رواية لا تخافي عزيزتي الفصل الثامن وعشرون 28بقلم مريم الشهاوي (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية لا تخافي عزيزتي الفصل الثامن وعشرون 28بقلم مريم الشهاوي (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
#لا_تخافي_عزيزتي
|28-إعتراف كارثي|
صلوا على الحبيب
عادت هدير إلى منزلها بعد يوم مرهق، مثقلة بالهموم والأفكار المتشابكة. حملت على عاتقها رعاية أخوتها الصغار، فتوجهت فورًا إلى المطبخ لتحضير الطعام لهم. أطعمتهم بحنان، محاولًا إخفاء حزنها خلف ابتسامة دافئة. بعد ذلك، جلست معهم لتساعدهم في حل واجباتهم المدرسية، وكأنها تحاول بذلك أن تنسى مشاعرها المعقدة ولو للحظات.
بعد أن انتهت من تلك المهام ونيمتهم بحنان، شعرت بالوحدة تلتهمها. دخلت المرحاض، توضأت، ثم وقفت للصلاة، لتجد في صلاتها ملجأً من ألمها الداخلي. ما إن بدأت بالصلاة حتى انهمرت دموعها بغزارة، وفي خلوة مع ربها، انفجرت بمشاعرها المكبوتة، مستجيرةً بالله:
"يا رب... أنا بحبه يا رب. شيلوا من قلبي يا رب، عشان هو ميستاهلش مني دا. حياته هتتقلب لجحيم لو اتجوزني... وبابا هيستغله أشد استغلال. أنا عارفة يا رب، شيلني من قلبه وشيله من قلبي. يا رب، أنا حبيته غصب عني، بس احنا مننفعش لبعض... احنا الاتنين مختلفين."
انهمرت دموعها بحرارة على وجنتيها، تحمل كل دمعة معها ألمًا وشوقًا وخيبة. كانت تحاول أن تطهر قلبها من هذا الحب الذي لا يمكن أن يزهر إلا شقاءً. شعرت كما لو أن قلبها يكاد ينفجر من تناقض المشاعر، بين رغبتها في الحب وإدراكها للعواقب التي قد تترتب على هذا الحب.
كانت تعلم أن رفضها لتلك العلاقة ليس فقط لأجلها، بل لأجله أيضًا، لحمايته من عالمها المعقد الذي قد يمزقه. كانت كل لحظة في صلاتها كأنها تسليم لله، محاولةً البحث عن السلام الداخلي وسط العاصفة العاتية التي تجتاح روحها.
جلست هناك طويلًا، تهمس دعواتها بصوت متهدج، باحثةً عن ملاذ في بحر من الدموع والصلوات، متمنيةً أن يمنحها الله القوة لتجاوز هذه المحنة، وأن يساعدها على تحمل ذلك الحمل الثقيل الذي يضغط على قلبها.
__________________________
كانت يارا تجد في زياراتها للطبيب مع عمر ملاذًا من صراعاتها الداخلية. كل فحص يُظهر صحة الطفل الجيدة كان بمثابة شعاع من النور يُبدد مخاوفها ويزيد من يقينها بحب عمر الصادق. لم تعد تعطي أهميةً لتحذيرات والدتها أو تهديداتها؛ فقد قررت أن تستمع لقلبها وترى الحقيقة بعينيها. عمر، بابتسامته الدافئة واهتمامه العميق، كان يعشقها بصدقٍ لم تعهده من قبل. شعرت أنها لا تحتاج لأكثر من هذا الحب المتبادل، الذي يملأ حياتها بالأمان والدفء.
في الجهة الأخرى من البيت، كان مصطفى يعيش في كابوس مستمر. والدته، رحاب، كانت تسعى جاهدة للسيطرة عليه بوسائل قاسية. تنازع يارا والدتها دائمًا، محاوِلةً أن تمنعها من ربط أخيها وتقييده، لكن رحاب كانت ترفض الاستماع لأي صوتٍ غير صوتها. كانت تهدد مصطفى بربطه إلى السرير إذا لم ينصع لأوامرها، مستغلّةً ضعفه وصراعه الداخلي.
