب من أمامه :
-وأنتَ مش هتنام ! قصدي هتنام فين الشقة أوضتيـن بس!!
استغل حيلـه الماكرة لقضاء أطول وقت ممكن معهـا :
-قولت أچي اطمن عليكِ و أنومك وهقوم أنام في الصالة متقلقيش .
احتلت الغرابة ملامحها :
-تنومنـي !!
-مستغربـة ليـه !!
ثم تراجع للوراء مستندًا على ظهر الفراش صانعًا بركبتيه زاوية قائمة فجذبها برفق مثلمـا كان يفعل أبيها من قبـل ويداعب خصلات شعرها ، رغم خجلها الشديد إلا أنها استسلمت لعرضه لأنها في حاجة شديدة لتستشعر الأمـان .. لبت طلبه بهدوء وسندت رأسها على ركبته كحمامـة سلام تنكمش أمنة في موطنها بعد ما تحرر بعد أعوام من الخوف والتحليق العبثي.. شد الغطاء فوقها تغلغلت أناملـه بين خصلات شعرها برفق ، انسكبت دمعـة من عينيها على بنطالـه فأحس بارتعاشها ، مسح على جبينها وقال :
-نامي ومتفكريش في حاچة ..
تركت جفونـها للنـوم وترك يدها تتنقل بين جذور شعرها بحُرية وهو يربط برأس الأفكار المُشتتة :
-يعني أيه لو رچعت الصعيد لناسها هيقتلوها !! ومين ناسها اللي ضحوا في بتهم ورموها !! طب وأيه علاقة أبوي بنادية !! وأيه الأمانة اللي عيدور عليهـا !! وأبوي عرف منيـن اسمها !! كان عينادي عاوز يثبت لروحه حاچة أنا مش فاهمها !! وچاب منين الثقة اللي يقول لي هچوزهالك !!
قفز الفكر القانوني برأسه الذي يخبره :
-معقـول تكون هي نفسهـا الأمانـة اللي عند رفعت الچوهري وعيدور عليها أبوي !! يعني ليـلة تبقى عزايزيـة من دمي ولحمـي !!
زفر بامتعاض وهو يعتاب نفسه :
-چرالك أيه يا هارون !! أنتَ هتتچنن !! عتدور على حچة تقضي على اللي عملته !! فوق ومتستسلمش لأوهام ، الحرب قويـة !! ولازمًا تكون كِدها سيبك من الأوهام والحچچ دي…..
ثم تمتم لنفسه :
-وكمان أيه حوار هاشم واللي عمله !! بس ارچع له !! لكني هعاتبـه كيــف وأنا محروق بنفس النـار بتاعته !! يارب حِلها من عنـدك !!
كان يفكر في مصيرها المجهول تارةً ويتأملها طورًا يدقق في الياسمين المنثور فوق ملامحها و يسيل منها دمُ الليل أَبيضَ . يستشق رائحتها ضعفـه وبغيتـه ، حيث كان يتبع الطريق لقلـبه مثل لدغة أَفعى .
ذلك الشعر البنـي ، الأشبه بأوراق الخريف المتساقطة .. رغم كونه أول إمراة يلامسها بل كان يروضها ببراعة بخبرة رجل حاصل على الدكتوراة بأمور النساء ، كان قلبه يتبـع صدح مشاعرها قبل أن تئن بهـا ..
مرت قرابة السـاعتين حتى تراجع رأسـه للوراء وغفت لدقائق معـدودة لن تطول إثر فزعها من النوم وهي تصـرخ مناديـة على أبيهـا برعبٍ ، فتح جفونه على صوتها مذعورًا :
-ليـلة مالك !! ليلة متخافيش ديه آكيد كابوس !!
كانت ترتعش كقطعة قماس متهريـة في مهب الرياح وهي ترتمي بحضنه لتخبره برعبٍ :
-الراجل جيه تاني .. جيه تاني عايز ياخدني من بابي …
دار ليناولها قرصًا مهدئًا وكوب الماء :
-طب اشربي واهدي !! خدي ..
تجرعت جرعتها من الدواء وهي تنتفض تحت يده التي تُسقيها الماء ، ارجع الكوب مكانه وسألها :
-شوفتي ايه !!
-حلم بيتكرر كتير أوي معايا ، من وأنا صغيرة ، في راجل بيجي في المنام شكله غريب بيكون عايز ياخدني من جدو أو بابا معرفش ليه ، وبيقولهم دي بنتي أنا .. وكل مرة بكون خايفة وتايهه ومش عارفة الراجل ده عايز مني أيه !!
ثم بثت شكواها إليه :
-هارون أنا ليه بيحصل معايا كُل ده !! أنا تعبت خلاص مش قادرة !! تعبت من كتر ما أنا بنام خايفة ! حتى النوم مش عارفة ارتاح فيه !
قبـل جبينها بعد ما تأكد من حديث العم حسن وإعترافه بعدم نسبها لعائلة الجوهري .. ضمها لصـدره وأخذ يربت على كتفها بحنان ذاخر وهي مستسلمة ، لا يزور الخوف أو الخجل قلبها ، بل كانت كالطفل الصغير الذي يستشعر كل الروائح باحثًا عن أمه من بينهمـا ، سُلبت من عالمها برمته وأوجاعها التي حطّمت أصولها وهو يقرأ على رأسها فاتحة الكتاب كي تهدأ بين يديه حتى غرق الاثنان في نوم عميق وكلاهما متشبثًا بالآخر …… كل منهما وجد ضالتـه آخيرًا ..
••••••
~صبــاحًا .
تسللت "زيـنـة" في الخفاء وبعيدًا عن أعين الحرس لتخرج من دوار الحج خليـفة وتواصل سيرها لمقـر المجلس الذي يبعد مدة قدرها ربع ساعة سيرًا على الأقدام ، لتقـف أمام شيوخ وكبرائهم لتشكو ظُلمتها :
-أنا زينـة بت صالح الطحاوي ، هارون العُمدة بتاعكم هملني ليلة دُخلتي وطلع رمـح على البت البحراويـة ، أنا عاوزة چوزي وعاوزاه يبعـد عن البت دي قبل ما تبُخ سمها في راسها وتغويـه ونخسروا عمدتنـا وكبيرنا … أنا عاوزة چوزي يرجع لي …….
•••••••
يتبع …..
(4)
"ألاَّ رُبَّ خَصْـمٍ فِيْـكِ أَلْـوَى رَدَدْتُهُ "💥
اعتدتُ أن أعطي الفرص الأخيرة ، لا انسحب من أول صفعة قلم ، من أول جولة ؛ الحيـاة بالنسبة لي فُرص ولكنها محدودة للغايـة حتى لا يتحول العطاء لاستغلال !! أن أمنح لمن خذلني فرصة والثانيـة والثالثة فحسب لأنني ببساطة لم أخشى فقدانه بل لأنني أعلم جيدًا إذا رحلت لن أعود مهما حدث ! أدفع الثمن كبريائي لتبقى ، لنطوي صفحات الخطأ لـ تكون بنظري آمنًا دون تشويه صورتك في خيالي .. لتختار أنتَ بنفسك النهايـة وأبتـر بنفسي ساق الحنين كي لا يطأ عتباتي مرة آخرى …
_نهال مصطفى .
•••••••••••
-"فين العروسـة يا عـم حسن ؟!"
أردف المأذون هذه العبـارة بعد ما ترك كاسـة الصودا التي قدمتها هيام ورحلت ، تأرجحت عيني هارون بقلق لتلتقي بعيني العم حسـن ، وسرعان ما ظهرت أخته من باب الغرفة التي تختبئ فيها العروس الرافضة له بإصرارٍ ، خيم فطر اليائس على ملامح هيام فتفهـم هارون الأمر سريعًا ووثـب مستئذنـًا :
-هشـوفها حالًا يا مولانـا ..
مر بجانب أخته التي ترتعد من الخوف طالبًا منها كي لا تتبع خُطاه للداخل :
-هيـام شوفي قهوة مولانا عيشربهـا ايه .
ثم تقدم بخطواته الثابتـة للداخل وقفل الباب خلفه فوجدها تجوب خطاوي الأرض كالنحلة التي تفتش عن مأوى ولم تجـد، ما رأته دارت نحوه محذره وبوجهها الشاحب أمرته:
-أنتَ تخرج من هنا تمشي عمو المأذون من بره ، قوله العروسة مش موافقة .. ومفيش جواز ولا كتب كتاب ، مفيش حـاجة خالص.
ثم اندفعت بجنون متأهبـة لمغادرة الغرفة فكان ذراعه كالحصن المنيـع أمامها ليلتقطها قائلًا :
-اهدي اهدي !! مالك بس ؟مزرزرة ليـه ؟!
وقفت تحت مظلة أهدابه وكفها مُعلقًا بمعصمه لتقول برجفة :
-مش عايزة اتجوزك !
رفع حاجبه مسايسًا الابتسامة الخفيفة تجتاح وجهه :
-ليـه !! خايفـة مني؟!
ثم كفكف دمعة متمردة مثلها من فوق وجنتها وأتبع :
-بصي في عيني وقوليها .. خايفة مني ولا مش واثقـة فيّ ؟
انتابتها رعشة مباغتـة وهي تتطلع لشمسه المضيئة :
-هتفرق!!
-آكيد! لو إنك خايفـة هطمنك بطريقتي .. مش واثقـة دي عاد فيها حديت تاني !!
أومأت رأسه بالإيجاب وخرج صوتها المذبوح وهي تتعلق بحبل نظراته الممتدة :
-أنا خايفة .. كل حاجة حوليا تخوف .. أنا لو في غابة لوحدي مش هكون خايفة كده ! كل الناس وحشة بشكل مرعب ؛ كفاية مش عايزة اتصدم في حد تاني ..
-بس أنتِ مش في غابة ومش لوحدك عشان أنا چمبك ومش هسيبك مهمـا حُصل.. غصب عنك أنا چمبك .
ثم أرجع خُصلة من شعرها وراء آذانها وأتبع :
-بطلي چلع عيال ويلا المأذون مستني ..
بللت حلقها الذي جف وهي تبتعد عنه خطوة وتقف أمامه :
-طيب ما تيجي نفكر في حل تاني غير الجواز ده ..
-زي أيه مثلًا !!
-يعني سيبني أروح لمامي وأقنعها أنك معملتش كده وهي هتسحب المحضر وبس .. وأنت مش هتتسجن .
تلعثم لسانه باختناق من براءتها المتزايدة :
-ولو مرضيتش !! وحكمت راسها .. هيكون أيه الحل ؟
فكرت لبـرهة :
-مش عارفة بس أنا هقنعها والله .. طب قول لي انت لو اتحبست هتاخد كام سنـة !! عشان لو مدة صغيرة ..
قطعها بخطوة منه كانت كافية أن تبتلع بقية كلامها :
-وههون عليكِ تسبيني اتحبس حتى ولو يوم وأنتِ في يدك الحل !!
توترت:
-اه عادي ، السجن للجدعان .
استغرب أمرها قائلًا :
-دا أنتِ مكنتيش تعرفيني وكنتِ هتلبسي في جريمة آثار !!
لكت الكلمات بفمها مع ارتعاشة تلك الشفاة التي يود قطمها بفكيه وهي تقول بعبرات منسابة :
-أنا مابقتش فاهمة حاجة وكل حياتي بقيت كئيبة ومملـة .. قول لي أعمل أيه !! أنا خلاص ضعت .. والدنيا كلها بقيت عارفة إني بتعالج .
-دي حاچة متعبكيش يا ليلة ، وأنتِ زي الفل ، مسألة وقت وهتبطليها .. يلا عاد.
-طب استنى ، لو اتجوزنا دلوقتي هنطلق أمتى!
رد هارون بمسايسة:
-بكرة أخر النهار .
طوت شعرها للوراء وتقدمت مرتدية " بيجامتها " القطنيـة وقالت بفتور :
-تمام .
-استنى هنه ، كيف طالعة بالبيچامة دي!!روحي شوفيلك هِدمة عِدلة .
-مالها ماهي بكم وواسعة !! ولو مش عاجباك خلاص كنسل الموضوع ومش هطلع .
تأفف بضيق:
-ليــلة .. قولت غيري لبسـك .
" أضيـعُ من قمـر الشتاء "
هكذا كان الوصف الكافي والوافي لحال قلبـه الذي عاش طويلًا يستنكر الحُب ، بعيدًا عن سماءه ، لا أحد يقترب من قلبه المجحف لأنه كثير البرودة ، مخيف ، الجميع يفر منه ..
هل تعلم أن :
للنجوم طريقةٌ في النوم دونَ إساءةٍ لليل تسهر نجمةٌ وتنامُ أخرى
كي يظلَّ الضوءُ في ميزانه تجري الملائكةُ الصغارُ وتفتح الآفاقَ ثمةَ سهرةٌ تضفي على نوم النجوم ، هكذا هو حال القلوب العاشقة تمامًا .
تأرجحت عيني "هارون" النائم والذي يتذكر تفاصيل ليلة الأمس وكيف أقنعها كي تكف تمرداً على طلبه .. كانت نائمة ورأسها تقطن بقاع صدره وبالأخص فوق قلبه تحديدًا للحد الذي جعل قلبه يتنهد قائلا :
-أدركت أن القلب لا يُسمى فؤادًا إلا عندما يسكنه الحب ورأس من تحب !!
كان كفه الأيسر مندساً بين خصلات شعرها .. والأيمن يضم على كفها الصغير الراسي فوق بطنه .. تغلغلت رائحتها لأنفاسه وهو يتأمل روعة شعور أن تنام بحضنه إمراة تمناها من صميم قلبه .. تأمل تفاصيل ملامحها المقفولة والنائمة كالملائكة وهي تنعم بنوم هادئ بين يديه .. مما جعل قلبه يخلق العديد والعديد من الاسئله .. أي قدر ألقى بك لقلبي يا فتاة ؟! ماذا فعلتي ليخضع لك الجبل ويتمنى الموت بين يديك ؟ أي قدر هذا الذي جمعني بك تحديدا ولِمَ أنا بالأخص ؟! ما هو سره وماهي هي خبايا الزمن !!وما هو الحد لتلك المشاعر التي خانت صاحبها وتمكنت من قلبه على سهوة ؟!
شد رأسه ليطبع قبلة خفيفة على رأسها متأوهاً بمرارة:
-عملتي أي في حياتك عشان تقعي في جُحر تعابين زي ديه ؟! طيرة عمية زيك هتعمل أيه بروحها في الغابة دي !!
راق الأمر لكفه أن يداعب خصلات شعرها بحنان واجتاحته ابتسامة نعيم الحب في ظل حبيبك وهو يتنفس بارتياح :
-يا أبوي لو تعرفي أنا حاسس بأيه دلوق طلع عندِكِ حق يا أحلام وأنا اللي كُنت مغفل !! أحساس أني عاوز أخدك من الدنيا كلها ونهربوا لبعيد .. لأجل عينك ما تشوف وجع الكسرة تاني !!
تنهد واعدًا :
-واللي خلق الخلق لأعيشك في چنة هارون العزايزي للدرجة اللي تنسي فيها كل اللي فاتك !!
ثم زفر بحزن بالغ :
-كُنت مفكر أني هتچوز عشان أخلف لي عيليـن ، بس ربنا رزقني بعيلة متشعبطة في قلبـي وأنا المسؤل عنها كأنها مني !! شوف ياخي الزمن !! ملهوش مسكة ولا كبير .. لوى دراعي وقلبي !!
أحس بحركتها وهي تتململ ببطء بحضنه كطفل يمرح بأمان أمه فقل جفونه بحرص كي يهرب من سطو تمردها على الريح التي جمعتهما في فراش واحد وفوق قلبه النابض بحبها .. تحركت جفونها المستيقظة على صوت ضربات قلبه الهادئة واحتوائه كلها ولأوجاعها .. تأرجحت عينيها بتيه في حقل الشعور الغريب الذي يسكنها .. رغم كل المصائب المتكدسة فوق رأسها ألا أن شعور ليلة العيد كان يهلل بقلبها ..
ملأت جيوب صدرها من رائحته ثم ألقت نظرة على كفها الصغيرة المختبئ بقوقعة كفه .. الدفء الرهيب الذي يغمرها بدلاً من برودة الوحدة .. رمت كل خيباتها من سنوات العمر وراء ظهرها وظلت تتأمل تفاصيل حضن ذلك الرجل الذي آمنت بداخله .. رفعت جفونها ببطء لتلقى نظرة على تفاصيل وجهه النائم .. فوجدت نفسها كمن ألقى نظرة على الجنة من نافذة قريبة جدًا :
-قلبي لا يتذكر شيئًا سوى أنه فتحت الباب فدخلت كل هذه الأيام غير المفهومة وتُهت بين دروبها .. أي مسار اتبعه القدر ليكون صدرك وسادتي يا رجل !!
لطخت حمرة الخجل وجهها فكانت أول مرة ترافق رجل في مرقده بعد أبيها وجدها .. ولكن ماذا عن كم المشاعر المتدفقة إليه ؟ انعقد حاجبيها بذهول حول أمرها لأنها بالفعل لا تود التزحزح إنشا عنه .. قفلت جفنيها ثم فتحتهما مرة آخرى وهي تتسائل :
-هو أزاي حلمي اتحقق بالسرعة دي!! هو أنا بحبك ولا بكرهك ؟! طيب أزاى أنا مستسلمة لحضنك كده أنت عملت فيا أيه بس ! أنا مش خايفة ليه !!
ثم أطلقت تنهيدة خفيفة داعبت ملامحه النائمة بتصنع وغمغمت لنفسها وهي تتجاهل صدح قلبها :
-جرالك أيه بس يا ليلة فوقي !! ياريتني ما حبيتك بجد !! عمري ما اتخيلت أن الحب ده بيوجع أوي كده .
ثم نفت اللوم على قلبها سريعاً :
-لا لا ده يا بختي بحب رجل زيك .. أنا أصلا عمري ما هقابل راجل يملا قلبي زيك بعد ما نطلق !!خلاص أنا اكتفيت بيك لآخر عمري يا هارون يا عزايزي أنتَ .
ثم جحظت عينيها بخوف لتتذكر أمر طلاقهما المفروغة منه :
-نطلق !!!
فزعت من حضنه ملدوغة بسُم الحقيقة ففتح عيونه للتو فتلاقت الأعين المغرمة والذائبة ببعضها ليزيد من حد توترها وهي تتساءل :
-أنت مين نيمك هنا ؟! ده مش اتفاقنـا!!
ثم أرجعت خصلة متطايرة من شعرها وراء اذنها وأتبعت متمردة :
-مين سمح لك بده !! ولا أنت فاكر عشان كتبنا الكتاب بقيت متاح ليك في أي وقت خلاص !! لا انسى وانسى كمان ليلة بتاعت زمان .. أنا مابقتش هبلة خلاص .. بقيت عارفة كل حاجة وبعرف اتصرف .
فبللت شفتيها اللاتي جفت من حرارة نظراته إليها ليزيده الرغبة في تقبليهما وهو يعتدل من نومته منصتاً لثرثرتها المحببة لقلبه .. فأتبعت مبررة :
-أنا مش فاكرة حصل أيه أمبارح عشان أنام جمبك بس اسمعنى ومش عايزاك تجادلنني أنت فاهم !! تنزل دلوقتي تقدم ورقة جوازنا دي في القسم وبعدين ترجع تطلقني !! أهو هبقى مطلقة بسببك عشان ترتاح .. وبعدين يا دار ما دخلك شر .. أنت من طريق وأنا من طريق .. وكفاية لحد كده.
ثم توترت شفتيها متأهبة للرحيل من جواره :
-وبلاش تبص لي كدة عشان بتوتر ونفذ كل الكلام اللي قولته لو سمحت ..وو
صبت بقية كلماتها بصدره الذي جذبها إليه عنوة لترتطم بصخرة ضلوعه التي تفتك بمشاعر أنثى رقيقة مثلها .. تأملها ملياً وهو يداعب أطراف شعرها بابتسامة لا تتناسب مع لهب تمردها وثرثرتها :
-صباح الخير ..
تمتمت ببلاهة وهي تغرق به وبنظراته وبأنفاسه التي تشعلها نارًا ونورًا :
-صباح النور ..
أتبع هارون متسائلا بحـبٍ :
-نمتي زين ؟؟
أومأت بخفوت وهي تستلذ النظر لملامحه الهادئة التي لم تراها من قبل وقالت :
-أيوة نمت .. حضنك حنين أوي على فكرة .
تذبذبت ضربات قلبها كما بد صداهم على شفتها وهي تبرر بسرعة :
-حنين زي حضن بابا بالظبط .
دارت لتفر من سطو تجردها وسذاجتها أمامه فأمسك بها ليمنع رحليها لتعود لصدره مرة ثانية وهو يرمقها بلهفة الشوق .. فغمغمت خائفة :
-في أيه تاني !!
جلى حلقه فتحركت تفاحة آدم برقبته ونظراته تتلألأ قائلاً :
-مكانك ودايما مفتوح لك ..
برقت عينيها بدهشة :
-لا مش عايزة !! قصدي يعني ممكن تسيبني عايزة أقوم ..
رفع حاجبه ذائبًا في شربات ملامحها التي يود ترجعها دفعة واحدة :
-ليه !!رايحة فيـن ؟
-عايزة أروح الحمام ... لو مفيش مانع يعني .. ولا فيه !
رُسمت ضحكة ساحرة على معالمه وهو يحرر معصمها من قبضته مشيراً بيده أن تذهب ..ولكنها لم تتزحزح أنشا واحدا من جواره .. تمنت ولو يقف بهما الزمان والمكان على حدود نظراته ودقات قلبه .. فخلقت حوارا عبثيا معه :
-هتنزل النهاردة تروح القسم وتقولهم أحنا اتجوزنا !!
رد ببرود :
-ليه !! أنا ما عروحش لحد !! واللي عاوزني يجيلي لغاية عندي وهرزع ورقة چوازنا فـ عينه .
فأتبعت بارتباك:
-أحم !! قصدي يعني عشان هتطلقني أمتى !وأرتب أموري وكده .
حك ذقنه متجاهلاً عبثها وقال :
-أعملي حسابك هننزلوا في تصوير حلقة ليكِ .. وهتنزلي معاي العزايزة آخر النهار ..
زام ثغرها بصدمة :
-نعم وانت عرفت ازاي !! قصدي مستحيل !! لالا أنا مش هروح هناك تاني أبدا .. عمري .
-دي بلد چوزك يعني بلدك !بالعربي مطرح ما چوزك يروح رچلك على رچله .
وقفت مدارك عقلها على حد الجملة وهي تتسائل بحماقة :
-مين جوزي !!
تعلقت بحد أهدابه المشدودة فلحقت نفسها :
-أه أنت صح نسيت معلش مش متعودة !!
أردف بصرامة :
-تتعودي !!
-هاه لا أنت مش جوزي .. أحنا هنطلق بعد تصوير الحلقة على طول صح!
-ديه مين اللي قال كِده ؟!
-انا قلت ؟؟ قصدي أن ده اتفاقنا ولا انت نسيت ولا أيه !! أف متوترنيش لو سمحت .. أنتَ نسيت؟!
اتكئ على راحة معصمه ومرفقه مستندا على ركبته الثنية وهو يغازل أطراف شعرها بهدوء :
-ومين قال لك أني ناوي أطلقك ؟
رُدت الكلمة كالرصاصة بقلب ليلة :
-أحيــــه !! يعني أيه ؟
غمز بطرف عينه معلنا ملكيتها لأخر عمره :
-هو انا نسيت أقول لك أن في عرفنا مفيش طلاق !!
-يعني أيه مفيش طلاق ؟!أنت بتقول أيه !!
كرر " هارون" جُملته بهمـلٍ حاسمًا أمره معها :
-يعني أنا مش هطلقك .. و أنسى الحديت ديه من راسك .
-ومين قال لك أني هسمح بالجنان ده !! عرفكم ده في بلدكـم مش عليا ..
-تؤ انسي !!
قاسم الرعب ملامحها وهي تنتفض وتتراجع للوراء لتتخذ نفسها بصعوبة بعيدًا عنه من وقع الصدمة :
-انسى أيه بالظبط !؟
-أنسي الدِنيا كلها ومتفتكريش غير حاچة واحدة وبس .. هي أنك مراة هارون العزايزي .
••••••••••••••
~العزايـزة .
تكـدسـت المشاكل بالعزايزة لتتحول لكرة ملتهبة تحاصرها النيران من كل صوب وحدب ، كل بيت يخفي تحت سقفـه دخان حرائقـه من جُملة الكوارث المُحيطة .. أشعـل خبـر هروب " نجاة " البلدة بأكملها ، وأعلن أهلها وأولاد عمومتها قتـلتها هي ورؤف وانتشروا في ربوع البلدة يبحثون عنها .. وتضاعفت الأحداث بشكوى زينـة التي فجرت بقلب المجلس وقدمت الفيديو التسجيلي الخاص بحلقـة " ليلة " للمجلـس وترجت شيوخه بألا يكشفون أمرها .. فهي كل ما تُريـده عودة زوجها لبيتـه بعيدًا عن سُم هذه الحيـة ..
خرجت " صفيـة " من غُرفـة المخزن بعد ما حسبت قدر المحصول الذي يحتاجه البيت من القمح .. ألتقـت "بهلال" الذي يحمل بين يـده مائدة الفطار لزوجتـه ، فعلى صوت اعتراضها :
-خُد خُد .. أنتَ واخد الوكـل ديـه ورايح بيه على فين يا هلال !
رد بهدوئه الذي لم يخلٌ من ابتسامته التي لم تتناسب مع شرارة المواقف دائمًا :
-ديـه فطوري أنا ومرتي يامـا ..في أيه ؟!
صاحت بوجهه متمردة :
-وأنا معنديش حريم يطلع لها الفطور لغاية سريرها يا هلال !! والچلع ديـه مايلدش عليّ .. دي مش قِناية حريم تعيش في بيـوت .
-دي مريضـة يا ما ، ولازمًا تتغذى زين !! أيه نچوعوها !!
لوحت بكفها بضيق:
-مريضة وعيانة وميتانة منچلعوهاش يا ولدي ، يا وِلد بطني !! نغيروها .. المراة الصُح ما تستموتش قصاد چوزها .
ثم وشوشت له بنصـح :
-أسمع كلام أمك ، سيبك من السهتانـة دي وأچيب لك واحدة عفيـة تملي عيـنك وتشد حيلك .. تصـدق غوث بت النچعاوي برقبتها .
تنهد دافنًا إهانة أمه بحق زوجتـه قائلًا بنبرته الاستفزازية :
-وأن چاءت من تملأ العين !! من أين نأتي بمن تملأ القلب يا صفيـة ؟!
-سهله ، أچوزك التالتة والرابعة .. أهي واحدة تملى القلب والتانية تملا العقل واللي تملي العين .. ولدي قدها ، وسيبك من اللي مفهاش حيـل تملا كوباية ميـة دي !
هز رأسه مقتنعًا :
-رقيـة ماليـة حياتي كُلها ياما ، وفكك منها لوچه الله ، دي غلبانة ويتيمـة .
-والله ما حـد غلبان غيرك !بلفت عقلك.
ثم شدت منه مائدة الطعام :
-وهات الوكل ديه ! مش هنچلعـوا الحريم أحنا ونمرعوها علينـا .. قولها تندلى تاكل وسطينا .
-ما نچلعوهم ياما !! أحنا چايبينهم من بيت ناسهم نعذبوهم يعني !!
أبى أن يعطي له المائدة متقبلًا الأمر بمزاح ؛ فغير مجرى الحديث :
-وأنتِ مزعلة روحك ليه !! هو أبوي عمره ما چابلك وكل لغاية السرير ولا أيه !
رفعت أصبعيها بوجهه مستنكرة وهي تبث شكواها :
-ولا عمره عملها في حياته ، كنش يعملها غير لأحلام على طول سايقة العيا ، أما أنا كنت قوية ومش مستنية حاچة من حد !! لكن مش عارفة أبقى حما قوية للحريم المچلعة دي!!
انضم " هيثم " لهما وهو يعبث بمفاتيـحه :
-حسكم عالي ليـه !! مالك بمولانا يا صفيـة .. ما تسيبي العريس في حاله .
ثم تفقد الطعام وهو يلتهم قطعة من الخيار :
-لمين الوكل ديه !! ليّ ؟!
حدجه هلال :
-خليـك في حالك أنتَ كمان مش ناقصاك !كفاية أمك .
-أنتوا عتقولوا أيه ؟!
تدخلت صفية لتشكو لهيثم :
-احضرنا يا عاقل أنتَ يرضيك أخوك القيمة والسيما ديـه يطلع الوكل لغاية فوق لمرته !! ما تقول حاچة يا هيثم !! عقله ووعيه !! قوله مش عاوزين الحريم تركب وتدلدل فوق رووسنا .
فأعقب هلال ليهرب من حصار أمه :
-وأنتَ يرضيك يا هيثـم أبوك ولا مرة عملها لأمك وكان تملي يعملها مع أحلام !!
ثم غمزه له وهو يتأهب للذهاب :
-شوف الموضوع ديه ولازمًا تحله ..
عادت "زينة" من الباب ، ما رأها هلال انقلبت ملامح وجهه بامتعاض وولى ظهره مستغفرًا ربه كمـن رأي جنيـة .. دارت صفية إليها :
-يشندلك !! كُنتِ فين يا بت من صباحيـة ربنـا ومن غير ما تقولي لحد !
ارتبكت لتخفي سرها:
-كنت في الأجزخانة عچيب حاچة .. هطلع فوق بالأذن ياعمتي .
تسللت زينة بهدوء لتختفي من ساحة البيت بعد ما فجرت قنبلتـها بقلب المجلس ، نظر هيثم لأمه قائلًا :
-البت دي مالها !! وش الملايكـة دي مش لايق عليها !دي في مصيبة من تحت راسها!!
-دي غلبـانة .. الدور والباقي على العقارب اللي چايبينهم أخواتك اللي چايين بالخراب !! ولما نشوفوا وقعتك أنتَ يا موكوس..
هز رأسه فارحًا :
-وقعتي چميـلة بأمر الله يا صفية ولون عينيها أخضر وهي اللي هتچيب لك من الآخر ..
-والنعمة ما خايفة غير منك .. يابختك المايل في عيالك يا صفيـة .
رن هاتف " هيثم " في هذه اللحظة ليجيب على الفور:
-قول يا مرسي !!
-ألحق يا سي هيثم ، وِلد الفاو متقدم للست چميلة وچايين يقروا الفاتحة الليلة …
جحظت عينيه بتوعـد :
-چيه لقضاه .
فصاحت صفية باختناق:
-كلم أخوك قوله يعاود يا هيثم ، أنا خلاص تعبت منيكم يا ولاد بطني .
هتف هيثم مستنكرًا :
-ولا أعرف طريقه ياما ..
~بغُرفـة هلال .
-مـاله هيثـم ، حـِسه عالي ليـه تحت !
اعتدلت رقية في نومتها وهي ترفع القربة الطبية عن بطنها والتي ابتاعها خصيصًا لها هلال بعد أداء صلاة الفجر ، قفل الباب خلفـه وهو يقول بمزاح :
-عاوز يبقـى عم ، معرفش مستعچل على أيه !! الواد ديه من يومه وهو متسربع حتى اتولد على ٧ شهور من السربعة بتاعته .. اتولد ناقص نمو وعقل ..
قال جملته وهو يترك المائدة على الطاولـة الصغيره فصعقته بالجواب :
-كلها كام شهر وهيبقى عم ، هو نسى مراة أخوكم ولا أيه !
تجمدت ملامحـه :
-ااه مراة هاشم!! صح !! شكله نسى .. المهم يلا قـومي افطري قبل الوكل ما يُبـرد .
ثم أتبع محذرًا :
-رقية ، زينة متعرفش حاچة عن مراة هاشم ، دول قالولها قريبة ليلة لغاية أبوي ما يشوف حل .
-ماليش حديت معاها ، دي بت تعبانة في راسها .
وقفت بجسدها الهزل أمامه بحزن :
-وأنت معندكش حـل لأخوك ، حرام والله حالتهم تقطع القلب.
تنهد بكلل :
-هاشم صعبهـا على روحه يا رقية ، متقفلة معاه من كُل ناحية ، بس آكيد هتتحل بس يعاود هارون وهنقعدوا نحلوها .
بللت حلقهـا متفهمـة:
-أن شاء الله تلاقوا الحـل .. بس أنتَ چايب الوكـل بنفسك ليه تعبت بس.
قسم الخبر بينهما ليأخذ نصفه ويمد لها النصف الأخر :
-تعبـك راحـة للقلب يا رقيـة .. اشربي اللبـن الأول يدفيكي .
امتد كفها المرتجف من حِدة نظراتـه وهي تهز رأسها بالإيجاب فوقع عنها حجاب رأسها ،فلكت اللقمة بفمـه متفوهًا :
-يالله !!
كان الكوب سيقع من يدها من شدة الارتباك ولكنه تلقاه بيده ليقول معاتبًا وهو يتأمل خصلاتها الحريرية المتدلية على وجهها :
-انتبهِ ..
توقفت عن محاولة تغطية رأسها بدون خجل أمامه وتركته كما هو لتقول بحماس:
-النهاردة هعملك كيكة هتحبها قوي .. دي عشان أنتَ مسبتنيش طول الليل وفضلت قاعد چاري لغاية ما نمت .. يعني هقولك شكرًا بس بطريقتي .
أشرق الفرح من وجهه:
-يابركة دعواتك يا صفية !
-عمتي صفية !! ليه قالت لك أيه عني ..
ارتشف رشفة صغيرة من الماء مستغفرًا بسره لكذبه الأبيض المتكرر :
-قالت لي يا زين ما اخترت يا ولدي .
~بالحديقـة .
-مالها عمالة تتقفـل من كُل حِتة كِده يا أبو هارون!! قول لي ناوي تعمـل أيه مع هارون وهاشم وكملت بالبت نجاة ، وكمان البت نغم اللي راحت بيت الچباس دي !!
أردفت " أحلام " جملتهـا بحيرة على مسامع خليفـة الذي أجرى مكالمة مع شخص مجهول بالنسـبة لمسامعها ، فتنهد مشتتًا :
-صديق مصمم يخلص على البت والواد .. وربنا يسـتر وما يلاقوهاش .. المهم طمنيني مراة هاشم عاملة ايه !!هي اسمها ايه يا احلام !!
-اسمها رغد يا حچ ، والبت حالتها عدم ومسكينة وفضلت طول الليل تحكي لي عن حال ناس في البدو .. بس ما قولتليـش .. هتعمل معاها أيه ومع ولدك .. دي مش طايقاه وراسها وألف سيف يطلقها.
حملق النظـر بزوجته مُعلنًا :
-قبل أي شيء مچلس العزايزة لازمًا يتشال .
ضربت أحلام على صدرها بخوف:
-وديه هيتشال كيف!! دي الناس روحها في المچلس اللي فاتح بيوتهم يا حچ .. ولما يتشال مين يتولى أمر الناس اللي معندهاش لقمة عيش دي.
-مفيش حد في العزايزة معندهوش اللي يكفيـه هو وعياله يا أحلام !! المچلس بيدوهم اللقمـة عشان يكونوا تحت طوعهم ..
تشبثت بيد زوجها :
-في أيه في راسك يا حبيبي ..
رفع جفونه إليـه :
-لازمًا نتصالحـوا مع بيت الچباس .. وبالخصوص بعد ما البت نغم قادت النار في قلوب عمامها وناويين على الشر .
فأردفت أحلام متوترة:
-دول واعرين و مقاطعين البلد بمچلسها ومعروفين أنهم متمردين على العزايزة كُلاً وو
فتمتم بحسـم :
-يرچع هارون وهقوله نعمـلوا أيـه …
أخرجت أحلام زفيـر الهم من صدرها :
-لازمًا تتحل قبل ما يعتروا على نچاة وولدها .. وقبل ما مراة ولدك تولد يا حچ ، والغلبان الطايح في بحري ديه ورا قلبه مش ناوي يرجع !!
وقف الحج خليفة مستندًا على عكازه وهو يقول آمرًا :
-أحلام ، كل البنات اللي عيشتغلوا هِنه مشيهم ، متخليش غير فردوس ، مش عاوزين سرنا حد يعرفوا ..
~بغُرفـة أحلام .
اقتحمت صفية حصون الغرفة بعد ما تأكدت من خلائها من أحلام لتغتنـم الفرصـة وهي تقفل الباب خلفـها ، اعتدلت رغد في جلستـها ؛ حتى انفجرت صفية قائلة :
-اسمعي يا بت أنتِ ، الحال المايل ديه ما يعچبنيش ، أنتِ من بكرة تاخدي بعضك وتروحي تشوفيكي مكان تاني بعيد عنينا ..
تركت رغد الريموت من يدها بصدمة :
-يعني أيه الكلام ده يا طنت ؟! أنا قاعدة هنا بأمر عمو الحج وو
قبضت صفية على معصمها وهي ترجها بعنفوان :
-شوية السهوكة دول ياكلوا مع هاشم اللي ضحكتي عليه وياكلوا مع ابوه كمنه قلبه طيب ، لكنهم مش عليّ .. سمعتي قولت لك أيه !! أنتِ لا من توبنا ولا شبهنا ولا عاوزين عيال منك …
شدت رغد ذراعها بصعوبة وهي تتأوهه معارضة :
-ده حتى حفيدك !! أنتِ عايزاني أوديه فين وباباه عايش .. أموته !! ولا اكتبه باسم راجل تاني؟!
-ماهو زي ما أنتِ خايفة على ولدك، أنا كمان خايفة على ولدي .. وحفيدي ديه هيچي ويچيب في رچليه الخراب .. أنا اخنقك بيدي أنتِ وولدك ولا أن ولدي يچراله حاچة من تحت راسك ..
ثم أخذت تنزع في أساور يدها وتصبهم بكفوف رغد :
-عاوزة فلوس ودهب ، خدي .. خدي كل دول ، بس بعدي عن ولدي .. أنا معنديش استعداد أخسره ، انا چاية اكلمك بالمعروف قبل ما تشوفي الوش التاني لصفية ..
ألقت رغد الأساور على السرير بملل وهي ترمقها بنظرات الخِسة :
-وأنا مش جاية عشان فلوس ، أنا چاية عشان جوه بطني في دم ولحم جاي بارادة أبوه ، أنا محملتش من ورا ابنك ، هو بنفسه اللي كان عايز الولد ده .. وأنا مش هضحى بابني ولا هروح حتـه ، عشان أنا معملتش حاجة غلط اخاف منها ..
ثم تحدتها بجراءة وهي تضع كفها على بطنها :
-اللي غلط ومحتاج يتعاقب بجد هو ابنك هاشم بيه .. مش أنا .. مش هلومك عشان أنتِ أم وأنا بدأت أحس بيكي وبمشاعرك واللي هيفكر يقرب من ابني أنا هقتله .
قفل هاشم المكالمـة مع رؤوف بعد ما أبلغه عن أوضاع البلدة الثائرة ، فاقترب من " هاجر" التي كانت تكتب لشريف المختفي من ليلة أمس على الواتساب وما رأت أخيها فزعت قائلة :
-أنتَ زين يا أخوي وريني دراعك ..
تجاهل اهتمامها وقال بعجـل :
-خليكِ هنهِ هخش لرغد وو
وقفت أخته أمامه لتعترض طريقه :
-أمك عنديها چوة وقالت لي مخشش وو
زاح أختـه من أمامه واندفع نحو الغرفة التي فتح بابها بدون استئذان، فوجد ثورة النيران متقدة بين الاثنيـن ، تأرجحت عينيه بقلق :
-في أيه ياما !! مالك بيها !
لملمت أساورها المرمية بعجلٍ وهي تقترب منه مختنقة :
-خلصنا من التُهمة دي قبل ما ريحتها تفوح ، محناش ناقصين هم يا ولدي ..
أوقف أمه التي كادت أن تفارق الغرفة قائلًا بحسـم :
-رغد مرتي ياما ، غصبٍ عن عين أي حد .. خدي الباب في يدك وأنتِ طالعـة وحسابنا بعدين.
دارت " رغـد " بوجهها عنه وهي تحملق بالسقف لتبتلع عِبراتها ، كي لا ينكشف ضعفهـا أمامه ، تأكد من إغلاق الباب ثم خطى بمهـلٍ لعندها مردفًا :
-رغـد .. بصي لي ..
احتدت نبرتها وهي تصرخ عليـه :
-أطلع بره يا هاشم مش طايقاك ولا طايقة حتى ريحتك .. ولا جاي تكمل كلام مامتك !! عايزني أمشي مش كده !!
لكل إنسان مهما بلغ من الحُب فله طاقة محدودة من تحمل الأذى -بمعناه الواسع- وقد يأسرك فيه تغافله، فهو لم يعد محملا تجاهك بالودّ والشوق ككل مرة، لكنك ستبحث يومًا ما خلفك، وستجده أيضًا بقدر حبه إلا أنه يتحاشاك، وهذا هو ردّه .. خطى ليقف أمامها متغاضيًا عن طردها :
-وحشتيني ….
تراجعت للوراء رافضة أن يلمسها:
-متلمسنيش ، ولو سمحت كلامنا منتهي ، كفاية ، كفايـة يا هاشـم لحد كده.
-هو أيه اللي كفاية !! ما تحطي نفسك مكاني يا رغد !! عايزاني أعمل أيه؟
صرخت عليه بحرقه وخيبة الأمل تحرق قلبها :
-تعمـل أي حاجة إلا أنك كنت تستغنى عني وتسيبني ، إلا أنك تتجي وتتجوز عليا وترميني بالرخص ده .. عايز تعرف كان لازم تعمل ايه !! كان لازم تواجهني ونتملم ونشوف حل ، مش يمكن أنا اللي انسحب واعفيك وقتها !! أهون من أنك تسيبني !!
ثم ضربته بقبضتها المغلولة منه والبكاء يسيل من عيونها :
-أنتَ محبتنيش يا هاشم ، أنا كُنت بالنسبـة لك ساعتين حلال على السرير بتقضيهم وتختفي بالشهور .. أنت لو حبتني مكنتش هتخليني اشوف الإهانة دي كلها .. انا لولا اللي في بطني كنت هموت نفسي عشان ارتاح من الدنيا دي وارتاح منك وارتاح من قلبي اللي في يوم حـب واحد أناني زيك .. هاه عايز أيه مني !! بص في عيني وقول لي مستني أيه !!
حرقت قلبـه بحالتها المحزنة وهي تشكو منه إليه :
-رغد بلاش تعملي في روحك كِده كله هيتحل بس أهدي ونتكلمو بالعقل !!
حاول أن يضمها لصدرها ولكنها أعلنت رفضها له صارخة :
-بقول لك متلمسنيش يا هاشم ، أنا بكرهك ، ولعلمـك البيبي اللي جاي ده أنتَ علاقتك بيـه هتكون مجرد اسم في شهادة ميلاد ، لكن أنت مش هتشوفه ولا هتربيه ، أنا هفهمه أن باباه مات من اليوم اللي قتلني فيه .. مش عايز تروح تتجوز روح اتجوز وانسانا ، انسانا واطلع من حياتنا يا هاشم .
حك جدائل شعره متأففًا ومندفعًا بلهجته الصعيديـة :
-يعني أيه اللي عتقوليه ديه !! أنتِ لساتك مرتي واللي في بطنك ديه ولدي ..
حدجته بآهات موجعـة :
-والله !! مراتك !! لسه فاكر ؟! ويا ترى مراتك حبيبتك أم ابنك .. ولا راجع لمراتك اللي تنام في حضنها كام ساعة وتختفي تاني !! قولي !! أنا أيه واحدة فيهم !!
ثم أطلقت ضحكـة ساخرة :
-ماتبصليش كده، الإجابة باينة زي الشمس يا حضرة الظابط .. عايزة أقولك أنسى أنا أه مراتك بس ده في خيالك وبس يا هاشم .. اللي بيني وبينك ابني وبس غير كده أنا مش عايزة أشوفك ، اطلع برة ومتحاولش تكلمني تاني .. عشان كل ما بشوفك بشوف خيبة أملى وكسرة قلبي فيك!! يا خسارة يا هاشم ..
•••••••••••
~القـاهــرة .
-ده بيهددني يا رشيدي !! الولد ده مش سهل وأحنا لازم نقف له !! أنا مش هستنى لما يروح يبلغ عني!!
انفجرت " ناديـة " بجملتها الآخيرة والرعب يتقاذف من عينيها، فتدخل رشدي معاتبًا :
-تقومي تسحبي البلاغ يا ناديه !! ليـه ؟! ليـه تعمـلي كده !! خوفتي من تهديده !!معقولـة !!
فأعقب شريف الذي قطع المسافات على وجهه ليلحق جملة المصائب الغارق فيها كل من أبيه ونادية :
-هو الجدع ده عايـز مننا أيه ولا وقع في طريقنا من أي مصيبة !! على فكرة اللي عملته طنت نادية صح !! ده دماغه داهية وأحنا مش عارفين ممكن يكون بيفكر ازاي دلوقتي!! كده أحنـا كسبنـا وقت .
رفع رشدي أصبعـه مؤيدًا حديث ابنه :
-أحنا لازم نكون سابقين بخـطوة ، ولازم نقفـل في وشـه كل السكك اللي تمكنـه من ليلة !!
توقفت نادية والرعب يتقاذف من ملامحها :
-بتفكر في ايه يا رشدي!!
فأتبع شريف والغضب يتطاير من مُقلتيـه :
-أنا هوديه في ستيـن داهية .. وهفضحهم كلهم .. وهخلي سمعة العزايزة في الأرض .
حرك رشدي أصبع سيجارته مُشيرًا نحو هدفه :
-يبقى الاول لازم يبقى في عقد جواز بينك وبين ليـلة بتاريخ قـديم ، وبناءً عليـه أحنا هننسف اللي اسمه هارون ده من على وش الأرض ….. للأسف هو اللي اختار اللعب مع اللي مش أده .
~بشقـة العـم حسـن .
-تعالــى ألحقي يا هيام ، وشوفي أخوكِ ده بيقول أيه!
فرت " ليلة" من الغرفة لتقتحـم المطبخ الذي تقف به هيام تعد وجبة الفطار لهم ، فتركت عُلبة الحليب المغلفة من يدها تتساءل :
-ماله هارون !! حصل أيه ؟!
تابع هارون خُطاها وهو يقتحم المطبـخ متجاهلًا ثرثرتها ليعد فنجـان قهوتـه ، فوقفت ليلة على مراجـل من نار تشكو لها بنبرة موشكة على البكـاء :
-بيقـول لي أنه مش هيطلقني ، عشان عندكم مفيش طلاق..
أتبع هارون من الجهة الأخرى وهو يحضر قهوته :
-قوليـلها يا هيام مفيش عندينا طلاق .. يكش تهدى .
ردت هيام مغلوبة على أمرها :
-والله يا أخوي لا في عندنا چواز ولا طلاق في حالتك دي..
اتسعت عيني ليـلة :
-يعني أيـه يا هيام !! ده ضحك عليـا واستغلني ، هو ده جزاتي عشان مرضتش أخليه يتحبس ، بليـز قوليـلو يطلقني .
ألقت نظرة حائرة على أخيها الذي وضع قهوته على النار وقالت متحيرة إثر تظرة أخيها القاطعـة :
-مش هو قال لك مفيش طلاق عندينا ..اسمعي الكلام.
زفرت بضـيقٍ :
-لو طبقنا قانونكم بقا وانتِ أهو قولتـي مفيش جواز ، يعني جوازنا باطل يعني أنا أصلا كده مش مراته ، يعني أنا مطلقة !! أنتوا عايزين تجننوني صح !! ما تقول حاجة أنتَ محامي أزاي !!
تدخل هارون بعد ما أعد لها فنجان من القهوة معه وقال ساخرًا :
-أنتِ اللي عاوزة تچنني روحك.
رفعت كفها بوجهه كي تضع له حدًا :
-أنا كلامي مع هيام ، هيام من فضلك قوليلو ملهوش دعوة بيا ولو مطلقنيش أنا هنزل بنفسي ابلغ عنه وأقول أنه خطفني ومضاني بالقوة على ورقة الجواز دي .
تحمحم بحزم وهو يراقب فوران قهوته :
-هيام فهميها معندناش حريم تنزل من غير إذن چوزاتها .. وخليها تلم دورها .
صرخت عليه ليلة :
-هيام أنتِ ساكتة ليه !! ما تتكلمي مع أخوكي ده اللي محدش بيعرف بتفاهم معاه أبدًا.
وجدت هيام نفسها بالمنتصف بين الثنائي لتصيح شاكية :
-بالحال ديه أنتـوا اللي هتچننوني معاكم .. چرالكم أيه !! في أيه يا أخوي ..
ثم انقذها صوت الهاتف :
-يا فرچ الله محمولي بيرن هشوف مين !!
هتف هارون مؤكدًا:
-لو حد من البيت ردي عليه و قوليلو راچعين الليلة .. متزوديش يا هيام .
ركضت هيام من المطبخ فوجدت ليلة بمفردها في مواجـهة الأسد ، اقتربت منه بخطوات سُحلفية :
-أنت بتقول كده عشان بتهزر معايـا وبس ! لكن أنتَ عادي هتطلقني أول ما المشكلة تخلص .
ألقى نظرة على الفقاقيع الصغيرة المحيطة بوجه القهوة ومثلها عينيها المقمرة التي تحدثه بهما ليقول :
-أنا مابحبش الست اللي تچادلني .. قولت مفيش طلاق .. وشيلي الفكرة من راسك .
تمسكت بشعرها مغلولـة :
-بطل بقا الاسلوب الاستفزازي ده !! فهمني ليه مش عايز تطلقني يعني؟! أيه غير رأيك من امبارح للنهـاردة!
دنى منها آخر خطوة فاصلة بينهما ليقول بخفوت وعينيه تنيرين صدرها :
-اكتشفت أن في حاچات كِدِه اتخلقت مع الحياة عشان تحيينا معاها ، شمس هوا ميـه .. حضنك مثلًا .
بللت حلقها :
-أنتَ مجاوبتش على فكرة !! ليه مش عايزة تطلقني!
تدلت جفونه لمستواها متهامسًا :
-عچبتني النـومة في حضنك ..
اهتزت أمامه باضطرابٍ:
-حضن مين !! حضني أنا عجبك !!
اسلوبها الطفولي أشعل لهيب العشق بقلب رجل يتوق لفض غشاء البراءة عن وجهها وليحولها من طفلة مدللة لأنثى مجرمـة في ساحة حـبه ، مط شفته وهو يطوق خصرها بلهفة هادئة :
-ولساتك كمان قايـلة أن حضني طلع حنيـن وو
أومأت بتيه في سماء قربه :
-زي حضن بابا بالظبط…
-أديكي قولتيـها ، يبقى ليه نطلقـوا ؟!
-وليه ما نطلقش ؟!
روض ثغرها على رائحة القُبـل وهو يعلنـها صراحة :
-عشان نويت من الحضن ديه مش هخلف غيـر عيالي ..
فتاة لا تعرف الكثير عن الحب ، مصدرها الوحيد كان أفلام أبيض وأسود ، لِمَ لم يخبرها أحد من قبل بأنه عبارة عن دينامو كهربي يتوصل بأطراف القلب ليمد الجسد بأكمله بطاقات عجيبـة، عاد لها رشدها فجاة وهي تتحرر من يده مع ضربة قوية على صدره وتتهمه قائلة :
-على فكرة أنتَ طلعت قليل الأدب .. عيب اللي أنت بتقـوله ده .
فارت قهوته وفرت قطته من بين يده ، فلم يطل بلح البُن ولا عنب الحُب .. قفل المقود مناديًا على أخته:
-تعالي يا هيام ألحقي…..
تحرك متبعًا خُطى ليلة نحو الغرفة التي توارت بالحمام وصفعت الباب خلفها بقوة ، تمتم لنفسه :
-وماله !! خبطي ورزعي براحتك هو مال أبونا ..
ثم التفت لرنيـن هاتفه ، فكان من أخد الخفر اعينه الخفية بالمجلس ليخبره قائلًا:
-ألحق يا عُمـدة ؛ الست زينة چات المچلس واشتكت عليـك وقالت أنك لامؤاخذة لايفـة عليك بت من بتوع بحـري …..البلد قايدة حريقة يا عمدة لازمًا تاچي.
•••••••••••
يتبـع فـ الجزء الـ2
(4) ج 2
-دعنا نترك العالم برُمته جنبًا ونحيا معًا بالجانب الآخر منه ، عالمنـا .. أنتَ وأنـا ونجوم الليـل ضيوفنا .
•••••••••••
يأتي وقت على المـرء يفتقد فيه نسختـه القديمة من نفسهِ رُغم أنها كانت حمقاء وأكثر غباءً ولكنها كانت أكثرَ سعادة .. أكثـر راحـة ، ينام ليـلهِ خالٍ البال ..
تكورت أصابع قدم " نغم " وهي تراقب مائدة الطعام الصغيرة التي أحضرتهـا زوجة عمهـا ، وجلست بجوارها تربت على كتفها :
-ليكِ يومين مدوقتيش الزاد يا بتي ، استهدي بالله ومدى يـدك ، يلا بسم اللهِ..
هزت رأسهـا بالنفي والحزن يعُم على جسدها :
-ما قادراش يا مراة عـم ، ماليش نفس ..
-يابتي خسيتي وشكلك بقي يحزن !! عمك كل هبابة يسأل عليـكِ وأنا عقـوله نايمـة وسيبهـا ترتاح هبابـة ، بس بحالتك دي هنركبولك محاليـل..
ثم مدت السيدة ذات الرداء الأسود والزي الصعيدي الأصلـي لتشق الفطيرة لنصفين :
-خدي ، سمـي الله وكُلي لقمـة ومتفكريش في حاچة ، عمـك مش هيسيب حقك وهيطلعـوا من عنيـن العزايزة ..
بللت حلقها الذي يجري به لعاب الصبار :
-أنا اللي قليـلة بخت يا مراة عم ، العزايزة ملهمش دخـل .. كله هيبقى زين ..
ربتت على كتفهـا بتوسل:
-ورحمة الغاليين عنـدك كُلي ، يلا يا بتي ريحي قلبـي متشيلنيـش هَمك ..
مدت كفها المرتعش لتتناول منها قطعة الخبز التي يتقطر منها الزبـد وما رفعتها لمستوى ثغرها وقطمت قطعة بحجم شق التمـرة ، ففوجئت بقـدم قوية ترفس الباب دون احترام لحرمتها ليظهر منهـا شابًا في السابعـة والثلاثين من العمر ذو ملامح حادة يعترك مع الهواء الذي يتسلل لصدره ، يرتدي جلباب صعيدي باللون الأسود ويزأر بصوته الأجش :
-مش كُنا فضناها السيرة العِكرة دي !!
انتفضت أمه ونغم من مكانها ، ولم يمهل الفرصة لأحـد أن يعارضه فأتبع وهو يرفع قدمه على طرف الفراش الذي ترقد فوقه نغم ويخرج دخان الغضب من معالمه :
-أنتِ أيه رچعك !! مش اشتريتي ناس أمك ومشيتي !! مش بعتي ناسك واخترتي صالح الطحاوي !! اسمعي .. أنا بت عمي ماتت من زمان ، بيتنا مش مفتوح لك بكيفك ، روحي للي بدتيهم عنينـا ، مالكيش عيش في بيتنـا ..
فزعت أمه كالملدوغة من مرقدها :
-عتقول أيه يا فارس يا ولدي .. وحد الله مش كِده !! هنرموا بت عمك في الشارع ..
جهر بوجه أمه :
-نرموها للي اختارتهم زمان .. دي ملهاش عيش في بيت أبوي .. دي واحدة نچسـة وملهاش خير فـ حد ..
ثم زاح أمـه من أمـامه وهجم على ذراع نغـم التي تتلقى خبر طردها من بيت أبيها وجدها بصدمة لا توصف .. سحبها بعنفوان وقدميهـا تتمسح بالأرض محاولة التملص من قبضته ، اندلعت أمه بصرخات النواح والاستغاثة … وما وصل لعتبة غرفتها رماها كقطعة القماش الباليـة :
-تروحي ترچعي لولاد خليـفة عشان يوم ما أچيب رشاشي وأفجره فيهم هتكوني أول واحدة هخلص منيها ..
استندت " نغم " على السور الخشبي المحيط بالطابق وهي تستجمع قوتها أمامه متغاضية عن آلامها النفسية والجسدية :
-أنا مش قاعدة في بيت أبو حد يا فارس ، ديـه بيتـي وبيت أبوي ، غصبٍ عنك وعن اللي ينكر الحديت ديه ..
رج صوته أرجاء البيت موبخًا ورزاز الانفعال يندلع من شدقه وهو يخرج سلاحه من سترته :
-حق أبوكي أنتِ اتنازلتي عنه واخترتي ورث أمك وبقيتي تابعة لجهل العزايزة ، أنتِ مالكيش حق عنـدي .. الحق الوحيد اللي بينا دمك … ديه وعدي ليكِ آخر مرة لو شوفتك راچعة هِنه هقتلك يا نغم ..
وجهت فوهـة السلاح على رأسها وهي لا تخشاه وتقول بحرقة تأكل كل إنشًا بجسدها لتنفجر صارخـة :
-تبقى ريحتني من الدِنيـا كُلهـا يا وِلد عمي ، أنا قِصادك أهو دوس على زنادك وخلصني عقول لك … لكن أنا مش هسيب بيت أبوي .
فتح الباب المجاور لغرفة نغم لتظهر منه فتاة صاحبـة السبع سنوات من عُمرها وهي تركض نحو أبيها مفزوعـة :
-في أيه يا بوي .. أنا خايفة قوي ، عتصرخ ليـه !!
خفى سلاحه عن ابنته التي فقدت أمهـا منذ ولادتها وانحني ليحملها معتذرًا عن الصخب الذي أحـدثـه لها وهو يعود بها للغـرفة :
-حبيبـة قلب أبوهـا .. تعالي تعالي متخافيش أنا چارك ..
اندفعت السيدة زُبيدة لعندها وهي تأخذها في حضنها وتربت على كتف نغم التي ترتجف من الخوف :
-حقك عليّ يا بتي ، متزعليش من فارس ولدي ، هو إكده من يوم ما ماتت مرته وهو عصبي وطايح في الكُل ، لما يچي عمك أنا هقوله وهو اللي هيقف له .. تزعليش ياحبيبتي .. تعالي تعالي چوه …
•••••••••••••••
~القـاهـرة .
قد يحـدث أن يخونك الشـعور الذي يملأك ويخرج من عينِيك ، لأن داخِلك لم يِعُد يتسعه .. كانت تمرر قطرات الماء الباردة على وجهها وهي تردد حروف كلماته بعدم تصديق :
-بيقـول لي حضني عجبه !! هو قصده أيه يعني أنه بيحبني !! ولا بيعاكس ولا قصده حاجات عيب متصحش !!
ثم غرقت وجهها بالماء البارد مرة ثانيـة وهي تنتفض وتوعي نفسها :
-طيب أنا متوترة ليه !! أنا مش عايزة أشوفه خلاص .. وجوده متوترني .. وبعدين بقا !! ليـلة خلاص أجمدي ولازم تاخـدي موقـف منـه ، لو كلمني نص كلمـة مش هرد ، ومفيش حاجة اسمها ينام جمبي دي !! أصلًا عيب وهو بيلمح لحاجات غريبة ..
ثم تنهدت بارتباك طاح بقوتها :
-بس هو قصده أيه بأنه مش هيخلف ولاد غير من حضني !! هو ناوي على أيه بجد !!
فضربت الأرض بقدميها المتوترة :
-خلاص بقا ، المرة دي بجد ولازم أخد منه موقف وأوقفـه عنـد حده .. أنا هتجاهله كأنه مش موجود ..
رفعت كُمها ليمر فوق ملامحهـا كي تُجفف قطرات الماء ، فارتسمت البسمـة بتلقائية على وجهه عندما اخترقت أنفاسه المندسة بملابسها لصميم صدرها ، فذابت في عِطره وهي تقول لنفسها بإعجاب شديد:
-البرفيوم بتاعه يجنن !! اف ليلة خلاص بقا .. مش هنكلمـه قرار نهائي .
فتحت الباب ببطء شديد وهي تمد أنظاره لتُفتش عنه ، فوجدته واقفًا أمام الأريكة يخرج ملابسـه من الحقائب التي ابتاعها ، سارت بهدوء متجاهلة وجـوده متجهة نحو حقيبتها المغلقـة لتعـد ملابسها لأخذ حمامها الصباحي .. نادى هارون عليـها :
-ليـلة …
قفلت جفونها بصعوبة وهي تتمتم سرًا :
-مترديش .. مش هرد لا..
فكرر النداء مرة آخرى بنبرة أحـد :
-ليــلة … !!
زفرت بضعف وهي تحاول الثبات على مبدئهـا لتقول بتمرد وهي تدور إليـه :
-مش بكلمك ..
تلقى تمرّدها بابتسامة مسايسة فلم يلتفت إليه بل خاض في خضم الموضوع وهو يعرض أمامها قميصين بلونين مختلفين :
-قوليلي القميص الأسـود ولا الأزرق !!
تأرجحت عينيهـا باهتمام لتقول بتلقائية :
-الأسود طبعًا ، الأسود أصلًا يجنن عليـك .
تمددت ابتسامتـه وهو يلقى القطعتين على الفراش ويلتفت إليها ، أدركت خطأها للتو فزفرت بضيق من نفسها ومن ضعفهـا أمامها ، تراجعت خطوتين فتقدم نحوها ثلاثـة وهو يحك أنفـه متسائلًا :
-قوليـلي .. بالحق هو حكمت بتاعك ديه عمل أيه !!
عقدت ذراعيها وراء ظهرها وهي ترتطم بالحائط وتتأمله برعبٍ :
-حكمت ميـن !! معرفش حد بالاسم ده ..
تحمحم بفتـور وهو يسند كفه بقُرب رأسهـا :
-التمثال اللي حطينا عنده خواتمنا واتنشلت وفضلتي تقولي آساطيـر وبتـاع وو
ارتاحت معالم وجهها المشدودة وهي تستقبله بحمـاس :
-آآه ساكمت .. أسطورة ساكمت ،مالهـا ..؟!أحنـا كُنا بنلعـب ونهزر سوا وو
أفصح عن حُبـه بطريقـة عفـويـة :
-لعب وهزار أيه بس !! من يومها وأنا مش على بعضي !! ديه لو سحر قوليلي أخلي الشيخ هلال يرقينـي ونفكوه لكن حالتي دي معچبانيش .
ظلت تعض في شفتـها السُفليـة بتوتر والصمت يعقد سحابتـه فوقهمـا ، فأردف متعجبًا :
-ساكتة ليه !!
-بحاول أفهم كلامك بس..
-طب وفهمتي ؟!
هزت رأسهـا ببلاهة ومازالت مُعلقـة بطيف عينيه اللامع :
-تؤ مفهمتش حاجـة ..خالص .
رفع حاجبه متعجبًا وهو يسند كفه الأخر فوق الحائط بقُرب خصرها لتقـع كُلها تحت حِصاره ، تنفس بهدوء :
-هفهمـك !!
بللت حلقها الذي جف من شدة الارتباك :
-يــاريت .. بس أنتَ مقرب جامد كده ليه !! أنا متوترة على فكرة .
-ماهو الكلام اللي هيتقال مش هينفع يتقال غير وأنتِ تحت يدي !!
أحمر وجهها من شدة الخجل :
-هارون بيـه !! اتكلم على طول بلاش تلعب بأعصابي .. عايز تقول أيـه ؟
هز رأسه وهو يزن وقع الكلمة بتعجب :
-هارون بيه !! المهم أنتِ لمـا شربتي من قهوتي في الليلة أياها ، كان ليه ؟!
أطلقت ضحكة طفوليـة لتعترف :
-عشان تجري ورايا .. بس كنت بهزر آكيـد مفيش الكلام ده يعني وو
-ليـه مفيش !! ماهو حصل … حصل وسبت الدِنيـا كُلها وچريت وراكي .. السر فيكي ولا فيهم !! سحرتيني ولا سحرتيلـي!!
كانت أمواج الحُب رقيقة ، أسدل أنامـله على أطراف شعرها وهي يتنفس قُربها الطاغي والذائب به وأتبـع :
-هاه !! عملتي أيه في قلبي الصخر عشان يليـن لك !! هوى الحريم عمره ما كان كيفي .. بس بيـكِ هويت الحُب وذُله .
لم يبقى لديها شيء سوى الصمت وهي ترى كلماته وتسمع أعيـنه التي تتجرد أمامها ، شعور مُهيـب ، شعور حارق أن يقف أمامك رجل مثير مثله مُعلنًا رضوخه وخضوعه لقلب إمراة هشة مثلها .. ارتفع صدرها بتنهيدة عاليـة متشوقة لسماع المزيد منه ، المزيد الذي سيقف به قلبها ذات كلمـة ، أتبع هارون والعرق يتصبب من جبهته :
-عمر يدي ما لمست واحدة مش حلالي .. ولا عمر قلبي مال لواحدة واتمنى تقاسمه فرشته غيرك ، لكني چيت عندك واتبدلـت ، شوفتك بتي اللي لساتني مخلفتهاش .. أنتِ چيتي من أي أرض أنت وحُبك اللي مزلزل صدري ديه !!
ثـم يدفأ قلب المحب ذات اعتراف لا شيء يبقى باردًا للأبد ؛ خرت دمعة من عينيها وهي تكذب مسامعها لكن لم يكذب قلبها أحساسه ، اهتزت شفتها بلهفة :
-هارون ، أنتَ قولت أيه ..
استند بمعصميه على الحائط خلفها ليبتر ساق الهواء الفاصل بينهما وأكمل:
-قولت أنك لو مستعچلتيش و مچتيش وقولتيها ، كنت هاچي وأقولها أنا ، هاچى وأخدك غصب عنك ..
ثم تلعثمت الكلمات وهو يخرجها :
-كنت هقولك أنتِ البت اللي أحلام كلمتني عنيها كتير ، لما قالت لي مسيرك تقابل واحدة من كتر خوفك عليها هتكون عاوز تدفنها چواة قلبك ..
ثم ضم خصرها بغتـة ليدخلها بين ضلوعه المرتعدة شاهقـة وهو يعترف لها وعرق التتوق إليها يتقطر من جبهته :
-تعالى اسمعي وحسي بنفسك ، شوفي حال قلبي والدوشة اللي أنتِ عاملاها ، اسمعي صوته وكد أيه عويـل من غيرك ، حسي النار القايدة جواي ومش عارف أطفيها !!
ثم سرق كفها ووضعه فوق قلبـه الصاخب :
-شوفي وصلتيه لأيه !! حتة الصخرة اللي چوة صدري بقيت طير اتجنن بيتخبط في قفصه عاوز يتحرر بين يدك .
كادت أن تنطق من بين معالم وجهها المنتفض من كثرة البكاء ، فألجمها معترفًا :
-بعت عمري والدِنيـا كلها واشتريت ساعة في حضنك ..
ثم تنهد ليخرج دخان احتراقه :
-مش عارف ألومك ولا ألوم قلبي اللي سايرك .. بس للأمانة مش قلبي وحده اللي سايرك دي كل حتة چواي اتفقت عليكِ ..
من حسن الحظ أن تكون مطرًا وتنهمر على قلب خصبٍ لينمو بهِ كُل شيء ، كانت كالطير الذبيح تنتفض بحضنه ، نجح في تحريك كل ساكن بجسدها الضعيف ، قوتها لم تكن كافيـة لتواجه بركان الحُب الثائر أمامها ، كادت أن تتفوه فأخرسها وهو يبتلع ملامحها معترفًا وهو يشير نحو قلبها:
-السيف اللي اضرب هنِه هو نفسه اضرب چواي وما باليد حيـلة يا بت الناس ..
ثم بلل حلقه فتحركت تفاحة آدم :
-ليـلة أنا عاشقـك ..
اندفعت ببلاهة من هول اعترافه الذي أحدث ربكـة عظمى بكيانها :
-أحلف كده .
-وحياة عيونك الحلوة دي ، عاشـقك .
قال جملتـه وهو ينتوي إثبات ملكيتها ، ليطبع أول قُبلة ببوابـة قلبها .. بجفون مقفوله لأن قلبه يشفق على كونها حبيبته ، من فرط برائتها .. فكيف يمكن للنار أن تقترب من قطة برقتها !! لم تمهله الفرصة من شدة توترها بل فرت من حضنه بخوف وهي تتحاشى قربه ، ابتلع قُبلته بصدره بتنهيدة مسموعة وهي تحدثه بصوت متهدج :
-يعني أنتَ بتحبني بجـد!
-بعد كل اللي اتقال ديه ؛ عتسألي !!
اهتزت أمامه :
-مش مصدقة بس !!
-بكرة الأيام هتثبت لك ..
دمدمت بتوتر :
-طيب ليه أنكرت لما جيت لك !! ليه مطمنتش قلبي !! ليه طلعتني موهومة وو ، هنت عليـك تمشيني من عندك وقلبي مكسور ..
ثم مسحت على وجهها المحمر من شدة التوتر وعادت لتسأله من جديد :
-قول كده تاني الكلام اللي قولتـه !! أصله كان كلام كتير كده وانا تهت منك في النص وو
تائه في فنٍ حبها العظيم ، تائه في تفاصيل المثيرة لجوارحه ؛ جذبها من خصرها بكفوفه عنوة :
-ايـه اللي مسمعتهوش ، أنا قلت أني عاشقك يا ليـلة ، وصخري لااان على يدك ، وأني عاوز أقضي باقي عمري كله معاكِ !!
ترجته بأنفاس متقطعه وهي تلملم مشاعرها المبعثرة في حقل حبه:
-خلاص كفاية ما تقولش حاجة تاني ، خلاص والله قلبي هيقف .
-مايقدرش يقف وأنا موچود ..
-ليـه !!
-عشان هنعشـه ..
-أزاي !!
أطبق على شفتيـها ليمارس دوره كما يجب أن يكون في مشفى الحُب ، ملكها ، وامتلك حركتها ، اعتصر شفتيـها بين فكيه من شدة الشـوق ، ضغط على خصرها براحة يده القويـة كأنه يحفزها أن تتجرأ ويحفز قلبـه على عادة لمسها بحرية ، أن تقترب منه أكثر ، تتنفسـه ويتنفسها ، تمرح على أرضـه ، ثبت أقدامها بمشطي أقدامه كأنه يُجبرها أن تطيـل البقاء لا تهرب كعادتها ، صب نهر حبه بشدقه ليبلل قلبها الجاف ، ضمها أكثر فأكثـر ليجذبها لقصر حبه ، تعالى ، اقتحمي حصون قصـري الذي ساكتشفه معك للتـو ..
أحدثت قبلتـه في قلبها صدى رهيبًا ، مربكًا ، قاتلًا لبراءتها التي لم يقترب منها أحد من قبـل ، ظلت ذبذبات قبلته تتردد بداخلها وبأصابع يدها المرتجفـة ، تئن بصرخات مكتومة لأنها أضعف من أن تتحمل سطوته العاتيـة ، قبلـة تساوي عمره الضائع ، أنعشت قلوبهما من جديد وفتحت لهم بوابات الحياة ، تحررت من حضنه بمعاناة وهي تحاول أن تستوعب تصرفه الجنوني ، أغرورقت العبرات بعينيها وملأ الخوف والحب قلبها ، خيم الحياء على معالمها ، فأردفت بتوجس تحت تأثير مخدر قبلتـه الساحر التي لا تختلف عن قُبلة منامها :
-أحيــه !! أنتَ عملت أيه !!
برقت عينيـه بذهول وهو يسترد أنفاسه المكتومة ، ففاجأته بضربة قوية من قبضة يدها على صدره وهي تعلن تجديد حبه بقلبها بعتب ، بتمـرد :
-بكرهك .
قبض على معصمها والابتسامة تشـق أساريره :
-ولا تقدري ، ألعبي غيرها ….
أدق ما كتب أنسي الحاج لوصف حالة الأنثى العاشقة :
"أنتِ أجمل من العالم لأنكِ تبتسمين تحتَ جفوني تحتلين الحاضر
تكتشفين فيّ نورًاويمشي مصيري بين نظراتكِ مشيَ الغيوم حولَ القمر ".
•••••••••••••
~مرسى علـم .
صوت زجاج مهشم ارتطم بالأرض فتناثـر فتـاتـه في ربوع المكان وكأنه إشارة لما ينتظر أبطالنا في المستقبل ، بعد ما دفع مازن الكرة فاصطدمت بالزجاج أثناء لعبـه المتهامس مع رؤوف كي لا يزعجنا أمه النائمـة والتي نهضت مفزوعـة إثـر رؤيتها لكابوس ختمته بصوت الزجاج .. هرولت بشعرها المبعثـر لخارج الغرفة وهي تنـادي على ابنهـا :
-مـازن !!!!!!
فوجدته أمامها واقفًا على أحد المقاعد وهو يطمئنها :
-متقلقيش ياما أنا زين ، عمي رؤوف هو اللي كسر القزاز !!مش كِده
رمقه رؤوف بتـوعد وهو يحمل المكنسة اليدوية :
-ولاه أنتَ مش چدع !! أمـك أجدع منــ
ثم دار ليرى شعرها المطوى والمحرر والذي ينعكس فيه ضوء المصباح من شدة لمعانـه ليبتلع بقية كلماته متأوهًا :
-وأحلى منك كمان !!
رفعت كفها عن صدرها بتنهد :
-حرام عليكم والله !! أنا لو كُل يوم هصحى على الفزعة دي هموت منكم ..
هرول نافيًا :
-بعد الشر عنك .. شالله أنا وأنتِ لا ..
اقتربت من صغيرها وقبلت كفوفه لتملأ رئتها بعطر قربه :
-مازن حبيبي أنتَ زين !!
ثم مسحت على وجهه المُلطخ بالحلوى والشكولا :
-وايـه الوش ديه !!
أشار الطفل نحو رؤوف:
-عمي رؤوف هو اللي وكلني حلاوة كتير !!
عض رؤوف على شفته متوعدًا :
-ولاه لِم دورك معاي !! دانا خفيت منه الحلاوة يا نچاة .. والنعمة لاربيك !!
ظلت تمسح في كفوف صغيرها بعتب :
-حرام عليك يا مازن ..
فلم تجد حلًا سوى حمله وهي تقول:
-أنتَ تنزل تحت الدُش بشكلك ديه !!
فنظرت لرؤوف:
-رؤوف هلمها أنا متتعبش روحك ، هوديه بس الحمام يسبح .
تنهـد رؤوف بتوعد لمازن في ظهر أمه :
-خليك فاكر أنتَ اللي بدأت وغلاوة أمك هوريك ..
غمز له مازن مترجيًا أن يفوتها لأجل خاطره فأتبع رؤوف :
-دِلوق فاكر أننا صحاب !!انسى .
أدخلته نجاة الحمام وساعدته في نزع ملابسه في تلك اللحظة لملم رؤوف الزجاج المهشـم بالأرض ، فتحت الصنبور لصغيرها وطلبت منه أن يبقى تحت الماء حتى تحضر ملابسه وتعود إليه خرجت من المرحاض بعد ما قفلت الباب معتذرة :
-أسفة يا رؤوف على اللي عمله مازن بس ملكش حق تلعبوا كورة فـ البيت !! مفيش لعب كورة تاني ..
تاه في سحر جمالها الطبيعـي وهي تقف أمامه بهيئتها القاتلـة لفؤاده المُتيـم .. تسلقت أنامله جدار عنقها وهو يغازلها بشوق :
-وبعدهالك !! هترضى عني ميتى !
ابتعدت عنه كالملدوغة بماس كهربي :
-رؤوف يدك .. مازن .
تأفف بحرارة شوقه المدفـون متسائلًا :
-المفروض هصبر لميتي !! قوليلي يوم ، أسبوع ، سنة .. حددي معاد عشان أقعد أعد نجوم الليل لغاية ما يچي ..
تمتمت بهمس وهي توقفه بنظراتها المحرجة :
-رؤوف !!
اقتحم المسافة الفاصلة بينهمـا وهو يحاصرها بأحد الزواية قائلًا :
-الليلة تنومي مازن من المغرب ..
-ليــه !!
تلعثم لسانه بنفاذ صبـر وهو يقول مداعبًا ويده تتنقل فوق ملامح وجهها :
-هو أيه اللي ليه !! ياستي ناوي ألعب ماتش كورة مع أمه ، يكشي نچيبوا چون ويچي لمازن أخت ولا أخ يونسوه ..
ما ذابت في حصن عشقه ففاقت على نداء مازن الذي اخترق الصابون عينيـه باكيًا:
-يامـا تعالى ألحقيني …..
تنهد رؤوف بعد ما فاض صبره :
-الصبر يا صاحب الصـبر .
•••••••••••
~القاهـرة .
""تخيّل أن يكِنّ لك أحدهم حُبًّا كَالذي في قلبِك ، تخيّل أن يُلقيك القدر بقلبٍ يُشبهك ""
عودة لعصافـير الحُب ؛ عمت أجواء خاصـة ، علقت أجنحة اعترافه لترفرف أمامه كفراشـة تلونت بأزهى ألوان الحيـاة ، تحوم حوله بوجه خجـول يملأه الابتسامات ثم يتبعـه فرار أرنب كي تتجنب الخُطى التي تجمعهما ، بين كل دقيقة والآخرى تضع أناملها على شِدقها لتتذوق حلاوة قبلته المسروقة ، شعور لاذع كالليمون ، حامض ، لذيذ .. تأبى المزيد منه لتذكر حقيقة كونه حارًا أم باردًا أم شعور دافئ تود التماس المزيد منه.. تتأكد من مذاق قطعة السُكر التي وضعهَا القدر في كأس أَيامِها المُرة ، ألقت نحوه نظرة معجبة بالمرآة التي تتزن أمامها
لقد كان غريبًا مألوفًا كأبطال الروايات ، تتهافت عليه القلوب ويمطر الحب فوقه من كل من يقرأه ، يحمل مفاتيح الأفئدة ويفتحها على مصراعيها ويدخل من أي باب شاء ، يشبه حنين الغروب وسكينة الليل ونور الفجر ، يشبه قهوة الليل في ليلة ملبدة بالغيوم والمطر .. لتقـول بهدوء وهو يرتدي سترته الشتوية :
-الطقم قـمر أوي عليـك !! يجنن .
بنظرته التي انغمست في سائل الحُب وهو يفصح بها معلنًا عن صوت قلبه الذي أتى إليها بما أتَسعت مخيلتي .. واللحنُ غنوة ترنمها أعينهما ، هذا هو صوت قلبي .. ولكَ ما شِئت من عزف البداية والنهاية معًا ، تحمحم بخفوت :
-بتعاكس !!
تركت الفرشاة من يدها :
-دي مجاملة لطيفـة ! متفهمش غلط.
تنهد بارتياح وهو يرمى عبلة السجائر بالسلة ، فلم يعد بحاجة لها بوجودها وقال معاتبًا :
-عينك من الصُبح هربانة ليه !!
توتر بخجل :
-عشان مش بكلمك .. مخاصماك .
-قمـر والله ..
دنى منها بهمـل وهو يخبرها :
-وموضوع مخاصماني ديه هنشـوفوه فـ العربيـة ، يلا عشان متتأخريش على تصويرك .
اتسعت عينيـها بدهشة :
-أنتَ عرفت أزاي أنهم عايزيني عشان أصور ..
-منا اللي قايـلهم ..
ثم ابتلع اعترافه :
-قصدي كلموكي على محمولك ، مردتيش كلموني !!
عقدت حاجبيها بتعجبٍ :
-وهما عرفوا أزاي أننا مع بعض !! وكمان عرفوا رقمك أزاي ؟!
لكت كلمات الكذب بفمه وهو يقول بنفاذ صبر :
-أنتِ بتتذاكي في حاچات غريبة ، وفـ المهم بتضربي ورقة بفرة .
-هارون بلاش كلام مش مفهوم !! كلمني زي ما بكلمك .. بليز.
تأرجح حاجبيه :
-ماهو مفيش وقت للحديت .
ثم مد كفه إليها :
-يلا عشـان منتأخروش ..
وضعت كفها بداخل كفه الممتد لهـا بطاعة وشعور الملكيـة غمـر قلبها ، فما خطت خطـوة ثم توقفت قائلة بقلق :
-هارون استنى …
وقف أمامها هيئته الجذابـة والساحرة لأي فتاة تقع عينيه عليه ، رجل اجتمعت فيه خِصال الرجال كما يجب أن يكون :
-متخافيش من حاچة وأنا معاكي ، هتطلعي قدام الكاميـرا ومتعمليش حساب لحـد ، زي ما اتفقنـا .. رزع الاستديو بكاميراته.
جلى حلقها بتوتر :
-استنى بس ، بشويش عليـا ..
ثم ملأت صدرها بالهواء ، بعطره تحديدًا :
-أنتَ بتحبنـي بجد ، يعني أد أيه مثلًا ؟!. أوف ؛ معلش استحملني والله بس أنا حاسة بحاجات غريبة كده ، مش مصدقـة ، قصدي أول مرة حد يعترف أنه حبني !! لالا هما اللي حبوني كتير أوي ، بس دي أول مرة يحبني اللي بحبـه !! أنتَ فاهم ؟!
كانت معاناته الحقيقية براءتها ، قاتلة مجرمة ، مهلكة لرجولتـه ، عقد حاجبيه ممازحًا كي يخرجها من حالة الارتباك التي تجتاحها :
-الراجل اللي هيفكر يبص لك بس ، أنا همحيـه من على وش الأرض .. واتعدلي .
أصابها غرور حبه وهي تقول بفرحة:
-كده هتخلص على كل الرجالة ..
-ما هو بسببك ..
مسكت كفوفه بحُرية :
-نتكلم بجد !! أنا عايزة وعد ..
كان كفيها كقطعتين من القطن بيده:
-أنتَ تأمري وأنا أنفذ ..
حاورت عينيـه:
-تحبني لآخر عمرك ..
-مفيش مفر ..
ليلة بتضرع:
-عمرك ما هتزعلني !!
-أموت قبلها ..
-لا بعد الشر عليك طبعًا .. بس حبني على طول ، وكل يوم وكل ساعة ، عوض قلبي عن كل اللي فاته .. هارون أنتَ بقيت كُل حاجة بالنسبـة لي .. مش عايزة حاجة تخوفني تاني ..
لمس وجنتها برفق :
-وأنا مش عاوز مراة هارون العزايزي تخاف من حاچة في الدِنيا كلها ، خبطي ورزعي في اللي ميعجبكيش وتعالى إداري في حضني .
-أنت ازاي كده!!!!!
رفرف قلبه من طاقة أمانـه التي سلطها عليها، فقالت بصوت متهدج :
-آخر سؤال أنت حبتني عشان أنا ليلة ولا عشان ساكمت هو عمل كده والأسطورة اتحققت !!
ضحك بخفـوت وهو يقر معترفًا :
-أنا حبيتك عشان ديه قدري ومكتوبي من قبل ما أجي الدنيـا دي ياليـلة .. الحُب قـدر .. وأنتِ قدري .
تنهدت بارتياح ولا تعرف ماذا ستقوله أمامه حبه العاصف ، فدمدمت بعفوية:
-أنا قولت لك أن شكلك حلو والطقم حلو !!
ضم رأسها صدره وطبع قُبلة خفيفة فوق رأسها وهو يسحبها للخارج والسعادة ترفرف بأجنحتها فوقهما ، مسك كفها قبل ما يفتح الباب ، فألقتى بأخته الجالسة أمام التلفاز وما رأته فزعت من مكانها برهبة ..ترك يد ليلة ثم اقترب من أخته وقَبـل رأسها بحنان :
-لِمي حاجاتك عشان هنرچعوا العزايزة الليلة..في بهايم طايحة في البلد عاوزة تتربى .. مش هتأخر عليكي ولو عوزتي حاجة تطلبيها بالتليفون الأرقام كلها عندك .
بنبرة مذعورة قالت :
-هارون أبوك عاوزك ضروري ..
-هكلمه… بس قوليلي وشك ماله .. مش عاچبني .. ما عتاكليش!!
هبت معترفة على الفور :
-هقولك بس متزعلش مني يا هارون ، دكتور عمار اتصل يطمن على ليلـة ، وفضل يرغي في أي حديت كِده ملهوش علاقة ببعضه بيچر رچلي ، بس أنا طلعت أذكى منه وو خفت وقفلت في وشه السِكة !! هو هيتسلى ولا أيه !! بص خد كلمه قوله مايتصلش بي تاني …عرفه أن وراي رچالة يا هارون .
تراقصت نظرات ليلة وهارون لبعضهم ، فقل عين وفتح الآخرى قائلًا بتوعد مطوى بالخبث لرائحة الإعجاب التي تفوح من عيني أخته :
-داكتور عمار !! وماله .. نربوه هو كمان ..هي چات عليه.
هبت ملهوفة :
-هتقتله !!
-ليه أخوكي قتال قتلى !!
ثم تحمحم بحماس:
-يلا يا ليـلة …. يالا… نامي يا هيـام الله يهدي أمك .
سحب ليـلة من كفها وغادر الثنائي الشقة وترك الحيرة برأس أخته ، أمام المصعد مالت ليلة على مسامعه مُقرة :
-على فكرة دكتور عمار شكله معجب بهيام وهي متلخبطة..
فتح باب المصعد كي تدخل أولًا وهو يقول بثقة :
-منا عارف وقاريـه من يوم ما خش بيتنا ..
ثم ضغط على الزر :
-لولا أنه محترم وأبوه غالي عليّ كان زماني معلقه في زقلة .
تأرجحت عينيها بعدم فهم :
-مش سهل أنتَ بردو .. بس يعني ايه زقلة؟!
-هوريهالك لما نرچعوا .
ما فُتح باب المصعد فهبت مقترحة :
-أيه رأيـك نزور مامي بعد تصوير الحلقة ونشرحلها سوء التفاهم اللي حصل!!!!!
فتح سيارته بالريموت الالكتروني وبنبرة حاسمة قال :
-ليلة ؛ متفكريش غير في حلقتك وبس .. اركبي .
ما استقل الثنائي السيارة ، نزع هارون نظارته الشمسية وهو يطلب منها:
-عاوزك توصليني بمراة هاشم أخوي ، عشان ناوي أكسر نفوخه على عملته المهببة دي …..
•••••••••••••
~العـزايـزة .
ببيت جدة جميـلة ؛ والتي تُعد أذكى الأطعمة الفواحـة لعريس حفيدتها الذي سيأتي المسـا برفقة أهله لقراءة فاتحتهـا.. اتبعت" جميلة " رائحة الطعام المنتشرة في ربوع البيت وهي تهلل :
-يا سنيـة متتعبيش روحك قولت لك !
قلبت الحساء بالمطرقة الخشبية :
-ولو متعبتش لچميلة حفيدتي هتعب لمين !! ديه يوم المنى يابتي ..
تنهدت جميلة بضيقة:
-عاوزة أريحك يا سنيـة وبعدين أنا قلبي مش مطمن .. حساها زي كل مرة.
-ليه يابتي ، الواد شكله زين ومتربي ، وكمان أنتِ قعدتي معاه وقولتي أمين ..
بثت شكواها لجدتها:
-قولت أمين ، وبيقبوا هيتهوسوا عشان أوافق عليهم ، يچوا يوم قراية الفاتحة ويختفـوا .. ملبوسة أنا يا سنية !!
-لا أنتِ زي الفل .. بس أنا قلبي متفائل خير المرة دي..واكيد خير.
رفعت أصبعها لتعقد اتفاقها معها:
-العريس ديه لو طفش هو كمان انا هقفل باب الچواز دي بضبة ومفتاح ، اتفقنا يا سنيـة.. مش عاوزة اسمع قول وعيد في الحوار ديه .
تمتمت سنيـة مع نفسها:
-يارب لا متكسرش خاطرها يارب .. ريح قلبها ويكون ديه العريس اللي فيه الخير يا رب .
~على الطـرق ..
تغبرت الأجواء إثر تقاطع سيارتين على الطريق الرملي ليسب وليد الفاو ذلك الأحمق الذي قطع عليه طريقه فجأة .. وما أن ظهر هيثم أمامه سحـب حبل شتائمه لتتحول لنـدمٍ :
-يا هيثم !! مش هتبطل غباوة في السواقة ياخي !! حد يطلع في وش حد كِده !!!
دنى هيثم منه والابتسامة تعلو ملامحه :
-حبيبي يا وِلوو ، فينك يا راچل ولا الكويت خدتك منينا ، فينك وفين أراضيك!! أول ما سمعت إنك نزلت قولت لازمًا أچي اسلم عليك بنفسي..
هبط وليد من سيارته وصافحه قائلًا :
-نزلت أخطب وياستي وعلى اخر الشهر هكتب عليها .
هز رأسه بخزي :
-عرفت ، عرفت أنك قايل على چميلة بت الخواچة!!
-للدرچة دي مفيش سر عيدارى في العزايزة !!
رفع هيثم سبابتـه قائلًا :
-هو مفيش سـر يدارى على هيثم العزايزي ، تفرق … وعشان كِده اشتري اللي چاي عشان أقولهولك ..
ثم طوق رقبته قائلًا بنبرة مبطنة بالنصح :
-أنتَ سألت زين على چميلة دي !!
-سألت وكله شكر فيها بت كيف الچنيه الدهب ، وقالوا دي غلبانة !!
صاحت صرخة الاعتراض من جوف هيثم وهو يخبره قائلًا :
-هما ضحكوا عليك أنتَ كمان !! چميلة دي غلبانة !! دي عتتغدا بالعُمال في المشتل عندينـا.
بد الذهول على الرجل :
-لا يا شيخ ، ما يبنش عليها ، هي واعية ااه لكن بت ناس متربية .
أكمل هيثم مسرحيته :
-ما نقدروش نقولوا كلمة في حقها ، بس خُد التقيلة ، لولا أنت بس غالي عليّ كنت سبتك تلبس ، بس لا يا وليد مستحيل اسيبك تقع الوقعة دي..
-قلقتنـي يا هيثـم !! هي البت مالها..تعرف أيه عنيها!
وشوش له هيثـم بدهاء:
-البت عليها واحد مخووت .
-كيف الحديت ديه !! مين عينيه عليها وأنا أقتله بيدي!!
ضرب هيثم على جبهته :
-وطي حسك ، ماهو لو عايش على الأرض معانا كنا قتلناه من زمان .
-أومال عايش فين !!
أشار بأصبعه لأسفل لدمدم بحسرة :
-عايش تحت الأرض ، بيني وبينك عليها بسم الله الرحمن الرحيم ، كل رجل يقرأ فاتحتها يقوم هو وعشيرته يقروا عليه الفاتحة ، هوب ما تطلعش عليه شمس .. ونسمعوا خبره .
قذف الرعب بصدر الرجل :
-الكلام دي حقيقي يا هيثم !!
-وأنا هخُمك ليه !! لولا أني عارف أنـك غريب عن البـلد ليك مُدة مكنتش چيت نورتك ووعيتك ، اسمع نصيحة أخوك ومتعتبش دارها ، عشان أنتَ متراقب … خاف على عمرك يا وليد يا أخوي وبنات العزايزة على قفا مين يشيـل !!!!!
قفز الرعب بقلب وليد :
-وعلى أيه !! هي ناقصة عفاريت !! ابعدنا يا عم .. ملبوسة لروحها الله يهنيها .. بس چميلة دي چميلة قوي يا هيثم خسارة والله ..
لكزه والغيرة تتطاير من عينيه :
-طب وطي حسك وما تقولش چميلة دي ، دول ولاد مچانين وعيغيروا ، قفل على السيرة اللي تقصف العُمر دي… وتعالى أرشحلك بنات في العزايزة ، دانا عارفيهم واحدة واحدة …….
•••••••••••••
-بركان وانفجر في وشي يا أحلام ! دي حتى مش طايقـة أحط يدي عليها !! عملت أيه أنا لكُل ديه !! مش فاهمة أنها كانت ساعة شيطان وراحت لحالها.
رفس هاشم بقدمه الطاولة البلاستيكية من أمام أحلام في الجنينة وهو يجوب الأرض ذهابًا وإيابًا ، حتى صرخ غاضبًا :
-دي عتقولي أنتَ مجرد اسم على شهادة ميلاده !! عاوزة تحرمني من ولدي يا أحلام !! هي چاية تقتلني بسلاح بارد وتمشي!! فاكراني هقف اتفرچ عليها!
فركت أحلام كفوفها بغـلٍ :
-بلاش عصبيـة يا هاشم !! اهدي يا ولدي بلاش شيطانك يسوقك زي كل مرة !!
لوح بذراعيـه وهو يشكو منها ومن شوقه إليها :
-أنا سبتها بس عشان هي حامل مرضتش ازعلها ، لكن قسمًا عظمًا أنا لو عاوزها دلوق ما حد هيقدر يمنعني عنيها حتى هي نفسها ! شوفي يا أحلام أنتِ تعقليها .. وإلا ..
فاض صبر أحلام من عصبيته :
-يخربيتك أمك ، كِّن وأقعد على حيلك دوختني !! أنا مش عارفة أنتَ وارث التورة دي منين !!
عض على شفته السُفليـة مغلولًا وهو يتفقد خلاء المكان حولهما ، ليبوح معترفًا :
-وحشاني !! وحشاني ومش قادر حتى أخدها في حضنـي يا أحلام !! هتچنن !!! من ميتى رغد منعت نفسها عني !!
طيف ابتسامـة خفيفة استقرت على ثغر هاشم الذي اعترف علنًا بشوقه بحبه ، بنار رفضها له التي تحرقـه :
-طب روق وسيبها تهدى !!
-أحلام !!! أنا أجازتي يومين وهتخلص ؛ مش هتحرك غير ورچلي على رچلها ..
ثم صاح منفجرًا :
-عقليها وقوليلها كلمتين !! وإلا ورب الكعبة ما هعمل حساب لحمل ولا لمخلوق .. أنا عتحرق وهي محساش بي يا أحلام !! راسي هتنفجر ومش قادر أحلها معاها !!
تأرجحت عيني أحلام بتساؤل:
-أنتَ عاوز أيه يا هاشم !!
قطعت حديثهم مجيء هاجر التي جاءت تركض من الخلف بنفس واحد وهي تستغيث بهِ :
-ألحق يا هاشم ، مرتك مغمى عليها ودمها متصفى ، شكلها عتسقط ….
•••••••••••••
~مدينـة الإنتاج الإعلامي .
انتهت "ليـلة" من ارتداء ملابسها الخاصة بتصوير الحلقـة ، وانتهت من وضع المكياج المتناسق مع ملابسها وهي تتساءل عن اختفاء هارون الغريب كل فتـرة ولم تجد جوابًا ، حتى هاتفه يرن بدون رد منـه .. زاد توترها وهي تحفظ بعناوين الحلقـة وتراجع تفاصيـل نصائح هارون :
-مننفيش كلام دكتورة نادية ، أي حد بيتعرض لفقد حد غالي عليه لازم بيدخل في دوامة نفسية وده اللي حصلي لما فقدت بابا -ثم تبسمت لتجود من عندها -بس ربنا بعتلي الشخص اللي يصالحني على الحياة من تاني !! وأظن إني دلوقتي مش محتاجة الأدوية دي تاني.
ثم أخذت نفسًا عميقًا وأكملت :
-مامتي حصل سوء تفاهم بس ومن خوفها عليا قالت الكلام ده !! لـكن أن مشيت مع هارون بيه بمزاجي ، لأني كنت متابعة مع دكتور تاني كان لازم اروح له ، هو اللي فاهم حالتي !!ومامي لو عرفت مش هتوافق من خوفها عليا .
ثم ضربت الأرض بقدمهـا :
-أنتَ فين كل ده يا هارون بس !! هو ده اتفاقنا …!
طرق الباب فظهر أحد المعدين ليخبرها :
-ربع ساعة ونكون جاهزين يا استاذة ..استعدي.
بدّ القلق يُقاسم ملامحها :
-راح فين بس !! مش عايزة أبقى قلقـانة عليه ..
ما ولى المُعد ظهره فجاء بدلًا منه هارون ، فما رأته استردت روحها من جديد وهي تشير لفتاة التجميل أن تخرج من الغرفـة ، انتظرت حتى غادرت الفتاة لترتمي بحضنه بارتياح تائه عثر على موطنه للتو :
-كنت هتجنن عليـك !! كده بردو ؟! روحت فين يا هارون ..مش متفقين هتكون معايا ومش هتسيبني ..خضيتني عليـك .
كلمـا وجَّهتُ بوصلة قلبي وجهةً يأتي غرامك ملوحًا أوَّل وجهاتي .. و كلما نويت الصيام عن حُبك حتى يرفرف بالعلن رمقتني فتراجعتْ وتخاذلتْ نيّـاتي ولعنتها ، لعنت أي شيء يبعدني عنك خطوة واحدة .. من أنتِ يا فتـاة ، ليـلة !! لكنك ليالٍ عديدة وأنا التائه بدروبك !! لعبتَ بهيبتي ! اخترقتي قوانيني فخالفتُ فيك مجامعَ الأعراف والعادات .. مسح علي شعرها بحنانٍ :
-الحضن الحلو ديه عشان غبت عنك ساعة بس!!
ثم أمسك بذقنها ورفع وجهها لمستواه ليطبع قُبلة طويلة على وجنتها التي طغت حمرة خجلها في التو ، فبررت :
-خفت عليك ، روحت فين فجأة كده .
-أخرني ديه يا ستي !
أخرج من جيبه علبة فخمـة من القطيفـة وفتحه أمامه ، فسطع من داخل العُلبة خاتم مرصع بالألمـاس جعلها تشهق من جماله منبهرة :
-واو !! ده ألماس !! يجنن !! بس لمين !!
عقد حاجبيه بامتعاض :
-لامي صفيـة !! أصلها بتتوحم على ألماس ..
ثم تنهد :
-يا صبر الصبر !! بتيچي عند حتت وماينفعش فيها الفصلان أبدًا ، هاتي يدك ..
أطلقت ضحكة خفيفة وهي تمد أصبعها :
-الله !! ده طلع عشاني !! يجنن !! بس بمناسبة أيه !!
أدخل خاتم ملكيته الفخم الذي يتجاوز سعره المائي ألف جنيه بأصبعهـا وهو يقول :
-ماينفعش تطلعي على الهوا ويدك فاضيـة ..
ثم غمز بطرف عينه :
-إعلان ملكيـة يا ستي لغاية ما تختاري شبكتك بنفسـك ..
-شبكتي!!!!!
تقاذفت طيور الفرحة فوق معالمها بعدم تصديق وهي تتأمل روعة الخاتم بيدها بانبهار :
-خطيـر بجد .. شكرًا .. هدية حلوة أوي .. بس ده غالي !!
زين يدها بالخاتم وبقبـلة خفيفـة وهو يقول :
-الدنيـا كلها ترخص ليكِ ، مبروك عليـكِ ..
ألقت نظرة خافطة على عينيها ومثلها على الخاتم الذي طوق يمينها وقالت بخجل :
-مرسي أوي …كلامك حلو.
طرق المُعد الباب فتفرق جمعهما خطوة وسمحت له بالدخول وهو يخبرها :
-أحنا جاهزين يا استاذه اتفضلي .
-هااه جايه حالًا ..
ثم نظرت لهارون :
-يلا !! بس استنى هما هيوافقوا يدخلوك !!
رد بثقة :
-هو أنا لازم كل هبابة أفكرك أن اللي قِدامك هارون العزايزي …!!
لكزته بدلال وهي تغادر الغرفة الخاصة بها :
-عرفنا أنك جامد خلاص ..
تحمحم من ورائها بمكر :
-بس لسه ماشوفتيش !
-يعني أيه !!
-في بيتنا هقول لك ..
تقدم احد الرجال ليطلب منه :
-هارون بيه ، الشناوي بيه مستنيك في مكتبه !!
-چايله !!
ثم نظر لليلة :
-اسبقيني أنتِ وهحصلك !!
-استنى هو عايزك ليه !!
-بعدين يلا عشان متتأخريش..
أومأت بطاعة وسارت مع المُعد وهي تتساءل بصوت عالٍ :
-يا ترى الشناوي بيه عايزو في أيه ..أنتَ تعرف!!
فرد المُعد بتلقائية :
-آكيد مشكلة في الإنتاج!!!
دارت نحوه مستفسرة :
-وهارون بيه أيه دخله !!
أقر المعد بعفوية :
-ازاي!! هارون بيـه اللي ممول البرنامج كله ……
••••••••••••
~باستقبال الفنـدق .
تقدمت ناديـة بخطواتها الثابتـة نحو مجموعة الرجال الذين يسألون عليها متأملـة :
-اتفضل يا حضرة الظابط ، في أخبار عن بنتي !!لقتوها.
خيم الأسى على وجهه الظابط قائلًا :
-دكتورة ناديـة ؛ اتفضلي معانا .
-ليه !! بنتي حصلها حاجة !! طمني؟
-لا ، بنتك بخيـر .. بس في بلاغ متقدم فيكي للنائب العام ، ولازم تتفضـلي معانا ….
تكدس الذعر بعينيها :
-ايـــه !!!!!!!
••••••••••
يتبـع⁉️
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا