رواية نور بين السديم الفصل الأول بقلم يزن الحريري حصريه في مدونة قصر الروايات
رواية نور بين السديم الفصل الأول بقلم يزن الحريري حصريه في مدونة قصر الروايات
الفصل الأول
دمشق، المدينة التي تنام وتصحو على صدى التاريخ، حيث الأزقة العتيقة تحكي قصصًا منسية، وحيث يختلط عبق الياسمين برائحة المطر. هنا، في زاوية منسية من هذا العالم، كانت الرحلة تبدأ...
وقفت ليان عند نافذة غرفتها، تنظر إلى المدينة التي لم تتغير منذ طفولتها، ومع ذلك، شعرت كأنها غريبة عنها. كل شيء بدا مألوفًا... لكنه لا يشبهها. البيوت المتراصة، الأزقة الضيقة، أصوات الباعة الذين ينادون على بضائعهم، كل ذلك كان جزءًا من يومياتها، لكنها لم تعد تعرف إن كانت تنتمي لهذا المكان، أم أن روحها تائهة تبحث عن شيء لم تدركه بعد.
تنهدت بعمق وهي تمسك بكوب قهوتها الساخنة، لكن طعم المرارة فيه لم يكن من البن وحده، بل من شعور ثقيل يلازمها منذ زمن… ذلك السؤال الذي يطاردها كل ليلة: "هل أنا على الطريق الصحيح؟"
ارتدت حجابها الأسود بعناية، وخرجت من غرفتها بخطوات ثابتة، رغم العاصفة التي تجتاحها من الداخل. في الصالة، جلست والدتها تطالع التلفاز بصمت، بينما كان والدها يتصفح جريدته المعتادة. ألقى عليها نظرة سريعة، ثم عاد إلى ما بين يديه دون أن ينبس ببنت شفة.
"رايحة عالجامعة؟" سألتها والدتها دون أن ترفع عينيها عن الشاشة.
"إي، عندي محاضرة."
لم تنتظر مزيدًا من الحديث، حملت حقيبتها، وخرجت.
وسط زحام شوارع دمشق، سارت ليان بخطوات مسرعة، تحاول أن تلحق بالحافلة قبل أن تغادر المحطة. الجو بارد، والسماء ملبدة بالغيوم التي تنذر بالمطر. دخلت الحافلة وجلست في المقعد الخلفي، تراقب وجوه الركاب بصمت. كل واحد منهم غارق في عالمه، وكأن الحياة تمضي دون أن تلتفت لأحد.
في الجهة الأخرى من المدينة، كان سليم يجلس في مقهى صغير على الرصيف، يراقب المارة بعينين تحملان شيئًا من الحيرة. لم يكن مجرد عابر، بل كان رجلاً يبحث عن إجابة وسط الضجيج. مر بالكثير، عاش تجارب جعلته يشك بكل شيء من حوله، حتى بنفسه. كان يؤمن يومًا، لكنه اليوم يقف عند مفترق طرق، لا يعرف هل يعود لما كان عليه، أم يمضي في طريق آخر مجهول؟
بينما كان يتأمل انعكاس ضوء المصابيح على الرصيف المبتل، توقفت سيارة أجرة أمامه، وخرجت منها فتاة بشعر أسود طويل، وملامح توحي بأنها ليست كسائر الفتيات. كانت ليان، ولم تكن تعلم أن هذه اللحظة ستكون نقطة تحول في حياتها… وحياته أيضًا.
كان المطر قد بدأ يتساقط، لكن ليان لم تهتم. رفعت عينيها لتنظر حولها، تبحث عن مكان تحتمي فيه للحظات. لم تكن معتادة على الجلوس في المقاهي، لكنها قررت الدخول لتنتظر حتى يهدأ المطر.
عندما دخلت، شعر سليم بشيء غريب. ليس لأنها فتاة جميلة، بل لأن ملامحها حملت ذلك الصراع الذي يعرفه جيدًا. جلس يراقبها للحظات قبل أن ينهض، وكأنه مدفوع بشيء لم يفهمه بعد.
"ممكن أقعد هون؟" سأل بصوت هادئ وهو يشير إلى الكرسي المقابل لها.
رفعت عينيها بدهشة، لم تكن تتوقع أن يأتيها هذا الطلب فجأة. ترددت للحظة، ثم قالت بنبرة متحفظة: "المكان مو إلي، بس… تفضل."
جلس بهدوء، ولم يتحدث. ليان أيضًا لم تكن تنوي بدء أي حديث، لكن الصمت بينهما كان أثقل من أن يُحتمل.
"أنتِ طالبة جامعة؟" سأل أخيرًا، محاولًا كسر الجليد.
"إي."
"تدرسي شو؟"
"أدب عربي."
ابتسم بخفة، وقال: "يعني بتحبي الكلمات والمعاني، بس يا ترى بتلاقي المعاني اللي بتدوري عليها؟"
نظرت إليه للحظة، ثم عادت تحدق في الطاولة. سؤاله لم يكن عابرًا، شعرت كأنه اخترق جدارًا حاولت بناءه طويلًا.
"أحيانًا، بس مو دايمًا."
أومأ برأسه، وقال بصوت منخفض: "كلنا هيك، بنفكر إنه الكلمات بتكفي، بس الحقيقة إنه في شي أعمق، شي ما بينحكى بسهولة."
صمتت، وشعرت كأنها التقت بشخص يقرأ أفكارها قبل أن تنطق بها. لم تكن تعرف من هو، أو لماذا شعرت بهذه الراحة في وجوده، لكنها كانت تدرك شيئًا واحدًا: هذا اللقاء… لن يكون عابرًا.
استمر المطر في الهطول، والوقت مضى دون أن يشعر أي منهما. كان الحديث بسيطًا، لكن تأثيره عميق.
"أنا سليم." قال وهو يمد يده لمصافحتها، لكنها لم تمد يدها. اكتفت بهزة رأس خفيفة وهي تقول: "ليان."
ابتسم وقال: "أظن إنه عندك أسئلة كتير."
نظرت إليه بدهشة، ثم قالت: "وكيف عرفت؟"
ضحك بخفة وقال: "لأنو عيوني كمان كانت متلك، مليانة أسئلة، وما كنت لاقي ولا جواب."
تنهدت وقالت بصوت خافت: "وما لقيت الجواب لهلأ؟"
نظر خارج المقهى للحظات، حيث كانت قطرات المطر تتراقص على الزجاج، ثم قال بصوت هادئ: "لسه عم دوّر."
في تلك اللحظة، شعرت ليان أن القدر قد جمعها بشخص لن يكون مجرد عابر في حياتها. لم تكن تعرف إن كان سيمنحها الإجابات، أو سيزيد من حيرتها، لكنها كانت متأكدة أن هذا اللقاء… هو بداية شيء لن يُنسى.
ساد الصمت لثوانٍ بين ليان وسليم، لكن هذا الصمت لم يكن عابرًا، بل كان ممتلئًا بالكلمات التي لم تُنطق بعد. كل منهما كان غارقًا في أفكاره، يحاول فك رموز هذا اللقاء الذي بدا وكأنه كُتب في مكان ما، قبل أن يلتقيا.
نظرت ليان عبر النافذة، تراقب المطر الذي أصبح أكثر غزارة. لا تعلم لماذا لم تنهض وترحل، لماذا لا تشعر بأنها بحاجة للمغادرة، كأن شيئًا ما يطلب منها البقاء.
"شو أكتر شي بتخافي منه؟" سأل سليم فجأة، قاطعًا شرودها.
رفعت حاجبيها بدهشة، لم تتوقع السؤال، ولم تعرف كيف تجيب. لم تكن معتادة على الحديث عن مخاوفها، لكنها وجدت نفسها تقول بصوت خافت: "إني أعيش بلا معنى."
تأملها للحظة قبل أن يبتسم نصف ابتسامة، وكأن جوابها لم يكن مفاجئًا له.
"كلنا هيك." قال بصوت هادئ، ثم أضاف وهو ينظر إلى المطر: "بس الفرق إنو في ناس بتتقبل الفراغ، وناس بتمضي حياتها تدور عالضوء وسط العتمة."
"وأنت؟" سألته بفضول، دون أن تدرك أن هذا السؤال كان يحمل أكثر مما يبدو عليه.
نظر إليها نظرة طويلة، كأنه يزن كلماته قبل أن يقولها، ثم أجاب بصوت منخفض: "أنا… كنت ضايع لفترة، بس قررت إني ما استسلم."
أومأت برأسها دون أن تعلق، لكنها شعرت بأن كلماته لامست شيئًا عميقًا بداخلها.
فجأة، رن هاتف ليان، قطع لحظة التأمل التي كانت غارقة فيها. نظرت إلى الشاشة، فرأت اسم والدتها. زفرت بهدوء قبل أن ترد:
"إي ماما، أنا بالمقهى، استني شوي وبجي."
أغلقت الهاتف، ثم نظرت إلى سليم وقالت بابتسامة خفيفة: "لازم أمشي."
أومأ لها بتفهم، لكنه لم يقل شيئًا. شعرت أنه يريد أن يسألها سؤالًا أخيرًا، لكنها لم تمنحه الفرصة. نهضت من مكانها، ثم نظرت إليه للمرة الأخيرة قبل أن تقول:
"كان لقاء غريب، بس… ما كان بلا معنى."
ارتسمت على وجهه ابتسامة هادئة وهو يجيب: "ولا شي بهالدنيا بلا معنى، بس بدو يلي يعرف يقرأه."
خرجت من المقهى دون أن تلتفت، بينما بقي سليم يراقبها عبر الزجاج، وكأن جزءًا منه شعر أن هذه اللحظة… كانت بداية طريق لن يكون سهلًا، لكنه حتمًا سيكون مختلفًا.
أما ليان، وهي تسير تحت المطر، شعرت بشيء غريب في قلبها، إحساس بأنها كانت على وشك اكتشاف شيء لم تكن تبحث عنه… لكنها الآن، لا تستطيع تجاهله.
يتبع....
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا