القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية لا تخافي عزيزتي الفصل الحادي والثلاثون 31بقلم مريم الشهاوي (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)

 

رواية لا تخافي عزيزتي الفصل الحادي والثلاثون 31بقلم مريم الشهاوي (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)





رواية لا تخافي عزيزتي الفصل الحادي والثلاثون 31بقلم مريم الشهاوي (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)



#لا_تخافي_عزيزتي 

|31-ألن يشفع لي أيُّ أحد؟|

قبل الأخير

صلوا على الحبيب


"بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير." هتف بها الشيخ، ومن بعد كلماته الأخيرة، ملأت الأجواء الزغاريد، وانطلقت الأفراح في كل القلوب الحاضرة. كانت ليلة لا تنسى ليزن وأسيل، كانت ترقبها حلمًا بعيدًا لكنه تحقق فجأة. تأمل يزن في أسيل من بعيد، مستكثرًا على نفسه تلك الجوهرة، لا يصدق أن الحلم أصبح واقعًا، وأنها باتت شريكة حياته إلى الأبد. لا يريد منها شيئًا سوى وجودها بجانبه، يكفيه أن يرى عينيها كل يوم.


بينما كان يزن يغرق في تأملاته، اقترب منه مازن وهمس بابتسامة متقدة: "يابختك والعة معاك. البنت اللي بتحبها اتجوزتها بسهولة وملهاش أخ رزل يتحكم فيك وامها حتة سكرة وبتحبك...لكن انا فضلت تلت سنين خايف اقولك اني بس بحبها لحسن اموت فيها وفعلا روحت علمستشفى يوميها...حظوظ بقا ."


ولكن فجأة، قطع تلك اللحظة إنذار شديد، يهز جدران المستشفى ويعلن عن وجود حريق. تجمدت نظرات يزن على مازن، وصرخ بذهول: "هي فعلًا ولعت... يا خي منك لله."


اندفع الجميع بخطى مضطربة نحو الخارج، تتسارع نبضات قلوبهم مع أصوات الصافرات. بعد دقائق طويلة مليئة بالقلق، تمكنوا من السيطرة على الحريق وإخماده. عادوا إلى غرفهم بقلوب ملأها الامتنان، شاكرين الله أن الحريق لم يؤذِ أحدًا. وقبل أن يدخل مازن الغرفة، صاح يزن، موجهًا كلامه نحو زينة: "خدي الواد دا وامشوا من هنا..."


ضحك مازن، ونظر لأسيل قائلًا: "على فكرة... أنا عندي أمل إنك تحسني أسلوبه معايا... ونبي أنا ما عارف خدتيه على إيه؟"


استشاط يزن غضباً وقال: "والله ولا إحنا كمان عارفين أختي خدتك على إيه... يا عم يلا اتكل على الله انت ومراتك."


رد مازن وهو يجلس على الأريكة ويفرد ظهره براحة: "لا يلا إيه... دا لسه اليوم طويل والقاعدة هتحلو... وربنا مانا متحرك من مكاني... يوم كتب الكتاب مخلتنيش أقعد معاها دقيقة واحدة لوحدنا تقوم انت عايز تفضي الأوضة عشان تتبسط... العب غيرها. دنا شوفت منك كتير... وانا وطنط قمر بقينا صحاب وأسيل كده كده أختي، فانت أصلا جوز أختي اللي مرضاش أبدًا إني اسيبها مع راجل... غريب."


نظر يزن إليه باستغراب عميق: "غريب؟!... أنا جوزها، انت عبيط؟"


نهض مازن بفرحة قائلاً: "إيوه... هو دا نفس الرد اللي قولتهولك ورديت قولتلي ايه؟... سمعني كده..."


ثم التفت إلى أسيل قائلاً: "أنا أقولك يا أسيل قالي إيه... قالي: جوزها دا عند أم ترتر... طول ما هي في بيتي مش في بيتك لا تقعد معاها ولا تقرب منها ولا حتى تبصلها... فانا دلوقتي بقولك دا مش بيتك... دي مستشفى... وطول ما هي في المستشفى مش في بيتك تبقى لسه مش م..."


قبل أن يكمل جملته، تحرك يزن نحو فراش أسيل بحركة سريعة وحملها بين ذراعيه، وقال بنبرة صارمة وهو ينظر لوالده: "اكتب لها على خروج يا بابا، هنمشي... لبيتي... ها يا حيلتها عشان عارفك ما بتصدق، فانا هقفلك بوقك دا خالص."


تدخل مازن بسرعة قائلاً: "على فكرة، أنت لسه مخلصتش شقتك، يعني برضو بيتك دا مش بيتك، دا بيت طنط يسرى وعمو عبد الله."


أجاب يزن بغيظ، وأسيل بين يديه تتابع الحوار بضحكاتها المرحة: "مش بيتي اللي اتولدت فيه... يبقى بيتي، وتقدر أسيل تعيش فيه لحد ما أجهز شقتي... صح يا ماما؟"


ضحكت يسرى وقالت بموافقة: "صح يخويا... نزل البت من إيديك طيب واستهدى بالله."


أضاف مازن بنبرة مستفزة: "والله... يعني البيت اللي اتولدت فيه يبقى بيتي؟"


أجاب يزن بتأفف: "أها."


واصل مازن بنبرة تمويهية: "وينفع أخد مراتي تعيش معايا لحد ما أجهز شقتي؟"


رد يزن بنبرة ضجر: "أيوه."


وبعد لحظة من الصمت، أدرك يزن ما يخطط له مازن. قبل أن يصرخ، تفاجأ الجميع بمازن يحمل زينة بين ذراعيه ويخرج من الغرفة قائلاً: "سلام عليكم."


ضحك الجميع ببهجة، بينما صاح يزن: "خد يلا هنا... مااازن... تعال هنا."


ضحكت أسيل بين يدي يزن، فتوقف ونظر إليها بابتسامة مشرقة. رأى فرحتها واضحة على وجهها، وعرف أن مازن نجح في إضفاء السعادة على اللحظة حمل له جزيل الشكر لإضحاك حبيبته.


وضعها يزن بحنان على الفراش وقال بابتسامة عميقة: "لحظة يا حبيبي، وجايلك."


ثم انطلق بخطوات مسرعة للحاق بمازن، بينما ارتفعت ضحكات الجميع في أرجاء المكان، معبرة عن ليلة مشحونة بالحب والمرح، ومليئة باللحظات التي ستبقى محفورة في الذاكرة إلى الأبد.

________________________


تحدثت دعاء بصوت متحشرج وبعيون مليئة بالقلق: "تفتكر راح فين؟... نازل من بدري وقالي إنه هيجيب مأذون وهنروح عشان نكتب كتابه هو ويارا... الساعات بتعدي ولسه مرجعش."


تردد صوت عمر، عاكسًا خليطًا من القلق والذهول: "برن عليه موبايله مغلق... يا ترى إيه اللي حصل؟"


رن هاتف دعاء، فتحت المكالمة بسرعة وعلى أمل، لكن صوت رحاب الجهوري قطع تلك الآمال: "هو ابنك مش كان المفروض يكتب النهاردة؟ فين هو؟"


ردت دعاء بصوت مضطرب: "يا رحاب، علي مختفي بقاله ساعات... ما جالكيش؟"


كان صوت رحاب مزيجًا من السخرية والغضب: "لا يا شيخة... تصدقي؟ ابنك مش عندي. أكيد عندك في البيت."


رفعت دعاء يدها متوسلة: "والله ما عندي، أنا وعمر بنتصل بيه مش بيرد، ومختفي بقاله كتير."


انفجرت رحاب ضاحكة بمرارة: "أكيد هرب... عمل عملته واختفى... كان لازم أعرف إنه لسه عيل، خاف من الجواز وهرب."


أغلقت رحاب المكالمة بعنف، وترك صوت الإغلاق صدى في أذن دعاء التي نظرت إلى ابنها بعينين دامعتين. همست: "تفتكر علي يكون خاف فعلاً من الجواز وهرب؟"


جاء رد عمر، مختلطًا بالقلق والتوتر: "للأسف، مفيش حاجة تانية ممكن أفكر فيها غير دي... عشان لو غير كده هقلق أكتر!"


_____________________


علمت يارا بما حدث عندما سمعت مكالمة رحاب وصراخها، فجسدها ارتعش وكلماتها خنقتها. تصاعدت في داخلها مشاعر مختلطة من الارتياح والارتباك. أخذت نفسًا عميقًا واتجهت إلى غرفة أخيها، تحمل شعورًا بالخلاص الذي طال انتظاره. طرقت الباب بخفة، وفتحت، وعينيها تلمعان بشيء من السعادة الخبيثة وقالت له بأن علي قد هرب ولم يأتي اليوم ففرح مصطفى بسعادتها وتيقن من أن فعلته كانت صحيحة. 

___________________


في صباح اليوم التالي، استيقظت يارا من نوم قلق. أعدت كوبًا من القهوة وتوجهت إلى الشرفة، حيث راحت تتأمل بخيالها، محاولًة الهروب من أفكارها المتضاربة حول مستقبلها ومصير طفلها. فجأة، لاحظت سيارات الشرطة تحاصر المنزل. شعرت بقلبها ينبض بسرعة عندما رأت سيارة عمر تقف أمام الباب.


هبط عمر من السيارة، وعندما تلاقت أعينهما للحظة، لمحت في عينيه نظرة مليئة بالغموض والبرود، مما زاد من قلقها. هرعت إلى الطابق السفلي، متوجسة مما قد يحدث. في الداخل، كان مصطفى ورحاب يتناولان إفطارًا هادئًا، غير مدركين لما يجري بالخارج. فجأة، اقتحم رجال الشرطة المنزل، وقبضوا على مصطفى بوضع الأصفاد على معصميه.


صاحت يارا بقلق وهي تنزل السلالم، قلبها ينبض بالخوف: "فيه إيه؟ واخدينه على فين؟"


حاولت يارا قراءة تعابير وجه عمر، لكن عينيه كانت مركزة بحدة على مصطفى، الذي بدوره كان ينظر إليه بتحدٍ. كانت هناك مواجهة صامتة بينهما، مليئة بالتوتر والغضب. شعرت يارا أن هناك شيئًا أكبر يحدث، شيئًا لا تستطيع فهمه بالكامل.


اقتربت رحاب من الضابط بخطوات مترددة، صوتها يرتعش: "حضرة الضابط... هو عمل إيه؟"


رد الضابط بنبرة رسمية باردة: "جالنا بلاغ إنه خا طف المدعو علي عدلي. الكاميرات صورته وهو بيخطفه، ورقم عربيته اتسجل."


شهقت يارا، وتوقفت رحاب في مكانها، كأن الزمن قد تجمد حولها. بينما رأت مصطفى يُساق نحو باب الخروج، نظرت حولها بحثًا عن دعم أو تفسير، لكن عمر كان ثابتًا في موقفه، عيونه كانت مليئة بالتصميم والبرود. هرعت يارا إلى الطابق العلوي، وارتدت ملابس مناسبة بسرعة، محاولة اللحاق بما يحدث.


عندما خرجت، كانت الشرطة قد أخذت مصطفى إلى قسم الشرطة. رأت عمر يركب سيارته، فصرخت بإحباط وحزن: "يعني مكفكش اللي عملته فيا؟ جاي وعايز تكسر قلبي على أخويا؟"


توقف عمر وأدار رأسه ببطء نحوها، صوته كان حازمًا وباردًا: "أنا مليش دعوة بيكِ. أنا ليا دعوة بأخويا اللي اختفى. الكاميرات شافته مين كمّمه وخط فه، رقم عربية أخوكي اتلقط... يعني مش بفتري عليه."


ركب سيارته وأدار المحرك، وتبع سيارة الشرطة التي كانت تأخذ مصطفى بعيدًا. شعرت يارا بالعجز والغضب، لكنها ركبت سيارتها وتبعته، بينما بقيت رحاب في المنزل، تتصل بيارا باستمرار، محاولة تتبع آخر التطورات.


---


لم يعترف مصطفى بمكان علي رغم محاولات الشرطة المتكررة معه. حولته الشرطة إلى السجن الافتراضي للضغط عليه. وأثناء نقله، لمح عمر جالسًا على كرسي، يراقبه بنظرات مليئة بالغضب القلق. مصطفى ضحك ضحكة خبيثة عندما رأى عمر، فاشتعل عمر غضبًا وانقض عليه كالذئب، يضربه بقوة وصراخ: "أخويا فين؟ أخويا فين يا مصطفى؟ عملت إيه في أخويا؟"


كانت يارا تبكي في الزاوية، غير قادرة على إبعاد عمر عن مصطفى رغم تدخل الشرطة. كان عمر هائجًا مثل الاسود، لا يرى أمامه، وبينما استمر في ضرب مصطفى، ابتسم الأخير بخبث، وظهرت أسنانه الملطخة بدمائه. قال بابتسامة خبيثة: "هو في مكان أحسن دلوقتي."


اتسعت عينا عمر، وصرخ بغضب، وأخذ يضربه مرة أخرى، لكن الشرطة أبعدته بصعوبة. يارا كانت تتابع بصدمة، تتذكر تلك الليلة التي عاد فيها مصطفى بشكل غير طبيعي. هل يمكن أن يكون أخوها قد فعل شيئًا كهذا؟


بكت يارا بألم، بينما كانت ضحكات مصطفى تتعالى. أخذته الشرطة إلى الحبس الافتراضي، وعندما رأى مصطفى أخته تبكي، قال بهدوء: "لا يا يارا، متعيطيش. مش عايزك تعيطي تاني. قلتلك إيه؟ مفيش حاجة هتخليكي تعيطي تاني أبدًا... كل اللي عملته عشان تفضلي مبسوطة."


اقتربت يارا من مصطفى رغم محاولة الشرطة إبعادها، لكنها طمأنتهم بأنه لن يؤذيها. نظرت في عينيه بعيون مليئة بالشك، وقالت: "علي فين يا مصطفى؟ قولهم علي فين؟ خليهم يعرفوا هو فين ونبعد أنا وانت عنهم خالص. هننسى أي حاجة فاتت ونبدأ من جديد. خلينا نخلص من التمثيلية دي عشان خاطري يا مصطفى. قول علي فين خليهم يطلعوك من هنا ونمشي."


استسلم مصطفى لنظراتها، ونظر إلى الشرطة قائلاً بهدوء: "أنا هقولكم علي فين."


نهض عمر بسرعة وتوجه الجميع إلى المكان الذي وصفه مصطفى، بيت وسط الغابة لا يعرفه الكثيرون. عند وصولهم، نزلت الشرطة ودخلت المنزل، فوجدوا بقع د ماء على الأرض. حاول عمر الدخول، لكن الشرطة منعته، حيث كانوا يجمعون الأدلة. لم يجدوا علي في المنزل، لكنهم لاحظوا آثار د ماء في الحمام، وملابس مصطفى كانت ملطخة بالد م.


فقال شرطي: "لقينا الهدوم دي في الحمام عليها د م والبيت كله عليه بقع د م!!" 


قال مصطفى بابتسامة: "ومجاش في بالكم دا يبقى د م مين؟..."


صمت الجميع ليستوعبوا، ثم أجاب مصطفى ببرود: "بالظبط... دا د م المرحوم. اقروله الفاتحة، هو مدفون تحتيكم بالظبط."


هُلع الجميع مما قاله، وصاح عمر بأعلى صوته، مناديًا على أخيه. اندفع نحو المكان الذي أشار إليه مصطفى، وبدأ يحفر بجنون، وعيناه تفيض بالدموع والألم. وبينما يحفر، لمس قدم علي، وعرفه من حذائه. بكى عمر بشدة، صرخات الألم والندم تخترق المكان: 


"اااااه يا علي... قوم يا علي... قوم عشان خاطري... أنا عملت كل حاجة عشان تفضل معايا... عملت كل حاجة عشان تفضل معايا... يا علي قوووم... قوم ياخويا... أنت زعلان مني؟ أكيد كنت زعلان مني عشان ضربتك... أنا آسف يا حبيبي... والله ما هضربك تاني، بس أنت قوم يا علي... علييي... قوم بالله عليك بطل تمثيل... أنا عارفك بتحب تمثل عليا هتقوم... هتقوم وهنروح وهنتفرج على الفيلم اللي بتحبه... هسيبك تلبس من هدومي ومش هتخانق معاك عليها... قوم بس وأنا والله ما هزعلك مني أبدا... قوم يا علي... عليييي."


كانت صرخات عمر وكلماته تملأ المكان بالوجع، محركًة قلوب كل من حوله. كان مشهدًا مؤثرًا حد البكاء. 


بكت يارا وذهبت إلى أخيها، صرخت فيه: "إزاي عملت كده؟ إزاااي؟"


رد مصطفى، كأنه لا يفهم لماذا تبكي: "عملت كده عشان سعادتك... هو اذاكي وكان لازم يتعاقب... أنتِ مش فرحانة؟"


صرخت يارا بغضب، دموعها تنهمر: "انت مجنون؟ أكيد مش فرحانة... هفرح إزاي وأنا أخويا قتل... قولي إزاي جيه في بالك إن حاجة زي دي هتسعدني؟!"


صمت مصطفى، وأدرك في لحظة مريرة أنه فشل، وأنه لم يفهم أبدًا ما قد يسعد أخته. بينما صراخ عمر على فقد أخيه يتصاعد، ووجع يارا يتعمق، كانت ضحكات مصطفى تتلاشى ببطء في الخلفية، لا تشعر بذرة من الندم عما فعله.

___________________


دخلت يارا المنزل بخطوات بطيئة، كأنها تحمل وزن العالم على كتفيها. كان صراخ عمر يتردد في أذنيها كصدى مؤلم لا يفارقها. واجهتها رحاب بسرعة، صوتها مليء بالتوتر والخوف: "فيه إيه بتعيطي ليه؟ أخوكي قالهم على مكان علي، مدفعتيش الكفالة ليه وجبتيه معاكِ؟ أنا مش قايلالك ت..."


قاطعها صوت يارا المتقطع، مفعم بالألم والحيرة: "مصطفى قتل علي يا ماما... طلع قا تله ودافنه في بيت جوا الغابة... اعترف بجر يمته... أخويا قا تل يا ماما... مصطفى اللي كنا دايمًا بنشوفه أرق واحد، بقى قا تل؟!"


شعرت رحاب كأن الأرض تهتز تحت قدميها. تحدق في يارا وكأنها تبحث عن تفسير. كان ابنها الذي عرفته دائمًا بالهدوء والانطواء، يتحول إلى وحش؟ كاد عقلها يتوقف عن العمل، تحاول استيعاب حقيقة أن ابنها مصطفى، الذي كان في نظرها طيب القلب، تحول إلى قا تل بدم بارد. كان الأمر أشبه بكابوس.


قالت رحاب بصوت مرتعش، يكاد لا يصدق نفسه: "كان ناقصنا فضايح منك، قام طالعلنا أخوكي بفضيحة جديدة... مش مهم... أخوكي مش متزن عقليًا، وهيحجزوه في مصحة... دا اللي كنت هعمله، فهي هي مفيهاش تغيير. وأنا هبلغ الناس أنه مسافر وهحاول ما خليش الخبر ينتشر... إنتِ عارفة، دي تبقى فضيحة وما هيصدقوا."


تحركت نحو غرفتها لتجري اتصالاتها، صوتها الداخلي مليء بالقلق والتخطيط لكيفية الحفاظ على سمعة العائلة. لكن يارا كانت في عالم آخر، عيناها مغمورتان بالدموع، وقلبها مثقل بالهموم.


دخلت غرفتها وأغلقت الباب خلفها، محاولة عزل نفسها عن ضوضاء العالم الخارجي. جلست على حافة السرير، وعيناها تتجولان في الغرفة، تبحث عن أي مخرج من هذا الكابوس. حاولت التفكير في عمر، كيف يمكن أن يكون شعوره الآن؟ ماذا يمر به وهو الذي فقد أخيه الوحيد؟ تخيلت وجهه المليء بالوجع، عيونه الحمراء من البكاء، وكلماته المتقطعة التي لم تستطع نسيانها.

_________________


في الطابق العلوي من المنزل، كانت علا ودعاء يقفان بجانب الضيوف الذين جاءوا لتقديم واجب العزاء. كانت وجوههم شاحبة، وعيناهم منتفخة من كثرة البكاء على علي. كانت أصواتهم منخفضة، كلماتهم تتردد بين نغمات الحزن والصمت. لم تكن هناك أي كلمات قادرة على تهدئة الألم الذي يحترق في قلوبهم، بينما كانت أصوات القرآن تتردد في الشارع، تعكس حزن العائلة وتملأ الجو بجو من الجلال والعزاء.


تحرك الضيوف برفق، يقدمون التعازي، محاولين التخفيف عن عائلة ممزقة بفقدان ابنها. لكن كان الحزن أكثر ثقلًا من الكلمات، يجثم على صدورهم كالصخور. نظراتهم كانت مليئة بالعطف، لكن لا شيء يمكنه أن يخفف من وجع الفراق الذي ينهش قلوبهم.


في الخارج، في عزاء الرجال الذي أقيم في الشارع، كان عمر جالسًا على كرسي كأنه تمثال من حجر. عينيه مغمورتان بالدموع، لكنها تسقط بلا تعابير على وجهه، مما جعل الآخرين يتساءلون عما إذا كان يستطيع الشعور بأي شيء في تلك اللحظة. كان يبدو شاردًا، محبوسًا في ذكرياته مع علي، وكأن الزمن قد توقف عند اللحظات التي جمعتهما.


استعرض عمر كل لحظة عاشها مع أخيه، منذ الطفولة حتى اللحظات الأخيرة. كان يرى علي يلعب ويضحك، يتذكر كل مرة تشاجرا فيها وتصالحا. كان يرى وجهه في كل زاوية من ذاكرته، وكل تفصيلة كانت تعيد له ألمًا جديدًا، كأنها طعنة في قلبه. كان يتذكر كيف كان يشارك علي أحلامه وخيباته، وكيف كانا يتشاركان الأوقات الجيدة والسيئة. تلك الذكريات التي كانت مليئة بالدفء والمحبة، أصبحت الآن خناجر تمزق قلبه.


تقدم الناس للسلام عليه، يربتون على كتفه ويقولون كلمات تعزية، لكن عمر لم يكن يسمع شيئًا. كان محاصرًا في عزلته الداخلية، كأن حاجزًا غير مرئي يعزله عن العالم من حوله. لم يعد يستطيع التفاعل مع الحياة من حوله، فقد أصبح كل شيء بلا معنى بدون علي. كان يشاهد صورته تتلاشى في الأفق، وكأنها حلقة مفرغة لا نهاية لها من الألم والفراغ.

____________________


كانت الليلة مليئة بالتحديات والحزن لعائلة علي وأصدقائه، إلا أن تلك الغيوم الكثيفة من الألم لم تستطع الوصول إلى حيث كان يزن وأسيل. في زاوية أخرى من العالم، بعيدًا عن الأحزان والهموم التي كانت تسيطر على الجميع، كان يزن وأسيل يغرقان في لحظة من السعادة النادرة، كأنهما في عالم مختلف تمامًا.


اجتمعا تحت سماء الليل الهادئة، حيث كانت النجوم تتلألأ على سطح السماء مثل حبات اللؤلؤ على قماش أسود مخملي. جلست أسيل بجانب يزن، تحمل في يديها ألوانًا وفرشاة رسم، مستعدة لتعليمه فن الرسم الذي تعشقه. كان النسيم الليلي البارد يداعب وجهيهما، وكأن الطبيعة تحاول أن تضيف لمسة سحرية على تلك اللحظة الخاصة بينهما.


بدأت أسيل ترسم المنظر الليلي أمامهما على ورقة الرسم، وهي تشرح ليزن كل خطوة بتفصيل دقيق، ببطء وحذر. كانت تعرفه عن كيفية مزج الألوان معًا، وكيفية رسم الظلال لإضافة عمق إلى اللوحة. وكان يزن يتابع بشغف، عيناه تلمعان بفضول وتقدير لما تفعله. كانت ابتسامتها الهادئة وهو يراقبها تمنحه إحساسًا بالراحة والأمان، وكأنهما وحدهما في هذا العالم المظلم.


ضحكاتهم تتردد في الهواء، تكسر الصمت الليلي برقتها وصدقها. كانت كل ضحكة تحمل معها لحظة من الفرح النقي، كلما أخطأ يزن في رسم شيء، كانت أسيل تضحك برفق، وتشجعه على المحاولة مجددًا. لم يكن يزن فنانًا بارعًا، لكنه كان مخلصًا في محاولاته، وكانت أسيل ترى ذلك وتقدر جديته وحماسه.


الجلسة بينهما أشبه بلحظة من السحر، حيث كان كل شيء آخر يتلاشى من حولهما. كانا يعلمان أن الحياة ليست دائمًا عادلة، وأن الأيام الصعبة يمكن أن تأتي فجأة، لكن في تلك اللحظة، كانت سعادتهما أقوى من أي شيء آخر. كانت تلك الليلة بمثابة واحة في صحراء من الحزن، مكانًا يمكنهما فيه الهروب من واقع مؤلم واكتشاف جمال الفنون وجمال اللحظة التي يقضيانها معًا.


وعندما انتهت الجلسة، نظرت أسيل إلى الورقة بين يدي يزن، ورأت صورة غير مكتملة لكنها مليئة بالمشاعر. ضحكت بلطف وكتبت له بدفترها: "يمكن الرسمة متكونش مثالية بس يكفي اننا حاولنا... وانا هنا مش بتكلم عن الرسمة." 


ابتسم يزن وخاطبها بفخر:" حبيبتي اصبحت حكيمة كمان الله اكبر. "


ضحكت أسيل له بحب، وشعر كلاهما بأن هذه اللحظة ستبقى محفورة في ذاكرتيهما، كعلامة على كيفية إيجاد السعادة حتى في أحلك الأوقات.


____________________


كانت الأيام الأخيرة صعبة على هدير، حيث كان عليها أن تتخلى عن عملها لتبقى بجانب أخيها ياسين الذي أصيب بمرض مفاجئ. تحولت غرفته إلى ملجأ مملوء بصوت جهاز التنفس وصدى صرخات الألم المكبوتة. كانت هدير تجلس بجانب سريره، تضغط على يده بهدوء بين حين وآخر، محاولة أن تبث فيه بعض الطمأنينة. كان وجهه شاحبًا وعيناه مغلقتين، غارقًا في نوم مضطرب يعكس كفاحه مع الألم.


ورغم ذلك، لم تتوقف هدير عن التفكير في مصطفى، الذي كان لها مصدر دعم وسند في الأيام الماضية. كانت تتواصل معه باستمرار، تبث له مخاوفها وتستمد منه القوة. لكن اليوم، كان هناك شيء مختلف. كانت تتصل به مرارًا وتكرارًا، إلا أنه لم يرد على مكالماتها. نظرت إلى شاشة هاتفها بحيرة، وقلق بدأ يتسلل إلى قلبها. هل يمكن أن يكون قد حدث له شيء؟ لماذا لم يرد؟ كان هذا القلق كنافذة صغيرة تفتح على خيالها لتمتزج بواقعها المرير.

__________________


باليوم التالي، اشرقت الشمس بأشعتها المشرقة، تناثرت على وجوه الحاضرين والمأسورة بالحزن. عمر كان يخطو بحذر شديد أثناء مراسم دفن أخيه، كل خطوة كانت تعبر عن الثقل الذي يحمله في قلبه. وقف مع الرجال الذين ساعدوه في حمل جثمان أخيه، وكان والده بينهم، واضحاً على وجهه علامات الحزن والتعب. اعصاب يدي عمر لم تكن تساعده، فكان يعتمد على دعم الآخرين ليتمكن من حمل عبء الفراق.


بعد انتهاء مراسم الدفن، بدأ الجميع يتراحلون، ولكن عمر بقيَ جالسًا عند قبر أخيه، يردد آيات من القرآن بصوت مكتوم، ودموعه تنساب دون حجب على وجهه. تحدث عدلي، الذي عاد من سفره في نهار هذا اليوم حين علم بوفاة ابنه، تقدم برفق إلى عمر الجالس بجوار القبر.


قال عدلي بصوت مكتوم ومليء بالحزن: "قوم يا عمر... خلينا نروح؟"


تحدث عمر بصوت جريح متقطع من البكاء: "م... مش... هسيبه... مش هسيب أخويا لوحده، هفضل معاه... هو كان بيخاف ينام لوحده... وكان بعد نص الليل يجي أوضتي وينام معايا... ويسيب أوضته... هو مش بيحب ينام لوحده من وهو صغير... لازم أفضل جمبه... سيبني يا بابا معاه."


كانت دعاء تتألم أكثر على فراق ابنها الثاني، الذي كانت حالته أسوأ من الكثير، فهو كان الأكثر قربًا من علي. اضطر عدلي إلى أخذها وعلا إلى المنزل قبل أن يأتي الليل، وهما مغموران بالأسى والحزن في المقابر. في الوقت نفسه، كان عمر يتحدث مع أخيه الراحل، يقرأ بعض الآيات القرآنية بصوت خافت تارة ، وتتساقط دموعه تارة أخرى.


كانت يارا واقفة بسيارتها أمام منزلهم، منتظرة قدومهم من موقع الدفنة، ولكن لم ترَ عمر معهم. سمعت والده يتحدث بالهاتف، يخبر شخصًا ما أن عمر رفض العودة مع الجميع، وأصر على البقاء في المقابر لبعض الوقت ليكون بجوار أخيه. انتظرت يارا قدومه، لكن مرت الساعات ولم يعود، فزاد قلقها بعدما حل الليل وبدأت الشمس بالغروب. 


لم تتحمل يارا الانتظار أكثر، انتقلت بسيارتها إلى موقع المقابر لتطمئن على عمر، فكانت تخشى على حالته ومن أن يفكر بأمور سيئة بسبب الحزن الشديد الذي يعاني منه.


____________________


كان عمر جالسًا على الأرض، يرتل بعض الآيات وهو يبكي، وفي البعد ظهرت شخصية ظلية لامرأة. تقدمت يارا بدموع تنساب على وجنتيها نحوه، لكن عمر رفع يده موجهًا لها إشارة بالتوقف. بصوت ممزوج بالقهر والألم، قال:


"خليكِ عندك، متقربيش... أوعي تقربي."


بينما تقدمت يارا ببكاء، قائلة بحزن: "عمر..."


صرخ عمر مجددًا بحذر شديد ودموعه تنهمر دون توقف: "انا قولت متقربيش، خليكِ بعيد."


نظرت يارا إليه بألم، قائلة بصوت هامس:


"أنا حاسة بيك صدقني... وعارفة أن علي كان زي ابنك مش بس اخوك وان..."


قاطعها عمر بقوة، صوته يرتفع من الغضب والأسى:


"لا، مش حاسة بيا، ولا هتحسي. إنتِ عمرك ما هتحسي بعصرة قلبي، من جوا، من كتر القهر على أخويا... عارفة؟ ياريت لو تحسي بيا... ياريت لو تدوقي اللي انا دوقته عشان تحسي دلوقتي بشعوري... حاسس بالغيرة تجاهك، أنا بس اللي موجوع... مفيش حد حاسس بيا... ربنا بس اللي حاسس بالوجع اللي جوايا."


نظرت يارا إليه بدهشة، ترى حالته السيئة أكثر مما تصورت، وتسمع نحيب صوته وبكائه الشديد. نبرة صوته تجاهها كانت تعبر عن كره لم تشعر به من قبل، فانفزعت من صراخه لها.


"امشي يا يارا، مش عايز أشوفك."


رجعت يارا للخلف، وأعطته ظهرها وركضت بعيدًا عنه وهي تبكي على حالته. فيما بكى عمر، وهو يحتضن ركبيتيه نحو صدره، نظر للأعلى يناجي ربه بصمت، يطلب منه أن يخفف على قلبه هذا الحزن المؤلم.

__________________


بعد عدة أيام، أصدرت المحكمة قرارها بعد فحوصات أجريت لمصطفى، بأنه غير متزن عقليًا وقد تعرض لصدمات نفسية، ولذا ليس عليه حرج، وسيُحجز في مصحة عقلية. عند سماع عائلة علي الحكم، اندلعت صرخات، في حين خرجت رحاب بكل فخر من المحكمة، تعلم بالتأكيد أن هذا ما سيحدث. نظرات عمر ويارا تبادلت بين الوجع والمشاعر المتنوعة، متداخلة مع بعضها البعض بين الانتقام والكره و..الحب.


_____________________


في يومٍ ما، زارت رحاب المصحة لمقابلة ابنها، وعندما رآها، لم تجد إلا برودًا وسخرية في عينيه.


"جاية عشان توبخيني؟"، سأل بسخرية مريرة.


ردت رحاب بصوت متقطع وصدى الألم يتناثر من خلف كلماتها: "لا، جاية عشان أعرف ازاي قدرت تضحك عليَّ... وأنت طلعت شرير أوي كده!"


صرخ مصطفى بغضب متزايد: "أنت الشريرة الوحيدة، مفيش غيرك... أنا معملتش حاجة غلط، أنت اللي غلطتي!"


رفضت رحاب الاتهامات بجمود: "أنا؟!! أنا طول حياتي طيبة، ومليش دعوة بحد... أنت غلطت وبتتعاقب على غلطتك... وبتستحق تفضل هنا طول حياتك عشان عقليتك دي."


فصرخ مصطفى بشدة، دموعه تنهمر دون توقف: "أنت اللي غلطتي الأول وعلمتيني أغلط زيك... شفت أبويا وإنتِ بتقت ليه قدام عيني!"


نظرت رحاب إليه بذهول متزايد، ألمها يتفجر في صمت مؤلم، ثم واصل مصطفى بصوته المكبوت: "إيوة، شفتك... ساعتها طلعت البيت تاني عشان أخد أكلي، لأني نسيته قبل ما أروح المدرسة، لقيتك لافه على أبويا كيس على وشه وبتخن قيه. شفت أبويا بيمو ت قدام عيني، وكنت خايف تشوفيني لحسن تقت ليني زيه. وشفتك قد إيه عيطتي في العزا... علمتيني المكر والخبث، علمتيني إخفاء جريمتي زي ما كنت بسمع مكالماتك ومحدش يعرف إنك إنت السبب في حادثة والدة أسيل لحد دلوقتي... أنت اللي قطعتي فرامل العربية، وكنتِ عارفة إن عاصفة زي دي مع عدم وجود الفرامل هتقلب بيهم العربية. سمعتك وراقبتك وحسيت بخبثك، وأنا صغير اتبنى جوايا حاجات ومشاهد كنت بشوفها بس في الأفلام، لكن أنت وريتهالي صوت وصورة... أنت مش أم، ومستحيل تبقي أم... أنت مكنتيش تستحقي اللقب دا... أنا مبكرهش في حياتي قدك... أنت اللي طلعتيني وحش كده، وعارفة بقا... أنا اللي قتلت جدتي، الله يرحمها... وعارفة مين اللي قتل معاذ... أنا برضو... ومش ندمان أبدًا...انا بكرهك وكنت نفسي أمو تك أنت كمان وأرتاح منك ومن إذيتك للعالم كله... أنت المؤذية مش أنا... أنت السبب والمخطئة الوحيدة في كل اللي حصل، مفيش غيرك... بس أنا بتعاقب وأنت لا... بس جيه وقت العقاب... جيه وقت عقابك."


أمسك مصطفى بالطاولة التي أمامه ورفعها ورماها نحو رحاب، لكنها خرجت من الغرفة مسرعة قبل أن يصل بها الطاولة. دقات قلبها تنبض بخوف وألم عميق، وهي تأخذ أنفاسها بقوة، لا تصدق أن الذي بالداخل هو ابنها، قلبها يؤلمها بشدة من كلامه.


عادت إلى منزلها بخطى ثقيلة، عالمتها متلاشي، تحاول تجاوز كلماته القاسية، لكن صوته يرن في أذنيها كصدى مستمر لما فعلته، كل إذى وكلمة سقطت منها كانت نتيجة لعنف أسري وكلمات قاسية ومقارنات متزايدة طيلة حياتها تلقتها من ابويها حينما كانت صغيرة. 


الآباء والأمهات هم من يبنون عقول أطفالهم، لذا فكل تصرف يترك بصمته، وكل كلمة تخرج تؤثر في تكوين شخصيتهم ومستقبلهم.


___________________


جاءت هدير لتزور مصطفى بعد أن علمت أخباره من يارا، وعندما رآها، تبدّلت تعابير وجهه إلى الفرح وقال بصوت مليء بالحنان: "هدير... وحشتيني أوي... حلمت بيكِ امبارح.. طمنيني ياسين عامل إيه دلوقتي؟ "


نظرت هدير إليه بذهول واستغراب، ثم قالت بصوت مرتعش بالغضب والأسى: "انت إزاي كده؟... إزاي طلعت ورا الوش البريء ده بالشكل اللي انا سمعت عنه!!! قت لته ازاي وليه؟؟؟؟ 


أجاب مصطفى بحزن عميق: "عشان هو أذى اختي... مشوفتيش يارا كانت بتعيط إزاي يوميها خلصتها منه عشان تعيش سعيدة ومتعيطش تاني..."


ردت هدير بحنق وحزن ممزوجين: "وأنت فكرت إن يارا هتبقى مبسوطة لما انت تقت له؟... وهو إي حد بيؤذي بيتقت ل؟ أنا مش عارفة ولا مستوعبة إزاي عملت كده؟"


أجاب مصطفى بصوت مرتعش بالأسى: "انت كمان مش فاهماني... كلكم مش فاهميني.. ولا واحد فيكم سألني مالي كلو بيقولي إزاي إزاي ولا واحد فيكم عرف اللي جوايا؟"


اجابته هدير بذهول ممزوج بقهر: "جواك إيه انت قا تل بني آدم؟!! انت مستوعب مدى الجر يمة اللي عاملها؟.... 


ثم قالت بيأس:" أنا آسفة يا مصطفى لحد هنا ومش هقدر أكمل."


قال مصطفى وهو ينظر اليها بنظرة ضعف وترجي: "لا يا هدير ارجوكي... انت كمان متسيبينيش.... انا آسف اوعدك مش هعمل كده تاني بس ارجوكي ما تسيبيني... هدير!! " 


قالت هدير بوجع: "انا قلبي دا حب مصطفى غير مصطفى اللي قدامي.... اللي مآمنش على حياتي وانا معاه... انت طلعت ممثل بارع" 


قال مصطفى بدموع تملأ عينيه: "مصطفى اهو قدامك... هو هو بس عمل شوية أخطاء بس هو نفسه قدامك متغيرش صدقيني... انا مش هغلط تاني... متسيبينيش يا هدير ارجوكي.... أنا محتاجلك."


قالت هدير بكلمات مؤلمة: "أنا آسفة يا مصطفى.... هتصدقني لو قولتلك إني كنت خايفة أجي أقابلك لتؤذيني رغم إني عارفة إنك بتحبني بس معدتش مؤتمنة على حياتي معاك... انساني يا مصطفى.... انساني ومتحاولش حتى بعد ما تخرج من المصحة أو يخلص حكمك إنك تشوفني أو تقابلني.... بالله عليك لتسيبني في حالي..."


ثم اردفت نحو باب الخروج وتبتعد عنه خطوة و هي تسمع صرخاته وبكائه الذي تسبب بغصة بقلبها بكت وهي تضع يدها على قلبها وتنزل من المستشفى وصوته يتردد بأذنيها كالوصدى. 


صاح مصطفى ببكاء: "لا يا هدير ارجعي.... متسيبنيش هدير انا آسف والله ما هعمل حاجة وحشة تانية.... صدقيني هتغير... هدير اديني فرصة.... هدير اسمعيني انا بجد ندمان... بس انت ارجعي... هدييير.... هدييير لاااا متمشيش ارجوكييي."


وبينما هو يصرخ لمح عمر خارج غرفة الزيارات ينظر اليه بشماته فخاطبه عمر بسخرية: "مش دي هدير اللي بتحبها؟.... اكيد تخلت عنك مش كده.... وصدقني كله هيتخلى عنك... مفيش حد هيسامحك على اللي عملته هتفضل هنا خليك هنا بس ضميرك هيفضل يقطع فيك لحد ما تمو ت." 


ثم ذهب عمر ونزل من المستشفى وتقابل مع يارا التي جاءت الى المستشفى لرؤية شقيقها فنظر بعيدًا ومسح دمعة نزلت من عينه ومشى بجانبها كالغريب فتوجعت يارا بصمت وصعدت للمستشفى وقابلها الطبيب المسؤول عن حالة مصطفى ووقفت معه قليلًا يشرح لها حالته بعمق وبعدها توجهت لتزوره بغرفته ولكن تفاجأت بأن مصطفى ليس بغرفته والجميع هلع ليبحث عنه...أين ذهب؟ 


نزلت يارا من المستشفى وأخذت تنادي عليه بصوت عالٍ، فرآها عمر قبل ان يركب سيارته وأصابه بعض الفضول لمراقبة ما يحدث وكان الجميع قلقًا ويبحثون عنه بأرجاء المستشفى وبالحديقة ولكن لا أثر له! 


وبينما يارا تنادي عليه بأعلى صوتها الذي يشوبه القلق وإذ فجأةً يقع امامها مصطفى الذي سقط من سطح المستشفى منت حرًا..! 


نظرت يارا الى جسد مصطفى الذي وقع امامها واتسعت عينيها من الصدمة صرخت قائلة:

" مصطفى "


كان صراخها يرج ارجاء كل من حولها وسمع عمر صوتها فقلق عليها وركض نحو صراخها ليرى ما حدث وتفاجأ بجثة مصطفى مرماه على الارض ورأسه ينز ف د مًا اخذته يارا الى صدرها تعانقه بقهر وهي تبكي قائلة: "مصطفى لا.... لا ارجوك ما تعمل فيا كده....فوق يا مصطفى..... مصطفى...فووق... مصطف..... 


لمحت عمر يقف من بعيد ينظر لمصطفى وعينيه تملأها الدموع برؤية حالة يارا هكذا فنهضت يارا من مكانها واخذت تتقدم بخطوات مسرعة تجاهه وهي تصرخ به قائلة:" مصطفى ما ت..... مصطفى ما ت يا عمر زي ما اتمنيت... اخويا ما ت...اديني حسيت نفس شعورك..... مش اتمنيت احسه انا كمان اديني حسيته....


ضربته يارا بصدره بيديها الاثنين بقوة، فانتفض عمر للخلف بخطوات هامته، تاركًا يارا تصرخ بكامل غضبها الممزوج بالألم، دون أن ينطق كلمة واحدة. هو بدأ يدرك مدى عمق مشاعرها الجارحة، وكم هي قاسية تلك اللحظات التي يعانيها قلبها. كان عمر يشعر بالحزن العميق وهو يفهم هذا الشعور المؤلم جدًا، حيث أن كلماته في ذلك اليوم كانت مجرد تفريغ لغضبه، ولكنها لم تكن تعبر عن مشاعره الحقيقية. فهو لم يتمنى أبدًا أن تعاني يارا بما شعر به، ولكن قدر الله كان مكتوبًا. 


امسكته من ياقة قميصه وهي تصرخ بوجع يفتك اوتار قلبها: "اديه مو ت نفسه... عشان ترتاحوا.... ارتاحت كده لما ما ت... ارتاحت يا عمر.... روح قولهم انه ما ت لانهم كانوا زعلانين انه متحكمش عليه بالاعد ام... روح قولهم انه ما ت... خليهم يفرحوا وانت كمان افرح...... افرححح... اخويا ما اات" 


بكت يارا ببكاء شديد، وكان صوتها يعلو بقسوة، بكاء ممزوج بالألم العميق الذي ينبعث من داخلها، وعمر ينظر إليها بضعف مشاعر، يعاني معها ويتمنى لو أنه يمكنه أن يحمل كل وجعها داخل قلبه، يشعر بكل ثنايا ألمها ويتألم معها.

_____________________


وجدت رحاب أصوات بالمنزل فنهضت من فراشها ونزلت من غرفتها لتفاجأ بوجود دعاء 


-كنت شايفة بسمتك وانت خارجة من المحكمة لما حكمت ان ابنك هيتحجز بمصحة كنت عارفة انه مش هيتعاقب صح؟ 


قالت رحاب بتأفف واعياء: "دعاء.... اخرجي من بيتي انا مش ناقصاكي." 


صرخت دعاء بها: "انا جاية اقهر قلبك زي ما قلبي اتقهر يا رحاب.... جايه اقولك اني انا السبب في كل اللي حصل لبنتك....... 


روَت لها دعاء كل ما فعلته بيارا وما فعله علي ابنها ايضًا فصُدمت رحاب مما سمعته واكملت دعاء بنهاية الحديث:" نفس الشيخ اللي روحتيله عشان تإذي بيه قمر وتإذيني انا كمان في بيتي وعيالي.... هو هو نفسه اللي كنت بودي بنتك عنده وبيإذيها...."


شعرت رحاب بالعجز عن تنفسها مما سمعته وقبل ان تنطق حرفًا وصلت مكالمة هاتفية مفاجئة تخبرها بوفاة ابنها المنتحر في المستشفى. انهارت على الأرض، فاقدة لوعيها، وأخذها الخدم الى المستشفى في حالة من الضياع العميق.


في الوقت نفسه، عادت دعاء إلى منزلها، حيث علمت من عمر بخبر وفاة مصطفى. ابتسمت برضا داخلها، وشعر قلبها بالبرود. أصبحت رحاب تعيش في كون من الألم والحزن مثلما شعرت... الآن تقدر على قول ان حسابتهم صافية من اية انتقامات أخرى. 


....... 


مصطفى مات.. صعبان عليكم ولا دا كان جزاؤه؟

تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا







تعليقات

التنقل السريع