رواية لا تخافي عزيزتي الفصل التاسع وعشرون 29بقلم مريم الشهاوي (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية لا تخافي عزيزتي الفصل التاسع وعشرون 29بقلم مريم الشهاوي (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
#لا_تخافي_عزيزتي
#لا_تخافي_عزيزتي
|29-لا تخافي عزيزتي| الجزء الاول
صلوا على الحبيب
صرخت رحاب بصوت يتخلله الرعب والغضب: "إيه دا؟ إزاي تدخل كده؟!"
واجهها يزن بعينين محمرتين من الغضب المتفجر، كلماته كانت قذائف حارقة وهو يقول: "فين أسيل؟"
ردت رحاب ببرود، وكأنها تواجه سؤالًا لا يعنيها: "أسيل مش هنا..."
اقترب يزن منها بخطوات ثقيلة، عروقه منتفخة وتبرز تحت جلده من شدة الانفعال المكبوت. صوته كان منخفضًا ولكن نبرته تحمل تهديدًا جليًا: "أنا بقول فين أسيل، وإلا والله لطربقها فوق دماغكم كلكم... لحد دلوقتي أنا ماسك نفسي... انطقي، فين أسيل؟"
نظر إليه شريف بنظرة تحمل كل معاني الاستهزاء والاحتقار، وقال: "الله على التربية! ولما أكلم أبوك وأقول له إنك اقتحمت بيتي وبتتهددني، تتخيل رد فعله هيبقى إيه؟"
تطاير الشرر من عيني يزن، وابتسم بسخرية داكنة قائلاً: "أقولك أنا رد فعل أبويا هيبقى إيه... هيجيب لكم الشرطة. إنت متعرفش إن عنفك ده له ضريبة في القانون... يلا، اتصل بيه! أنا أبويا بيتعامل بالقانون، لكن أنا لا... أنا هجيب حقها بإيديا دول. أنا لسه مموتش... ودلوقتي، انطقوا، فين أسيل؟"
في تلك اللحظة، خرجت يارا من غرفتها وقد تبعها مصطفى الذي حدق بالمشهد غير قادر على فهم ما يحدث، أو سبب هذه المواجهة المحتدمة. أما يارا، فقد كانت على دراية كاملة بكل شيء، وأدركت أن أفضل خيار هو الصمت، تاركة الأمر ليزن، واثقة أنه لن يغادر دون العثور على أسيل.
انعكست سعادة هدير بقدوم يزن في عينيها، كانت تتمنى لو استطاعت الصراخ لتخبره بأن أسيل في المستودع، لكنها كانت خائفة من مواجهة رحاب أو شريف فهي مهمًا كانت خادمة بمنزلهم!
استدار يزن نحوهم بنظرات صارمة، عيناه تعكسان نارًا موقدة من الغضب: "برضو مش هتتكلموا؟... تمام."
صعد يزن السلالم بخطوات أشبه بالركض، متوجهًا نحو غرفة أسيل. دفع الباب بقوة ولكنه وجد الغرفة فارغة. سار في الممر، ينادي باسمها بصوت مشبع بالقلق واليأس، عاد أدراجه بنبرة تهديد: "وربي... وربي لو ما قولتوا هي فين، مش هيحصل طيب... أسيل فين؟ انطقوا!"
نظرت رحاب إلى شريف بارتباك، وقالت بصوت مهتز: "قولتلك مش موجودة... اتفضل امشي من هنا، وإلا أنا اللي هطلب الشرطة... إنت مش طبيعي."
تصاعد الغضب في عيني يزن، وصاح بصوت ملتهب: "أنا اللي مش طبيعي؟! أنا؟! دا إنتوا اللي مجانين... إنتِ مريضة ومحتاجة تتعالجي... إنتِ السبب في كل حاجة وحشة حصلت لها في حياتها... منك لله. بس اتفرجي، اتفرجي وشوفي هيحصل فيكِ إيه! دلوقتي، هقولها للمرة الأخيرة، لو ما قولتوش فين أسيل، ه..."
في تلك اللحظة، لمعت عيناه على قطرات دم صغيرة تقود نحو المستودع. تذكر فجأة ذلك المكان الذي كانوا يحتجزون فيه أسيل دائمًا. اندفع نحو المستودع، صارخًا بقلق متزايد: "أسيل... سامعاني؟!"
أمسك المقبض بيديه محاولًا فتحه ولكنه كان مغلقًا بإحكام. استدار نحوهم، وجهه يعكس تهديدًا لا لبس فيه: "هاتوا مفاتيح القبو... بقولكم هاتوا المفاتيح... وإلا هكسر الباب."
صاح شريف، وقد تملكه التوتر: "سعدية، هاتي مفاتيح القبو، اديهاله!"
تقدمت سعدية ببطء، وجهها يعكس خوفها العميق من يزن ونظراته الوحشية. مدت يدها بالمفتاح، فتناوله بسرعة وأدخله في الباب. عند فتحه، رأى أسيل ممدة على الأرض، تتنفس بصعوبة، وجهها ملطخ بالدماء وجسدها يعاني من كدمات وجروح متعددة.
تملكته صدمة أخرست كل كلمات الغضب، شعر وكأن روحه تسحب منه. هرع إليها، جاثيًا على ركبتيه بجانبها، واحتضن وجهها بيديه، ودموعه تتلألأ في عينيه. همس بصوت مشوب بالألم والخوف: "أسيل... أسيل يا عمري، فوقي... أنا هنا، متخافيش، مش هيحصلك حاجة طول ما أنا موجود... متخافيش، يا عمري، أنا جيتلك، ومش هسيبك أبدًا."
فتحت أسيل عينيها بصعوبة، نظرت إليه وابتسامة باهتة تشق طريقها إلى شفتيها، تمتمت بصوت خافت بداخلها تبرز شعورها عند سماعها لتلم الكلمات :
"لا تخافي، دائمًا ما يقولها لي،
كلمات كأنها أنغام هادئة، تعزفها النجوم في الليل الساكن.
تحاكيني بحنان يعتلي قلبي،
تشعل فيَّ الأمل، وتغرس فيني ثقةً لا تلين.
في طيات هذه الجملة أجد عنواني،
وفي صداها يتجلى الأمان، كلحن ندي،
يأخذني بعيدًا عن تعب الدروب،
ويعيد لروحي السكينة والهدوء، في كل صباحٍ جديد."
أغمضت عينيها بطمأنينة، وسلمت له أوجاعها، ووجدت سلامها في حضنه. لا داعي للخوف بعد الآن، فحبيبها يزن قد جاء.
حملها يزن برفق، خرج بها من المستودع، وكل العيون تتبعهما بدهشة ممزوجة بالخوف. نظر إلى شريف بعيون مشبعة بالغضب، وقال بتهديد: "والله، لأندمكم على كل نقطة دم نزلت منها وكنتم أنتم السبب فيها."
خرج من البيت بسرعة، يركض نحو سيارته وهو يحمل أسيل، لكن حركته السريعة جعلتها تتأوه من الألم. فتوقف على الفور، صوت الاعتذار يرتجف من شفتيه: "أنا آسف... آسف... همشي براحة."
تفحص يزن وجهها المتورم، الملطخ بالكدمات والدماء، وكأن الزمن قد تجمد في تلك اللحظة. عينيه تجسد الحزن واليأس، نظر إلى عينيها المغلقة نصف إغلاق بضعف شديد. فتحت أسيل عينيها ببطء، نظرتها كانت شاحبة ومليئة بالأسى، ومع ذلك كانت عينيها تتوهج ببصيص من الراحة لوجوده بجانبها. رفعت يدها المرتجفة بصعوبة، لتلامس خده بحنان، ومسحت دمعة تساقطت من عينه بحركة واهنة.
لم يستطع يزن تحمل هذا المشهد، فقد كانت دموعه تنهمر كالأمطار في ليلة عاصفة، أغلق عينيه محاولاً كتمان ألمه الذي كان يتدفق من قلبه المجروح. لكن محاولاته باءت بالفشل؛ إذ كانت دموعه تتسلل من بين جفونه المغلقة، تنهمر ببطء على وجنتيه.
قبّل يديها بلطف، وكأن شفتيه تبحثان عن مداواة جراحها، لامس باطن يدها الدافئ بشفتيه المرتجفتين، محاولاً نقل بعض من دفء قلبه إلى جسدها المتألم. كل لمسة، كل قبلة، كانت تنبض بالحب والوجع، وكأنها كلمات صامتة تقول: "أنا هنا، لن أتركك أبداً، سأحميك حتى آخر نفس فيَّ."
تحرك يزن ببطء نحو سيارته، لكنه سمع صوت سيارة الإسعاف تقترب، ورأى يارا تقف خلفه، تقول: "أنا اللي طلبتها... خليهم هما ياخدوها للمستشفى... أحسن يكون عندها كسر أو نزيف داخلي."
وصلت سيارة الإسعاف، أضواؤها الوامضة تخترق الظلام مثل شظايا أمل. قام المسعفون بنقل أسيل بعناية إلى النقالة، حركاتهم سريعة ولكنها دقيقة، كأنهم يعرفون أن كل لحظة ثمينة. عينا يزن لم تفارقا وجهها، يديه كانت ترتجفان مشاعر القلق والخوف تكاد تخنقه.
صعد يزن إلى داخل السيارة، جلس بجانبها، ممسكًا بيدها الباردة، يحاول أن ينقل إليها بعضًا من دفء قلبه الذي يشتعل بألم وحب لا ينضب. نظر إلى وجهها الشاحب المتورم، عيناه تملؤهما الدموع، ولكنه كان يحاول بث الثبات في صوته عندما همس: "هتبقي كويسة، أسيل... أنا هنا جنبك...مش هسمحلك تسيبيني....انا بموت منغيرك....هتصحي إن شاء الله ."
كانت أنفاس أسيل تتردد ببطء، وكأنها تواجه معركة للبقاء، وفقدت وعيها بالكامل لم تعد تشعر بأي صوت حولها واحتل السواد أنظارها.
قلبه كان يخفق بشدة، وكأن كل نبضة تصرخ برجاء وأمل. مع كل ثانية تمر، كان يزن يمسك بيدها بقوة، كأنه يخشى أن تفلت منه وتغرق في ظلام لا نهائي. يده الأخرى تمسح على جبينها، عينيه لا تفارقان ملامحها، كأن النظر إليها يمنحه شجاعة لم يكن يعلم بوجودها.
في تلك اللحظات الحاسمة، كانت سيارة الإسعاف تنطلق بسرعة، أصوات الأجهزة الطبية تضيف إيقاعًا متسارعًا إلى لحن القلق الذي يملأ قلبه. كانت يارا ومصطفى يتبعان سيارة الإسعاف في سيارتهما، عيونهما مشدودة إلى الأمام، والقلق ينغرس في قلوبهم مثل سكاكين باردة.
في داخل سيارة الإسعاف، كان يزن يكافح بين يأسه وأمله، كلما نظر إلى وجه أسيل المنهك، كان يحاول أن يتخيلها وهي تفتح عينيها مرة أخرى، تبتسم، تعود للحياة. كل لحظة كانت تبدو كأبدية، وكأن الزمن قد توقف ليعذب روحه في تلك الدقائق الحارقة من القلق والانتظار.
____________________
في لحظة متفجرة، صرخ عمر بانفعال عارم: "إنت بتقول إيه؟ لا، أكيد بتهزر... رد عليّ، إنت بتهزر صح؟"
قبض بيديه على ياقة قميص علي، يهزه بعنف شديد وهو يصيح: "إنت عملت كده؟ عملت كده بجد؟ رد عليا!"
رد عليّ بصوت مكسور، يحمل في طياته الندم والعجز: "أيوة، عملت كده... كنت بتعا طى، ومكنتش في وعيي... وللأسف كررتها كتير. كانت بتبقى غايبة عن الوعي قدامي، والشيطان لعب في دماغي... لكن هصلح غلطتي، والله."
اندفع عمر بقبضة مملوءة بالغضب، وجهه لكمة عنيفة أسقطت عليّ على الأرض. جلس فوقه يضربه بلا هوادة، يصرخ بمرارة تتخلل صوته:
"يارا... أختك تعمل فيها كده؟ ترضى كده لعلا أختك؟ تقول كنت بتعا طى وعملت كده بدون وعي؟ هو اللي بدون وعي بيكررها مرة واتنين وعشرة لحد ما باقت حامل منك يا ****... إنت مش أخويا اللي أعرفه، معاك حق، إنت اتغيرت... أنا متبري منك!"
أمسك عمر رأس عليّ النازفة، كاد أن يكسر أسنانه وهو يقول بغضب يتفجر من عينيه، وأسنانه تكاد تنكسر من شدة الجز عليها: "أنا هرميك في السجن... هرميك مع اللي شبهك يا ***... طب إنت ما فكرتش في يارا... مجاش في بالك إنها متطمنة ليك وواثقة فيك... تعمل فيها كده... تعمل فيها كده يا ****... علا طيب، افترض اتضحك عليها وحصلها كده من واحد... وربنا يردلك اللي عملته في أختك، إيه، ما فكرتش إن ربك عادل ومش بيسيب حق حد؟"
كانت مشاعر عمر تحترق كاللهيب، غضبه الشديد يجتاح كل خلية في جسده. لم يكن يراه كأخيه، بل هو وحش يجب أن ينتقم منه، الغضب يغلي الدم في عروقه، يجعله يفقد السيطرة على كل ما فيه.
ضربه بلا هوادة، ليس لأنه يشعر بالقوة، بل لأنه كان يعبر عن الجرح العميق الذي تسبب به الآخرون. كانت دموع الغضب تتساقط من عينيه، لا دموع الحزن بل دموع الغضب المكبوت، تحاول الهروب من سجن العاطفة التي أخذت تجتاحه.
ربما كانت الكلمات قد فشلت في التعبير عن هذا الغضب، لأنه لم يكن مجرد كلمات، بل كانت صرخة بائسة من داخل نفسه، صرخة لم يستطع أحد فهمها أو تخفيف مأساتها.
"عمر... إنت بتعمل إيه... بتضرب أخوك كده ليه."
كانت صرخات دعاء تعلو المنزل بمجرد دخولها، برفقة قمر وعلا، ولم تكن تتوقع ما ستراه: عمر جالساً فوق علي، وينهال عليه بضربات عنيفة تصدر أصواتاً مؤلمة.
هرعت دعاء بقلق نحوهم، حيث أبعدت عمر بعنف من على علي، وجلست بجانبه. أخذت علي بحضنٍ محب ومليء بالأسف، وألقت نظرةً حادة نحو عمر، قائلة بتهديد:
"
إنت أكيد اتجننت... إزاي تضرب أخوك بالطريقة دي... يارا مش كده... يارا السبب مش كده... أنا قلت بنت رحاب مش هتجيبها البر وهتفرق بين عيالي... منها لله."
شعر علي بتنميلٍ يملأ كل وجهه من شدة الضربات، أغمض عينيه بألم شديد ووجد الراحة في حضن أمه. بينما أخذ عمر أنفاسه بصعوبة ولا يقدر على التنفس جيدًا، يشعر بأن قدماه لا تحملانه من قوة الخبر عليه... جلس على الأريكة يضع رأسه بين يديه فشعر بيد أخته تربت على كتفه وهي تبكي، فنظر إليها بشك قائلا:"إنت كنتِ عارفة؟"
أمالت علا رأسها بإيجاب فصرخ عمر بها: "كنتِ عارفة ومقلتيش لي؟"
"مكنتش مديني فرصة حاولت كتير معاك... فلقيت أن أنسب حل إنه هو اللي يقولك... لأنه لازم هو اللي يعترف بغلطته."
ذهبت دعاء لتحضر الإسعافات الأولية التي بكل منزل وتداوي جروح وجه ابنها وكانت تبكي بشدة وهي ترى كثرة جروح وجهه.
حيث هتف عمر وهو ينظر لأخيه بازدراء: "متعيطيش يا ماما... هو يستاهل اكتر..."
ثم نهض عمر بجهد، وأمسك علي من سترته ليرفعه بصعوبة ليقف أمامه على قدميه، وجره بقوة نحو باب الخروج. لكن صراخًا مفزعًا من دعاء أوقفه في مكانه، وهي تقف أمامه بنظرة حادة قائلة:
"استنى يا عمر! واخد أخوك ورايح على فين؟"، صاحت دعاء بصوت ينبعث منه القلق والغضب.
"رايح أسجنه... رايح أرميه مع اللي شبهه وسعي يا امي."
تفاجأت قمر بتصرف عمر، وهي تتحدث بصوتٍ مليء بالاستغراب: "ليه كده يا ابني؟ هو عملك إيه عشان تعمل معاه كده؟"
"اهو خالتك قمر بتسألك... إيه اللي يخليك تضربه بالشكل دا وسجن إيه اللي بتتكلم عنه. "
أجاب عمر بشحنة غضب مكبوتة بداخله: "علي بيتعاطى مخد رات يا أمي... ومش كده وبس دا كمان أذى يارا"
كانت الجملة صعبة عليه نطقها ولكن تفوه بها ليفهم الجميع واكمل:
"أغت صبها وهي حاليًا حامل منه."
صدمت دعاء من الاتهامات الموجهه لإبنها البريء ، ونظرت إلى ابنها بنظرة تعكس الاستغراب مما يتفوه به عمر، وتفاجأت به متوتر مما يسمعه وهذا ما أكد لها بأن عمر يقول الحقيقة.
فأمسكته من ذراعه غير مصدقة وقالت: "كلام أخوك دا صح؟؟؟؟"
ظل علي ينظر بالأرض من شدة خجله من هذا الموقف وبعد ثواني تفاجأ الجميع بصوت صفعة قوية تأتي من دعاء على وجه علي وتنظر إليه نظرات مليئة بالانكسار.
قال علي بصوت ضعيف:
"إنتِ السبب يا أمي... إنتِ اللي حليتها في عيني... إنت اللي خليتني أشوفها بنظرة تانية ."
عبّر عمر عن صدمته تجاه كل ما حدث، ونظر إلى أخيه بعيون ممتلئة بالاستفهام، فأجاب بصوتٍ متألم:
"ماما هي السبب... صدقني، هي السبب الأساسي في تغيير نظرتي ليارا، وفيما أدى للي إحنا فيه دلوقتي."
رن هاتف قمر وهي التي أجابت. وفجأة سمعوا صراخ قمر تتفوه ببضع كلمات:
"أسيل في المستشفى؟!"
انتابت دعاء القلق والخوف بعد سماعها هذه الكلمات، وركضت نحو قمر لتهدئتها وتطمئنها:
"اهدي يا قمر... هنروح لها... تعالي نروحلها."
بعد ذلك، تقدمت دعاء نحو عمر بنبرة حاسمة:
"تعال وصلنا للمستشفى إللي فيها أسيل.... وسيبك من الحوار دا دلوقتي، بعدين نبقى نتكلم فيه. علي تعال معانا عشان تعالج الكدمات ديبرضو وانت يا علا مش هسيبك لوحدك."
نزل الجميع وراء والدتهم في صمت تعكس الأحزان والتوتر، بينما كانت قمر تبكي بحرقة على ابنتها الصغيرة التي كانت الآن في المستشفى، غير مدركة لحالتها الصحية. ركب الجميع السيارة بصمت يُظهر الأسى والانكسار، وكان عمر مشغولًا بالتفكير في دور أمه في كل ما حدث... هل ستكون هناك مفاجآت أخرى تنتظره؟
___________________
داخل المستشفى"
قال الطبيب: "عندها نزيف داخلي. هندخلها غرفة العمليات فوراً، وشاكين في كسر في ضلع. تفضل امضي هنا عشان نجهز للعمليات."
وقع كلمات الطبيب على مسامع يزن كان كوقع صاعقة مزقت قلبه، تلاشت الدنيا من حوله، وأصوات الأجهزة الطبية تزايدت في رأسه.
بيده المرتجفة، وقع يزن باسمه، ثم دفع تكاليف العملية دون تردد. كان كرسي المستشفى البارد ملاذه الوحيد بعدما فقد توازنه، ساقاه خائرتان، كأن وزنًا هائلًا ضغط على قلبه. في تلك اللحظة، كان الألم الذي تعانيه أسيل وكأنه ينساب في عروقه، شعوره بالضعف والعجز يعمقه حبٌ لا يمكنه وصفه. الضلع المكسور في جسدها كان كأنه كسر في داخله، والنزيف بدا وكأنه جرح مفتوح في قلبه.
جلس مصطفى بجانبه، وضع يده على كتفه محاولًا بث بعض الأمل، قائلاً: "متقلقش، هتطلع بالسلامة إن شاء الله."
رفع يزن عينيه المثقلتين إلى مصطفى ويارا، وقال بصوت ممزوج بالغضب والحزن: "كنتم في البيت وهي بتضرب كده؟"
أجابت يارا ببكاء، وهي تتذكر محاولاتها الفاشلة: "حاولت أمنعه، لكن مكنش في فايدة. ماما منعتني أقرب، والكل كان واقف خايف من رد فعله... كان وحشي وبيضر بها من غير ما يشوف."
قبض يزن يديه بعنف، مشدوهًا من شدة غضبه، وقال: "وربي، ما هرحمه في كل ضربة مدها على أسيل."
فجأة، جاء صوت عبد الله، والده، يناديه من بعيد. تقدم يزن نحو أبيه، قص عليه ما حدث، متوعدًا بالانتقام، قائلاً: "مش هسيبه، هخليه يدفع الثمن."
رد عبد الله بحزم: "ملكش الحق تتدخل. سيب الشرطة تتصرف، معانا شهود وطب شرعي. متركبش نفسك في الغلط."
اعترض يزن محاولاً تبرير غضبه: "بس يا بابا..."
قاطعه عبد الله: "متنساش إننا ناس محترمين، وانت ابن حد معروف. بلاش تسوء سمعت عيلتك عشان تهورك. حقها هيجي، بس مش مننا إحنا مش بنحاسب فيه قانون بيحاسب، وانت عاقل، وأنا مربيك على احترام الكبير."
أصر يزن: "احترم الكبير لو هو محترم، إنما لو..."
أكمل عبد الله بإصرار: "نحترم الكبير أيًا كان. خلي البنت اللي قالتلك تيجي، وهيسألوا كل الخدم، وهيتعمل تحقيق، وحق أسيل هيجي من غير شوشرة ولا أذية ليك."
هزت يارا رأسها مؤكدة: "ايوة يا يزن، عمو عنده حق. بابا شريف مش سهل. متدخلش نفسك في مناوشات معاه."
قبل أن يُكملوا حديثهم، جاء صوت صراخ قمر باسم "أسيل". هرع يزن نحوها، جاثيًا على ركبتيه ليواسيها، وهي جالسة على كرسي متحرك: "متقلقيش، أسيل بخير، صدقيني، اهدي، أسيل بخير."
توسلت قمر بدموع متدفقه: "عايزة بنتي يا يزن، بنتي مالها وليه في المستشفى؟"
قص عليها يزن ما حدث وبينما هو يكمل حديثه وسط ذهول الكل أصاب قمر ارتفاع حاد بالدورة الدموية مما جعلها تفقد الوعي بسرعة ونقلها الممرضين الى غرفة العناية. "
بمجرد أن وقعت عينا عمر على يارا، أشاح بنظره فورًا، وكأن لقاءها في هذا التوقيت تحديدًا كان أكثر مما يحتمل. أما هي، فاستدارت نحوه بوجه متحير، تتفحصه بعينيها القلقتين، قبل أن تسأله بصوت هادئ لكنه مثقل بالريبة:
"عمر، انت جاي معاها ليه؟ تعرفها؟ مين دي؟"
كأنه احتاج إلى ثوانٍ ليستجمع كلماته، فخرج صوته متحشرجًا وهو يجيبها:
"دي والدة أسيل... كانت في غيبوبة وصحيت منها."
شهقت يارا بخفة، وعلى وجهها انطلقت فرحة خالصة:
"يا قلبي، حمد لله على سلامتها! أسيل هتفرح أوي لما تشوفها، يارب تقوم بالسلامة، ربنا عوضها بيزن، واهو مامتها رجعتلها. يارب يكمل فرحتها على خير، ويبقى آخر أذى ليها. ياحرام، البنت دي عانت كتير أوي، بس ربنا مش بيهون عليه عباده أبدًا، وبيعوضهم عوض هما ميتخيلهوش... زيك كده في حياتي."
كلماتها الأخيرة جعلت أنفاسه تضطرب لثانية، لكنه أخفاها في نظرة خاطفة نحوها. أخرجت هاتفها، واقتربت منه بحماس، تمد يدها إليه وهي تقول بابتسامة:
"معرفتش أجيبهم معايا بس قلت أصورهم وأبعتهم لك، وبما إنك هنا، هوريهم لك دلوقتي... بص."
ألقى نظرة على شاشة الهاتف، فرأى صورة ملابس أطفال صغيرة باللون الأزرق. شيء ما خنقه في صدره، كيف سيواجهها بالحقيقة كيف !
نظر إلى وجه يارا، فوجد فيه ابتسامة أمل وفرح، بينما داخله كان يصرخ بوجع.
وفجأة، وكأن ما بداخله لم يعد يحتمل، جذبها من ذراعها، يعانقها بقوة. كان يريد أن يعتذر، لكن أي اعتذار يمكن أن يبرر كل شيء؟
كيف يمكنه أن يخبرها أن من فعل بها كل هذا ومن كان يتوعد له في كل لحظة، هو أخيه الصغير الذي تربى على يديه ! هل الاعتذار كافٍ على هذا الجرم على سيصلح ما بخاطرها إن اعتذر عما فعله أخيه ؟
يريد أن يعتذر لها ولكن، هل أخطأ بوضع القليل من السكر على الشاي تبعها ليصبح اعتذاره بإضافة القليل من السكر فقط؟! هل للاعتذار أن يكون حلا بهذا الموقف؟
دفن وجهه في شعرها، محاولًا أن يختبئ من أفكاره، من صوته الداخلي، من الحقيقة التي تتسلل إليه كخنجر بارد. شعر بها تضع يدها على ظهره، تربت بخفة، كأنها تحاول أن تفهم، كأنها تمنحه فرصة ليقول ما يعجز عن قوله.
لكنه لم يقل شيئًا. فقط شدّ ذراعيه حولها أكثر، كأنه يريد أن يثبت وجودها بين يديه للحظات أطول، قبل أن يضطر إلى مواجهة كل شيء.
لم تفهم، لكنها بادلت عناقه بسعادة، حتى شعرت بعد لحظات أن ما تشعر به ليس دفء الحب فقط، بل شيء آخر... شيء لا تفهمه.
ربتت على ظهره برفق وهمست:
"حبيبي، انت كويس؟"
رفع يده بسرعة، مسح دموعه قبل أن تفضحه، وابتعد عنها فجأة، ناظرًا بعيدًا وهو يدير لها ظهره، محاولًا استعادة ثباته:
"أه يا حبيبتي، كويس... أنا هروح أطمن على طنط قمر."
وقبل أن يبتعد، أمسكت يده، لتجبره على التوقف. تقدمت أمامه، ناظرة في عينيه مباشرة:
"مالك؟"
أشاح بوجهه قليلًا، ورد بسرعة وكأنه يهرب من شيء:
"مفيش يا يارا."
لكنها لم تصدقه، فرفعت يدها، تلامس خده برقة، هامسة بإصرار:
"عينيك مدمعة."
حاول عمر الابتسام بصعوبة ،أمسك بيدها التي على خده، وقبلها بحب، قبل أن يقول بصوت مشحون بالكتمان:
"مكنتش أعرف إني هضعف قصاد لبسه كده... أنا متشوق أشوفه، هيبقى عامل إزاي في الطقم اللي جبتيهوله."
ابتسمت يارا، وبعينيها سعادة لا توصف. أما هو، فعينيه كانتا تحملان ألمًا لا يُحتمل.
ولم يُتح لهما الوقت ليطول، فقد قاطع لحظتهما علي.
نظرت يارا إلى علي وابتسمت ترحب به ولكن اختفت ابتسامتها حين لمحت كدمات وجهه، ثم قالت باستفهام: "إيه الضرب اللي في وشك دا؟ حصل لك حاجة في الرحلة اللي كنت طالعها؟"
أجاب علي وهو يحاول السيطرة على نفسه: "يارا، ممكن نتكلم شوية على انفراد؟"
وافقته يارا بتردد وبينما كان عمر سيعترض،نادته والدته فهم إليها ليرى ماذا تريد بينما أخذ علي يارا على جنب ليتحدث معها براحة.
"يارا، انت عارفة إني بحبك؟"
#لا_تخافي_عزيزتي
|29-لا تخافي عزيزتي|الجزء الثاني
صلوا على الحبيب
"يارا، انت عارفة إني بحبك؟"
ارتبكت يارا، ناظرة إلى عمر الذي كان منشغلًا، وأجابت بحزم: "وانا كمان يا علي بحبك زي اخويا ،انت اخويا الصغير زي مصطفى."
قال علي:
"لا يا يارا،أنا بحبك كحبيبة وعايز اتجوزك."
تبدلت تعابير وجه يارا لغضب قائلة:
"عيب اللي بتقوله ده انا هبقى مرات اخوك كمان كام يوم !"
استرسل علي بعاطفة جارفة: "لكن أنا اللي بحبك يا يارا. تتجوزيني أنا بداله، صدقيني هسعدك. يارا، أنا مجنون بيكِ، حاولي تديني فرصة."
بدت الصدمة واضحة على وجه يارا، فقالت بحدة: "إنت إيه اللي بتقوله دا؟ بقولك هتجوز أخوك بعد كام يوم. ليه مصمم تبوظ العلاقة بينكم؟ علي، فوق لنفسك، انت لسه صغير و..."
قاطعها علي بنبرة مليئة بالإصرار: "برضو هتقوليلي صغير زي ما قال، الحب مفيهوش صغير ولا كبير يا يارا. صدقيني، أنا أولى بيكِ أكتر منه، أنا بحبك أكتر منه."
ردت يارا بتساؤل واستنكار: "بس أنا مش بحبك. ليه تتجوز واحدة قلبها مع شخص تاني؟ ترضاها على نفسك؟"
أجاب علي بمرارة: "بس أنا عايزك تحبيني."
استجمعت يارا شجاعتها وقالت بوضوح: "مش هحبك، ولا عمري هحب شخص تاني غير عمر."
أصر علي بشدة: "بس انت ممكن تحبيني. لو عمر كان اتجوز مودة كنتِ هتعيشي طول حياتك مفتقداه؟ كنتِ أكيد هتتجوزي شخص تاني. أنا هو الشخص دا، أنا جيت قبله وطلبت إيدك قبله، وعرفت بمشاعري قبله. وبقولك، ممكن تحبيني لما تعاشريني، انتِ بس مش مدياني فرصة. متعرفينيش، ومتعبتيش نفسك إنك تعرفيني وتعرفي قد إيه أنا بحبك."
ردت يارا بحسم: "وهو كمان بيحبني."
قال علي بوضوح: "لا، مش زي ما أنا بحبك. أنا مجنون بيك، بحلم بيك كل يوم. بصي..."
أخرج صورتها من جيبه، ممسكًا بها كما لو كانت كنزًا ثمينًا: "أنا بنام وانا حاضن صورتك، على أمل إن في يوم تبقى حقيقة ونجتمع أنا وأنتِ في بيت واحد."
وضعت يارا يدها على رأسها بوجع وقالت: "علي، انت لازم تعرف إني بحب عمر بنفس حبك ليا، ومقدرش أتخيل حياتي مع شخص تاني غيره. ولو متجوزتش عمر، مش هتجوز طول عمري. حاول تنسى، صدقني هتتعب أوي لو حافظت على مشاعرك دي. أنا حقيقي مش عايزة أخسرك، ولا عايزاك انت وعمر تخسروا بعض بسببي. قدر إني أنا وأخوك بنحب بعض."
بدأت يارا بالابتعاد، ولكن علي أمسك بذراعها بغضب، قائلًا: "مش هتتجوزي حد غيري يا يارا، أنا أولى بيكِ أكتر منه."
صاحت يارا بألم، وهي تحاول تحرير ذراعها من قبضته: "اوعى يا علي، دراعي بيوجعني."
-سيبها أحسن لك.
صرخ بها عمر بصوت عالٍ، مما جعل الجميع يلتفتون.
تقدم عمر بسرعة نحوهم، ثم لكم علي بقوة على وجهه، مما جعله يترك ذراع يارا ويمسك بفكه، يحاول الوقوف بثبات. تجمّع الجميع، يحاولون إمساك عمر الذي كان يشتعل غضبًا، بينما يارا كانت مذهولة من نظراته وتصرفاته تجاه أخيه!
ابتعد علي عنه، جالسًا على مقعد بعيد عنه، غارقًا في أفكاره المعقدة والمتداخلة. في الوقت نفسه، جلس عمر يراقبه من بعيد، وملامحه مشوبة بالغضب . في هذه الأثناء، عم الصمت بين الجميع، صمت ثقيل يعبر عن مزيج من الحيرة والترقب، وحتى دعاء، التي كانت تشعر بأن الحقيقة باتت قريبة من الانكشاف.
مرت الساعات ثقيلة، وفي النهاية خرج الطبيب من غرفة العمليات، مما جعل يزن يقفز من مكانه، متلهفًا للاطمئنان على أسيل.
قال الطبيب بصوت مطمئن: "الحمد لله قدرنا نتخطى مرحلة الخطر.... بس للأسف وجدنا ضلع مكسور عملنا شرائح ومسامير وفي غضون كام شهر الجرح هيلتئم... الف سلامة عليها... وتقرير الطب الشرعي هيطلع بس اظن... انها مش محتاجة لتقرير طب شرعي غير على كسر الضلع فقط لكن الضرب ظاهر قدامنا زي وضوح الشمس... الشرطة هتيجي وهتشوف بنفسها الكدمات دي وهتستجوب بمين السبب.... حمد لله على سلامتها."
سأل يزن بلهفة وقلق يدفعه للإطمئنان على حبيبته: "طب يا دكتور، بعد إذنك، ممكن أدخل وأشوفها؟ أرجوك، عايز أطمئن عليها."
استغرب الطبيب من نظراته المشبعة بالعشق ولهفته الواضحة، ووافق على دخوله، بشرط أن يكون الوحيد المسموح له بالدخول بعد العملية.
بخطوات بطيئة، تقدم يزن نحو سريرها. كانت أسيل راقدة، شاحبة وكأن الحياة قد غادرت وجهها الجميل، تحيطها الضمادات، جمالها غائب لكن روحها لا تزال موجودة، ونبضات قلبها لا تزال ترسل الحياة إلى وجوده. جلس على كرسي بجانب سريرها، ودموعه بدأت تنهمر بلا توقف، خاطبها بألم مكبوت:
"أسيل..... متسيبينيش أرجوكِ..... اول مرة اعرف اني بخاف اوي كده... اول مرة يغمرني احساس الخوف... انا كنت خايف اني اخسرك النهاردة... شايفة إيدي بترتعش إزاي؟ ودقات قلبي مش قادر أسيطر عليها وأنا شايفك في الحالة دي...انا حاسس ان حياتي كانت على وشك الدمار لو انت مشيتي منها....مكنتش هسمحلك تسيبيني....انتِ فاهمة؟
وبدأ ينظر إليها بحنين وهو يبتسم بصعوبة:
" قومي يا عمري، أنتِ أقوى من كده. قومي، وأنا مش هخليكِ تغفلي عن عيني ولو للحظة. أنا كنت فاكر إني سايبك مع أهلك، بس طلع الأهل يتخاف منهم أكتر من الغريب."
أمسك يدها برفق، وقبّلها بدفء، ثم ربت عليها بأصابعه هامسًا بداخله: "لا تخافي عزيزتي."
خرج من الغرفة، مطمئنًا الجميع على حالتها، وأكد أنها بخير. سأل عن قمر، ليجد أنها لا تزال تحت تأثير المخدر بعد حقنة مهدئة. جلس بجانب والده، عبد الله، الذي رأى في ابنه شيئًا جديدًا؛ عشقًا حقيقيًا لفتاة لم تكن مجرد عابرة في حياته، بل أصبحت نبض قلبه وملاذ روحه.
جاءت الشرطة لاحقاً لإجراء التحقيقات، وتحركوا نحو منزل شريف الجوهري، حيث كان الصمت في المستشفى بداية لعاصفة أخرى تنتظر في الخارج.
_________________
-الو.... مركز الشرطة.... كنت عايزة أعمل بلاغ..... ضد جوزي
ثم التفتت الى الخدم وقالت: "تقولوا كل اللي حصل مش عاوزة حاجة تستخبي كل اللي شوفتوه يتقال في التحقيق."
بينما كانت هدير تراقب رحاب بعينين تملؤهما الدهشة، غارقة في استغراب سلوكها المتقلب. كيف يمكن لإنسانة استمتعت بمشهد ضرب أسيل بكل شغف أن تخون شريف، زوجها، وتبلغ عنه الشرطة ببرود؟ لقد كانت حقًا ماكرة ومتلاعبة، تلعب على كافة الحبال دون أن يظهر عليها أي تردد أو شعور بالذنب.
في تلك اللحظات، كان شريف مستغرقًا في نوم عميق، غافيًا في فراشه، يشعر براحة الجسد والروح. كان واثقًا تمامًا أن أهل البيت لن يشهدوا ضده أبدًا، وأنه سيتمكن من تلفيق التهمة لأي شخص آخر بسهولة، في ظل إحساسه المتضخم بالقوة والنفوذ. لم يخطر بباله أبدًا أن هذه الليلة قد تأتي محملة بخيانة مباغتة.
لكن فجأة، شُرِبَ نومه الهادئ برنين القيود الباردة التي أحاطت بمعصميه، رجال الشرطة يقيدونه دون سابق إنذار. كان ارتباكه جليًا، ملامح وجهه تمتلئ بالذهول والصدمة، وهو يحاول إدراك ما يحدث حوله. متى جاءوا؟ وكيف علموا؟ وفي لمح البصر، التفت بعينين جاحظتين نحو رحاب، يبحث عن إجابة أو تفسير، ليجدها تضحك بخبث، عيناها تتوهجان بتلذذها بالانتقام الذي كانت تخطط له منذ فترة طويلة.
في تلك اللحظة، انفجرت الحقيقة في ذهنه كقنبلة، وأدرك حجم المأساة. كم كان مغفلًا أو غبيًا، لقد اطمأن إلى هذه الحرباء الماكرة، التي لطالما عرف خبثها وسمها الداخلي، لكنه لم يتخيل يومًا أن تكون قادرة على استخدام هذا السم ضده. فكان يظن أنها ستظل مخلصة له، رغم كل ما يعرفه عنها. لكن الآن، وهو مقيد ومذلول، لم يعد هناك مكان للثقة أو الأمان، فقط إدراك مرير بأنه كان لعبة في يد تلك الكائنة الخبيثة، التي أعدت له هذا الفخ ببرود متقن.
_____________________
عندما عاد عمر إلى المنزل، جلس أمام أخيه علي، وقلّب نظره بين جروح وجهه التي بدت وكأنها سطور مكتوبة بلغة الألم والندم. شعر بقلبه يرقّ قليلاً وهو يرى آثار الجروح على وجه علي، لكن الغضب المستعر بداخله سرعان ما أطفأ تلك الرحمة العابرة. نظر علي إلى أخيه، مستشعرًا في نظرته خليطًا من الحزن والانكسار، وقال بصوتٍ متهدج: "اضربني تاني لو لسه غليلك متشفاش."
رد عمر ببرودٍ يقطر حقدًا: "ولا هيتشفي... طول ما أشكالك لسه على وجه الأرض."
تابع علي محاولًا كبح دموعه التي تجمعت في مقلتيه: "عمر، أنا مكدبتش عليك... مخليتهاش تحمل ورميتها... مبعدتش نفسي بعد ما عرفت إني ورطت نفسي بطفل... أنا جايلك وبقولك إني غلطت وندمان... وعاوز أتجوزها من غير أي شوشرة."
تفجّر غضب عمر من جديد، فصاح: "بس إنت متعرفش إن اللي عملته دا جريمة ولازم تتعاقب عليها؟"
انخفض صوت علي، وتحوّل إلى نبرة مملوءة بالاستسلام: "عارف... صدقني عارف... بس يا عمر، ارجوك ليه أدخل السجن واتعذب وهي تولد طفل قدام الناس وهي مش متجوزة؟ وابني يتربى لوحده؟ لما ممكن أتجوزها ونربي ابننا سوا والحياة تستقر."
ظل عمر صامتًا للحظات، كانت كلمات علي تتردد في ذهنه كأنها أصداء في كهفٍ عميق. شعوره بالخيانة والخذلان يكاد يخنقه. قال بحدةٍ متزايدة: "يا أخي أنا لحد الآن مش مستوعب اللي إنت عملته، عملته إزاي وفين وامتى... وليه بتقول إن ماما السبب... احكيلي يا علي كل حاجة."
أخذ علي نفسًا عميقًا، وكأن الهواء يثقل على صدره، وقال بصوتٍ مثقل بالاعتراف: "حاضر... هحكيلك...ماما بتشتغل في الاعمال والسحر يا عمر... وانا لما اكتشفت باقت بتشغلني معاها وكان كل اللي بتعمله على الطاير بنحتاج صورة بس وبتعمل منها العمل... انا كنت عارف وللأسف ساعدتها في دا وبقيت انا الي بدفن الاعمال دي..... بس الموضوع كبر عندها لما حبت تنتقم من طنط رحاب... انا الحقيقة معرفش هي عملتلها ايه... كانت عاوزة تعمل سحر متعلق بقراءة الطلا سم السحر ية على بني ادم..... وعرفت بعدها انها مستقصدة يارا لان دا اللي ماما كانت عاوزاه كانت عايزة تدمر بنت طنط رحاب عشان هي اللي تتإذي وبعد ايام لقيتها قالتلي اني انزل علساعة اتنين بليل اروح لبيت يارا واستنى راجل هيجيبهالي واللي عرفته انها كانت متفقة مع خدامة من خدامين البيت بتخليها تحطلها منوم فيه وحد من الحراس بيجيبهالي لاني بكون مستني بعيد عن البيت بشوية وانا باخدها للمكان بتاع الشيخ بيخلص عليها الطلاسم بتاعته منغير اي حاجة يعني مش بيقرب منها هو بس محتاج روح قدامه تكون عايشة يقرأ عليها ويإذيها بالقراءة عليها مش اكتر ودا انتج عنه ان يارا هتحلم بكوابيس مش كويسة وهتكون مطارداها كل ليلة وعلطول هتكون حاسة بحزن ونفسيتها هتبقى تحت الصفر ودايما هتكون حاسة بإن جسمها واجعها علطول والم في مناطق متغيره يعني مش كل يوم هتحس بنفس الالم في نفس المنطقة بتتغير كل يوم بعد كل جلسة هي بتبقى نايمة قدام الشيخ وبيبدأ يقرأ عليها طلا سم سحر ية....... ومرة مع مرة انا ابتديت احب يارا ساعتها وكنت ساعتها بشرب مخد رات وفي يوم وانا برجعها البيت وهي كانت لسه نايمة... كان مكان الشيخ دا وسط صحرا وبعيد فاستغليت هدوء المكان وانه خالي من الناس و..... اغتص بتها في العربية بدون رحمة مني...... والمشكلة ان كان بيغمرني السعادة بس ومكنتش حاسس بأي ندم على اللي بعمله ساعتها وكررتها مرة واتنين لحد ما طلبت اني اتجوزها من امي لكن هي رفضت ودا كان اليوم اللي جيت فيه وقالتلك اني طالب ايديها وعايز اتجوزها وانت ساعتها رفضت."
كانت صدمة عمر طاغية، ضربت صميم روحه كضربة موجعة لا شفاء لها. مشاعر متضاربة تشابكت في عقله، بين العجز والغضب والذهول. شعر بجسده يتنمل، وكأنه فقد السيطرة على أطرافه. تخيل يارا، تلك الروح البريئة التي وقعت في شراك هؤلاء الذين تجردوا من الرحمة. وأمه، المرأة التي طالما وضعها في مرتبة القداسة، كيف لها أن تُمارس هذا القسوة على فتاة كانت كابنتها؟
أحسّ بأن قلبه يثقل بعبء لا يُطاق، نبضاته تُدقّ كأنها طبول حرب تُعلن عن معركة ضارية داخله. حاول النهوض من الأريكة، لكن قدماه خانتاه، فتهاوى أرضًا وأخذ يستفرغ بشدة، وكأن جسده يحاول طرد الألم الذي ينهش روحه. لحقه علي، يائسًا، دموعه تتساقط كالمطر، وأمسك بذراعه، لفّها حول عنقه ليُساعده على الوقوف. قاده نحو المرحاض، أوقفه أمام الحوض، وغسل وجهه برفق. لكن عمر لم يكن يسمع شيئًا سوى صدى صفيرٍ حاد يملأ أذنيه، وعيناه، في انعكاس المرآة، تتخيل يارا تبكي وتصرخ به، صرخاتها تتردد في أعماق قلبه:
"حرام عليكم تعملوا كده فيا دنا كنت واحدة منكم... اتربيت معاكم... منكوا لله... حسبي الله ونعم الوكيل."
انهارت مقاومة عمر، واندفعت دموعه بحرارة، يبكي بقهر يكاد يُمزق أوتار قلبه. شعر أن كل ذرة في جسده تصرخ حزنًا وألمًا على ما حدث بحبيبته. أدرك أن هذا العالم مظلم، لا مكان فيه للأبرياء، وأن قسوته لا تترك مجالًا للرحمة، تُفسد كل ما هو طاهر ونقي مثل يارا.
____________________________
عندما عاد مصطفى ويارا إلى المنزل، كان الجو ملبدًا بالشكوك والتوتر. وجدا رحاب جالسة في الصالة، ضاحكة، تغمرها سعادة كبيرة وهي تشاهد فيلمًا على التلفاز. ابتسمت لهما، داعية إياهما بلهجة خالية من القلق: "تعالوا، تعالوا يا ولاد، دا فيلم حلو أوي، موتني ضحك."
تقدم مصطفى ببطء وسأل، مترددًا: "ماما، هو بابا شريف فين؟"
قفزت رحاب من مكانها بحركة نابضة بالحياة، وقالت بنبرة مليئة بالانتصار: "بح، خلاص... هي دي التهمة اللي كنت مخططالها... وطبعا أملاكه هتكون ليا، وهو هيفضل في السجن مدة تتراوح بين الثلاث للعشر سنوات."
وقفت يارا مذهولة، قلبها ينبض بسرعة وهي تحاول استيعاب ما سمعته للتو. صاحت بصوت متقطع: "يعني إيه التهمة اللي كنتِ مخططاها... هو إنتِ كنتِ قاصدة كل اللي حصل دا؟!"
رفعت رحاب حاجبيها بفخر، وتحدثت وكأنها تكشف عن مخطط مُحكم: "دنا بحضر فيها بقالي كتير، وامبارح بالليل تخيلتها زي ما حصلت بالظبط... هنعيش أنا وإنتو بسلام، ممكن نسافر ونقعد برا مصر... مش مصدقة إني اتخلصت منه."
كان مصطفى يشعر بدمائه تغلي، فسأل بصوت مشحون بالتوتر: "عملتيها إزاي؟"
نظرت رحاب إلى مصطفى بتعابير تحمل الزهو والغطرسة: "إنتو فاكريني عبيطة ولا إيه؟... مش عارفة إن أم أسيل لسه عايشة؟... كنت بشوف أسيل بتروحلها في بيت دعاء وتقضي معاها اليوم... وطبعا أنا عارفة إن شريف شاكك فيها بسبب تأخرها... وكمان هو ميعرفش بيت دعاء فين، قمت وسوست في ودانه إنها بتروح مع يزن الشقة وإنها ممكن تكون واخدة طبع أمها... وبس أنا قلت الجملة دي من هنا وهو شاط وكسر عضمها من هنا."
كانت يارا غير قادرة على السيطرة على انفعالاتها، شعرت بالغثيان من كلام والدتها، صرخت وهي ترتجف: "كنتِ عارفة إنه هيضربها بالشكل دا ومع ذلك سيبتيه؟؟"
ردت رحاب بلا مبالاة، وكأنها تتحدث عن لعبة: "دنا كنت عاملة في الحسبان إنه يموتها وينعدم... ولكن الموضوع باء بالفشل، فحلوين الكام سنة دول، هظبط فيهم أموري وأجمع شوية فلوس."
انهارت يارا بالبكاء، تكاد لا تصدق أن أمها يمكن أن تكون بهذه القسوة، صاحت بصوت يختنق بالدموع: "ماما، إنتِ إزاي تعملي كده... إزاي بجد مخفتيش على أسيل... إنتِ متعرفيش خافت عليكِ قد إيه لما كنتِ تعبانة... إنتِ متعرفيش إنك بتؤذي واحدة مالهاش أي ذنب... ليه بتعملي كده ليه؟؟"
تقدمت رحاب بخطوات ثابتة نحو يارا، نظراتها جامدة، وأجابت بحدة: "إنتِ هتعلميني يا بت ولا إيه؟... يلا روحوا لأوضتكم، إنتو الاتنين عندكو جامعة الصبح."
توجه مصطفى ويارا إلى غرفتيهما، مشاعر الحزن والألم تخيم عليهما كظل ثقيل. مشيا ببطء، وكأن كل خطوة تأخذ منهما جهدًا عظيمًا، مثقلين بواقع لا فرار منه. كانا يشعران بأن الأرض تهتز تحت أقدامهما، وكل ما عرفاه عن الحب والأمان يتلاشى أمام القسوة الباردة لوالدتهما. في عمق عيني كل منهما، كانت هناك نظرة مشتركة من الخيبة واليأس، إشارة إلى أنهما قد وقعا ضحية لاختيارات لم تكن أبدًا في أيديهما، وأن قلبهما قد تحطم تحت ثقل الحقيقة القاسية.
__________________________
استيقظت أسيل في الصباح التالي، شعرت بأطرافها تتنفس للحياة مجددًا بعد ليلة طويلة من الألم والكوابيس. عندما فتحت عينيها بتثاقل، وجدت يزن نائمًا بجانبها، رأسه مستند إلى سريرها ويده ممسكة بيدها. نظرت إليه بحنانٍ، ثم حرّكت يدها الأخرى بحذر وبدأت تلامس خصلات شعره بأصابعها بلطف، تراقب تعابير وجهه التي كانت مشوبة بالقلق حتى في نومه.
تململ يزن واستيقظ فجأة، عينيه اللامعتين تلتقيان بنظراتها المتلهفة. حين أدرك أنها قد استيقظت، انبسطت ملامحه بفرحة لا يمكن وصفها، وقال بصوتٍ متهدج من فرط السرور: "أسيل... صحيتي أخيرا... الحمد لله على سلامتك... أنا هروح... هروح أبلغ طنط قمر... هي جات وكانت عايزة تطمن عليكِ."
عندما همّ يزن بالقيام، شعرت أسيل بيدها تتحرك بشكل غريزي لتمسك بيده، عيناهما التقتا في نظرة مملوءة بالحب والتعلق. جذبت يديه لتقترب منه، وابتسمت له بابتسامة حانية قبل أن ترفع يدها اليمنى لتجفف دموعه التي انحدرت على خديه كأثر للقلق الذي عايشه. مسحت دموعه برفق، وابتسمت له بحبٍ خالص.
شعر يزن بالدفء يغمر قلبه، اقترب منها أكثر، ثم طبع قبلة ناعمة على جبينها، بينما أغمضت هي عينيها، مستسلمة للحظة، شعرت بشفتيه الحانيتين تمسدان جبينها وكأنها تعهدٌ صامت بالمحبة الأبدية. اقترب برأسه منها، حتى تلامست أنفاهما ببعضها البعض، وظلا هكذا لثوانٍ، عيونهم مغلقة، كأن الزمن توقف، ليتحدثا بلغة القلوب التي تتبادل نبضات الحب والوفاء.
بعد بضع دقائق، نهض يزن من الغرفة وهو لا يزال تحت تأثير المشاعر العميقة، ليذهب ويستدعي قمر. هرعت دعاء ومعها قمر وعلا إلى غرفة أسيل فور علمهم باستيقاظها. التفوا حول سريرها بقلوبٍ مفعمة بالحنان والفرح، وعندما رأت أسيل والدتها وحبيبها بجانبها، شعرت بسعادة غامرة، دفء الحب يملأ المكان.
بعد قليل، وصلت كل من زينة ويسرى لزيارة أسيل، يجلبان معهما أجواء من الدعم والطمأنينة. عرفهم يزن على قمر، التي انسجمت سريعًا مع عائلة يزن، بانطباعها الطيب وأخلاقها الراقية التي تنضح بالهدوء والمحبة، ما أضفى جوًا من الألفة والاحترام المتبادل.
في غضون يومين، جاء عبد الله بأخبار هامة. أعلن بوجهٍ مفعم بالجدية والتوتر: "تم القبض على شريف الجوهري بتهمة التعنيف المنزلي. وقد قدم الطب الشرعي تقارير تثبت أنه ألحق بأسيل إصابة تسببت في عاهة مستديمة، مما أدى إلى إصدار حكم المحكمة بحبسه مدة لا تقل عن خمس سنوات."
كانت كلمات عبد الله مثل رصاصة في قلب الجميع، تفاعلت معهم المشاعر المتضاربة بين الارتياح والقلق. أحست أسيل برعشة خفيفة، تطلعت إلى يزن بعينين تغشاهما الدموع، وأدركت أن هذه العقوبة قد تجلب بعض العدالة، لكنها لن تمحو الألم الذي عانت منه. تطلع الجميع إلى المستقبل بتفاؤل حذر، عالمين أن هذه اللحظة لم تكن إلا بداية لرحلة طويلة نحو الشفاء والتعافي.
_________________
أمسكت دعاء بالمصحف بيدٍ ترتجف، ووضعت يد عمر عليه، عينيها متوسلتان مشبعتان بالحزن والتوبة. قالت بصوت متضرع: "احلف عالمصحف إنك مش هتؤذي أخوك."
نظر إليها عمر باستهزاء، تملؤه مرارة السنين الماضية، وقال بسخريةٍ مشوبة بالألم: "مصحف يا أمي... وهو اللي بيشتغل في السحر ب..." لم يكمل جملته، شعر وكأن الكلمات تخنقه.
تحدثت دعاء، ودموعها تنساب كالجمرات: "أنا توبت من بدري... من ساعة ما أخوك طلب إنه يتجوزها وأنا بطلت إني أذيها، لأن أذيتها هتيجي على ابني أنا..."
ضحك عمر بسخريةٍ عميقة، ضحكة تقطر مرارة وحسرة، فقال علي بهدوءٍ محاولا ضبط نفسه: "أنا وماما غلطتنا يا عمر... وهي تابت وأنا تبت... استر علينا أنا وهي... واعتبر كإن محصلش حاجة... إحنا مش غرب، أنا أخوك وهي أمك."
جلس عمر على الأريكة، رأسه بين يديه، وكأنه يحمل عبء الكون كله. تحدثت دعاء بتوسلٍ يقطع القلب: "سيبه يتجوزها يا عمر... وأنا هعاملها كويس وهنسى أي حاجة، صدقني... بس اقبل إنها تتجوز أخوك... خلي ابن أخوك يتربى في حضنه... متبقاش أناني... لو خلصنا الموضوع في السر صدقني هيبقى أحسن ليا وليك وليارا كمان... محدش هيصدق إن تم اغتص ابها... كلهم هيفتكروها ست وحشة وشرفها هيضيع... إنت كدا بتستر يارا وأنا وأخوك وربك بيسامح وسامحنا لما توبنا، إنت مش هتسامح؟"
صرخ عمر بألمٍ يخترق الأعماق: "مش مشكلة أسامح... المشكلة إني مش مصدق إنكم طلعتوا كدا... أنا وعلا مصدومين فيكم... علا لما عرفت راحت لستي وقاعدة معاها بقالها يومين لأنها تعبانة من اللي سمعته عن أمها... إنتِ عارفة يا أمي عملتي إيه فينا؟؟؟؟ "
بكت دعاء بحرقة، واندفعت لتعانقه، وكأنها تحاول أن تعيد إلى قلبه بعض الدفء المفقود: "حقك عليا يا ابني... دا أنا الندم بياكل في لحمي من ساعة ما عرفت اللي حصل لاختك، حسيت إن ربنا هيردها في بنتي الوحيدة... أنا خايفة عليكم أوي بسبب كل حاجة وحشة عملتها... عشان خاطري يا عمر، عشان خاطر أبوك، عشان خاطرنا كلنا... وافق إن علي يتجوز يارا ومتجبلهاش سيرة غير إن علي بس هو أبو طفلها عشان توافق، وحاول تقنعها إنها متعملش حاجة، إنت الوحيد اللي هتقتنع معاك... أرجوك يا عمر، أنا عمري ما طلبت منك حاجة، بس أرجوك متضيعش أخوك، هو غلط وهيصلح غلطته... احلف عالمصحف إنك مش هتؤذي علي..."
نظر عمر إليهما، رأى فيهما صدقًا قد ينفذ من بين طيات الغدر والخداع. بكى عمر، دموعه تنهمر من عينيه، مرارة وقلة حيلة، وكأنه يتحدى كل مقاوماته الإنسانية ليقرر أن يسامح. كان يجد في قلبه شظايا من الرحمة، رغم كل ما عاناه من ألم وخيانة، ولم يكن أمامه سوى أن يرضخ لهذه المشاعر المتضاربة، التي تجعل من القرار عبءً يحمله بكل ثقله.
رفع يده ببطء على المصحف، عيناه تلتقيان بعيني أمه وأخيه، وقال بصوتٍ خافت لكنه يحمل وعدًا: "حاضر يا امي والله العظيم ما هأذي علي."
كانت هذه اللحظة مريرة، تقطر بالندم والدموع، كأنها طعنة في قلب عمر، لكنها كانت أيضًا شعلة أمل وبدءًا جديدًا، يحاول فيها الجميع أن يلملموا أشلاء ما تبقى من علاقة أسرة مزقتها الأخطاء والخيانات، ليبدؤوا من جديد مسارًا صعبًا نحو التصالح والشفاء.
قبل أن يغادر عمر المنزل متجهًا إلى يارا، نادى عليه علي من الخلف، بصوت يحمل قلقًا وإلحاحًا: "عمر، استنى...يارا بتحبك اكيد وهيكون صعب عليها انها تتجوزني لانها لسه بتحبك فأنا عندي فكرة!"
توقف عمر في مكانه، ظهره متوترًا، واستدار ببطء، عينيه تحملان خليطًا من الإرهاق والانكسار. قال بصوت متعب، يشوبه إحباطٍ واضح: "قول فكرتك إيه؟ عايزها تكرهني؟"
نظر علي إلى أخيه بعينين غارقتين في جديّة لم تُعهد فيه، وأجاب بتأكيدٍ مشوب بألمٍ: "بالظبط... هو دا اللي عاوزه. عاوزك تخليها تكرهك، عشان تسيبك."
توقف الزمن للحظة، عمر تملكه الذهول والاضطراب، استمع لتلك الكلمات وكأنها وحي قاسٍ، يستهدف كسر قلبه المحطم بالفعل. لم يكن الأمر مجرد فكرةٍ، بل كان خطة خبيثة تحمل في طياتها أملًا في تحقيق ما قد يبدو مستحيلًا - أن يُبعد يارا عنه بحبها الدفين، ليكون لعلي فرصة في تصحيح خطيئته، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
تابع علي بنبرةٍ تحمل مرارةً: "يارا بتحبك، ومهما حاولت، هتفضل مش قادرة تتجاوز اللي بينكم. لكن لو قدرت تخليها تكرهك... تشوفك وحش في نظرها، هيكون سهل عليها إنها تسيبك وتقبل إنها تعيش حياة جديدة معايا ومع ابنها."
تملّك الصمت المكان، وكأن الكلمات قد استنزفت كل قطرة من الطاقة لدى عمر. نظر في عيني أخيه، محاولًا أن يستوعب ما يُطلب منه، وهو يعلم أن هذه الفكرة، رغم قسوتها، قد تكون الخلاص الوحيد لهم جميعًا.
قال عمر بصوت مختنق بالحزن: "يعني، كل اللي عليّ أعمله... إني أخليها تكرهني؟"
أومأ علي برأسه، وعينيه تملأهما الرجاء والقلق: "بالضبط، لازم تشوفك بعيون تكرهك، عشان تقدر تبدأ من جديد، من غير ألم، من غير ما تشعر إنها ضحت بحبها ليك. لازم تصير بالنسبة لها ذكرى سيئة، حاجة تفتكرها وتقرر إنها مش عاوزة ترجع لها وبكده قلبها هيقدر انه يتفتحلي بعد ما يتقفل من ناحيتك."
تسرب الألم إلى قلب عمر كما لم يفعل من قبل. وقف هناك، يشعر بأن الأرض تنزلق من تحت قدميه، وعليه أن يتخذ قرارًا قد يحطم قلبه وقلب يارا، ولكنه ربما يكون السبيل الوحيد لإنقاذها من مستقبلٍ مظلم، يحمله خطأ أخيه.
وافق عمر بصوتٍ بالكاد يسمع: "ماشي... هعمل اللي بتقول عليه."
اندفعت الدموع في عينيه، لكن عزيمته لم تهتز. كان يعلم أن ما سيقوم به الآن هو أقسى ما يمكن أن يُطلب من عاشق، لكنه أيضًا كان يدرك أن التضحية بحبه من أجل حياة أفضل ليارا ولطفلها هو الخيار الوحيد المتبقي.
خرج من المنزل، يحمل في قلبه نارًا مشتعلة، مستعدًا لأن يواجه يارا بحقيقة مؤلمة، يدفعها لأن تكرهه بكل ما أوتيت من قوة، عله يكون هذا الفراق المرير هو الطريق الوحيد نحو مستقبلٍ أقل ظلمة.
توقعاتكم في البارتات الأخيرة ورأيكم بالبارت ومتنسوش الفوت حبايبي❤
يارا هتكمل مع مين في آخر الرواية؟
رأيكم في تصرف عمر
توقعاتكم للنهاية؟؟
دمتم سالمين
متنسوش تصلوا علنبي
#مريم_الشهاوي
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا