رواية بحر ثائر الفصل الثلاثون 30بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية بحر ثائر الفصل الثلاثون 30بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)
يتراقص لحن الحب بقلبي بسلام
وتتراقص حول الحب بقلبي الآلام
كيف أنجو بقلبي
كيف أنجو بحبي
أبيع مامضى من عمري
وأبيع الآتي منه
لأعيش معك لحظة.. فقط لحظة
لحظة معك تساوي عمرا...
والحب معك لا يُساوى بشيئ ولا يثمن..
اعلمي أني لأجلك سأحرق وأهدم و أَكْسِر
ولأجلك أيضا سأحترق وأَنْهَدم وأنكسر..
لطالما إنبهرت بكلماتي...
لا تقرئي بعد اليوم كلماتي... فهي ستؤلمك
أنظري لعيني واقرئيني أنا...
( بقلم فيروزة )
❈-❈-❈
أنهت صلاتها وخرجت من غرفتها تبحث عنه لتجده يقف في المطبخ مجددًا يعد الطعام لهما لذا تنفست ووقفت هي هذه المرة تتأمله وهو منشغلٌ ، نشيط ومراعٍ وحنون لذا لن تجعل ذلك الكابوس يؤثر على سعادتها بالرغم من أنه جزءًا من مشاعرها ، قبل أن تصلي كانت تشعر أن هناك موَلدًا للطاقة السلبية يعمل داخلها ولكنها الآن أقل خوفًا لذا اتجهت إليه وأرادت أن تكافئه على ما يفعله فاحتضنته من ظهره ووضعت رأسها عليه تغمض عينيها لتستريح ، تنهيدة قوية وصلت إليه فبادلها بتنهيدة أكبر وترك مافي يديه واحتضن كفيها التي حاوطته بهما ووقف يرفع رأسه ويفكر وحينما لم يجد شاطئًا آمنًا يهتدي إليه التفت لها ورسى في حضنها وانحنى مقبلًا عنقها قبلة تلو القبلة تلو القبلة مغمغمًا بحبٍ كبير فتجاوبت معه فحملها فابتسمت وظنت كالعادة أنه سيتجه بها نحو عشهما ولكنها تفاجأت حينما وضعها على رخامة المطبخ لتطالعه بتساؤلات تخفي حنقها من إحباط مشاعرها ولكن كما هو كاتب ماهر فهو كذلك قارئ بارع لذا غمزها وقرص وجنتها يردف بابتسامة هادئة وغمزة :
- نتعشى الأول .
ابتسمت بتورد وجنتين حينما أدركت أنه استشف أمرها ، ألهذه الدرجة باتت مقروؤة له ؟ أم أنه يعاقبها على مافعلته له آنذاك ؟
تحدثت وهي تحاول النزول :
- طيب خليني أساعدك !
ثبتها بكفيه يعترض بنظره فأومأت فالتفت يكمل ما كان يفعله حيث أنه يحضر شطيرتين وعصير برتقال طازج .
انتهى سريعًا وناولها الكوب الخاص بها وكذلك الشطيرة ووقف أمامها مباشرةً يأكل وتساءل وعينيه تحيط عينيها :
- نسيم قالك إيه ؟
سؤاله حمل غيرة تحيط بها الثقة فشهقت بخفة حيث أنها نسيت أمره تمامًا لذا أردفت تسرد وقد بدت منزعجة :
- إزاي أنسى حاجة زي دي ؟ هو كلمك ؟ أكيد عرفت اللي حصل ، إنت لازم تعمل حاجة يا ثائر ، مستحيل نسمح لهم إنهم يوقعوك بالشكل ده .
التقط كفها القابض على الشطيرة ورفعه يلثمه ثم عاد يصوب عينيه عليها وتحدث بمزاحٍ يشوبه اطمئنان لا يطمئن على الإطلاق بل أثار الخوف داخلها أكثر :
- محدش يقدر يوقعني ، وقتها هكشر عن أنيابي ومش هرحم حد فيهم .
قالها وهو يكشر عن أنيابه بالفعل فانقبض قلبها وهجم الكابوس على عقلها مجددًا لتبتسم وتتساءل :
- يعني هتعمل إيه ؟
لاحظ خوفها فحرر خبثه يردف :
- كلي الأول واشربي العصير وبعدين هقولك ، ماقولتليش إيه رأيك في السندوتش ؟
- تحفة .
قالتها وتبعتها بقضمة تلوكها وفعل مثلها إلى أن انتهيا فأنزلها والتقط ثغرها في قبلة متقنة وضع أسسها في عقله منذ أن بدأت تلوك الشطيرة لتحيط رقبته وتبادله بمحبة لتجد نفسها بين يديه ولم يخب ظنها هذه المرة حيث توجه بها نحو عشهما فحلقت بسعادة وهبطت على جنة من المشاعر حينما بدأ يحرر شفتيها ويتجه لعنقها وحينما تأوهت كشر عن أنيابه وقضمها فاختلط حلمها بمشاعرها لذا شعرت بهجوم مفاجئ من الخوف ولا إراديًا أبعدته عن عنقها ولأول مرة تشعر بالاختناق وكأنه بالفعل كان ينهل من دمائها لذا تعجب وهمس عند أذنيها مسحورًا بها ومأخوذًا داخل دوامة مشاعر تغلبت على تعجبه :
- وجعتك ؟
أومأت له فهمس :
- أنا آسف .
أنهى اعتذاره بحنانٍ ورقة متناهية في التعامل معها فالتقطت نفسًا تلاحق به الهجوم الكاسح للمشاعر الذي كانت تنتظره ليعيشا معًا السلام الممتع .
❈-❈-❈
يعلم أنه انشغل الأيام الماضية مع صالح وهذا يجعله يشعر، بالذنب تجاه شقيقته وبسمة ولكنه يحاول من أجلهما .
منذ أيام وهما يعملان بجدٍ لشراء الأرض وقد قام داغر ببيع سيارته وعما قريب سيبيع الورشة أيضًا .
اتجه إلى منزله ليرى شقيقته حيث قرر اصطحابها في صباح الغد إلى الشركة لتقديم استقالتها .
انتظر إلى أن باتت الساعة الحادية عشر حيث هدأت الأجواء قليلًا في الحارة .
طرق الباب ففتحت له منال تبتسم وترحب به بحنان فدلف يتساءل بعينيه عن الجميع فأردفت بهدوء وهما يتجهان ليجلسا :
- الولاد ناموا وزعلوا انهم مش شافوك النهاردة ، ودينا كمان نايمة من بدري وغلبت أنادي عليها تصحى تقولي سبيني ، وبسمة في أوضتها بتحضر اجتماع أونلاين مع الموظفين بتوعها .
أومأ بتفهم وتنهد بعمق فسألته بترقب وهى تملس على ظهره بحنو :
- مالك يا حبيبي ؟
بادلها الحركة وأجابها برصانة :
- زي الفل يا ست الكل بس النهاردة كان يوم طويل ولفينا كتير أنا وصالح ، بس الحمد لله كدة الأرض خلاص لسة بقى التراخيص ونتوكل على الله ونبدأ نبني المصنع .
رفعت كفيها وباتت تدعي له ولصديقه بقلبٍ سليم وهو يُأمن خلفها ثم نهض يردف بهدوء :
- هروح اصحي دينا ، عايزين بكرة نروح نخلص موضوع الشغل ده .
أومأت بتفهم فتحرك نحو غرفة شقيقته وطرقها ينتظر فلم تجِبه لذا فتح الباب ودلف ليجدها نائمة فاتجه ليوقظها ولكنه لاحظ احتقان ملامحها لذا تحسس جبينها بيده فتأكد من حرارتها لذا انفطر قلبه وناداها وهو يرنو منها :
- دينا ؟ إنتِ تعبانة ؟
تمتمت وتململت في نومها تجيبه بنعاس ونبرة متحشرجة :
- لا يا داغر أنا كويسة .
- كويسة إيه وشك أحمر اهو وصوتك رايح ، قومي لما اخدك للدكتور .
انكمشت وعادت تدثر نفسها تحت الغطاء بتذمر واعتراض فزفر بضيق وتحرك نحو المطبخ ليحضر وعاءً من الماء وقطعة قماش .
عاد إليها يحملهما ووضعهما على الكومود فانزعجت حينما رأته وقالت :
- يا داغر بقى ، هو أنا طفلة .
لم يعرها اهتمامًا بل عصر القطعة ووضعها على جبينها وثبتها يردف :
- أيوة طفلة ، ده مالك ورؤية أعقل منك ، نفسي أفهم بتخزني النوم ده كله فين ؟
جلس أمامها يتطلع على ملامحها وهي تطالعه بنصف عين ثم امسكت برأسها تتأوه :
- آه راسي تقيلة أوي .
زفر بضيق مما يصيبها ، لا يحتمل رؤيتها هكذا ، يحمل من الحنان ما يؤهله ليكون الشقيق الأفضل على الإطلاق لذا نهض مجددًا وتحرك نحو الخارج ينادي والدته التي كانت تصلي فأتته متسائلة فقال بعتاب :
- البت تعبانة يا ماما سيبينها كدة إزاي ؟
تعجبت منال واتجهت لتراها لتردف مبررة :
- مالك يا دودو ، مش كنتِ كويسة ساعة الغدا ؟
- أنا كويسة يا ماما داغر هو اللي بيأفور .
قالتها وهي تحاول النهوض ولكنها عادت تتألم فزفر داغر يردف بغيظ :
- ماتخلنيش أربطك في السرير ، قولنا تعبانة ، روحي يا ماما هاتلها حباية مسكن معلش وانا معاها أهو .
أومأت له وتحركت تغادر الغرفة وعاود يجلس أمام شقيقته العنيدة ويباشر حرارتها باهتمام ليردف كي يشغلها عن الألم :
- شدي حيلك كدة علشان نروح بكرة نقدم الاستقالة دي .
أجابته بوهن :
- مش عارفة ليه المشوار ده بقى تقيل على قلبي .
أجابها بنبرته المطمئنة :
- متخافيش أنا معاكي ، تيجي نكلم ديما؟
أومأت له فالتقط هاتفه وحاول الاتصال على شقيقته الكبرى التي لم تجبه بل أعادت الاتصال به بعدما نهضت من بين قبضة ثائرها وتحركت ترتدي إسدالها وتجلس في الصالة لتتحدث بأريحية مع شقيقها .
❈-❈-❈
صباحًا في المجلة
جلس كلٍ منهما في مكتبه سابحًا في أفكاره ، ثقلًا يكبح أنفاس ثائر ، ثقلًا يعلم مصدره ولكن لأول مرة لا يعلم كيف يواجهه .
ثقل يدوس على طمأنينة ديما لا تعلم مصدره ولكنها تجاهد لتواجهه .
يدٌ وحشيةٌ تعتصر منتصف صدرها مما يؤدي لانقباض معدتها خاصة وأن الكوابيس ترددت عليها ليلة أمس لذا شعرت صباحًا بأنها ليست بخير ولم تشتهِ تناول أي طعام ولكنه أرغمها على تناول الفطور فانجبرت لأجله .
والآن يلازمها شعورًا بالغثيان وتحاول تجاوزه بأخذ أنفاسٍ قوية لذا نهضت من مقعدها واتجهت نحو النافذة المطلة على الخارج ووقفت تتطلع على المارة وحركة المرور عل معدتها تهدأ ولكن عبثًا .
رفعت كفها تملس عند منتصف صدرها صعودًا وهبوطًا وتحركت تستل زجاجة المياه من فوق مكتبها وترتشف منها القليل ثم عادت تجلس وتحاول تجاوز تلك الحالة .
طرقتين تبعها اقتحام مكتبها منه حيث أغلق الباب خلفه واتجه نحوها يردف بلهفة واضحة :
- مالك يا ديما ؟
تعجبت من معرفته ولكنها لم تعد تندهش لذا حينما وصل إليها يتفحصها بعينيه أجابته :
- أبدًا يا حبيبي كويسة بس تقريبا أخدت برد على معدتي .
أومأ بتفهم وأردف بهدوء :
- طيب قومي نروح للدكتور .
هزت رأسها رفضًا وأجابته :
- لا خالص الموضوع مش مستاهل ، روح يا ثائر على مكتبك علشان محدش ياخد باله .
زفر بضيق ثم اعتدل يطالعها ويردف :
- طيب قومي يالا هوصلك البيت .
نظرت في مقلتيه فلمحت التصميم وهذا بالفعل ما تريده لذا أومأت ونهضت لتجده يستل معطفها ويلبسها إياه فسايرته بحبٍ والتقطت حقيبتها وتحركت معه نحو الخارج تتوارى خلفه عن الأنظار ، تشعر أنهم اكتشفوا أمرهما وربما هذا أحد أسباب توترها .
خرجا من المجلة وأردف وهو يفتح لها باب السيارة :
- اركبي يالا .
أطاعته وفعلت ليتجه للجهة الأخرى ويستقلها ويغادر فأردفت بنبرة معاتبة :
- ثائر الموضوع مش متحمل أصلًا وكفاية أوي الأخبار الذي بيحاولوا ينشروها عنك ، كنت هعرف أروح لوحدي ، علشان خاطري يا ثائر أنا مش هتحمل يصيبك أي أذى أو اسمك يتضر بسببي .
يا إلهي ، إنها تزيدها عليه ، تفكر فيه وتتألم من أجله ، تسعى لتحافظ على مكانته واسمه وماذا سيفعل هو بها !
لم يجبها ليس تجاهلًا ولكن انغماسًا في أفكاره فتنهدت والتزمت الصمت تميل على مقعدها حيث تشعر بالتعب .
❈-❈-❈
مساءً جلس على الأريكة يتطلع على التلفاز ويده تتوغل خصلاتها حيث رأسها المرتكزة على ساقه ، تنام بعدما تناولت وجبة خفيفة أحضرها لها وحبة دواء مسكنة .
يفكر ويفكر ويفكر ولم يهتدِ إلى حلٍ أيضًا لذا أطرق رأسه يطالعها ، تنام مكومة وتلف ذراعيها حول ساقه كقطة تأمن كنف صاحبها .
مد يده يرفع الغطاء عليها أكثر بحنانٍ خاص بها فقط لتتململ في نومتها فربت على كتفها فنظرت إليه بعينيها الثقيلتين ثم ابتسمت وتساءلت :
- بتفكر في إيه ؟
بادلها ابتسامة وأجابها بمراوغة :
- بتفرج على فيلم .
نهضت تعتدل وتلتصق به أكثر ثم رفعت الغطاء على ظهره ليتشاركا به ونظرت للتلفاز وهي تتثاءب وتستند برأسها على كتفه قائلة :
- اسمه إيه ؟
حتى أنه لا يعلم اسمه ولا يركز فيه مثلما قال لذا هرب من سؤالها بسؤالٍ صادق وهو يتفحصها بعينيه :
- معدتك عاملة ايه دلوقتي ؟
أومأت بارتياح :
- أحسن بكتير ، الأقراص دي حلوة جدًا .
تنهد بارتياح جزئي ومال يقبل رأسها ثم عاد ينظر للتلفاز وحاول أن يندمج مع الفيلم ولكن كيف يندمج ويفترض أن ينتشر الخبر في الصحف غدًا .
هجم عليها سؤالًا لم يكن ينقصه فسألته بشكلٍ مفاجئ ولكنه نتج عن أحلامها :
- ثائر هي مارتينا طليقتك كانت فعلًا على علاقة بعدوك ؟ ولو هي كدة إزاي لسة بتحبك ؟ وليه هددتني في المكتب ؟
زفر بقوة ثم قرر إجابتها فقال :
- مارتينا مش بتحب إلا نفسها وبس ، مريضة بالتملك وأي حاجة بتعجبها بتعمل المستحيل علشان توصلها .
التفتت تطالعه وتعلقت في عينيه وتساءلت :
- وهي عايزة توصلك ؟
لم يجبها بل ادعى التثاؤب فتضخمت بنيته فعاد يضمها بقوة ويردف بترقب يخفي وراءه إجابة سؤالها :
- قومي يا ديما ننام الوقت اتأخر وانا هنجت .
تنفست بعمق تومئ له ونهضا سويًا يتجهان لغرفة نومهما وكلٍ منهما يتمنى ألا يرى كابوسًٍا يؤرق نومهما أو صحوتهما .
كعادتهما يتحدثان سويًا قبل أن يخلدا إلى النوم .
يعانقها ويتحدث إليها عن يومه وعن صديقه وعن مواقفه وهي تسمعه بتركيز واهتمام ولكنها الآن شاردة على غير عادة في أمرٍ ما .
لاحظ شرودها فتعجب ومال يحدق بها متسائلًا :
- يسرا ؟ سرحتي في إيه ؟
انتبهت له فطالعته وشردت في ملامحه وعينيه المتسائلة ، أتخبره أم تنتظر ؟ أتشاركه ما لديها ؟ إنها تخشى أن تعيش وهمًا لا وجود له ، تخشى إن صرحت بما يسكنها فتكون صدمته رصاصة تستهدف قلبها ، هل عليها أن تنتظر لتتأكد ؟
ولكنها لم تعتد إخفاء شيءٍ عنه حتى مشاعرها ، مخاوفها ، شكوكها ، تشاركه كل شيء لذا تنهدت بقوة فعاد التعجب يغزو ملامحه فتحدثت لترحم لهفته :
- هقولك يا دياب بس هو مجرد إحساس .
أومأ متنبهًا لتسحب أكبر قدر من الأوكسجين وتردف بتوتر :
- خالتو منال النهاردة وأنا عندها قالت لي حاجة .
- قالتلك إيه ؟
سألها بتركيز حيث اليوم ذهبت لرؤية الصغيران وجلست مع منال تخبرها عن رحلتها وكيف كانت وعن تفاصيل خاصة شاركتها إياها ، ازدردت ريقها وأردفت بمقلتين ترجوانه ألا ينزعج :
- إنت عارف إن معاد البريود كان مفروض من خمس أيام !
أومأ لها فالتهمها التوتر لذا قبض بحنو على كفيها لتواصل فتابعت بتوجس :
- هي قالت إن احتمال كبير أكون يعني ... حامل .
تجمد مكانه وعينيه لم تفارق عينيها التي تترجاه ألا يحطم آمالها ولكنه بدى منزعجًا ، بدى الخوف يحيط بتقاسيم وجهه وسؤالًا يتردد على عقله ، ماذا إن لم تكن ؟ لمَ دومًا تركض في حلقة مفرغة ؟
نادته بقلقٍ فزفر بقوة وعاد يعتدل ويردف بنبرة هادئة تحمل انزعاجًا واضحَا متعمدًا ألا ينظر في مقلتيها :
- ممكن ننام دلوقتي ؟
شعرت بوخزة تستهدف قلبها وأرادت أن تعبر عما تشعر هي به فقالت :
- دياب لو سمحت اسمعني ، إنت عارف إني بحب أشاركك أي حاجة بتحصل معايا حتى إحساسي ، المرة دي أنا فعلًا حاسة إنــــــــــــــــــ .
- يسرا كفاية ، خلينا نقفل على الموضوع ده وننام .
قاطعها بنبرة جادة وعينيه تأمرها أن تطيعه فتجمعت الغيوم في مقلتيها وابتلعت لعابها ولم ترد عناده بل أنها أومأت تردف بنبرة واثقة :
- تمام يا دياب ، خلينا ننام دلوقتي .
نبرتها ونظرتها أكدا له أن بداخلها الكثير وهذا ما أزعجه ، هو اعتاد مشاركتها كل شيء ولكنه يخشى عليها من تحطيم الأمال .
لذا تمددا على الفراش ليعانقها ويدخلها في كنفه وقد شعر بالذنب نحوها فهمس ورأسه تعلو رأسها دون أن ينظر إليها :
- سبيها على الله يا يسرا .
- ونعم بالله .
قالتها بخفوت وحزنٍ أدركه فقبل رأسها وتنهد بعمق وقرر أن يغفو وظلت هي تدعو ربها ألا يخذلها هذه المرة وأن ما تشعر به داخلها سيكون واقعًا ملموسًا عما قريب .
❈-❈-❈
صباحًا
استيقظ أو لم ينم بل يتمدد ويحتويها ويتطلع عليها وهي تنام بسلام يغمرها حينما يعانقها .
الخبر سينتشر اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، كيف سيواجهها حينما تعلم ؟ كيف سيتعامل معها ؟
تنهيدة ثقيلة صدرت منه وآخر ما اهتدى إليه هو إجبارها على المكوث في المنزل طوال اليوم ، وقطع الانترنت عنها إلى أن يرى ماذا سيفعل .
استيقظت على أثر أنفاسه فابتسمت تسأله باستفهام وتحشرج :
- صحيت امتى ؟
امتدت يده تزيح خصلاتها الملتصقة بملامحها الجميلة وأجابها بعيون تسافر عليها :
- لسة من شوية صغيرين ، أو كتير مش عارف بس كنت ببصلك وماحستش بالوقت .
توغلتها سعادة واقتربت منه تقبل شفتيه وتكافئه على تحديقه بها ليتخذ قبلتها ذريعة كي ينهل منها سلامًا .
ما إن أنهت قبلتها وابتعدت إنشًا حتى تولى هو زمام القبل وتوزيعها ليدخلها في بحره الثائر من المشاعر المتضاربة بالمتعة والخوف ويتمنى ألا يكون هذا اللقاء هو الأخير بينهما .
❈-❈-❈
خرجا من حمامهما واتجه يرتدي ملابسه الرسمية مبكرًا على غير عادة فتساءلت وهي تجفف خصلاتها :
- بتلبس بدري كدة ليه يا ثائر ؟
أجابها بهدوء وهو يواصل الارتداء :
- النهاردة فيه لجنة بحث سنوي جاية المجلة والمفروض أكون هناك بدري .
أثار تعجبها حيث أنه لم يخبرها بذلك ولكنها تنهدت تجيبه :
- طيب أنا هخلص بسرعة واحصلك .
انتهى من ارتداء حلته واتجه يقف قبالتها وأردف بهدوء :
- خليكي هنا النهاردة يا ديما ، بلاش تيجي المجلة .
ظنت أنه يخشى عليها من تلك اللجنة لذا نطقت معارضة :
- لا طبعًا لازم أكون جنبك وعلى رأس شغلي .
تبدلت نظرته لجدية مطلقة وأردف باقتناع :
- خليكي يا ديما منعًا لأي كلام ، اللجنة دي أعضاءها متشددين في أراءهم وممكن يضايقوكي بالكلام وده مش هسمح به ، فعلشان ما يحصلش مشاكل خليكي هنا .
زفرت بقوة توميء له فطبع قبلة على جبينها وتحرك يلتقط معطفه ويتجه نحو الدرج المؤدي لمنزله ووقفت تتطلع على أثره بتساؤلات عدة .
دلف منزله من الباب السري واتجه نحو حاسوبه وعبث به ليُفَعل تشغيل برنامج قطع الانترنت عن المنزل .
تحرك بعدها نحو الأسفل وخرج من بابه يستقل سيارته ويغادر .
❈-❈-❈
بعد ساعتين انتهت من تنظيف المنزل وجلست تستريح على أريكتها لذا استلت هاتفها لتتحدث إلى طفليها وما إن فتحته حتى تفاجأت بانقطاع الاتصال عنه لذا قطبت جبينها وأعادت تشغيله لتجد نفس الأمر .
نهضت تتجه نحو غرفتها وتستل حاسوبها النقال ثم عادت إلى الأريكة وجلست تفتحه وتنتظر لتتفاجأ أيضًا بانقطاع الانترنت .
زفرت بضيق وظنت أن هناك مشكلة ما لذا نهضت تحضر الغداء وتنتظر ليرن هاتف المنزل الأرضي لذا اتجهت تلتقطه وتجيب بترقب :
- ألو ؟
تحدث ثائر بنبرة مختنقة شعرت بها :
- عاملة ايه ؟
تعلقت بنبرته وأردفت تشتكي له :
- ثائر طمني عملت إيه ؟ اللجنة مشيت ؟ انا مارضتش أرن عليك قلت أكيد مشغول ، بس دلوقتي حاولت أكلم ماما لقيت الاتصال والانترنت مقطوعين ، تقريبا فيه مشكلة .
أغمض عينيه يجيبها بضيق :
- ماتقلقيش بتحصل عادي ، افتحي التليفزيون واتفرجي على فيلم وانا مش هتأخر .
- طب انت كويس ؟
سألته باهتمام ومؤازرة ليجيبها قبل أن يغلق :
- الحمدلله .
أغلق وجلس يفرد ظهره على مقعده لتقتحم مارتينا مكتبه وعلى ملامحها انفرجت كل ينابيع النصر والسعادة وهي تخطو وتجلس أمامه قائلة :
- أنا لا أصدق أننا أخيرًا سنعود ثائر ، هذا كان حلمي الوحيد منذ أن انفصلنا ، أعدك أنني لن أتركك مرةً أخرى .
حدق فيها بمقلتين ثاقبتين ثم تساءل باهتمام زائف :
- هل تم رفع الأخبار الأخرى أم أن حماسكِ أنساكِ ؟
اتسعت حدقتيها تردف بدلال :
- بالطبع لم أنسَ ، هذا ثاني شيء فعلته بعدما صرحت بنشر الخبر في المجلات صباحًا ، لن يكون هناك أي جلبة حول اسمك لذا اطمئن فأنت في حضرة مارتينا إرتوا .
أومأ يرفع حاجبيه ويردف من بين أسنانه بمغزى مغلفًا بالسخرية :
- الساحرة الشريرة .
ضحكت عاليا وكأنه مدحها لتجيبه بفخر :
- نعم أنا كذلك فيما هو ملكي ، ولهذا قمت بنشر الخبر عبر التليفزيون أيضًا ، كي ينتشر بشكلٍ أكبر .
تهاوى قلبه ولم يستطع إخفاء تجهمه لذا تساءل بترقب خطر :
- أي تليفزيون ؟
اعتدلت في جلستها واسترسلت بأريحية :
- التليفزيون ثائر ، وهل هناك غيره ؟ لا تستهين بمارتينا إرتوا فالجميع ينتظر خبرَا كهذا ولا أضمن أنه سيصل للعامة ، يجب أن نقطع الألسن من جذورها .
باتت دعوته الوحيدة الآن هو أن يمر الأمر بسلام على قلبها حتى لو علمته بهذه الطريقة المؤلمة .
زفر بقوة وجاهد لأن يبتسم ويومئ قائلًا بصدرٍ مكلوم :
- خير ما فعلتِ .
❈-❈-❈
أنهت الطعام واتجهت تتفحص هاتفها مجددًا ربما عاد الاتصال ولكن دون جدوى لذا زفرت والتقطت جهاز التحكم وأعادت تشغيل التلفاز ، تبدل القنوات ، هي لا تحب الأفلام إلا إذا كانت ستشاهدها معه لذا مررت عدة قنوات تبحث عن القنوات التي تتناقل أخبار المجلات .
توقفت عند قناة تعرض أخبار اليوم عن المجلات والشخصيات الهامة لذا تكتفت وجلست تشاهد بتركيز قبل أن يسقط فوقها هذا الخبر ليُفجر مكنونها رأسًا على عقب .
إحداهما تعلن عن عودة مارتينا إرتوا إلى طليقها ثائر ذو الفقار بعد انفصال دام لسنواتٍ عدة .
سلاحًا خبيثًا حديث العهد اخترق قلبها و قضى على سلامها وهي تعيد قراءة الخبر بغير تصديق ، هزت رأسها برفضٍ قاطع وحاولت تهدئة قلبها المخترق بوخزات مؤلمة وهي تردد على مسامعها :
- مستحيل ، مستحيل ده يحصل ، أكيد كدب ، أكيد إشاعة .
أومأت تقنع نفسها بذلك وانتفضت تقف وتلتفت حولها بغير هدى وكأنها ضلت كل شيء من حولها لذا التقطت نفسًا قويًا ورفعت كفيها تحيط برأسها وتغلق عينها لتتذكر أنها تبحث عن ثيابها لتذهب إليه وتعرف من أين تم نشر هذا الخبر الكاذب .
ترجلا من سيارة الأجرة أمام الشركة الصينية .
وقفت دينا تنظر إليه وقالت بانزعاج :
- ماكنش ليه لزوم تيجي معايا يا داغر ، أنا هطلع اقدمها وارجع علطول .
حثها على التحرك وقال بثبات :
- لاء لازم ، إنتِ لسة تعبانة وأنا مش واثق في اللي اسمه لوتشو ده .
هي أيضًا مثله لذا أومأت وتحركت حتى دلفا الشركة وصعدا سويًا إلى الطابق المنشود .
وصلا وأردف داغر بتريث :
- ادخلي يالا وانا مستنيكي هنا .
أومأت له وتحركت نحو مكتب لوتشو بعدما التفتت الأنظار نحو داغر ولكنه ثابت لا يواليهم اهتمامَا ، خاصةً المدعوة فرح وزميلها شريف الذي ود لو باستطاعته التحدث مع داغر ولكنه لم يستطع .
سمح لها بالدخول فدلفت تطالعه بهدوء ، كان يجلس يباشر عمله لتتعجب حينما لم يعرها أي اهتمام بل تحدث بنبرة متعالية تسمعها منه لأول مرة :
- ماذا تريدين ؟
حتى أنه لم ينظر إليها لذا تنفست بضيق واقتربت منه تمد يدها بالورقة لتشهق حينما غفلها وقبض على كفها ثم رفع نظره يطالعها ويبتسم قائلًا :
- هل تعتقدين أنه سيحميكي مني ؟ دعيني أخبركِ دينا أنني يمكنني محو أي شيء يقف في طريقي ، شقيقك هذا أنتِ تعرضينه للخطر وستكونين مسؤولة بالكامل إن تأذى ، لذا لا تشاركيه أي شيءٍ عنا ، هل فهمتِ ؟
شحبت تمامًا لتصبح صفحة وجهها بيضاء وحاولت نزع يدها من قبضته ولا تصدق أنه هددها ، لقد تحول لشيطان أمامها .
تبدلت ملامحه على الفور وعاد لوداعته الزائفة ونطق بقهقهة عالية :
- لا تقلقي كنت أمزح معكِ ، لمَ شحبتِ هكذا ؟ هيا دعيني أوقع على استقالتك .
ترك يدها وتمسك بالورقة يدون عليها توقيعه ثم ناولها إياها مسترسلًا :
- هيا دينا اذهبي إلى الخزينة ، سيتم صرف مكافأة لكِ .
وقفت متجمدة تحدق به بخوفٍ ورهبة فعاد يناديها ويمد لها الورقة ، تحركت يدها تلتقطها منه وأرادت أن تركض وتبتعد ولكن خانتها قدميها ولم تتحرك سوى بخطوات بطيئة والتفتت لتغادر وقبل أن تفتح الباب ناداها فتوقفت لتشعر أنها أضعف مما ظنت ، ظنت أنها قوية ومتمردة ومستقلة بذاتها ولكنها ليست كذلك ، استطرد بنبرة خبيثة مبطنة بالتهديد :
- سأنتظر عودتك ، فكري جيدًا ستجدين أن شركتنا هي المناسبة لكِ ، لا يوجد غيرها دينا .
ازدردت ريقها وتحركت لتخرج من مكتبه أخيرًا وتوجهت نحو شقيقها الذي ينتظرها لذا ما إن لمحها ولمح شحوبها حتى توغله غضبٌ حاد فتساءل :
- ضايقك بالكلام ؟ اروح له ؟
تمسكت به بقوة وخوفٍ وإصرار تجيبه بمراوغة :
- لاء يا داغر ، الحمد لله قبلها ، أنا بس اللي راسي وجعاني ، يالا نروح .
أسندها وتحركا يغادران الشركة تحت أنظار الجميع وأولهما أنظار لوتشو من مكتبه عبر شاشة العرض التي تظهر له حركتهما وهو يتوعد لها ولهذا الداغر وداخله يقين أنها لن تكون لغيره .
❈-❈-❈
وقفت أمام الباب الفاصل بينها وبينه ، منذ ساعات لم يكن بينهما فاصلٌ حتى ذرات الهواء لم يسمح لها بالعبور ، والآن تقف على أعتاب الألم تخشى الدخول لتسحبها أيادٍ خفية عنوةً من روحها وهي تستمع إلى نبرة أنثوية تتحدث معه .
ثانية فقط مرت قبل أن يتم القبض على أنفاسها وهي تسمعها تخبره بمَ لم تحسبه أبدًا لذا اندفعت تفتح الباب ليتفاجآ بها .
تجاهلتها تمامًا كأنها شفافة ووقفت أمامه بصمتٍ وعينيها تقف في محطة عينيه تنتظر لحظة الوصول لتهتدي ولكن نظرته كانت لرجلٍ آخر ، ليس نفسه الحبيب الذي أتى بسفينته وانتشلها من بحر الوحدة والاحتياج ، ليس هو نفسه الذي وعدها وعودًا لو تجسدت لأسكنتها في بروجٍ مشيدة بالسعادة من كل اتجاه .
سألته سؤالًا مكونًا من كلمتين فقط وتعلم أنها ستجد الإجابة في عينيه وليس على لسانه لذا نطقت بثبات اعتادت عليه وسط الدمار :
- اللي سمعته حقيقة ؟
دارت بينهما معركة لم يرفع فيها سلاحًا ولم تسقط فيها بقعة دمٍ واحدة ولكن سقطت كل الأثقال فوق روحها ، نظرة عينيه كانت سلاحًا فتاكًا أودى بها في جوف الأرض وأكمل عليها بقوله بلغةٍ فرنسية وهو يومئ بثباتٍ تعلمه جيدًا وتعلم أنه ما إن ينطق بشيءٍ لا يتراجع عنه أبدًا :
- حقيقة ، سنعقد قراننا غدًا أنا ومارتينا .
وقفت متجمدة كأنها تنتظر لحظة تصفيق الجمهور على هذا العرض التمثيلي لتسترد أنفاسها ولكن لا هذا مسرحًا ولا هنا جمهورًا ، فقط هي وهو وتلك ال... دخيلة .
لمح ابتلاعها للعابها ليتعمق بعدها في عينيها ولكنها وقفت شامخة شموخ مبنى قد تم هدم أعمدته الداخلية جميعها ولم يعد يمتلك سوى الهيكل ولكنه يأبى السقوط ، بنظرة بها لمعان أخفت خذلانها ببراعة وأظهرت ابتسامتها المعهودة بأسنانها ناصعة البياض والتي لم تكن سوى سهامًا حادة اخترقت قلبه وهي تردف :
- مبروك ، طلقني .
حينما حدق بها لم تستطع مواصلة النظرات أكثر لذا التفتت تغادر وتبتعد بخيبة لا مثيل لها
توقف متجمدًا لم تهتز به شعرة لتتجه مارتينا نحوه وتتساءل بمكر :
- ماذا قالت ؟
لف وجهه يتمعن فيها وبدون أي تعابير يظهرها أردف :
- طلبت الانفصال .
رفعت حاجبها وهزت كتفيها تردف بغرور :
- فلتعطيها ما طلبت .
أومأ يجيبها بثبات وهو يضع كفيه في جيبي معطفه وينوي التحرك :
- سأفعل .
تحرك وتركها تقف تطالعه بشكٍ ، هل سيفعلها ؟ ولكنه مجبر على ذلك فإن لم يفعلها ستكون حياة تلك المصرية على المحك .
❈-❈-❈
يجلس في الشرفة شاردًا لتأتي من خلفه علياء تحمل الحليب وقطعَا من الكيك ووضعتهم أمامه متسائلة حينما لاحظت شروده :
- معاذ ؟ ما بك يا حبيبي ؟
ابتسم الصبي وأجابها بصدق :
- اشتقت لأبي يا جدتي ، اشتقت له كثيرًا .
ابتسمت له ومدت يديها تحتوي كفيه وتردف بحنان :
- وأنا كذلك اشتقت له كثيرًا ، ولكنني أشعر أنه سيأتي عما قريب .
نظر لها وتساءل بقلق :
- ألن أذهب إلى فرنسا مرةً أخرى ؟
تنهدت بعمق فهي لا تعلم إجابة هذا السؤال ، هي مثله بداخلها تساؤلات كثيرة ولم يجبها أحد ، ولكنها تتمنى ألا يذهب مجددًا ، تلك البلد لم تجلب لها سوى التعب والتفكير المرهق لذا زفرت تجيبه بسؤال :
- هل تود العودة إلى هناك ؟
شرد قليلًا يفكر ، طفولته هناك ، ذكرياته ، وسائل رفاهيته ، ولكنه يشبه والده في نظرته للأمور بطريقة عقلانية برغم صغر سنه لذا أجابها :
- ربما هناك مميزات كثيرة لا توجد هنا ولكنني شعرت هنا بالأمان ، كنت أمكث في منزل جدي لسنوات ودومًا كان ينتابني القلق ، الأمان الوحيد لي هناك كان عن طريق أبي لذا فأنا أريد رؤيته .
فتحت ذراعيها له فاتجه يعانقها فبادلته بقوة وفخر ، هذا هو حفيدها المميز ، هذا هو ابن ثائر بحق لذا أردفت وهي تحتويه :
- سيكون كل شيء على ما يرام يا صغيري ، لا تقلق .
❈-❈-❈
لا تعلم كيف وصلت إلى المنزل ، عادت تخطو بين الطرقات بعقلٍ فوضوي ومقلتين لا تريا سواه وهو يقف مجاورًا لتلك الأفعى ، أذنان لا تسمعان صوت المارة والسيارات بل تسمعان كلماته ، ربما كان قرب المجلة من المنزل لطفًا بحالتها لذا وصلت ودلفت تتجه على الفور نحوه غرفتها دون حتى أن تغلق الباب .
كانت حركتها مفرطة بشكلٍ كبير لدرجة أنها ركضت تنتشل حقيبتها لتجمع أغراضها وترحل من هنا ، ترحل لأبعد مكان ، لمكان لا تعلمه ولكن لترحل .
كانت تنزع ملابسها وعقلها عاجز عن استيعاب تصريحه ، سيعقد قرانه غدا مع مارتينا ؟ هل قالها حقًا وهو ينظر في عينيها ؟ هل سيتزوج عليها ؟
آهٍ نازفة خرجت من جوفها مع بكاءٍ حاد ونشيج صدرها يتعالى وهي مستمرة في نزع ملابسها وإلقاءها في الحقيبة ولم تستطع سماعه وقد جاء هذه المرة من بابها واتجه إليها وحينما وجدها تجمع أغراضها زفر بقوة وأردف بنبرة متحفزة :
- بتعملي إيه يا ديما ؟
توقفت عما تفعله والتفتت تطالعه بعيون ذابلة باكية وعقلٍ كاد أن يفقد تعقله ، نظرتها كانت عبارة عن أسئلة ترجمها عقله وفهمها جيدًا لذا ابتلع لعابه وأخفض نظراته يشعر بكمٍ هائل من الصراعات والضغوطات التي تكالبت عليه ، ليت الأمر لم يصل إلى القلب ، أخطأ حينما أتى بها هنا ، حسب حساب كل شيء إلا هذه النظرة .
التفتت تكمل ما تفعله متجاهلة إياه ، تجمع خيباتها واحدة تلو الأخرى والنيران في صدرها تزداد اشتعالًا والحمم تتلظى فتنثر بقاياها على قلبها ، لا تستوعب ولا تصدق أنه سيكون مع غيرها كما هو معها ، تريد أن تمحي تلك الفكرة من عقلها بأي شكلٍ كان .
تنهد بقوة وقسوة واسترسل بنبرة تحمل الترجي :
- ديما لو سمحتِ اهدي ، أنا مضطر أعمل كدة ، صدقيني غصب عني بس فيه حاجات أجبرتني على كدة .
ألقت ما في يدها من أغراض بعنف ورفعت كفيها تصم أذنيها عن سماعه وتعتصر عينيها عن رؤيته ولم تتفوه بحرف ، لن تتساءل عما يعلمه جيدًا ، إنه يعلم كل شيء حتى هذه النيران السعرة داخلها يمكنه رؤيتها بوضوح لذا لن تتساءل .
وأدرك أنها لا تريد سماع هذا ، لا تريد سوى سببًا يجعلها تصدق أن حبيبها لم يكن خائنًا كغيره ، تصدق أن ثائرها لن يخذلها وأن كلماته ووعوده ليست هباءً .
حاولت سحب أكبر قدر من الأوكسجين وعادت تلملم حسرتها وتغلق حقيبة القهر والذهول ثم سحبتها بيدٍ متصلبة ترتعش الدماء داخلها وتحركت من أمامه تنوي المغادرة .
اتجهت نحو الخارج وسارت كي توقف أي سيارة أجرى تستقلها لتذهب إلى المطار ، يجب أن تعود لديارها قبل أن تفارق الحياة حسرةً في بلد بارد .
تحرك خلفها يحدق بها ويتمعنها جيدًا بعينه ثم اتجه يقف قبالتها ليمنعها من إكمال سيرها مستطردًا وهو يتمسك بمعصميها :
- طيب اركبي وأنا هوصلك .
نزعت نفسها منه لا تريد لمسته الآن ووقفت أمامه تحدق به للمرة الثانية ، تتمعن في مقلتيه لثوانٍ أطول ، عينيه وملامحه وتفاصيله كاملة وكلماته وأفكاره ورائحته ورزانته وهدوءه وعقله ستشاركها فيهم أخرى ؟
أسرعت تعتصر عينيها بقوة لتشعر بشيء هاجمها قبل ذلك ورحل قبل أن ينال منها ولكنه عاد الآن ليفترس كل إنشٍ بها ، ارتعشت تقاسيم وجهها لتسرع في قول ما تريده قبل أن تفقد النطق :
- رجعني بلدي حالًا .
التهمت النيران صدره وتقلب قلبه وهو يرى ما يحدث معها لذا أجبر نفسه على سحبها نحو السيارة وأجلسها بها فباتت تتحرك معه طواعية نسبةً للتنميل الذي أصاب أطرافها .
وضع الحقيبة في الخلف واتجه للجهة الأخرى يستقلها على الفور وقاد بأسرع ما يمكنه .
جلست تنظر أمامها تحاول نزع صمودها من براثن الحالة الموحشة هذه ، لن تجعل هذا التنميل يأخذها إلى مكان تكرهه لذا أغمضت عينيها وحاولت نزعه من عقلها واستبدلته بصغيريها ، ينتظرانها ، يحتاجانها ، يحبانها بإخلاص ، لن يخذلاها قط .
استرسلت بصوت هامس تقنع نفسها بذلك :
- كداب .
قالتها ليحتل عقلها بصورته عنوةً ، كلماته ، لمساته ، وعوده لذا هزت رأسها بشكلٍ هستيري تود لو تنفضه هامسة بشكلٍ متتالٍ :
- كداب ، كداب .
يراها تنهار أمامه ، يراها تفقد تعقلها ويعلم جيدًا ما مرت به ، يعلم ما أصابها سابقًا وكيف فقدت النطق ، يعلم أنها لا تفصح عما بها لذا نظر حوله ليجد أنه يقود في طريقٍ معزول لذا توقف بسيارته وترجل يلتفت ويفتح بابها ثم حاول سحبها فباغتته بنظرة حادة ليردف مترجيًا :
- انزلي يا ديما .
نظرة الرجاء في عينيه تجبرها على طاعته ولكن عقلها يأبى ذلك لذا هزت رأسها رفضًا فزفر بقوة وقرر سحبها بقوة غير مؤذية ، ليته يسحبها مما يحتل عقلها الآن لذا تحركت مجبرة خلفه فابتعد عن سيارته ووقف بعيدًا ينظر حوله لثوانٍ ويترقب المكان جيدًا وهي تطالعه بتعجب مما يفعله وعم الصمت المكان .
لا صوت سيارة ولا أي بشري هنا ، الأضواء خافتة والمكان خالٍ إلا منهما فقط لذا سحبها فجأة يرطمها بصدره ويعانقها ويقيدها بوثاقه القوي ، تجمدت ولم تمنعه ليقترب من أذنيها ويهمس بعينين مغمضتين وأثقال لا يتحملها بشرًا عاديًا قال :
- أنا عميل مخابرات .
زفر بقوة ووضع رأسه على كتفها مستمرًا في عناقه ولا يصدق أنه أفصح عن سره لها ولكن عذره الوحيد هو حالتها ، إلا هي لا يمكنه تحمل فقدانها ، لا يمكن أن يتسبب في إصابتها بأذى .
اخترقت جملته مسامعها لتظل كما هي تقلبها في عقلها ، ماذا قال ؟ أي عميل ؟ هل هذه أيضًا كذبة ؟
تساؤلات وتساؤلات جعلتها تزيحه وتخرج نفسها منه فابتعد يحدق بها فتعلقت في مقلتيه تسأله بخفوت :
- يعني إيه ؟
بأسفٍ بالغ هز رأسه وتابع :
- مش هينفع أقول أي حاجة دلوقتي يا ديما ، كل اللي لازم تعرفيه هو أن رجوعي لمارتينا جزء من مهمة لبلدي .... مصر .
ما زال عقلها عاجزًا عن الاستيعاب وعينيها بها ملايين الأسئلة والذهول يتلاعب بهما ليعاود احتضانها بحرارة عالية وازدرد ريقه يتابع :
- هانت خلاص وهرجع مصر واحكيلك على كل حاجة بس اصبري عليا وثقي فيا ، دلوقتي لازم تفهمي إن ديما هي الوحيدة اللي في قلب ثائر وبس .
قالها بتأكيد على أحرفه وعاد يبتعد فوجدها مازالت تحدق به بذهول لذا أومأ يسحبها ويعود للسيارة قائلًا :
- إنتِ فعلًا هترجعي مصر النهاردة بس لازم قبلها أودعك .
تحركت معه وركبا السيارة وقاد ولكنها وجدته يلتفت عائدًا فطالعته بتعجب وتساءلت بنبرة ملغمة بعدم الاستيعاب :
- أنا مش فاهمة أي حاجة ؟
أجابها بنبرة غامضة لا تعبر عما كان عليه منذ لحظات :
- هعملك اللي إنتِ عايزاه
قاد بعدها لدقائق كرر كلاهما الصمت فيها حتى توقفت السيارة أمام بيته فترجل واتجه يحضرها فنزلت معه ولم تعد تشعر بثقل أو تنميل بل ذهول مما يحدث .
أما هو فيريد في هذه اللحظة السلام ، يريد أن تؤكد له حبها ووجودها معه مهما كان لذا ...
دلفا منزلهما وتحرك بها إلى غرفتهما وأوقفها يعاود عناقها ويهمس بنبرة متيمة :
- إزاي تصدقي حاجة زي دي يا ديما ؟ حتى لو على لساني ؟
أغمضت عينيها على أثر همسه تتمنى أن ما تعشيه الآن حقيقة وألا يكون نسيجًا من خيالها كردٍ على خبر زواجه .
سحبها نحو الفراش وأجلسها فتركته يفعل ما يرغب به لذا امتدت يداه تجردها من حجابها وثيابها ومددها لتنام وحاوطها بنفسه ثم تعمق في ملامحها بعينين ثاقبتين وهمس بالفرنسية ورغبة ملحة تتراقص في عينيه :
- سأعاقبك لأنك كذّبتي قلبك وصدقتي لساني ، كيف لكِ أن تصدقي أنه يمكنني أن أعاشر غيرك ؟ وحده قلبك يثق بي لذا سأقبله .
انحنى يقبل موضع قلبها برقة متناهية كأنه يكافئه على تصديقه ، نعم بالفعل هو يصدقه لذا انسحبت أنفاسها وأغمضت عينيها تهمس باسمه وهذا ما أراده ، حبها سيكون هو القوة التي سيتسلح بها في مهمته ، عاد يحدق بها ويتابع بنبرة معذبة :
- عيناكِ صدقتني ؟ سأسامحها .
وانحنى يقبل عينيها قبلًا ناعمة متفرقة وموزعة بالتساوي وابتعد قليلًا يهمس بخبث :
- وأذناكِ صدقتني ؟ سأعاقبها
وانحنى يقضم أذنيها بخفة متعمدة فباتت في عالمٍ غير العالم وفي موطن عشقه الآمن وعادت تهمس باسمه فيزداد شغفه أكثر وقلبه ينتفض بسعادة وراحة ، لقد أحبها للدرجة التي جعلته يبوح بسرٍ ثقيل لا يجوز له إفصاحه لذا ابتعد ينظر إلى شفتيها بعمق وتنفس نفسًا كان معلقًا بين صدره ومشاعره واستطرد وهو يتوعد لشفتيها :
- وهاتان طلبتا الطلاق مني ؟ سيكون عقابهما جسيمًا .
وكان كذلك في قبلة مسلحة بالعشق هجم بها عليها وهي لا تمتلك درعًا لذا كانت سطوة عشقه عليها عظيمة .
وهذا هو عشقه ، ثائرًا كاسمه ، قويًا كشخصيته ، غامضًا كصفاته ، تظن أنه يأتي على حين غرة ولكن في الحقيقة قد تم التخطيط له بعناية ، اختارها من بين النساء اللاتي قابلهن على مدار سنوات ، حقيقة عمله جعلته يفطن أنها المناسبة لحمل اسمه وحقيقته ، كلمة ( خائن ) لم تكن عابرة على الإطلاق بل أكدت له أنها أكثرهن إخلاصًا لوطنها ... مثله .
يتبع...
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا