رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم( شارع خطاب)الفصل الواحد والثلاثون 31بقلم فاطمة طه سلطان ( جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)
رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم( شارع خطاب)الفصل الواحد والثلاثون 31بقلم فاطمة طه سلطان ( جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)
الفصل الحادي والثلاثون من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
ولكنني أحبُّك لأن الأشياء معك فارِقة دافئة وحقيقية و لأني معك أنت فقط شعرت بكُلِّ شيء
لم أشعر بِه من قبل.
#مقتبسة
اعتق قلبك عن الأمسِ والغدِ فماضي العمر قد ولّى وآتيه لم يُخلَقْ فـ اللحظة هي كل ما تملك فاسكب المُدامَةُ وانسَ الهمَّ والألم
-عمر الخيّام
الحُب مشروع جُرح ،
فَهل في صَدرك مُوضعٌ لـ طعنة !.
#مقتبسة
____________
-انا رايحة اشوف سامية وجوزها...
بالفعل خرجت وفاء من الشقة بشكل جنوني متوجهه صوب شقة انتصار التي كانت تتواجد أمام الشفة التي تجلس فيها لم تسمع نداء جهاد ولم تتوقف...
فتح لها حمزة الباب بعد ثواني بسبب تواجد انتصار في المطبخ وسامية في المرحاض لذلك أخبرته انتصار بأن يفتح الباب بنفسه وهنا أصفر وجهه وشحب لونه وكأن الدماء هربت منه لا يدري ما الذي يراه....
تمتم حمزة بصوتٍ خافت قبل أن تأتي جهاد خلفها لا تدري ما الذي أصابها مرة واحدة:
-وفـــاء!!!!!!!!!!!!!!!!!.
هتفت جهاد بتردد حينما أقتربت منهما ولم تكن قد سمعت هتافه باسمها:
-مساء الخير..
أتت سامية من الداخل هي الأخرى؛ عندما رأت جهاد وتلك الفتاة قالت بتأفف فهي ظنت بأنها صديقة لجهاد:
-مين دي يا جهاد؟.
ردت عليها وفاء أخيرًا بعدما أبعدت بصرها عن حمزة هاتفة بنبرة مكتومة ولا أحد يشعر بما يعتريها في تلك اللحظة، لم يكن هناك أي تخمين إلا أن تلك الفتاة هي سامية ابنة عمها لذلك تحدثت بثقة كبيرة:
-بنت عمك يا سامية، وفاء بنت عمك زهران...
ردت عليها سامية بنبرة فاترة، خالية من التعبير والمشاعر فهي حتى الآن لا تتقبل وجود فتاة غيرها في هذا المنزل ولا تصدق تلك القصة رغم ظهور نتيجة التحليل عقلها يرفض التصديق:
-أهلا وسهلا بيكي...
ثم أشارت ناحية حمزة في النصف الثاني من الجملة هاتفة بنبرة تلقائية:
-أنا سامية وده جوزي..
قاطعتها وفاء ببرود وهي تهتف باسمه:
-حمزة...
ضيقت سامية عيناها وهي تسألها بعدم فهم بينما حمزة كان على وشك أن يفقد الوعي لم يكن ينقصه صدفة كهذه:
-إيه لحقتم تتعرفوا ولا إيه؟
ردت عليها وفاء بهدوء يُدرس وتحسد عليه:
-لا جهاد قالتلي من قبل ما اجي شوفتكم وأنتم تحت فجيت أسلم عليكم؛ همشي بقا مش هعطلكم اكتر من كده عن إذنكم.
أردفت سامية ببرود:
-هنشوف بعض كتير يا بنت عمي ان شاء الله.
ثم رحلت ناحية الشقة التي كان بابها مفتوحًا وولجت معها جهاد ثم أغلقتا الباب خلفهما..
هنا غمغمت سامية بسخرية:
-هي مالها دي شكلها غريب كده ليه؟ مش مريحة أبدًا.
أبتلع حمزة ريقه بتوتر:
-عادي يعني مالها؟.
جاءت من خلفهما انتصار التي هتفت باستغراب وهي تقوم بتجفيف يدها بالمنشفة:
-إيه اللي موقفكم كده يا ولاد ومين اللي كان بيرن الجرس؟
استدارت سامية قائلة بلامبالاة وسخرية من الدرجة الأولى:
-دي جهاد وبنت عمي الجديدة..
أردفت انتصار بعتاب واضح:
-وأنتِ كنتي موقفاهم على الباب ليه؟ مخليتهمش يدخلوا عيب عليكي كده يا سامية..
قالت سامية بعصبية مفرطة:
-عادي يا ماما هما مشيوا همسك فيهم بالعافية يعني؟........
لوت انتصار فمها بتهكم بينما تحدث حمزة بنبرة هادئة وهو يتمالك أعصابه:
-أنا نازل يا سامية..
سألته سامية بعدم فهم:
-ليه رايح فين؟.
أردف حمزة كاذبًا وهو يخبرها بحجة منطقية:
-نازل اجيب اللابتوب في العربية في حاجة محتاج ابعتها لحد...
بينما داخل شقة زهران التي تجلس فيها وفاء برفقة جهاد...
غمغمت جهاد وهي تعقد ساعديها تحاول تذكر حديثها:
-هو أنتِ عرفتي منين اسمه؟.
قلقت وفاء من سؤالها ولكنها أجابت بنبرة متماسكة:
-هعرف منين يعني؟ أنتِ اللي قولتي.
ردت عليها جهاد بنبرة واضحة:
-أنا قولت سامية وجوزها جم مقولتش اسمه أنا اصلا بتلغبط في اسمه..
شعرت وفاء بالارتباك لكنها ظلت ثابته على موقفها:
-لا قولتي وإلا أنا كنت هعرف منين يعني؟..
نظرت لها جهاد بهدوء يبدو أنها محقة...
من أين سوف تعلم إلا منها؟
هي شخصية ثرثارة بطبعها رُبما تخونها ذاكرتها وتفوهت باسمه ولا تتذكر...
جهاد ليست شخصية غبية بطبعها...
لكن في بعض الأوقات قد لا تصدق الصُدف...
ولا يصل عقلك إلى أمور واضحة لأنه يستبعدها ولا يربط الأمور ببعضها...
أردفت جهاد بنبرة هادئة:
-ماشي أنا هطلع كده أخد دش واشحن الموبايل علشان فصل شحن وهبقى أنزل اقعد معاكي تاني، سلامة مش هيجي بدري وممكن يسهر مع صحابه النهاردة..
-تمام يا حبيبتي..
..بعد مرور عشر دقائق تقريبًا..
رحلت فيهم جهاد، كانت وفاء تدور حول نفسها لا تصدق ما يحدث، رغم كل الشكوك التي كانت تشعر بها تجاهه لم يصل عقلها بأنه متزوج وهي خطيبته!!
حتى أنه لم يفسخ الخطبة بينهما!!
كيف يفعل هذا؟!!
الوقح...
القذر....
كانت تنتعه بابشع الألفاظ...
والكارثة بأنه أصبح زوج ابنه عمها.......
صدع صوت هاتفها يعلن عن اتصال من رقم غريب، فاجابت بعصبية:
-ألو.
-ألو يا وفاء..
صوته جعلها تستشيط غضبًا أكثر، يبدو أنه معه عدة أرقام والرقم الذي معها لم يعد صالح للاستخدام أو كان يهرب منها بمعنى أوضح..
أتاه معزومة سيمفونية من الشتائم والإهانات وهي تصرخ بجنون لا تدري كيف خرجت منها تلك الكلمات التي كانت تخجل من سمعاها لكنها تخرج منها الآن لأول مرة...
هتف حمزة بتوتر:
-أهدي شوية يا وفاء صدقيني الموضوع مش زي ما أنتِ فاكرة..
صرخت وفاء وهي تصيح بجنون:
-موضوع إيه مش زي ما أنا فاكرة؟؟ ده أنتَ متجوز وأنا لسه لابسة دبلتك، قسمًا بالله لافضحك يا حمزة واخلي اللي ما يشتري يتفرج عليك وهفضحك قدام الناس كلها وقدام مراتك، وهوريك السواد اللي عمرك ما شوفته في حياتك ولو معملتش كده ميبقاش اسمي وفاء...
تمتم حمزة بنبرة هادئة قدر المُستطاع:
-نتقابل ونتكلم وساعتها هشرحلك كل حاجة صدقيني الكلام في التليفون مش هينفع أنا نزلت وقاعد في العربية علشان أكلمك..
صاحت وفاء باستنكار:
-تفهمني إيه؟! وتشرح ليا إيه؟ تشرح ليا إيه يا ***..
-أنا مش هحاسبك على اللي بتقوليه علشان أنا مقدر كل ده، بس صدقيني كل ده مش هيوصلنا لحاجة بكرا هظبط دنيتي وهبعتلك نتقابل امته وفين، سلام دلوقتي.
أغلقت الهاتف في وجهه بغضب شديد...
ثم ألقت الهاتف على الطاولة والدموع تنهمر من عيناها...
خلعت الخاتم من إصبعها وقذفته على الأريكة ثم جلست على المقعد الذي كان خلفها تبكي بقهر..
لا تدري على من تبكي؟!
على أم ظلمتها...
أو عائلتها التي لم تكن عائلتها...
أم رجل ظنته عوضًا حتى لو كان غريبًا ولا يتواجد بينهما قصة حب أو مشاعر واضحة...
حياتها أنقلبت رأسًا على عقب حتى أنها أصبحت في بيت عائلة تكن عائلتها الحقيقية التي لا تعرفهم...
__________________
طريقها طويلًا أن كان في الذهاب أو العودة....
ومكان العمل كان من ضمن الأسباب التي كانت تجعلها ترغب في رفض العمل...
لتكون صريحة رُبما كل يوم يمر يجعلها تعتاد على المسافة، أو رُبما المسافة ليست بعيدة بالشكل الذي كانت تصفه، لكن هذا نابع من كونها لسنوات لم يكن لديها سوى منزلها وكان يمر أشهر ولا تهبط منه، حتى زيارة عائلتها كانت نادرة لذلك أصبحت ترى الأماكن كلها بعيدة..
ها هي تعتاد على حياة مختلفة وتخبر ذاتها بأن ليس الجميع يعمل في الشارع المجاور لبيته....
قامت بشراء بعض الطلبات التي أخبرتها والدتها بها عبر الهاتف وما أن انتهت اقتربت من المنزل، وضعت جميع الأكياس التي لم تكن كثيرة بالمناسبة أو ثقيلة الوزن في يد واحدة، بعدما قامت بالاتصال بـ هدير شقيقة طارق....
-الو ازيك يا هدير عاملة إيه؟
"الحمدلله بخير"
سألتها إيناس بنبرة هادئة:
-فينك كده؟
"أنا عندكم فوق"..
انتهت المكالمة سريعًا حينما أخبرتها إيناس بأنها اقتربت من المنزل ودقائق وسوف تكون أمامهم.
صعدت إيناس أول شيء فعلته هو أنها أخذت طفليها بالأحضان وبعدهما أخذت هدير وجلست معها على الأريكة...
أما والدتها أخبرتها بأن ترتاح قليلًا وهي سوف تقوم بتسخين الطعام التي صنعته إيناس قبل نومها ليبة أمس بالرغم من إرهاقها هي تحرص على صحة والدتها...
هتفت إيناس بنبرة جادة وعطوفة وهي تمرر يدها على خصلات هدير تعاملها بأنها شقيقة لها أو حتى ابنة:
-كنت ناوية اجيلك علشان كده كنت بتصل عليكي وأنا تحت كنت هطلع أسخن الأكل واروق الدنيا واجيلك عاملة إيه يا حبيبتي؟.
كانت حور في المرحاض تقوم بأخذ حمامها والأطفال يركضا خلف بعضهما، لم يكن هناك غير إيناس وهدير....
تمتمت هدير بامتنان:
-الحمدلله بخير.
قالت إيناس بابتسامة هادئة وعاطفة قوية:
-وحشتيني أوي وحقك عليا أنا مقصرة معاكي بقالي شوية بس والله برجع هلكانة زي ما أنتِ شايفة من الشغل، أخد على المشوار بس وتلاقيني كل شوية عندك...
ردت عليها هدير ببساطة:
-أنا مقدرة ده وبعدين أنتم عاملين معايا كل اللي في ايديكم وزيادة كفايا مكالمتك ليا كل يوم، وأنا مقدرة المشوار بيتعبك ازاي والمسؤوليات اللي عليكي، ربنا يوفقك في شغلك الجديد يارب.
نظرت لها إيناس بحب ثم وجدتها تثرثر على غير العادة يبدو أن حور أصابتها بعدوى:
-كويس أنك مش بتيجي كتير عمومًا الأوضاع في بيت خطاب مش أحسن حاجة الكام يوم دول والكل متوتر ومش طايق نفسه بسبب البنت الجديدة دي، انا علطول في الشقة وقافلة على نفسي بس يعني سامعة اللي بيحصل...
تحدثت إيناس بتلقائية وهي لا تدرك بأنه برغم من اختلاف المواضيع هي تضع الملح على جرحها:
-اه دياب كان قالي على حوار البنت دي وعرفت أنهم اتأكدوا أنها بنت عم زهران هي حاجة غريبة فعلا أو صعبة أن في واحدة تعمل كده وتسجل البنت باسم راجل تاني وتخفي الحقيقة طول السنين دي كلها يلا متجوزش عليها غير الرحمة.
غمغمت هدير ساخرة رغمًا عن أنفها؛
-بتحصل، يمكن لو الكلام ده من سنة ولا من كام شهر وكان حد جه قدامي حكى حاجة زي دي كنت هقول عليه بيفتي أو بيألف، بس دلوقتي أنا أصدق أي حاجة، البركة في أحلام خلتني اتوقع أي حاجة وأي حاجة تصدر من أي حد أشوفها طبيعية.
ابتسمت لها إيناس بألمٍ مدركة علة الصبية التي تجلس أمامها وسألتها بخفوتٍ:
-هي أحلام كلمتك تاني بعد حوار الرسالة اللي بعتتها ده؟.
هزت هدير رأسها نافية فقالت إيناس بحنان وهي تأخذ كف يد هدير تضعه بين كفيها الدافئتين:
-بصي يا هدير أنا مهما قولت مش هقدر أشيل الموضوع من دماغك، لأن محدش بينسى جرحع، بس ريحي نفسك وريحي أعصابك محدش هينفعك إلا نفسك، ومتزعليش ولا تضيعي شبابك في الحزن، في أهم فترة من فترات حياتك، أنا عارفة إني قولت الكلام ده كتير لغايت ما زهقتي وبقوله تاني مهما وقعتي واتخذلتي لازم تقومي من تاني..
كانت هدير تحاول استيعاب كلماتها وكأن المرأة التي أمامها قد تغيرت...أصبحت مُفعمة بالأمل أو التحدي بمعنى أصح...
ما كانت تعرفه أن إيناس حنونه بالفطرة ولكنها لم تكن تتحدث بتلك الصلابة وتحاول أن تبث الطاقة الإيجابية في شخصٍ ما...
قالت هدير بنبرة خافتة:
-اتغيرتي يا إيناس..
ضحكت إيناس محاولة أن تخلق جو من المرح:
-اهو يمكن ده اللي بيقولوا عليها المرأة العاملة....
جاءت من الداخل حُسنية هاتفة بحنان:
-الأكل سخن خلاص، فضوا السفرة يا بنات ويلا علشان نأكل..
جاءت حور من داخل الرواق الضيق وهي تلف خصلاتها بمنشفة وتحمل جواد الذي كان يطرق باب الحمام لا يتركها تشعر بالاستجمام:
-هو دياب مش جاي ولا إيه؟.
ردت عليها حُسنية بنبرة هادئة:
-اه كلمني وقال مش جاي هيتغدى مع الواد نضال، يلا نأكل احنا..
تحدث جواد بنبرة طفولية وهو يسقط المنشفة من على رأس خالته حور فصرخت رغمًا عنها:
-يلا يا ستو علشان أنا جعان أوي...
حملته حُسنية وأخذته من أحضان حور:
-حبيب قلب ستك أنتَ...
تمتمت حور بغضب طفيف:
-بدل ما تزعقوا ليه ده كان عمال يخبط على الباب مش عارفة استحمى براحتي مش كفايا عاملين سبانخ؟؟؟
________________
..مرسى مطروح..
يجلس مجدي على الأريكة يتناول قهوته بغضب كبير منذ عودته من القاهرة وهو في حالة عصبية شديدة فهو على وشك أن يقتل أحدهم....
يتجنب الحديث مع الجميع، حتى جميع الأقارب تأتي بين الحين والآخر تسأل عن حال ابنته وفاء، الأسئلة كانت كثيرة ومُربكة وكانت من ترد عليهم هي وفاء شقيقته تخبرهم بأن الفتاة مازالت حزينة وجالسة في غرفتها ترفض الحديث أو مقابلة أحدهم، كان هذا أسلم حل إلى حين أن يجد هو حل في تلك المعضلة..
فهو لا يرغب بتطور الأمر إلى أن يصل إلى الشرطة...
غير سمعته التي سوف تُهدم...
كل ما كان يرغب فيه الفترة الماضية قبل أن ترحل وفاء هو أن يجعلها تكتب تنازل رسمي عن أملاك ميرفت أو عقود بيع وشراء...
بعدها لتفعل ما تفعله لا يهمه حتى...
جاءت وفاء شقيقته من الداخل متمتمة بخوف حقيقي من صمته ونظراته:
-أحط الأكل ولا إيه؟
غمغم مجدي بغضب شديد:
-مش عايز اطفح ومش عايز حاجة ابعدي عن وشي أحسن ليكي وأكرم..
لم تصمت وفاء تلك المرة هاتفة بنبرة مغتاظة وغاضبة:
-جرا إيه يا مجدي؟ وأنا مالي علشان تقلب وشك في وشي من ساعة ما رجعنا وأنتَ مش طايق ليا كلمة..
أردف مجدي ساخرًا:
-والله كويس أنك عارفة إني مش طايقك، مش طايقك علشان أنتِ السبب في اللي احنا فيه، الحوار ده مطلعش برا عنك أنتِ اللي هربتي البت بمزاجك وسبتيها تمشي وأنا كنت حاططها في أمانتك بس ضميرك صحي فجأة مش كده....
تلون وجه وفاء وشحبت ملامحها بارتباك وهي تخبره:
-لا طبعًا محصلش و...
قاطعها مجدي بنبرة واضحة:
-اللي ربى غير اللي اشترى، وأنا عارفك وحافظك يا وفاء، بس ضميرك اللي صحي مرة واحدة دي لو طلعت أنا من المولد بلا حمص بعد سنين العمر دي كلها صدقيني هقتلك أنتِ وضميرك..
تمتمت وفاء بمسكنة محاولة أن تستعطفه قدر المُستطاع:
-تقتل اختك؟ عيب والله عليك يا مجدي؛ يعني بعد العمر ده كله ولا اتجوزت ولا عملت بيت وكنت عايشة معاكم بخدمكم..
ثم صاحت مرة واحدة وقد ارتفع صوتها وأختلف عن نبرتها السابقة:
-وبعدين يعني ناقصك إيه؟ هو اللي أنتَ لهفته من ميرفت وهي عايشة شوية؟ أومال الكافيهات والفلوس اللي في البنك مترصصة دي منين..
هتف مجدي بنبرة واضحة:
-كنت بدير ليها أملاكها واللي عملته من وراها حقي، وحقي برضو أني مسيبش ورثي علشان هي برضو ضميرها صحي زيك، وبعدين ياست وفاء بلاش تعيشي الدور مكنتش بلهف ولا بأخد لوحدي كنتي دايما بتأخدي النص بالنص غير الحاجات التانية اللي كنتي بتقلبيها فيهم...
قالت وفاء بنبرة هادئة وهي تعقد ساعديها:
-خلاص خلصنا من الحوار ده وأقبل بعرض زهران، وريحنا من كل ده، اللي اخدناه أنا وأنتَ مش شوية واللي هيدهولك زهران اللي هو ورثك الطبيعي مش شوية برضو؛ و....
قاطعها مجدي بغضب:
-أنا مش لعبة في إيدك مش أنتِ اللي بدأتي الحوار وأنتِ اللي هتنهيه، أنا مش هوافق على حاجة غير لما أحسبها كويس أوي، وهفكر في نفسي وبس، ابعدي بقا عن خلقتي علشان كل ما افتكر أن اللي احنا فيه ده بسببك عفاريت الدنيا بتنطط غي وشي..
رحلت وفاء بعدما نهضت من مكانها متوجهه صوب المطبخ تفكر في حديث شقيقها، هل كان يجب عليها ألا تستسلم إلى عذاب ضميرها الذي تأخر في الظهور!!
هي لم تتحمل رؤيتها مرض ميرفت أمام عيناها...
خشيت..
كان للمرض رهبة...
وضعت نفسها مكانها هي ليس لا أحد حتى يخدمها إذا حدث لها شيء...
كما لم ترغب في ظلم الفتاة أكثر وكانت تعلم بأن مجدي ينوي أخذ كل شيء منها عنوة...
لمدة أسابيع وصوت صراخ الفتاة من خلف الباب لم يكن يتوقف....
هي ليست لينة القلب ولا تمتلك قلب حنون..
لكنها لم تستطع الاستمرار في الظلم أكثر حتى ولو فعلت الكثير في الماضي..
ألا يوجد لحظة من الممكن أن يتراجع فيها الانسان؟
هي تراجعت..
________________
عادت من عند والدتها وهي تحمل العديد من الأكياس البلاستيكية والصناديق التي تحفظ الطعام، وكان حمزة متذمرًا كونهما أخذوا كل تلك الأشياء وأنه لا داعي لها بينما انتصار أخبرته بأنها ترغب في أن تعطي ابنتها تلك الأشياء من أجل تسهيل حياتها الزوجية في أيامها الأولى لماذا يعترض هي لا تعلم حقًا؟!!!
حاولت سامية بقدر الإمكان ألا يحدث بينه وبين والدتها أي نوع من أنواع الشجار والاحتكاك..
ومنذ عودتهما يجلس بمفرده يدخن سجائره بشراهة، لم تكن تعلم بأنه يدخن لم يفعلها أمامها قبل زواجهما ولم يتفوه بأي معلومة كونه رجل مدخن....
تفاجأت بالأمر في شهر عسلهما لكنها لم تخلق منها مشكلة فهي تعلم بأن العديد من الشباب تقوم بالتدخين ولا تخبر أحد..
هو شيئًا طبيعيًا ليست لديها أي مشكلة فيه....
لذلك لم تحاول جعله موضع نقاش...
اليوم شعرت به غريبًا جدًا..
شاردًا معظم الوقت وحادًا على غير العادة...
لكنها حاولت التماس له العذر رُبما لأنه لم يكن يرغب الذهاب إلى عند والدتها من الأساس لذلك كان في حالة متوترة...
المهم أنه في النهاية مر اليوم بـ سلام...
أخذت حمامها ثم جاءت إلى الغرفة بعدما ارتدت منامتها الحريرية لتجده أطفأ الهاتف فور دخولها عادة تلازمه...
هي أصبحت تحفظه رغم أن المدة ليست طويلة...
يخبرها بأنه ينهي كل شيء ويتحدث مع الجميع حتى يتفرغ لها من دون أن يزعجه أحد...
جلست على المقعد أمام المرآة أخذت تجفف خصلاتها وانعكست صورته في المرأة وهو يدخن سيجارته ويراقبها بشرود واضح....
جففت خصلاتها وصففتها ثم أخذت تضع عطرها ومستحضرات العناية بالبشرة التي تضعها كل ليلة قبل نومها.......
ما أن انتهت حتى قامت بتخفيف الإضاءة لكنها لم تغلقها بالكامل لأنه أخبرها بعد زواجهما بأنه لا يحب النوم في الظلام الدامس كما تفضل هي...
جاءت وجلست بجواره على الفراش متمتمة بتردد:
-مالك يا حمزة...
نظر لها بعدما قام بوضع سيجارته في الطبق الزجاجي الخاص لها ثم وضعها على الكوميدنو المتواجد بجانب الفراش...
-مالي يعني؟! ما أنا كويس اهو..
ردت عليه سامية وهي تخبره بما تشعر به:
-معرفش حساك غريب في حاجة حصلت ضايقتك طيب؟ وبعدين اكيد مش كل ده مضايق علشان ماما اديتني حاجات..
رفع يده ثم مرر أصابعه على وجهها بحنان وبعدها على عنقها هاتفًا بنبرة خافتة وهو يغتصب بسمة على شفتيه يحاول أن يكون أمامها طبيعيًا حتى لا تشعر بأي شيء:
-حتى لو كنت مضايق مينفعش تكوني قصادي دلوقتي وأفضل مضايق حتى يكون عيب عليا والله...
تمتمت سامية بعدما ابتسمت رغمًا عنها:
-أنا بتكلم بجد على فكرة...
رد عليها وهو يقترب منها أكثر هاتفًا:
-وأنا بتكلم بجد برضو...
ثم استرسل حديثه متمتمًا بنبرة هادئة وهو يمرر يده على أكتافها:
-وجودك جنبي كفيل يمشي ويضيع أي حزن أنا حاسس بيه وكنتي أحسن حاجة حصلت ليا الفترة اللي فاتت، وأكيد مش هنضيع الوقت في أنا زعلان ولا لا...
سألته سامية باهتمام ومازال عقلها يقظ رغم أنه يخاطبها بعاطفة قوية:
-يعني مفيش حاجة مزعلاك يا حمزة؟..
-مفيش حاجة مزعلاني غير أنك عماله ترغي وأنتِ وحشاني..
_____________
في اليوم التالي...
أرسل لها حمزة العنوان والموقع الخاص بأحد المقاهي لكنه بالطبع لم يكن المقهى الخاص به..
رأت الرسالة منذ الصباح الباكر ولم يكن لها نية للذهاب، ماذا سوف يخبرها؟
ما هو التبرير المنطقي الذي من الممكن أن يخرج منه يغفر له فعلته الدنيئة؟!
ظنت به الكثير من الظنون ولكنها لم تصل بأن يتزوج وهي مازالت ترتدي خاتمه في إصبعها حتى أنه اختفى اختفاء تام..
أخذت تفكر كثيرًا هل تذهب أم لا ؟
لكنها في النهاية وجدت نفسها ترتدي أحد الملابس التي أتت بها جهاد من أجلها....
صعدت إلى الشقة التي يقطن فيها زهران مع نضال، قامت بقرع الجرس وفتح لها زهران، وحينما وجدها أمامه ابتسم هاتفًا:
-اهلا يا بنتي اتفضلي..
حاولت وفاء أن تبادله الابتسامة متمتمة:
-لا ملهوش لزوم، أنا بس كنت عايزة أقول لحضرتك إني نازلة لو مفيش مشكلة يعني...
سألها زهران بعدما اختفت ابتسامته وكانت ملامحه جادة نوعًا ما:
-رايحة فين؟.
ارتبكت وفاء قليلًا لكن سرعان ما استعادت ثباتها وهي تخبره ببساطة:
-محتاجة شوية حاجات مهوا أصل مش معقول كل شوية هاخد من جهاد هي عروسة ومحتاجة تفرح بهدومها، واعتقد إني مش محبوسة.....
تمتم زهران بنبرة هادئة رغم شكه بها فـ حدسه لا يخطئ أغلب الأوقات:
-لا طبعًا مش محبوسة، بس كنتِ اخدتي انتصار معاكي أو جهاد..
ردت عليه وفاء بتلقائية محاولة أن تجد تبريرات:
-مش عايزة اتعب طنط انتصار امبارح كانت تعبانة علشان عزومة بنتها وجوزها وجهاد لسه في أول الحمل ومراحتش الشغل مش معقول أخليها أنا تنزل يعني...
قال لها زهران بهدوء:
-خلاص اجي معاكي أنا...
تمتمت وفاء بعدما عبست ملامحها محاولة استخدام الهجوم كوسيلة للخروج من المأزق:
-هو حضرتك خايف يعني مني ولا إيه؟! أكيد معنديش مكان أروحه بعد لما مجدي عرف إني هنا؛ وخلاص اتأكدت أنتَ وأولادك إني بنتك، هفضل محبوسة يعني؟! أو لازم لما اجي أخرج مع حد منكم؟! مش فاهمة بصراحة حضرتك معارض ليه نزولي لوحدي؟
رد عليها زهران بعفوية رغم أن هجومها لم يعجبه:
-وهخاف من إيه؟ كل الحكاية إني قلقان عليكي طول عمرك مش عايشة هنا ومتعرفيش حاجة هنا..يعني أنا مش خايف منك لا خايف عليكي..
غمغمت وفاء بإصرار:
-أيوة بس كنت في مصر برضو مكنتش في أوروبا..ومتقلقش هعرف اتعامل..
ثم شعرت بكونها حادة قليلًا في حديثها مع الرجل الذي تأكدت بأنه والدها، فهو لم يعد رجل غريبًا:
-أسفة معلش طريقة كلامي مش حلوة بس أنا محتاجة أنزل شوية وافك عن نفسي ومتقلقش لو حصل أي حاجة أو توهت هكلمك، أنا بس هشتري كام حاجة وارجع.
تمتم زهران بعدم ارتياح ولكنه قرر أن يفترض النية الحسنة:
-ماشي يا بنتي اللي يريحك وأنا هكون معاكي على التليفون برضو..استني كده دقيقة وجاي..
-ماشي..
رحل زهران وظلت تنتظره لمدة ثلاث دقائق تقريبًا ثم عاد وهو يحمل نقود من أجلها ثم وجهها لها:
-خدي دول خليهم معاكي..
شعرت وفاء بالخجل الطفيف وحاولت رفض الأمر دون أن تسبب بحرج:
-ملهوش لزوم دول كتير أوي وبعدين أنا معايا فلوس ومعايا الفيزا..
غمغم زهران بنبرة لا تقبل النقاش:
-لا دي حاجة ودي حاجة، خليهم معاكي خدي اللي تخديه وخلي الباقي معاكي في الشقة تحت أنا ابوكي وانك تاخدي فلوس مني ده شيء طبيعي....
_______________
بدأت العمل على الفكرة..
وبالفعل أعطت تصريحًا في أحدى المقاطع التي تقوم بتنزيلها بأنها ترغب في مساعدة أصحاب المشاريع الصغيرة سواء ما يخص الطعام أو المنتجات التي تخص النساء مثل منتجات العناية بالبشرة والشعر وغيرها...
دون أي مقابل مادي فقط عن طريق تصوير المنتجات أو الاشياء فقط...أو عمل "ريفيو" عليها...
قبل يومين تقريبًا كان أول مقطع لها تقوم بتقييم الطعام الذي تم إرساله لها...والحق يقال بأن الفيديو كان رائجًا على أحد التطبيقات التي تقوم بالتنزيل عليها............
لذلك شعرت بالشجاعة والسعادة وهي تقرأ التعليقات التي أتت لها وتحثها على الاستمرار وكم هائل من الدعوات التي تلقتها من أجل ما فعلته، الأمر لا يخلو من بعض التعليقات السلبية لكنها قليلة لذلك لم تعطها أي اهتمام...
اليوم تنتظر طلب أخر، "أكل بيتي" تصنعه أحد النساء التي ترغب في كسب لقمتها بالحلال وهي تعول أطفالها، تعمل أثناء جلوسها تجلس في المنزل معهم، أخبرتها بأنها سوف تقوم بإرساله لها وكانت ريناد في انتظاره..
...في الخامسة مساءًا...
صدع صوت الجرس...
توجهت صوب الباب من أجل أن تفتحه بعدما تأكدت من أن ملابسها مهندمة نوعًا ما، فهي تعلم بأن تلك الأمور لا تسير هنا كما كان في السابق لم تكن تهتم لأي شيء...
فتحت الباب وفي ظنها بأنها سوف تجد الشاب الذي سوف يقوم بتوصيل طلبها وكان يُحدثها منذ دقائق ولكنها وجدته هو...
..ديــاب يحمل بعض الأكياس...
غمغمت ريناد معترضة قبل أن يتحدث هو:
-هو أنا كل ما يجي ليا اوردر مفيش غيرك يستلمه ولا إيه؟.
استعمل دياب كلماتها التي قالتها حينما صعدت من أجل توبيخه على اتساخ ملابسها البيضاء:
-الراجل صعب عليا يطلع وقولت أريحه، وبعدين مهوا مفيش غيرنا في العمارة.
نظرت له بغيظ ساخرة:
-في اخواتك وطنط...
تحدث دياب بنبرة هادئة:
-خدي الشنط يلا ربنا يهديك شكلها سخنة علشان تلحقي تأكلي...
أخذت منه الأكياس البلاستيكية ووضعتها أرضًا في الداخل ثم عادت تعقد ساعديها وتنظر له مما جعله يعقب:
-إلا صحيح هو حتى الأكل بيجي ببلاش ليكي؟ دي حلوة شغلانة البلوجر دي اوردرات رايحة جاية ببلاش ما تأخديني معاكي؟.
الحقيقة...
هي أن دياب ألح على عامل الدليفري بأن يأخذ منه هو الطلب ويصعد به حينما وجده أسفل البناية وعلم بأن الطلب يأتي لها هي...
اشتاق لرؤيتها....
شيء بداخله كان يرغب في رؤيتها بعد فترة لم تكن طويلة ابدًا من القطيعة ولكنها أثرت فيه جدًا......
قهقهت ريناد ساخرة وهي تغمغم:
-اعمل اكونت وابقى بلوجر متقلقش هيجي ليك متابعين كتير..
صمتت حينما أدركت ما قالته....
لحظة استيعاب....
هي كانت على وشك أن تخبره بأن الفتيات والمراهقات على تلك التطبيقات بالطبع سوف يحبون ويتابعون شاب وسيم وجذاب مثله حتى ولو لا يقدم محتوى جيد..
أو لا يقدم محتوى أصلا!!
سألها دياب بعدم فهم لمقصدها:
-هو أنتِ بتنجمي يعني ولا إيه،؟ إيه الثقة اللي بتتكلمي بيها دي وأن هيجيلي متابعين..
-عادي بتريق على كلامك وبقول أي كلام....
غمغم دياب بلامبالاة:
-براحتك عموما أنا مش راجل فاضي، أنا راجل ورايا حاجات كتير أوي أكتر من إني اعمل فيديوهات...
هتفت ريناد بانزعاج حقيقي:
-معلش أنا واحدة فاضية، وبعدين هو أنتَ جاي لغايت هنا علشان تهزقني؟ بلاش تكلف نفسك للدرجة..
حك ذقنه وهو يتصنع التفكير ثم غمغم بجدية:
-لا جاي علشان حاجة تانية...
-إيه هي؟.
قال دياب بهدوء كبير:
-أنا وأنا جاي في الطريق ظهرلي على الفيس كده اشخاص قد تعرفهم، ولقيتك ظهرتي ليا فبعتلك أدد وقدامك خمس ثواني أو عقبال ما اطلع الشقة لو متقبلش هعملك بلوك..
غمغمت ريناد بتسرع هو نفسه لم يتخيله وهي تخبره قبل أن تغلق الباب في وجهه:
-لا هدخل اقبله حالًا......
تم إغلاق الباب في وجهه قبل حتى أن يسأل أين بهية؟!....
ابتسم رغمًا عنه...
هو بالرغم من مقابلاته العبثية معها من الدرجة الأولى إلا أن هناك شيء بداخله يزهر ويسعد برؤيتها....
رغم نهاية كل لقاء بينهما بطريقة كارثية....
لا يفهم ما يحدث..
وما يفعل...
لكن ليس هناك مانع من الشعور الطفيف بالسعادة في وسط الأيام المعتمة....
في النهاية ليس هناك أي شيء هو حاول فقط تصليح سوء الفهم الذي لا يعرف عدده فهي كانت تتخذ منه موقف....
_______________
في المقهى..
وصلت وفاء إليه وجدته ينتظرها جالسًا على أحد الطاولات يشرب قهوته بهدوء مميت وأعصاب باردة كأنه لم يفعل شيئًا...
ما أن وجدها تقترب منه نهض من المكان مبتسمًا ومد يده ليصافحها هاتفًا:
-ازيك يا وفاء عاملة إيه..
تجاهلت وفاء يده الممدودة ثم جلست على المقعد هاتفة بغيظٍ شديد:
-يا برودك يا أخي..
جلس حمزة على المقعد هاتفًا بنبرة مترددة:
-ده واضح إنك شايلة مني أوي..
نظرت له وفاء بعدم فهم؟
هل هو يرغب في أصابتها بأزمة قلبية..
هو يتحدث وكأنه رجل غريب عنها...
تمتمت وفاء وهي تردد كلماته باستنكار شديد:
-شايلة منك؟! هو أنتَ بتستعبط يا حمزة، هو أنتَ دوست على طرف فستاني ولا كنت مسافر مع صحابك ومش لاقي وقت تكلمني، أنتَ اختفيت وواضح أنك غيرت رقمك أو الله أعلم عندك كام رقم وأنا معرفش، لا والاقيك متجوز وتيجي تقولي أنتِ شايلة مني؟ مهوا أنتَ يا عبيط يا بتستعبط...
هتف حمزة موضحًا الأمور بالنسبة له:
-اسمعيني شوية أنا من حقي ادافع عني نفسي...
قالت وفاء باستهزاء:
-وأنا جاية علشان تدافع عن نفسك واطلعك على المسرح تقول المسرحية اللي مش هتدخل دماغي بس جاية اسمع واتفرج.
تمتم حمزة بعدما استغفر ربه:
-بصي يا بنت الناس أنا عارف إني غلطان في حقك ومعاكي حق في أي حاجة بتقوليها بس صدقيني الموضوع مش زي ما أنتِ فاكرة..
سألته وفاء بغضب مكتوم:
-اومال ازاي قولي عرفني هو ازاي يمكن أنا ظالمة ومفترية، معرفش ربنا وبفتري عليك..
قال حمزة بنبرة عذبة:
-طب مش الأول تشوفي تشربي إيه؟ ولا تحبي نتغدى مع بعض..
- انا مش جاية أضايف في صالون بيتكم؛ انجز علشان أنا مش طايقة ابص في خلقتك...
كان حديثها ساخر من الدرجة الأولى...
ورغم إدراكه ذلك إلا أنه تحدث بنبرة هادئة جدًا وهو يغمغم:
-أنا عارف أننا مكناش بنحب بعض والموضوع كله صالونات وبصراحة أنا معرفتش أفضل مكمل معاكي رغم معرفتي بعلاقتك الأولانية..
نظرت له ساخرة وهي تعاتب نفسها أمامه:
-لا يا شيخ؟ مليش حق بصراحة؛ وبعدين كمل ياسيدي وسمعني...
تمتم حمزة موضحًا:
-سامية هي حبيبتي وبحبها من واحنا في الجامعة وشوفتها صدفة عن طريق اختي وحسيت إني مش هقدر أكمل معاكي وأخونك وأنا قلبي لغيرك...
قهقهت وفاء ساخرة ثم سألته:
-طب ومجيتش قولت للجاموسة اللي هي أنا الكلام ده ليه؟ وسيبتني زي أي راجل محترم بيسيب واحدة مش يروح مختفي ويعلقها...
هتف حمزة بنبرة هادئة جادة وهو يسرد لها:
-اتحرجت ومكنتش عارف أقولك الكلام ده ازاي في وشك، ياريتني كنت في جرائتك لما صارحتيني بعلاقتك الأولانية، أنا معرفتش اعمل كده، وكمان والدتي كانت تعبانة في المستشفى واتوفت وكنت قلقان سامية تضيع مني..
تمتمت وفاء بجنون فهو على وشك جعلها تفقد أعصابها:
-بس كده؟ هو أنتَ جايبني علشان تحكيلي قصة حب ميرفت وعلاء اللي هي قصة حضرتك والست سامية، أنتَ بتهرج ولا فاكر إنك بتكلم عيلة صغيرة، فوق يا حمزة ده أنا هوريك وهفضحك قدام مراتك والعيلة كلها..
سألها حمزة مستنكرًا وهو ينظر لها بضيقٍ:
-هتستفادي إيه؟ غير أنك هتخربي عليا بيتي وحياتي مع الانسانة اللي بحبها، وفي نفس الوقت سامية وامها والعيلة كلها هيكرهوكي وأنتِ لسه ملكيش رصيد كافي عندهم من الثقة، وهتحطي نفسك في موضع شك وأنتِ لسه داخلة العيلة وصدقيني هتنزلي من نظرهم من قبل حتى ما ياخدوا فكرة عنك هتكوني في نظرهم زي ما بيسموها خرابة بيوت...
اتسعت أعين سامية..
لا تصدق وقاحته!
هو يحدثها وكأنها هي المذنبة...
تحدثت سامية بعدم فهم:
-هو أنتَ بتتكلم معايا ليه على إني خرابة بيوت جاية أخرب عليك حياتك ولا برمي بلايا عليك، أنتَ مجنون؟ ولا عايز تجنني؟...
غمغم حمزة ببساطة شديدة:
-لا مش مجنون أنا بكلمك بالمنطق، أنتِ حياتك كلها اتغيرت حتى أبوكي مطلعش ابوكي، ابدأي حياتك من جديد واعتبريني مكنتش فيها وبلاش تشيلي النفوس من بعضها فكري بالعقل هتعرفي إنك مش هتستفيدي أي حاجة من أنك تعرفيهم الحقيقة، سامية بتحبني وبحبها، وبتحبني لدرجة هتكره أي حد يكون سبب في بُعدها عني، علشان كده يا بنت الناس بلاش وحقك عليا..
حديثه غريب!
هو يحاول اقناعها بأن تصمت وللحق يقال بأنه نجح قليلًا...
ليس لكونها تصدق أحاديثه الحمقاء تلك...
أو حتى لعدم رغبتها في الانتقام...
لكنها الآن في أكثر فترات حياتها تشوشًا...
ولا تدري هل من الصحيح أن تخبر أناس لا تعرفهم الحقيقة؟.
_______________
فاصوليا، لحم وأرز بالشعرية..
سلطة خضراء..
تلك هي الأصناف التي صنعها نضال اليوم من أجل الغداء الخاص به ووالده، تناوله معه في صمت تام...
بعدما أنزل زهران طعام إلى ابنته وفاء التي رفضت بأن تصعد وتتناوله معهما وتركها زهران على راحتها...
كان يتجنب كل شخص فيهما الحديث مع الأخر، الأمور متوترة بشكل كبير، حتى خرج زهران عن صمته والأرجيلة أمامه وكلاهما يشاهد التلفاز بعدما عاد نضال من المسجد بعد صلاة المغرب ووضع الأطباق في الغسالة الخاصة بهم...
-هو أنتَ هتفضل أن شاء الله كده مطنشني وكأني مش موجود...
نظر له نضال بعدم فهم معقبًا باستغراب:
-هو أنا عملت إيه دلوقت؟
تحدث زهران بعدما سحب نفس من أرجيلته:
-مهوا المشكلة أنك معملتش يا نضال، أنتَ من ساعة ما نتيجة التحليل ظهرت واحنا كل واحد في وادي مبقتش تنطق بحرف وطول ما أنتَ في البيت ساكت، كأني كنت عارف ومخبي عليك معرفش يعني بتعاقبني ولا إيه؟..
غمغم نضال بنبرة جادة وهو ينظر إليه:
-مبتكلمش وساكت علشان بحاول اتقبل الأمر الواقع مش علشان بشيلك ذنب ولا عقاب، بالعكس أنا أول مرة أحس فعلا أنك ملكش ذنب في حاجة وبسبب كده الكلام والجدال الكتير ملهمش لازمة..
رغم أن كلمات نضال جعلته يشعر بالراحة قليلًا...
أراح قلبه حقًا...
لكن كالعادة لا يسمح زهران بأن يجعل الحديث طبيعيًا بل كان عليه أن يهتف ساخرًا:
-وهو إيه ذنبي بقا ان شاء الله غير ده علشان تكون أول مرة تحس إني مليش ذنب يا أستاذ نضال..
تحدث نضال بنبرة جادة:
-جوازاتك السبب في كل حاجة...
قاطعها زهران بعصبية مفرطة:
-لا بقولك إيه لغايت هنا وتحط مليون خط هو أنا كنت ماشي في الحرام يعني ولا ماشي في الحرام؟! ولا عمري عملت حاجة غلط ولا عيب وكل جوازة بدخلها مبيكنش عندي نية للطلاق بس هما اللي نسوان هم، وكل جوازة كان فيها مشكلة حصلت شكل لكن أنا مشيلتش ذنب حد ولا ظلمت حد...معرفش مين داعي عليا متعمرليش جوازة.
تمتم نضال بانزعاج يرغب في أن يُنهي الحديث في تلك النقطة فهو مهما قال لن يقتنع بوجهه نظره لكن رُبما الأيام كفيلة لفعل هذا:
-أنتَ صح.
تحدث زهران بعدما سحب نفس من الأرجيلة بجدية شديدة:
-اوعدك المرة الجاية هختار صح والله.
ضحك نضال رغمًا عنه بعدما كان في حالة شديدة من الجدية، فالأمر أشبة بأن نضال هو من يوبخ طفله ليس بأنه يتحدث مع والده، كأن زهران هو الابن الذي يؤكد للأب بأنه سوف يحسن الاختيار:
-ماشي.
قام زهران بتغيير الموضوع ببراعة شديدة:
-هو احنا مش المفروض نقعد قعدة كده.
ضيق نضال عينه هاتفًا بعدم فهم:
-قعدة إيه مش فاهم؟..
تمتم زهران موضحًا ما يرغب في قوله:
-بتكلم عنك أنتَ وسلمى من ساعة كتب الكتاب واحنا مقعدناش قعدة معاها هي وأمها نحدد كده ونظبط الدنيا ونحط ميعاد ونبدأ نفتح شقتك نشوف العروسة محتاجة تعدل حاجة أو تزود حاجة احنا شطبناها مع شقة سلامة بس ممكن هي بقى تحط تعديلات في أي حاجة عايزاها، المهم أننا نقعد ونشوف الفرح يكون امته...
كان يظن زهران بأنه سوف يجد موجة من الغضب موجهه نحوه أو ثورة لكنه وجد ملامح نضال ساكنة!!!!
هذا شيء مثير للعجب...
نعم منذ مدة يلاحظ تغييرات في علاقة نضال وسلمى هو لا يعيش في عالم أخر، لكنه كان يرفض التعقيب...
تاركًا الأمور تسير بمفردها.....
لكن إذا وصل إلى تلك النقطة من دون أن يغضب نضال إذن شكوكه كلها في محلها...
غمغم نضال وهو يعقد ساعديه:
-مش عارف...
تحدث زهران بعدم فهم:
-هو إيه اللي مش عارف...
-يعني...
توقف نضال عن الحديث حينما فُتح الباب وولج منه سلامة بعدما استخدم نسخة المفاتيح الخاصة به، وحينما رأهما غمغم ببساطة:
-ولا أي حاجة كملوا الكلام ولا كأني هنا...
ثم ولج إلى المطبخ تحت أنظارهم؛ لم يفهم أحد شيء مما يريده بينما نضال تحدث بهدوء:
-أنا معنديش مشكلة معينة بس لما نظبط الدنيا الأول في حوار البت دي..
قاطعه زهران بعدما عقد حاجبيه متحدثًا بغضب حقيقي:
-هو إيه اللي حوار البت دي؟ ما تتكلم عدل دي بنتي زيها زيكم..
تحدث سلامة الذي يقف في المطبخ ساخرًا:
-هو إيه اللي ما يتكلم عدل وليه اضايقت أوي علشان المحروسة اللي بقت على الحجر...
غمغم نضال وهو يضرب كفًا على كفٍ:
-واحد كل مشكلته في الحياة مش أن طلعتله أخت فجأة لا، مشكلته أنه مبقاش أخر العنقود واللي على الحجر ده أنا هيجرالي حاجة من العيشة معاهم...
تمتم سلامة بنبرة ساخرة:
-ايوة ياخويا ياريته كان اتجوز قبل أمك على الأقل كان زمانها الأكبر.
سأل زهران أخيرًا وهو يجد سلامة يقوم بالتقليب وإزاحة غطاء الطنجرة:
-هو أنتَ بتعمل إيه؟ وإيه اللي طلعته من جيبك ده كيس؟ ولا أنا مش شايف..
رد سلامة عليه ببسمة واسعة:
-جايب معايا كام كيس كده قولت اشوفكم عاملين إيه، البت جهاد عاملة مكرونة وايت صوص حلوة بالمشروم والفراخ حلوة بس أنا بالنسبالي الكلام ده مقبلات فقولت أنزل اعبي من أكل نضال حبيبي....
تحدث نضال متهكمًا:
-يعني معندناش احنا مثلا أطباق أو علب؟ علشان العفانة دي نازل لينا بأكياس..
عقب سلامة على حديث شقيقه بتلقائية:
-أنا محبتش أكلفكم ونازل بالاكياس بتاعتي عداني العيب..
أستكمل زهران حديث ابنه بتهكم:
-وازح...
وجه زهران حديثه إلى نضال هاتفًا:
-يا ابني سيبك منه واتلحلح بقا أنا حاسس إني هموت قبل ما اشوف عيالك أنتَ بالذات....
______________
في اليوم التالي...
جمعتهما....
أرادت أن تخبرهما بالخبر ولم تستطع فعلها على الهاتف لذلك أخبرت والدتها وشقيقتها بأنها تقزم بدعوتهما لتناول الغداء معها...
للحق يقال سلمى ويسرا هما من صنعا الطعام الذي تمت دعوتهما عليه...
....لم يكن سلامة موجودًا كان في العمل....
حتى أن سلمى قامت بغسيل الصحون حتى تخفف عن جهاد فهي تعلم معاناتها الحقيقية، فـ سلمى تستطيع القيام بأمور وأعمال المنزل كلها على أكمل وجه، وبالنسبة للطعام هي ماهرة في الوصفات الصحية والطعام الصحي...
جلست سلمى ووالدتها في النهاية على الأريكة والمشروبات أمامها..
تحدثت يسرا بحنان:
-ها يا جهاد يا بنتي مش هتقولي في إيه بقا؟!
أردفت جهاد بغباء وهي تنظر إلى والدتها:
-في إيه من ناحية إيه؟.
تحدثت هنا سلمى بجدية:
-سلامة الذاكرة يا مرات أستاذ سلامة، مش أنتِ قولتي تعالوا اقعدوا واتغدوا معايا وفي موضوع عايزة تتكلمي فيه معانا..
سألت يسرا ابنتها بشكٍ مغمغمة:
-أنتِ متخانقة مع سلامة يا جهاد؟!.
ردت سلمى بذكاء:
-ده الطبيعي بتاعهم اكيد مش هتجيبنا علشان كده.
تمتمت يسرا بحنان وهي تحاول نصح ابنتها:
-طبيعي في مشاكل بينها وبينه لأنهم في سن بعض وعقلهم صغير شوية، وبعدين أول سنة جواز بيكونوا لسه بيتعودوا على بعض مهما كانوا يعرفوا بعض ومهما طولت فترة الخطوبة أنهم يكونوا مع بعض في بيت واحد دي حاجة تانية....
هتفت جهاد بنبرة جادة:
-أنا مش متخانقة مع سلامة مش ده اللي أنا جايباكم علشانه يعني لو ده الموضوع أنا كنت قولت علطول في التليفون...
بدأت يسرا تشعر بالقلق وهي تتحدث بعصبية بعدما زال الحنان:
-ما تقولي يا بنتي في إيه تعبتي أعصابي...
صدع صوت الجرس ليقاطع حديثهما، ولحسن الحظ سلمى أرتدت خِمارها بعدما انتهت من غسيل الصحون......
نهضت جهاد وفتحت الباب بعدما وضعت الوشاح بإهمال فوق رأسها لتجد زهران يقف أمامها وهو يحمل حزمة من الخس....
وخلفه أحد الشباب العاملين بالجزارة وهو يحمل العديد من الأكياس الموضوع عليها اسم جزارة خطاب وأكياس أخرى..
-مساء الخير يا بنتي، عاملة إيه؟...
-الحمدلله يا عم زهران اتفضل...
ولج زهران وهو كان يعلم مسبقًا بوجود يسرا وسلمى لذلك صعد من الأساس.
تمتم زهران وهو يوجه حديثه للصبي:
-تعالى يا حمادة حط الحاجة هنا..
ولج الصبي ثم ترك الأكياس على الطاولة التي كان زهران يشير إليها ورحل....
هنا غمغم زهران بنبرة هادئة موجهًا بصره نحو السيدة يسرا:
-ازيك يا أم سلمى؟ عاملة إيه؟ إيه اخبارك...
تمتمت يسرا بنبرة رسمية:
-الحمدلله يا معلم زهران....
هتف زهران موجهًا حديثه نحو جهاد:
-جيبتلك بقا شوية لحمة يا جهاد وفراخ ملهمش حل وشوية خضار كده...
قالت جهاد بعفوية:
-والله يا عم زهران احنا معندناش مشكلة مع الموارد نفسها احنا عندنا مشكلة مع اللي بيطبخ..
ضحك زهران ثم رد عليها بنبرة هادئة:
-اتغذي كويس كده واهتمي بنفسك وواحدة واحدة هتتعلمي كل حاجة.
نظر زهران إلى يسرا هاتفًا وهو يحمل باقة من الخس أشبه بأنه يحمل باقة زهور لمحبوبته:
-الواد سلامة وجهاد ناووين يكبرونا يا ست يسرا ويخلونا جدود بدري بدري...
لاحت الصدمة الطفيفة على وجه سلمى ويسرا..
صغيرتهما حامل...
شعرت جهاد بالخجل الطفيف وهي تغمغم بحماقة:
-كتر خيرك يا عم زهران بقالي ساعة مش عارفة أقول وأنتَ جيت قولتها في ثانية..
هبطت الدموع من أعين يسرا ثم احتضنت ابنتها بحنان كبير:
-مبروك يا حبيبتي، مبروك يا نور عيني، ألف ألف مبروك، ربنا يتمم ليكم بخير يارب ويجي سليم معافي بإذن الله.....
هبطت دمعة من أعين سلمى هي الأخرى بتأثر لكنها مسحتها بسرعة كبيرة حتى لا يراها أحد ثم أردفت بهدوء رغم ارتجاف قلبها، رُبما هي لا تحسن التعبير لكن جهاد بالنسبة لها هي ابنتها ليست مجرد شقيقة صغرى:
-مبروك يا جهاد...
ردت عليهما جهاد بتأثر هي الأخرى:
-الله يبارك فيكم يارب...
أخرج زهران من جيب جلبابه كيس به بضعة مناديل ورقية ثم مد يده لهما به وأخذته منه سلمى هاتفة:
-شكرًا..
-العفو يا بنتي...
ثم أسترسل زهران حديثه بهدوء:
-لولا أن الواد نضال مش هنا وأنا مش عارف مفاتيح شقته فين كنت دخلتك تشوفي الشقة...
___________
....اليوم التالي....
حديث والده لم يمر على عقله مرور الكرام بل وجده فرصة أو باب للحديث معها اليوم، ليرى ما هي وجهة نظرها...
هل مثله أم لا؟
تغيرت وجهه نظره في فترة لم تكن طويلة أبدًا، بل قصيرة، ومن شدة قصرها لم يأتِ في عقله بأن يتغير عقله ومشاعره وكل شيء به دون سابق أنظار ولم يكن هو رجل خفيف بل كان رزين ونادرًا ما قد يُساق خلف فتاة...
رُبما هذا يعود إلى شخصيته الجادة نوعًا ما لا يفضل العلاقات العابرة أو الارتباط الذي يدوم لسنوات دون مسمى رسمي....
حتى أنه كان جاد مع ابنه عمه سامية ولم يكن هناك فتاة أخرى قد نالت اهتمامه...
بينما سلمى لا تنال اهتمامه فقط بل هي تخرج منه تصرفات هو لا يعلم عنها شيئًا، مشاعر جديدة، حتى أن وجهه نظره تغيرت في العديد من الأمور...
أصبح يُفكر ويشعر بطريقة مختلفة...
لذلك أثناء قيادته للسيارة يضع السماعة في أذنيه ويحدثها على الهاتف...
كان ذاهب إلى مكان العمل الجديد الذي تدور به التجهيزات.....
يحدثها في الهاتف لأنها اليوم لم تذهب إلى العمل بسبب مرضها..
-لسه تعبانة؟.
ردت عليه سلمى بصوتٍ يخرج منها بصعوبة:
-اه لسه ومش قادرة انزل اجيب علاج، حتى الصيدلية مش بترد عليا..
غمغم نضال بنبرة هادئة رغم اللهفة التي كانت بين طياتها وهو يقود السيارة:
-طنط لسه مرجعتش؟؟.
أردفت سلمى بنبرة خافتة:
-لا لسه، هطول شوية النهاردة جوز صاحبتها اتوفى وهي معاها طول اليوم، صاحبتها دي من ثلاثين سنة والله لولا إني مش قادرة اتحرك كان زماني معاها....
هتف نضال بنبرة جادة:
-ربنا يرحمه..
تمتمت سلمى باهتمام:
-آمين، وصلت ولا لسه؟
رد عليها نضال ببساطة:
-لا لست في الطريق وقولت اتصل اشوفك عاملة إيه دلوقتي...
-لما ماما تيجي أن شاء الله هخليها تجبلي علاج وبعدين أنام شوية وهصحى كويسة ان شاء الله أنا اهو عماله اشرب في حاجات سخنة....
رد عليها نضال بهدوء:
-ان شاء الله..
ثم استرسل حديثه بنبرة هادئة مغيرًا الموضوع تمامًا:
-صحيح كنت بتكلم أنا وابويا وفي موضوع كده من يومين في موضوع وقولت اقولك علشان حابب أعرف رأيك قبل ما نقعد قعدة نتكلم فيها في الموضوع...
لا تدري لما شعرت بالتوتر رغم جهلها الآن بما يريد وكأن عقلها متوقف عن التفكير والاعياء لا يسعفها..
-موضوع إيه ده اللي هنتكلم فيه؟.
تمتم نضال ببساطة وهو يخبرها:
-يعني كان بيقول نقعد ونتكلم ونتفق على الفرح وغيره ونشوف لو عايزة تعملي تعديلات في الشقة فحبيت أعرف رأيك...
غمغمت سلمى بتلقائية:
-أنا لسة مجبتش حاجة في الجهاز يعتبر وأصلا الحاجات الأساسية لسه مجبتهاش بسبب أن مكنش في مكان لما كانت أجهزة وحاجة جهاد هنا..
هتف نضال بجدية واهتمام شعرت به:
-يعني الموضوع ده يأخد قد إيه؟.
ردت سلمى ممازحة أياه:
-يعني مش أقل من سنتين لـ سنتين ونص...
رغم اندهاشه من إجابتها إلا أنه عقب عليها ساخرًا:
-لا قفليهم خمسة يدوبك..
ثم تحدث بنبرة جادة:
-أنا بتكلم بجد يا سلمى متهزريش..
غمغمت سلمى بارتباك طفيف:
-يعني معرفش لسه الدنيا هتبقى ازاي بس مش أقل من سنة ولا حاجة...
للمرة الثانية الإجابة لا تنال استحسانه...
لذلك تحدث بنبرة هادئة وواضحة:
-لو موضوع الجهاز ممكن اجيبه أنا ومنكتبش قايمة لو دي المشكلة عادي، ونخليها بعد كام شهر إلا بقا لو عندك مشاكل تانية...
لما تشعر بأنه يرغب الزواج في أقرب وقت وهذا الشيء يجعلها تشعر الراحة والخجل الطفيف من جانب...
والذعر من جانب أخر...
-معرفش يا نضال هتكلم مع ماما ولما تيجوا نتكلم ونشوف رأيها إيه..
-ماشي سلام دلوقتي علشان داخل على المكان لما اخلص هكلمك يلا سلام..
-سلام..
أنهت المكالمة ولا تدري لما شعرت بالخوف والقلق من أن تكون قد ازعجته بالإجابة الخاصة بها؛ لا تعلم...
هل عليها إرضاؤه حينما يحادثها مرة أخرى؟!!.
لا تعلم هل قالت شيء يسبب له الازعاج أم لا؟..
هي فقط تفاجأت في حديثه في تلك النقطة..
أو رُبما هي انسانة لا تصلح للحديث في تلك الأمور............
هي لا ترغب في أن تجعله يشعر بأنها لا ترغب فيه أو تنفر منه لكن تصرفاتها دومًا تكون عكس ما ترغب في أن تصله له...
...بعد مرور ثلث ساعة...
خرجت من المرحاض بعدما حاولت غسل وجهها لعلها تشعر بأنها في حالة أفضل، خرجت بسبب صوت هاتفها، توجهت صوب الغرفة ثم جلست على الفراش وأمسكت الهاتف الموضوع على الكوميدنو لتجده هو...
أجابت على الفور وهي تستعد للاعتذار منه:
-الو...
تمتم نضال بنبرة هادئة جدًا:
-البوابة بتاعتكم مقفولة ليه؟.
لم تفهم ما قاله!!
هو كان في الطريق إلى المكان الذي يتواجد به مكان العمل الجديد...
ما علاقته بالبوابة الخاصة بمنزلها؟؟
ردت عليه سلمى مفسرة رغم غرابة سؤاله:
-بقالهم كام يوم بيقفلوها بالمفتاح علشان الماتور بتاع المياة كان حد هيسرقه بس بتسأل ليه؟.
هتف نضال بنبرة جادة:
-علشان قدام العمارة واقف عايز اطلع اديكي العلاج جبتلك شوية علاج وينسون وتيليو ونعناع وشوية حاجات قولت للصيدلي وهو ادهوملي....
كانت لا تدرك بأنه قام بالعودة من وسط الطريق الذي كان يسير فيه منذ بداية المكالمة بينهما تقريبًا..
تمتمت سلمى بنبرة جادة رغم سعادتها يبدو أنها شفيت من مجرد مكالمة:
-طب وليه عملت كده؟ ما كنت روحت شوفت شغلك..
قال نضال بنبرة عفوية واهتمام حقيقي وصادق:
-عادي هرجع تاني لكن مينفعش اسيبك تعبانة كده، احدفي المفتاح..
هتفت سلمى برفض واضح:
-مينفعش انا لوحدي مينفعش تطلع....
هي تعامله في معظم الأوقات بأنه مجرد رجل أجنبي عنها، خطيبها فقط تنسى عقد القرآن، لكن حتى لو كان معها الحق في العادات الواضحة إلا أنه غمغم ببساطة وجدية لأنه يتعامل مع عقليتها بصبر يحتاج أن يتم تدريسه في المدارس والجامعات:
-هطلع اديكي الشنطة عند باب الشقة أكيد مش هدخل متخافيش و....
دافعت عن نفسها بقوة مقاطعة حديثه:
-لا أنا بتكلم في العموم لكن أنا مبخافش من حاجة...
ضحك نضال رغمًا عنه وهو يخبرها مقاطعًا حديثها:
-أيوة أنتِ مش بتخافي من حاجة أنا اللي بخاف منك يا سلمى حتي في نيتي حاجة هخاف منك عمومًا، يلا خلصي بقا..
كادت على وشك أن تسأله عن معنى كلماته إلا أنها خجلت وأحمر وجهها...
وحتى يتقي شرها أسترسل حديثه ساخرًا:
-وبعدين يعني كنتي بتتصلي بالصيدلية هيوصلوا ليكي الحاجة بالحمام الزاجل..اعتبريني الدليفري.
ردت عليه بتوضيح:
-بنزل ليهم السبت وبيحطوا الحاجة وياخدوا الفلوس منه...وبعدين أنا مش بطلب حاجة وأنا لوحدي إلا عن طريق السبت...
تمتم نضال بنبرة هادئة:
-ماشي مع إني بتشائم من السبت بتاعكم ده نزليه بس اعملي حسابك هتنزليه على مرتين كده...
-ليه وأنتَ جايب الصيدلية كلها ولا إيه؟؟.
-جايب ليكي عصاير وحاجات خلصي بقا هو تحقيق يا بنتي...
ردت سلمى عليه بهدوء:
-خلاص ماشي استني خمس دقائق بس هلبس الاسدال وانزلك السبت مع أنه اترب وتم إهماله من ساعة ما جهاد اتجوزت....
قالت كلماتها الأخيرة بمرح قبل أن تنهي المكالمة وترتدي الإسدال وتأخذ منه ما أتى به، وما أن انتهت من استلام الدفعة الثانية أرسلت له رسالة...
"شكرًا يا نضال مش عارفة اقولك إيه بجد"
وضعت بجانبها العديد من القلوب "الرموز التعبيرية" وكان لونها أبيض..
تحدث نضال ساخرًا:
-يعني إيه قلب أبيض دي؟ تتصرف في أنهي بنك.....
سمع صوت رجولي قوي يأتي من خلفه:
-بتعمل إيه هنا يا شملول اوعى تكون بتأخد الشبكة يا موكوس..شكلك بقيت سلامة نمبر تو...
أستدار نضال ليجد والده زهران خلفه، الذي جاء على الفور بمجرد أن لمحه حينما كان يقف عند الجزارة يقف أسفل المنزل الذي تقطن فيه يسرا وبناتها...
غمغم نضال بعدم فهم:
-هو أنتَ بتراقبني؟.
ضحك زهران مستهزئًا ثم عقب بسخرية:
-والله هراقبك ليه ياخويا؟ كل الحكاية إني كنت قاعد أنا وأصيلة عند الجزارة شوفتك واقف والسبت نازل فقولت أكيد عملت مصيبة...
-معملتش مصيبة ولا حاجة سلمى كانت تعبانة عندها برد وجيت جبت ليها علاج...
ابتسم زهران وشعر بالسعادة كما لم يحدث من قبل!!
يخاف أن يحسد هذا التقدم دون أن يدري...
فلا يحسد المال إلا صاحبه وهو يصدق هذا المثل جيدًا....
قبل أن يعقب على هذا الأمر تحدث نضال بتهكم:
-وبعدين شايفني من عند الجزارة وأنتَ قاعد ده ما شاء الله على النظر...
رفع زهران كفه في وجه ابنه متمتمًا:
-لسه كان المثل في بالي ما يحسد المال إلا صحابه هتقر على نظري عيني عينك وأنا قدامك؟!!!...
-لا ربنا يرزقك الصحة والنظر وكل حاجة يا معلم زهران، يلا أنا ماشي بقا علشان رايح اشوف الشغل هناك أخباره إيه....
_______________
يجلس بعدما أنهى عمليته، أمسك هاتفه الذي كان يتركه في مكتبه وعلى ما يبدو كان على الوضع الصامت...
وجد الكثير من الاتصالات من منيرة...
اتصل بها على الفور بقلق كبير...
ليأتيه صوتها المتوتر وهي تخبره بالشيء الذي كانت تتصل به من أجله...
ليتحدث جواد بقلق كبير:
-مالها نـسـمـة؟؟؟؟؟
________يتبع________
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا