القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية لا تخافي عزيزتي الفصل السابع وعشرون 27بقلم مريم الشهاوي (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)

 

رواية لا تخافي عزيزتي الفصل السابع وعشرون 27بقلم مريم الشهاوي (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)






رواية لا تخافي عزيزتي الفصل السابع وعشرون 27بقلم مريم الشهاوي (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)



#لا_تخافي_عزيزتي 

|27-لا تتركني أرجوك|

صلوا على الحبيب


بعد مرور يومين، استنفرت الشرطة جهودها للبحث عن يارا، فيما كان عمر يرافقهم بقلق متزايد لا يبارحه لحظة واحدة. كان هاتفها ما يزال مغلقًا، مما عمّق في نفسه إحساسًا مؤلماً بالفقدان، وكأن جزءًا من وجوده قد انتُزع منه.


علا، في محاولات بائسة لتهدئة روعه، وجدت نفسها عاجزة أمام إصراره العنيف على البحث. بالكاد كان يبيت في المنزل لساعات قليلة قبل أن يخرج مجددًا، مدفوعًا بأمل متعثر في العثور عليها. تراجعت محاولات علا للتحدث معه أمام صموده الصارم؛ فقد كان يتجنب أي حوار، متحصنًا في معاناته.


كان قلق علا يتفاقم، وهي تدرك أن احتفاظها بالحقيقة قد يؤدي إلى ما هو أسوأ. وفي تلك اللحظات المشحونة، أضحت الحقيقة ثقيلة على صدرها؛ شعرت بأنها إذا لم تبوح لعمر بما تعرفه، فإن الأمور ستزداد تعقيدًا. 


تنامى في نفسها قرار حاسم: إذا لم تستطع التحدث مع عمر، فعليها مواجهة أخيها الأخر. عزمت على مطالبته بأن يعترف بمسؤوليته حيال يارا، أو أن يتزوجها. 

_____________________________


عادت الدراسة، وكان مصطفى يذهب إلى جامعته بينما عقله مشغول بأخته يارا. بعد انتهاء محاضراته، كان ينضم إلى عمر للبحث عنها. الجميع كان يشعر بالقلق، خاصة رحاب، التي كانت تبكي كل ليلة على فقدان ابنتها.


في لحظات بكائها، كانت رحاب تسترجع أخطاءها الماضية: "أعيد التفكير في كل شيء الآن، أشعر أنني أدفع ثمن أخطائي القديمة. لو تعود يارا، لن أقسو عليها مرة أخرى. لن أدعها تبكي مجددًا. سأبذل كل جهدي لجعلها سعيدة، سأهتم بسعادتها فقط. عودي، يا حلوتي، وسأواجه من أساء إليك. عودي، يا يارا." 


كانت رغبة رحاب في عودة ابنتها قوية، وكانت مستعدة لفعل أي شيء لإصلاح ما فات وضمان سعادتها.


_____________________________


كان شريف لا يبدي أي اهتمام بالوضع، روتينه اليومي لم يتغير: يذهب إلى عمله، ثم يعود لينام، متجاهلًا قلق الآخرين. كان يجد في دموع رحاب مصدر إزعاج، وعندما تبكي بجواره، كان يرد ببرود: "اخرجي وابكي في مكان آخر، أحتاج للنوم."


في تلك اللحظات، كانت رحاب تندب حظها، تشعر بالمرارة بسبب اختيارها لهذا الرجل(آسفة).... اقصد لهذا الذكر اخجل من انتسابه لبقية الرجال. 


تتساءل في صمت عن سبب ارتباطها به، وهي مغمورة بخيبة أمل كبيرة. 


وكانت تعيش في ندم مستمر، متحسرة على حياتها معه، وهي ترى في تصرفاته انعكاسًا لقسوة الأيام وخيبة الأمل في الشريك الذي خذلها في أصعب الأوقات.


____________________


بعد أن استقصى يزن حول الدواء الذي أعطته له هدير، اكتشف أنه غير مرخص ولا يُباع في الأسواق. أدرك أن هذا الدواء الضار لا يمكن الحصول عليه من مصادر مشروعة، مما أثار في نفسه تساؤلات ملحة: "من أين تحصل عليه رحاب؟ وكيف أمكنها التسبب في صمت حبيبتي لعشر سنوات بسبب تلك الحبة؟"


غمره الغضب وهو يستوعب خطورة الموقف، كان يزن يشعر أن الحقيقة التي اكتشفها تضعه على أعتاب مواجهة حاسمة، وهو عازم على كشف ما وراء هذه المؤامرة التي عانت منها حبيبته.


________________________


كانت أسيل تتوجه إلى منزل والدتها بعد الجامعة، بعدما حذرها يزن من شرب أي شيء قبل النوم. لكي لا تثير الشكوك، نصحها بسكب الحليب الذي يقدمه الخدم في حوض المرحاض، مدعية أنها شربته. ذات يوم، أخبرها أنهم سيزورون الطبيب قريبًا.


قال لها: "لازم تروحي لدكتور يشوف الالتهابات اللي حصلت لك ويعالجها."


كتبت له مستفسرة: "انت مش مفهمني حاجة، فهمني الأول إيه اللي حصل وليه قلتلي متشربيش اللبن اللي بيطلعوه الخدم قبل ما أنام."


رد عليها بصوت مفعم بالألم: "لأني اكتشفت إن رحاب بتحط لك حباية بتدوبها في اللبن اللي بتشربيه دا كل يوم."


"حباية إيه؟"


"حباية بتعمل التهابات، وهي السبب في إنك لحد دلوقتي مش قادرة تتكلمي."


صُدمت أسيل، وغرقت في مشاعر مختلطة من الغضب والحزن: "ألم يكفها ما فعلته بأمي؟ الآن تنتقم مني بهذا الشكل؟ ألم يكفها حياتي التي دمرتها في لمح البصر، فقررت أن تحرمني نعمة الله؟ الله لا يسامحها على ما فعلته بي وبأمي. لكن الحق سيظهر قريبًا."


ذهبت أسيل للطبيب، الذي فحص حنجرتها بدقة، وأوضح مشكلتها. قال: "هي فعلاً عندها التهاب، بس مش في الحنجرة. المشكلة في العصب المسؤول عن حركة اللسان."


سأل يزن بقلق: "وده من إيه يا دكتور؟ وهل له علاج؟"


رد الطبيب: "طبعًا له علاج. السبب إن أسيل عانت من فقدان النطق بسبب صدمة عصبية بعد فقدان والدتها، مما جعل لسانها يتشنج. التشنج كان ممكن يخف بعد شهر أو اثنين، لكن فيه حاجة زادت التهاب العصب. هفحص الشريط دا في المعمل، ولو طلع ضار، ممكن يحصل بلاغ على الشركة المنتجة. هكتب لك علاج تمشي عليه، وتحتاج لجلسات تخاطب عشان اللسان يرجع طبيعي تاني. الحمد لله، العصب مش مشلول، إنما عندها التهاب وضعف بسيط، وإن شاء الله تتعالج بسرعة وترجع تتكلم أحسن من الأول."


رد يزن بامتنان: "الله يسلمك يا دكتور، شكراً جزيلًا."


خرجوا من العيادة، ويزن يطمئن أسيل بأنه سيتولى أمر علاجها وسيظل بجانبها حتى تتعافى تمامًا. كعادتهما، ذهبا إلى منزل دعاء، حيث استقبلتهما دعاء وعلا بفرح، وبعد الزيارة، أعاد يزن أسيل إلى منزلها.


في تلك الأثناء، كانت علاقة مصطفى بهدير تتطور، وبدأت الثقة والراحة تتعمق بينهما. هدير كانت تدعمه في معركته ضد المرض، تشجعه بأنه سيتعافى ويعود أفضل مما كان، ولن يرى شهاب وجدته ثانيةً. كان اهتمام هدير يعزز مشاعر الحب في قلب مصطفى، ويتزايد حبه لها مع مرور الوقت، إذ وجد في اهتمامها ما يبحث عنه معظم الرجال: الحب الحقيقي الذي ينمو بالاهتمام والعناية.

___________________________


بعد مرور خمسة أيام، كانت الأحداث تراوح مكانها. بينما كان عمر يتجول في الشوارع بحثًا عن يارا، فوجئ بسيارتها متوقفة أمام عمارة. هرع إلى بواب العمارة، متلهفًا يسأله عنها ويظهر له صورتها.


أجابه البواب متعرفًا عليها: "أيوة، دي آنسة يارا ساكنة هنا في العمارة."


هدأ قلب عمر، وابتسم براحة وقال: "طب، هي في الدور الكام؟ عايز أطلع لها."


رد البواب: "لا، هي لسه طالعة من شوية تشترى طلبات من السوق."


قال عمر بلهفة: "طب... ممكن تدلني على السوق؟ أنا مش عارف المنطقة."


وصف له البواب عنوان السوق، فهرع عمر يجري على قدميه، يطوف المكان بحثًا عنها. ظل يبحث بلهفة بين المتاجر، حتى وقف ليلتقط أنفاسه بعنف، لكنه لم يستسلم. تابع البحث حتى لمحها من بعيد، تتناول أكياساً من بائع الخضار. كانت تأخذها وتمشي في طريق ما.


لم يصدق عمر عينيه؛ أخيرًا وجدها. ركض نحوها بسرعة، وكل نبضة في قلبه وكأنها تعيده للحياة. وصل إليها، وقف أمامها وأمسك بذراعيها، يبتسم ويأخذ أنفاسه بعنف قائلاً بلهجة مفعمة بالحنين: "أخيرًا... أخيرًا لقيتك يا روحي... وحشتيني."


نظرت إليه يارا بصدمة؛ كيف عثر عليها هنا؟ هذه المنطقة بعيدة، كيف وجدها؟ فوجئت بعناقه القوي، حتى شعرت بأنها تكاد تطير عن الأرض. دفن وجهه في رقبتها، يتنفس ببطء كأنه استعاد روحه، ثم أبعدها عنه وامتلأ بالغضب والخوف وهو يصرخ: "أنت فين كل دا؟ بقالي أسبوع بدور عليك! عايشة فين وبتاكلي إيه؟ جامعتك بدأت، وموبايلك مقفول! بتعملي كده ليه؟"


نظرت إلى عينيه بضعف ولم تجبه. حاولت الابتعاد، لكنه تابعها مرة أخرى بلهجة يغلبها الحنين والغضب: "يارا، لازم تروحي معايا دلوقتي. أنا ما صدقت لقيتك. يلا، كفاية تصرفات الأطفال دي."


أمسكها من يدها، لكنها دفعته بقوة وركبت أول سيارة أجرة مرت أمامها. هرع عمر إلى سيارته، تابع سيارة الأجرة. بعد دقائق، توقفت السيارة أمام مبنى ضخم، نزلت يارا، دفعت الأجرة، وصعدت إلى شقتها.


وصل عمر بعد لحظات، هرع نحو العمارة، لكن البواب أوقفه قائلاً: "رايح على فين يا باشا؟ مين حضرتك؟"


رد عمر وهو يلهث والعرق يتصبب منه: "أنا خطيبها... خطيب الآنسة يارا. سيبني أطلع لها."


قال البواب بلهجة حذرة: "ثواني، ناخد الأمر منها الأول. إيش عرفني إنها تعرفك أصلاً؟"


رفع عمر يده، مظهرًا خاتم الخطوبة: "الدبلة أهي، وهي كمان لابسة دبلة خطوبتنا. سيبني أطلع، دي غايبة عن بيتها بقالها أسبوع، وما صدقنا لقيناها."


بعد محاولات كثيرة، وافق البواب بشرط الاتصال بيارا للتأكد. أعطى عمر الهاتف الأرضي للبواب، الذي تحدث مع يارا وأغلق المكالمة بعد قليل قائلاً: "اتفضل، آنسة يارا بتقولك إنها هتستناك فوق السطح تتكلموا، عشان ميصحش تدخل بيتها."


صعد عمر بسرعة إلى المصعد، ثم إلى السطح على السلالم. وما أن وصل، حتى صُدم بما رآه أمامه.


_________


نظر عمر بقلق شديد إلى يارا وهي تجلس على حافة السطح، وقد بدا عليها علامات الحزن والتردد. صرخ بها بصوت مليء بالقلق: "يارا، ايه اللي مقعدك هنا؟"


ابتسمت يارا بحزن، ولكن لم تستطع إخفاء ملامح الألم التي تعتريها، ثم عاودت النظر إلى الأسفل بلا كلام، ونهضت ببطء، ووقفت على قدميها محاولة للحفاظ على توازنها.


صرخ عمر بلهفة: "حاسبي، انزلي يا يارا، هتقعي."


ردت يارا بتفاؤل مرهف: "متخافش... مش هموت نفسي، يعني اكون خاسرة دنيا وآخرة؟ لا، خلينا نطلع منها كسبانين بحاجة."


نزلت يارا إلى الأرض، ثم توجهت نحو عمر ووقفت أمامه، وسألته بصوت متألم: "جيت ليه؟"


رد عمر بحنان: "عشان قلقت عليكِ، قافلة موبايلك ليه ومش بتردي عليا... يارا، هو أنا عملت حاجة غلط، انت باعدة نفسك عني ليه؟"


أخذت يارا نفسًا عميقًا، محاولة لتهدئة أعصابها المتوترة، ثم قالت بصوت هادئ ومؤثر: "الحمل بس تاعبني يا عمر... ها عايز اي؟."


قاطعها عمر بقلق: "عايزك."


لكن يارا تابعت بحزن: "بس انت بتكدب... زي ما عرفت تقولهم انك هتتجوزني عشان بتحبني، هو دا نفس اللي قولته ليا عشان اكمل معاك وتسترني، زي ما امي بتقول."


رد عمر بغضب متحكم: "انا مش بكدب يا يارا... انا عاوز أبقى جمبك وأساعدك و..."


اندفعت يارا نحوه بغضب، وهي تضربه بصدره بقهر، وتبوح بكلمات مؤلمة: "يا سيدي، انا مش عايزاك تساعدني... انا مش عايزة شفقة، انا مش عايزة حد يساعدني فيكم... مكتفية بربنا خلاص... امشي بقا... ابعد والله يا عمر، مبقيت قادرة أتحمل والحمل لوحده تاعبني، فارجوك ابعد... انا بقالي اسبوع قاعدة هنا لوحدي وكنت مرتاحة، فانا هعيش لوحدي انا وابني ومش محتاجة حد يساعدني شفقة."


أجاب عمر برفض: "لا، انا مش بشفق عليكِ... انا بحبك... مش بساعدك عشان شفقة بساعدك عشان تهميني.. مفيش علاقة بين بنت وولد وبتتسمى صداقة لا، احنا كنا بنضحك على بعض...وبنحب بعض لكن محدش فينا قال للتاني او الشجاعة اتمالكته انه يعترف بكده.. انا بحبك فعلاً ومش هسيبك يعني مش هسيبك وهتجوزك."


ردت يارا بحزم: "وانا قولت لا... مش هتجوز حد انا... انا اكتفيت بذاتي وابني."


أقترب عمر ببطء من يارا، تلك الشخصية التي اصبحت محور حياته، وهو يحمل في قلبه عاصفة من المشاعر المتضاربة. 


أنفاسه لامت خدَّاها جعلتها تشعر بالتوتر من اقترابه ليهمس لها بكلماته يائسة: 


، "يعني أنتِ مش بتحبيني؟"


نظر لعيناها بعمق، حاولت يارا التعبير عن مشاعرها من خلال عينيها،التي كانت تنطق بالعشق والحب العميق له. فأبتسم عمر حين ابدى شكوكه وقال، "عينيكي فضحتك."


دفعته يارا بقوة وهي تصرخ قائلة: 


"انت مش بتحبني يا عمر، خليك صريح ارجوك... اللي بتعمله دا مش حب، فمتضحكش عليا... مش حلوة اللعب بمشاعري... أنا إنسانة و..."


وضع يده على فمها ليسكتها، فابتعدت عنه بقوة وقالت بصراخ موجوع معربة عن ألمها وغضبها من عدم فهمه لمشاعرها، "انت متعرفتش ولا حاسس اللي أنا بحس بيه دلوقتي... أنا جوايا نار في قلبي من كل حاجة في حياتي، فمتزودهاش انت بحب بتخدعني بيه عشان بس تنقذني من عيون الناس.. روح لحال سبيلك يا عمر."


القت يارا كلماتها المؤلمة تعبر عن احتراق قلبها وتوقها للبعد والتخلي عن كل شيء. 


ولكن فاجأها بهتافه بكلمات تعبر عن حبه الشديد لها 


"انت سبيلي الوحيد عشان أوصل لراحة قلبي... يارا أنا مبرتاحش غير معاكِ، يمكن يكون اللي ظهر فالأول مكنش حب،بس كانت راحة... الحب كان متنكر فيكِ بصفة راحة يا يارا.. ودا وصلني لنقطة مهمة، أنه كان حب وتغلغل جوايا تجاهك وأنا مش حاسس."


ضحكت بسخرية محاولة اخفاء ألمها قائلة، "وانا مش بحبك يا عمر... ولا برتاح معاك.. ولا هتجوزك مش غصبانية هي."


"لا غصبانية وهتجوزك يا يارا."


"انت هتجبرني اتجوزك!"


صاح بتأكيد: "اااه... عشان عارف إنك بتحبيني ومع ذلك بتكابري... بتكابري على إيه؟"


نظرت لعينيه وتغرغر الدمع بعينيها، قائلة بصعوبة، "عشان خاطري أبعد عني... سيبني يا عمر."


"يعني أنا لما أسيبك هتكوني مرتاحة كده وأنت لوحدك؟"


"اه."


نفخ بإرهاق من برودها الزائد وهي ظلت تنظر إليه بعينين مليئتين بالدموع وزرفت دموعها بألم قاتل، فانقلبت نظراته للقلق، قائلاً، "طب اهدي طيب... بتعيطي ليه دلوقتي... اهدي خلاص انا آسف اني زعقت انا..."


قالت ببكاء معلنة استسلامها امامه، "عمر... متسيبنيش ارجوك... أوعى تسمع كلامي وتسيبني يا عمر."


هتف بسرعة: "ياروحي... مش هسيبك تعالي يا روحي."


فعانقها عمر بشدة وحاول دمجها بين ذراعيه


ظلت تبكي بشدة وحاوطت ذراعيها حول ظهره، قائلة بضعف وقلة حيلة، "انا بموت من غيرك... اوعى تسيبني يا عمر."


كاد عمر أن يبتسم، ولكنه بكى من صوتها المجروح، فعانقها بقوة أكبر، يريد إخفاءها داخله عن ذلك العالم البشع الذي يلوث حلوته الصغيرة ويجعلها رديئة عن الأكل همس بحب


"مش هسيبك ابدًا... انت روحي يا يارا، مستحيل الإنسان يتخلى عن روحه."


وبعد لحظات توقفت عن البكاء، فابتعد عمر قليلاً، وحاوط يديه على وجهها وابتسم، قائلاً، "انت مش لوحدك... زي ما محتجاني أنا كمان محتاجلك... انت بتكمليني يا يارا، ومش هتخيل حياتي من غيرك."


نظرت يارا لعينيه ودققت بهم ورأت صدقهم جيدًا، فانتابتها الشعور بالسكينة فبدأت تؤمن بأنها ليست وحيدة وان عمر هو رفيقها الدائم وحبيبها الصادق.


نظر عمر إلى دموعها التي لا تزال تنساب على وجنتيها، فاقترب منها برفق وقبّل دمعتها بدفء، وهي تغمض عينيها لتشعر بقلبها يخفق من لمسة شفتيه على خدها. قبّل دموع وجنتيها يمينًا ويسارًا، ثم ابتسم لها قائلاً: 


"مش عايز دموع من هنا ورايح، انسي كل حاجة ونبدأ أنا وانت حياة جديدة نستنى فيها فرد جديد ينضم لينا."


ضحكت يارا وهي تقول: "حاضر."


ثم سألها بفضول: "بس قوليلي... هو انت مش بتتوحمي ليه زي بقيت الناس؟"


ابتسمت يارا وابرزت شهيتها لنوع طعام : "نفسي في مشويات أوي وحمام وكفتة طرب."


وضع عمر يده على كتفيها وجذبها نحوه، ثم تقدم معها خطوات للأمام يردد بابتسامة : "دحنا نروح لأجدعها حاتي ونقوله هات المنيو كله لام عز."


رددت بإستغراب: "عز!!"


أجابها عمر وهو يبتسم بتأكيد: "ما أه، انا سميته على اسم جدي، الله يرحمه."


لكن يارا عبرت عن رغبتها: "لا يا عمر، عز وحش أوي، أنا عاوزة يونس."


فأجاب عمر بحماس: "طب يلا قدامي علعربية بس، ونبقى نحل مشكلة الأسامي دي بعدين، عاوزين ناكل دلوقتي عشان انا كمان جعان."


____________________


في المطعم، كانت الأجواء مرحة حيث جلسا يتناولان الطعام ويضحكان. حاول عمر بلطف أن يخرج يارا من حالتها النفسية بحديثه المزاح. روت له يارا آخر حوار دار بينها وبين والدتها، قائلة: "زواجنا لن يكون صحيحًا إذا لم أُنجب هذا الطفل أولاً لكي لا يُنسب لأب آخر." تقبل عمر كلامها بهدوء، إذ كان كل ما قالته صحيحًا.


قال عمر: "لكن أنا مش عاوز الناس تبصلك بنظرة مش كويسة... مقدرش أخليك تحسي الشعور ده. إحنا هنعمل كتب الكتاب بشكل محدود ومش هنعرف حد، وإحنا مش هنتجوز حقيقي إلا لما تخلفي. لكن قدام الناس، هنكون متجوزين."


تساءلت يارا: "طب ولو عرفنا مين أبو الطفل دا؟ هتعمل إيه؟"


سكت عمر، محاولاً تمالك أعصابه، وقال: "وحياتك، ما هخليه ينام في بيته ثانية واحدة. هرميه في السجن والطفل هيتكتب باسمه. بعديها، أنا وانت هنتجوز ونربي الطفل ده."


"طب والناس هتعرف."


أجاب عمر: "محدش هيعرف أي حاجة. الكل هيعتقد إن الطفل ده ابني، ومحدش له الحق يعرف تفاصيل غيري أنا وأنت ومامتك... يارا..."


أمسك يديها قائلاً: "صدقيني، حقك هيجي. أنا مش هاجي عليك في يوم من الأيام. مقدر إنك فكرتي في كلام طنط رحاب وإنه منطقي، لكن ده لو أنا لسه عارفك امبارح أو لسه بحبك. يارا، إحنا بقالنا سنين مع بعض ومستحيل أوجعك. ابنك هو ابني، وأنا هبقى فرحان أكتر منك بيه لأنه حتة منك. ومش هاممني أبوه لأنه كده كده هيتجاب وهيتعاقب. أنا كل اللي يهمني أنتِ... أنتِ واثقة فيا؟ واثقة إني هسعدك؟... انتِ مشتتة وأنا مقدر، بس أنتِ حاسة إنك مرتاحة لي. أنا محتاج أعرف ده منك يا يارا، عشان أنا وانت نقف قدام كل الناس، لازم نكون واحد، ومحدش فينا يكون شاكك في التاني، حتى لو واحد في المية."


ابتسمت يارا وضمت أصابعها على باطن يديه، قائلة: "اللي أعرفه إني بحبك وده كفاية عندي يخليني أسلم حياتي كلها بين إيديك وأنا مغمضة عيني. أنت كنت أخ وصديق قبل ما تكون حبيبي."


عمر ابتسم بفرحة وهو يسمع تلك الكلمات، وقال لها: "يبقى توعديني دلوقتي إنك متختفيش كده تاني، وإن أي حاجة تشغل بالك تيجي ونتناقش فيها... وتوعديني إنك مش هتفكري إنك جايه عليا تاني، ماشي؟"


"أوعدك." 


قال بتأثر وقد بدا عليه الحزن: "يارا... أنت مش عارفة أنا محتاج لك قد إيه. طنط رحاب فاكرة إنك محتاجاني، بس هي مش شايفة مدى المعاناة اللي أنا هعانيها لو بعدتي عني... أنا من غيرك أموت. أنتِ متعرفيش إيه اللي حصل فيا طول الأسبوع... مكنتش بنام أصلًا ومش عارف أكمل حياتي عشان بس أنتِ اختفيتي وسيبتيني من غير ما تفكري فيا... كنتِ أنانية أوي يا يارا."


نزلت دمعة من يارا وقالت: "أنا آسفة."


عانقها عمر وهو يقول ببكاء: "أنا اللي آسف يا روحي... آسف إني أخذت وقت كبير عبال ما استوعبت حبي ليكِ. يمكن لو كنت معاكِ من بدري كان زمانا متجوزين ومكانش كل دا حصل... آسف يا يارا، آسف إني اتأخرت وللأسف تأخري دا أنتِ اللي اتحاسبتي عليه."


نظرت اليه ومسحت دموعه بحب: "دي تدابير ربنا، ومفيش يمكن عند ربنا... دا اللي مكتوب لنا، وأنا راضية لأنه عوضني بيك بعد ما كنت فاقدة الأمل إننا نبقى لبعض بعد ما اكتشفت إني حامل."


ضمها أكثر إليه وهو يقول: "آه يا روحي، متتخيليش وحشتيني قد إيه، بس قوليلي صحيح، من امتى وأنتِ عندك شقة؟"


"دي شقة أجرتها بالفلوس اللي محوشاها كان ليا واحدة صاحبتي اما كلمتها بعد ما خرجت من البيت قالتلي ان ليها شقة بتأجرها كل شهر وانها حاليا فاضية فوافقت اني اروح واعيش فيها... قولت إني هقعد فيها وأكمل لوحدي بعيد عن أي حاجة تتعب أعصابي، وخططت إنها تكون بعيد عشان محدش يوصل لي... بس مرة واحدة لقيتك في وشي."


ضحك عمر وهو يقول: "دايماً توقعي إني مش هستغنى عنك مهما كان."


_________________


بعد أن انتهوا، أعادها عمر إلى المنزل. وحين رأتها رحاب، ركضت نحوها لتعانقها بقوة، كم اشتاقت إليها خلال هذا الأسبوع. ضربتها بكتفها ، لتعبّر عن غضبها المتحفظ: "إزاي تمشي كل المدة دي، وكنتِ فين؟"


أجاب عمر: "كانت في شقة في عمارة، قاعدة فيها لوحدها."


نظرت رحاب إليها: "أنتِ اتجننتي؟ افردي حد اتهجم عليكِ."


"لا يا ماما، محصلش حاجة. أنا كويسة قدامك أهو بس كنت تعبانة ومحتاجة اقعد لوحدي شوية وك......" 


صفعتها رحاب بقوة وهي تقول: "الظاهر إنك اتدلعتي كتير أوي عشان تاخدي خطوة زي دي. نسيتي إنك في مصر، فاكرة نفسك في بلاد برة عشان تستقلي لوحدك؟ لو عمر مكنش لقاكي كان هيحصل إيه؟ ها؟ كنتِ هتكملي لوحدك وتسيبيني؟ كنتِ..."


وفجأة رأى الجميع دموع رحاب تنهمر، واحتضنت ابنتها بقوة، تبكي بقهر. كانت هذه المرة الأولى التي يرون فيها رحاب بهذا الضعف. كم أهلكتها قسوتها حتى باتت غير قادرة على تمثيلها، أو أنها لينة القلب حقًا وتمثل تلك القسوة؟


رأتها أسيل من فوق وهي مصدومة بأن رحاب تبكي. اعتقدت بأن تلك الأحاسيس التي بداخل كل إنسان عند رحاب معدومة ولم تخلق بها وهي صغيرة. كانت تشك بأنها بكت حين كانت طفلة!


رآها مصطفى حين عاد من جامعته، وسط ذهول الجميع وصمتهم على بكاء رحاب الذي هز أرجاء البيت. نحيبها أوجع قلوب من بالمنزل، وأولهم يارا التي أوصلتها لتلك المرحلة. لم تكتفِ بأنها أوجعتها عندما علمت بأنه تم اغتصا بها من قبل شخص لا تعرفه، والآن تركتها وذهبت. لقد قست عليها يارا كثيرًا، وهي مهما كانت فهي والدتها.


ابتعدت يارا بصعوبة عنها، ومسحت دموعها، واقترب مصطفى ليحتضنها، يربت عليها. كم كانت رحاب هزيلة وضعيفة في ذلك الوقت. تقدم عمر للخروج من البيت مودعًا يارا بعينيه، لأنه يجب أن يترك لهم مساحتهم العائلية.


أخذت يارا رحاب إلى غرفتها وظلت معها طوال اليوم، لأن رحاب ظهر عليها التعب الشديد بسبب كبر سنها. هذه الأيام لم تواظب على دوائها. ظلت يارا معها، خائفة أن يصيبها أي مكروه. كان مصطفى أيضًا قلقًا، وكانت هدير تعتني برحاب، وتحضر لها الدواء والطعام عند سريرها.

___________


عادت أسيل إلى غرفتها وقد تملّكها شعور غريب بأن قلبها بدأ يرق لرحاب حينما رأتها بتلك الحالة. كانت تود الاطمئنان عليها، لكن الذكريات المؤلمة كانت تثقل خطاها. في لحظة من التردد، استدارت إلى الهاتف وكتبت رسالة إلى يزن على تطبيق "واتساب":


"هي دلوقتي في أوضتها وبتكح جامد، سامعة صوتها وهي بتعيط وصعبانة عليا. عاوزة أروح أتطمن عليها... أروح؟"


تأمل يزن رسالتها وابتسم برقة، مدركًا عمق التغيير الذي يطرأ على مشاعرها. شعر بفخر لأن أسيل تلجأ إليه في قراراتها، مما جعله يشعر بأهميته في حياتها. أجابها بلطف:


"متنسيش إنها كانت جنبك وقت ما كنتِ تعبانة، وأنها هي اللي اعتنت بيكِ لما باباك كان مسافر. نعم، كانت بتؤذيك، لكن ولا تنسوا الفضل بينكم. روحيلها، اتطمني عليها. مشاعر الرحمة والإنسانية عمرها ما بتروح ولو كثرت الاوجاع هنظل فينا الرحمة. زوريها بنية العمل الصالح وزيارة مريض، وهيتكتبلك الثواب."


قلبت أسيل نصيحته في عقلها وشعرت بأن في كلماته حقيقة عميقة. بعد لحظات من التأمل، قررت الذهاب إلى غرفة والدتها. طرقت الباب برفق قبل أن تدخله بحذر. في الداخل، وجدت يارا ومصطفى جالسين بجانب والدتهم رحاب، التي كانت مستلقية على الفراش ونائمة، شاحبة الوجه كظل باهت .


أخذت أسيل دفترها وكتبت ليارا:


"هي عاملة إيه دلوقتي؟"


ردت يارا بصوت منخفض ومليء بالحزن: "الدكتور قال إن الضغط عندها واطي شوية بسبب تقصيرها في العلاج الفترة دي. بس إن شاء الله هتقوم بالسلامة."


أحست أسيل بوخز في قلبها وهي ترى الحزن في عيني يارا التي مثل أختها. عانقتها وكأنها تواسيها، مستشعرة الألم المشترك الذي يجمعهما أمام مرض والدتهما. بدت الحياة وكأنها تتهاوى عندما ترى الأم، مركز الدفء والعطف في البيت، عاجزة .


أبتعدت أسيل قليلًا، ثم كتبت ليارا:


"هتتعافى إن شاء الله، ادعي لها."


قرأ مصطفى ما كتبته، فنظر إليها بتعجب وقال: "إزاي خايفة عليها وبتطمني على صحتها بعد كل اللي عملته فيكِ؟!"


أجابته يارا بدهشة واضحة: "إيه اللي بتقوله ده يا مصطفى؟! ده وقته؟!"


رد مصطفى وقد بدا عليه الاستعجاب: "عشان أنا بس مش قادر أفهم. هي أذتك كتير، إزاي تروحي تتطمني عليها؟!"


ابتسمت أسيل برقة، متذكرة نصيحة يزن التي أثرت في نفسها، وكتبت:


"ولا تنسوا الفضل بينكم. في يوم من الأيام كنت أنا تعبانة، وهي فضلت جنبي، تعتني بيا واهتمت بأكلي وشربي ."


تركتهم بعد ذلك وغادرت الغرفة، تشعر بسلام داخلي. دخلت غرفتها وأرسلت رسالة ليزن تطمئنه بأن رحاب بخير، وشكرته بامتنان على نصيحته التي ملأت قلبها بالسلام. شعرت بأن وجود يزن في حياتها هو بمثابة هدية من القدر.


نظرت يارا إلى مصطفى وقالت: "ياريت ماما كانت صاحية وشافتها وهي قلقانة عليها كده، كانت هتبطل تتعامل معاها وحش تاني. أسيل قلبها أبيض جدًا، ونقاءها هو اللي خلا ماما تيجي عليها."


وافق مصطفى وهو يهز رأسه: "معاكِ حق. هي فعلًا طيبة وتستاهل كل خير. ربنا عوضها بيزن عشان يعوضها عن كل اللي شافته. كل إنسان بياخد نصيبه، مهما تأخر، ربنا دايمًا عادل."


في هذه اللحظة، طرقت هدير باب الغرفة ودخلت حاملة صينية تحتوي على أطباق الطعام. لاحظ مصطفى دخولها، ونهض من مكانه ليتابعها بنظرات مليئة بالاهتمام.


نظرت يارا إلى هدير وقالت: "أنا أكلت مع ماما لما اتغدت، لأنها مكانتش بتحب تاكل لوحدها فكلت معاها."


قالت هدير بخجل ملحوظ: "بس... أستاذ مصطفى مأكلش."


نظرت يارا إلى مصطفى بنظرات تحمل الكثير من المعاني وقالت بابتسامة ماكرة: "يا عيني، انت لسه مأكلتش؟ كويس إنك افتكرتيه. كل يا مصطفى."


وضعت هدير الصينية أمام مصطفى، وعيونهما التقت بتوتر واضح. شعرت يارا بأنها يجب أن تتدخل لكشف هؤلاء الاثنان فواضح من نظراتهم ان بينهما شيء، قالت: "استني ما تمشيش، مصطفى قايلي إن إيده وجعاه وأنا مش هعرف أكله. ممكن تأكليه إنتِ."


اتسعت عيون هدير بالصدمة ونظرت لمصطفى بدهشة.وكذالك مصطفى ايضا نظر لأخته بدهشة متى اشتكى من ألم في يده؟ لكنه بعد أن رأى غمزتها له السريعة فهم ما قصدته يارا، فتأوه قائلاً:


"فعلاً، إيدي اليمين وجعاني ومش هعرف آكل بيها."


تقدمت هدير نحوه، مترددة ، بينما كان مصطفى سعيدًا باللحظة. جلست بجانبه على بعد قليل بينهم وأخذت الملعقة تضع بها الطعام وتطعمه بفمه وهو ينظر إليها مبتسمًا وسعيدًا بهذا الشعور كم كانت اخته ذكية وفهمت كل شيء من نظراته فقط، أعطت يارا لهم ظهرها لكي يكونوا على راحتهم. 


كان مصطفى بعالمٍ آخر يتأملها وهي تخجل من رفع عينيها بعينه كم يعشق تلك الفتاة دقق بملامحها لاول مرة عن قرب كم هي جميلة حقًا وملامحها تتناسق مع وجهها بشكل رائع هام بعينيها البنيتان كم كانت عينيها تسحره ومازال سحرها دائم ورفعت عينيها بعينه اخيرًا حتى اصابها شيء جعلها تثبت مكانها وتكمل النظر اليه دون التفات منها او حركة ظلوا الاثنان بتلك الوضعيه لثوانِ حتى رأت يد مصطفى امامها ممسكة بالمعلقة ويوجهها نحوها ليطعمها بيديه مثلما تفعل فعادت الى الواقع من جديد ونظرت ليده وهي تبتسم بخبث قائلة: 


"أعتقد إيديك بقت كويسة، تقدر تكمل الأكل بيها."


فضحك مصطفى حين علم بأنها كشفته وذهبت هدير من الغرفة تحمد ربها بأن صوت قلبها لم يسمعه أحد عيرها فقد كانت دقاته قوية تصدر صدى قوي بداخلها. 


ابتسم مصطفى وهو يراقبها تغادر الغرفة بسرعة. كان يعرف أنها تشعر بشيء تجاهه، ولكنها كانت تخفي مشاعرها.


استرخى مصطفى على الكرسي مبتسمًا كالأبله، ينظر إلى السقف وهو يغرق في أفكاره عن هدير و يتخيل ملامحها التي حفرها بقلبه. لاحظت يارا مظهره وصاحت بالضحك بصوت عال حين رأت هيأته: : "يا عيني، دا انت واقع أوي كده."


رد مصطفى بصوت حالم: "بقالي سنين يا يارا سنين وانا واقع كده، وما فيش حد شالني."


قالت يارا بجدية: "مادام بتحبها، روح قولها. مش لازم تفضل مخبي مشاعرك."


أجاب مصطفى بتردد: "هي عندها مشاكل وظروف، وانا..."


قاطعت يارا: "مصطفى، مينفعش تخبي مشاعرك أكتر من كده. دي من العائلات اللي أول ما يشوفوا عريس مناسب، هيجوزوها ليه. الحق نفسك قبل ما تضيع منك."


اعتدل مصطفى بخوف وقال: "تضيع مني؟ لا، أنا ما صدقت إني بقيت بتكلم معاها تقوليلي تضيع مني؟!"


قالت يارا بنبرة تأكيد: "بتصرفاتك دي هتضيعها. لو بتحبها، روح قولها واتجوزها. لازم تكونوا في علاقة واضحة، لأنها تستحق ده."


تساءل مصطفى بقلق: "تفتكري ماما هتقبل إني أتجوزها؟"


أجابت يارا بثقة: "لو بتحبها بجد، هتواجه الدنيا كلها عشان تبقى معاها في بيت واحد. مفيش أعذار في الحب."


ابتسم مصطفى وهو ينظر إليها وقال: "معاكِ حق، مفيش أعذار في الحب."


ثم عانق يارا بقوة، ممتنًا لنصيحتها الصادقة. أدرك أن الحب لا يقبل الأعذار، ومن يحب يجب أن يضحي بكل شيء ليكون مع من يحب. يشعر بثقة أن هدير تبادله مشاعره، وسيعترف لها بمشاعره قريبًا.

_____________________


وبعد يومين رجع شريف من سفرته القصيرة ووجد رحاب قد بدأت بالتحسن لم يقلق عليها البته وانشغل بمشاريعه وهو لا يهتم بمن في البيت او ما الذي يحدث ولكنه تلك الايام كان يرى يزن دايما يوصل اسيل الى المنزل بساعة متأخرة غير ميعاد رجوعها من جامعتها وهذا كان يشغل باله كثيرا. 

_________________


قررت علا أنها يجب أن تذهب إلى مصحة "علي" وتواجهه بما تعرفه، بعد أن حصلت على عنوان المصحة من عمر. شعرت بأن المواجهة باتت حتمية، فأعدت نفسها لمقابلة شقيقها.


ما إن دخلت المصحة حتى رأى علي أخته وتقدم نحوها، ابتسامته العريضة تشي بشوقه لها. عانقها بحرارة وقال: "وحشتيني أوي يا علا."


تراجعت قليلاً ونظرت إلى وجهه بينما هو سألها بإهتمام: "أنت عامله إيه دلوقتي؟ كويسة؟... الكوابيس لسه بتجيلك؟... أحمد أذاكِ تاني أو اتصادفتي معاه؟"


ابتسمت علا محاولة أن تبدو مطمئنة وقالت: "أنا كويسة يا علي، ولا أحمد ما شفتوش تاني. بعد اللي حصل، عرفت إنه اتقبض عليه لما حاول يسرق حد من المنطقة وبلغوا عنه. دلوقتي في السجن. متقلقش عليا، أنا بخير."


أظهر علي ارتياحه لكنه سرعان ما عاد القلق إلى ملامحه: "الحمد لله... و... يارا، عندك أخبار عنها؟ هي عاملة إيه؟"


رمقته علا بنظرة حادة وقالت: "أنت فعلاً عايز تطمن على يارا، ولا على ابنك اللي جاي؟"


ابتلع علي ريقه بصعوبة وأجاب بصوت متردد: "أنا عارف إنّي غلطت، ومستعد أصلح غلطتي."


انفجرت علا بصوت مشحون بالغضب: "كنت هتصلح غلطتك إزاي؟ كنت هتفضل ساكت وجبان؟ كنت هترميني لصاحبك أحمد؟ كنت هتفضل مخبي وانا كنت هبقى الضحية عشان يفضل سرك معاه وما يفضحكش؟"


تسمرت عينا علي واتسعت بصدمة: "أنتِ عرفتي الكلام ده منين؟"


نظرت إليه علا بعينين تلمعان بالغضب والألم: "سمعت مكالمتكم يومها... أنت مش فاهم انت عملت فيا إيه يا علي. مخوفتش عليا وانت بتعمل كده في بنت ملهاش ذنب. ما فكرتش أن ربنا كان ممكن ينتقم منك فيا أنا؟ يارا دي كانت زي أختك، تربينا احنا التلاتة سوا. ازاي يجيلك قلب تعمل كده؟!"


امال علي رأسه ينظر للأض وهو يبكي بصوت ضعيف: "ماكنتش في وعيي، من الهباب اللي بشربه. كنت شايف يارا بشكل مختلف، مبقتش شايفها كأختي. أنا حبيتها يا علا، بجنون. وكنت متضايق إنها شايفاني مجرد أخوها الصغير. أنا بحبها أوي ونفسي تسامحني. مستعد أتجوزها، ونربي ابننا مع بعض. هتعالج وهبقى إنسان كويس، وأب لطفلنا."


انكسرت علا أمام صرخة قلبه، لكنها ظلت متماسكة وقالت بمرارة: "مفيش حاجة هتتصلح، الدنيا هتخرب أكتر."


قال علي بإعتراض: "ليه بتقولي كده؟ أنا بقولك إنّي مستعد أصلح غلطتي واتجوزها. أنا لسه بحبها وهفضل أحبها طول عمري، وهطلب منها السماح. هي إن شاء الله هتسامحني لما تشوف حبي."


لم تستطع علا أن تمنع دموعها، تذكرت عمر الذي اعترف لها بحبه ليارا أيضًا. قالت وهي تبكي: "بس أخوك بيحبها... عمر كمان بيحبها."


ارتجفت عينا علي وهو ينفي بقوة: "عمر مش بيحبها، هو بس عايز يستر عليها لأنها حامل أنا فاهم أخويا وهو جدع ومقبلش ان الناس تنظر ليها نظرة مش كويسة انها حامل منغير جواز . بس لما يعرف إن أنا أبو الطفل، هيوافق ويبعد عنها. أنا اللي بحبها يا علا، مش عمر. أنا أبو الطفل، وأنا أولى بيها إني أتجوزها. "


بكت علا وقالت بحزن عميق: "بس عمر هيكتب كتابه عليها بعد يومين. اتحدد الموعد، والشقة بتاعته خلاص جهز معظمها."


انقطعت أنفاس علي وهو يستمع إلى كلماتها. صمت مذهولًا، غير مصدق لما سمع. استجمعت علا شجاعتها وأكملت: "أنت لازم تحل الموقف ده. أنا مش قادرة أقول لأخوك إن الشخص اللي بيتوعد ليه في كل لحظة وكل ثانية ده يبقى أخوه. لازم تقوله إنك أنت السبب، أنا مش عارفة أقول له أو حتى أقدر أقول حاجة زي دي. لازم يسمعها منك أنت. اتصرف."


صمت علي طويلًا، وعيناه تائهتان في الفراغ. شعر بثقل الذنب يسحق قلبه. كان عليه أن يواجه الحقيقة، لا مفر من ذلك. نظر إلى علا بحزن وقال بصوت متهدج: "هقول له... هقول له كل حاجة."


_______________________


كانت جالسة معه بغرفته حين استدعاها ليتحدث معها بخصوص شيء معطيا حجته لكي يتحدث معها وكان يسألها عن اشياء بلهاء ولم تعد تفهم ماذا يريد ان يقول وكان يتلعثم كثيرا حتى قال بسرعة البرق 


-تتجوزيني يا هدير؟؟ 


ذهلت هدير مما قاله وشعرت بأن دقات قلبها تزداد ولم تصدق ما سمعته فاكمل بقوله 


-انا بحبك وبقالي سنين بحبك جوايا وساكت حبيتك وحلمت بيك سنوات كتيرة انت كنت مباراة انا واثق اني هخسرها لان مكنتش اتخيل اني اصرح بمشاعري ليك في يوم بس الشجاعة خدتني لما حسيت ان ممكن اخسرك او تتجوزي حد تاني حسيت وقتها ان ممكن يجرالي حاجة لو روحتي لغيري..... انا بحبك يا هدير بحبك بجنون ومش متخيل نفسي مع اي واحدة غيرك. 


وقفت هدير بقوة ثم تركته وتوجعت للباب لتخرج منه ولكنه لحقها واغلق الباب ووقف وراءه وهو خائفا: "قولي حاجة ارجوك متمشيش منغير ما تقولي حاجة." 


نظرت بالارض ثم رفعو عينيها بعينه بغضب مزيف "طيب عاوز رد؟.... ردي هو الرفض... انا مش موافقة اتجوزك يا مصطفى ممكن تفتح الباب عشان اروح لاني اتأخرت." 


صُدم من ردها الذي لم يكن يتوقعه فهو كان يتوقع بأنها تبادله المشاعر مثله! 


"ليه..... ليه!." 


اقتربت منه لتفتح الباب ولكنه صدها ونظر بعينيها وهو لهيب يخرج من عينيه ويكرر "ليه؟" 


"بعد اذنك خليني اخرج مينفعش نبقى في اوضة واحدة سوا." 


صرخ مصطفى بصوت عال"ليه"


-"ليه ايه؟؟" 


"ليه قربتي مني" 


كان بكل جملة يقترب منها وهي تبتعد خطوة 


"ليه موقفتينيش " 


"ليه شوفتي مشاعري ومحاولتيش تبعدي" 


"ليه كنتِ ساكتة وحسستيني انك انت كمان بتحبيني" 


"للدرجة دي مشاعري كانت لعبة في ايديكِ استهونتي بمشاعري وانت شايفاني بتعلق بيك كل يوم اكتر من اللي قبله كنت ناوية تعلقيني بيكِ وتبعدي؟" 


"ليه انت في اوضتي دلوقتي؟؟" 


ظلت هدير تبتعد عنه وهو يقترب الى ان التصقت بحائط منعها من الرجوع فبلعت ريقها ونظرت اليه واجابته


"دا مش معناه اني بحبك..... انت فهمت غلط" 


ضحك مصطفى وهي دمعة تنزل من عينيه تحرق خديه بسماع تلك الجملة وقال "بجد مش بتحبيني.... انت متأكدة من اللي بتقوليه؟" 


"ايوة مش بحبك يا مصطفى.... انت وهمت نفسك بدا بس احنا مش هننفع نبقى مع بعض لاسباب كثيرة اوي احنا في غنى عنها." 


ضعف مرة اخرى بقوله "عشان اخواتك صدقيني موافق يعيشوا معانا هشتغل مع الجامعة واصرف علبيت هتعالج وهكون انسان سوي نفسيا هقنع ماما وهنقف انا وانت قصادها مادام بنحب بعض صدقيني كل المشاكل اللي في بالك هنتخطاها سوا وانا هقنع ماما لاني مش مستعد اني اخسرك..... مش مستعد ابدا انك تضيعي مني... لاني بحبك." 


كانت تتحدث معه وهي تنظر بالاسفل تخشى من رفع عينيها فتكشف على حقيقتها: "خلصت كلامك..... انا مش موافقة اتجوزك والسبب واضح.... لاني مش بحبك... سيبني امشي يا مصطفى ارجوك عشان اتأخرت على اخواتي." 


"مش بتحبيني؟...... بتعملي ايه في بيتي مادام مش بتحبيني؟.... بتعملي ايه في اوضتي مادام مش بتحبيني..... بتساعديني اتعالج ليه لحقتيني ليه في محطة القطر حضتنيني وانت خايفة عليا خوفتي عليا ليه مادام مش بتحبيني.... انطقيييي" 


صرخ بها بآخر جمله قالها ففزعت هدير واتنفضت من مكانها وتسللت الدموع عينيها تحاول حبسهم ولكنهم اجتمعوا دون أمر منها فقالت بصعوبة محاولة ضبط انفاسها 


"دي كانت انسانية مني بس مش حب."


نزلت الجملة مثل الصاعقة على اذنيه وسمعوا الاثنان طرق على الباب فابتعد مصطفى عنها وجلس على السرير بينما توجهت هدير بسرعة لتفتح باب الغرفة وحين فتحته وجدت رحاب امامها وحين رأتها رحاب بغرفة ابنها اتبعت عيناها بغضب شديد وقالت 


"انت بتعملي ايه هنا" 


مسحت هدير دموعها وقالت"كان طالب مني حاجة وبعتهالوا والباب اتقفل بالغلط... انا اسفة يا هانم "


"اتفضلي.... مش دا معاد مشيانك.... اتفضلي" 


خرجت هدير بسرعة للنزول والرحيل عن المنزل بينما وقفت رحاب على باب الغرفة وهي تقول بسخرية "رفضتك؟" 


"نظر اليها مصطفى بوجع وقال بصوت مبحوح" اه"


"وانت كنت متخيل انها هتوافق بيك؟" 


"ماما ارجوك انا فيا اللي مكفيني ليه بتقولي كده." 


"انا لو منها هرفضك طبعا... انت عايز واحدة متكونش عارفة ماضيك ومتكونش عارفة مرضك وانك... مجنون... متخيل انها هتوافق تعيش مع واحد بتجيله هلاوس وبيشوف ناس ميته دنا اخاف على نفسي منك." 


"يا ماما كفاية بقا... كفااااية." 


"هتخلص الترم دا وهتروح مصحة نفسية تتعالج متبليش الناس بيك.... وحرام عليك تعرض عليها حاجة زي دي.... زي ما بتحبها كده..... ابعد عنها عشان حبك دا.... ابعد عنها وانساها عشان انت مترضهاش لاختك انها تتجوز واحد مجنون." 


"ارحميني بقاااا.... كفاااية يا امي." 


فزعت من صراخه الذي هز ارجاء البيت وجاءت يارا بتوتر وهي تنظر اليه بخضة "فيه ايه.... فيه ايه.... مصطفى مالك؟؟" 


نادت رحاب على حراس البيت ليأتوا اليه وامرتهم بأن يربطوه بالسرير ومصطفى يبكي وهو يصرخ من شدة المه وتحول اجمل ايام حياته الي كابوس عميق بقتت كيانه. 

تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا







تعليقات

التنقل السريع