رواية بحر ثائر الفصل الثامن وعشرون 28بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية بحر ثائر الفصل الثامن وعشرون 28بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)
الفصل الثامن والعشرون
يا صباحا أصبح وهي بجانبي
مارأيتك يوما ياصباح جميلا
إلا اليوم لأنها تغفو بجانبي....
يا ليلا حل بي وهي معي...
ما أجملك يا ليل ليس حبا بقمرك
بل لأن قمري غفى وهو معي...
لم تكن أيامي جميلة قبلك
لم تكن حياتي سعيدة قبلك
لم يكن قلبي يحيا قبلك
معك أصبح للحياة ألف معنى....
قبلك لم تملك الحياة أي معنى
( بقلم فيروزة)
❈-❈-❈
- دومتي ؟
هكذا نداها بعد لقائهما الأول حيث تسكنه بسلام فما كان منها إلا أن ترفع كفها وتتحسس شفتيه اللتان وزعتا عليها وابلًا من القبل المزيلة لآلام الروح والآن يناديها بلقبٍ مدلل ينتمي له لذا نطقت بهمسٍ دون أن تفتح مقلتيها ومازال شعور الراحة مسيطرًا عليها :
- بحبك .
ابتسم برضا وتنفسها بود ، كلمتها طمأنته وزادته ثقةً وتباهٍ لذا نطق بنبرة متحشرجة وهو يغمض عينيه مثلها :
- وأنا بحبك ، وبشكرك على الإحساس ده ، تصبحي على خير .
ليغفو بعد ذلك وتغفو بين جنبات صدره وكلٍ منهما يعيش الشعور ذاته مجددًا عبر مخيلتهما .
❈-❈-❈
توجهت منال ومعها دينا وبسمة إلى منزل صالح بعدما أخبرتها دينا ، ما إن دلفن المنزل حتى وجدن الجيران يساندون صالح في حزنه وقد وقف يستند على باب الغرفة الموجود فيها جثمان والده .
يقف بثباتٍ ظاهري كأنه اعتاد ولا يعلم ما في قلبه أحد ، لا يدرك إحساسه أحد ، هو لا يحب أن يظهر ضعيفًا ، لو أظهر جزءًا ضئيلًا من ضعفه سينهار لذا يقف ينتظر مجيء السيارة التي ستنقله .
يجلس أمامه عمه يستند على ذراعه ويبكي ، فراق شقيقه الوحيد مؤلم جدا عليه .
جلست منال وبسمة مع سيدات الحارة في غرفة جانبية بينما وقفت دينا على عتبة الباب تتطلع على صالح وحالته ، ترأف عليه كثيرًا فقد لمحت ضراوة الحزن في عينيه ، تعلم أنه يتألم ، هو يشبهها في إظهار عكس ما يخفي .
نادتها منال بنبرة هادئة منزعجة من وقوفها الغير مبرر خاصة وأن الصالة معبأة برجال الحارة لذا زفرت بقوة والتفتت متجهة إليها وجلست بينها وبين بسمة لتجد أنظار اثنتين من سيدات الحارة مصوبة عليها وقد بدأ الغمز واللمز بينهما .
مالت عليها بسمة وتساءلت بهمس :
- كلمتي داغر يا دينا ؟
تحمحمت وأجابتها بهمس مماثل متجاهلة نظرات الجارتين :
- موبايله مقفول يا بسمة وده أكيد لإنه دلوقتي في الطيارة ، يارب يوصل بالسلامة صالح محتاجه أوي .
اومأت بتفهم وزفرت تردد داخلها
( ليس صالح فقد ، أنا أيضًا بحاجته ، لقد اشتقت له كثيرًا ، ليأتي فقط )
❈-❈-❈
مر حوالي ساعتين وترجل داغر من سيارة الأجرة على مشارف الحارة .
حمل حقيبته وتحرك في طريقه ليشعر بشيء غير مألوف يحدث حتى لمح شابًا يعرفه فأسرع إليه يردف بنبرة متوترة :
- إنت فين يا داغر ، أبو صالح مات والحارة كلها عنده في البيت .
ركض داغر مهرولًا نحو منزل صديقه ليراه والحزن غلف ملامحه بعدما أدت السعادة دورها من أجل شقيقته .
وصل إلى المنزل فوجد زحامًا وبالفعل تجمعت الحارة للدعم والمساندة فمر من بينهم ليدلف المنزل فتعالت الصيحات بكلمة :
- داغر وصل .
ارتعش قلبها حينما علمت بمجيئه وأرادت رؤيته ولكن ألجماها المكان والزمان لذا تنفست بعمق لتنهض دينا وتقف مجددًا عند الباب لترى شقيقها وترى ماذا سيفعل مع صالح الحزين .
ظهر داغر الذي أسرع نحو صالح وبدون أي مقدمات ألقى الأخير بنفسه داخله فبادله الأول يعانقه بأخوية مفرطة ويربت على ظهره مرددًا بدعمٍ حزين :
- البقاء لله يا صالح ، شد حيلك يا أخويا .
ربت صالح على ظهره بقوة وكأنه يخبر الجميع أنه بخير وأنه لن ينحني مهما حدث ولكنه أراد أن يفعل ، أراد أن يبكي في عناق صديقه ، ولن يفعل .
استكانت دينا قليلًا لذا التفتت عائدة لتباغتها منال بنظرة غاضبة لذا أردفت :
- قوموا نروح إحنا بقى طالما داغر جه .
أومأت بسمة مؤيدة وأرادت دينا أن تعترض ولكن منال قد نهضت بالفعل وتحركت نحو الخارج تخطو بتمهل وتبعتاها الفتاتان حتى عبرن للخارج .
بينما وقف داغر يساند صالح ويؤدي دروه بأصالة .
❈-❈-❈
صباحًا
ترجلا سويًا إلى الأسفل كي يتناولا فطورهما ثم يذهبان للتسوق
جلسا في المطعم الخاص بالفندق ينظران لبعضهما ، نظراته نحوها خبيثة تذكرها بما عاشاه ليلة أمس وما عاشاه صباحًا حينما اقتحم خلوتها في الحمام وهي تغتسل ليسقيها من بحر عشقه الصافي .
تشعر أنها تحررت من قيود نفسية كانت تسكنها من ذلك الأمر للدرجة التي جعلتها تخشى ألا تعطيه المشاعر المطلوبة ولكنها تفاجأت قبله بمشاعر قوية انفجرت منها معه ، لتدرك أنه نجح في استخراج مكنونها ببراعة وتؤكد أنه يمتلك قدرة عالية في التعامل مع أنوثتها .
رجلٌ مختلفٌ في كل شيء حتى في عيوبه ، مثلًا تسلطه في أمرهما الخاص الذي أحبته .
فهل يمكن للمرء أن يحب التسلط ؟ كيف جعلها تحب عيوبه وكيف أقنعها ؟
أسئلة هنا تفوق عقلها لذا التقطت نفسًا قويًا وانتبهت على النادل الذي يضع فطورهما ويغادر فتحدث ثائر دون النظر إليها :
- يالا افطري وكفاية تفكير مش هتوصلي لإجابة .
قطبت جبينها باندهاش فكيف علم ما تفكر به وتساءلت بعينيها فرفع أنظاره يتمعن فيها بقوة واسترسل بالفرنسية بهمس وهو يقرب نفسه منها قليلًا :
- هذا أحد أسراري ، سأجعلكِ تدمنين ذلك التسلط .
شهقة خرجت منها بشكلٍ لا إرادي وانكماش قبض على معدتها من تصريحه وسطوته عليها لتعض شفتيها بخجلٍ من سطو المشاعر المسلح الذي هاجمها لذا حدجها بنظرة محذرة بألا تفعل هذه الحركة فحررت شفتيها تتحمحم وبدأت تتناول فطورها بصمتٍ كان أبلغ رد على كلماته .
❈-❈-❈
عاد داغر وصالح والعم محمود إلى الحارة بعدما تم دفن والده في المقابر الخاصة بأهل المنطقة .
وقفوا بالقرب من الورشة وتحدث داغر بنبرة حزينة :
- تحب نعمل القراية هنا ولا عند البيت ؟
هز صالح رأسه بلا يجيبه بانكسار يجاهد ليخفيه :
- ما إلو لزوم ياخو ، الله يرحمه ويجعل مئواه الجنة ويتقبله من الشهداء هو واخوتي وأمي .
أومأ محمود مؤيدًا وتحدث بحزنٍ سافر :
- صالح معو حق يا عمي ، خلينا نعملو صدقة جارية وبالأساس أهل الحارة عملوا اللي عليهن وزيادة .
صمم داغر على رأيه يردف دون جدال :
- مهو كدة كدة القراية هتتعمل لأبو صالح مافيش كلام ، ده حقه علينا، وهنعمل بردو الصدقة الجارية إن شاء الله .
نظر له محمود بامتنان وأومأ بطاعة ليتابع داغر حديثه إلى صالح :
- وانت يا صالح تعالى معايا يالا علشان ناكل لقمة وتدخل تنام شوية ، يالا يا عم محمود .
سحبه معه قاصدًا منزله ولكنه اعترض قائلًا برفضٍ قاطع :
- لا ياخو مش راح أكل إشي ، أنا بدي أنام شوي .
التفت ليعود نحو منزله ومعه العم محمود الذي وافقه الرأي لذا تبعه داغر وهو يلتقط هاتفه ويتحدث إلى والدته التي أجابته بترقب :
- أيوا يا حبيبي سمعاك .
- معلش يا ماما جهزي غدا صالح وعم محمود وأنا هبعتلك بندق ياخدهم .
أغلق معها وتحرك يساند رفيقه ورافضًا عدم تركه أبدًا .
❈-❈-❈
في دبي
خرجت سها تنوي رؤيته خاصة وقد علمت أنه مازال في الفندق ، تعلم أن عواقب ما تفعله ستكون وخيمة إن علم زوجها ولكنه لن يعلم ، ستراه وتحاول التحدث معه برغم أنها ترى الكره واضحًا في عينيه ولكن لا يهمها ، يكفيها أن تراه مجددًا .
وصلت إلى الفندق في وقتٍ قياسي وترجلت ثم توجهت للداخل تنوي السؤال عنه ولكنها لمحته يجلس في المطعم وتجلس أمامه تلك السليطة .
تراكَم الحقد في مقلتيها وحاولت أن تهدأ والتقطت نفسًا قويًا وجاهدت لتخفي حقدها خلف قناع ابتسامة واتجهت نحوهما حتى توقفت خلفه تنظر إلى ديما التي رأتها وأمعنت النظر إليها لتقترب الأخرى من ثائر حتى قابلته تقول بتودد خبيث :
- أزيك يا ثائر .
لم يرفع نظره في عينيها بل لمح هيأتها ويكفيه صوتها لذا نظر إلى ديما وتحدث بابتسامة ظاهرية لم تشفع لعيني ديما التي رأت في عينيه الكره :
- خلينا نقوم علشان اتأخرنا .
نهض بعدها يلتفت ويتجاهلها بشكلٍ تام لتشعر بالدونية وتتلظى داخلها حمم الغضب وحاولت لفت انتباهه بأي شكل لذا نظرت إلى ديما التي نهضت وابتسمت تردف وهي تمد يدها نحوها تستكمل خبثها :
- أستاذة ديما ، أنا سها مرات أخو ثائر وبنت خاله ، جيت مخصوص علشان أقابلك وأعبرلك عن إعجابي الشديد بكتابك ومناظراتك القوية ، أخيرًا لقينا حد يتحدى أفكار ثائر ذو الفقار ويغير وجهة نظره عننا .
بنظرة هادئة شرحت لها ديما أنها تفهمها ولكنها لم ترد تجاهل يدها لذا بادلتها السلام تجيب باختصار ورتابة :
- أهلًا وسهلًا مدام سها .
انزعجت منها للحد الذي جعلها تود أن تصفعها ولكنها ابتسمت وسحبت يدها ثم عادت تنظر نحو ثائر الذي يواليها ظهره يداري غضبه وقالت بترقب :
- إيه يا ثائر مش عايز تسلم عليا ولا إيه ؟
للمرة الثانية يقرر تجاهلها ويردف دون التفات :
- مستنيكي برا يا أستاذة ديما .
غادر قبل أن ينحرها بكلماته أمام ديما وتحت نظرات الحضور لتبتسم لها الأخرى بحرجٍ وتردف وهي تنوي اللحاق به :
- عن إذنك .
غادرت خلفه ووقفت سها تطالعهما وتتصارع مع الذل والهوان اللذان فازا عليها لذا عليها أن تنتقم على هذا التجاهل ، ولكن كيف سيحدث ذلك ؟
أما ثائر فاستقل السيارة التي استأجرها وجاورته ديما تطالعه بترقب لتدرك أنه يصارع غضبه لذا مدت يدها تضعها على كفه القابضة بقسوة على التارة وأردفت :
- ثائر اهدى لو سمحت .
لم يسمعها ولم يشعر بلمستها إلا بعد ثوانٍ وهي تملس على كفه الذي لان قليلًا من أثر لمستها لذا زفر بقوة ثم التفت يطالعها بمقلتين التمعتا بوميض العشق الذي يظهره ببراعة برغم سكون ثورة الغضب خلفه ليردف بنبرة غامضة :
- أنا هادي يا حبيبتي ، إيه رأيك نروح نعمل شوبينج ونغير جو شوية !
توترت قليلًا ولكنها جارته تبتسم وتومئ له فرفع كفها يقبله بتمهل أذاب توترها ثم احتضنه وتحرك يقود إلى وجهته ليتجاوزا ما حدث بسبب تلك الحقيرة كما نعتها داخله .
في باريس
في النادي الرياضي
جلست تطالع هذا الماثل أمامها والذي طلبت رؤيته ، تدخن سيجارتها وتنفث دخانها في الهواء بتعالٍ يلازمها ، يطالعها بعينين متسائلتين عن سبب اتصالها به بعد كل ما فعلته .
ابتسمت بغنج وحاوطت خبثها بجرأتها وهي تتحدث :
- أراك بصحة جيدة توماس ، وهذا يعجبني .
بابتسامة مماثلة لا تدل سوى على التحدي والتصالح لأجل المصالح المشتركة بينهما ليردف :
- نعم مارتينا أنا كذلك ، والآن دعكِ من صحتي وأخبريني ماذا تريدين ، أم هل تنوين قتلي مرة أخرى ؟
قهقهت بلا داعي لتجيبه بتمهل :
- أنا لا أصوب سلاحي تجاهك توماس ، ذاك كان سلاحك أنت وأنا فقط دافعت عن نفسي ، ولكن دعنا ننسى ما حدث ونبدأ صفحة بيضاء سويًا .
يدرك نواياها جيدًا لذا تساءل بشكلٍ مباشر لا ينتمي له :
- ماذا تريدين مارتينا ؟
عادت تسحب دخان سيجارتها ثم زفرته عاليًا واستطردت :
- ثائر ، أريده نادمًا .
ابتسم لأنه يدرك أن هذا ما تريده بالفعل خاصة بعدما وقع الآخر في الحب لذا نطقها بشكلٍ صريح يحمل بين طياته التشفي :
- هل هذا لأنه وقع في الحب .
تقلب جسدها بخليط من الغضب والغيرة ونطقت تبصق الأحرف :
- إياك أن تقولها أمامي توماس ، سيندم وسيعود لي عاجلًا وليس آجلًا ، وأنت ستساعدني .
قهقه عاليًا على ثقتها ونطق :
- ولمَ سأفعل ؟ أنسيتي أنني أحببتك ذات يوم بقدر حبك له وأنا أيضاً أردت أن تتذوقي الندم ، أرى أن هذا يحدث الآن لذا لماذا أساعدك ؟
انحنت نحوه قليلًا وهمست بمكرٍ واضح :
- لأننا نريد الشيء ذاته ، لا تقول أنك لا تريده نادمًا وراكعًا أمامك ، لقد أخذ مكانًا ليس له وبدأ يتمادى معنا لذا يجب أن توقفه عند حده ، ولكن أولًا لنتخلص من تلك المصرية اللعينة .
ابتسم توماس ابتسامة شيطانية ، فقد رآها أثناء المباراة ، وعلم أنها حبيبة الثائر ، لا ينكر إعجابه بها ، هو يعشق المصريات ولكن بطريقته لذا فهي تعد فريسة صعبة المنال بالنسبة له وعلى ما يبدو أنها نقطة ضعفٍ لعدوه اللدود فلمَ لا يبدأ اللعب ؟
أردف بنبرة مبطنة بالتحدي ولمعة الشر تضيء مقلتيه :
- حسنًا لنتفق ، ولكن بشروطي أنا .
باغتته بنظرة مطولة ثم ناولته كفها كدليل على موافقتها ، لا يهمها سوى الحصول على ثائر وإعادته إلى حجمه الطبيعي الذي كان عليه قبل اثنا عشر عامًا ، وستفعل .
❈-❈-❈
ليلًا
وقفت أمام المرآة تنظر لهيأتها الجميلة ، تبتسم حينما أمعنت النظر وقد عادت بذاكرتها إلى المرحلة الأجمل في حياتها إلى الآن وهي الثانوية
كانت مفعمة بالحياة مثلما هي الآن
ارتدت الفستان القصير الذي اشترته كما يرغب ، متناسق عليها كأنه صمم خصيصًا لها ولكنه ... قصيرٌ فأظهر ساقيها .
ساقيها العلوية الملطخة بالتجلطات الدموية التي خلفها ذلك المسمى بزوجها الأول ، هذه العلامات التي لم تزُل بعد خاصة مع تعثر نظامها الغذائي لتذكرها دومًا بما مرت به من مآسي معه ، كل بقعة مشبحة باللون الأزرق كان سببها الكتمان والكبت والصمت على نرجسيته وتسلطه وقسوته .
رفعت طرف فستانها تمعن النظر في تلك البقع الواضحة وقضمت شفتيها بحرجٍ من رؤية ثائر لهما ولكنها انتفضت حينما فتح باب الغرفة فجأة فرفعت رأسها تطالعه بملامح خجولة ثم ابتسمت وسعت لتسدل فستانها للأسفل أكثر ولكنه لاحظ حركتها فتقدم منها يبتسم على ملامحها الجميلة وابتسامتها وهيأتها في هذا الفستان الذي ابتاعاه سويًا .
توقف أمامها ورفع يديه يحاوط ذراعيها ثم تحدث بنبرة مغرمة :
- أتمنى إن اللي صممه تكون بنت لأن فكرة إن اللي صممه راجل ولمسه قبل ما تلبسيه فكرة مؤذية أوي ، زينتي الفستان وزينتي حياتي يا ديما .
جديدة تلك الهجمة المرتدة التي هجمت على قلبها وروحها ، جديدة وجميلة حيث مشاعر غريبة لا تميز ماهيتها ولكنها تجزم أنها شعرت بطعم الشهد يطوف لسانها منذ أن تزوجته .
بنظرة امتنان تكفي العالم تمعنت فيه تشكره على كلماته ولم تستطع النطق .
ابتسم وانحنى فجأة يتكئ على ساقيه فجحظت حينما وجدته يرفع طرف الفستان ويتفحص ساقيها لذا أسرعت تنحني وتمسك بكتفيه مردفة بذهول وخجل جعلها تتشبح باللون الأحمر فباتت هي والفستان سواء :
- ثائر بتعمل إيه بس ؟
أوقفها يطالعها بنظرة ثاقبة تحمل من الحنان ما يفيض وأردف بأمر يشوبه الترجي :
- ديما اصبري ، سبيني أشوف ده إيه .
حاولت منعه بضعف نسبةً لرجائه واستيطان جيشَا من المشاعر داخلها ولكنه كان لحوحًا لذا نهضت تقضم شفتيها بخجلٍ بلغ منتهاه حينما بدأ يتفحص ساقيها تحت الإضاءة الواضحة وتسافر يده بتأنٍ على تلك البقع بعدما رآها بوضوح فعادت تهمس بضعفٍ وحرج من لمسته :
- ثائر لو سمحت .
أبعد يده عنهم لتلتقط أنفاسها حيث ظنته سينهض ولكنه قرب شفتيه منهم يقبلهم واحدة تلو الأخرى ، لو باستطاعته نزعهم أو إزالتهم سيفعل ولكن هذا جُل ما يستطيع فعله ، يقبلهم حتى يزول أي أثر حزن بها .
ارتعشت ولم تعد تعلم ماذا تفعل ولم تستطع تفسير ما يفعله معها لذا همست مجددًا حينما تعمقت قبلاته :
- ثائر علشان خاطري .
وخاطرها على عينه وقلبه ورأسه لذا نهض يبتلع لعابه ويحدق بها ثم حاوط خصرها ومال يقضم رقبتها بهمجية عاشق فارتعشت وانطوت معدتها تعجبًا مما يحدث لها مع هذا الرجل ، عاد يستطرد بمشاعر مزهرة بالشغف :
- فيه تمن سنين من عمرك مش لايقين عليكِ ، تسمحيلي أبدلهم يا فريستي ؟
قالها وعينيه مسلطة على شفتيها لأنه ينوي افتراسهما ، ينوي افتراسها كليًا .
ولو كان باستطاعته رؤية قلبها الآن سيراه يحلق في فضاء سعادتها التي عقدت لسانها ، لا تصدق أذنيها ولا عينيها ولا عقلها الذي يعيش كل هذا ، لقد ظنت أن الحياة لا تعطي سوى المعاناة ولكن يأتي ثائر ويثور لسنواتها الحزينة ويستبدلها ؟ هذا كثير بل لن تتحمله ولن تصمد أمامه أكثر ، أمامها لحظات وتقع في براثن أفعاله المتيمة .
يدرك مشاعرها ويدرك أنها على وشك السقوط لذا استقبلها لتسقط على قلبه وفي كنفه يحتضنها ويقبل شفتيها ويهمس لها بكلماتٍ مشفرة لا تحتوي على أحرف بل مكونة من فراشات وملاطفات تزيل مُر ذكرياتها .
❈-❈-❈
عادا إلى منزلهما بعد رحلة سفرٍ كانت هي الأجمل على الإطلاق .
توقفا أمام شقتهما وأخرج دياب مفاتيحه يستعد لفتح الباب ولكنهما سمعا الباب المقابل لهما يفتح وتظهر منه رحمة مبتسمة تقول بترحاب :
- حمدالله على السلامة ، إيه الغيبة الطويلة دي ؟
التفتا إليها يطالعانها بهدوء حيث كانت تقف وتحتضن صغيرها لتجيبها يسرا بتكلف وهدوء بينما التزم دياب الصمت :
- الله يسلمك يا رحمة ، عن اذنك لإننا راجعين تعبانين جدًا .
فتح دياب الباب وكادا أن يدلفا ولكنها عادت تستطرد بتلهف للحديث معهما خاصة وهي تشعر بالوحدة والملل :
- طيب قصي مش وحشك ؟ معقول ؟
زفرت يسرا بضيق من تعمدها استخدامها الصغير ليؤثر عليها لذا التفتت لها تجيبها بجدية بالغة :
- ربنا يباركلك فيه يا رحمة ، عن اذنك .
دلفت بعدها تتبع دياب وأغلقت الباب تزفر بقوة من تلك المتسلطة ، تعلم أنهما لا يريدان التحدث معها ، تعلم أنهما يتجنبانها ومع ذلك تلح للحديث معهما فلمَ تفعل هذا ؟
ليتها ترحم ذاتها وترحمهما من هذا التعامل الجاف وتتوقف عن تلك الأفعال .
لاحظ دياب تجهم ملامح يسرا لذا وقف قبالتها وأمسك بكفيها يتحدث بابتسامة عاشق :
- احنا اتفقنا على إيه ؟ مش قولنا مش هنسمح لحد يعكر مزاجنا ؟
أومأت له فمال يقبل شفتيها قبلة ناعمة ثم ابتعد يسترسل :
- يالا تعالي ندخل ناخد شاور وننام علشان هصحى بدري أروح الشغل .
أومأت له بتفهم وتحركت معه نحو غرفتهما وهما يحاولان تجاوز ما حدث .
أما رحمة التي جلست تفكر وتبكي على ما وصلت إليه من ذل ، مهما حاولت التقرب منهما وجدت سدًا منيعًا سواء من يسرا التي تحقد عليها أو من دياب الذي تتمنى رجلًا مثله ، أو هو .
نظرت لطفلها الذي ينام في سريره الهزاز والذي ينشغل بالألعاب المعلقة لتفكر ، هل ستظل هكذا وحيدة دون قريب أو حبيب ؟ أم هل تحاول مجددًا التواصل مع توماس ؟
نفضت رأسها سريعًا فإن علم بها وبطفلها من المؤكد سينهي أمرهما ، لقد حذرها ويجب عليها أن تخاف منه بعدما رأته ، يجب عليها أن تجد رجلًا يحبها ويدللها ويعامل طفلها بحنان .
تفتقد وجود رجلٍ كثيرًا خاصةً مع تجنب الجميع لها حتى عائلتها .
❈-❈-❈
فجرًا .
تململت في نومها حينما شعرت بالخواء لذا نظرت جانبها فلم تجده فتعجبت ورفعت جسدها تنادي عليه بترقب :
- ثائر ؟
لم يأتِها رد لذا قطبت جبينها وترجلت تخطو نحو الحمام تبحث عنه فلم تجده فزاد تعجبها وعادت تناديه بعلو ولكنه ليس هنا .
توغلها الخوف واتجهت تستل هاتفها لتحاول الاتصال به ولكنها وجدت منه رسالة نصية يخبرها أنه نزل يصلي الفجر وسيعود .
الأمر غريبًا بعض الشيء بالنسبة لها ، نعم سعدت كثيرًا بمواظبته على صلاته ولكن الآن لا تعلم أن وراء غيابه سببًا آخر لذا قررت الاتصال عليه لتتفاجأ بهاتفه مغلق فما كان منها إلا أن تتجه لتغتسل وتتوضأ وتصلي وتنتظره ليشرح لها .
سطعت شمس المدينة وتجاوزت السادسة وقد انتهت من فرضها وأذكارها و هو لم يأتِ بعد وهاتفه مغلق لتشعر بالضيق الذي جعلها تنتج أسوء السيناريوهات لذا قررت أن تنزل للأسفل وتتمشى قليلًا ربما هدأت حتى لا تستقبله بتجهم .
بالفعل ارتدت ملابس مناسبة وتحركت نحو باب الجناح تفتحه وما إن اندفعت نحو الخارج حتى اصطدمت بصدره يظهر أمامها لذا لف يديه حولها مستغلًا صدامها وطالعها بنظرات متفحصة وتساءل :
- رايحة فين يا ديما ؟
دارت حول ملامحه تتفحصه لتلمح في عينيه التعب وغمامة حمراء نتجت عن الإرهاق مصاحبة بوميض حزين لذا أجلت معاتبتها وسألته باهتمام وحنين :
- مالك يا ثائر .
هذا ما يريده الآن لذا دلف بها إلى الداخل وأغلق الباب وسمح لجسده أن يحتويها ولجسدها أن يحتوي قلبه .
وضع رأسه على كتفها يغمض عينيه والتزم الصمت لتبادله وتربت على ظهره بتعجب وتدرك أن هناك شيئًا أحزنه أو أرهقه لذا ظلت تملس على طول ظهره بيديها حتى مر عدة دقائق فابتعد يحدق بها ثم أردف بهدوء :
- احنا هنرجع فرنسا النهاردة يا ديما .
بملامح ثابتة أخفت دهشتها وسألته وهي تبتعد خطوة للوراء :
- ليه ؟ إنت قلت هنقعد أسبوع .
في هذه اللحظة كان مضطرًا للاستحواذ على عاطفتها لذا مط شفتيه وأمسك بمعصمها يسحبها إلى الأريكة وجلسا عليها ثم بتركيز تام قال بنبرة مغلفة بالحزن :
- من وقت ما شوفت أحمد وأنا بفكر ، وخصوصًا بعد اللي حصل إمبارح أنا متأكد إنها هتحاول تدس سمها زي كل مرة والموضوع مش ناقص ، علشان كدة قلت أنزل أصلي الفجر واستنى شوية وأحاول أشوفه .
صمت لثوانٍ فتساءلت بانتباه :
- وبعدين ، شوفته ؟
تمعن بها ثم أطرق رأسه يومئ بلا ويجيب :
- للأسف رفض .
عاد يطالعها ويستطرد :
- علشان كدة خلينا نرجع فرنسا ، إحساس صعب جدًا إني أكون في مكان واحد أنا وهو ومش قادر أكلمه ، ده غير إني مش عايز أشوف الإنسانة دي تاني في أي مكان .
بالرغم من أنها لم تجرب إحساسه إلا أنها تعلم مدى صعوبة ما يشعر به لذا وافقته الرأي وأجابته بنبرة مطمئنة يتوغلها الحزن :
- تمام يا حبيبي خلينا نرجع ، المهم تكون مرتاح ، وقريب جدًا ربنا هيزيل من على عيونه الغمامة وهيفوق ، صدقني ده إحساسي .
تحول الحزن في عينيه لذنبٍ داهمه لذا ابتسم ونزل بنظره نحو شفتيها فلاحظت نظراته لذا قضمتهما بخجل فتولى مهمة تحريرهما بشفتيه فمن ذا الذي يقدر على أسرهما أمامه ، إنهما حرتان مادامتا في حضرته ، تتمتعان ما دام يدللهما ويدغدغهما بخاصته ، تعطيانه طعم الشهد فلا يشبع منهما لا صباحًا ولا مساءً .
وجدت نفسها على الفراش فشقهت من صدمتها حيث لا تعلم متى حملها ونقلها وكأن الوقت أمام تسلطه ينكسر لتبدأ يديه تنفيذ مهمتها الرسمية لتجده يحتويها ويهمس بالفرنسية عند أذنها بإثارة جعلت معدتها تتلوى استمتاعًا :
- سألتهمك بطريقتي أيتها الفريسة حتى تتشابك العروق مع الأوردة في جسدكِ هذا .
❈-❈-❈
عاد داغر إلى المنزل ليرى والدته وشقيقته وحبيبة قلبه .
منذ أن عاد من سفره وهو لم يتسنى له رؤيتهن جيدًا ، عاد العم محمود صباحًا إلى كاليفورنيا وصمم صالح على النزول إلى الورشة .
طرق الباب فشعرت بسمة أنه هو لذا توجهت لتستقبله وتفتح له بنفسها وحينما وجدته أمامها ابتسمت وتعلقت على طرف لسانها كلمة الاشتياق لذا تنفست بقوة كي لا تسقط منها ونطقت بدلًا عنها :
- حمدالله ع السلامة .
بمقلتين ممتلئتين بالحنين والشوق أجابها :
- الله يسلمك يا بسوم .
أسرعت دينا نحوه تعانقه فبادلها العناق حتى كادت أن تبكي برغم أنه لم يغب عنها كثيرًا ولكنها أدركت أنها بدونه مشتتة ، تحتاجه كثيرًا ليتصدى لذلك اللوتشو ولكن لتتمهل قليلًا لذا ابتعدت تطالعه وسألته باهتمام عفوي :
- صالح عامل إيه دلوقتي ؟
أومأ يجيبها تحت نظرات بسمة التي شردت في عناقه لشقيقته وسحبتها مخيلتها إلى عناقٍ مماثل ولكن بشعورٍ مختلف ، ماذا إن حاوطها بذراعيه هكذا فهل ستشعر بالأمان كما أرادت أن تشعر دينا ؟
تحدث داغر بهدوء وهو يدلف ليرحب بوالدته :
- كويس يا دينا الحمد لله ، ربنا يصبره .
استقبلته منال بعناقٍ أيضًا وابتسمت تردف بحنين :
- وحشتنا يا داغر ، نورت البيت يا حبيبي .
- منور بيكم يا ست الكل ، عاملين إيه ؟ والولاد عاملين إيه ؟ طمنوني فين حاجة حصلت في غيابي ؟
نظرت دينا إلى منال تسألها هل تخبره لتمنعها الأخرى بنظراته بأنه ليس الوقت المناسب لذا استرسلت هي :
- لا يا حبيبي كل حاجة تمام ، يالا علشان نفطر .
توجه نحو مائدة الفطور يجلس عليها واتجهتا دينا وبسمة خلف منال لتساعداها لذا التقطت بسمة طبق الفول واتجهت تضعه على المائدة فنظر إليها ليلمح طيفًا حزينًا يشع من ملامحها لذا تساءل مباشرةً :
- مالك يا بسوم ؟
رفعت نظراتها إليه تبتسم وتجلى التعجب تقاسيمها تجيبه بسؤال مراوغ :
- مالي يا داغر ؟
دقق النظر فيها وتابع :
- فيه حاجة حصلت وأنا مش هنا ، صح ؟
لن تراوغ ولن تكذب فهي كانت قد قررت التحدث معه لذا التقطت نفسًا قويًا وأومأت تجيبه بهدوء وخجل :
- أيوا ، بس خلينا نفطر الأول وبعدين هنقعد نتكلم .
ظهور منال ودينا جعلاه يرضخ للجلوس وتناول الفطور أولًا ولكنه بات متلهفًا لمعرفة ماذا حدث معها في غيابه .
لم يمر دقائق حتى أعلن انتهاءه من الفطور فنهض يردف :
- الحمد لله .
التفت يطالعها ويسترسل :
- بسمة خلصي فطارك وتعالي نتكلم شوية في البراندا لو سمحتِ .
أومأت له بحرج أسفل نظرات دينا ومنال التي سعدت وتمنت لو يفصح ابنها عن مشاعره ويريح عذابه وعذاب هذه الفتاة التي أحبتها كثيرًا .
دقائق أخرى وتحركت بسمة نحو الشرفة لتجده يجلس في انتظارها ، الجلوس هنا مريح خاصة وأنها محاطة بساتر زجاجي يمنع رؤية من في الخارج لهما لذا جلست أمامه فتحدث مباشرةً :
- قولي علطول عملوا إيه ؟
- مين قصدك ؟
سألتها بتعجب من سؤاله ليجيبها بتأكيد بعدما اشتدت عروقه :
- هيكون مين غير عمك وابنه يا بسمة ، اتكلمي علطول علشان أنا على أعصابي .
تنفست بعمق وحاولت أن تتريث لذا نطقت بحكمة :
- لاء ماهو أنت مادام على أعصابك يبقى مش هتكلم ، لازم تهدى وتسمعني كويس يا داغر ولو سمحت بلاش اندفاعك ده لإن فعلًا الموضوع محتاج تأني .
مسح على وجهه يستغفر ثم عاد يطالعها وأردف بهدوء :
- طيب قولي سامعك .
تنفست بعمق ثم قررت أن تقص عليه ما حدث فقالت :
- ماجد جه الحارة واتكلمنا وقال إنه عايزني أرجع الفيلا ، طبعًا الصح ظاهريًا إني أرجع وإن قعادي هنا مش صح ومش نافع خصوصًا إنك قاعد عند صالح بس أنا مابقتش قادرة أعيش معاهم يا داغر ، مش بعد ما لقيت حنية خالتو منال ولهفة مالك ورؤية معايا وصداقة دينا ، هرجع لهناك إزاي وأعيش الإحساس الكئيب اللي كنت عايشاه وسطهم ده ؟
- يبقى ماترجعيش طبعًا .
نطقها بفرحة واندفاع وبدون تفكير لتتنفس وتجيبه :
- للأسف صعب جدا ، تعرف قالي إيه ؟
قطب جبينه ينتظر تكملة حديثها فتابعت بترقب وتوتر من ردة فعله :
- قال إن أونكل نبيل ممكن يضغط عليا بيك لو أنا مارجعتش .
حرر لسانه مستنكرًا يتساءل :
- يضغط عليكي بيا ؟ اللي هو إزاي يعني ؟
نطقت والخوف سكن جدران ملامحها :
- مش عارفة بس حسيته تهديد ، وأنا مستحيل هقبل إنك تتأذي بسببي .
نهض يردف بهياج وعصبية مفرطة :
- وانا مستحيل هسيبك تروحيلهم تاني .
لا يعلم من أين أتته هذه الجسارة ولكن ربما من مكوثها لفترة في منزله واعتياده على كونها فردًا من عائلته بات مسؤولًا عنها لذا نظرت له نظرة ثاقبة وأردفت بنبرة مؤكدة برغم السعادة والطمأنينة التي توغلتاها :
- اهدى واقعد علشان نلاقي حل .
زفر بضيق ولكنه رضخ لرغبتها فعاد يجلس ويتابع بنبرة جادة :
- بصي يا بسمة الشقة اللي فوق هتتأجرلك وتقعدي فيها وده علشان تكوني مرتاحة وهتكوني هنا في حماية ربنا ثم حمايتي وأي حد منهم لو راجل يقرب ، وابن عمك ده أنا هعرفه مقامه .
هزت رأسها تتنفس بضيق وتابعت بترقب وعينيها تتفحص عينيه :
- مش هينفع يا داغر ، أنا فعلا نفسي اعمل ده بس عمي مش هيسكت ، ده غير أنه ممكن يئذيني في الشركة وسط الموظفين علشان اقبل ارجع ، وممكن فعلًا يئذيك وده اللي مش هتحمله أبدًا ، ماينفعش أبقى هنا خصوصًا إن مافيش صفة رسمية لدة .
تجرأت ونطقتها هي وباتت الآن الكرة في ملعبه لذا حدق بها وصمت لهنيهة يستكشف مغزى حديثها وبرغم إحساسه بأنها تتعمد ما فهمه إلا أن الخوف جعله ينتظر ويحدق بها لدقائق تصارعت فيها القرارات في عقله ليردف بعدها دون تردد :
- إيه رأيك لو نكتب كتابنا أنا وانتِ ؟
الدهشة والسعادة تكونتا في مقلتيها وهي تطالعه لثوانٍ قبل أن تتساءل بتلعثم نتج عن توترها :
- إزاي ؟
لم ينتظر منها الموافقة السريعة ولكن سؤالها شتته لذا توترت نظراته وزفر بقوة ونطق وهو ينهض ويستعد للمغادرة أو الهرب :
- فكري كويس الأول وأنا معاكي في الحالتين يعني ماتقلقيش ، أنا بس لازم انزل الورشة دلوقتي علشان صالح .
غادر يتعجب من نفسه وكيف نطق هذا الحل ، ربما هو بالنسبة لها حلًا ولكنه بالنسبة له استغلال .
استغل الموقف ليقترب منها ، ليحميها ، لتكن معه بأي شكلٍ كان لذا فر هاربًا لأنه لا يمتلك تبرير لعرضه المفاجئ ، نطق الحل وعرض الأمر وعليها أن تفكر وتخبره حتى لا تظنه يستغلها ماديًا .
أما بالنسبة لعمها وابنه فيكفيه أن تقبل وما بعد ذلك سيكون عهدًا على عاتقه ، سيقف لهما مثل الشوكة في الحلق وليريهما من هو داغر الصابر الذي يهددانها بأذيته .
❈-❈-❈
مساءً وبعد سفرٍ طويل اتجها سويًا بسيارته التي تركها في المطار آنذاك وقاد نحو منطقتهما .
وصل أمام منزلها فترجل يحضر شنطتها من صندوق السيارة وترجلت تخطو نحو منزلها ليتبعها ويضع الحقيبة عند الدرج ثم نظر إليها نظرات ماكرة يردف مبتسمًا بغمزة :
- أشوفك بكرة في المجلة إن شاء الله ، تصبحي على خير .
لم تستطع إخفاء ابتسامتها وحماسها لذا تنفست تجيبه :
- وانت من أهله .
التفت يستقل سيارته واتجهت تفتح باب منزلها ودلفت وتحرك هو إلى منزله .
أغلقت الباب خلفها واتجهت نحو الأريكة تضع الحقيبة ثم نظرت حولها وهجمت عليها ذكرى ذلك اليوم لتنفض رأسها وتتذكر أنه معها إذًا فهي بخير لذا استلت هاتفها وجلست تتحدث مع طفليها مكالمة دامت لعدة دقائق ثم أغلقت ونهضت تتساءل لما لم يأتِ ؟ هل غفا ؟
ابتسمت بخفة حينما تذكرت غمزته لتتأكد أنه لن يغفو ولكنه سيكون هنا في أقرب وقت لذا تنفست بعمق وقررت أن تدلل نفسها .
تحركت نحو حقيبتها وفتحتها تستل منها حقيبة صغيرة بها مشتريات العناية الشخصية ثم انتشلت قميصًا ورديًا مناسبًا لقضاء ليلة رومانسية وتحركت نحو غرفتها لتغتسل وتتجهز قبل أن يأتي .
دلفت الحمام وتجردت من ثياب سفرها ووضعتهم في السلة لتظل بقميصٍ كريمي اللون قصير بعض الشيء بحمالات رفيعة لذا وقفت أمام المرآة العلوية للحوض وفتحت حقيبتها تخرج منها غسول البشرة وبدأت تعتني ببشرتها العناية التي تسبق الاستحمام ثم انتشلت شرائح شمعية وصبغة توريد القدمين وتحركت نحو المرحاض تجلس فوقه وشمرت عن ساقيها لتبدأ في العناية بهما .
كانت مندمجة فيما تفعله وخصلاتها القصيرة تمردت عليها فغطت رقبتها وكتفيها خاصةً وأنها تطرق رأسها ليتسنى لها العناية بساقيها جيدًا .
شقهت حينما ضلل خياله على ما تفعله ورفعت بصرها تطالعه وقد شعرت بالخجل ولكنه لم يمهلها وقتًا بل تقدم منها بعيون مفترسة ومشاعر متضخمة فشقهت حينما انتشلها في عناقٍ لتسقط منها الأغراض لذا ضحكت وازدادت قهقهاتها المختلطة بالمتعة حينما انحنى على رقبتها يترك عليها علامات عشقه وسبل نجاته لذا تعلقت به ولفت ذراعيها تعقدهما حول رقبته وتردف بنبرة مدللة من أثر ما يفعله :
- ثائر استنى بس لما أخلص اللي كنت بعمله ، يالا أطلع استناني برا .
بالطبع لن يطيعها بل استمر في رسم خريطته عليها ليتجه نحو أذنيها ويهمس برغبة ملحة وبالفرنسية كعادته في الغزل :
- لا يحق للفريسة أن تشترط الانتظار ، الفهد جائع .
انتزعها نحو حوض الاستحمام وفتح صنبور المياه و تساقطت المياه عليهما كالمطر ليعطيها إحساسًا بأنه الغيث الذي جاء بعد سنواتٍ من تصحرٍ مشاعرها وبالفعل حينما أخذت هذا الشعور لم تبخل في إعطائه شعورًا من النعيم الذي تمتلكه من رقتها ونعومتها ولمسات يديها وهمسها باسمه المثير ثائر .
❈-❈-❈
في الصباح توجها إلى المجلة سويًا ودلف كلٍ منهما مكتبه بهدوء بعدما اتفقا على عدم إشهار زواجهما الآن .
عاصفة هوجاء اندفعت داخل المجلة حيث ظهرت مارتينا تخطو بحدة متجهة إلى مكتب ثائر ودون أي استئذان فتحت المكتب وصفعته بقوة انتبهت ديما على إثرها في مكتبها فانتفضت وتوقفت تتجه إلى النافذة الداخلية وتنظر منها فلاحظت همهمات الموظفين وخربش الفضول عقلها ولكنها قررت العودة إلى مكتبها وإرسال رسالة إلى ثائر .
وقفت مارتينا أمامه بملامح يشع منها الغضب ولولا قوته لكان احترق بنيران نظراتها لذا حدجها بنظرة عميقة ثم أردف مرحبًا وهو يخط بقلمه بعدما أبعد أنظاره عنها :
- أهلًا مارتينا ، ما هذه العاصفة التي أتيتِ بها ؟
تحركت نحو مكتبه وصفعته تنحني وتردف من بين أسنانها :
- هل أقمت معها علاقة ؟ وإياك أن تنكر ثائر ، أنت معها منذ أسبوعٍ وسافرت معها لحضور مناظرات لعينة مثلكما ، أنت كذبت علي واستهونت بذكائي ، أخبرني الآن هل فعلت .
ابتسم بجانب فمه ثم دقق فيها بمقلتين قاتمتين وأجابها بثباتٍ مستفز :
- نعم فعلت .
لمح الجنون في عينيها فاسترسل قبل أن تقذفه :
- مثلما فعلتِ مع توماس مارتينا ، انتقمت منكِ ... ومنها .
برغم اندلاع حريق التملك داخلها إلا أنها ألجمت جنونها ونطقت من بين أسنانها :
- ولكنني فعلت ذلك من أجلك أيها الغبي .
أومأ يجيبها بثبات وعينيه لا تفارق عينيها بنبرة متقنة يضغط على كل حرفٍ يخرج منه :
- وأنا كذلك ، انتقمت منكِ لتعيشي نفس الشعور مارتينا ، وفعلتها معها لأكسر شوكتها وتكف عن تحديها لي ، يعني أنني ضربت عصفورين بحجر واحد .
الهدف الثاني جعلها ترتد وتجلس وعينيها لا تفارقه والتعجب باديًا على ملامحها لتحاول فك شفرة كلماته لذا تساءلت :
- كيف ذلك ؟ إياك ثائر ، إياك والتلاعب معي فأنا لست كتلك الحقيرة .
ازدرد ريقه وابتسم يجيبها :
- تزوجتها .
صمتها لا يعني شيئًا سوى الهلاك لذا تابع يوضح :
- لم يفلح معها نفس الطريق الذي سلكتيه مع توماس لذا قررت الزواج منها ، ولهذا دعينا نعترف أنها ليست حقيرة ، هي تظن أنها محصنة وأتت لتتحداني وتثبت قوة المرأة العربية وتطيح بأفكاري واستنتاجاتي وآرائي لسنوات عرض الحائط لذا كان علي أن أعلمها درسًا لن تنساه ، وقريبًا جدًا سأكسر شوكتها أمام الجميع وسأظهر ضعفها بشكلٍ لن تستطيع النهوض بعده مجددًا .
يتبع...
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا