رواية بحر ثائر الفصل التاسع وعشرون 29بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية بحر ثائر الفصل التاسع وعشرون 29بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية بحر ثائر الفصل التاسع وعشرون 29بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)
الفصل التاسع والعشرون
هلا أمهلتِني عمرا
لأنظر إليكِ فأشبع
هلا أمهلتني عمرا
لأحبك على مهلٍ...
لأقبّلكِ على مهل...
لأضمك، لأعانقك
لأتوسد أحضانك...
بقوة على مهل...
هلا أمهلتني لأداويكي بعد أن أجرحك
وأواسيكي بعد أحزنك..
ياامرأة
لها قلب كالسماء...
دعيني أحبك كما أشاء..
وأرتوي منك كما أشاء...
معك أنت فقط...
أتنفس لأول مرة وأبتسم لأول مرة...
أخاف أن أخسرك فترحلين...
ويرحل معك قلبي
أحبك... تتنفس روحي بحبك
( بقلم فيروزة )
❈-❈-❈
كلٍ منهما ينتظر توضيحًا من الآخر ليعترف بمكنونه ، ألقى ما في جعبته وغادر ولم ترَهُ بعدها ، هل يتهرب منها ؟ هل عليها أن توحي له بشيءٍ أكثر تميزًا ؟
حتى أنه لم يأتِ لتناول الفطور معهن مثل كل صباح ، لذا تناولت هاتفها وقررت الاتصال به حيث ذهب هو وصالح مع المحامي ليريا قطعة أرضٍ تناسب مشروعهما .
رن هاتفه فتوتر ولكنه ابتعد قليلًا عمن معه ووقف يتنفس ويستعد لسماع صوتها ثم فتح الخط يجيب :
- صباح الخير يا بسمة .
تنبهت حواسها لنبرته لذا تنهدت وأردفت مباشرةً :
- صباح الخير ، ماجتش ليه يا داغر زي كل يوم ؟ لو كلام امبارح ضايقك وهتبعد بسببه فاعتبر إني ماقولتلكش حاجة .
فهمته بشكلٍ خاطيءٍ تمامًا لذا عليه أن يلحق بقطار راحته قبل أن يفوته فنطق بنبرة متلهفة :
- يابنتي اصبري عليا الله لا يسيئك هلاقيها منك ولا من صالح ، أنا معاه دلوقتي بنشوف حتة أرض هيبني عليها المصنع بتاعه ولما نخلص هاجيلك ونتكلم .
سمعها تتنهد بارتياح فتجرأ ليسأل :
- بس هو إنتِ فكرتي يعني ؟
ترقب إجابتها لتصمت لبرهة ثم تجيبه بنبرة مبطنة بحبٍ مقيد خلف أسوار خوفها :
- فكرت ، علشان كدة هستناك نتكلم .
هذه المرة هو من تنفس بارتياح وكأنه سمع موافقتها ، هل عليه أن يرافق صالح الآن ؟ أليس من الممكن أن ينتظر صالح قليلًا ؟ قليلًا فقط حتى تصبح ملكته ؟
أردف بلوعة حبيب تغزوه العزة :
- تمام يا بسوم هخلص معاه وجاي ، سلام مؤقت .
أغلقا وعاد إلى صالح الذي يتحدث مع المحامي ولكن من بين حديثه لمح السعادة التي شقت طريقها على تقاسيم وجهه فابتسم وحدجه بنظرة ماكرة جعلته يباغته بحدة مازحة ويتوعد له بعد قليل .
❈-❈-❈
ضيقت عينيها تطالعه بوميض من الدمار وتساءلت بهمس أفعى :
- تزوجتها ؟؟
رفع حاجباه كدليل إيماءة واستمر في ثباته لتنتفض وتلتفت له فتأهبت جميع حواسه وهي تقترب منه حتى باتت أمامه ثم مالت عليه تكشر عن أنيابها وتتابع :
- إذًا تزوجتها ؟ وتخدعني ؟
ابتسم باستفزاز مُحرم في هذه اللحظة وأجابها يومئ مرارًا :
- أجل مارتينا تزوجتها ، أجل خدعتكِ مثلما فعلتِ بي مع توماس ، حرقت قلبكِ مثلما فعلتِ بقلبي .
كلماته تبصق غيرةً مصطنعة ابتلعتها بنجاح ولكنها لم تتخطا زواجه لذا أصدرت صرخة لفظت فيها نيران صدرها لتهدأ ولكن دون جدوى لذا مالت على المكتب تزيح بيديها مطفأة السجائر لترطمها أرضًا متهشمة مثلها ثم اعتدلت تلف بنفسها وتبحث عن شيءٍ تطفئ به غضبها لتدخل في نوبة جنون لم يكن يريدها هنا ولكنها من أتت إليه لذا تركها تفعل ما تريد ويتمنى أن تمر الأمور على خير .
استمع من في الخارج إلى صياحها وتعالت همهماتهم التي وصلت إلى ديما .
لينهض ثائر ويوقفها قابضًا على رسغها يردف محذرًا :
- اهدئي مارتينا ، لا تمارسي جنونكِ هنا فأنتِ في مكاني الذي لن أقبل أن تدنسه أفعالك ، وانتبهي لا أحد يعلم أننا تزوجنا ولا أريد أن يعلم أحد .
وقفت تطالعه وصدرها يعلو ويهبط من فرط تنفسها لتنزع يدها منه وتهس بتهديد :
- ستطلقها ثائر ، ستطلقها وتتزوج بي وإلا صدقني سأحرقك معي وسأحرقها وحدها .
بنظرة باردة أردف وهو يضع كفيه في جيبيه :
- لا داعي للتهديد ، زواجي منها له غرضٌ محدد سينتهي بعد المناظرة القادمة بيننا لذا كوني حكيمة .
الحكمة ومارتينا لا تلتقيان فهما خطان مستيقمان كلٍ منهما يسير في دربٍ خاص به لذا نظرت لشفتيه ثم لعينيه كأنها تخبره أنها تريد تقبيله لتهدأ لذا ضحك ورفع أبهامه يضعه على شفتيها ويردف بخبثٍ :
- سأفعلها بعد الطلاق ، أنا لا أخون زوجتي .
غمزها وابتعد عنها لتتلوى على أسياخ الغل ولكنها أومأت عدة مرات بتوعد ثم بصقت حقدها تردف :
- حسنًا ثائر كُن زوجًا مخلصًا ولأكون أنا أيضًا عاشقة متفهمة .
اندفعت بعدها تغادر مكتبه وتتحرك نحو مكتب ديما بأصفادٍ من عزيمة منع نفسه أن يذهب خلفها والتفت يفتح حاسوبه ويراقب ما يحدث هناك .
اقتحمت مكتب ديما دون إذنٍ لذا التفتت لها سريعًا تطالعها بتعجب فدلفت وأغلقته خلفها تتحرك نحوها وبرغم أن الخطوات قليلة إلا أنها في كل خطوة تكتشف جمال ونقاء وبراءة ديما الذين كانوا كرصاصات استهدفت غرورها لذا وقفت على بعد خطوة منها كأنها لم تعد تستطيع تجاوزها ثم تحدثت بملامح خبيثة ونبرة أشد خبثًا :
- لا تسترخي على مقعدكِ حتى لا تعتادي عليه لأنه عما قريب لن تريه حتى في أحلامكِ ، فقط اجلسي وشاهدي .
قطبت ديما جبينها لتستفهم معنى جملتها والأخرى تحدق بها حتى تحولت نظراتها الخبيثة إلى حاقدة وودت لو قبضت على عنقها وخنقتها حتى الموت ولكنها مكبلة الآن لذا نزعت نفسها تغادر الغرفة والمجلة بأكملها وجلست ديما تستعيد مغزى حديثها وحينما وصل إليها المعنى شعرت بوحشٍ من الخوف يلتهم صدرها ويلوك قلبها بين أنيابه لذا نهضت تتجه نحو مكتب ثائر لتطمئن ولتفهم ماذا تقصد تلك المرأة .
كانت هادئة هدوءًا ظاهريًا وتعاملت برقي وهي تطرق الباب فسمح لها بالدخول فدلفت تنظر في عينيه مباشرةً فلم تجد بهما سوى مخزونًا فائضًا من الحب لذا تنفست الصعداء واتجهت تقف قبالته وتساءلت باستفهام بعدما وقعت عينيها على المطفأة المهشمة :
- إيه اللي حصل ؟
في كل يومٍ يعاشرها يدرك أنها امرأة السلام بحق ، شتان بينها وبين من كانت هنا لذا عبأ صدره بكتلة ضخمة من الأوكسجين وأجابها بالفرنسية بهدوءٍ مبهم بعدما نهض وصوب بوصلته تجاهها :
- امرأة مجنونة مرت كسحابة سوداء على برعمين في أرضٍ امتصت هوجاءها فلم تزدهما إلا نموًا .
إجابته جعلتها تسعى لتلتقط أنفاسها بعدما استولى على الأوكسجين تنفست رائحته لذا تساءلت والعيون ملتمعة :
- هي لسة بتحبك ، صح ؟
لم يعد يفصل بينهما سوا إنشات قليلة ليردف بثباتٍ زعزع دموعها المعلقة :
- بحبك .
سقطت دمعتيها حينئذٍ ، سقطت وهي تخبره بألا يفعل ، في زواجها الأول تقبلت خيانته لإنها كانت خارج جدران قلبها فلم تبالِ حتى لو تألمت لكرامتها ولكن هذا الثائر يستقر الآن بين نياطها لذا نطقت بصدقٍ ملغم بالتحذيرات :
- وأنا كمان بحبك .
أغمض عينيه وسحبها بعد ذلك لعناقه ، حان وقت الاحتواء ، حان وقت انتزاع الهموم وإلقائها من نافذة الحب لتسقط صريعة ، رفعت يديها تستند بهما على صدره وتركته يحتويها ليضغط بكفيه كمن يريد أن يدخلها بين ضلوعه وليت هذه الخاصية متاحة له ولكنه اكتفى مؤقتًا بعناقٍ أزال صخورًا ثقيلة تخفي سجنًا لا يدركه أحد وليتها تراه وتحرره ليطمئن لذا ابتعد عنها قليلًا وحاوط وجهها بكفيه يغزو عينيها بنظراته ويردف بثباتٍ :
- اسمعيني كويس يا ديما ، في أي وقت تحسي إنك محتاجة إجابة صريحة مني بصي في عينيا علطول ، هيجاوبوكي .
قطبت جبينها باستفهام ، فلم هذه الصعوبة ؟ لم لا تكون حياتهما لينة وهادئة لذا تساءلت :
- تمام بس ليه كل ده ؟ ثائر لو سمحت خليك واضح معايا .
زفر بقوة وحرر وجهها ملتقطًا كفها يسحبها خلفه ليجلسا على الأريكة فأمسك بكفيها بين راحتيه وبدأ يشرح ظواهر جعبته فقال :
- والد مارتينا بيكرهني جدًا ، لولا بنته ومعاذ كان اتخلص مني من بدري ، والصراحة مش هو العدو الوحيد بس هو الأخطر وبعده توماس أورليان وغيرهم كتير بس دول اللي مركزين معايا أكتر ، علشان كدة لازم أكون حذر جدًا في تعاملي معاهم ولإن الموضوع مرتبط بمعاذ ابني لازم اتصرف بهدوء لحد ما أعرف أرجع بلدي وقتها اقدر أقولك إننا هنعيش بسلام .
اقتحم سكينتها بحديثه فتعلقت نظراتها عليه وتساءلت بقلق :
- وافرض لا قدر الله ماعرفتش ترجع مصر ؟ الحل إيه ؟
لم يعهدها متشائمة ولكنها تضع كل الاحتمالات في وقتٍ لم يرد فيه سماعها لذا نطق برجاءٍ هادئ :
- أنا مش طالب منك غير إنك دايمًا تديني الأمل ، تمام ؟
زفرت بقوة تومئ له ثم تغلبت على قلبها وابتسمت فأومأ يردف بحب :
- أهي ابتسامتك دي نسيتني كل الهموم .
مالت برأسها تستريح على قلبه فعاد يحتويها ويمتص منها السلام الذي يضيء دروبه ليسبح كلٍ منهما في أفكاره ولكنهما في نهاية الأمر يلتقيان عند كل مفترق .
بعد ساعتين
عاد داغر إلى المنزل وطرق الباب ببعض الضيق الذي بات يراوده خاصةً بعدما فسر نظرات الجيران نحوه ، هذا ما كان يقلقه .
وهذا أحد عيوب المنطقة ، الأقاويل التي تولد من أفكارهم فقط دون معرفة حقيقة الأمور لذا عليه أن يسرع في تنفيذ قراره إذا قبلت وحينها لن يكون رحيمًا مع من يؤذيها ولو بكلمة .
فتحت له منال مبتسمة وعينيها تحدق به بخبث ليتأكد أن الأخرى شاركتها الأمر ، رفع رأسه عاليًا يتنهد فعلى ما يبدو أن منال ستتحول من أمٍ له إلى حماة لذا ابتسم وعاد يطالعها مستفهمًا باستنكار :
- مالك يا ماما بتبصيلي كدة ليه ؟
أفسحت له المجال فمر من جوارها فرفعت كفها تربت على ظهره وتردف بخفوت :
- اتفضل يا عريس اتفضل ، تخبي على امك ؟ اخص .
كاد أن يضحك ولكنه تحمحم وعبر بملامح جادة لا تقنعها :
- أخبي إيه بس يا ست الكل أنا قلت أسيبها تفكر .
أومأت مرارًا باستفهام كاذب وهي تباغته بنظرة معاتبة فدلف يتحمحم ليرى بسمة تجلس تنتظره في الشرفة ولم تسمع حديثهما لذا حك رأسه وأردف :
- طيب تعالي نتكلم معاها !
ربتت على كتفه واسترسلت بتفهم ومرح حينما لاحظت حرجه :
- روح يا داغر اتكلم مع البنت ومالكش دعوة بيا انا هعرف منها .
تحرك بيأس من حالتهما المتقدمة ودلف نحو الشرفة يردف دون سلام :
- احتليتي بيتنا واحتليتي أوضتي وقلت ومالو ، إنما كمان هتاخدي أمي ؟
ابتسمت بسعادة مستجدة وتساءلت بشكٍ :
- ودي حاجة مزعلاك ؟
جلس أمامها وتابع بمغزى :
- لاء ، بس محيراني ، عايز اكتشف السبب بنفسي .
توردت وجنتيها خجلًا وقررت أن تأخذ الحديث إلى عمقٍ جديد فتساءلت :
- ليه يا داغر ؟ ليه عايز تكتشف شخصيتي ؟ ليه عرضت عليا تتجوزني ؟ ليه بحس إنك بتتحر علشاني على عكس عيلتي ، شايل همي ومش بتحب حد يجيب سيرتي ولا يزعلني ، ليه بتعمل كل ده معايا ؟
بجرأة لم يعهدها أجابها وكأن الحواجز بينهما ترفع واحدة تلو الأخرى فوضح :
- مش عارف بس أنا بتحرك تبع إحساسي ، سميه مسؤولية سميه واجب سميه محبة بس الأكيد إني مش هتخلى عنك ولا هسيبك للعيلة الطماعة دي تاني .
التمعت عينيها بلمعة الحب والسعادة لتستطرد :
- إنت إزاي كدة ؟ معقول تقف في ظهري وأهلي يقفوا قصادي ؟ كانوا بيقنعوني إنك هتستغلني وهتضحك عليا علشان ثروتي ، بس الحقيقة إن برغم الثروة العظيمة اللي في ايدهم والرفاهية اللي ماجد عايشها والمميزات اللي بيتمتع بيها إلا إنهم هما اللي كانوا عايزين يستغلوني ، يأثروا عليا بأي وسيلة .
أومأ يشبك كفيه ويجيبها باقتناع :
- هي كدة الرفاهية مابتجبش رجالة .
نعم هو محق ، لا يجب أن توفر جميع سُبل الرفاهية والراحة لأولادك ، لا يجب أن ترضخ دومًا لطلباتهم في سبيل راحتهم ، بل يجب أن تقول لا أحيانًا كثيرًا ، يجب أن يمروا باختبارات عظيمة ليصبحوا من بعدها رجالًا يُعتمد عليهم .
نظرت في عينيه مباشرةً وأوضحت بثقة وتأكيد :
- طيب أنا موافقة على طلبك يا داغر ، ومش لأسباب حماية بس لكن علشان أنا ماحستش بالراحة والأمان غير وانا هنا ، علشان أنا محتاجة أثق في حد والحد ده هو إنت ، علشان أنا عايزة أواجههم ومش هقدر أعمل ده من غيرك لإني مش هتنازل عن حقوقي ، وعارفة إن اللي جاي صعب وهنواجه صعوبات كتير علشان كدة خليني اسألك ، إنت مستعد لكل ده ؟ مستعد تواجه معايا ؟
بيقين وإيمان فرد ظهره وأجابها بثبات ونبرة تأكيدية :
- رزقي ورزقك على الله يا بسوم ، اللي بيقول يارب مابيخسرش ، وأنا معاكِ لآخر نفس خلاص انتِ بقيتي مسؤولة مني .
قاطع حديثهما دخول دينا بملامحها المتحفزة تطالع شقيقها بمقلتين خائفتين وتردف :
- داغر ينفع اتكلم معاك ؟
حينما لمح الخوف في مقلتيها نهض مسرعًا يسألها بتلهف وهو يقترب منها :
- فيه إيه ؟
نظرت نحو بسمة التي تومئ لها لتعود إليه مجيبة بتوتر وهي تفرك كفيها :
- أنا بلغت لوتشو برفضي وقدمت استقالتي ، بس هو رفضها ، أنا قلقانة منه يا داغر وحسيت إنه اتحول لواحد تاني ، هو بيرن عليا كتير بس أنا مابقتش ارد ، وجه الحارة وصالح وقفله وانت مسافر وحاولت افهمه بالعقل إني مش هشتغل تاني بس بردو رافض وبيهددني بالشرط الجزائي اللي في العقد .
كعادته تحتد ملامحه وتبرز عروقه من شدة الغضب وكاد أن يهرول لولا يد بسمة التي قبضت على معصمه تمنعه من التهور قائلة :
- أيوا اجري بقى روحله واضربه ونروح نجيبك من القسم زي كل مرة .
وقف مقيدًا بنظراتها وقبضتها وحاول أن يتروى ولكن عبثًا حينما يتعلق الأمر بشقيقتيه أو والدته أو بسمة ، لا يعلم ما الذي يصيبه ويشعل براكين الغضب داخله ، تنفس بقوة ونظر نحو دينا يردف بصرامة :
- روحي هاتي تليفونك .
أومأت وتحركت تحضره فتابع وهي تخطو :
-لو كلمة داغر بتتسمع ماكُناش علقنا مع اللي كلهم شبه بعض .
حذرته بسمة ألا يلومها ولكنه تابع بغيظ وحنق :
- أصل أنا قلت بلاش صيني قالتلي ده مختلف يا داغر .
قالها بنبرة ساخرة يقلدها فأردفت بسمة بتروٍ :
- يا داغر ماتزعلهاش بقى مادام جت وحكتلك ، براحة عليها دينا لسة صغيرة .
- لا مش صغيرة يا بسمة ، لازم تتعلم وتعرف تختار صح علشان ماتندمش بعد كدة .
جاءت تناوله الهاتف بمقلتين باكيتين من الندم والعجز عن مجابهته فهو محق لذا زفر بضيق حينما وجدها تبكي والتقط منها الهاتف يعبث به وقد قام بحظر رقمه ثم ناولها إياه يردف بنبرة جادة تحمل على متنها الحنان :
- أنا بلكته من على تليفونك ولو رقم غريب رن ماترديش ويبقى يوريني هيعمل إيه بالشرط الجزائي ومن هنا ورايح مافيش نزول من البيت غير معايا ، لما أشوف أخرتها معاه .
اعترضت بطبيعتها تجابهه بنبرة مستنكرة وعيون لامعة :
- يعني إيه الكلام ده يا داغر ؟ هتحبسني هنا مثلًا ؟ أنا لازم أدور على شغل تاني ، أنا مش هعرف أقعد في البيت .
تكتف يجيبها بهيمنة :
- لاء هتقعدي ، قدامك أهي عندها شركة كبيرة وقاعدة وبتابع الشغل من هنا وزي الفل ، كفاية عِند واصبري وأنا هجبلك شغلانة زي الفل .
تكتفت مثله تتساءل بملامح منزعجة بعدما حاولت تجفيف دموعها :
- شغل إيه إن شاء الله ؟ لتكون هتشغلني معاك في الورشة ؟
قالتها بسخرية فحل وثاق ذراعه ولكمها على مؤخرة رأسها يستطرد بحدة :
- لسانك طوِل ، اللي قلت عليه يتعمل يا دينا بدل ما اقلب ع الوش التاني ، خروج الأيام دي مافيش واللي اسمه لوتشو ده سيبيهولي .
تعلم بسمة أنه محق حتى لو يعبر عن ذلك بشكلٍ عفوي وتعلم دينا ذلك أيضًا ولكنها تجادله بطبيعة شخصيتها لذا دبت الأرض بقدميها وتحركت نحو غرفتها فأردفت بسمة بتريث :
- داغر لو سمحت اهدى ، إنت كمان بتغلط على فكرة ، وبعدين هتشوف لها شغل فين ؟ أنا ممكن أ ــــــــــــ .
قاطعها يستطرد بنبرة رصينة :
- أنا وصالح هنفتح المصنع يا بسمة ، واختي لازم تبقى تحت عيني ، أنا هبيع العربية وابيع الورشة واشاركه ، هو عرض عليا أشاركه بالمجهود بس أنا لو هشارك يبقى براس مالي حتى لو قليل ، وربك هيدبرها وهتحلو .
تحدث بعفوية لتشعر أنه بحاجة للدعم لذا تساءلت :
- طيب يا داغر لو ممكن أساعد يعني و ـــــــــــــ .
بعينين ثاقبتين حذرها يردف بجدية مطلقة :
- لو بتحبيني ماتتكلميش بالطريقة دي تاني ، ماشي ؟
أومأت تطيعه والتمعت عينيها بالفخر وابتسمت تردف :
- حاضر .
❈-❈-❈
مساءً
وقفت في مطبخها تعد حلوى اشتهاها وطلبها منها حينما كانت تسرد له عن طفليها وما يحبانه ، أمامها هاتفها تتحدث من خلاله مع والدتها وطفليها اللذان يتساءلان عما تفعل لذا انفطر قلبها وأردفت بترجٍ :
- ماما ممكن لو سمحتِ تعملي لهم كنافة مبرومة بالمكسرات .
أومأت والدتها تردف بمحبة وهي تقبلهما أمام عينيها المشتاقة :
- عنيا حاضر هعملهم ، أنا كمان نفسي فيها .
ابتسمت وتمنت لو باستطاعتها إرسال طبقٍ لهما لذا تنفست بعمق واندمجت مع لف رول الكنافة وهي تتحدث إلى منال .
جاء من خلفها بعدما أخذ حمامًا منعشًا يرتدي شورتًا وتيشيرتًا رياضيًا ثم وضع يده اليسرى حول خصرها وباليمنى لوح بها إلى منال والصغيران أردف بودٍ وابتسامة :
- ست الكل عاملة ايه ؟ والحلوين بتوعي عاملين إيه ؟
ابتسمت له منال والتمعت عينيها بالسعادة حينما لمحت في عيني ديما الحب والخجل في آنٍ لتزيله عنها قائلة بحبور :
- الحمد لله يا ثائر كلنا بخير ، إنت عامل إيه ؟
أجابها واندفعت الصغيرة بتلقائية ترحب به ولكن توقف مالك يطالعه عبر الهاتف ببعض التساؤلات ، احتواؤه لديما أثار انتباهه فهو لم يرَ والده ذات مرة يتعامل مع والدته بهذه الطريقة لذا لم يفُته قرب ثائر من ديما ولم تفته نظرة والدته التي تطلعت بها على ثائر لذا حينما لاحظ ثائر صمته سأله :
- إيه يا مالك عامل إيه يا بطل ؟ عايزك تتمرن كويس علشان البطولة قربت .
استطاع بسؤاله تغيير دفة أفكاره فتحمس مالك وأخبره ببعض الهدوء :
- أنا وخالو داغر بنتمرن كويس وهكسب البطولة وهاخد ميدالية وهبقى اوريهالك .
أشار له بيديه بعلامة القوة والتشجيع وأردف قائلاً :
- أيوا يا بطل برافو وريني حماسك .
انشغلت ديما بوضع رولات الكنافة في الصينية و السعادة تغمرها بسبب علاقة ثائر بطفليها واستكمل ثائر حديثه مع رؤية التي ظلت تسأله لتردف منال بحرجٍ :
- يالا هسيبكم دلوقتي وهقوم أعمل أنا كمان كنافة للولاد .
هلل الصغيران وابتسمت ديما لهما بعدما وضعت الصينية في الفرن ولوح ثائر يودعهم ويغلق المكالمة ولم يمهل ديما التقاط نفسٍ بل سحبها إليه يهجم على رقبتها يفترسها فمالت تضحك وما تمايلها إلا سماحَا له بأن يتعمق أكثر في غرز أنياب العشق في عنقها ففعل ويديه تحاوطها كي لا تقع حيث دغدغ مشاعرها بشفتيه التي تمتص ما هو له .
باتت في حالة سكرٍ والخمر هنا هو حبه واحتواءه فتناست أمرها وأطراف أصابعها المنقوشة بفتات الكنافة والتي رفعتهم تحاوط بهم رقبته ليحرر رقبتها ويطالعها برغبة ملحة ووتيرة أنفاس تخبرها أنه يريدها بكل ما لديه من رغبة ولكنها قابلت رغبته بعبوسٍ حينما ترك رقبتها ، لقد كانت تتنعم بفراشات ترفرف بأجنحتها حول معدتها بشعورٍ لا مثيل له يعلم جيدًا كيف يجعلها تعيشه لذا تجرأت تحت سطوة عشقه واقتربت تبادر بتقبيله قبلة تعلمتها منه فاستقبلها بترحابٍ حافل وسحب شفتيها داخل منزله الكريم يقدم لها نوعًا جديدًا من الضيافة ويشرح لها بلمساته طريقة التحضير على نيران اتقدت من متعتهما .
وكالعادة وجدت نفسها بين يديه ولم تشعر سوى وهو يمددها على فراشها ويحيطها بعشقه لتبادله بنعومتها التي كانت له مخدرًا ناريًا أخمد أفكاره التي تلازمه وأشعل حواسه بشيءٍ من السعادة .
ربما أقنعها بتجاهله ولكنه ليس كذلك ، هو أيضًا يخشى عليها منه لذا قرر التحدث معه بشكلٍ راقي على غير عادته ولكنه سيفعل ليرى ما في جبعته .
طلب رؤيته ولم يمانع الآخر وها هو يجلس أمامه في مكانٍ عام وينتظر حديثه لذا بدأ داغر فقال :
- طبعًا إنت طلبت إيد دينا مني وأنا اعتراضي مش عليك لا سمح الله بس ع الاختلاف اللي بينكم ، انت من عالم مختلف بعادات وتقاليد غيرنا تمامًا ، وتقريبا دينا بلغتك بالرفض من ناحيتها هي كمان ، ممكن تفهمني ليه بتحاول ترن عليها ؟ ليه جيت تقابلها في الحارة ؟ وليه مش قابل الاستقالة بتاعتها ؟ خلينا نتكلم بوضوح يا أستاذ لوتشو لو سمحت .
شبك كفيه على الطاولة وتحدث بملامح هادئة تخفي الكثير خلف قناع من الرسمية :
- نعم سيد داغر أعلم واقدر ذلك جيدًا ولا مشكلة لدي في مسألة الارتباط ولكن لمَ هي تريد ترك العمل ؟ هي موظفة مجتهدة ونزيهة وتؤدي عملها بشكلٍ جيد ونثق بها في شركتنا ، فلمَ تود الابتعاد ؟ أنا أحاول أن أظهر لها تمسكنا بها وأن رفض الزواج لن يؤثر على علاقة العمل ، هذا كل ما في الأمر ولكن آنسة دينا تضخم الأمور .
لأول مرة يفشل في قراءة شخص فهل هذا الماثل بارع في إخفاء نواياه أم أنه يتحدث بجدية ؟ زفر بقوة وأردف بجدية :
- وهي مش حابة تكمل في الشركة وانت بتهددها بالشرط الجزائي وناسي البند الأساسي في العقد وهو إنها تقدر تستقيل مادام فيه سبب قوي ، ياريت تقبل استقالتها وتظهر حسن نيتك وإلا يبقى مافيش قدامنا غير الجهة القانونية .
استشف تهديده لذا ابتسم بخفوت ونظر له نظرة باردة لم يفسرها داغر ثم أردف بعد صمتٍ دام لثوانٍ :
- حسنًا سيد داغر ، فلتأتي وتقدم استقالتها مجددًا وهذه المرة سأقبلها .
حدق به داغر يسعى ليستكشف مغزاه وحينما فشل تنهد ونهض يومئ قائلًا بهدوء :
- تمام ، عن اذنك .
غادر داغر بعدما دفع حساب الطاولة وترك لوتشو يطالعه بنظراتٍ مترقبة وعقلٍ يدبر لشيء ما .
❈-❈-❈
بعد عدة أيام .
جلست على أريكتها تقرأ كتابًا يفيدها في مناظرتها القادمة معه ، أرادت أن تكون نزيهة لذا ترجته بألا يخبرها أي شيء عنها .
اليوم عطلتهما الأسبوعية ولكنه أخبرها بذهابه إلى عملٍ هام خاص بالمجلة وسيعود قريبًا .
جلست تقرأ ولكن أفعاله اقتحمت تركيزها لتشعر باشتياق شديد له ، لقد غمرها بعشقٍ فريد وجديد على قلبها الذي أحبه ووزع حبه في دمائها ليصل حتى النخاع .
في مدة زمينة قصيرة أزال أحزانها التي كانت تتعثر بها ، بسط لها طريق النجاح ، أسكنها أبراج السعادة ، أعطاها مفاتيح اللطف والاحتواء ، وأدخلها في نوبات متعة لا مثيل لها .
ممتنة له على هذه الديما التي هي عليها الآن ، ديما لم تعُد تفتقد الحب بل أنها باتت تطمع في انتشال المزيد منه لذا تنفست حتى تضخمت رئتيها فتركت الكتاب جانبًا ونهضت تتجه نحو مطبخها لتعد له وجبة يحبها .
وقفت أمام المثلج تفكر أي أنواع اللحوم تعد ولكن رنين جرس الباب قطع أفكارها ورسم التعجب على ملامحها ، هو لا يأتي من هذا الباب ولم تعتد زيارة أحدٍ لذا تحركت نحو الباب تنظر في الشاشة الصغيرة لترى أن الزائر هو المدعو نسيم لذا ضغطت على المتحدث وتساءلت :
- أيوا يا أستاذ نسيم اتفضل سمعاك ؟
تحمحم وتحدث بالقرب من المايك :
- بعتذر عن الإزعاج يا أستاذة ديما بس أنا كنت عايز أستاذ ثائر في حاجة مهمة وهو مش موجود في بيته وموبايله مقفول ، تعرفي حاجة عنه ؟
سألها لأنه يلاحظ التقارب بينها وبين ثائر كما يلاحظ الجميع ذلك ، فضولي كثيرًا للحد الذي يجعله يتدخل في أمورٍ ستغرقه في ردود أفعال لا يريدها حيث أنها انزعجت من سؤاله وتحدثت بجدية :
- لاء أكيد ماعرفش حاجة يا أستاذ نسيم ، استناه لما يرجع وكلمه .
مسح على وجهه ثم أراد أن يوضح لها الأمر حتى لا تنزعج منه فقال :
- أصل وصلني معلومات من فرع المجلة اللي موجود في فيينا إن حد بيحاول يعمله شوشرة إعلامية ، و ــــــــــ .
تردد في نطقها ولكنه تنفس بقوة واسترسل بترقب :
- يعني بيتقال كلام مش كويس .
تأهبت حواسها لذا اتجهت تفتح الباب وتطالعه متسائلة بتحفز :
- كلام إيه يا أستاذ نسيم ؟
زفر ونظر للجهة الجانبية ثم عاد يطالعها ويوضح ما وصل إليه :
- بيتقال إن فيه علاقة بينكم .
اتسعت حدقتيها ووقفت لا تعلم بماذا تجيبه ليستطرد بتروٍ :
- بصي أنا ادخلت لإني بحبكم انتوا الاتنين ، طبعًا أخبار زي دي مش هتستنى وهتتنشر بسرعة البرق علشان كدة كنت عايز أبلغه حالًا ، حاولي تتواصلي معاه وتتكلموا قبل الجهة دي ما تنشر الأخبار دي في مجلة معادية وانتِ عارفة كويس إيه اللي ممكن يحصل بعدها والضرر اللي ممكن أستاذ ثائر يواجهه في شغله .
أومأت بتفهم فتنهد وأردف :
- عن اذنك .
غادر وأغلقت الباب خلفه ودلفت تفكر ، إن ظهر أمر زواجهما الآن من المؤكد سيتضرر اسمه وسينعتوه بالمتخاذل حيث أن أفكاره المصرح بها تتلائم مع عقلياتهم ومعتقداتهم وطوال اثنا عشر عامًا وهو يعطيهم ما يريدونه ، يجب أن يجدا حلًا مناسبًا فهي لن تقبل أن تنهار قلعة ثائر ذو الفقار حتى لو كان انهيارها اعترافًا رسميًا منه بأنها الفائزة في تحدي المرأة العربية .
هي تعلم أن قناعاته تؤيد أفكارها ولذا تريدها أن تأتي رويدًا رويدًا حتى لا يخسر متابعيه .
تريد له الأفضل دومًا ، تريد لاسمه أن يسطع ويزداد لمعانًا في سماء الحق لذا فإن اعترافه بنفسه وعلى تروٍ سيكون أفضل من شوشرة إعلامية مغزاها سقوطه .
تحركت تلتقط هاتفها وتحاول الاتصال به ولكنها بالفعل وجدت هاتفه مغلقًا لذا زفرت وتذكرت الرقم الذي لا يعرفه سواها حينما أخبرها به منذ يومين .
بادرت بالاتصال عليه وترقبت السمع لتجده يرن فتنفست بعمق وانتظرت إجابته التي أتت بعد ثوانٍ واستمعت إلى نبرته المستفسرة حينما تساءل :
- أيوا يا ديما ؟ حصل حاجة ؟
توغلها خوفٍ مفاجئ لا تعلم مصدره جعل نبرتها تختلف وهي تتساءل :
- لسة قدامك وقت ؟ وحشتني .
اعتصر عينيه يزفر بقوة ويخبرها بتنهيدته أنه أكثر اشتياقًا منها لها ولكنه أجابها بنبرة جادة :
- ساعة وهوصل ، سلام .
أغلق ودس الهاتف في جيبه وتأهب حينما رأى سيارة مارتينا تتوقف أمامه وتطالعه بخبثٍ وترجلت تغلق الباب وتخطو لتقف قبالته وتتحدث بسخرية :
- لا أصدق أنك طلبت رؤيتي يوم عطلتك وتركت زوجتك المحصنة .
قالتها بسخرية وشماتة ليتساءل بنظراتٍ ثاقبة وجسدٍ ثابت :
- أخبريني مارتينا هل أنتِ خلف هذه الأخبار ؟ هل تودين اللعب معي ؟
ادعت عدم الفهم لذا تساءلت بمكرها :
- أي أخبار وأي لعب ؟ أنا لم أفعل شيئًا سوى أنني أجلس هادئة في انتظار طلاقك منها بعدما تنال أهدافك .
تعمق فيها بمقلتين حادتين وأردف من بين أسنانه :
- أخبرتك أنني سأفعل بعد مناظرتنا القادمة ، هل تسعين لسقوطي ؟ إن انكشف أمر زواجنا الآن سينهار اسمي .
شهقت تدعي الصدمة وأردفت بخبثٍ وعبث :
- لا بالطبع لم ولن أفعل ، لن أسمح لأحدٍ المساس باسمك لذا دعني أفكر في حلٍ مناسب .
التفت حوله التفافة كاملة تدعي التفكير حتى توقفت أمامه مجددًا وعرضت فكرتها الثعلبية والمكر يرقص في مقلتيها :
- ما رأيك أن نتزوج ونعلن خبر زواجنا في الأخبار ؟ لنكون أسرع من هؤلاء الحقراء الذي ينوون هدم أسطورتك، ومن ثم طلقها في أي وقت لا يهم ، فقط لنفاجئ الجميع بخبر عودتنا ، حينها سنقطع ألسنتهم .
وقف يتنفس بشكلٍ ملحوظ وعينيه لا تفارقها ليمر الوقت عليها طويلًا تنتظر كلمة منه بفارغ الصبر الذي لا تمتلكه لذا تحدث بعد زمنٍ مر على قلبه وثقلٍ كتم روحه خلف جدران الجمود :
- حسنًا ، لنفعل ذلك .
❈-❈-❈
عاد من عمله وجلس يتناول طعامه وهي تجاوره و تأكل بشهية خاصةً بعدما تركت الصغير في رعاية والدتها ليتسنى لها طلب ما تريده منه .
بدأت تناوله قطع الدجاج وتطعمه بيدها وتدللـه على غير عادة فأيقن أنها تريد شيئًا لذا تساءل بشكٍ :
- خير يا زينة ، قولي عايزة إيه ؟
باستنكار ظاهري عاتبته قائلة :
- اخص عليك يا كمولة ، لهو أنا مش بدلعك ولا إيه يا راجل إنت ؟
هز كتفيه وأوضح :
- لاء مابقتيش تدلعيني ، ولا بقى ليا قيمة في البيت ده .
لولا ما تريده لاحتدت عليه لذا نطقت بدلال وهي ترنو منه وتتلاعب بشاربه بين أصابعها :
- لا عاش ولا كان اللي يقول كدة دانت القيمة كلها ، وبعدين مانت عارف إني في فترة نفاس ، اصبر عليا بس وأنا هعوضك كل اللي فات ، واديني النهاردة أهو قومت طبخت لك بايديا ونزلت الواد عند أمي علشان تعرف تاكل وتنام يا روح قلبي .
برغم أنه يدرك خداعها إلا أنه يحب هذا النوع من الخداع بل ويستجيب معه لذا نفش ظهره وابتسم يتنفس بقوة ويومئ قائلًا بتباهٍ ارتشفه من كلماتها :
- ماشي ، لما نشوف .
ضحكت بغنج وتابعت وهي تعاود إطعامه بيدها :
- كُل يا حبيبي هو أنا ليا مين غيرك يعني ، وإنت كمان ليك مين غيرنا أنا وابنك ، ربنا يخليك لينا .
أومأ وهو يأكل لتتابع بعد هنيهة :
- مافيش أخبار عن أولاد ديما ؟
باغتها بنظرة متعجبة ثم أردف بعدما ابتلع طعامه :
- لاء يا زينة ، ولازمتها إيه السيرة دي مانتِ عارفة إن العلاقة مقطوعة .
أدعت المسكنة وهي تزم شفتيها وتردف :
- مش عارفة إزاي بس قدروا يقَسوا قلب العيال على ابوهم ، دانت كنت معيشهم في هنا ، أعوذ بالله منهم .
بدأ يستنفر حديثها ولكنه صمت ليرى آخرتها فعادت تطعمه وتردف بخبث :
- عارف يا كمال حق ربنا حرام لما يورثوا في تعبك وشقاك ، لما هما قاسيين كدة ولسة صغيرين أومال لما يكبروا هيعملوا إيه فيك ، بجد حاجة تحزن .
كلامتها استحوذت على عقله واستطاعت جعله يفكر في الأمر وأدركت ذلك من ملامحه لذا ابتسمت بخفوت وتابعت بهيمنة :
- ابقى حاول كدة تتواصل معاهم يا كمال معلش ولا تبعت لهم أي حاجة يمكن يحنوا ويقربوا منك ويارب يخيب ظني فيهم ، أنا بردو اتمنى إن ابني لما يكبر يلاقي أخوات ليه مش يطلعوا كارهينه وواكلين حقوقه ، مهو ابن البطة السودا بقى .
توقف عن مضغ الطعام ونظر لها وسبح عقله في حديثها لتسرع في وضع قطعة أخرى من الدجاج في فمه قائلة بعبثية مفرطة :
- يا أخويا كُل وسيبها على الله .
بارعة في إلقاء الأحجار في البركة الراكدة لتحدث بها توترًا ولترى إلى أي مدى عمقها وهذا ما حدث معه ، ماذا إن كبرا وتغذيا على كرهه مثلما يفعل خالهم داغر مع والده حتى بات الآخر يخشاه .
❈-❈-❈
رأت نفسها تخطو في غابةٍ مظلمة بعدما ضلت سبيل العودة ، تشعر بالبرد والخوف وتخطو بين المجهول حافية والشوك يخترق قدميها كلما خطت خطوة لتسقط دموعها تلقائيًا لذا حاولت أن تناديه فهتفت باختناق :
- ثائر ؟
خرج صوتها مكتومًا كأن أحدهم يكمم فاهها لذا التفتت بعينيها تبحث عنه فلم تجده فازداد بكاؤها لتسمع ضحكة نسائية عالية تأتي من خلفها فالتفتت لترى مارتينا تقابلها بملامح مخيفة تشبه مصاصي الدماء فشهقت بفزغ وصرخت تبتعد خطوة للوراء أدت إلى سقوطها أرضًا .
اقتربت منها مارتينا تنوي اختراق عنقها وديما تقابلها بضعفٍ وعيون جاحظة وقبل أن تصل إليها وجدت يدًا قوية تلقيها بعنفٍ للبعيد فترطتم صارخة في إحدى الأشجار في مشهد يشبه أفلام الخيال العلمي .
توسعت حدقتيها ونظرت لصاحب هذه اليد القوية لتجده ثائر لذا انفرجت أساريرها وحررت ساقيها ونهضت تلقي بجسدها داخله وقد شعرت بالأمان والراحة ولكنه قبض عليها بذراعيه القويتين فتألمت وابتعدت بوجهها تسأله بعينيها عما يفعل لتجده يكشر عن أنيابه وقبل أن تستوعب هيأته المتوحشة غرز فمه في عنقها ينهل من دمائها .
انتفضت صارخة من نومتها لتجده أمامها يتكيء ويطالعها بصدمة محاولًا تهدأتها واحتواء ذعرها :
- اهدي يا ديما دا أنا .
حدقت فيه بعدم استيعاب ثم نظرت حولها لتجد نفسها في أريكتها داخل منزلها بعدما غفت فجأة وما رأته لم يكن سوى كابوسًا لعينًا .
أنفاسها مفرطة وصدرها يتحرك بصخب لم تستطع التحكم به لذا نهض يجلس قبالتها ويعانقها مهدهدًا إياها ويده تملس على ظهرها بحبٍ يقول :
- شوفتي كابوس ولا إيه ؟ اهدي يا حبيبتي أنا معاكِ .
حاولت أن تهدأ وتستكين في كنفه وتتنعم بهمسه واحتواءه لها ولكن حلمها كان بمثابة عدوٍ هدد استقرارها ، فكيف تأمن وهي بين أحضان وحش .
قلبها ينتفض برغم أنها ترتكز في حضنه ولكن شيئًا من الخوف والرهبة هجما عليها ، لا تصدق أن يكون مصدر الأمان هو نفسه الوحش الذي سيقضي عليها .
التفتت تنظر إلى وجهه وإلى ملامحه وهو يحدق بها بتعجب ، كأنها اكتشفت أمره ، مقلتيها كانت مرآة لما هو مقبلٌ عليه لذا زفر بقوة وأطرق نظره عنها ثم تساءل بهدوء يخفي ناره :
- حلمتي بإيه ؟
أبعدت عينيها عنه هي الأخرى ثم مسحت على وجهها تستغفر وتنفست بقوة ثم أزاحت كفيها وهزت رأسها تطالعه مبتسمة وتردف :
- كابوس مزعج ، غابة وأدغال وحاجات عجيبة ، تقريبًا علشان نمت وأنا بتفرج على فيلم زي كدة ، هقوم اتوضا وأصلي أفضل .
قالتها ونهضت تتجه إلى الحمام وجلس يتطلع على إثرها ويفكر كيف سيمر هذا الأمر ، لقد وقع في أمرٍ لم يخطط له ووقف عاجزًا عن استيعابه فماذا سيحدث وماذا عليه أن يفعل
يتبع...
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا