القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية شبح حياتي الفصل السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرين بقلم نورهان محسن

 

رواية شبح حياتي الفصل السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرين  بقلم نورهان محسن 




رواية شبح حياتي الفصل السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرين  بقلم نورهان محسن 




الفصل السادس عشر شبح حياتي أنتي جميلة ، أجمل من أن يتشوَّه مزاجك لحديثٍ عابر يتسبَّب به كائن مُغفل ، لا يدرك كم أنتِ جميلة. "البدر" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ خطرت كلمات معاذ في ذهنها ، وتمتمت بقلق : الحادثة كانت جامدة عليك و كمان مقصودة : بتكلمي مع مين؟ جفلت حياة وتجمدت ملامحها بمجرد أن سمعت صوته خلفها حالما فتح الباب دون سابق إنذار ، وربما الحب أيضا إخترق حصونها دون أن تدري مقتحماً قلبها سهواً ، لتنبُس بإستنكار متوترًا بينما تضع إحدى خصلات شعرها المتمردة على جبينها خلف أذنها بعد أن إستدارت بكامل جسدها إليه : انت ايه اللي دخلك هنا!! رفع معاذ حاجبه مستاءًا من هجومها العدائي عليه ، وسرعان ما أظلمت ملامحه ، وانمحت الابتسامة المرسومة على محياه حتى يلطف الأجواء معها ، ليدمدم بثقة : انا ادخل المكان اللي يعجبني تابعته حياة بعيون ضيقة ، وهو يتقدم نحوها بخطوات ثابتة بطيئة ، لتعقد ذراعيها أمام صدرها قائلة بتعبير مقتضب : مفيش فايدة! انت مابتتغيرش!! مش شايف ان دي اوضة مريض في مستشفي ماينفعش تزعق كدا ارتفع حاجب معاذ غضبا على حديثها ، ليسأل بصوت خشن : ايه علاقتك بيه يا حياة؟ ومالك مهتمة بيه ليه وانتي مجرد جارته ودي اول مرة تشوفيه!! أنهى معاذ كلامه بحدة ، لتجيب حياة مباشرة بأكثر نبرة هادئة تمتلكها ، على عكس الغضب الذي كانت تشعر به في نفسها : مايخصكش زمجر معاذ بتهديد وصيغة أمر ، حيث أنها تضغط على وتر حساس فيه ، فأكثر ما يثير استفزازه ويخرجه عن طوره أن يتحداه أحد : ماتكلمنيش بالطريقة دي.. أكمل حديثه بصوت أهدأ قليلاً من ذي قبل ، بينما يشد على قبضته بعنف محاولاً السيطرة على غضبه : اسمعي انا صابر وماسك نفسي عنك بالعافية .. لولا اني انشغلت بالبني ادم اللي وراكي دا .. كنت جيت جبتك غصبن عنك من القاهرة حررت يديها المطويتين على صدرها لترفع سبابتها في وجهه ، وتدمدم بغضب ، بينما بداخلها ترتجف من التوتر العصبي الذي يرافقها بسبب الظروف التي أحاطت بها ، خاصة مع اقتحام هذا المتغطرس نفسه فى حياتها من جديد ، ليجعل الأمور أسوأ بالنسبة لها : اسمه بدر والزم حدودك يا معاذ .. انا مش مجرمة ولا متهمة في القسم قدامك عشان تعاملني بالهمجية وقلة الذوق دي .. وانت ماتقدرش تعملي حاجة فاهم اشتعل معاذ غيظا من لسانها السليط ، ونظرة الاستخفاف التي ترمقه بها ، حتى اندلعت شرارات متطايرة من عينيه ، محدقاً فيها وهو يصيح باستنكار : اظاهر ان انتي اللي اتغيرتي في الكام يوم اللي قعدتيهم في القاهرة!! من اول شكلك وطريقة لبسك .. لحد صوتك العالي ولسانك الطويل.. صمت لحظات ، بينما تتلألأ عيناه محركا اياها من أخمص قدميها إلي أعلي رأسها بوميض مختلف ، تزامنًا مع إنهاء جملته بعاطفة قوية لم يكلف نفسه عناء إخفائها عنها أو ربما حدث ذلك لا شعورياً منه ، لكنها تجاهلت ذلك عندما سألها بعبث : معقولة حالك يتشقلب في كام يوم بعدتيهم عني؟ إمتعضت ملامحها من الغضب ، وتسللت حمرة خفيفة إلى وجنتيها من نظرته الوقحة نحوها ، وقبل أن تجيب عليه ، استمع كلاهما إلى صوت الطبيب الذي جاء من عند باب الغرفة ، حيث نظر إليهما باستنكار و قال بنبرة هادئة : ايه يا جماعة!! انتو مش واخدين بالكو واقفين فين؟ تعالي معايا يا حضرت الظابط لو سمحت كل هذا حدث أمام أعين بدر الذي يدعى البرود ، وهو بداخله يحترق من الغضب بسبب كلام معاذ ، لينظر إلى جسده الساكن بعيون حمراء من القهر ، وكأنه يقول له أنهض من سباتك حتى تلقنه درسًا لن ينساه ، لكن لا حياة لمن تناديها ، أيها البدر. ★★★ : حياة نطق اسمها بهدوء بارد ، على عكس الفوضى التي تشكلت بداخله بعد أن غادر معاذ الغرفة بينما كانت حياة واقفة تنظر إلى الباب بجمود ، والأخر غير مدرك بما تفسر تعابيرها وهي موليه ظهرها له. همست حياة بصوت خفيض مرتجف ، وكأنها تخاطب نفسها ويبدو أنها على وشك الانهيار : دي كانت غلطتي من الاول لما وافقت اتخطبلو .. من يومها وهو بيتصرف بالطريقة دي معايا زعيق و شخط و تحكم فيا كأنه اشتراني .. مش عايزني اعمل اي حاجة الا بأمره وعلي مزاجه وانا ماليش رأي .. وفي الأخر لما اشوفه قاعد واخد راحته و بيهزر مع وحدة ويحط ايده عليها بكل بجاحة في مكان عام واحاول الومه واعاتبه... أنهت كلامها ، تزامناً مع استدارها إليه ، تطلعت إليه بنظرة احتوت فى طياتها الغضب والحسرة ، بينما عيناها انهمرت منها الدموع واحدة تلو الأخري بغزازة مثل غيمة ممتلئة بالمطر لفترة طويلة ، وظلت تؤجل موعد الهطول بدافع الكبرياء ، لتنهار الآن وتغرق الكون بأثره. ابتلعت حياة غصة متوقفة بمرارة فى حلقها ، لتكمل بصوت ضعيف بعد أن سارت ببطء ، لتجلس على الأريكة أمام سرير بدر بعد أن شعرت أن قدميها أصبحتا كالهلام ، لم يعد بإمكانها السيطرة عليهما أكثر : عارف كان رد فعله ايه!! اقترب منها بدر بثبات ظاهرى ليجلس بجانبها ، وينظر إليها بصمت ، كما لو أنه يحثها على استكمال حديثها ، لتغمغم بخفوت : ببجاحة قالي دي حاجة عابرة بس انتي اللي هتكوني مراتي رفع بدر حاجبه سخطًا على حديثها ، الذي جعل الدم يفور بداخله ، لكنه ظل صامتًا حتى يجعلها تخرج كل الشحنة المليئة بالدموع والقهر الكامن في صدرها ، والذي كبته أيام طويلة فى أعماقها. قضمت حياة شفتيها بقوة دون وعي منها بسبب تزايد قلقها واحتياجها لمتنفس ، وتذكرت بوضوح كلماته القاسية غير مهتم بمشاعرها ، بينما يتمعن فى ملامحها المصدومة بجمود تام. منذ ذلك اليوم لم تستطع البوح لأي شخص بما تشعر به ، ولا حتى أعطت نفسها مهلة للتفكير في الأمر ، لتخرج ما تخفيه فى أعماقها الآن أمام شخص كان حينها الأبعد عن تفكيرها بل أنه اخر ما يمكن أن يخطر ببالها ، لكن هذا الإنفجار ربما يكون مفيدًا لها الآن حتى تغلق هذه الصفحة إلى الأبد. فلا يوجد ثراء أعظم من عزة النفس ، ولن تقبل إهانة مشاعرها مرة أخرى ، وستمزق تلك الصفحة إلى الأبد من حياتها. جال الصمت بينهما طويلاً ، لم يقطعه شيء سوى شهقاتها الخافتة ، مختبئة وجهها المحمر خلف ستار كفيها ، ثم بعد أن سيطرت على نفسها قليلاً وتجمعت شتات حروفها ، رفعت أهدابها الرطبة إليه حتى التقت أعينهما. طرح عليها عقلها سؤال غريب ، أي منهما يستمد القوة من الآخر ، لتكمل بصوت مبحوح : حتي بعد ما رميت له دبلته شايف بيتعامل معايا ازاي!! انا سيبت اسكندرية عشان كنت عارفة ان اختي هتضغط عليا عشان ارجعلو .. بس انا جيت من اسكندرية وانا مقررة اني هعيش حياتي بالطريقة اللي تريحني مش هاجي علي نفسي تاني مرهق بشدة العيش مع أشخاص يعتبرون أنفسهم دائمًا على صواب مهما ارتكبوا من أخطاء؟ ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بالأسفل في حديقة المستشفى وقف معاذ يمسك سيجارة بين أصابعه وينفث دخانها بغضب بارد ، وبنظرة ثاقبة كالصقر الذي يقيم فريسته قبل أن ينقض عليها ، يشمل مازن الذي كان واقفا أمامه بتملل ، قائلا باستجواب : يعني ماتعرفش اي حاجة عن يوم الحادثة؟ هز مازن رأسه نافيًا ، ليقول موضحًا بينما كلتا يديه داخل بنطاله بدلته ذات اللون الكحلى : لا زي ما قولتلك يا معاذ باشا .. احنا جينا نطمن علي بدر .. لكن مانعرفش اي تفاصيل عن الحادثة حدق معاذ بعيناه التي بدت نظرتها مخيفة تركزان على عيني مازن الخضر ، وهو يرمقه بنظرة حادة ليتمتم : انتو!! ازدرد مازن لعابه بتوتر زلزل دواخله للحظة ، و زعزع إستقرار نبضه بسبب النظرات الحادة الموجهة إليه من قبل الآخر ، لكنه أجاب بلا تردد بصلابة يتخللها الإصرار : ايوه .. انا وحياة : ماشي أطلق معاذ هسهسة بجفاء ، وهو يحدق فيه بنظرات غامقة ومريبة ، قبل أن يردف بصوت بارد : بس لازم حد من اهله يكونو موجودين .. وجودك انت وهي مش كفاية سعل مازن بخفة لأن أكثر ما يزعجه هو دخان السجائر ، وهذا الأحمق عن عمد ينفثه بوجهه الذي احتقن بإختناق ، لقد صمد أمام وقاحته طويلا ، ليهز رأسه قائلا بعبوس : تمام .. عن اذنك نظر إليه معاذ ، وهو يبتعد بعد أن أشار إليه بالمغادرة في صمت ، مبعثراً شعره بغضب ، ورمي السيجارة ، وداس عليها بقدمه ، متزامنًا مع إخراج هاتفه من جيب بنطاله ، ثم أجرى مكالمة صوتية على رقم معين ، وبعدها وضع الهاتف على أذنه ، في انتظار الرد : ايوه .. ايه الاخبار!! انا كويس.. سرعان ما أردف بدون مقدمات : حياة هنا زفر أنفاسه الحارة ، ليقول بصوت اهدأ : لما تيجي هقولك علي التفاصيل سكت معاذ لحظة ، يستمع للطرف الآخر ، ثم أضاف بصوت أجش : ماشي ماتتأخروش .. باي ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• في غرفة بدر اخترق صوت رنين هاتفها ، هالة الهدوء التي أحاطت بالمكان بعد أن أفرغت شحنة الغضب والإضطراب الذي اثار أعصابها ، معلنا عن وصول مكالمة. فركت محجر عينها وهي تنفخ خدها الذي بدأ يعود إلى لونه الطبيعي ، وفهمت ما فعله معاذ ، ففصلت المكالمة سريعاً وألقت الهاتف على الأريكة التي تجلس عليها دون أهتمام. لم يستطع بدر كبح السؤال اللامع في عينيه ، معبرًا عنه فورًا من غيرته المفرطة ، لكنه كافح ليجعل صوته باردًا : دا معاذ!! ازدردت حياة لعابها لترد بصوت خافت مبحوح نتيجة بكائها : ميساء .. اكيد ماكدبش خبر وقالها كل حاجة ارتفع حاجب بدر تلقائيًا في سخط ، وأدار عينيه للهاتف بشفاه مشدودة ثم تساءل : وهتعملي ايه؟ أطلقت حياة تنهيدة طويلة ، في محاولة للتخلص من كل مشاعرها السلبية معها ، لتفرك جبينها بخفة بعيون مغلقة وحواجب معقودة قبل أن تقول بتعب طفيف : انا حاسة بصداع ومش عايزة افكر في حاجة دلوقتي اتكأ بدر بمرفقه على حافة الكنبة متعمناً النظر اليها ، ليقول بهدوء مشوبها عتاب لطيف يطوفه الإهتمام : بقالك يوم كامل مانمتيش فيه غير ساعتين وكمان مافطرتيش تنهدت حياة بعمق ، واستقامت بجسدها حينها شعرت بألم ظهرها المتشنج من طريقة جلوسها الخاطئة ، لتتحرك ببطء نحو سرير بدر. أطالَت النظرَ إِليه حيث عادت رباطة الجأش إليها ، لتشعر بالهدوء وانتظام دقات قلبها ، ثم بررت ذلك بنبرة خافتة : مابعرفش اكل وانا قلقانه يا بدر .. بس شوية كدا وننزل الكافيتريا رمشت بأهدبها الطويلة قبل أن ترفع أطراف أصابعها بشكل عفوي ، لتمريرها بخفة على لحيته النامية على عظام فكه ، بعد أن انحنت قليلاً بجسدها تجاهه ، قائلةً بتذمر طفولي : شعر ذقنك طول جامد.. استرسلت الحديثُ لا شعوريا ، مشيرة بإصبعها إليه ، بعد أن رفعت عينيها إلى طيف بدر ، الذى وقف بجوار جسده المستلقي بسكون على السرير من الناحية الأخرى ، غافلة كلياً عن نظراته المبهمة التي اخترقتها بصمت : ذقنك دي مظبوطة و احلي .. لما تفوق لازم تخفها زي دي أنهت حياة جملتها ، بالتزامن مع إزالة أصابعها عن وجه بدر الذي قال بغموض : اعملي كدا تاني.. رمشت حياة بدهشة ، وقالت ببراءة : اعمل ايه!! حدق بها بدر لبضع ثوان ، ثم أشار إليها وأجابها : حطي ايدك علي ذقني حسنًا ، لقد أدركت للتو ما فعلته أنها لمسته دون وعي منها. اتسعت مقل عينيها بتفاجئ ، وتشبعت وجنتيها بحمرة الخجل من نفسها رغماً عنها ، لتبدو كثمرة الطماطم الناضجة. تنحنحت بإرتباك لتقول بعدم فهم لحديثه : ايه دا .. اشمعنا!! فرك بدر جبهته بضجر وصاح متذمراً : اسمعي الكلام لو مرة واحدة من غير لماضة نفذت حياة ما طلب منها ، لتعاود النظر إليه ، وتتساءل بتوجس بانتظار اجابته : اهو .. في ايه؟ سلط بدر نظراته عليها بعد أن كان مخفضاً بصره نحو جسده لينطق بكلماته ببطء ، مدققاً فى ارتباكها ، واستكمل حديثه : انا حاسس بلمسة صوابعك علي وشي نظرت إليه حياة بإنشداه ، لتغمغم بذهول : بجد .. دا معناه ايه!! حدق بدر بها ، وهناك بريق جذاب في عينيه ، ليجيب عليها بعد ثوان من الصمت : ممكن روحي وجسمي لسه بينهم تواصل ببعض وجايز في امل أفوق ارتفع صوتها من المفاجأة ، قائلة بابتسامة مشرقة بعد ان استقامت بجسدها : يارب يا بدر تفوق.. سرعان ما تبددت تلك السعادة وحلّت مكانهَا مشاعر أخرى بين الصدمة والغضب بمجرد أن سمعوا أحدهم يقول : امين يارب استدارت حياة نحو الباب بإنشداه ، حيث مصدر الصوت الأنثوي الذي اخترق المكان ليقطع حديثهما ، والتي لم تسمع منه إلا الجملة الأخيرة من حياة ، لتردد أميرة بصوت ناعم الدعاء خلفها. أصبح وجه بدر محتقناً عندما سقطت عيناه عليها ، ليشتغل داخلهما لهيب حارق ، حيث أن حياة رأت بوضوح الغضب والكراهية يبرزان من عينيه ولم تحزر السبب كثيرا ، فقد فهمت إحساسه جيدا ومن يستطيع أن يلومه. تحدثت أميرة بنبرة هادئة بعد أن كانت تنتظر حياة تبدأ بالحديث ، لكنها ظلت تنظر إليها من دون رد فعل : ازيك يا حياة .. مش كدا!! شوفتي لسه فاكرة اسمك ازاي ابتلعت حياة لعابها في محاولة للحفاظ على ثباتها الإنفعالى لتقول على مضض : اهلا.. ابتلعت بقية حديثها داخل جوفها عندما رأت دخول الطبيب المسمى علاء ، وبجانبه شخص غريب وغير مألوف لها. تقدمت أميرة إلى منتصف الغرفة ، لتقف راسمة على وجهها الحزن ، وتقول بنبرة ناعمة ممتلئة بالقلق : ماصدقتش نفسي لما اتصلو بيا من مصر وقالولي ان بدر في المستشفي .. جيت علي طول انا وكريم ابن خالتي أنهت كلامها ، مشيرة إلى كريم الذي كان واقفاً أمام علاء ، ليسأله بهدوء : هو زي ما قولتلي يا دكتور ان حالته مش بتتحسن قال له علاء جديا : استجابة المخ بطيئة .. لكن كل شئ في إيد ربنا سبحانه وتعالي جذبت حياة نفسها بالقوة من صدمتها ، بينما كانت عيناها تشاهدان ما يحدث في فضول انطلق كالسهم مغادراً شفتيها الوردية على هيئة سؤال موجه لأميرة : معلش .. ممكن اعرف مين بلغك بوجوده هنا!! انتقلت كل الأنظار إليها ، لكن ما أثار شكوك بدر وأستفزه ، تلك النظرة الغامضة التي رمقها كريم بها بعسليته الماكرة. استمر الصمت لمدة ثوانٍ ، ورفرفت الأفكار في أذهان كل من في الغرفة ، حتى جاءت الإجابة بصوت رجولي وجذاب أجش قادم من عتبة باب غرفة بدر : انا يا حياة .. المدام مراته وهتفيدنا كتير في اننا نعرف الحادثة حصلت ازاي!! اتجه الانتباه إلى معاذ الذي كان واقفا محاطا بهالة من الثقة والبرود ، تثير التوتر في نفوس الحاضرين دون أدنى جهد منه. بعد دقيقة من الصمت ، ردت أميرة بنبرة متوترة إلى حد ما : الحقيقة انا معرفش بالظبط!! كنت في الفيلا وهو كان مشغول طول اليوم ومعرفتش اوصلو لان تليفونه فضل مقفول أمالت برأسها قليلا بينما كانت تفرك كفيها معًا واردفت : سوري انا متوترة شوية واعصابي بايظة من اللي بيحصل ولو ممكن تأجل التحقيق لوقت تاني شملها معاذ بنظرته الثاقبة ، ليتمتم ببرود : تمام تحدث كريم بلهجة هادئة بعد أن كان يتابع الموقف أمامه بصمت ، أو بالأحري كان محدقًا في ملامح حياة الواجمة بشكل غريب دون أن يلاحظه أحد من الواقفين بإستثناء واحد : دكتور حالته تسمح اننا ننقله لمستشفي ... بالقاهرة انتفضت حياة في مكانها تزامنا مع انتفاضة بدر الذي فهم ما ينوي فعله ، فتبادلا النظرات بين بعضهما ، ليقول بدر بصوت مخنوق : لا يا حياة دي مستشفي كريم .. يعني اذا روحت هناك هيخلصو مني بسهولة ابتلعت حياة كلماتها قبل أن تقولها حين سبقها معاذ ، ونظر إلى كريم ووجه له كلماته بحزم : خلينا نأجل القرار دا لحد ما نشوف رأي الدكتور المعالج و لحد الوقت دا هحتاج منك الاجابة علي كام سؤال : ياريت الكل يطلع برا عشان هنفحص المريض دلوقتي التجمع دا ماينفعش صمت الجميع يستمعون لكلام الممرضة التي جاءت مع أحد الأطباء بخطوات متوازنة ، تمامًا مثل صوتها ، لتزم أميرة شفتيها لبعضها البعض بقوة عندما لاحظت نظرات كريم إلى حياة ، ثم أرختها بتجاهل للأمر بالكامل ، ونطقت بهدوء : بس انا مالحقتش اشوفه ممكن افضل معه كام دقيقة علي انفراد يا دكتور ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• في ممر المستشفى بعد غضون دقائق ابتعدت حياة عن الجميع لتكون بمفردها في الزاوية ، وأخرجت هاتفها وأجرت مكالمة ثم وضعت الهاتف على أذنها ، منتظرة بفارغ الصبر الرد ، ليأتي فعليًا بعد عدة رنات ، لتقول على الفور : الو .. انت فين يا جاسر مابتردش من امبارح عليا!! جاء صوت جاسر الهادئ إليها : معلش يا حياة ابو شذي تعب فجأة بليل وكنت معاهم في المستشفي لم تهتم بما قاله كثيرًا بسبب توتّرها ، وبالكاد استطاعت نطق تلك الكلمات بصعوبة : لازم تيجي حالا يا جاسر انا مش عارفة اتصرف لوحدي وبدر... قطب جاسر جبينه ليقول باهتمام : اكلمي بشويش عشان افهمك مالو بدر .. حصل ايه!! اتسع بؤبؤ عين جاسر ، وهو ينصت باهتمام لما تقوله حياة. ★★★ أنهت حياة من مكالمتها مع جاسر عندما سمعت صوت امرأة تنادي باسمها ، وعرفت على الفور لمن يكون هذا الصوت. استدارت بوجه مقتضب تجاهها ، وسخرت قائلة : لحقتي تسيبي اللي وراكي وتيجي يا ميساء بعد ما معاذ نقلك الاخبار وبختها ميساء بتعبير عابس : دا وش تقبلي اختك بيه وكأنك بايته في حضنها .. مش غايبة عنها اكتر من اسبوع و ماشوفتيهاش يا حياة تنهدت حياة بإستسلام يتخلله الحرج من أسلوبها الفظ معها ، لتقبّلها بلطف على خدها ، وتقول بصوت رقيق : تعالي نقعد جلسان الاثنان بجانب بعضهما البعض ، لتطرح ميساء سؤالاً : ادينا قعدنا .. ممكن اعرف انتي بتعملي ايه هنا؟ لفت حياة عينيها بملل ، لتقول ساخرة : يعني معاذ ماقالكيش؟ هزت ميساء رأسها نافية ، وأجابت على الفور : قالي انك هنا وبس .. جيت علي طول انا وحازم بس هو راح يشوف معاذ خفضت حياة جفونها ، وعقدت ذراعيها على صدرها وقالت بخفوت : بدر عامل حادثة وموجود هنا في المستشفي دي اتسعت حدقتى ميساء بتفاجئ ، وهمست بلا استيعاب وقد الجمتها الصدمة ثوانٍ : بدر عز الدين!! رفعت حياة رموشها الكثيفة ، ونظرت إليها للحظة ، ثم أجابت بحزن : اه في غيبوبة هنا من اسبوعين ومحدش كان عارف مكانه تساءلت ميساء بتوجس ملئ بالحذر : وانتي ايه علاقتك ببدر . . مش فاهمة..؟ قاطعت حياة كلامها قائلة بيأس : ولا هتفهمني يا ميساء بعد فترة من الصمت ، سألت ميساء بإلحاح : لازم تقوليلي جيتي لحد هنا عشان بدر ليه!!؟ تجاهلت حياة سؤالها ، لتقول بنبرة خافتة مليئة بالانزعاج دون النظر إليها : مش قادرة اتكلم دلوقتي يا ميساء كفاياكي اسئلة و تحقيق معايا .. انتي عرفتي اني هنا خلاص ارتاحي بقي تنهدت ميساء بخفة ، وتمتمت بابتسامة محاولة تلطيف الجو بينهما : مش هستريح الا لما تروحي معانا البيت هزت حياة رأسها احتجاجًا ، وقالت بإصرار : انا مش همشي من هنا يا ميساء .. انا جاية عشان بدر وهفضل معه عقدت ميساء حاجبيها مستنكرة ما قالته ، وهتفت بحدة : لا كدا انتي اتجننتي وعايزة تجننيني معاكي .. تعرفي بدر دا منين اصلا وعلاقتك بيه ايه؟ ظلت حياة تحدق بها بصمت ، وتفكر بما ستجيب لكن الصمت طال ، ولم تقل شيئاً فلم يكن لديها جواب. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

الفصل السابع عشر شبح حياتي تجنب الحديث أثناء الغضب⁣⁣ ، قد يكون كلامك صحيح⁣⁣ ، لكن حتماً أسلوبك خاطئ⁣⁣. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مر الوقت دون أحداث ، وأتى المساء سريعا وانجلى القمر بدرًا. استدار مازن نحو حياة ، وهو يحمل بين يده كيسًا صغيرًا يحتوي على شطيرة ، بعد أن قدم إلى ميساء فنجانًا من القهوة ، متحدثًا مع الأولى بلطف بالغ : اتفضلي يا حياة .. انتي ماكلتيش حاجة من الصبح .. اختك اجدع منك كلت وبعدين شربت قهوة .. كفاياكي انتي شرب قهوة من غير اكل.. رفعت حياة بصرها نحوه ، وحدقت فيه بذهن شارد ، ومنحته ابتسامة لطيفة لتقول بامتنان ، متجاهلة ما قاله منذ لحظات : شكرا يا دكتور مازن .. انت تعبت معانا من امبارح و مانمتش حتي .. تقدر تسافر عشان ماتعطلش شغلك حدق مازن في ابتسامتها لبضع ثوان ، و لم يخفى عليه بحة صوتها المرهقة ، ثم أجاب بلباقة : ايه اللي بتقوليه دا!! بدر جاري ومتربيين مع بعض وماينفعش اسيبو في الظروف دي وبعدين انا بلف علي العيانين هنا وبشتغل برده أردف بإصرار ، ومدّ يده إليها من جديد ، وابتسامة جذابة تعلو شفتيه : اتفضلي كلي هزت حياة كتفيها رفضًا ، و ردت بعد أن وجهت وجهها إلى الجانب الآخر : ماليش نفس تتابع الموقف عينان بدر الذي يقف أمامها على الجانب الآخر فى الممر الموجود به غرفته ، يتكئ بهدوء على الحائط ، ليهمس بنبرة دافئة وحنونة جعلت جدران قلبها تقرع بجنون : خديه منه يا حياة عشان ماتتعبيش تاني وتقدري تكملي لو حياتي تهمك امتثلت لأمره لا شعورياً ، وأخذت الشطيرة من مازن بابتسامة مجاملة بعد أن نظرت إلى بدر الذي كان ينظر إليها بابتسامته المميزة. قضمت جزءًا صغيرًا منها ، ومضغتها دون أن تشعر بأي طعم لها ، لكنها أجبرت نفسها على الأكل حتى تتجنب الشعور بالصداع الذي يكاد يفتك برأسها. ساد الصمت التام في رواق المستشفى بعد ذلك ، حتى سمعوا وقع الأقدام تسير باتجاههم. نقلت حياة بصرها بين معاذ وأميرة والطبيب وكريم ، الذين وقفوا للحظة يتحدثون أمام باب غرفة بدر ، قبل أن تولج أميرة أولاً الغرفة بابتسامة متلهفة ليدخل الجميع بعدها ، بما في ذلك حياة التي رأت أميرة تندفع إلى بدر الذي كان مستلقيًا على السرير بكل هدوء و سكون ممسكة بيده بين كفها قائلة بنبرتها الرقيقة : خلاص يا حبيبي .. هاخدك من هنا ومش هسيبك ابدا اتسعت عينا بدر الواقف بجوار حياة التى بدورها تقف تطبطب الأرض بقدمها فى غيظ من أسلوب أميرة وحديثها لبدر بكل هذا الشغف ، حتى لو كان يرقد في سبات عميق ، فليس لها مطلقًا الحق في لمسه. لكن ما فاجأ بدر هو شيء آخر تماماً ، إذ لم يستطع أن يشعر بلمسة أميرة عليه. حدث شيء مشابه أيضًا عندما جاءت الممرضة ، ولمسته للتحقق من حالته فلم يشعر بها. محتمل هذا دليل على أنه بدأ يفقد إحساسه بالحياة تدريجياً ، وأنه على وشك مغادرة ذلك العالم إلى الأبد. سرعان ما خرج من دوامة افكاره على صوت حياة التى نبست بسؤال : تقصدي بإيه هتاخديه من هنا!! في حين أن عيون كريم شملت حياة بتعمق ، بدءًا من ملامح وجهها إلى جسدها بالكامل دون أن يلاحظه أحد ، فهو لديه أساليب خاصة بالنظر دون أن يتم فضح أمره ، في ذهنه يعترف أن عينيه أعجبت بها مثل الفتيات الأخريات اللائي يمررن به يوميًا ، لكن تلك البرتقالية لها جمال خاص تحاوطها هالة من الغموض يريد أن يستشفّ ما يدور في عقلها ، لأن تواجدها الغير مفهوم يثير شكوكه بشدة ، وهذا ما ناقشه مع أميرة قبل ساعات. انتبه كريم لسؤالها وتولى مهمة الإجابة بدلاً من أميرة ، قائلاً بنبرة هادئة يشوبها الكثير من الخبث الخفي داخل مقل عينيه الذهبية : الدكتور سمح لينا اننا نسفر بدر علي القاهرة .. لانه خلاص مابقناش محتاجين نستني في اسكندرية و التحقيق هيتكمل من هناك .. مش كدا يا دكتور علاء؟ أومأ علاء بالموافقة قائلا بموضوعية : تمام مافيش مشكلة .. الصبح كل حاجة هتكون جاهزة ان شاء الله عشان يتنقل للمستشفي في القاهرة بشكل أمن من غير مايحصلو مضاعفات بالطريق ضغطت حياة على قبضتها ، وصاحت فجأة احتجاجًا على هذا الكلام ، ثم تقدمت أكثر نحو سرير بدر بتلقائية ، ووضعت يدها على كتفه في حركة دفاعية : لا بدر مش هيتحرك من هنا اتسعت كل العيون المثبتة على حركاتها بدهشة من كلامها ، بينما اتسعت حدقتا بدر حالما شعر بلمسة أصابعها ، التي كانت أشبه بلسعة كهربائية لذيذة جعلت الخلايا في جسده ترتعش دون أن تلحظ هى أيا من ذلك ، مثل المرة السابقة تماماً. وقع عقله فى حيرة رهيبة مما يحدث ، وهو ينقل عينيه بين من يحاولون تقرير مصير حياته ، بينما يظل صامتا بعجز لا يستطيع التدخل في الأمر ، لينظر إلى جسده قائلا في سره : هتفضل كدا لحد امتي يا متر؟ ياريتك تصحي وتتصرف مع كل البلاوي دي حاولت أميرة أن تتماسك ، رغم أن أعصابها توترت بسبب أسلوب حياة في الكلام ، إلا أنها قطبت حاجبيها عندما رأت حركة حياة ، لتسألها بغرابة : انتي بتزعقي كدا ليه!! واصلا ايه علاقتك ببدر عشان تقرري حاجة تخصه؟ عقدت حياة ذراعيها إلى صدرها بتحدى ، وحدجتها بعسليتها بتفحص ، ثم أجابت عليها بابتسامة ساخرة تقلب سؤالها ضدها ، بينما ترمقها بنظرة ذات مغزى : انتي اللي بصفتك ايه تقرري تاخديه لمستشفي دكتور كريم او اي مكان تاني!! شعرت أميرة بسخرية حياة منها ، فتدحرجت عينيها تلقائيًا نحو كريم الذي كان يقف مثله مثل أي شخص آخر بالغرفة ، يتابع المشهد بريبة وعدم فهم. ازدردت أميرة رمقها ، بينما ترمش بخفة ، و ردت دفاعًا عن نفسها : انا .. انا ابقي مراته بدأ الغضب يندلع في بؤبؤ عينها من استمرار تلك المرأة فى الكذب ، واحتدت نبرتها الرقيقة لتصبح مثل نصل حاد ، ولم تستطع السيطرة على لسانها وهي تصيح في اندفاع : لا انتي مش مراته .. عشان هو رمي عليكي اليمين وانتي عارفة كدا كويس طغت الصدمة على وجوه الجميع بلا استثناء. أمعنت حياة النظر فى ملامح أميرة التي قفزت من ثناياها الصدمة العارمة ، حتى انها استطاعت شم رائحة الدخان المنبعث من أعصاب أميرة التى احترقت كليًا ، وتفتت قشرة الرقة والهدوء التي كانت تصتنعها منذ أن وصلت إلى هنا ، ولكن اغتالها الخوف مما سمعته منها للتو. أسرعت أميرة تقول على الفور ، وارتجف جسدها في توتر شديد ، وهي تتجنب النظر إليها : ايه الجنان والتخريف اللي بتقوليه دا؟ انتي مجنونه!! انا مراته بالقانون يا حبيبتي .. انتي اللي وجودك هنا غير مرغوب فيه واتفضلي اطلعي برا وجودك مابقاش له لازمة هنا أضاءت عينا معاذ بغضب نارى ، وغيظ من كلام حياة السخيف معتقدا أنها حجة منها لإبعاد بدر عن زوجته. في هذا الوقت بالتحديد ، بدأت أجراس الإنذار تدق جدران عقله ، بل أنها نيران الغيرة مستعرة بداخله. جز على أسنانه ، ووبخها بعنف : حياة .. اعقلي ايه الهبل اللي بتقوليه دا !! انتي اجننتي يلا اتفضلي معايا.. أنهى كلامه ممسكًا بذراعها يأسره بين قبضته ، محاولاً إنهاء ذلك الحوار الذي خرج عن سيطرة العقل والهدوء ، وصار مهزلة يجب عليه أن إحتوائها قبل أن تتفاقم أكثر ، ليجذبها معه بخفة لإخراجها من الغرفة ، ولكن حياة أبعدت يده عنها بقوة الدفع غير متقبلة فكرة لمسه لها ، و ذلك لاحظه حين حدجته ببغض ، وهي تصرخ محذرة إياه بغضب : اوعى سيبني .. مالكش دعوة بيا يا حضرة الظابط استقرّت أعين حياة العسلية الثائرة في عيون أميرة الرمادية التى تقذف الصواعق من شدة الغضب بسبب تطاول الأخرى ، وكأنهم يعلنون الحرب من خلال النظرات. قطعت أميرة التواصل البصري معها قائلة بتحدى مرتجف ، وتشير إلى الجميع : يا دكتور .. لو سمحت كفاية طلعهم كلهم برا والصبح بدري تجهز العربية اللي هتنقل بدر من هنا غصبن عن عين اي حد فرجت حياة فمها راغبة في الصراخ في وجهها ، لكن الباب انفتح فجأة من خلفهم ، وجاءت اجابة حازمة من صوت رجولي بدلاً عنها ، مما زاد الحطب على نيران الأجواء المشحونة بالغضب في الغرفة : بدر مش هيروح اي مكان الا بعد موافقتي انا يا مرات اخويا أنهى كلماته بصيغة المضارع لعدم وجود دليل قاطع على ما سبق أن قالته له حياة. سألت أميرة في ارتباك منغمس بشئ من الجنون بعد أن فقدت السيطرة على نفسها تمامًا بسبب خوفها ، والصدمات التي تتلقاها واحدة تلو الأخرى دون فواصل : اخوك مين؟ لا اكيد انتو كلكم نصابين وعاملين مؤامرة علي جوزي كادت حياة أن تسير إليها بعصبية مفرطة ، وهى تزمجر بشيء مثل إعصار الغيرة ، وقد حررت كل شياطينها التي حاولت بصعوبة حبسها : انتي لسه بتكذبي!! ماتقوليش جوزك دي والا هنتفك زي البطة البلدي في ايدي معاذ تحدث بصوت حازم محاولا تهدئة الموقف بعد أن طوق جسد حياة بذراعيه مثل الأفعى ، ليمنعها من الانقضاض على أميرة التى انكمشت على نفسها خوفا من هجوم الآخري الشرس عليها : بس محدش يكلم كفاية .. يعني ايه اخوك يا استاذ و تطلع مين سيادتك؟! رد عليه جاسر بنبرة واثقة وهو يمد له هويته الشخصية : انا جاسر عز الدين بدر المحامي .. اخو بدر و ليا الحق في الوصية عليه لحد ما يتعافي ودي بطاقتي ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• : كفاياكي عناد يا حياة انا تعبت معاكي والله أنهت ميساء كلامها بنبرة ملحة إلى حد ما ، بينما هزت حياة رأسها ، لتقول بإصرار : ماتتعبيش نفسك يا ميساء انا هسافر مع بدر رفع معاذ حاجبيه مستنكرًا ما تقوله ، وهو يضغط على شفته السفلى من غل قلبه ، كأنه يفرغ الغضب بداخله نحو حياة في تلك الحركة ، وعيناه البارزة تكاد تلتهمها حية. لم يستطع السيطرة على نفسه عند هذا الحد ، لقد جن جنونه منها ووصل للسماء. صرخ بإنفعال دون أن يأخذ في الاعتبار مكان وقوفهم في الردهة ، بينما يرقد المرضى في الغرف بجوارهم : انتي مجنونة!! ماتظبطي ايه اللي بينك و بينه مخليكي لازقه فيه بالشكل دا؟ كان سؤاله الغاضب و كلماته الجارحة بمثابة صفعة قوية على وجه حياة جعل صبرها ينفذ ، و هتفت بغضب مشابه للبركان الكامن الذي تحررت حممه أخيرًا لتنفجر فيه : انت ماتدخلش في الموضوع من اساسو .. انت كل اللي كان همك تخلي اميرة تاخد بدر من المستشفي بأي طريقة عشان ابعد عنه .. رغم معرفتك ان في حد قاصد يقتلو وبدل ما تحميه وتشوف شغلك يا حضرت الظابط .. لا بتفكر في نفسك وبس لكن انا مش مستغربة هو دا انت معندكش دم وشكاك شهقت ميساء ، ووضعت يديها دون وعي على فمها ، ثم هتفت في حياة بعتاب : حياة مايصحش اللي بتقوليه دا!! لم تهتم حياة كثيرا بما قالته شقيقتها ، ورمقت معاذ مرة أخرى بنظرة نارية تليق بالقذيفة التي ألقتها عليه فى وسط حروفها : لو سمحتي يا ميساء سيبني براحتي .. انا مابقتش صغيرة ومش هسيب حد بين الحياة والموت عشان واحد اناني و همجي زيك يا معاذ فاهم .. عن اذنكم أنهت حديثها بسرعة ، وهربت من أمام وجهه الذي لم تعد تتحمل النظر إليه خاصة في هذه اللحظة ، وأيضًا لا تنكر أنها خافت بسبب الغضب الذي كان واضحًا في نظراته النارية لها. هتفت ميساء من ورائها بعد أن ابتعدت عنهم فى محاولة فاشلة منها حتى تجعلها تعود : يا حياة استني.. منع حازم زوجته قائلا بنبرة ذات مغزى ، وهو يحدق في معاذ ليقابله بنظرات باردة ، لكنها تفوح منها رائحة دخان نتيجة الحريق الناشب داخل ضلوعه من كلماتها القاسية له : خلاص سيبيها يا ميساء براحتها اللي جرالها من الباشا ماكنش قليل بس احنا واثقين فيها دي تربيتي ★★★ استمرت حياة في السير بالرواق الطويل بعد أن خرجت من المصعد حتى وصلت إلى فناء المستشفي الخلفى. توقفت في مكان خافت الإضاءة لتنظيم أنفاسها ، حيث تلهث بشدة من انفعالها منذ قليل ، لكن على الرغم من ذلك ، فإنها تشعر براحة غريبة تسري بدفء في عروقها. ظهر من العدم خلفها ، تاركًا مسافة بينهما ، مرتكزاً بنظراته على شعرها الذى يتطاير بفعل الرياح الباردة لبضع لحظات ، ثم حرك شفتيه يقول إسمها دون أن يصدر صوت. شعرت بنبض قلبها يرتفع بلا سبب ، و أدارت رأسها تلقائيًا للخلف ، فاتسعت مقل عيناها بتفاجئ ، ونطقت بفم مبتسم ، وكأن مزاجها اعتدل بثوانٍ فور رؤيته : بدر!! أسرت عيناه السوداوان المتلألأة كسماء مرصعة بالنجوم ، عسليتها المتوهجة مثل شروق الشمس ، لتجذبها إلى طريق مشع بالسحر. لا تستطيع أن تفسر الشعور الذى يسيطر على حواسها ، وهو يحدق بها بنظرته العميقة ، والتي رغما عنها تخطف أنفاسها ، مما يجعلها تلهث وكأنها في سباق ماراثون. استمرت تلك النظرات الصامتة دون محاولة منهم ، لنطق أي شيء حتى قرر بدر كسر ذلك التواصل البصري عندما تدحرجت عيناه بعيدا عنها ، قائلاً بهدوء : جاسر قاعد فوق في اوضتي قولت جيت اشوفك.. جعد بدر حاجبيه ، وأردف متسائلاً : ليه ماسمعتيش كلامه لما اقترح تاخدي اوضة المرافق تريحي فيها للصبح؟ اختفت ابتسامتها واستبدلتها بالعبوس ، وأجابت على الفور : ماعتقدش هيجيلي نوم بعد المشاكل اللي حصلت دي .. حياتك كانت هتبقي في خطر اكتر من الاول بسبب تصرفات معاذ الفظيعة تأمل فيها بروية وتفكير يراجع ما سيقوله في ذهنه أولاً ، ثم قال بتردد : انا سمعت كلامك مع اهلك من شوية ضيقت حياة عينيها تنظر إليه بإستغراب لحظة ، وقبل أن تبرر ما فعلته ، قال بنبرة حازمة : ماكنش يصح اللي عملتيه واللي قولتيه دا يا حياة طرقت حياة رأسها ببراءة ، وكأنها عادت إلى الوراء سنوات عندما تخفق فى أمر ما وتحاول الدفاع عن نفسها أمام والدها ، لتقول بخفوت : طول الوقت بسمع كلام ميساء علي طول متحكمة في حياتي .. كأني ضيفة شرف و ان دي مش حياتي ومن حقي اختار المناسب ليا.. استأنف بدر حديثه ببرود متجاهل الرد على ما قالته للتو : حياة .. انتي لازم تسمعي كلامهم و تفضلي هنا رفعت حياة عينيها ، ونظرت إليه وهي تفكر للوهلة من الزمن ، غير قادرة على استيعاب ما قاله ، لتتمتم بعدم تصديق : بتقول ايه!! ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• داخل ممر المستشفى ظل معاذ في مكانه متصنما ، بينما تعصف الافكار المتشابكة رأسه بعد أن فرت حياة بسرعة من أمامه ، و رحيل ايضاً أخيه وزوجته. رغب بشدة تهشيم فكها بسبب الكلمات السخيفة التي قالتها في وجهه بعيون ثابتة بتحدى وثقة كبيرة في صوتها ، وهذا جعله يفقد صوابه ، منذ متى كانت تتحلى بتلك القوة كما ظهرت عليها اليوم. زفر الهواء بحنق ، وبأصابعه أعاد شعره إلى الخلف بغل وغيظ دفنهما في أبعد نقطة بداخله حتى يتمكن من التفكير بعقل. قرر التريث في خطواته للأيام القادمة حتى يستعيد قبضته على اللجام بشكل صحيح للتحكم فيها كما يشاء ، لعلمه أنه إذا أطلق العنان لغضبه الجامح ، فإنه سينطحها بكل تأكيد ، لكنه لا يريد ذلك. أغمض عينيه للحظة ، وفتحهما ، ثم اتجه إلى دورة المياه. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• في فناء المستشفي رفعت حياة عينيها ، ونظرت إليه وهي تفكر للحظة ، غير قادرة على استيعاب ما قاله ، لتتمتم بعدم تصديق : بتقول ايه!! نظر إليها بدر بجمود تتذكره حياة جيداً ، هذا الوجه رأته من قبل ، وبالتحديد في اللحظة الأولى عندما التقيا ، ليردد صدى صوته الرجولي القاسي ، بإختصار مؤكداً على أذنها ما قاله منذ لحظات : اللي سمعتيه شعرت حياة بنيران مشتعلة في قلبها وامتلأت عيناها بالدموع ، لتقول لا شعوريًا : لا انا مش هسيبك بعد ما لاقيتك خفق قلبه بعنف حينما سمع تلك الكلمات البسيطة تخرج من شفتيها ، ليتمتم ، منتظرًا إجابتها بلهفة : ليه؟ رمشت حياة عدة مرات وكأنها استوعبت ما قالته بتسرع ، وأجابته بصوت خافت ، متلعثمة بحروفها : عشان .. عشان انت طلبت مساعدتي ولازم اكون قد كلمتي معاك على الرغم من قناع البرود والجمود الذي يرتديه أمامها ، لم يكن الأمر كذلك من الداخل. للحظة غمره الأمل ، وكاد أن ينسى اتفاقه مع نفسه ، وتمنى بأعماق روحه أن يسمع شيئًا آخر منها ، لكنه قال بثبات : جاسر معايا هو اكيد هياخد بالو عليا .. يعني وجودك مابقاش له داعي وكمان هيسبب مشاكل زي ماقولتي في اول كلامك ليكي و ليا كمان استطاعت أن تلاحظ عينيه ، اللتين أنقشعت عنهما غيمة البرود ، لكن لم تتمكن من تفسير نظراته ، لأنه أبعدهما عنها سريعاً. كافحت حياة لكبح دموعها المهددة بالنزول في محاولة فاشلة منها لإجبار لسانها المعقود على النطق ، لتخرج حروفها متلعثمة من الغصة المتشكلة في حلقها : يعني .. انت بتطردني .. من حياتك .. بعد ماوصلت للي كنت بتدور عليه التفت بدر لينظر إليها ، و رأى بريق الدموع في عينيها ، ليقول بلامبالاة أزعجتها : الموضوع انتهي لحد هنا يا حياة .. خلاص انا بكرا هسافر مع جاسر وهكمل علاجي في القاهرة .. وانتي ارجعي لحياتك القديمة .. لمعاذ وابعدي خالص عن اي حاجة تخصني أنهى بدر كلماته بصيغة آمر ، تاركًا وراءه حياة مُتصنمةً في مكانها ، والدموع تنهمر من عينيها بالألم والصدمة بينما تحدق في ظهره وهو يسير بثبات. حينما ابتعد بدر عن مرمى بصرها ، توقف مغمضاً عينيه بقوة ، وبالكاد يحاول السيطرة على روحه ، التي تحثه على العودة إليها ، لكنه ببساطة لا يستطيع ذلك. يريد أن يبكي ، وبداخله رغبة عارمة في ضرب شيء ما لإفراغ كل طاقته السلبية فيه ، لكنه غير قادر بتاتًا على فعل أي من تلك الأشياء ، فقد أصبح مجرد روح ضائعة بدون الحياة التي وقع لها متيمٍ اكثر من رغبته فى العودة لهذا العالم القبيح. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد فترة قصيرة من الزمن ولجت حياة شقة أختها بعد أن فتحت لها الباب متجاهلة سيل الأسئلة التي أمطرتها بها بقلق ، وذهبت مباشرة إلى غرفتها لتضيء أضواءها. تجولت عيناها في جميع أنحاء الغرفة ، وكان كل شيء بداخلها لا يزال كما تركته قبل مغادرتها ، وها هى عادت إليها مرة أخرى ، ولكن بمشاعر مختلفة تمامًا عن تلك التي شعرت بها أثناء مغادرتها منها. حركت قدميها ألياً نحو السرير ، وهى تشعر بسكون تام بداخلها ، ربما مازالت تحت تأثير الصدمة ، لتجلس عليه بهدوء. جعدت بين حاجبيها بألم حينما بدأت في خلع الحذاء ذو الكعب من قدميها ببطء ، لأنها كانت تتألم منه بشدة. وقعت عيناها لا إرادياً على الحقيبة التي ألقتها بإهمال على الأرض ، وتذكرت ما حدث منذ أكثر من ساعة ، بالضبط عندما تركها بدر وراءه دون أن يكلف نفسه عناء سماع ردها. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

الفصل الثامن عشر شبح حياتي تعتقد بأنك فوق الغيوم ، وفجأة تشعر بطعم التراب بفمك ، هذا ما يفعله السقوط السريع بأسهم السعاده لديك!! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ حركت قدميها ألياً نحو السرير ، وهى تشعر بسكون تام بداخلها ، ربما مازالت تحت تأثير الصدمة ، لتجلس عليه بهدوء. جعدت بين حاجبيها بألم حينما بدأت في خلع الحذاء ذو الكعب العالى من قدميها ببطء ، لأنها كانت تتألم منه بشدة. وقعت عيناها لا إرادياً على الحقيبة التي ألقتها بإهمال على الأرض ، وتذكرت ما حدث منذ أكثر من ساعة ، بالضبط عندما تركها بدر وراءه دون أن يكلف نفسه عناء سماع ردها. Flash Back ظلت علامات الصدمة تحتل ملامحها ، محدقة في مكانه الخالي بعد رحيله ، فيما ساد الهدوء المكان و ركدت الريح حولها. التفتت إلى الجانب الآخر لتغادر المستشفى وتبتعد عن كل شيء ، وما زالت عيناها تسيل منها الدموع ، بينما تمشي مطأطأة رأسها ، اصطدمَت بجسدها الواهن بشيء صلب. انطبقت شفتيها على بعضهما وهي تحاول التحكم في شهقتها ، وكادت أن تسقط على الأرض ، لذا أغمضت عينيها ، وهي تستعد للارتطام على الأرضية الصلبة تحتها ، لكن يدًا أمسكت بها في الوقت المناسب لتجذبها فوراً بإعتدال. رفعت رأسها ببطء ، ناظرة إلى منقذها لعدة لحظات في حالة من الصدمة. أخرجها صوته من شرنقة البلاهة التي أصابتها ، حالما قال بنبرة صوته التى تنم على مدى خوفه وقلقه عليها ، حين رأى حالتها المزرية : حياة .. انتي كويسة .. مالك بتعيطي ليه؟ ايه اللي حصل!! حاولت حياة منع دموعها من الإنهمار أكثر عندما مدت أصابعها بشكل عفوي لمسح عينيها ، بينما تتراجع خطوتين ، لتقول بصوت هادئ يتخلله نغمة حزينة بعدما أصابتها خيبة أمل حطمت قلبها إرباً : مفيش حاجة يا دكتور مازن .. كنت مضايقة شوية و خرجت اشم هوا حدق بها مازن بغرابة ، متسائلًا بحيرة يشوبها الفضول ، منتظرًا بفارغ الصبر إجابتها : اعذريني في السؤال دا خطيبك حاول يضايقك تاني؟ حياة على الرغم من الألم الذي يعصف بروحها في تلك اللحظة ، إلا أنها سرعان ما أومأت برأسها بنفى ، قائلةً بهدوء ظاهري : معاذ مش خطيبي .. لو سمحت انا عايزة شنطتي اللي عندك في العربية إنفرجت شفتيه بابتسامة سعيدة بعد الاستماع إلى كلماتها الأولى ، لكنه حاول أن يخفيها ، وحمحم بخفة ، ليقول بنبرة هادئة رجولية : من عيني .. بالحق كنت بدور عليكي عشان اقولك انك هتيجي معايا في عربيتي بكرا .. يعني الاحسن انك ماتركبيش في عربية الاسعاف مع بدر تجنبا للمشاكل حركت شفتيها بابتسامة مزيفة لم تصل لعينيها وهي تهز كتفيها ، قائلة بهدوء حتى يبدو عليها أنها غير مبالية بالأمر ، وتقضم شفتها السفلى في محاولة وقف ارتجافها ، عندما رأت عينيه الخضر تتسعان في دهشة من كلماتها المفاجئة له : مافيش مشاكل هتحصل ولا في داعي لوجودي خالص انا مش هسافر معاكو Back انقطع حبل أفكارها بمجرد سماع صوت طقطقة خافتة على الباب. سمحت لأختها بالدخول بعد أن رفعت جذعها العلوى علي السرير بعدما كانت مسطحة عليه ، ثم مسحت الدموع العالقة بين ثنايا رموشها. دخلت ميساء بهدوء ، لكنها سرعان ما رفعت حاجبيها معًا ، وتقلصت ملامحها في حالة استياء من جلسة الأخرى على السرير بملابسها. هزر رأسها بقلة حيلة على حالة أختها الصغيرة الغريبة في الفترة الأخيرة ، لتقول بحنان : لسه مغيرتيش هدومك ليه؟ ولا زي عوايدك لما تكوني تعبانة هتنامي بيهم أجابت حياة المقتضبة بإيجاز : كنت هغير وانام دلوقتي ابتسمت ميساء لها ، وهي تتحرك للجلوس بجانبها على حافة السرير محاولة تلطيف الأجواء بينهما قليلا ، لتهتف بإعجاب صادق : ثم تعالي قوليلي هنا هو السفر بيحلي اوي كدا .. الهدوم دي شيك جدا ولايقة عليكي يا يويو ياريتني اسافر انا كمان أنهت ميساء جملتها بنبرة مرحة ، اكتست حمرة محببة خدي حياة من اطراء أختها ، وقد فهمت ما تحاول القيام به ، فابتسمت لها وقالت بلطف : مش محتاجة للسفر .. انتي دايما حلوة يا ميساء اتسعت ابتسامة ميساء واحتضنتها بحب ، لتقول بصدق بصوتها الرقيق : حبيبة اختك والله وحشتيني اوي بادلتها حياة العناق بإحتياج وشوق ، حيث أن الشخص ريثما يكون على حافة الإنهيار النفسي ، يحتاج للأحتواء أكثر من حاجته للنصح والعتاب ، ونطقت بكلماتها بصوت مخنوق كأنها على وشك البكاء : وانتي كمان.. بترت حياة باقى جملتها بسبب الغصة التى توقفت فى حلقها ، ثم استطردت ميساء بقلق ، وهي تخرجها من حضنها متأملة في ملامح حياة الباكية : لو علي اللي عملو معاذ انهاردة معاكي انا هخلي حازم يوقفو عند حدو بس ماتزعليش كدا نفت حياة برأسها بسرعة ، محدقة فيها بعينين مهتزتين و قناع زائف مرتسم على ملامحها ، لكن سرعان ما تنهمر دموعها بغزارة ، دمعة تلو الأخرى بضعف. عانقتها ميساء بسرعة وهي تربت على ظهرها ، وهتفت بحنان وهي تحاول تهدئتها : طب اهدي بس وفضفضيلي زي زمان .. مالك ايه اللي مضايقك اوي كدا و ليه رجعتي بعد ماكنتي مصممة تفضلي مع بدر!! أخرجتها ميساء بسرعة من بين ذراعيها عندما قفز هذا الاستنتاج في ذهنها ، لتصيح بغيظ : عروسة المولد مراته دي ضايقتك في الكلام تاني كيف ترد عليها الآن ، هل تخبرها تلك القصة الخرافية التي لن يصدقها عاقل ، أم تشكو لها من الألم الذي تسبب به بدر لها بما فعله معها من عدة ساعات قليلة. الشيء الأهم لماذا هى حزينة للغاية ، ولماذا تفعل كل هذا من أجله ، ولماذا تتحدى الجميع من أجله ، وفي النهاية يتركها وراءه ويمضي بهذا الشكل الذي أهان كرامتها وحطم قلبها ، حتى بدون أن يكلف نفسه ويقوم بتوديعها. لماذا تشعر بكل هذا الشوق في قلبها له من الآن؟ إنه شعور قاتل أن يكون هناك عتاب على شخص بداخلك ، ولا يمكنك حتى التعبير عنه لنفسك. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• مرت الأيام والأسابيع والشهور داخل أحد الأماكن الراقية ، في حديقة واسعة مليئة بالأضواء الساطعة والموسيقى الصاخبة ، طاولات مغطاة بأغطية أنيقة ومزينة بالورود ، عليها بعض الأطعمة والمشروبات المختلفة ، وبعضها موزعا حول حمام السباحة. دخلت حياة تتأبط في ذراع معاذ بثقة ، ولكن بداخلها ترتجف بشدة مما سيحدث في تلك الحفلة بسبب وجوده ، رغم أن معاذ وشقيقتها وزوجها بجوارها ، لكنها كانت متوترة جدًا مهما حاولت جاهدة ان تدعى الثبات. ترتدي فستاناً طويلًا لونه أزرق غامق ، بلا أكمام ، ضيقاً إلى الخصر ، ثم يتسع بإنتفاخ بسيط مع طبقات من الشيفون يصل إلى الكاحل. هذا الفستان أعطاها لمسة أنثوية رقيقة ، معاكساً مع بشرتها البيضاء الناعمة وشعرها البرتقالي ، المصفّف بتصفيفة رائعة للأعلى و تنسدل منه عدة خصلات على جانبي وجهها الفاتن. نقلت حياة عينيها في كل الاتجاهات ، مفتونة بجمال المكان وعدد المدعوين الكثيرين للحفلة. حركت بصرها لتلتقى بعينيه مباشرة وتنبهر بوسامته التى تخطف الأنفاس ، وبدوره لاحظ دخولها المميز ، ولم يستطع أن يرفع عينيه عنها للحظة ، بدت وكأنها أميرة من قصة خرافية ، وحتى أكثر جمالا. ظلت عينيه تومض بمشاعر عديدة ، تحكي الكثير عن مدى الحب والشوق والإعجاب بإطلالتها الرائعة والساحرة للغاية ، ممزوجة بغيرة شديدة من تشابك يدها بيد ذلك المعاذ. لديه رغبة شرسة في التوجه إليهم ، وجذبها للوقوف بجانبه دون السماح لها بالابتعاد على الإطلاق ، لكنه لن يتمكن من فعل ذلك لأن رد فعلها لا يضمنه. بالتأكيد ، لن يكون سببًا لتخريب زفاف أخيه الوحيد وخلق مشكلة ، بل سيستخدم حنكته في التعامل وانتظار اللحظة المناسبة ، لذلك ضمر كل مشاعره تحت قناع البرودة واللامبالاة واستمر في حديثه مع أحد المدعوين بكل ثبات انفعالى يمتلكه. خاصة بعد أن رآها تذهب للعروسين لتهنئتهم. على الجانب الآخر توجهت حياة مع عائلتها نحو العروسين المبتسمين ، والذين يتلقوا التهاني بفرحة كبيرة. شذى في ثوبها الأبيض ، مثل قلبها النقي ، متشبثة بجاسر الذي فرحته بها مثل طير النورس يحلق بسعادة في كل أجواء السماء. قدموا التهنئة الحارة مع الابتسامات العريضة لتستغل حياة انشغالهم عنها بمحادثاتهم الجانبية ، وهى تختلس النظر إليه من حين لأخر بشغف ، فأن كل وجه شارد له قلب يحن. يرتدي بدلته السوداء الفاخرة التي تنسجم مع جسمه الرياضي والعضلي كما لو كانت مصممة خصيصًا له ، لحيته الخفيفة التي تزين ذقنه المنمقة ، وحاجبيه السميكين إلى حد ما ، بالإضافة إلى شعره الأسود المصصف للأعلى ليبرز جبينه العريض. نظراتها إليه تعبر عن الشوق الكبير المختبئ في قلبها الذي لا تهتز نبضاته إلا بالعشق له ، وروحها المتيمة لا تريد شيئًا بقدر ما ترفرف تجاهه. انقطع حبل أفكارها ، أو بالأحرى ، خفضت نظرتها المسروقة والهائمة فيه ، حينما تحولت نظراته عن ذلك الذي يقف أمامه لتلتقي بعينيها العسليتين الصافيتين. ابتلعت حياة لعابها بتوتر واحمر خديها بشدة ، وأدارت وجهها إلى الجانب الآخر لتلاحظ جاسر الذي قال في دراما مليئة بالمرح : يا تري الانسة حياة تسمح ترقص معايا تحركت عينا حياة بعفوية تجاه شذى التي كانت تبتسم لحركات عريسها ، ثم أشارت إليها تحثها على الموافقة. ظلت ترقص مع جاسر بينما كانا يتجاذبان أطراف الحديث معًا تحت نظرات بدر الخاطفة بفضول ، لتسمع جاسر يهمس إليها بمكر : واخدة بالك ان بدر بيبصلك من تحت لتحت هزت حياة رأسها ، قائلة بهدوء ظاهري : ملاحظة بس من تحت لتحت برده جعد جاسر بين حاجبيه مندهشا من الإهتمام المتبادل بينهما ، فلماذا هذا العناد المتبادل أيضاُ ، ثم همس لها بضحكة : ليه مش عايزة ترضي عنه و تديلو فرصة؟ قرع قلبها حالما لمحته ينظر نحوها ، لتقول باندفاع : وهو يعني حاول يكلمني وانا كنت رفضت اكلمو .. من يوم ما رجع وهو منفضلي تجمد جاسر من ردها الصريح للحظة قبل أن يقهقه بخفة ، ويدمدم بسخط : عشان لسه فاكر انك مخطوبة لمعاذ يا هانم هزت رأسها بنفي ، رافضة الخوض في هذا النقاش الآن ، قائلة بنبرة مرحة : مابلاش نكلم في الموضوع دا انهاردة خلينا في فرحك و ركز في ليلتك انت يا عريس لو سمحت تمتم جاسر على مضض : ماشي يا ستي .. من غير ما تلوحي رقبتك بدر جاي علينا مع موكلة عنده في المكتب اختلست النظر إليهم من زاوية عينها بفضول أثناء استدارها بالرقص ، لتلمحه يقترب بتلك الشقراء التي تسير معه بخيلاء إلى ساحة الرقص ، يمسك يدها بيده ، وبدأوا يرقصون بجانبهم ، دون ان يخلو الموقف بنظرات خاطفة منها و منه و من جاسر لبعضهم البعض. مرت لحظات قليلة قبل أن يسمعوا ضحكًا عاليًا من المرأة الشقراء عندما لاحظت نظرات بدر موجهة إلى تلك البرتقالية ، لتنظر إليها حياة بغيظ مستتر خلف ابتسامة صفراء ، بينما كانت ترقص مع جاسر ، لكنها افاقت من أفكارها الغاضبة على صدمة عارمة عندما هتف جاسر متحدثا إلى بدر : بدر .. لو معندكش مانع نتبادل سوا لان عندي موضوع مهم مع الهانم كاد بدر أن ينطق ، مغتنماً هذه الفرصة الذهبية ، لكن بادرت الشقراء لترد بسرعة ، بينما رن في أذن حياة نغمة الخبث التي اندلعت من نبرتها : الحقيقة انا وبدر بنحكي في موضوع ممكن نأجل كلامنا يا عريس لما اجي المكتب زاغت نظرات بدر بعدم رضا من ردها بدلاً عنه ، ليقول بنبرة هادئة ، بينما بدأ الارتباك يعصف بعقلها المشوش : لا انا موافق مفيش مشكلة ابتعد جاسر معه تلك الشقراء إلى الجانب الآخر من ساحة الرقص لدفعها بعيدًا عنهما ، ثم أمسك بدر بخصر حياة ووضعت حياة راحة يدها في يده دون أن يضغط عليها. بدأت ترقص معه بسلاسة وخفة بعد أن جذبها قليلا نحوه ليقربها إليه ، بينما حياة مرتبكة للغاية منذ البداية بسبب قربها منه ، وعيناه التي اخترقها بنظرات مليئة بالشوق والحب تحاول الهروب منها بالنظر إلى صدره ، فهي لا تملك الشجاعة بعد لمواجهة نظراته العميقة. بعد فترة انتهت المعزوفة ، وهتفت حياة بابتسامة مشوشة وهي تستدير وراءها كأنها كانت تبحث عن شيئًا ، وأخيرا وجدته : المزيكا وقفت صُدم بدر للحظة بقطعها حديث ، كاد أن يخرج من فمه ، سرعان ما تدارك الموقف عندما شعر أنها ستترك يده وتنوي الفرار منه ، لكنه كان أسرع منها حينما صدح صوت معزوفة أخرى ليضغط على يدها التي مازالت في يده ، وسحبها تجاهه أكثر حتى تقلصت المسافة الفاصلة بينهما للغاية ، ووضع يدها التي كان يأسرها بين يده مباشرة على قلبه النابض باسمها ، بينما كانت عيناها تتبعان ما يحدث بصدمة وبلاهة. شعرت بنبضه العالي ، الذي انتقل تلقائيًا لتسمعه في قلبها أيضًا ، بينما سيطرت حرارة لذيذة على المكان من حولها. غمر حياة إحساس بالخجل والارتباك ، حينما حدجها بنظراته المُرتكزة في عينيها بلون العسل الصافى المرسومة بالكحل بشكل رقيق وجميل سلبته أنفاسه ، وجعلته ينسى كيفية التنفس. أما حياة بين يديه ، فهي تشعر أنها تمتلك العالم ، لا تسمع ولا ترى إلا هو ، مسحورة بنظراته المليئة بالعواطف تجاهها ، ولا يمكنها الهروب من آسرها. جال الصمت لفترة بينما كانوا ينظرون لبعضهم البعض بينما أعينهم تتحدث بلغة أبلغ من أي كلام ، فالعيون ما هي الا نواطق بما نستتره داخل القلب والروح. ظلت تتمايل معه بخفة مثل الفراشة بين الزهور و قلبها مليئا بالسعادة والسرور ، بينما يحدق إليها بعمق لا يمكن تفسيره بالكلمات ولا تحتاج إلى ذلك ، عيناه أشبه برحلة عبر المجرات. تشعر أن كل ما يمر بها يضيء ، كأنه قمر يجعل ظلام روحها يتوهج بالحياة. فجأة انطفأت كل أنوار روحها عندما شعرت بشيء لزج لمس أصابعها يدها ، الذي كان بين راحة يده ، لتثبت بصرها عليه بمجرد أن رأت عينيه تذبل بضعف غريب. تساءلت في ذهنها ما الذي يحدث معه ، لكن أطرافها تجمدت وكأنها مشلولة عندما رفعت يدها عن صدره ، ورأت سائلًا أحمر يلطخ بدلته وأصابعها. أجاب عقلها صراخًا أنه دم ، وقبل أن تستوعب هوى جسد بدر على الأرض ، وسقطت معه تلقائيًا على ركبتها ، ملامسة مكان الرصاصة التي اخترقت صدره. حركت شفتيها ، في محاولة لتكوين جملة مفيدة ، لكنها لم تستطع. نظرت خلفها ورأت الجميع في حالة هرج ومرج ، بعضهم تصلب بدهشة ، وبعضهم يركض في أماكن منفصلة حتى يعلموا من أين أتت تلك الرصاصة الصامتة لتضربه من مكان مجهول ، وتسمعهم يتحدثون بصوت لم تفهمه بسبب صدمتها. التفتت إلى بدر الذي يضع رأسه في حجرها بسكون ، ولا يزال يمسك بيدها على قلبه ، وعيناه نصف مغمضتين ، بينما عيناها تنهمر بدموع لا تتوقف ، وتغمغم بما يشبه الهذيان باسمه في حالة من عدم التصديق والذعر مرتسما على محياها : بدر .. بدر قوم حرك بدر شفتيه ، جاهدًا في النطق بكلمة واحدة ، لكنه لم يستطع ليغلق عينيه في الاستسلام ، بينما تركت روحه جسده بلا رحمة ، وانتهى كل شيء بعد ذلك. كل ما تبقى هو صمت ، الدم والذعر والصدمة وقلب مكسور وجثة هامدة. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• ارتعاش جسد حياة بعنف لتهب جالسة على السرير والعرق يتساقط من جبهتها ، بينما أصوات أنفاسها المتهدجة والسريعة ، تملأ زوايا غرفتها. فركت عينيها حتى تتمكن من التركيز ، وقلبها يتألم من قوة نبضاته المجنونة. تنهدت بعمق عندما أدركت أخيرًا أن ما رأته كان كابوسًا مزعجًا قبل أن تزيل غطاء السرير عنها لترى أنها لا تزال ترتدي الملابس التي جاءت بها ، لتتذكر أنها قد نمت دون أن تبدل ثيابها من كثرة التعب والبكاء في حضن أختها. عندما يأتيك شخص تحبه في الأحلام ، فهناك إحتمال كبير أن يكون هذا الشخص مشتاق لك ، وتفكيره بك صنع التواصل الروحي اللا محسوس. نزلت بقدميها على الأرض ، واستقامت تمط جسدها في بطء ، ثم سارت نحو الحمام الملحق بغرفتها للاستحمام ، على أمل إراحة أعصابها المتشنجة بعد أن أخرجت لها ملابس نظيفة من الخزانة. خرجت من الحمام بعد وقت وجيز تفوح منها رائحة المانجو المنعشة ، مرتدية إحدى بيجاماتها القديمة التى بدت كالطفلة فيها ، بينما رفعت يديها تزيل مشبك شعرها ، لينسدل على كتفيها بحرية. ألقت المنشفة بإهمال على الكرسي أمام طاولة المرأة ، فوقعت عيناها على الحقيبة التى جاءت بها لا تزال في مكانها حتى الآن ، لتتجه نحوها ، وترفعها على السرير وتبدأ في إخراج محتوياتها على السرير بلا مبالاة ، اتسعت عيناها بإستيعاب ، لتقول بصوت هامس بينما تضع إصبعين على ذقنها : هدومه ازاي سها عليا اسيبهالو في استقبال المستشفي!! أغمضت عينيها ، تقاوم الدموع من التصاعد إلى مقل عينيها ، وتفكر بحزن لماذا لا يتركها ما يخصه و كما ابتعد عنها و رحل. لم تستطع أن تقاوم احتضان ذلك القميص الذي كان بين يديها إلى صدرها ، مستنشقة رائحة عطره بإنجذاب وشوق كبيرين ، بينما ظهرت ابتسامة حزينة على شفتيها. فوجئت حياة بطرقات خافتة تدق على باب الغرفة ، فأسرعت تخبأ القميص داخل الحقيبة ، ثم زفرت بحرارة و مضت إلى الباب لتفتحه. اتسعت ابتسامة ميساء قائلة بهدوء : كنت جاية اشوفك صاحية ولالا عشان نصلي الفجر حاضر زي ما متعودين يا يويو فركت حياة أنفها بخفة قبل أن تحمحم قائلة برقة : هحط الاسدال عليا و اجي وراكي يا ميساء كادت حياة أن تغلق الباب ، ولكن فجأة دخل طفل صغير ركضاً ، يكاد يصل طوله إلى ركبتيها ، يهتف بفرح طفولى وهو يرفع يديه نحو حياة ، قاصداً أن تحمله : خالتو وحشتيني ثنت حياة ظهرها لتحمله وتضمه بشوق ، ليلف قدميه على خصرها النحيل ، فقبلته على خده الممتلئ بلطف قائلة بابتسامة صادقة : روميو حبيب قلب خالتو .. انت اللي وحشتني اوي اوي مسح الطفل خده بتذمر ، فهي تعلم أنه لا يحب التقبيل ، لكنها تتعمد مشاكسته ، ليقول بعد ذلك بشغف طفولي : فين العربية اللي وعدتيني بيها!! انفرج فاه حياة بدهشة وهي تتمتم بصوت مذهول ، بينما تنظر إلى ميساء التي عادت لترى هذا المشهد : يا اروبة انت مابتنساش حاجة ابدا واخدني علي الحامي كدا زمجرت ميساء بنفاذ صبر ، وهي تمد يديها لتلتقط الطفل من حضن حياة و تنزله على الارض : هاتي الواد دا بعد الصلاة ابقو كملو كلام .. و عربية ايه ياض يا رامي مش ابوك خدك الملاهي بعد زنك عليه اسبوع كامل مابتشبعش طلبات ابوك كدا هيطلقني بسببك حاول رامي الهروب من قبضة والدته على تلابيب قميصه ، ليصرخ بمكر طفولي بينما يرسم الانزعاج على وجهه : ما انتي بتطلبي من بابا اللي انتي عاوزة و لا هي جت عندي وهيطلقك أنهِى كلماته ثم هرول بعيداً حتى لا تمسك به مرة أخرى لتركض ميساء خلفه ، بينما تصرخ أيضًا بوعيد : وحياة امك لا احرمك من الايباد سنة بحالها لو لسانك دا مالمتهوش لحظات ثم إنفجرت حياة وهي تضحك بقوة على ابن أختها المشاغب ، وأوصدت الباب ، بينما تمسح دموعها من جانبي عينيها من الضحك المفرط. لا تعرف هذا الشعور الذى داهمها حنين إليه أم لعائلتها؟ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


الفصل التاسع عشر شبح حياتي داخل كل قَدرٍ سِر يُمهدُ الطريق لقَدرٍ آخر‏ ، لا شيء يَحصُلُ عبثاً أو محض الصُدفة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ في اليوم التالى مر عليها اليوم طويلا ، يزعجها شعور غريب بعدم الإلفة ، وأيضاً لم تستطع النوم من كثرة التفكير ، فأمضت اليوم كله مع أطفال أختها تلعب معهم حتى تخرس صوت عقلها ، حتى لو ساعات فقط دون حزن وقلق ، لكن الحنين إليه يعود يسيطر عليها مرة أخرى ، ويعذبها. لم تعترف بعد حتى لنفسها بالسبب الحقيقي وراء حزنها وألمها وخوفها عليه ، و كلما أرادت التواصل مع جاسر حتى تعرف أخباره تعود لتغير رأيها بكبرياء. رن الهاتف على المنضدة وهي جالسة مع أختها في الصالون ، همت بالرد بدهشة عندما رأت اسم المتصل : سلام عليكو!! ابتسم بتلقائية وقال بنبرة جذابة : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. عاملة ايه يا حياة؟ ردت حياة بهدوء : الحمدلله وانت يا دكتور!! أجاب مازن بإيجاز ثم بقي صامتا لوهلة متردداً فيما سيقوله : تمام سألته حياة بتسرع حالما سيطر القلق عليها تمامًا من صمته المريب لها : هو حصل حاجة جديدة؟ أجاب مازن ناقراً على سطح المكتب الجالس أمامه في غرفته بالمستشفى : لو قصدك بخصوص بدر .. هو اتنقل للمستشفي اللي انا موجود فيها والدكاترة هنا متابعينه مافيش مشاكل تنفست حياة الصعداء لتتمتم بخفوت : الحمدلله عبست حياة عندما قامت أختها بجذب خصلات شعرها حتى تنتبه لها ، لتدير رأسها إليها بينما تحرك الأخرى يدها بإستفهام ، فرفعت حياة يدها تلوح لها لتتوقف ، بينما يأتيها صوته الهادئ قائلاً : انا كنت متصل عشان اعرفك ان مدام ميرفت مديرة المدرسة روحتلها الصبح و استأذنتها في اجازة ليكي لحد ماتدبري امورك ابتسمت بهدوء وقالت بصوتها الرقيق : ايوه انا نسيت خالص اكلمها ميرسي اوي يا دكتور مازن علي اهتمامك وتعبك قال مازن بلهجة رجولية لاعقا شفته السفلى بإبتسامة : ولا يهمك ياريت تسمحيلي اكلمك كل فترة اطمن عليكي واعرف اخبارك تحركت القزحية داخل مقل عينيها في التفكير قبل الإجابة لتقول بلا مبالاة : ان شاء الله .. مع السلامة تحدثت ميساء بتساءل حالما أنهت المكالمة : دا دكتور مازن اللي كان في المستشفي أجابت بنبرة عادية وهي تضع الهاتف على الطاولة : اه هو .. قالي انه بلغ ادارة المدرسة اني مسافرة وعندي ظروف تنهدت ميساء مقوسة شفتيها للأسفل قائلة بنبرة ذات معنى : والله كتر خيره .. دكتور محترم و شهم و وسيم حاجة تملي العين يعني التوي فم حياة لتقول بسخرية ، وهي تتكئ بمرفقها على حافة الأريكة : مش مريحاني قصيدة الشعر دي .. بتلفي وتدوري ع ايه يا سوسو؟ عضت ميساء شفتها السفلى حالما اقتربت من أختها ، وقالت بابتسامة : انا خدت بالي انه معجب بيكي اكيد انتي كمان لاحظتي كدا ارتفع حاجب حياة بإستنكار ، وأجابت عليها بجدية : مش معني انه بيتصرف بلطف و ذوق يبقي معجب بيا علي فكرة ماشي .. و اتفرجي علي فيلم وانتي ساكتة بقي عبست ميساء قائلة بإنزعاج : ياباي علي لسانك ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• أتى الليل الساحر ليطل القمر على بحر الإسكندرية تثاءبت ميساء متعبة من شقاوة أطفالها المفرطة طوال اليوم ، وهي تدخل الصغار غرفتهم ، لتقول بصبر وهي تصفق بيديها : يلا يا حلو منك ليها قدامي علي النوم اظن اليوم كلو سيبتكو تلعبو مع خالتكو كفاية دلع بقي بكرا عندكو مدرسة بدري نظرت الفتاة إلى شقيقها ثم نظرت إلى والدتها قائلة برجاء : ماما سيبينا بس شوية خالتو هتحكيلنا حكاية وهنام علي طول كما تحدث الولد الصغير ببراءته ، متوسلاً لها : ايوه يا ماما عشان خاطري شوية صغيرين تنهدت ميساء غير مقتنعة لكنها قالت في استسلام : ماشي بس نص ساعة وبعدين هاجي اتمم عليكو : ماتقلقيش انا هتأكد انهم نامو يا سمسمة قالت حياة وهي تدخل من خلف ميساء إلى الغرفة ، فاستدارت لتقول بهدوء : حيث كدا هشطب المواعين علي ماتخلصي معاهم و نقعد مع بعضينا ننم لحد ما حازم يرجع تمتمت حياة بنبرة عادية : اوك هتفت الفتاة من خلف حياة بعد أن أغلقت الباب وراء أختها : تعالي بقي يا خالتو تحركت حياة نحو السرير الذي يرقد عليه الأطفال وتسلقت عليه لتستلقي بينهم ، لتقول وهي تهز قدميها : جيت اهو تعالو هحكيلكو حكاية هتعجبكو جدا قال كلاهما بحماس ، بينما يرتميا في حضنها : ماشي أخذت حياة نفسا عميقا قبل أن تقول بنبرة ناعمة : كان يا ماكان يا سعد يا اكرام ولا يحلي الكلام الا بذكر النبي عليه افضل الصلاة والسلام ردد الطفلان خلفها : عليه الصلاة والسلام بدأت حياة تروي القصة بنفس النبرة الهادئة اللطيفة : كان في بلد كبيرة بزمن قديم عايش فيها أمير أسمر ووسيم بس معندوش قصر كبير وخدم و حراس كان راجل حالو متوسط لا غني ولا فقير نظر الأطفال إليها في صمت وركزوا على كل حرف تقوله ، بينما كانت تواصل النظر أمامها بشرود : كان معجب بأميرة جميلة اوي شافها بالصدفة .. من وقتها وهو مابيفكرش غير فيها .. بس المشكلة انها عايشة جوا قصر كبير عليه حراس كتير ومابتخرجش منه الا بسيط خالص نطق رامي متسائلاً : وبعدين؟ استمر الصمت للحظات وتموجت الأفكار بعقل حياة ، ثم أضافت بصوتها الحلو : فضل يفكر ويفكر عايز يشوفها .. لحد ما في يوم من الايام انفتح الباب الكبير للقصر وخرجت الاميرة للجنينة فلمحت شاب غريب واقف قدام عربية من عربيات ابوها وقتها فهمت انه سواق عندهم نبست الفتاة بسؤال شغوف : دا الامير الاسمر؟ اطلقت حياة ضحكه خافتة واجابتها هاتفة بمرح : بالظبط يا جنا هو بعينه و شنبه .. هتسألوني ليه عمل نفسه سواق؟ هو يأس انها تخرج عشان يشوفها فقرر بتهور وشجاعة يشتغل سواق عشان يقدر يكون قريب منها استطرَدت الحديثَ وهى تمسح على شعر رامي ورأسه غارسًا في بطنها : مرت ايام وهو بيراقبها .. عرف عنها حاجات كتير من متابعته ليها .. كانت وحيدة وسط الناس الكتير اللي بتتعزم في حفلات ابوها و حزينة لانها كانت مخطوبة لصديق باباها .. لكن هو مكنش مهتم بيها ودايما كلامو عن مشاريعه و شغلو وبس مطت جانا شفتيها بتعاطف وقالت بصوت ناعم : وعملت ايه الاميرة الغلبانة دي؟ همست حياة وهي تزيل شعرها عن عينيها لترى ملامحها البريئة : هربت من القصر : اكيد راح وراها الامير الاسمر.. أنهت جنا حديثها بابتسامة واثقة ، لتستأنف حياة كلماتها : ايوه هي كان نفسها تخرج للحياة لو مرة واحدة تشوف العالم والشوارع زي البني ادمين الطبيعيين .. استغلت دوشة الحفلة واتسحبت من ورا الحراس وخرجت وكان الامير الاسمر وراها بالعربية .. بيتابعها من بعيد لبعيد عشان كان خايف عليها تتوه .. لحد ماشافها بتركب باص كبير و بعدها نزلت منه وفضلت تلف في الشوارع كتير لحد ما تعبت والمطر نزل أغمضت حياة عينيها وهي لا تزال تسرد الأحداث ، ومشاعر كثيرة مضطربة داخل قلبها : راح عندها و طلب منها بذوق تركب العربية عشان ماتتعبش بسبب المطر .. هي لما شافته اتفاجأت وخافت يقول لابوها .. هو حس بخوفها وطمنها انه مش هيقول لحد حاجة وفضل يلف بالعربية شوية وهي جنبه . . لحد مارجعو القصر تاني و دخلت بنفس الطريقة اللي خرجت بيها .. من وقتها بقو يتقابلو و بتتكلم علي طول معه وجواها حاسة انها مرتاحة مبسوطة ومطمنة من غير ماتعرف عنه حاجات كتير بس هي لاول مرة تمشي ورا قلبها واحساسها فتحت عينيها عندما حل الصمت فجأة ، ولم تعد تسمع تعليقات منهم لتتمتم بدهشة : انتو نمتو امتي؟ : من بعد ماخرجت الاميرة جاء صوت ميساء من باب الغرفة ، فأدارت حياة رأسها لتتقابل عسليتها مع بنية الآخرى قائلة بابتسامة ناعسة : ماحستش بيكي وانتي داخلة!! همست ميساء بصوت خافت حتى لا توقظ الأطفال وتغطيهم حياة ، وتبتسم بخفة على لطافتهم : كنتي في عالم تاني يا اوختشي وانتي بتحكي القصة .. بس ماقالتليش نهايتها ايه الحكاية دي!! تحركت حياة وشقيقتها للباب ، ثم أجابتها بشرود : يا عالم هتنتهي علي ايه .. صدقيني معرفش!! ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• بعد مرور يومين في أحد مستشفيات القاهرة يقف بدر أمام النافذة الكبيرة بينما يرقد جسده بسكون على السرير في غرفة واسعة مليئة بالمعدات الطبية. صمت رهيب يخيم على الغرفة رغم دخول أشعة الشمس إليها ، لكن هذا لا يؤثر على حالة بدر القاتمة. حين أغلق جفنيه بهدوء ، ظهرت صورة واضحة لعينين مهتزتين بالدموع ، ونظرات الخذلان تفيض منها بقوة أثر آخر كلماته لها. فتح عينيه من جديد ، ليسطو الحزن عليه زافرًا بضيق. لا يستطيع أن يتجاهل أنه يعاني بدونها ، وشعور بالغربة ونقص رهيب في روحه بسبب بعدها عنه ، ولكن ما يمكنه فعله ، كان عليه أن يفعل ذلك بعد اندفاع حياة ومواجهة أميرة بمعرفتها لطلاقه لها ، وهكذا انكشف المستور ، حتى لو لم يأبه أحد بما قالته حياة ، فلا بد أنه أثار شكوك كريم وأميرة نحوها بقوة ، وهذا ما دفعه إلى معاملتها بهذه الطريقة ، بل كان يحتم عليه أن يقول لها هذه الكلمات القاسية ، والتى بالطبع قد تسببت فى جرح مشاعرها بشدة ، ما يخفف عنه قليلا أنه استطاع إبعادها عن الخطر ، لأن الهاوية التي سقط فيها لن تسمح لنفسه بجرها معه إليها ليكون مصيرها مثله. ★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★••• غربت الشمس ، تسبح في البحر الواسع ، والشفق الأحمر يسدل ستائره على الكون ، معلنا قدوم البدر ، متوسطا في السماء بضياؤه. تجلس على أحد الكراسي في الشرفة الواسعة المطلة على البحر من بعيد في منزل أختها ، لكن بتفكيرها وقلبها مع هذا البدر الذي أخرجها من دائرة حياته. اختفى شبحه تمامًا من الظهور لها بعد كلماته الأخيرة لها. الاحساس الذي تشعر به الآن ، لا تعرف كيف تصفه ، وكأن الهواء قد نفذ من صدرها ، تاركًا روحها ممزقة عن جسدها. سؤال واحد يدور في ذهنها ، هل من الممكن أن تقع في حب طيف تراه هي فقط ، ولماذا تتوهم أحيانًا أنها تسمع همسه العميق في أذنها؟ إنها لا تعرف في الأساس حقيقة مشاعرها ، لا تجد لها تفسيرا رغم بحثها الدائم عن إجابة منطقية أو توضيح للسعادة التي طغت على حواسها عندما علمت أنه لا يزال على قيد الحياة. كل ما كانت تريده أن لا تبتعد عنه ، لكن هذه هي رغبته ، فماذا تفعل بالتأكيد لن تفرض نفسها عليه. تطوف في ذهنها أسئلة عن حياتها قبل أن تقابله في تلك الظروف الغريبة ، وكيف أصبحت تشعر وكأنها ضائعة بعد أن تركها ورحل؟ Flash Back رن صوت هاتفها ، المرمى بأهمال على السرير بجانبها. تنظر إلى الساعة وهي تشير إلى الساعة بعد منتصف الليل لتجيب على المتصل بسخرية : لسه فاكرني دلوقتي!!؟ رد الطرف الآخر بشكل غير مبال على استهزائها لكونه نعسان للغاية : معلش كان ورايا شغل مهم تنهدت حياة بضيق فلا يوجد جديد دائما تسمع نفس الرد منه ، فأجابت عليه بفتور : تمام سألها معاذ بهدوء : ايه كنتي محتاجة حاجة؟ ابتسمت حياة ابتسامة لا صلة لها بالمرح ، وتمتمت على مضض وهي تأمل أن تنتهي المكالمة العقيمة بسرعة قبل أن تتدفق دموعها : اه كنت ومابقتش رمش معاذ عدة مرات ، ليغمغم مُتثائباً : مش فاهم !! ردت عليه حياة وهي تضغط على كل كلمة بشفتيها فى بطء : لو كنت رديت من خمس ساعات كان ممكن تفهم صاح فيها وعروق رقبته بارزة ترتعش من الغضب ونفاد الصبر : انا مش ناقص الغازك يا حياة ماتكلمي علي طول وبلاش الاسلوب دا معايا لا اظبطك التوي فمها تهكمًا ، ثم صاحت بإستنكار بينما ترتعد داخلياً : الاحسن تقفل و تجي هنا تضربني قلمين احسن يا معاذ .. ايه الطريقة الزفت اللي بتكلمني بيها دي!! رد معاذ على الفور بانزعاج : اعملك ايه ما انتي مستفزة و بتكلمي بالقطارة وانا مش فاضيلك؟ كانت شفتاها ترتعشان حيث شعرت بالدموع تتصاعد في مقل عينيها العسلية ، ورفرفت رموشها الطويلة عدة مرات سريعة لتتجاوز هذا الشعور قبل أن تصيح بإنفعال محاولة إخفاء حزنها من قسوته في التعامل معها : مافيش اي فايدة فيك معلش لو عطلتك .. ماتشغلش نفسك بيا .. سلام ختمت كلماتها بحزن وهي تنهى المكالمة دون انتظار سماع رد منه ، ثم بدأت تبكي بمرارة على ما حدث لها منذ أن تم رفض طلبها الوظيفي في إحدى شركات السياحة. كانت تأمل كثيرا أن يتم قبولها به ، خاصة أن المدير كان مرحب بها ، ولم يكن لديه مشكلة في المقابلة الأولى معها ، لكنه غير رأيه بشكل جذري دون أسباب واضحة ، لذلك اتصلت بخطيبها بعد أن خرجت من الشركة بخيبة أمل. تريد التحدث معه لعل نفسها تهدأ ، رغم أنه لم يكن قريبًا منها ومعاملتها معه محدودة ، لكنه في النهاية خطيبها وشريك حياتها المستقبلي ، لذا أرادت منه أن يشاركها حزنها ، لأن لم يكن لديها أصدقاء مقربين سوى أختها التي تنشغل الآن بأطفالها الصغار. في اليوم التالى كانت تتجول في غرفتها بعصبية تبحث عن شيء وهي تمسك شعرها ، لتتحدث مع نفسها فى تأفف بسبب حنقها المفرط على أبناء أختها المشاغبين : هتكون راحت فين ام التوكة دي ..؟ أردفت بغضب بعد أن لم تجدها ، واستدارت إلى الجانب الآخر : نفسي احط حاجة والاقيها مكانها .. حتي التوكة ماسلمتش منهم حركت قدمها دون أن تلاحظ الشيء الذي كان ملقى على الأرض أمامها ، فتعثرت فيه لتمسك بركبتها وتأوهت من الألم ، وهي تنظر إلى الصندوق البلاستيكي الذي تم إلقاؤه بلا مبالاة لتركله بقدمها بغضب. نفخت بضجر وهي تفرك الجزء الخلفي من شعرها ، الذي تركته يتبعثر حول وجهها ، في محاولة لتذكر كيف وصل هذا الصندوق إلى غرفتها ، ثم تكلمت بصوت عالٍ مليء بالاستياء : مفيش فايدة .. اوضتي محدش يدخلها ★★★ خرجت حياة من غرفتها مرتدية سروال بني غامق وبلوزة صفراء ، تاركة شعرها المجعد فضفاضًا على كتفيها بعد أن تخلت عن الأمل في العثور على مشبك شعرها. نظرت أمامها بدهشة عندما رأت معاذ جالسًا مع أختها وزوجها في غرفة الصالون ، فأخرجت الهواء من فمها بهدوء وهي تعد نفسها للشجار معه ، لأنها أنهت المكالمة في وجهه ، بل أغلقت الهاتف تمامًا لتجنب أي مشاحنة معه ، لكنها واثقة في خاطرها أنه لا مفر من المواجهة ، لذا سارت بهدوء نحو الصالون قائلة بنبرة هادئة : صباح الخير نبس حازم مازحًا : قصدك مساء الخير يا يويو ايه مصحيكي متأخرة كدا !! ابتسمت حياة وقالت بمرح قبل أن تجلس على مقعد منفرد ، ويبدو ان أثر الدموع التي ذرفتها البارحة ذهبت من مقل عينيها : معلش بقي التوقيت عندي ملخبط شوية يا اونكل.. أضافت بنبرة مليئة بالحسرة التي لم تستطع إخفاءها من شدة الإحباط الذي شعرت به : وهصحي اعمل ايه يعني!! سألها معاذ بهدوء يحمل في طياته الكثير من السخرية وهو يحدق بها : وياتري كنتي سهرانة تعملي ايه طول الليل؟ تطلعت به لبضع ثوان كما لو أنها لاحظت للتو وجوده ، وهمست بابتسامة باردة : ازيك يا معاذ؟ تجهمت ملامح معاذ بعد أن تعمدت تجاهل سؤاله قائلا بابتسامة ساخرة : والله لسه فاكرة تسألي عني و لا تعبريني .. انا قاعد مستنيكي تصحي بقالي ساعة و اونكلك ماكنش عايز حد يقلق نومك رغم ضيقها من أسلوبه إلا أنها لم تمنع الابتسامة الجميلة على ملامحها من الظهور قائلة بصدق : ربنا يخليه ليا احلي اونكل حازم في بر اسكندرية و الكون كلو انهت جملتها بحماس ، فقال حازم بضحكة مرحة وهو ينهض من مكانه : بكاشة من يومك هقوم اصلي العصر علي ما تحضري الاكل يا ميساء امتثلت ميساء لأمره بعد أن فهمت إشارته إليها قائلة بابتسامة : ماشي انا جاية وراك انتظرت ميساء خروج زوجها ، وقالت لحياة بعتاب : احنا العصر يا حياة ولسه سعادتك صاحية دلوقتي .. اومال دوشانا هشتغل هشتغل كل شوية وانتي بتصحي بطلوع الروح رفعت حياة نظرها إلى وجهها بنفاذ صبر ، وهي تلوح بكفها وقالت بضيق : وانتي ايه مضايقك يا ميساء هو انا قاعدة فوق راسك .. روحي ورا جوزك الله يرضي عليكي حدقت بها ميساء بعيون واسعة ، تمتم بقلة حيلة : يخربيت لسانك الطويل هو انا ماقولش كلمة الا و تردي بعشرة تحدث معاذ بخبث ، وهو يرمقها بسخرية : اعذري عصبيتها الايام دي يا مرات اخويا اصل حوار الشغل ماكلمش سرعان ما التفتت إليه حياة ، وأعطته نظرة ذات مغزى ، بينما صاحت ميساء بدهشة : معقولة!! ليه كدا يا حياة و ليه ماقولتليش ساعتها؟ تدحرجت عينيها نحو أختها و ردت بسرعة : مالحقتش اقولك يا ميساء .. انت عرفت ازاي يا معاذ؟ أنهت كلامها بتساؤل بينما تنهض من كرسيها وتحدق فيه بحاجب مرفوع ، تنتظر إجابته بترقب ، ليتمتم معاذ بعدم فهم : عرفت ايه!؟ نظرت إليه بملامح معقودة بضيق مستتر من بروده ، لكنها قالت بصبر : اني ماتقبلتش في الوظيفة أردف ببرود تام بعد أن وعى على ما قاله : معلش يا ميساء ممكن تعمليلي كوباية شاي من ايدك تأففت ميساء بنزق بينما تتابع الموقف بتعجب لتمتثل لطلبه على مضض : ماشي يا حضرة الظابط هتوزع بمزاجي ها تحدث معاذ بسرعة من خلفها ، وقام من مكانه ، متجنبًا النظر إلى حياة : معلش خليها عليكي المرة دي يا ام قلب كبير و حنين تجعد حاجباها بإستغراب وهي تسأل بإلحاح بعد أن وقفت أمامه مباشرة : رد عليا يا معاذ عرفت ازاي؟ و انا ماحكتلكش اي حاجة امبارح وانت اصلا ماسألتنيش؟! حك معاذ ذقنه بعنف فالامر بات يزعجه ، ثم نبس بضيق بسبب كلامه المتسرع من الغضب : اسألك ليه وانا عارف اللي حصل!! نظرت إليه للحظة بتساءل ، لتتلاحق أنفاسها بالغضب عندما جمعت أحجية الموقف : و اش عرفك.. لحظة لحظة انت ورا اللي حصل دا يا معاذ.. فتح فمه محاولاً التبرير أو النفي بأحرف مشتتة : انا... بترت كلماته بإنفعال ، ولم تستطع التحكم في نبرة صوتها عندما قالت بحدة مبالغ فيها : انت ايه!! انت السبب في ان مدير الشركة بعد ما كان موافق رجعلي ورقي و قالي مانفعش للوظيفة نظر نحو الباب يتأكد من عدم ملاحظة أحد لصوتها العالي ، ثم تحدث منفعلاً ولكن بنبرة خافتة : ممكن توطي صوتك .. ايوه انا اللي عملت كدا تجمدت من رده الصريح لتتمتم عدم فهم : مش فاهمه طيب ليه تعمل كدا اصلا بأي حق!! وجد نفسه يقول بنبرة متعالية تحمل فى ثناياها الكثير من التملك : انا خطيبك و مش موافق علي انك تشتغلي من الاساس .. تقومي تروحي تاخدي كورسات لغة و كمبيوتر عشان تشتغلي في شركة سياحة و تسافري علي كيفك تمكنت حياة أخيرًا من الخروج من شرنقة الصدمة المظلمة لتقول بتبرير : الوظيفة كانت وكيلة حجز في الشركة مافهاش سفر و انت عارف من الاول و كنت موافق علي الكورسات دي صاح بقسوة غير مكترث بمشاعرها ، وعيناه تحدق في ملامحها بجمود تام : قولت اسيبك تشغلي وقتك لحد مانتجوز مش اكتر و من الاخر يا حياة انتي ليكي مطلق الحرية انك تعملي اللي علي مزاجك بس بأسلوبي انا و بالطريقه اللي تريحني انا رمشت عينها عدة مرات وقفز التعجب على محياها ، وهي بداخلها تغلى من فظاظته ، لتهتف بغضب : انت فاكر نفسك عشان مخطوبين هتبيع وتشتري فيا براحتك .. دي مش تصرفات انسان طبيعي رفع إصبعه ثم زأر بحدة محذرًا : الزمي حدودك يا حياة و ماتنسيش انك بتكلمي خطيبك و هبقي جوزك بعد كام شهر امتلأت عيناها بالقهر بعد أن نجح في إشعال فتيل غضبها بينما تعقد ذراعيها أمام صدرها لتصيح بإنفعال : خطيبي دا اللي بيتعامل معايا طول الوقت زي المجرمين اللي بيتعامل معاهم و كلامو كلو زعيق و اوامر و انانية و غرور و دايما اعصابي مشدودة بسببه ولا اللي مافيش نقاش واحد معه الا بالخناق و الصوت العالي انتظرت إجابته ، التى تدل على ندمه بتقصيره فى حقها ، أو رد فعله على كلامها ، لكنه ظل يحدق بها بصرامة بينما امتلأت عينيها بالحزن بعد أن خيبت أملها فيه ، لتصيح بإنذار : لو فاكرني هسكت و اوافق علي كلامك دا تبقي بتحلم .. احنا لسه علي البر و شبكتك ممكن ارجعهالك عشان الخطوبة السودة دي ماتلزمنيش لو هتفضل معايا بالطريقة دي زادت نبرة التحدي التي تتحدث بها من غضبه تجاهها ، فقبض على عضدها وسحبها بعنف دون وعي إليه ، وهو يقول بنبرة مخيفة : انا مش علي كيفك يا حياة و هتقلي ادبك هديكي علقة تعدلك عقلك الملوح في راسك أصيبت حياة بالرعب والارتباك حينما حدجها بنظرته الغاضبة عن كثب ، وعيناها تغروران بالدموع ، وشفتاها متشابكتان من الألم حتى تمنع تأوهها العالى من الظهور ، حين شعرت بقوة قبضته على ذراعها بغير وجه حق ، بينما تحاول دفعه عنها وجذب ذراعها بعيدًا عن يده المؤلمة ، وعندما فقدت الأمل في ذلك ، صرخت في وجهه بقهر : ايدي .. سيبني .. انت مين اداك الحق تمسكني كدا؟ اشتد النقاش بين العناد المرتعد والتسلط القاسي ، وارتفعت الأصوات عالياً جداً ، فركض حازم إلى الصالون ليصدم من الموقف قائلاً بصراخ وهو يدفعه بعيداً عنها بالقوة : ايه اللي بتعملو دا يا معاذ انت اجننت ماسكها كدا ليه!! زفر معاذ بعنف ، محاولاً السيطرة على نفسه ، ليصرخ بحدة : غصب عني هي اللي بتخلي الواحد يطلع عن شعوره نظر حازم إليه باستياء ، ثم ربت على ظهر حياة المرتعدة ، قائلاً بحنان : بطلي عياط يا حياة اهدي يا بنتي في ايه قوليلي!! ارتجفت فرائصها أكثر اثر نظراته النارية إليها ، وكأنه يبعث لها رسالة مبطنة بعدم التحدث ، لتقول بخوف متلعثمة في الحروف ، وهى تمسك فى قميص حازم محاولة الاحتماء فيه : أسأل اخو حضرتك عمل ايه؟ كان عايز يمد ايده عليا مش مكفيه اللي عملو و كان السبب في اني ماتوظفش لا دا كمان بيتخانق معايا عشان يداري علي غلطه .. عن اذنكم تحركت حياة راحلة من أمامهم دون أن تنطق بكلمة أخرى ، أو بالأحرى نفدت طاقتها بسبب ثباتها الواهى أمام براثن هذا الليث الضارى ، بينما خفضت عينيها بأسي ، لتنظر إلى ذراعها الذي كان يتحول تدريجياً إلى اللون الأحمر القرمزي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


الفصل العشرون شبح حياتي الحب الحقيقي لا يحتاج إلى تفسير أو براهين ، لنعلم بوجوده أنه ببساطة شعور يتغلغل في القلب وأعماق الروح حتى يستحوذ على حياتك كلها. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ : بلاش يبقي مخك طاقق كدا علي طول يا حياة المسائل دي بتتحل بهدوء و عقل أنهت كلماتها بنبرة هادئة محاولة إقناع الجالسة مقابلها بملامح وجهها الأحمر من الغضب وعيناها المتورمة من بكائها. لم تستطع سماع المزيد من تلك الكلمات التي ترددها في كل مرة يحدث فيها شجار بينها وبين معاذ ، فقالت بصوت متوسل يشوبه بالاختناق : ميساء .. من فضلك .. انا مضايقة ماتزوديهاش عليا .. المفروض تفهمي انا حاسة بإيه! مش قادرة اتناقش دلوقتي الله يخليكي اختتمت الحديث برفع يدها إلى رقبتها ، لتتضح الكدمة الحمراء المزينة بذراعها الأبيض الذي يتخللها اللون الأزرق بسبب ما فعله معاذ بها. قطبت ميساء حاجبيها بحنق شديد ووعيد فى داخلها اتجاهه ، لكنه توسل إليها لكى تصلح الأمر بينهما ، ولذلك وافقت على مضض لأنه أظهر لها ندمه الشديد على ما فعله ، لتقول بصوت هادئ رغم استياءها : حياة .. انا عارفة ان اللي حصل منه دا غلط .. بس هو بيحبك وكان خايف عليكي من الشغل دا تشكلت عدة تجاعيد بين حاجبيها بعدم اقتناع من حديثها ، ثم هتفت في انفعال : و انتي صدقتيه مش كدا!! لا يا ميساء دا عايز يلغيني و يلغي شخصيتي من الاول .. فاكر ان الكون لازم يمشي علي مزاجه .. دي مش تصرفات انسان بيحب وعايز يبني بيت اشاركه فيه .. دي انانية منه مش حب انا حاسة معاه اني بتحرك بالريموت مش علي طبيعتي مش مرتاحة .. حاسة علي طول اني هغلط او لو اتكلمت هتفهم غلط تنهدت ميساء بأسى على حالها ، لأنها تعلم في قرارة نفسها مدى صحة كلماتها ، وتمتمت بإستماتة وهي تمد أصابعها لإزالة الخصل البنية التي انزلقت على وجه حياة الغالب عليه البراءة ، لأنها لا تضع مستحضرات التجميل على عكس وجهها الفاتن المتورد بأنوثة : اهدي طيب .. بصي يا حياة لو سيبتيه دلوقتي هيحصل حساسية بينك و بين حازم اللي انتي قاعدة في بيته نظرت إليها حياة بأعين منفرجة ، بسبب كلمات أختها التي صدمتها ، صفعت على فخذها بقوة ، لتقول بغضب من بين أسنانها : والله .. يعني عشان قاعدة في بيته المفروض اقبل و استحمل اي حاجة من اخوه!!! أردفت بنبرة يغلب عليها التأنيب ، وهي تشير إلى نفسها وتنظر إليها بعيون لامعة ، أثر الدموع الحبيسة التي تهدد بالسقوط ، بعد أن تذكرت كيف كان يدللها والدها الراحل : وبعدين ما انا كنت قاعدة في شقة بابا الله يرحمه .. فضلتي تزني عليا عشان نبيعها واحط الفلوس في البنك لجهازي وجيت قعدت معاكي هنا عشان مابقاش لوحدي .. مش دا كان كلامك ليا ساعتها!! سارعت ميساء فى تبرير كلامها السابق ، حيث تهز يديها إنكارًا ، وتعنف نفسها داخليًا لإيذاءها دون قصد مشاعر أختها : بلاش تزعلي مني والله ما اقصد كدا يا حياة .. بس عشان خاطري عديها المرة دي وماتكبريش الموضوع معه .. اعملي نفسك زعلانه منه كام يوم كدا عشان يتعلم مايزعلكيش تاني و بعدين اتصالحوا أغلقت حياة عينيها من الصداع الشديد في رأسها من البكاء والصياح ، وكأن شخصًا جالسًا بداخلها يدق بمطرقة على جمجمتها مما تسبب لها في ألم حاد جدا ، فتمتمت بإنهاك لتنهي هذه المحادثة وهي تفرك جبهتها برفق : طيب يا ميساء هفكر مررت هذا الموقف من معاذ على مضض ، وبدون اقتناع ، احتراما لزوج أختها الذي لم ترى منه سوى الخير ، لكنها لم تنس ما فعله معها دون مراعاة مشاعرها. قررت العمل كمعلمة أطفال ، وجعلت زوج أختها يقف معها ويدعمها في كل ما تريده ، لذلك لم يستطع معاذ الاعتراض على الرغم من جدالاته الكثيرة معها ، لكنها لم تستسلم ، بل أصرت على ما تريد ، وأعجبت بمرافقة الأطفال وأحبتهم وتعاملت مع المهنة على أنها هواية تسعد بها ، وتريحها من الشعور بالضغط النفسي أو الضيق الذي كانت تشعر به طوال الوقت. Back تنفست حياة الصعداء بعد أن أفاقت من شرودها ، تتذكر كيف استقرت في عملها متناسية به هذا الموقف الذي جعلها بعد ذلك لا تريد أن تشاركه أي شيء عنها ، بل بدأت تتغاضى عن أسلوبه الأناني بالبرود والتجاهل. كانت تتحكم قدر الإمكان في غضبها من طريقته المتسلطة معها. تدعي سرًا أن سلوكه معها سيتغير بمرور الوقت ، ولكن عندما رأته جالسًا مع تلك الفتاة بهذه الطريقة الاستفزازية ، قررت أن تتركه دون أي اعتبار لأي شخص. ما كان يجب عليها أن تتحلى بالصبر معه من البداية ، وفي قرارة نفسها تثق تمامًا أن طباع البشر ليس من السهل تغييرها ، وأكثر من ذلك ، إن قلبها لا يريده لم ينبض بإسمه ، و إلا كانت غفرت له و سامحته ، لكنها غير مقتنعة به بتاتًا. لماذا تخاطر بمستقبلها معه؟ هذه حياتها و هى وحدها ستتحمل نتيجة كل ما سيحدث لها ، لذلك لن تتنازل عن راحة بالها مرة أخرى ، وتحت أي ظرف من الظروف ، ليس لديها سوى كرامتها التي جمعت شتاتها بصعوبة ، وسافرت إلى القاهرة ، تاركة الإسكندرية كلها حتى تجلس في منزل والدها القديم ، بعيدًا عن كل ما يزعج سلام حياتها القادمة. : حياة حبيبتي انقطع حبل أفكارها بصوت أختها من خلفها ، فأدارت رقبتها ونظرت إليها ، وأومأت بابتسامة تلاشت تدريجيًا ، وهي تستمع لما تقوله ميساء التي جلست بجانبها : معاذ كلمني بعد ما لاقكي مابترديش عليه وهو واقف تحت شباك اوضتك .. أردفت ميساء بنوع من التردد : احم ومصمم تطلعي تكلميه .. روحي شوفي عايز ايه بهدوء بلاش عصبية وتفرجو عليكو الناس يا يويو؟!! بقيت صامتة لحظات تفكر قبل النهوض من كرسيها بابتسامة هادئة حتى تطمئن أختها. استدارت وغادرت الشرفة ، فيما تحولت الابتسامة البريئة التي زينت ثغرها إلى اخرى شيطانية ، وهي تخاطب نفسها اثناء دخولها المطبخ : انت جيتلي في وقتك .. اما طلعت علي جتتك القديم والجديد مابقاش انا حياة بنت مجدي يقف معاذ مباشرة تحت النافذة ينظر يمينًا ويسارًا ، ثم يخفض بصره بين تارة وأخرى بملل محدقاً إلى ساعة معصمه الثمينة. سحبت حياة ستارة النافذة لتفتحها ، وتتمتم بنبرة مغتاظة خفيضة جدًا ، وتتحدث مع ذاتها كالمعتاد مثل المجنونة : قال مصمم اطلعلك قال .. فاكر نفسك لسه خطيبي عشان تديني أوامر يا مغفل ظابط علي نفسك اما وريتك اختتمت كلماتها الحانقة ، وهي تنظر إلى أسفل ثم أفرغت بغلًا وسخطًا محتوي الوعاء الزجاجي الملء بالطحين الذى كانت تحمله في يدها على رأس معاذ الذي فوجئ بشيء يسقط عليه من فوق. سرعان ما بدأ بدفعه من على شعره بقوة في محاولة باتت بالفشل بسبب الكمية الهائلة التى غمرته من أعلى رأسه حتى اخمص قدميه. أغمض عينيه بغير استيعاب ، ليسمع صوتها الفائض بالشماته حيث كانت تغمغم بكلمات غير مفهومة ، ولا تزال تصب عليه الطحين حتى افرغت الوعاء بأكمله. نظر معاذ بإنشداه في بدلته الملطخة بالطحين ، ورفع رأسه إليها قائلًا بعدم تصديق : ايه دا!!! رفعت حياة حاجبيها ، وهتفت فى استنكار : دقيق!! صاح معاذ بغيظ ، وهو يحاول نفض الدقيق منه دون جدوى ، سيكون من الصعب جدا التخلص منه : مبسوطة كدا يا بنت المجانين .. انزليلي هنا بسرعة هزت رأسها بسرعة وقالت برفض : لا مش نازلة أطلق معاذ زفيرًا غاضبًا ، وهددها بنفاد صبر بينما كان لا يزال ينفض شعره من الطحين : لو مانزلتيش حالا يا حياة هطلعلك انا واتحملي ثورة اختك علينا احنا الاتنين بسبب بهدلة عفشها بالدقيق اللي حمتيني بيه دا تمتمت حياة بصوت منخفض بينما أدارت رأسها إلى الجانب الآخر ، والتوتر يحتاج أعصابها وصفعت جبينها بخفة : يالهوي!! انا ازاي مافكرتش في كدا؟ اه يا ابن المستغلة.. أردفت سريعاً بصوت عالٍ ، ثم أغلقت النافذة و سحبت الستائر : استني عندك ماتطلعش خلاص نزلالك سرعان ما ارتدت سترة قطنية فوق بيجامة نومها ونزلت إليه ، وأغلقت الباب الأمامي للمنزل من خلفها ، ثم التفت نحوه بينما كان معاذ واقفاً يحاول تنظيف نفسه ، لكن الدقيق كان يعشش في ثنايا شعره الذي تحول إلى اللون الأبيض ، ليزفر من الإحباط واستدار بسرعة عندما يسمع صوت حياة تهمس بإستهزاء : لسه جاي من الفرن علي هنا يا اسطا..!! همس بصوت أجش حانق ، وفتح ذراعيه في دهشة مما فعلته فيه : يا مؤذية خلصتي دقيق البيت كله عليا.. عقدت حياة ذراعيها بلا مبالاة ، ليقول بسخط ، وهو يصفع ذراع بدلته الغالية : لزمتها ايه حركات العيال دي يا حياة .. عجبك منظري كدا يعني؟ ردت عليه بنبرة استفزازية مليئة بالشماتة : عادي تغيير حتي الابيض لايق عليك وكان نفسي اعمل كدا من زمان وحصل استأنفت حديثها بنفس النبرة والعبوس على محياها : انت هتفضل واقف متنح كدا!! روح من هنا ردد معاذ بإستغراب : اروح فين وانا كدا يا حياة!! أجابت حياة باندفاع ، وما زالت تعقد ذراعيها على صدرها : علي جهنم الحمرة .. عايز ايه مني يا معاذ؟ اتسعت عيناه ، ورفع حاجبيه عند سماعه إجابتها القاسية ، وتمتم بإقتضاب ، محاولًا أن يكتم غضبه الذي لا نفع من ورائه الآن : انا جاي اكلم معاكي أغمضت عينيها بضحكة ساخرة ، وأبعدت وجهها عنه وهي تدمدم بصوت خفيض لكنه سمعها : يارب صبرني أردفت بعد أن نظرت إليه : وانا قولتلك مش عايزة اكلم يا اخي .. هو بالعافية واصلت حديثها بنبرة هامسة حادة : ومايهمنيش هتقول ايه اصلا .. سيبني في حالي بقي أنهت كلماتها الغاضبة واستدارت نحو باب المنزل وهي تنوي الدخول ، لكنه أدرك ذلك بحركة سريعة تسببت في سقوط بقايا الطحين المتعلقة به عن ظهره ، أمسك بعضدها لمنعها من الفرار بعيدا. اتسعت عينيها بغضب ، وتحدثت من بين أسنانها بفحيح : يخربيتك أكملت كلامها بنبرة جادة مليئة بالتحذير ، مشيرة بإصبعها إلى مكان قبضته على ذراعها : ابعد صوابعك عن دراعي قبل ما اكسرهم رفع كفوفه مستسلمًا حتى تلين له ويمكنه الحديث معها دون انفعال ، لكنها رددت تهديدًا ، مشيرة إلى يديه بإصبعها ، وكل ذرة في جسدها مستعدة لمهاجمته : ماتحطش ايدك عليا تاني هز رأسه باتفاق وقال بصوت هامس : خلاص عقفت ذراعيها أمام صدرها مرة أخرى ، قائلة بنبرة متغطرسة : اتفضل من غير مطرود نظر إليها كما لو أنه يرآها للمرة الأولى ، لم يكن يعرف منذ متى أصبحت مشاغبة ومتمردة ، أو أنها كانت على هذا النحو من قبل ، ولكن لأنه كان مشغولًا عن معرفتها جيدًا ، لم يلاحظ هذا الجانب العنيد منها ، حيث لم تعد تخاف منه ، بل تنظر إلى عمق عينيه بتحدٍ عارم ، ليهمس بإلحاح : حياة .. خليكي جد شوية محتاج اكلم معاكي هتفت حياة وهي تضرب بقدمها على الأرض في حالة من اليأس ، من الإصرار الواضح في عينيه أنه لن يبرح مكانه إلا إذا قال ما فى جعبته : يوووه .. انت غاوي تعاند فيا وخلاص .. مابقش بينا حاجة نحكي فيها يا معاذ أخفض جفنيه ، وأدار رأسه إلى الجانب الأيمن ، مبتسما بغموض بعد أن خطرت بباله فكرة ، لكنه قال بهدوء للمرة الأخيرة : لا في يا حياة .. تعالي اركبي العربية مش هنفضل واقفين وانا بشكلي العرة دا ضحكت بسخرية وهي توجه رأسها نحو المنزل ، ثم نظرت إليه بتهديد قائلة بتحدى يشوبه الشماتة : ايه يخليني اسمع كلامك؟ ماتقدرش تجبرني هنادي لأبيه حازم يقطعك حتت صغيرة .. هو مستحلفلك وانت عارف : كفاية تضييع وقت تمتم معاذ من تحت أنفاسه ، ثم انحنى بسرعة وطوق ساقيها بذراعيه ، ورفع حياة على كتفه مثل الزكيبة و سار بها كأنها لا تزن شيئاً ، مما جعلها تصرخ بفزع من صدمتها عندما وجدت رأسها يتأرجح على ظهره وساقيها في الهواء. همست حياة بذهول ، وحركت قدميها بقوة محاولة النزول ، وهى تضربه بقبضتها على ظهره : بتعمل ايه يا متخلف؟ نزلني. .. هسهس معاذ وهو يمشي بثقة رافضًا الاستماع إلى اعتراضاتها : هشششش استمرت حياة بالثرثرة دون توقف من اضطرابها الشديد مندهشة من تصرفه غير المعقول على الإطلاق : موديني علي فين يا معاذ مايصحش كدا!!! نزلني نزلنننني .. قولتلك مش عايزة اكلم معاك هو بالعافية يا اخي .. ماتبطل تصرفاتك الهمجية دي.. وصل معاذ إلى سيارته وفتح الباب لينزلها برفق عن كتفه وساعدها في الصعود إلى السيارة بحذر ، قائلًا بسرعة : اركبي .. يلا كل مقاومتها ذهبت سدى ، لتغمغم بغضب : معاذ .. والله ماهفوتلك اللي بتهببه دا .. دي جريمة خطف انسة... لم يدعها معاذ تكمل كلامها ، وهمس على عجل بينما يغلق باب السيارة : دخلي رجلك وبطلي الرغي اللي مالوش تلاتة لازمة دا ★★★ في السيارة بقيت حياة ثابتة على صمتها ، رغم محاولات معاذ بفتح حديث معها ، بينما كانت تفكر مليًا في المكان الذي سيصطحبها إليه ، لتخطر ببالها فكرة وحيدة يمكن أن تهرب بها من هذا المأزق وتنتقم منه فى آن واحد. قطعت حياة هذا الصمت قائلة بنبرة رقيقة ممزوجة بالاحتيال : انا عايزة اشرب ممكن تنزل اشتريلي ميه معدنية من الكوشك دا تبادل الاثنان النظرات وسط صدمة حياة ، ليتحول وجهها تدريجياً إلى اللون الأحمر من الغضب ، تزامناً مع اتساع ابتسامة معاذ الماكرة ، الذي قال وهو يمد يده إليها بزجاجة ماء من المقعد الخلفي : غالي و الطلب موجود أنهى معاذ جملته بإبتسامة ملتوية ، تنهدت حياة قائلة بإنزعاج بعد أن أدارت عينيها للأمام : خلاص مش عايزة .. انت رايح بيا فين روحني يا معاذ؟ أعاد الزجاجة إلى مكانها ، ونظر إلى الطريق وقال بهدوء : وصلنا نظرت حياة خارج النافذة لترى البحر أمامها ، بينما نزل معاذ من السيارة ولم ينسى أخذ المفاتيح بعد أن لاحظ نظرات حياة بين الحين والآخر ناحيتهم ليفهم ما تصبو إليه. تابعت تحركاته بعناية ، وما زال التجهم يغطي الجزء الأكبر من ملامحها المنزعجة ، بعد أن أغلق كل الفرص التي يمكن أن تتخلص منه بها. أغمضت عينيها بإرهاق ، وميض حدقتى بدر الداكنتان على شكل وميض أمامها. فتحتهما من جديد ، وتنهدت بضيق ، لشعورها بالنقص الذي يتزايد شيئًا فشيئًا بقلبها ، دون أن تتمكن من ترجمة ذلك حتى لنفسها. قررت بعد فترة من الجلوس بمفردها في السيارة ، النزول على مضض والتحدث معه كما يشاء حتى يرجعها إلى المنزل. ترجلت من السيارة ، فإرتطم هواء البحر بشعرها الطويل ليتطاير حول وجهها ، رفعت يدها لإبعاد خصلتيه عن عينيها ، وتحركت إلى المكان الذي يقف فيه معاذ ، وأبطأت خطواتها قليلًا لتبقى مسافة بينها وبينه. شعر بحركتها خلفه ، فالتفت إليها بصمت بعد أن كان شارد فى أمواج البحر الهائج التي تصطدم بالصخور ، تمامًا مثل مشاعره الآن. هتفت حياة بنبرة عالية نسبيًا حتى يسمعها ، و على شفتيها ابتسامة جانبية ساخرة : برافو يا معاذ برافو .. عملت للي انت عايزو كالعادة و اخدتني معاك بالعافية واصلت بنفس السخرية اللاذعة ، وهي تشبك يديها أمام خصرها : ايه الكلام اللي اخدتني زي شوال البطاطا لحد هنا عشان تقوله؟ كان معاذ يستمع إلى سخريتها بوجه مقتضب ، ويضع يديه في جيوب بنطاله ، وحالما صمتت ، اقترب منها بخطوات واثقة حتى وقف مقابلها ، واخرج يديه شابكًا اياهم أمام خصره ، وقال بنبرة هادئة وغير متوقعة لحياة ، حيث اعتقدت أنه سيصرخ عليها بمجرد أن تنتهي من كلامها الوقح ، لكنه خالف كل توقعاتها : حياة .. حياة حقك عليا انا اسف .. عارف ان تصرفاتي معاكي ماكنتش الطف حاجة نظرت إليه بدهشة أخفتها بسرعة خلف نبرة صوتها الهادئة الساخرة : معقولة .. معاذ باشا بيعتذر قد ايه دا شرف عظيم و تضحية كبيرة منك!! أسدل جفنيه للحظة عن عينيها المعاتبين ، ثم نظر إليها وقال بلطف : من غير ماتتريقي انا بجد اسف .. كان عندك حق لما قولتي اني بفكر بأنانية نظرت إليه مليًا ، مستشعرة الصدق باعتذاره ، فأومأت برأسها بصمت ، ثم رأته يخفض بصره إلى الأسفل واقترب منها خطوة ، محاولًا معانقة يدها ، لكنها وضعت راحة يدها فوق كفه ، وقالت بسرعة : خلاص مالوش لزوم الكلام دا يا معاذ .. دي كانت لحظة عصبية مني وراحت لحالها .. بس احنا مش مناسبين لبعض يا معاذ .. صدقني.. صمتت وسحبت يدها عن يده التي بقيت مفتوحة ، وهو ينظر إليها بعينين لا تتقبل هذه الكلمات منها ، قائلًا بحزم وهو يخرج هاتفه من جيبه : لا يا حياة .. انا عايزك تبصي علي الصورة دي نظرت حياة إلى شاشة الهاتف في يده ، لتتسع مقل عينيها حالما تذكرت تلك الموجودة في الصورة هي نفسها التي رأته معها جالسًا في المطعم ، وظنت أنه يخونها ، لكن منظرها هنا مختلف ، حيث تقف خلف أعمدة حديدية ويبدو أنها مسجونة. أعاد معاذ الهاتف إلى جيب بنطاله قائلًا بنبرة هادئة : حياة .. انتي فهمتي الموضوع غلط لما شوفتيني مع البت دي كانت مقابلتي ليها عشان شغلي والحمدلله قدرت اقبض عليها والله ماكنت بخونك ولا فكرت اعمل كدا من يوم ما اتخطبنا لعق شفته السفلى بنوع من الحرج مردفاً : انا عارف اني المفروض كنت افهمك كل حاجة من الاول واشرحلك وعارف انه دا ابسط حقوقك عليا .. بس انا دايما كنت فاكر انه مش محتاج ابرر ولا ادافع عن نفسي قصاد اي حد .. بس لما شوفتك ازاي مصرة علي انك تفضلي جنب واحد ماتعرفيهوش اصلا .. دمي غلي و حسيت بنار جوايا وقتها فهمت قد ايه بحبك واني لازم ابطل افكر بالطريقة دي وماحطش كبريائي حاجز بيني وبينك عشان انا مش عايز اخسرك شعرت حياة بانقباض صدرها عندما سمعته ، بينما لم يسجل عقلها سوى جملة واحدة من كل هذه الكلمات. زاغت عيناها بتوتر لتسمع لسانها ينطق بتسرع : بس انا اعرفه كويس يا معاذ حدق فيها لثانية دون أن يجيب ، لقد اعترف للتو بمشاعره تجاهها وهذا كل ما تمكنت أن تقوله ردًا عليه ، مستفسراً بغرابة : دا كل اللي لفت انتباهك من كلامي كلو!! كان الأمر كما لو أنه تلقى منها صفعة قوية زعزعت توازنه وهزت كبريائه ، أوقد في صدره حريق خنق أنفاسه ، حالما تساءل بتوجس : انتي بتحبيه يا حياة!! طيب امتي حصل الحب دا!! و ازاي؟ قرع قلبها بعنف داخل ضلوعها ، حيث اتسعت عيناها لكونها بطريقة ما استطاعت ترجمة طلاسم هذا النقص الملازم لها منذ اللحظة التي ألتفت فيها بدر موليًا ظهره لها. عفوياً ، قالت بخفوت وهي توجّه عينيها نحو البحر بعد أن أصابتها الصدمة : بحبه من زمان اوي من يقف على الشاطئ ، ويقول انه يحب البحر كاذب ، فلا تصدقه الا اذا غطس في اعماق البحر ورأى ظلامه وعيوبه وغضبه ، انتظره حتى يعاود الى الشاطئ مجددا و كرر نفس السؤال عليه ، هل مازلت تحبه؟ إذا كانت الإجابة بنعم ، فهذا حب حقيقي لأن نظرتنا لشخص من الخارج تكون مشوشة أحيانًا ، الكل يريد أن يظهر جميلًا ورقيقًا وكريمًا في البداية ، لكن عليك أيضًا أن تراه في أسوأ حالاته لتقرر ما إذا كنت لا تزال تحبه أم لا؟ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


تكملة الرواية من هنااااااا

تعليقات

التنقل السريع