مصطفى، الذي وجد نفسه مقهورًا تحت وطأة هذه المعاملة، كان يشعر بألمٍ يعتصر روحه. في بعض الأحيان، كان يستسلم للعزلة، يبقى في غرفته، معانقًا أفكاره التي تزدحم في عقله، حيث يتكرر عليه صوت والدته وهي تردد أنه "مجنون". هذا الإحساس كان يمزقه، فهو كالرجل المقهور، مقيدٌ بجدران من الخوف والإحباط، ويفقد طعم الحياة شيئًا فشيئًا.
كان ينظر إلى العالم من نافذة غرفته، يحلم بالحرية والهروب من هذا السجن النفسي. كان ألمه مزدوجًا: جسديًا من قيود والدته، ونفسيًا من الوصمة التي تلصقها به. القهر الذي يعيشه جعله يتساءل عن قيمته وعن معنى وجوده. استعاذ بالله مرارًا وتكرارًا من "قهر الرجال"، ذلك الشعور الذي يجعله يختنق في صمت، بينما صراخ روحه يظل مكتومًا بين جدران غرفته الباردة.
في كل لحظة يقضيها بين تلك الجدران، كان مصطفى يحاول إيجاد مخرجًا، يتمنى بصيص أمل يعيده للحياة. كان يدرك في أعماقه أن عليه مواجهة والدته، ولكن كيف يواجه من زرعت فيه شعور العجز والخوف؟ كل مرة يواجه فيها هذا السؤال، كان يجد نفسه يعود لنقطة الصفر، عاجزًا عن الفعل، مكتفيًا بالحلم في ليالٍ مظلمة تتكرر فيها معاناته يومًا بعد يوم.
________________________
مرَّ يومان ومصطفى في غرفته، عزل نفسه عن الجميع، وكأنه يختبئ من ضغوط الحياة. هدير، التي اعتادت رؤيته كلما جاءت إلى المنزل، باتت قلقة عليه. شعرت بغصة في قلبها مع كل يوم يمر دون أن تراه، وتساءلت عن السبب الذي يجعله يتجنب الخروج من عزلته. لكن مع كل خطوة كانت تخطوها في المنزل، كانت تواجهها نظرات رحاب المتفحصة. تلك النظرات الباردة كانت تملأ قلبها بالرهبة، تخشى منها على عملها، الذي كان بمثابة طوق نجاة لها بأجره المضاعف مقارنة بأعمالها السابقة.
في البداية، حاولت هدير أن تتجاهل قلقها على مصطفى، مفضلة الصمت والامتثال أمام رحاب لتفادي المشاكل. لكن مع مرور الوقت، زادت مخاوفها على حاله، لم تعد تستطيع تحمل رؤية حالته تتدهور دون أن تفعل شيئًا. شعرت أن واجبها الإنساني يتطلب منها أن تطمئن عليه، مهما كانت العواقب.
مع غروب اليوم الثالث، شعرت هدير أن الصمت لم يعد خيارًا. قررت أن تزور مصطفى في غرفته. وقرارها أجسمته حينما رأت كل من بالمنزل قد خرج والخدم فقط الموجودين ومصطفى بغرفته وحده فوق كانت قد أخذت القرار وصعدت للأعلى.
تقدمت هدير نحو غرفة مصطفى بخطوات ثقيلة. طرقت الباب بخفة، عندما لم تسمع ردًا، ازدادت دقات قلبها. حاولت مرة أخرى، طرقة أخف هذه المرة، وهمست بصوت متردد: "مصطفى... أنت هنا؟"
لم يأتِ رد، فتسللت بهدوء إلى داخل الغرفة وأغلقت الباب ورائها لكي لا يراها أحد. وتفاجأت بأنه ليس هناك أحدٌ بالغرفة!
"مصطفى..." نادت هدير بصوت مشوب بالقلق.
ومن بعدها سمعت صوت ضجيجًا يأتي من المرحاض وصوت صراخ مصطفى.
طرقت بشدة على باب المرحاض، صائحةً باسم مصطفى ليفتح الباب، لكنه استمر في تحطيم كل شيء حوله، وسط صرخاته العاتية،بيأس قائلاً:
"اخرج من حياتي بقا... انت السبب في هلاكي... مش عاوز حد... امشي يا هدير... امشيي"
في الوقت نفسه، أمسك مصطفى بزجاجة صغيرة، مستعدًا لقطع شرايينه والانتحار!، ولكن سمع صراخ هدير الموجوع قائلة
"مصطفى افتكر ربنا... انت يَئِست من رحمته!"، .
أردف مصطفى بعدم إيمان وسيطر شيطان نفسه عليه قائلاً "ربنا مش رحيم بيا"
حاولت هدير تهدئته واسترجاعه للوثوق بربه وبرحمته"ازاي تقول كده، هو بس بيختبرك... ان الله اذا احب عبدًا ابتلاه يا مصطفى وانت ان شاء الله هتتعالج وتبقى كويس..."، .
قاطعها مصطفى بحزن وألم: "تعبت يا هدير... تعبت من الدنيا والناس وتعبت من عقلي... وهو... هو كمان تاعبني... انا معدتش بني ادم طبيعي يا هدير" .
سمعت هدير تكسيرًا جديدًا، فبكت بحزن وهي تقلق عليه من ايذاء نفسه، وحاولت بكل ما أوتيت من قوة إقناعه بالتفاهم قائلة،
"اطلع يا مصطفى طيب ونتفاهم... صدقني كل حاجة هتبقى كويسة بس خلي ايمانك كبير وصبرك اكبر ربنا هيجازيك حق صبرك وهتشوف.. اخرج بس عشان خاطري اخرج برا ومتعملش في نفسك حاجة".
نظر مصطفى نحو الباب وهو يُقرب الزجاجة من يده اكثر ويصرخ بوجع يحتال قلبه، "مفيش طريقة تانية غير دي... خلاص معدتش قادر اكمل في حياتي"، كان مستسلمًا لنفسه الأمارة بالسوء!
صرخت هدير بقلق أكبر، وادركت أنها تحتاج الي التحدث بسرعة لانقاذه: "لا فيه... فيه.... انا محتاجاك يا مصطفى!"،
قال بقهر وهو دموعه تتدفق بشكل هائل"مفيش حد محتاجني... أمي نفسها مش محتاجاني! "
"أنا.. أنااا محتاجاك... أنا عايزاك متموتش نفسك"
قالتها مسرعة، وكأنها تعلم بأن مصطفى يقترب من الانتحار.
ظل مصطفى صامتًا، فارتعبت هدير أكثر وقلقت على حياته، فقالت بصوت مرتجف تلقي بكلمتها التي خبئتها دائمًا بقلبها ولم تكن قادرة على البوح بها ولكنه الوقت المناسب ليعلم مشاعرها تجاهه،
"أنا بحبك يا مصطفى... محتجاك لأني بحبك.. مش هتخيل حياتي منغيرك.. لأني بحاجة ليك".
لكن مصطفى لم يستجب، بل وضع الزجاجة وبدأ بجرح نفسه وهو يضع حدًا لحياته، فتحدث بوجع قاتل وحزن،
"انت بتقولي كده عشان مموتش نفسي واطلع".
صرخت هدير بقوة، "يا مصطفى لا عشان خاطري متعملش كده.. أنا بحبك بجد ومش عاوزاك تروح مني".
بحنيّ ودموعه تتدفق، قال مصطفى بألم، "شخص زيك هيحبني ليه ها... متعرفيش اني مجنون وبهلوس... ليه تبتلي نفسك بواحد زيي جبان وضعيف... انا مستاهلكيش يا هدير..".
"أنااا... أنا حبيتك زي ما مانت حبيتني حبنا مختلف لأننا احنا الاتنين مختلفين عن بعض... ناسي اننا مختلفين اجتماعيًا... انا ليه مسألتكش انت بتحبني على اي ها... لا شكلي حلو ولا لبسي ولا متعلمة كويس ولا اسلوبي ولا أي حاجة... الحب يا مصطفى مش بيمر بكل الابواب دي... الحب ليه باب مخصص بيفتح ويسمحلك بدخوله مهما كانت الظروف قلبي وقلبك اتعلقوا ببعض رغم اختلافاتنا! ".
تراجع عن قراره بعد اختراق تلك الكلمات قلبه فأحيته من جديد بعد ان كان مُهلكًا ثم اقترب مصطفى من الباب وجلس وراءه وهي أيضًا جلست وأسندوا هما الاثنان رأسهم على الباب. قال بعشق وحب، "انا حبيتك لان انت الي قلبي اختارك مسألتش نفسي كل دا لانه مكانش هاممني غير ان الانسانة الي احبها اكون مش شايف غيرها ومتأكد اني مش هلاقي زيها تاني ابدًا".
أجابت هدير بدفء وحنان "طب وعاوز تفرقنا عن بعض ليه؟؟ ليه مش هتحارب معايا عشان حبنا يفوز واستسلمت من اول جولة قوم اقف وانا معاك هسندك.. مصطفى، أيًا كان عندك أيه خليك متأكد أنك أجمل شخص في العالم كله ومفيش حد في طيبة قلبك... انت تستحق كل حاجة حلوة عشان قلبك الطاهر النقي... بلاش يا مصطفى بلاش تضيع نفسك، الحياة فيها حاجات كتيرة حلوة بس احنا الي مصريين على النظر ليها بعدسة معينة...
همست بآخر كلماتها ترجو بأن ترجعه عن قراره
"خليك مطمئن إن ربنا مش هيخليك لوحدك، وأنا هنا معاك ومش هسيبك ابدًا، لأني ببساطة بحبك يا مصطفى"
وبينما كانت تتحدث بكلمات الحب والإخلاص، وجدت باب المرحاض يُفتح، وخرج مصطفى، ورغم دموعه المتساقطة، إلا أن البسمة كانت مشرقة على وجهه، فأبتسمت هدير بفرحة ووقفت على قدميها وأخذت تنظر اليه تتأمله وتحاول تهدئة روحها من التوتر وتقنع قلبها الذي كان يتمزق خوفًا بأنه بخير الآن وبينما تنظر الى جسده بالكامل تتفحصه لاحظت جرح يده فسارعت لتضع الضماد وتنظف الجرح، وفي صمت يملؤه الهدوء،هو ينظر اليها مبتسمًا وهي تداوي جرح يده قال مصطفى بصوت هادئ ينبض بالراحة،
"معاكِ حق، ربنا رحيم بيا جدًا عشان جعلك في حياتي.. ♡"
________________________
في كل يوم، كانت أسيل تلتقي بيزن بعد انتهاء يومها الجامعي، فيأخذها إلى والدتها. وفي الأيام التي كانت فيها مواعيد جلسات التخاطب، يصطحبها الطبيب للعلاج دون علم أحد. لكن في أحد الأيام، عادت أسيل إلى منزلها متأخرة، وكانت الساعة تشير إلى التاسعة مساءً. كان والدها شريف ينتظرها، عيناه تشتعلان غضبًا، مما دفعها إلى ابتلاع ريقها خوفًا، مدركة أن تلك النظرة لم تكن تُنذر بخير أبدًا.
تساءل شريف بصوت صارم: "كنتي فين؟"
أسرعت أسيل في كتابة إجابة على دفترها لتشرح له: "مع يزن."
عندما قرأ شريف ما كتبته، انفجر في الصراخ: "مع يزن فين؟"
تزايدت وتيرة توترها، وأدركت أن الجميع كانوا منشغلين عنها، خاصة والدها الذي لم يعرها اهتمامًا طيلة حياتها. كتبت وهي ترتجف: "روحنا نشتري أدوات لجوازنا."
لكن شريف لم يقتنع، أمسك بخصلات شعرها بشدة وصرخ بغضب: "بتكدبي عليا وانا شايفك بعيني بتطلعي معاه عمارة! بتكدبي عليا وانا شايفك كل يوم بترجعي متأخرة ودلوقتي بتقولي بشتري حاجة لجوازك؟ هي حاجات الجواز بتتباع في الشقق؟!"
ثم صفعتها بقوة، فسقطت على الأرض، تضع يدها على خدها بصدمة، جسدها يرتعش من شدة الضربة. يارا، التي كانت تراقب المشهد من الطابق العلوي، أرادت التدخل، لكن رحاب أوقفتها بقولها إن تدخلها لن يجلب الخير أبداً.
انحنى شريف على ركبتيه، ورفع وجه أسيل بيديه، صرخ فيها وهو يستشيط غضباً: "كلك أمك... حتى وشها وطبعها، كلك هي... أكيد أخدتي الطبع ال.... منها، هتجيبيه من برا! كان لازم اخد حذري منك، ناوية تفضحيني مع اللي اسمه يزن، بتطلعي معاه الشقق، وتبقي طول الليل معاه يا..."
كان يضر بها بوحشية، وأسيل لا تستطيع التفوه بالحقيقة، تبكي بحرقة، مستسلمة للضربات التي تنهال عليها، عاجزة عن الدفاع عن نفسها أمام قوة والدها العاتية.
وقف شريف، بينما كانت أسيل تتأوه على الأرض، وجسدها ينزف من عدة جروح. لم يتوقف عن ضربها، بل أخذ يركلها بعنف، مستذكراً جراحه القديمة من زوجته الأولى قمر، التي اكتشف خيانتها. كان يتخيل قمر أمامه، ويضرب أسيل بعنف ليشفي جراحه التي لم تلتئم بعد.
جرها من شعرها إلى القبو ورماها بداخله، وأمر أحد الخدم: "هاتي مفتاح الزفت دا وأقفليه عليها... رحاب!"
التفتت رحاب بخوف، وسألته: "نعم؟"
أمرها بحدة: "متخرجش برا القبو ولا يدخلها أكل لحد ما تتربى من أول وجديد، فاهمة؟ بنت قمر... كنت غافل عنك السنين اللي فاتت، دلوقتي فوقتلك وهربيك من جديد."
ثم صعد إلى غرفته، بينما نظرت رحاب إلى الخدم الذين كانوا يشاهدون ما يحدث بعيون مليئة بالخوف والحزن على الفتاة البريئة. صرخت بهم رحاب: "بتتفرجوا على إيه؟ يلا كل واحدة تشوف شغلها... يلاااا!"
هرول الجميع إلى عمله، وقفت هدير بجانب إحدى زميلاتها في العمل، وسألتها: "هو ليه كله كان ساكت وهو بيضرب فيها كده؟"
أجابتها الزميلة: "دي أول مرة يضربها بالطريقة دي. كان آخره يضربها بالقلم أو يزعق فيها، لكن ما شفناهوش بيضربها بوحشية كده قبل كده."
أضافت الثالثة: "يا هدير، إنتي لسه جديدة. لما الأستاذ شريف بيعمل أي حاجة، محدش يقدر يوقفه، عشان كده محدش فينا يقدر يتدخل، ولا حتى مدام رحاب تقدر تتدخل."
قالت هدير والدموع في عينيها: "ايوة بس البنت هتقعد من غير أكل وشرب، وهي كمان عيانة!"
أجابتها بحزن: "دي الأوامر، وعلينا تنفيذها، وما نتدخلش في اللي ملناش فيه."
ردت هدير بتلقائية: "فين الإنسانية اللي فينا؟ إنتو مش شايفين ضرها إزاي؟ دا ممكن يكون كسر لها حاجة في جسمها من كتر الركل برجله."
أجابت زميلتها بفتور: "إنتي لو عايزة تمشي من هنا، روحي ساعديها، لكن احنا محتاجين الشغل دا. يلا نكمل العشا."
ـــــــــــــــــــ
دخلت هدير المرحاض، وأخرجت هاتفها، وأرسلت رسالة ليزن على تطبيق الواتساب: "إزي حضرتك يا بشمهندس يزن؟ حضرتك لازم تيجي وتشوف أسيل... هي محتاجالك، الحقها بسرعة. الأستاذ شريف ضربها جامد."
بعد أن استلقى يزن على فراشه، رأى رسالة هدير، فقفز من سريره بسرعة، وخرج من بيته مجددًا وسط ذهول عائلته. لم يكن لديه الوقت ليشرح لهم، فأشعل سيارته وانطلق بسرعة نحو منزل أسيل.
ــــــــــــــــــ
أمسكت يارا الهاتف لتتصل بيزن، لكن رحاب أوقفتها قائلة: "لو رنيتي عليه هتحصل مشكلة... شريف باين عليه متعصب. ما تجيبيلناش الكلام. ملكيش دعوة."
ردت يارا باكية: "طب الحقوها طيب... البنت أغمى عليها، حد يدخل يفوقها."
رفضت رحاب بحدة: "دي أوامر صاحب البيت، ومينفعش حتى أنا أتدخل فيها. وبعدين دي بنته، هو حر يعمل اللي عايزه فيها."
رفضت يارا النزول لتناول العشاء، بينما كان مصطفى نائمًا بغرفته، لم يسمع شيئًا مما حدث، فغفوته كانت ثقيلة لا تُعكرها الأصوات.
جلست رحاب مع شريف على مائدة العشاء، كان شريف يزفر بغضب، آثار الحنق لا تزال واضحة على وجهه. سأل عن مصطفى ويارا، فأجابته دعاء: "جم من جامعتهم النهاردة ولسه نايمين، تعبوا جامد."
كانت هدير تراقب الباب كل دقيقة، تنتظر يزن بفارغ الصبر لينقذ أسيل المغمى عليها في القبو، والله أعلم بما حل بها وماذا يحدث الآن.
ــــــــــــــــــ
سمعوا طرقات قوية على الباب، فتحت الخادمة، وعندما فتحته، فوجئت بدفع الباب بقوة أمامها، ودخل يزن المنزل غاضبًا، نظر للجميع بعينين متقدتين، وهتف بأعلى صوته:
"أسيل!"
_____________________
شعر عمر بقلق بالغ حين علم بهروب علي من المصحة. وبينما كان يهم بالخروج من غرفته للبحث عنه، سمع طرقًا على الباب. كانت دعاء وقمر وعلا خارج المنزل، وكان عمر الوحيد المتواجد في البيت إذ كان والده في سفرية للعمل.
فتح عمر الباب، فوجده علي واقفًا أمامه، يلهث بشدة. اندفع علي إلى الداخل ليعانق أخيه، جسده يرتجف ووجهه شاحب.
جلس الاثنان على أريكة غرفة المعيشة، وصاح عمر بغضب: "أنا كنت غلطان لما فكرتك راجل! بتهرب من المصحة ليه يا علي؟ هو احنا مش متفقين ومديني وعد؟"
رد علي بصوت مهتز: "خرجت لما عرفت إن البنت اللي بحبها هتتجوز بعد يومين من أخويا."
تغير وجه عمر، وضم حاجبيه بدهشة: "انت مبتحبش يارا."
قال علي بوجع واضح: "ولا انت كمان بتحبها."
اندفع عمر بكلمات ثقيلة: "أنا بحب يارا من زمان، وهتجوزها عشان بحبها. اللي انت فيه دا مجرد فترة مراهقة... انت لسه في تانية جامعة، وكنت من سنتين في ثانوي... لسه صغير، وقدامك الحياة طويلة، هتحب كتير."
تأوه علي بغضب مكتوم: "عمر، أنا بحب يارا، وأنا اللي طلبتها للجواز الأول... مين اللي لما عرف أني اتجوزها، سابني أسافر وراح طلب إيديها؟ انت ليه مصمم تخلق عداوة بينا؟ سيبلي يارا."
رد عمر بحزم: "انت اللي بتخلق العداوة... انت لسه صغير ومتعرفش يعني ايه حب. أنا بحب يارا أكتر منك، مش بحبها وبس، أنا بعشقها، وهتجوزها."
أمسك علي بياقة قميص عمر، وقال: "عمر، متخلينيش أخسرك... انت أخويا."
أبعد عمر يديه بقوة قائلاً: "روح اتعالج يا علي... ولما تخرج من المصحة أكيد هتلاقي واحدة تحبك... يارا مش بتحبك يا علي... دور على واحدة تكون بتحبك. هتحس بإيه لما تتجوزها وهي بتحبني وقلبها معايا أنا؟"
أصر علي بعينين يملؤهما الأمل: "هي هتحبني لو انت بعدت عن طريقنا... لو بعدت عنها وشافت حبي ليها، هتحبني. ابعد عنها يا عمر عشان خاطري، وخليني أتجوزها... انت مش عارف أنا بحبها قد إيه."
رد عمر بغضب: "انت اللي تبعد عنها يا علي وتفوق لنفسك. ظبط حياتك، وبعدها فكر تتجوز. ولو كانت واحدة تانية غير يارا، مكنتش هجوزها لك لو اطربقت السما على الأرض. عارف ليه؟ عشان مبليش واحدة بأخويا المدمن... لما تتعالج، أخرج واتجوز."
احتد علي: "طب متتجوزهاش انت... ليه عاوز تتجوزها بأقرب وقت كده؟"
أجاب عمر بعصبية: "عشان... عشان حامل، وانت عارف دا كويس."
قال علي بصدمة: "طب مش سألت نفسك مين أبو الطفل دا؟"
تشنج عمر وزادت ضربات قلبه، وقال بغضب: "هعرفه قريب، وهرميه في السجن مع الزبالة اللي زيه..."
رد علي بصوت متهدج: "ولو الراجل اللي عمل كده طلب يصلح غلطته ويتجوز يارا ويربي ابنهم؟ هتعمل ايه؟"
صاح عمر بحدة: "لا، طبعا مش هوافق! هو ميستحقش الطفل دا."
أجاب علي بتحدٍّ حزين: "وافرد كان يستحقه وهو غلط؟ انت ايش عرفك اللي جواه؟ هتبعد طفل عن أبوه عشان أنانيتك؟ تتجوز أمه وتبعده عن أبوه طول حياته؟ هتقول للطفل لما يسألك عن أبوه الحقيقي؟ هتقوله رميته في السجن عشان اتجوز أمه؟ هتقوله إنك بعدت عنه لما طلب السماح وإنه يربيه؟ هتفرق ابن عن أبوه لأنانيتك دي؟"
شعر عمر بوخزة في قلبه، وتسارعت دقاته. تساءل باضطراب: "انت بتتكلم كده ليه؟ انت تعرف مين أبوه؟ حاسك عارف حاجة ومخبي عني... انطق، انت تعرف مين أبوه؟"
انهمرت دمعة من عين علي، وقال بصوت مختنق: "أنا أبو الطفل دا يا عمر."
تجمدت ملامح عمر، وانعقدت الصدمة على وجهه، بينما كانت الحقيقة تنقض عليه بثقلها المدمر.
......
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا