القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية متى تخضعين لقلبى الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم شيماء يوسف كامله

 رواية متى تخضعين لقلبى الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم شيماء يوسف كامله 





رواية متى تخضعين لقلبى الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم شيماء يوسف كامله 




الفصل الاول♥️


اليوم هو يوم عطلتها ، استيقظت من احلامها كعادة كل عطله على صوت صياح آتياً من خارج غرفتها ، تنهدت بألم وهى تضغط على عينيها بقوه رافضه تقبل امر استيقاظها او التحرك من فراشها الا بعد خروجه ولكنها تعلم جيداً ان  أمنيتها تلك دون جدوى فهو مقيم فى المنزل ما يقارب ال٢٤ ساعه ، وبالرغم من انتظارها كل عطله اسبوع بفارغ الصبر حتى يستطيع جسدها الارتياح قليلاً الا انها تكرهها بسببه ، شعور غريب ينتابها وهى تستمع إلى كل ذلك الصياح والانتقاد والسخط الخارج من فمه عليهم جميعاً ، كانت كل صرخه تخرج منه لتقتحم اذنها تشعر بأنها مرت اولاً على قلبها لتترك به ندبه دائمة لا تزول ، تنهدت بألم مره  اخرى تتمنى  لو ان لها منزل خاص ، لو تستيقظ ذات يوم فتجد كل تلك التقاليد العقيمة قد اختفت فجأه فتستطيع التحرر والاستقلال بعيداً عنه ، التقطت اذنها اسمها يُلفظ من قبل والدتها فعلمت ان كل سخطه الان سيتحول نحوها ، تنهدت بألم للمره الثالثه تستعد لاستقبال ما لا يسرها كالعاده ، تحدثت والدتها برجاء تستجديه : 


-ماشى يا عبد السلام ، بس وطى صوتك شويه ملهوش لازمه زعيقك ده، خلينا نتكلم بالراحه وبعدين حياة نايمه جوه سيبها تنام شويه النهارده إجازتها ..


صاح بها بصوت يرج أركان المنزل من قوته :


-متقولليش وطى صوتك انا حر اعمل اللى انا عايزه ، اللى عايز ينام هينام فى الطبل ، الساعه كام والهانم اللى انتى خايفه منها لسه نايمه .. 


تنهدت أمنه بيأس تعلم انه لا سبيل للنقاش معه بهدوء :

-انت عايز منها ايه ، النهارده أجازتها  من الشغل وده اليوم اللى بتنام فيه سيبها ترتاح شويه . . 

عقد عبد السلام حاجبيه معاً وهو لايزال محافظاً على نبرته الساخطه بصراخ :

-ايوه ياختى دلعيها مانتى عينوكى المحامى بتاعها ، وبعدين محدش قالها تشتغل ، هو انا كنت مستفاد ايه من شغلها ده ، مبتصرفش عليا منه ومش بتحوش يبقى تقعد احسن .. 

هزت امنه رأسها بحزن قبل ان تجيبه ونبره الضيق ظاهره عليها :

-يا حول الله يارب ، انت عايز منها ايه  ماهى شايله نفسها بنفسها ومتطلبش منك حاجه وكل اللى عايزاه بتجيبه لنفسها ده غير دراستها مش مكلفاك حاجه واى حاجه بتحتاجها بتجيبها على طول ، عايز ايه تانى ناقص تحاسبها على اللقمه اللى بتأكلها يا عبد السلام !!! . . 

اهتزت نبرته قليلاً ولكنه عاود الحديث بنفس السخط : 

-انا مش عاوز منها ، بس انا خلاص الحمل تقل عليا ، انا مش هفضل اصرف عليهم طول عمرى ، وعشان يكون فى علمك انا مش هصرف على جوازه حد تانى ، اللى عايز يتجوز يحوش ويجوز نفسه كفايه عليا قاعده لدلوقتى ، انتى اهلك رموكى عليا من وانتى عندك ١٨ سنه وبتك اهى عدت ال٢٥ ولسه قاعدالى . . 


اجابته آمنه بأستحقار جلى :

-ايه اللى انتى بتقوله ده !! انت بتعاير بنتك عشان لسه لحد دلوقتى متجوزتش يا عبد السلام !! وبعدين انت بتصرف على مين ؟؟ ما هى شايله نفسها بنفسها والتانيه متجوزه وبعيده هى وجوزها حتى الولا شايل نفسه وانا بشتغل !! انت شكلك كبرت وخرفت عيب عليك لو حد سمع الكلام ده يقول ايه ! وبعدين انا اهلى مرمونيش على حد انت اللى حفيت ورايا سنين وياريتنى ما كنت وافقت .. 


لم يجد ما يجيبها به بعد تلك الجمله فتحرك بنفاذ صبرا للخارج مدعى العصبيه صافقاً الباب خلفه بقوة. 


كانت حياه تستمع إلى كل ذلك الحديث شاعره بأن كل حرف يتفوه به كالرصاص يستقر بقوه داخل قلبها ليحدث به ضرر دائم من اقرب رجل إليها ، من بطلها الاول وسندها فى تلك الحياه والدها !! ، مسحت دموعها بكف يدها قبل ان تقرر النهوض فأمامها يوم طويل عليها قضاءه ، تحركت للخارج تلقى تحيه الصباح على والدتها بحب ، فبرغم كرهها لكل ما يحدث فى ذلك المنزل وأكثرهم ضعف والدتها وقله حيلتها الا انها كانت الاقرب إليها ، ابتسمت لها آمنه تسألها بحنان :

-حياة هتفطرى ولا زى كل يوم .. 

اجابتها حياة بقلب مثقل فذكرى كلمات والدتها لازالت تترد داخل اذنها بقوه : . 

-لا يا ماما ، مليش نفس يادوب استغل اليوم فى انى اروح الجامعه استلم شهاده الماجستير واقابل محمود واشترى شويه حاجات نقصانى واحضر لاجتماع بكره , عندى اجتماع مهم جدا فى الشركه وعلى اساسه هتقرر ترقيتى , ادعيلى والنبى يا ماما ربنا يكرمنى فيه واترقى ..

عقدت والدتها حاجبيها معاً بقوه بعد دعواتها لها بالتوفيق فعلمت حياة مصدر قلقها ، سألتها بخفوف تعلم الاجابه مسبقاً:

-ها يا ماما , فى ايه بس ..

اندفعت آمنه فى الحديث فور سؤالها :

-انت عارفه يا حياة فى ايه كويس , والله يابنتى لو عرف بموضوع محمود هيخرب الدنيا فوق دماغنا كلنا , ما توافقى يا حياة وتريحى قلبى وتريحيه ..

ثم اقتربت منها تمسح على شعرها بحنان وهى تضيف :

-يابنتى من زمان قالولنا خدى اللى بيحبك , وهو مش بس بيحبك ده بيموت فى التراب اللى بتمشى عليه عايزه ايه تانى بقى ؟!.. 

حدجتها حياة بنظره أستنكار قبل التعليق على حديثها:

-ماما حب ايه اللى بتتكلمى عليه!! انتى بجد مصدقه !! ده انسان اتشال قلبه من مكانه من زمان واتحط بداله حجر وياريت حجر ده حتى الحجر ممكن يلين لكن ده لا!! وكمان احنا مش قرينا فاتحه مع محمود امبارح وخلاص , فاضل ايه تانى بقى ؟..


اجابتها آمنه بلهفه يشوبها الكثير من القلق:

-باقى انه مش هيستخبى , هيعرف يعنى هيعرف ده جواز , ومفيش جواز بيدارى , ووقت ما يعرف هيهد الدنيا علينا , ده كل ده مستنيكى يا حياة , استناكى تكبرى وبعدها استناكى تتخرجى واخر حجه تخلصى الماجستير بتاعك وهو صابر علينا وساكت لو كان الموضوع فيه حد غيرك مكنش سكت كل ده ابداً ولا كان استحمل دلعه عليه كده , ميغركيش سكوته يا حياة انا ادرى واحده بيه لو صبره خلص هيحرقنا كلنا واولهم محمود ..


ارتعشت حياة داخلياً من حديث والدتها فهى تعلم جيداً انه لا ينتمى لعالم الانسانيه ، انه فقط مخلوق بدون قلب ، نسى مصطلح الرحمه منذ زمن طويل ويبدو انه لا مجال لتذكرها مره اخرى ، ولكنها لن تتزوجه ، حتى لو كان اخر شخص على وجهه الارض لن تتزوجه فالموت افضل لها من معاشره انسان بدون قلب ، لن تخرج من سجن والدها لتدخل سجن وحش لا يعرف معنى الرأفه ، حاولت طمأنه والدتها بشئ هى شخصياً تفتقده :

-سبيها على ربنا وربنا يستر المهم بس ميعرفش حاجه وخلاص .. 


كانت على وشك توديع والدتها عندما رأتها تلتقط حقيبه يدها وتذهب معها ، سألتها حياة مستنكره :

-ماما ! انتى رايحه فين ؟؟..

تنهدت أمنه بنفاذ صبر :

-هكون رايحه فين يا حياة يعنى , مانتى عارفه ..

زفرت حياة بحنق مُبديه اعتراضها :

-يا ماما كفايه بقى , الله يخليكى ابعدى عنه واقعدى وكفايه كده ..

اجابتها امنه بحده :

-اقعد ازاى يا حياة !! مانتى عارفه كويس اللى فيها !! عايزانى اسييله الشغل عشان ينفذ تهديده ويسجن ابوكى .. 


اجابتها حياة والكره يملؤ نبرتها:

-ايوه سبيه , انتوا اللى بتدوله الفرصه يتحكم فيكم ويوصل للى هو عايزه لما بتوافقوا على ابتزازه ده , لو كلكم بتفقوا قدامه وتقولوله لاء بعلو صوتكم مكنش عرف يتحكم فيكم بالشكل ده ..

قاطعتها آمنه بتأنيب واضح :

-انتى بتقولى كده بس عشان ابوكى ميهمكيش , لو كان بيضغط عليكى بحد مهم كان زمان رأيك اختلف ..


ااطرقت حياة رأسها للأسفل بخجل فهى تعلم بصحه حديث والدتها حتى لو لم تعترف بذلك ، فمن اكثر الأشياء التى تمد فريد رسلان بقوته هى قدرته على معرفه نقط ضعف من امامه ثم استخدامها ضده بدون رحمه حتى يخضع لطلباته ، وهذا ما فعله مع والدتها فهو يعلم جيداً ان حياة لن تهتم بما يصيب والدها لذلك تحول تهديده إلى من يهتم لامره ، اللعنه عليه لو فقط يعلم كم تمقته وتحتقره .


*****************


تحركت حياة للخارج بجانب والدتها لترى محمود واقفاً ينتظرها عن مقدمه الشارع، ابتسمت بخجل وهى تراه ينظر لها بأعجاب واضح ، كانت حياة فتاه عاديه قصيره القامه ذو جسد ضئيل ولكن متناسق بشكل مغرى ، ذو بشره حنطيه ناعمه ووجه مستدير تزينه ملامح صغيره بعيون سوداء فاحمه واهداب طويله للغايه وشعر ناعم كثيف يماثلها فى السواد ، ولكنها أيضاً كانت مثل جميع الفتيات تمتلك جمالها الخاص الذى يميزها واهم ما كان يميز حياة إلى جانب شخصيتها الانثويه الرقيقه للغايه والمتناقضة ما بين القوه والحساسية هى نظره عينيها ، لقد انعم الله عليها بنظره عين حالمه تجذب الجميع إليها ، وكم سمعت عبارات كثيره ما بين المتعجبه والحاسده لتلك النظره ، تقدم منها محمود يلقى التحيه بأدب على والدتها أولاً ثم يخصها بالحديث متسائلاً :

-حياة , جاهزه ؟.. 

اومأت له برأسها موافقه قبل ان تودع والدتها ويذهب كلاً فى طريقه .

كان محمود موظف شئون الطلبه فى الجامعه التى تدرس بها يكبرها ب٤ سنوات وذو شخصيه حنونه مستقيمه وهذا بالظبط ما دفع حياة للقبول به ، لم تكن علاقتهم مبنيه على قصه حب ، فقد اقتصر تعاملها معه على دراستها فقط حتى فوجئت به فى احدى الايام يطلب منها موعد رسمى لمقابله والدها وطلب يدها وبناءاً عليه وافقت ، لم تدرى اهو عناداً بوالدتها التى ارتعدت أوصالها بمجرد سماعها خبر طلب شخص اخر خطبتها او تحدياً  لذلك المتجبر الذى يخشاه الجميع وينتظرها ام عناداً بشخصها ، كل ذلك ليس مهم ، المهم انها وافقت وان محمود شخص جيد يعاملها بحنان افتقدته من بطلها الاول ، وصلا إلى حرم الجامعه فالتقت بصديقتها مريم تنتظرها بتأفف :

-ايه يابننننتى اتاخرتى ليييييه بقالى ساعه مستنياكى .. 

ثم التفت إلى محمود تلقى عليه التحيه باقتضاب فانسحب من بينهم متمتاً :

-حياة , انا هروح اخلصلك الشهاده وارجع على طول مش هتاخر ..

اومأت براسها له موافقه :

-تمام وانا ومريم قاعدين هنا لحد ما تخلص .. 


تحرك على الفور يصعد الدرج عندما التفتت حياة تؤنب مريم :

-يابنتى فى ايه مالك ؟, مش طايقه محمود ليه ؟.. 

اجابتها مريم بصدق :

-بصراحه يا حياة دمه تقيل , وبعدين مش حاساه لايق عليكى خالص , يابنتى ادى لنفسك فرصه تخبى وتتحبى, ليه قافله على نفسك كده ؟؟ حرام تتجوزى من غير حب ولا مشاعر ..

نظرت إليها حياة بجفاء :

-مشاعر ايه وكلام فارغ ايه !! الحياه الواقعيه مفيهاش الكلام ده , وبعدين مش يمكن احبه بعد الجواز ؟!.. مادام هو شخص كويس ومتفاهم مش هحتاج اكتر من كده .. وبعدين يا فيلسوفه عصرك انا مفطرتش لدلوقتى , ممكن تسيبك من نصايحك دى وتيجى نشوف اى حاجه اكلها .. 


هزت مريم راسها بيأس وهى تدفعها للأمام :

-اتفضلى , انا مش عارفه انتى ايه !! انسانه معدومه الاحساس !! ..

ثم رفعت راسها تنظر للسماء متمته بطريقه دراميه :

-يارب البت دى توقع على رقبتها وتحب واحد وتيجى تعيطلى وتقولى مقدرش اعيش من غيره يا مريم .. وانك يا مريم كان عندك حق وان الحب ده احلى حاجه فى الدنيا .. 

نظرت لها حياة متهكمه :

-فى احلامك .. 

ثم ركضت امامها تتبعها مريم وهى تدب بأرجلها فى الارض من شده الغيظ .. 


***************** 


التقط فريد هاتفه مجيباً بنفاذ صبر ووقاحه معتادة:

-اتكلم !!.. 

صمت قليلاً يستمع بأهتمام وعينيه تضيق بتركيز مع كل كلمه تخرج من الطرف الاخر ثم هب واقفا يسأل بغضب :

-انت متأكد من الكلام اللى قلته ده !! اقسم بالله لو طلع مش حقيقى لادفنك مكانك ..


صمت مره اخرى ثم سأل وهو يتحرك من مقعده داخل المكتب يلتقط بيده الفارغه معطفه ومفاتيح سيارته :

-يعنى هى فى الكليه دلوقتى وهو معاها ؟..

جاءته الاجابه من الطرف الاخر قبل ان يغلق هاتفه دون وداع وينطلق للخارج بوجه غاضب وجسد منتفض .


*****************


كانت حياة واقفه مع زميلتها مريم عندما شعرت يقبضه قويه داخل صدرها لم تدرى ما سببها ولكنها عندما رفعت راسها علمت جيداً لماذا شعرت بذلك فهناك زوجين من العيون الناريه تحدق بها بقوه ، شهقت بفزع وهى تتمسك بيد مريم التى التفت فوراً على حركه صديقتها لتسألها ماذا اصابها ، تمتمت حياة بكلمات غير مفهومه التقطت منها مريم اسم فريد فسألتها مستفسره :

-ماله فريد يابنتى ؟؟.. 

همست حياة برعب وهى غير قادره عن تحريك عينيها من امامه :

-فريد هنا .. 

شهقت مريم بدورها قبل ان ترفع راسها للبحث عنه ، بالطبع لم تكن مهمه صعبه فهاهو يقف باسترخاء وتفاخر على مقدمه سيارته يرتدى بدلته الفخمه ونظارته الشمسيه عاقداً كلتا ذراعيه امام قفصه الصدرى بتأهب ، سمعت حياة مريم تتمتم بأعجاب :

-واو .. ده حلو اوى يا حياة مكنتش متوقعه ان شكله حلو كده ..

نهرتها حياة بعنف :

-انا فى ايه وانتى فى ايه يا مريم .. ايه اللى جابه هنا دلوقتى ..

ثم شهقت بفزع :

-يانهار منيل !! محموود !! ده لو شافه هتبقى ليلتنا مش معديه ..


ارتبكت مريم بدورها فكم سمعت من حياة عن ردات فعله المتسلطه اذا علم بأعجاب شخص اخر بها فمابالك بخطوبه ..

حاولت طمأنت صديقتها بهدوء بدءت تفتقده :

-متخافيش انا هروح دلوقتى أعطل محمود ومش هخليه ينزل وانتى حاولى تخرجى بيه بره الكليه.. وأقلعى الخاتم ده بسرعه .. 


اطاعتها حياة على الفور وفى حركه أليه منها قامت بخلع محبسها ووضعه داخل جيب ردائها بسريه ، اوشكت مريم على تركها ولكن امتدت يده حياة تتمسك بها بكل قوه وهى تراه يترك سيارته ويتحرك فى اتجاهها  متمته :

-متسبنيش لوحدى ده جاى علينا


بدء الذعر يدب داخل أوصالها بشده وهى تراه يتقدم نحوها ، لم تكن تخشاه لشخصه ولكن كانت تخشى قوته وجبروته وقدرته على إيلام اى شخص دون أدنى احساس بالذنب ، راقبته وهو يتقدم منها ببطء وهى تلوى فمها بسخريه فمريم محقه ، انه يبدو وسيم فعلاً ببدلته الانيقه وساعته الرولكس وعضلاته البارزه وخطوته الواثقه بحيث تعجب به اى فتاه من الوهله الاولى ، ولكن لا احد يعلم ان خلف هذا المظهر الرائع انسان مصنوع من الحجر ، لا يتألم ولا يرحم ولا يحب ، فقط يمتلك ..


وقف امامها بطوله الفارغ يتفحصها عن قرب ، كتمت انفاسها وهى تعد بداخلها للعشره فى محاوله لاستعاده هدوئها ، لوى فمه بأبتسامه جانبيه قبل ان يوجهه حديثه لها بتسليه :

-لو مكنتش اعرفك كويس كنت قلت النظره الذى فى عينيك دى نظره أرنب مرعوب من مصيبه عملها وخايف حد يكتشفها ..


رفعت عينيها تواجهه نظراته بتحدى وكره دون حديث ولكن ما سرعان ما استحوذ على نظره عينيها شئ اخر ، انه محمود يهبط الدرج فى اتجاهها ، يالله الا يوجد مخرج من هذا المأزق ، اتسعت عينيها بصدمه مفكره ايعقل انه لديه علم بخطبتها البارحه ؟؟ دعت ربها داخلياً ان تكون تلك هواجسها الخاصه ، وقف محمود امامها بأبتسامه عريضه كعادته وهو يمد يده ليعطيها شهادتها الدراسيه متمتاً بفخر :

-حياة اتفضلى الشهاده اهى .. ولو احتجتى اى حاجه تانى مش محتاجه تيجى بلغينى بس وانا هتصرف ..


بالطبع من وقت وصوله امامهم وقد استحوذ على انتباه فريد بالكامل وها هو الان ينظر لها شرزاً كانه قط برى يستعد للهجوم نحو فأره فى اى لحظه ، فكرت بيأس لو تظاهرت الان بفقدانها للوعى هل ستتمكن من إنهاء هذا اللقاء ؟!، اعادها من افكارها صوت فريد القوى يسال محمود متأهبا :

-مين حضرتك بقى ..

اجابه محمود على عجل بتفاخر :

-انا محمود خطيب حياة وزميلها ..


الان ستفقد وعيها حقاً وليس تظاهراً ، التفت فريد ينظر إليها بحاجب مرفوع يهز رايه لها ببطء قبل ان يعود بنظره إلى محمود مستنكراً وهو يرفع كلتا يديه يستند بها على كتفه :

-خطيبها !! لا مبروك .. بس يا خطيبها محدش قالك انك مينفعش تخطب واحده مخطوبه !! ..

كان يضغط بقوه على كل حرف يخرج منه مما جعل حياة ترتجف داخليا من القادم ، اجابه محمود مستنكراً :

-خطيبها !! ازاى الكلام ده ؟.. 

ثم وجهه حديثه لحياة :

-حياة ,الكلام الل بيقوله الاستاذ ده صحيح ؟..

فتحت فمها تجيبه ولكنه أوقفها نبره فريد الهادره  :

-لما اكون بتكلم معاك متوجهلهاش كلام .. لا انت اصلا متتكلمش معاها تانى لا وانا موجود ولا مش موجود ..

ثم انقض عليه فى اللحظه التاليه يلكمه بكل ما أوتى من قوه حتى صرعه أرضاً غير آبهاً باحتجاجات حياة .

تجمهر حولهم العديد من الطلاب يشاهدوا ذلك الصراع الدامى بين زميلهم وهذا الشخص الغريب دون تحرك من احد منهم للتدخل لفض ذلك الاشتباك بما فى ذلك حرس الجامعه !!

كانت حياة تصرخ به بقوه متوسله من بين دموعها المنهاره ليتركه ولكن دون جدوى ، جلست بجواره وهو لايزال يسدد لكماته لمحمود الذى أوشك على فقدان وعيه تتوسّله وهى تمسك بكتفه :

-سيبه .. هيموت فى ايديك .. الله بخليك سيبه .. عشان خاطرى كفايه .. 

نظر لها اولاً بغضب قبل ان يتحرك من فوق محمود  الذى كانت الدماء تملئ وجهه وثيابه ، اعتدل فى وقفته وحاول إصلاح هيئته بغرور قبل ان يحدثها محذراً :

-دى عينه صغيره من اللى هعمله فى اى حد يفكر يقربلك ..

ثم تقدم عده خطوات يقترب منها قبل ان يضيف :

-انتى بتاعتى انا وبس .. حطى ده فى دماغك عشان ترتاحى وتريحينى .. 

دفعته بذراعيها بكل ما أوتيت من قوة صائحه بغضب :

-مش هتجوزك يا فريد ، صدقنى لو انت اخر راجل فى الدنيا مش هتجوزك ، انا افضل انى اموت الف مره على انى اتجوز واحد زيك معندهوش لا قلب ولا احساس ..


التوت فمه بأبتسامه تحدى ثم أجابها بثقه :

-هنشوف .. كلام مين اللى هيمشى .. 

ثم تركها واتجه نحو سيارته يصعد بها اولاً ثم يقودها بجنون إلى الخارج ، كانت لاتزال ترتجف من هول ما رأته عندما اقتربت منها مريم تحتضنها بقوه وتخبرها ان سياره الاسعاف فى الطريق لنقل محمود لاقرب مشفى .


***************


وقفت داخل احد اروقه المشفى بجانب صديقتها مريم تنتظر خروج الطبيب من الداخل بتوتر ، وصلت والده محمود برفقته والده وأخواته تلهث وهى تقف امام حياة تستفسر منها عما حدث معه ، لم تستطع حياة الا قول الحقيقه كامله لوالديه دون تحريف ، انتفضت والدته تصرخ بها مع صدور اخر الكلمات من فمها :

-وانتى مستنيه ايه !! لما يموت ابنى عشان ترتاحى .. 

حاولت مريم التدخل للمدافعه عن صديقتها ولكن أوقفتها يد حياة وهى تمتم بخجل :

-عندك حق .. انا اسفه وياريت تبلغى اسفى ده لمحمود وصدقينى  مكنش قصدى ابدا انى ااذيه وبكرر اعتذارى لتانى مره ..


ثم وضعت يدها داخل جيب ردائها وأخرجت منه محبسها وأعطته لوالدته ثم انصرفت دون كلمه اخرى .


متى تخضعين لقلبى

الفصل الثانى


وقفت خارج أبواب المشفى تستنشق بعض الهواء النقى عل ذلك يعدل من مزاجها ولو قليلاً ثم استأذنت مريم فى الذهاب إلى منزلها ، اصرت مريم على الذهاب معها ولكنها رفضت بشده مصره على السير بمفردها لتنقيه افكارها وأعاده ترتيبها 

تحركت نحو الشاطئ تجلس على احدى المقاعد الخشبيه الموضوعه هناك ، ظلت فتره تنظر إلى مياه البحر وأمواجه المتلاطمة بصمت ،اثر هذا المشهد علي نفسيتها بشكل كبير حتى فاضت  جميع مكنونات قلبها ومشاعرها المكبوتة بداخلها ، كانت روحها هى التى بحاجه إلى الدموع لذلك تركتها تنساب بحريه ، لم تكن تعلم لم كانت تبكى بكل تلك الحرقه ، ربما لانها غير مستعده لرد فعل والدتها التى ما ان تعلم حقيقه ما حدث ستخبرها كم كانت محقه وكم نبهتها من طيشها وشده عنادها معه ، او ربما لان محمود كان يمثل لها الامل بالهروب من ذلك السجن المسمى منزلها ، او ربما لانها هيأت نفسها للخروج من تحكم ذلك المسمى والدها الذى ربما لو اعتنى بحيوان اليف لكان اهتم لمشاعره اكثر من مشاعر ابنته !!! ، او لانها خسرت معركتها امام ذلك المتجبر واستطاع فى النهايه تنفيذ ما يريده ، فريد !! ، ظل اسمه يتردد فى ذهنها بقوه ، فكرت بحسره كم ان الحياه قاسيه معها ، حتى الشخص الوحيد الذى اعتبرته صديقها المقرب سلبته منها الحياه ليتحول إلى انسان دون قلب وتتحول مشاعرها معه ليصبح اكثر الناس بغضاً لقلبها .. 


****************


عاد هو إلى مكتبه والتقط هاتفه بغضب ، عبث به قليلاً بعنف قبل ان يخرج اسم شخصاً ما ويجرى معه اتصالاً هاتفياً :

-انا قلت بما انك مش بتسال عليا اسال انا ..

ارتبك الرجل على الطرف الاخر من نبرته فتحدث مبرراً :

-فريد بيه .. صدقنى مفيش حاجه مهمه تعرفها ..

اجاب الرجل بهدوء ساخر :

-لا يا راجل .. امال ترقيه بكره دى ايه ؟!.. وبعدين  انا هنا اللى يحدد ايه اللى مهم وايه لاء ..

تعلثم الرجل فى نبرته قبل ان يجيبه بأرتباك:

-هو حضرتك عرفت ..

اجابه فريد ساخراً :

-لا قاعد نايم على ودانى مستنى لما انت تقرر ابه مهم عشان اعرفه وايه مش مهم ..

تنحنح الرجل من الطرف الاخر محاولاً تنقيه حنجرته ثم اجابه مبرراً:

-يا فريد بيه هى مجتهده  وموهوبه وتستحق الترقيه وانا قلت دى حاجه اكيد هتبسط حضرتك..

قاطعه فريد بحده :

-انا عينتها عندك بس عشان تكون تحت عينى وانا اللى اقولك تعمل ايه معاها امتى وفين مش انت .. وبعدين بكره قبل الاجتماع تبلغها انك استغنيت عن خدماتها .

تذمر الرجل معترضاً :

-بس يافريد بيه دى من أكفأ الموظفين عندى !! ..

صاح به فريد ناهراً :

-رؤوف !!!! متنسااش نفسك .. انا اللى طلبت منك تعينها عندك واظن انك قبضت تمن ده واكتر كمان ، ودلوقتى لما اقولك ارفدها تنفذ وانت ساكت يا اما استثمار الشركه الفرنسيه هيروح لحد تانى .. فاهمنى ؟!..

ارتبك الرجل على الهاتف ثم تمتم بخضوع :

-اللى حضرتك تؤمر بيه ..

اغلق هاتفه والقى به على المكتب دون وداع ودفن راسه فى احدى الملفات التى امامه يحاول الهاء عقله بها ، بعد قليل اندفع باب مكتبه بقوه مما اجبره على رفع راسه ليرى من ذلك المتطفل الذى يقتحم غرفته وخصوصيته دون استئذان ، لوى فمه متشدقاً وهو يرى والده يتقدم منه والغضب يملؤ نظرته سخر منه فريد :

-غريب بيه .. شكلك شايفانى فى كابوس من كوابيسك عشان كده داخل عليا دخله السينما دى , ولا يمكن جيهان هانم بخت شويه من سمها فى ودانك كالعاده !! .. 

اجابه والده بحنق :

-بلاش قله ادب .. وقولى انتى لسه ماشى ورا بت الخدامه دى !!! ..

انتفض فريد من مقعده يضرب سطح مكتبه بقوه :

-اسمها حياة , فاهم ليها اسم تناديها بيه ده اولاً .. وبعدين ده شئ ميخصكش ثانياً .. وثالثاً انت لسه مخلى حد من كلابك يجبلك اخبارى ؟!!.. 

لوى والده فمه متشدقاً :

-متهربش من سؤالى .. 

صمت قليلاً متفكراً ثم اضاف بتشفى :

-التاريخ بيعيد نفسه .. والابن غصب عنه بيورث من جينات الاب .. واضح ان فى حاجه فى دمنا ينجذبنا للخادمات .. انا برضه امك كانت مجننانى كده وهى مستعصيه عليا .. بس عمتا لو عايزها اوى كده قولى وانا هتصرف واجوزهالك ..

اجابه فريد والاشئمزاز بادياً فى نظرته ونبرته :

-لا انا مورثتش منك حاجه وده من حسن حظى لانى مش ناوى اموتها بأيدى .. ثم ان دى حاجه تخصنى انا لوحدى وانا هتصرف فيها كفايه انت بس تبعد انت والعقربه وبنتها عن حياتى .. ولو عرضك خلص اتفضل روح مكتبك وسبنى اكمل شغلى ..


ارتبك والده وبدء الاحمرار يغزو وجهه فاستدار للخارج يصفق الباب خلفه بعد ان القى نظره حانقه على ابنه الذى ارتمى فوق مقعده مره اخرى يسحب هاتفه بغضب ثم تحدث إلى شخص ما :

-اسمعنى .. اللى اتفقنا عليه يتنفذ بكره .. واقسم بالله لو حصل اى غلط ولو صغير هدفنك مكانك .. فاهم .. 


صاح بكلمته الاخيره قبل ان يغلق هاتفه ثم تحرك بعصبيه يلتقط معطفه ومفاتيحه ويتحرك للخارج كالعاصفة .


******************


دلف بعد فتره إلى منزله بهدوء يحاول الوصول إليه منذ الصباح ، لمح مديره منزله تمر من امام الممر المؤدى لمكتبه فتوقف عن السير يلتفت إليها ثم امرها بعجرفته المعتاده :

-خلى داده آمنه تحصلنى على مكتبى ، دلوقتى حالاً ..

ثم استدار مره اخرى مكملاً طريقه حيث يقع مكتبه ، قام بخلع معطفه وربطه عنقه ثم جلس على كرسى مكتبه الفخم بهدوء يستند بذقنه على يديه المتشابكه ينتظر وصولها ، دلفت آمنه إلى مكتبه بعد ان طرقت باب الغرفه وسمح لها بالدخول فور سماعه لطرق الباب ، نظرت إليه وإذا به يجلس شارداً ويديه المتشابكه تسند راسه بوقار ، لم يرفع راسه ولم يتكبد عناء النظر إليها ،   تحدث على الفور وعينيه مازالت تنظر إلى الفراغ ، سألها بصوت ناعم كالفحيح :

-امنه هانم.. تفتكرى لو فى حد كدب عليا المفروض اعمل معاه ايه ؟!..

بدءت آمنه فى التأكد من شكوكها التى تساورها منذ طلبه ان تلحق به إلى غرفه مكتبه ، ازدردت ريقها بصعوبه وهى تنظر إليه برعب ثم تنحنحت محاوله تنقيه حنجرتها  قبل ان تجيبه :

-على حسب يا فريد بيه ..

رفع عينيه يلتقط نظراتها كالصقر بعدما شعر بتذبذب نبرتها :

-ايوه كملى على حسب ايه ..

-على حسب هو كدب عليك فى ايه بالظبط وهو بالنسبالك ايه ..

لوى فمه بأبتسامه ساخره قبل ان يجيب بثبات جعل أوصالها ترتعد خوفاً من القادم :

-لا هو من جهه كدب عليا فهو كدب عليا فى حاجه مهمه اوى ، تقدرى تقولى كده اهم حاجه فى حياتى ومكتفاش بالكدب بس ..ده حاول يستغفلنى ويخلينى زى العبيط مش حاسس بحاجه .. ها ايه رايك بقى المفروض اعمل فيه ايه ؟؟.. 

نظرت إليه وإذا به يبتسم ابتسامه شرسه ، حاولت اخراج نبرتها طبيعيه قدر الإمكان :

-على حسب مكانته .. لو مهم عندك او بتحبه هتسامحه ..

هز راسه موافقاً قبل ان يتحرك من مقعده ببطء ويضع كلتا يديه داخل جيوب بنطاله ويسير فى الغرفه وحولها ببطء :

-وياترى هو ده اللى اعتمدتى عليه انتى وحياة لما استغفلتونى واتخطبت لغيرى ؟،.. ولا فاكرين انى نايم على ودانى ومش حاسس بحاجه من اللى بتحصل حواليا ؟!..  

شعرت بقلبها يهبط إلى أرجلها ، اذا كل شكوكها كانت صحيحه ، انه يعلم ، والله وحد يعلم رد فعله التالى ، انتظر فريد خروج رد فعل منها ولكنها آثرت الصمت لذلك قاد هو دفه الحديث مره اخرى :

- حياه لسه صغيره وطايشه .. بتعاند ومش عارفه الصح من الغلط .. لكن المفروض ان انتى ست عاقله وكبيره وهتحافظ على عيلتها .. صح ولا ايه ؟!..

ضغط على جملته الاخيره بقوه وهو يبتسم لها ابتسامه ذات مخزى ، ضيقت امنه عينيها عليه تحاول استيعاب ما نطق به للتو ، نعم انه يهددها بعائلتها ، لم تخطئ فى فهم رسالته المبطنة ، اللعنه على حياة ، ستقضى عليهم جميعاً بسبب عنادها ، اطرقت براسها أرضاً قبل ان تتمتم بخفوت محاوله تدارك الموقف وامتصاص جزء من غضبه:

-اللى انت عايزه يا فريد بيه هيحصل متقلقش ..

ثم استأذنته فى الخروج هاربه منه تحاول التفكير فى حل للخروج من ذلك المأزق قبل فوات الاوان .


 ************** 


 لم يستطيع المكوث فى منزله لأكثر من ذلك فهو يشعر ان تلك الاثنا عشر الساعه القادمه لا تمضى وعقارب الساعه لا تتحرك لذلك التقط معطفه ومفاتيح سيارته واتجه نحو الخارج ، بعد قليل وصل إلى مكانه المعهود وجلس به ولكن لن يطلب اليوم شرابه المعتاد ، يريد شئ يجعله يفقد وعيه بشده حتى لا يستطيع التفكير بها ، التقط الشراب ثم تجرعه مره واحده قبل ان يخفض الكأس ويضعه على طاوله البار ويطلب كأساً جديد ، اللعنه حتى ذلك الشراب القوى لم يستطيع اخراجها من عقله ، هذا ما فكر به بألم وهو يخرج صورتها من جيب ردائه ، كم انها جميله وبريئه !! هل تعلم انها تمتلك اجمل عيون رأها يوماً ؟!!،، كم تبدو بعيده وطاهره بقدر ذنوبه واخطائه ، ها هى تقف امامه فى تلك الصوره التى التقطها لها منذ زمن بعيد بنظرتها  الحالمه ، هل تعلم انه يحفظ جميع نظراتها عن ظهر قلب ؟!، لا ولا يعتقد ان هناك احد اخر يفعل ذلك حتى ذلك المدعو محمود !! ، لا يعلم لماذ تذكر الان ذلك السؤال الذى رمته به منذ سنوات عديده عندما أعلنت لاول مره عن كرهها القوى له مستنكره ، فى ذلك الوقت كان يشعر بصدمه شديده من مشاعر الكره التى اطلقتها نحوه وبقوه غير عابئه باحساسه او بما شعر به حينها لذلك لم يستطع الاجابه على سؤالها ولكنه تذكره الان ، هل حقاً يحبها ام انه فقد يريد تملكها ، لقد تخطت مشاعره مصطلح الحب منذ أعوام ، كان ذلك ما يشعر به فى طفولتهم وكلما كبر عام كلما كبر حبها داخل قلبه حتى اصبح متغلغلاً داخل دمه وكيانه ، فكر بألم هل يؤلمه ذلك الحب ؟، انه يسحق روحه ، فى كل مره ترميه بنظره كره يشعر وكأن شاحنه كبيره مرت فوق قلبه لتحوله الى اشلاء وتترك به عاهه مستديمه لا يستطيع احد مداواتها غير تلك المتسببة بها ، هل يسخط عليها ؟؟ ، ان انتزاع قلبه بيده اهون عليه من ان يسخط عليها او يتحول ذلك الحب إلى اى شئ اخر غير الحب ، وايضاً كيف يستطيع انتزاع قلبه وإخراجه وهى تسكنه ، سينتظر كما انتظر دائما ، وسيدعو الله كما يدعو دائما عل يوم من الايام يتغير قلبها لحبه اليست القلوب بيده يغيرها كيفما يشاء اذا سينتظر .. 

اعاده من افكاره يد شخص ما حطت على كتفه بحنان ، تمتم بأمل ما بين الصحو والغفله :

-حياة !!!

لوت نجوى فمها بأحباط قبل ان تجيبه بغيظ :

-لا انا مش ست الحسن بتاعتك .. انا نجوى يا فريد .. نجوى ..

رفع رأسه لينظر إليها ثم حرك يده ليزيح كفها من فوق كتفه بضيق قبل ان يتمتم بنفاذ صبر :

-عايزه ايه يا نجوى انا مش فايقلك .. 

اجابته برجاء :

-عايزاك تسيب نفسك ليا شويه وتنسى البتاعه بتاعتك دى شويه.. 

 اقبض بيده على معصمها بقوه متمتاً بتهديد :

-قلتلك ميه مره قبل كده متجبيش سيرتها على لسانك ال.... ده !! فاهمه ولا لا ..

شعرت نجوى بأنها تخسر فى تلك المعركه للمره الالف لذلك حاولت تغير مجرى الحديث ، فاقتربت منه تحاول وضع يدها فوق صدره تتحسسه بأغراء متمته:

-طب بقولك ايه الجو هنا خنيق اوى ما تيجى نكمل السهره فى الفيلا عندى .. كده كده بابى ومامى لسه مسافرين ..

ابتعد فريد عنها وهو ينظر لها بأشمئزاز واضح :

-انتى هتفضلى سهله كده لحد امتى !! حرام عليكى ابوكى با شيخه !! انضفى بقى شويه ..

صرخت به بغضب وهى تجيبه :

-انت عارف كويس انى بعمل كل ده ليك انت بس عشان بحبك ..

نظر لها فريد بأستهزاء قبل ان يضيف :

-انتى مبتزهقيش من الاسطوانه دى !! قلتلك مليون مره وانا مبحكيش .. خلى عندك كرامه بقى وحلى عنى .. 

حاولت مسك ذراعه لمنعه من تركها والذهاب ، أغضبه ذلك كثيراً فهو يكره ان يلمسه احد او ان يتعدى على مساحته الشخصيه وهى فعلت ذلك الليله مرتين متتاليتين ، اقبض على معصمها بقوه جعلتها تصرخ متالمه ولكنه لم يبالى بل واصل ضغط يده فوقه يدها بقوه اكثر جعل وجهها يشحب من شده الالم ، وعندما اخرج صوته كان هادئاً ولكن مملؤ  بالغضب :

-قلتلك ميه مره متلمسنيش .. زى ما قلتلك برضه قبل كده لعبتك الرخيصه دى تروحى تلعبيها على حد غيرى .. مش على اخر الزمن واحده ..... هتضحك على فريد رسلان !! ولا انتى مش مكفيكى فلوس ابوكى دى كلها فقلتى اضحك عليه واهو يبقى زياده الخير خيرين !!! طلعينى من دماغك عشان انا صبرى عليكى بدء يخلص .. وانتى مش هتحبى تشوفي الوش التانى منى .. 

انهى حديثه بحزم ثم نفض يده من فوقها بأشمئزاز قبل ان يترك لها المكان بأكمله ويخرج عائدا بتفكيره إلى تلك الحياة خاصته .. 


*************


عاد إلى منزله ثم توجهه مباشرةً إلى غرفته ، القى بثقل جسده المتعب فوق الفراش  ، فى الحقيقه لم يكن جسده هو المتعب بل روحه ،  أغمض عينيه بأرهاق سامحاً إلي سيل الذكريات بالتدفق بقوه داخل عقله لتسحبه داخل دوامه من الالم والحسره والكثير من الشوق للماضى ، حاول نزع نفسه منها ولكن الاوان قد فات فيبدو انها ستنتصر عليه كعادتها كل ليله دون حيله منه  ، ظهرت امامه صوره والدته بوضوح وآثار الضرب المبرح واضحه عليها وهى تمسح على شعره بحب  وتحدثه مازحه بنبرتها المليئة بالحنان :

-انت بتحب حياة اكتر منى يا فريد .. اول ما بتفتح عيونك بتسالنى عليها .. حتى قبل ما بتقولى صباح الخير .. 

أجابها بثقه وحزم يفتقده جميع اقرانه المماثلين له فى العمر :

-لا انا بحبكم انتوا الاتنين قد بعض .. انتى بابا بيكرهك وهى بباها بيكرهها .. وانا لما اكبر هاخدكم انتوا الاتنين واهرب بيكم ومحدش هيعرف يضايقكم تانى .. 

نظرت إليه والدته بأنبهار من نظره الإصرار التى رمقها بها فهو منذ صغره ورغم ضأله حجمه فى ذلك الوقت الا انه كان يتمتع باراده قويه ، ومع مرور الوقت تعلم كيف يطوع تلك الهبه حتى ينحنى كل شئ يريده امامها ببساطه ، ابتسمت والدته إليه بحب قبل ان تقول له بعيون لامعه محاوله اخفاء الالم الكامن بداخلها  :

-لو بتحبها اوى كده يا فريد لازم تحافظ عليها وتحميها من نفسك .. 

صمتت قليلاً تستجمع كلماتها ثم اضافت كتقرير  :

-انا عارفه انك لسه صغير على كلامى ده ويمكن متفهموش .. بس انا خايفه مفضلش معاك لحد ما تكبر وتفهم اللى بقلهولك ده  .. 

صمتت مره اخرى  لتزدرد ريقها عده مرات وتحاول السيطره على دموعها التى اوشكت بالاعلان عن نفسها :

-اللى بيحب حد يا فريد مبيقدرش يعذبه .. ولو حبك ليها زى ما بتقول حقيقى يبقى عمرها ما هتهون عليك .. اوعى يا فريد دم غريب اللى بيجرى فى شرايينك ده يسيطر عليك وتفكر فى يوم من الايام تأذيها بحجه انك بتحبها .. 

هز راسه لها بقوه كأنه يحاول حفظ كلماتها داخل عقله حتى لو لم يستوعبها الان ..


زفر بقوه  ثم مرر يده فوق وجهه قبل ان يفتح عينيه بمراره  .. لقد استوعب فى اليوم التالى كلمات والدته له بأقسى طريقه ممكنه لطفل فى عمره وعلى يد والده أيضاً ، ومن ذلك اليوم أقسم على دفع حياته ثمن قبل ان يقوم بأذيتها فهى كل ما تبقت له من ذلك الماضى السحيق ..


********* 



متى تخضعين لقلبى

الفصل الثالث


استيقظت حياة فى الصباح بقلب مثقل ، فكرت بيأس انه لا فرار من تلك المواجهه ، فقلبها يحدثها بأن والدتها على علم بكل ما حدث معها بالامس ، فمنذ المساء ووالدتها تحاول الوصول إليها هاتفياً  وبمجرد دخولها  للمنزل  اقتحمت غرفه حياة على الفور ولكن الاخيره تظاهرت بالنوم فور سماعها اقدام والدتها خارج غرفتها ، تحركت حياة على مضض ، اتجهت إلى الحمام مباشرة فلم تصادف احد فى طريقها وذلك لحسن حظها ثم عادت مره اخرى لغرفتها تستعد  لارتداء ملابسها والخروج ، بعد قليل كانت قد انتهت من ارتداء جميع ملابسها وتمشيط شعرها ، نظرت إلى المرآه بحزن ، ففى ظروف اخرى كانت لتبدو سعيده بأن كل مجهودتاتها فى الثلاث سنين الاخيره توجت اخيراً بالنجاح ، ولكن الان كل ما تشعر به هو الحزن مع الكثير والكثير من تأنيب الضمير بسبب ما حدث مع محمود البارحه ،  وكل ذلك بسبب ذلك المدعو فريد وهوسه فى التملك ، إعادتها والدتها من افكارها باقتحامها غرفتها بحده ، تنهدت حياة بأحباط ، اذا فكل شكوكها صحيحه فملامح والدتها تبوح بكل ما يعتمر داخل راسها دون حديث ، لوت حياة فمها بأحباط قبل ان تأخذ مبادره الحديث:

-واضح انك عرفتى باللى حصل امبارح ..

اجابتها والدتها بجديه :

-مقالش تفاصيل ..

تنهدت حياة بحزن قبل ان تقص عليها كل ما حدث معها البارحه وما فعله فريد  بمحمود وحالته الصحيه وايضاً تركها له ، شهقت والدتها برعب من بطشه فلم يكفيه ما فعله ولكن أيضاً قام بتهديدها ، كانت تريد لوم ابنتها على طيشها وعنادها الغير مبرر معه ولكنها تراجعت فور رؤيتها الدموع المتكونه داخل عيون ابنتها بوضوح، تحركت حياة للخارج وتبعتها والدتها بصمت ، صادفت اخيها يستعد للخروج هو الاخر ، ابتسم لها بعذوبه وهو يلقى عليها تحيه الصباح ، قبل ان يسألها بأهتمام :

-مالك ؟!.. فى حد قالك حاجه زعلتك ؟!.. 

ثم أشار برأسه حيث غرفه والدهم ، هزت حياة رأسها بالنفى قبل ان تقول :

-انا عطيت محمود المحبس بتاعه .. 

عبس اخيها قبل ان يسألها مستنكراً :

-انتى لحقتى !!! ده مكملتيش يومين !! ايه السبب ؟!.. 

حاولت حياة تغير مجرى الجرى فأجابته بنفاذ صبر :

-هحكيلك بعدين بس يلا عشان منتأخرش ..

اخيها :

-طب يلا انا كمان نازل معاكى تعالى اوصلك ..

ثم تحركا معاً للخارج ، وفى الطريق سألته حياة بأهتمام :

-عامل ايه فى الشغل وبعدين انتى نازل بدرى ليه مش ميعادك يعنى ؟!..

أجابها اخيها بتذمر :

-حياة انا خلاص قرفت .. ضغط شغل مش بيخلص والراجل المدير ده مش بيرحم كأنه اشترانى .. حتى النهارده طلب منى اروح بدرى عشان اخد فلوس واوديهاله البنك مع ان ده مش من مهامى واول مره يعملها ..

عبست حياة قبل ان تفتح فمها لمواساته:

-معلش يا محمد اصبر عليا شويه كمان ان شاء الله هلاقى فرصه للسفر وهاخدك معايا انا مش ساكته ويمكن ربنا يكرم فى اقرب فرصه ..

هز لها اخيها رأسه مطيعاً قبل ان يضيف :

-طب انا هسيبك هنا عشان متأخرش على الراجل ده والحق ميعاد البنك وانتى خلى بالك ولو احتجتى اى حاجه قوليلى.. 


ابتسمت له حياة بحنان قبل ان تلوح له مودعه وتستمر فى طريقها .

كان محمد هو اخيها الأصغر وبالرغم من ذلك كان يتعامل معها على انه يكبرها بسنوات ، كان حنون معها بطريقته الخاصه ، كان دائما ما يأخذ صفها عند نوبات غضب والدها وفى المساء اثناء عودته يجلب لها نوع الشيكولا المفضل لديها ويحاول دائما اخراجها من حزنها ، بالطبع لم يكن السند الذى تستطيع اخباره بمشاكلها وما يفعله معها فريد ولكنه كان يحاول حبها بكل ما يملك ..  


*************


وصلت حياة إلى مكتبها قبل ميعادها الرسمى  بعشر دقائق تقريباً فبدئت فى تحضير ملف الاجتماع على الفور ، بعد حوالى ساعه تفاجئت برب عملها يدلف إلى غرفه مكتبها بعبوس ، حييته بأحترام قبل ان تسأله بأرتياب وهى ترى ملامح وجهه المتجهمة امامها :

-فى حاجه اقدر اساعد حضرتك فيها يا مستر رؤوف ؟؟!.. 

بدء الارتباك يظهر جلياً على ملامح وجهه ، فتح فمه للتحدث ولكنه اغلقه مره اخرى ، ظلت حياة تنظر له وقد اتنقل إليها توتره ألياً فملامح وجهه لا تُبشر بخير ، تنحنح اخيراً لتنقيه حلقه قبل ان يتحدث إليها :

-حياة .. انتى عارفه انك من احسن الموظفين اللى عندى .. وانا فعلا بعزك وبحترمك وبتمنى كل الموظفين يكونوا فى نشاطك وذكائك وخوفك على الشغل .. بس انا اسف ومضطر اقولك اننا استغنينا عن خدماتك .. وكتعويض ليكى هنصرفلك ٣ شهور مكافأه .. 

نظرت له حياة بصدمه تحاول استيعاب ما تفوه به للتو ، هل هذه مزحه سخيفه ؟!، لا فملامح وجهه وارتباكه لا يدل إطلاقاً على انه مزاح ، كما انها ليست كدبه ابريل فنحن على اعتاب الشتاء !، صمتت قليلاً واخفضت راسها محاوله السيطره على الدموع التى تجمعت داخل مقلتيها ثم بعد قليل رفعت رأسها وهى تبتسم له وتقول :

-تمام .. قدر الله وماشاء الله فعل ، مفيش اى مشكله وانا اكيد سعيده انى اتعرفت على حضرتك واكيد اتعلمت من حضرتك حاجات هتنفعى فى سيرتى الذاتيه .. اسمحلى بس الم حاجتى وأتحرك ..

ارتبك وهو واقف امامها ولم يدرك ما يجيبها به فقد اعُجب بقوتها ورد فعلها الثابت ، فكر متعجباً لماذا يفعل ذلك الملعون فريد كل ذلك معها ، على كل حال هذا ليس من شأنه يكفيه ما تحصل عليه منه منذ ان قام بتعيينها حتى الان وذلك هو المهم ، خرج من غرفتها بعد ان وضع مغلف امامها وانصرف دون وداع ، انتظرت حياة خروجه بفارغ الصبر حتى تستطيع الارتماء فوق المقعد والتفكير بتلك المفاجئه التى قلبت موازين يومها ففى اثناء استعدادها لتشغل منصب جديد وجدت نفسها خارج المؤسسه باكملها ،على كلاً  حاولت تشجيع نفسها ففى الاخير كل ذلك رزق من الله وهى لديها من الخبره والمؤهلات ما يؤهلها للتعيين فى اى شركه اخرى بسهوله ، بالطبع كانت تلك من افضل شركات الملاحه فى الاسكندريه ولكنها لن تجزع ، ستجد فرصه افضل ان شاء الله ، اخذت حاجياتها وهمت بالانصراف عندما اوقفها رنين هاتفها ، نظرت به وإذا بوالدتها هى الطرف الاخر ، تجاهلت اتصالها فى المره الاولى ولكن والدتها كانت تعاود المحاوله دون انقطاع ، التقطت هاتفها وأجابت بحزن فجائها صوت والدتها باكياً :

-حياة .. الحقى محمد اخوكى ..

كانت تشعر بالأرض تدور بها من شده الفزع ، خرج صوتها هامساً تستفسر : 

-ماما !!!! حصله ايه !!! محمد حصله حاجه !!! ماما !!! ..

إجابتها والدتها وهى لازالت على بكائها :

-هو كويس بس تعالى على شغله دلوقتى حالاً .. حالاً يا حياة .. اخوكى فى مصيبه ..


تحركت حياة تلقائياً تركض نحو الخارج كأنها انسان ألى دون روح ، استقلت اول سياره أجره صادفتها فى طريقها وصوت كلمات والدتها يتردد فى اذنها بقوه ، ضرب ألف احتمال واحتمال رأسها فى تلك المسافه من مقر عملها لعمله ، حاولت طمأنت نفسها ، المهم انه لم يصيبه مكروه ، أى شئ اخر يمكن تفاديه المهم الا يصيبه مكروه ، هذا ما فكرت به بيأس وهى تركض الدرج للاعلى حيث مقر الشركه التى يعمل بها ، دفعت الباب بيد مرتعشه فألتقطت عينيها على الفور والدتها تجلس بعيون منتفخه من كثره البكاء على احدى الارائك الموضوعة فى مدخل الاستقبال ويجلس إلى جوارها اخيها بملامح مرتعبه ، رفعت رأسها قليلاً وإذا بها ترى شخص تعرفه جيداً يستند بكسل وملامح مسترخيه على حافه احد الابواب وبجواره يقف مدير اخيها ، لم يكن الامر يحتاج إلى الكثير من الذكاء لمعرفه من المتسبب بكل ذلك الذعر الذى تمر به عائلتها ،  تمتمت بغضب توجهه نظراتها المشتعله إليه :

-انت !!!..

ثم تحركت تركض حتى وصلت إليه وأخذت تلكمه فوق صدره بكل ما أوتيت من قوه وهى تصرخ به كأنها بذلك تفرغ جميع شحنات الغضب المتكونه بداخلها منذ البارحه :

-انطق عملت فيهم ايييه تانى !!! انت ايه مش بتشبع تعذيب فى الناس !! عملت ايه فى اخويا انطقققق ..


كان فريد يقف امامها بثبات كأنها تسدد تلك اللكمات للهواء وتصرخ بشخص اخر وليس هو نفسه ، بعد قليل شعرت بقوتها تنهار فتوقفت عن لكمه وهى تلهث فتحدث هو بصوت ثابت وعميق :

-لو خلصتى الدراما اللى عملتيها ياريت تتفضلى معايا جوه .. 

لم تتحرك من مكانها فأضاف بنفاذ صبر لجذب انتباهها:

-عشان اخوكى ..

التفت تنظر إلى والدتها بعيون حائرة  فاومأت لها براسها مشجعه ، تحرك هو اولاً وتحركت حياة فى اثره دون اعتراض او حتى سؤال ، فتح لها باب غرفه ما وتركها تتقدمه ، دلفت حياة إليها اولاً تتفحصها ، كانت الغرفه مؤثثه جيداً وواسعه يبدو انها غرفة المالك ، قاطع افكارها صوت فريد الذى اغلق الباب فور دخوله يطلب منها الجلوس ، رفضت على الفور ،وهى تفكر بقلق ما الذى يمكن ان يجمعها به ويخص اخيها ، ولماذا تشعر بأنها كبش يُجر إلى الذبح ، استند فريد على حافه المكتب يراقب تعابير وجهها ونظراتها الحائرة بهيام ، يالله كم يعشقها ، هل تعلم كم هى جميله ورقيقه وهى تقف امامه الان ترتدى جاكيت بدله نسائيه من اللون الاسود وبنطال من الجينز فتبدو شابه وقويه ، وشعرها الفحمى الناعم مرفوع على هيئه ذيل حصان ، انها حقاً تبدو كمُهره اصيله متمرده حتى تلك اللحظه لم يستطيع ترويضها ، لوى فمه بمرح مفكراً ومن قال انه يريدها مروضه!!! انه يريدها بكل عنفها وكبرها وتمنعها عليه ، اعاده من تأملاته صوتها الرقيق تسأله بحده :

-هنفضل واقفين طول اليوم تبصلى كده !!! ..

ابتسم بمرح قبل يجيبها :

-انا شخصياً معنديش اى مانع افضل واقف سنين مش بس يوم أتأملك .. بس عندك حق الايام جايه .. خلينا فى المفيد ..

نظرت له برعب واضح من تلميحه المبطن ولكنها تجاهلت ما يخبرها به عقلها فقالت بهدوء مصطنع يشوبه التحدى :

-سمعاك ..

تنحنح فريد ثم تحدث مباشرةً :

-محمد ..

سألته حياة بأرتياب :

-ماله ؟!...

أجابها ببرود يخرج فقط من انسان ألى وليس انسان يمتلك مضخه دم وشرايين :

-ولا حاجه .. بس أختلس من الشركه ٥٠٠ الف !!  دولار ..

نظرت له حياة بأستهزاء :

- هزار .. انت حد فاكر ان دمه خفيف فسايب اعماله وإشغاله وجايبنى عشان تهزر !!..

هز فريد راسه لها ببطء صادراً صوت من فمه ينم على الاستياء :

-غلط .. اجابه غلط .. المفروض الاجابه اللى اسمعها انا موافقه انى اتجوزك يا فريد ..

نظرت له حياة بصدمه واضحه دون ان تنبث ببنت شفه ، انتظر فريد صدور رد فعل منها لمده دقيقه ولكن لم تفعل ، اضاف بنفس بروده المعتاد بعد ان وضع إصبعه فوق فمه متفكراً :

-اعذرينى ، يمكن حماسى خلانى انط للجزء ده قبل ما أسمعك باقى عرضى .. دلوقتى اخوكى محمد اختلس من الشركه اللى شغال فيها ٥٠٠ الف دولار ، وطبعا انتى ماخدتيش بالك ان فى ناس واقفه بره شهود شافوه وهو بياخد الفلوس من الخزنه وبيحطها فى شنطه وبعدين الشنطه بالفلوس اختفوا .. ها ايه رايك محمد يتحبس ولا تتجوزينى !! 

تمتمت حياة بخفوت مقره كأنها تتحدث لنفسها قبل ان تتحدث إليه وتحاول حل تلك الاحجيه فى راسها :

-المدير اللى بره ده الكلب بتاعك مش محتاجه تفكير .. 

صمتت لبرهه ثم اضافت وهى تضيق عينيها :

-والفخ ده مترتبله من زمان عشان كده طلب منه ان يجى قبل ميعاده ويوصله الفلوس للبنك على غير العاده..


ابتسم فريد بعمق قبل ان يرفع كفى يده يصفق لها باسلوب درامى :

-ذكائك كل يوم بيزيد كنت خايف بعدك عنى السنين دى كلها يقلل منه بس بالعكس طمنتينى عليكى ..

نظرت اليه بأشمئزاز قبل ان تقول :

-انت ازاى كده !! انت بقرف منك وبكرهك .. فاهم يعنى ايه بكرهك والموت اهون عندى من انى اتجوزك ..

وضع يده فوق قلبه بتمثيل قبل ان يجيبها :

-زوجتى المستقبليه .. كلامك جرح قلبى بس مش مهم هعتبره خجل منك برضه احنا يادوب لسه مخطوبين من ساعه وشويه وهتتعودى عليا ..

صرخت به حياة بقوه وقد بدءت تفقد أعصابها امامه : 

-هلاقى حل .. السجن ارحملى .. هقول ان انا اللى اخدتهم مش هو ..

أجابها بثقه :

-الشهود ضده والكاميرا سجلت وهو بيفتح الخزنه وبياخدهم مش انتى ..

صرخت به مره اخرى :

-هتصرف وادفع المبلغ:

هز راسه لها رافضاً قبل ان يفتح فمه ويقول :

-ومين قال اننا عايزين المبلغ هو عرض واحد .. جوازنا قدام سجنه ..


شعرت حياة باللعبه تضيق عليها وها هى على وشك الخساره ، التفتت حولها تبحث عن شئ ما تجلس عليه ، اتجهت إلى الاريكه الموضوعه بعنايه وجلست عليها ثم انحنت ووضعت كلتا كفيها فوق راسها وهى مغمضه العينين تحاول التفكير بهدوء او ايجاد مخرج ما ، فكرت بيأس ، اللعنه !! إلى من تلتجئ ، ليس لديها احد ما يحميها منه فوالدها يلومها على ما تفعله وما لا تفعله وبالطبع ينتظر اليوم الذى يتخلص به منها ، فما بالك بشخص غنى كفريد ، والدتها أيضاً لن تسعفها ، فهى لا حول ها ولا قوه ، أتترك أخاها للسجن وهى تعلم انه مظلوم ، هل سيتعفن داخل جدرانه وينتهى مستقبله من اجل حربها مع فريد ، لا لن تكون بتلك الانانيه ، ثم انها لا تفرط به  ، شعرت بوخز الدموع يزداد داخل مقلتيها وهى تفكر بحزن لو ان لها قوه ، حاولت السيطره على دموعها فالقرار واضح ، ستحمى أخاها حتى لو على حساب ربط ما تبقى من حياتها باسم رجل تبغضه ، فكرت بأمل وهى تحرك راسها يميناً ويساراً ، ستسايره فى خطته حتى تُهرب أخاها خارج البلاد وتحمى والدتها ثم تتركه وتهرب ، هذا هو الحل الوحيد ، لن تستسلم له ولكن ستنحنى للعاصفه ، نعم ، طمأنت نفسها داخلياً هذا كل ما ستقوم به ، لن تنهزم فقط ستنحنى حتى تتفادى تلك العاصفه الغير متوقعه ، جائها صوته قريباً منها يحدثها  :

-قدامك نص ساعه والا البوليس هيكون جوه الشركه ..


انتفضت من مقعدها تصرخ به :

-خلاااااص موافقه بس بشروط ..

عقد حاجبيه معاً وهو يكتف كلتا ذراعيه فوق صدره ويسألها بتركيز:

-ايه هى شروطك ؟!.. 

اجابته بثقه مزيفه وهى تحاول رفع راسها بكبرياء :

-وصلات الامانه اللى مضيت بابا عليهم وساومت ماما بيهم يتقطعوا قبل كتب الكتاب .. وطبعا مش محتاجه اقول ان من بكره ماما توقف شغل عندك .. 

راقبت رد فعله بهدوء بسيط اكتسبته من نظرته الحانيه، حسناً ان كان يريد المساومه فهى أيضاً ستساوم وتبدء فى تتفيذ خطتها منذ الان .. 

أومأ راسه لها موافقاً وهو يتمتم :

-اللى انتى عايزاه .. 

اكملت حياة بثقه اكبر :

-الشرط التانى .. تكون ليا اوضه لوحدى خاصه بيا ومحدش معاه مفتاحها غيرى وده من اول يوم جواز .. انت فى مكان وانا فى مكان .. 

نظر لها مطولاً يتفحصها قبل ان تضيق عينيه عليها ويسألها :

-يعنى ايه ؟؟ .. 

اجابته مفسره :

-يعنى اللى فهمته .. مفيش حد عنده كرامه ممكن يقرب من واحدة مش طايقاه .. 

دوت ضحكته عالياً بشراسه داخل أنحاء الغرفه قبل ان يقول :

-لا انتى بتهزرى !! .. انا استنيت كل ده عشان اتجوزك وملمسكيش .. لا ومتوقعه منى انى اقبل كمان .. طبعا شرطك مرفوض .. 

صرخت به حياة وهى تنظر فى اتجاه المكتب الواقف امامه :

-وانا قلتلك الموت اهون عليا من انى اتجوز واحد زيك ..

ثم تحركت مسرعه تلتقط أله فتح المظروفات الحاده من فوق المكتب وتضعها فوق شريان رقبتها وتضيف :

-اقسم بالله يا فريد هموت نفسى قدامك واريحهم وارتاح ومش هتقدر تهددهم بعد موتى .. 

 شعرت فى اللحظه التى نطق بها برفضه بأنها فقدت السيطره على اعصابها تماماً ، حتى جسدها خرج عن نطاق سيطرتها فلم تستطيع توقيف ارتجافه ، حاولت التوقف عن الصراخ ولكن دوى جدوى فكل ما شعرت به فى تلك اللحظه انها تريد الصراخ بكل قوتها حتى تُنفس عن كل ما شعرت به منذ البارحه : 

-انت ايييه !! انسان مش بيرحم !! مش كفايه اللى عملته فى محمود امبارح ومش كفايه اللى عملته قبله فى امى !! انت عمال بتدمر حياة اى حد قريب منى لمجرد انه يعرفنى .. انا بكرهك وبكره اليوم اللى شفتك فيه والساعه اللى قدرى وقعنى فيها فى طريقك .. انا عايزه اموت عشان ارتاح من انك دايما واقف فى طريقى ..

ظل فريد يراقبها وضغط يدها يزداد تدريجباً فوق عنقها دون وعى منها ، تقدم خطوه للاقتراب منها ولكن صراخها الذى ازداد أوقفه :

-اوعى تقرب .. لو فكرت فى يوم تقرب منى او تجبرنى هموت نفسى ..

كان يرتعد داخلياً خوفاً عليها ، اللعنه عليه ماذا فعل بصغيرته وحياته ، انها على وشك فقدان الوعى من شده رعبها وتلف اعصابها ، هل هذا ما يريده لها ؟!، ولكن تلك فرصته الاخيره حتى تصبح زوجته فمنذ سنوات وهو ينتظر موافقتها ولكن دون جدوى حسناً سيكفيه ان تعيش تحت سقف بيته ويراها يومياً ، نظر إليها فوجد يدها تضغط بقوه اكثر على الاله الحاده حتى بدءت بعض الدماء تزحف نحو عنقها ببطء فصرخ بفزع :

-تماااام .. خلاص موافق بس اهدى وسيبى اللى فى ايديك دى .. 

نظرت إليه بعدم تصديق ، بينما يحاول هو الاقتراب منها ولكنها صرخت به بقوه :

-قلتلك متقررربش مننى .. 

توقف فريد عن السير وتراجع خطوه للوراء وهو يرفع كلتا يديه امامه فى استسلام ويتمتم بحزن :

-مش هقرب بس انتى اهدى وسيبى اللى فى ايديك ..

تمتمت حياة :

-مش مصدقاك ..

أجابها فريد والالم يعتصر قلبه :

-والله ما هقرب منك .. 

سالته حياة مستنكره :

-احلف بأغلى حاجه عندك .. احلف برحمه ماما رحاب ..

ازدرد فريد ريقه بصعوبه قبل ان يتمتم بحزن وصدق حقيقى :

-ورحمه امى ما هقرب منك .. وحياتك عندى ما هقرب منك غصب عنك ابداً ..

أفلتت حياة الاله من بين يديها فسقطت على الارض الخشبيه تدوى بقوه وسقطت حياة بجوارها تشهق وتبكى بكل ما أوتيت من قوه ، تحرك فريد يجلس جوارها بصمت دون محاوله للمسها ، ظل يجلس جوارها حتى هدئت تماماً من نوبتها ثم وقفت فجأه وتحركت فى اتجاه المرحاض لتنظيف وجهها وعنقها ، خرجت منه انسانه اخرى بملامح هادئه وقويه وبمجرد رؤيته يتحرك فى اتجاهها رفعت رأسها بكبرياء موجهه له نظرات ناريه ، ابتسم داخلياً من عوده متمردته مره اخرى ، سألها باهتمام :

-محتاجه حاجه ؟!.. 

هزت راسها نافيه وهى تنظر إليه بازدراء ، لوى فمه بنصف ابتسامه جانبيه التقطتها عيونها فسارعت تقول :

-انا بكرهك على فكره ..

تمتم فريد بمرح :

-مش مشكله .. تكرهينى وانتى فى بيتى وتحت عينى احسن من انك تكرهينى وانتى بعيد عنى ..

صمت لبرهه ثم اضاف :

-شفتى انا قنوع ازاى ؟!.. 

لم تعقب حياة على سخريته فقد كانت تفكر بخبث ان انتصاره ذلك مؤقت لذلك فلتتركه يستمتع به قليلاً ، تحركت فى أتجاه الباب تهم بالخروج عندما اوقفها صوته العميق يضيف :

-الفرح الخميس الجاى .. ده المهم انك تعرفيه غير كده انا هتولى  باقى الامور ..

كانت على وشك الاعتراض ولكنها تراجعت فكلما أسرعت فى الزواج منه وبدء خطتها مبكراً كلما تخلصت منه بشكل اسرع ، لاحظ هو الصراع الداخلى الذى تمر به والبادياً بوضوح على قسمات وجهها فأبتسم تلقائياً عند تراجعها ، فكر بفخرانه يحفظ تعابير صغيرته عن ظهر قلب ..


*************


فى الخارج نظرت حياة إلى والدتها التى استمعت إلى كل ما حدث مع ابنتها بالداخل ولكنها لم تستطيع التدخل فذلك هو التصرف الصحيح من اجل الجميع ، تمتمت حياة بنبره خاليه لجميع من بالغرفه :

-الفرح اخر الاسبوع ..

ثم التفتت تلقى نظره اخيره تطمئن بها على اخيها  قبل ان تنصرف دون حديث ..



متى تخضعين لقلبى

الفصل الرابع


مرت الايام سريعاً وجاء موعد عقد القران ، لم تقم او تهتم بأى شئ ولم يتركها فريد تنشغل بشئ ، حتى فستان زفافها التى ارتده بعد توسلات كثيره من والدتها كان من اختياره ، تم عقد القران فى الفيلا خاصته وسط حضور عدد بسيط من المدعوين ، ولكن فى النهايه كان كل شئ مثالى وراقى لاقصى حد تحلم به كل فتاه عداها ، هذا ما فكرت به حياة وهى تنظر حولها متأمله ، انتهت الحفله سريعاً ولم يحاول فريد خلالها الاقتراب منها او لمسها ، حتى بعد عقد قرانهم اقترب منها يطبع قبله بسيطه فوق جبهتها ثم ابتعد فوراً عند شعوره بتململها تحت قبضته ، انقضى الحفل وودعت حياة الجميع ثم جاء وقت توديع والدتها التى بكت من أعماقها قبل ان تتمتم هامسه فى اذن حياة:

-انا اسفه يا بنتى بس مكنش فى حل تانى ..

شددت حياة من احتضانها لوالدتها وهى تتمتم لها مطمئنه :

-عارفه وصدقينى مش مضايقه ..

كانت حياة صادقه فيما تفوهت به فهى لا تشعر بالضيق نحو اى منهم على الاطلاق فلقد اختارت حمايه أخاها دون أدنى ضغط من اى طرف ، وقرارها ذلك نابع من قلبها فقط ولو عاد الزمن لفعلت نفس الشئ مجدداً من اجله، ثم انها لا تدرى لعل ذلك هو الخير لها ، ربتت آمنه على شعرها وظهرها بحنان قبل ان تُقبل جبينها وترحل ، سألها فريد بنبره خاليه بعد رحيل الجميع  :

-تحبى تدخلى دلوقتى ؟!..

هزت راسها له موافقه دون اضافه ، دلفت حياة إلى الداخل ثم طلبت منه ان يريها غرفتها فوراً فهى تريد التخلص من ذلك الرداء بأسرع ما يمكن ، تقدمها نحو الدرج ليرشدها ثم توقف امام غرفه ما يفتحها ، دلفت حياة للداخل اولاً ثم تبعها فريد بهدوء ، كانت غرفه واسعه رائعه الجمال بألوانها الكريميه الهادئه مع أثاثها الخشبي المريح من الطابع الفيكتور ، اول شئ استرعى انتباه حياة هو وجود بابين داخل الغرفه ، سألته بتوجس وهى تشير برأسها نحو الباب الاخر :

-ايه الباب ده ؟!..

أجابها فريد بلامبالاه وقد وضع كلتا يديه داخل جيوب بنطاله :

-ده باب اوضتى ، او بمعنى اصح باقى جناحى ..

شعرت حياة بالدم يتدفق بقوه داخل عروقها فأجابته بنبره حاده :

-يعنى ايه الكلام ده !! وبعدين انت وعدتنى .

نظر إليها فريد مطولاً ظنت انه لن يجيبها قبل ان يقول :

-وانا لسه عند وعدى .. انتى طلبتى يبقى ليكى اوضه خاصه .. اهى اوضه خاصه بباب مقفول ومفتاحه معاكى ..

ضربت حياة الارض بقدمها من شده الغيظ وهى تصيح به :

-اوضه خاصه ازاى وانا فى نفس جناحك وبينى وبينك باب !!..

نظر إليها بتسليه قبل ان يجيبها قائلاً :

-الباب مقفول ومش هيتفتح الا بأذنك .. وبعدين المره الجايه ابقى حددى طلبك اكتر .. 

ثم تحرك دون انتظار ردها يدير قبضه الباب بيده ثم اختفى داخل غرفته ، نظرت حياة إلى اثره بغضب ، وهى التى ظنت انها ستقطن فى طابق غير الذى يقطن به ولكن كل ما تحصلت عليه هو جناح واحد والفاصل بينهم هو باب مشترك !!.. اللعنه على هفوتها فالخطأ منها ، كيف لم يخطر فى عقلها ان فريد سيتلاعب بالكلمات كعادته ويستغلها لصالحه ، تحركت بغضب نحو المرأه تقف امامها لبرُهه قبل ان تقوم بخلع فستان زفافها ، زفافها !! يالها من كلمه كبيره الان ، تأملت نفسها بالمرأة قليلاً ، لتكن واقعيه ان ذلك الفستان الدى ترتديه غايه فى الروعه تماماً كالذى حدثت والدتها عنه أياماً واياماً ، كأنه خرج من مخيلتها ليتجسد امامها ، رفعت يدها تتأمل ذلك المحبس الموضوع داخل إصبعها بعنايه ، لوت فمها بسخريه فأى فتاة اخرى كانت ستقفز فرحاً من فرط سعادتها لتحصلها على زوج غنى ووسيم كفريد فالحقيقه انه كان وسيماً للغايه ببدلته الانيقه وابتسامته الهادئه وعيونه العسليه التى تشع اصرار وقوه ، ولكن ذلك لا يشفع عن طباعه المهلكه ، ربما هى أيضاً اذا حدث ذلك منذ عشر سنوات او يزيد كانت لتفقز فرحاً لزواجها من حاميها الاول ولكن الان الوضع تغير وهاهى متزوجه من صديق طفولتها و نقمه حياتها ، حتى انه لم يعلق على مظهرها كأى عروس ، عنفت نفسها بقوه ، أتنتظر منه مدح او تعليق !!! ، ليحل البؤس والشقاء على حياتها قبل ان تنتظر منه شيئاً هكذا ، قاطع افكارها طرقات خفيفه على الباب المشترك فعلمت انه هو ، أغمضت عينيها واخذت نفساً عميقاً قبل ان تمسد على ثوبها الناعم وتتحرك لتواجهه ، وضعت يدها فوق المقبض ثم حركته ووقفت تنظر إليه بهدوء منتظره ان يدلو بما فى افكاره ، نظر إليها فريد مطولاً وهو يضع يديه فى جيويه مفكراً كم انها صغيره وجميله ، انها اميرته الخاصة ، هل تعلم كم تبدو فاتنه بذلك الفستان الابيض ؟!، بل هل تعلم كم حلم وتمنى تلك اللحظه ؟!، هل تعلم انه طوال حياته لم يقترب من اى امرأه اخرى فقط ينتظر إشارتها ، ان مظهرها الرقيق بنظرة عيونها الحائرة التى تفصح عن اكثر بكثير مما تصمت هى عنه تجعله يفقد السيطره على اعصابه وتفكيره ، تنحنح محاولاً تنقيه حلقه قبل ان يقول بنبره حانيه:

-انتى جميله اوى النهارده .. انتى جميله كل يوم وأجمل فى عينى يوم عن يوم بس النهارده جمالك من نوع تانى ..

شعرت حياة بالخجل من تفكيرها ايعقل انها علم ما كانت تفكر به منذ قليل ، اطرقت عينيها للأسفل تهرب منه حتى لا يرى ارتباك نظرتها ، لم يكن بحاجه إلى ان يراها ليعلم رد فعلها ، هذا ما فكر به وهو ينظر إلى احمرار وجنتيها ، حرك يده داخل جيب بنطاله يلتقط شيئاً ما ثم مد يده فى اتجاهها ، عبست حياة وهى ترى يده ممدوه امامها وهو ممسك بورق ما فوق ما يبدو انها قطعه قماش مطويه بعنايه ، رفعت راسها تساله وهى لاتزال مقطبه الجبين :

-ايه ده ؟!.. 

أجابها فريد بهدوء :

-ده الورق اللى يخص والدك وطلبتى منى أقطعه ..

تمتمت حياة متذكره :

-اه انا نسيت حكايه الورق ده خالص ..

أجابها فريد مبرراً :

-بس انا منستش .. انا وعدتك انى هنفذ اللى طلبتيه كله بس ملقتش فرصه اديهولك قبل كتب الكتاب لانك كنتى بتتهربى  من انك تشوفينى .. 

شعرت حياة بالخجل يزحف نحو وجنتيها مجدداً فهو محق فى ملاحظته تلك فطوال يومها حاولت التهرب من رؤيته او مصادفته بأى شكل كان ، اضاف فريد بثبات وقد تبدلت ملامحه :

-عمتا الورق قدامك اهو تقدرى تعملى فيه اللى انتى عايزاه .. 

مدت يدها ببطء تأخذ منه الاوراق مع قطعه القماش تاركه له المجال ليعود إلى غرفته ، توقف مره اخرى عائداً إليها ومتحدثاً بهدوء :

-حياة .. لو حبيتى تاكلى هتلاقى العشا تحت جاهز .. انا مطلبتش منهم يطلعوه هنا عشان متاكد انك مش هتحبى تتعشى معايا وطبعا مش منطقى من اول ليله هطلب منهم يطلعوا عشا لكل حد فينا لوحده ..

انهى حديثه ولم ينتظر تعقيبها ، بل مد يده يلتقط مقبض الباب المشترك بينهم ويغلقه  ، شعرت حياة بالخجل للمره الثالثه من حديثه ولكن لا لن تنخدع بكل ذلك ذكرت نفسها انه هو من ابتزها ليتزوجها ، اذا فليتحمل شروطها واسلوبها مهما كان فظ ، ثم انه لا يمتلك قلب مثل البشر ليشعر او يتالم ، تحركت نحو المنضده تضع الورق فوقها ثم منه الى خزانه الملابس لتبديل ثيابها ، فتحت الخزانه  قبل ان تشهق بصدمه ، انها تحتوى على الكثير والكثير من الملابس بألوانها واقمشتها المفضله لديها ، يالله لقد وقعت فى حبهم على الفور ، كيف استطاع معرفه ذوقها لذلك الحد ، ولكن لا ، ذكرت نفسها بحزم ، لن ترتدى من ملابسه فهاهى احضرت معها جميع ملابسها التى كانت تدخرها لزواجها ، ستستخدمها عوضاً عن تلك الملابس التى ابتاعها لها فهى لا تريد شيئاً منه ، التقطت احدى البيجامات الناعمه من حقيبتها ثم تحركت نحو الحمام لتبديل ملابسها ، فقط للاحتياط ، خرجت بعد قليل وقد بدلت ملابسها وأزالت اثار المكياج الذى غطى وجهها بعدما اخذت دشاً سريعا تريح به اعصابها وربطت شعرها على هيئه كعكه بسيطه وجلست على حافه الفراش بجوار المنضده بصمت تسحب الورق الذى أعطاه لها منذ قليل ، فتحته ووجدت توقيع والدها يقبع هناك بهدوء ، تنهدت بألم ثم قامت بتمزيقه إلى قصاصات صغيره ووضعته فى سله المهملات بجوار فراشها ، مدت يدها مره اخرى تلتقط قطعه القماش المطويه لتفتحها بأستغراب ، شهقت حياة من جمالها ، انه ليس اكثر من منديل عقد قرانهم ، لمعت عينيها بأنبهار فقد كان تحفه فنيه رائعه ، زُينت أطرافه بالجُبير الرائع ونُقش بداخله يدوياً  بخيوط من الذهب

"قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي" 

فى بدايه الامر ارادت إلقائه مع باقى الاوراق فى سله المهملات ولكن براعه تنفيذه منعتها من ذلك ، لذلك قامت بطيهِ بعنايه مره اخرى ثم وضعته بحرص داخل احد ادراج خزانه ملابسها ، عادت إلى الفراش لتستلقى عليه فى محاوله فاشله منها للنوم ، تأفأفت بعد مده تنظر فى ساعتها فوجدتها تجاوزت الواحده صباحاً ، حسناً لن تستلقى هناك طيله الليل فيبدو ان كل محاولاتها البائسة فى النوم ذهبت جفاءاً ، أضاءت مصباح الغرفه قبل ان تقرر استكشاف الشرفه ، فتحت النافذه ودلفت إليها وإذا هى تشهق بسعاده ، فغرفتها مطله تماماً على البحر ، ابتسمت بقوه وهى تتقدم إلى الامام بداخلها حتى استندت على جدارها تستمع بذلك الهواء البارد الذى يلفح وجهها مُغلف برائحه الصوديوم المنبعثة بقوه من رذاذ البحر ، التفت يميناً تنظر إلى الضوء المنبعث فتسمرت مكانها ، ان شرفتها أيضاً مشتركه معه ، لقد قام بعزل الغرفه ولكنه ترك الشرفه مشتركه بينهم ، ارتبكت بشده عندما سمعت وقع خطوات تقترب منها آتيه من غرفته فعادت راكضه إلى غرفتها تغلق نافذه الشرفه خلفها جيداً وتندس داخل الفراش ، فكرت بحنق اللعنه عليه ان غضبها يزداد منه مع مرور الوقت فكيف ستتحمل عشرته كل ذلك الوقت حتى يأتى يوم الخلاص؟!.. 


***********


فتحت عينيها فى الصباح بثقل بعد نوم ليله متقطعه ، نظرت حولها وهى مستلقيه فوق الفراش تحاول اجبار عقلها على تقبل ما مرت به منذ البارحه حتى تستطيع التعامل مع كل تلك التغييرات ، زفرت بيأس فليس هناك أمل فى التظاهر بالنوم حتى يصبح كل شئ على ما يرام ، حثت نفسها على القيام ومواجهه قدرها فليست حياة من تتهرب من عقبات حياتها ، بعد قليل كان تقف امام مرأه غرفتها تصفف شعرها جيداً ثم عقدته للاعلى على هيئه كعكه بسيطه أبرزت نعومته ، لوت فمها بسخريه وهى تنظر فى المرأه تتفحص هيئتها البسيطه وهى ترتدى بنطال من الجينز الفاتح مع تيشرت قطنى خفيف  فكان مظهرها ابعد ما يكون عن عروس جديده ، تنهدت بثقل وقد عادت إليها تلك الافكار التى تحاول الهرب منها منذ البارحه ، كيف ستتعامل معه ؟!! فبرغم تظاهرها بالقوه امامه الا انها منذ البارحه تخشاه او بالأدق تخشى التواجد معه فى نفس المنزل فهى لا تعلم ردود افعاله عن اى شئ فعلاقتها معه انقطعت منذ ما يقارب الخمسه عشر عاماً ، وما تعلمه عنه فى تعامله مع غيره لا يبشر بخير إطلاقاً ، هل سيفى بوعده لها ام انه فقط يجاريها ؟! ، هل سيستخدم العنف معها مثلما كان يفعل والده مع والدته ؟!، كان هذا اكثر ما تخشاه فقد اصبحت الان فى عرينه بمفردها وليس لديها من يدافع عنها او يحميها من بطشه ، تذكرت بأمل ان دائماً لديها الله ، لذلك تضرعت له بقلب مفعم بالرجاء ان يحميها من بطشه وقوته ثم رفعت راسها بكبرياء تستعد لاستقبال اول يوم فى أسرها واول شئ قررت القيام به هو استكشاف سجنها، فتحت باب غرفتها بهدوء كانها تخشى إصدار اى صوت قد يُعلن عن وجودها فيذكره بها وكأنها ينساها !! ، 


التفتت يميناً ويساراً تبحث عنه فلم تجد له اثر ، تنهدت براحه ثم استأنفت طريقها للأسفل ، اول شئ لفت انتباهها بمجرد وصولها للأسفل هو كل تلك الاجساد الضخمه التى تقف متأهبه داخل الحديقه وعلى اعتاب المنزل الداخليه ، بالطبع لم يكن الامر يحتاج لذكاء خارق لتدرك ان كل هؤلاء الرجال للحمايه ولن تتفاجئ  اذا علمت ان نصفهم للحرص على إبقائها داخل جدران ذلك القفص ، اثناء تفحصها لهم استرعى انتباها زوج من العيون يتأملها بحذر التفتت حياة تتقدم للأمام وهى تدقق النظر فإذا بها ترى امرأه فى منتصف الثلاثينيات على اقصى تقدير ذات قوام متناسق ووجهه ابيض رائع الجمال ترتدى زى رسمى وتنظر إلي حياة بتفحص من راسها حتى اخمص قدميها ، توقفت حياة عن السير ولم تدرى لمً لم يُعجبها نظرات تلك المرأه لها !!، على كل حال سالتها حياة بفضول :

-مين حضرتك ؟؟!!!..

اجابتها المرأه بنبره رسميه خاليه من اى عاطفه:

-انا عزه .. مديره البيت هنا ..

لوت حياة فمها بيأس فيبدو ان أقامتها هنا لن تكون سهله على الإطلاق ، على كلاً هزت حياة كتفيها بعدم اهتمام ثم اكملت طريقها عده خطوات للأمام قبل ان تتوقف فجأه وتعقد حاجبيها معاً بعبوس وهى ترى احدى زجاجات الخمر موضوعه فوق بار للمشروبات بعشوائية ، لم تتخذ الكثير من الوقت قبل ان تقرر ما عليها فعله ، التفت خلفها مره اخرى توجه حديثها إلى تلك التى لحقت بها :

-مدام عزه لو سمحتى خدى الازايز دى بالكاسات بتاعتها أرميهم ..

اجابتها عزه بكبرياء محافظه على نبرتها الخاليه معها :

-اسفه يا هانم .. دى حاجات فريد بيه ومقدرش اتصرف فيها غير بأمره هو ..

رفعت حياة احدى حاجبيها باندهاش قبل ان تحرك راسها موافقه وهى تلوى طرف فمها بأبتسامه سخريه وتقول بأصرار:

-طب تمام .. تقدرى تندهيلى حد من الحرس اللى واقف بره دول .. بيتهيألى مش محتاجه اذن فريد بيه فى حاجه زى دى صح ؟!!!!.. 

نظرت إليها عزه بتشكك واضح قبل ان تتحرك نحو الحديقه ثم اختفت لثوان قبل ان تعود ومعها احد الأفراد مرتديا بذله سوداء ويحمل احد الاسلحه فوق خصره بوضوح ، تشدقّت حياة وهى تنظر إلى مظهره المرعب تشعر وكانها سقطت فى احدى دور المافيا الايطاليه !! ترى هل كل ذلك حلم ستفيق منه بعد قليل ؟!!،، كان ذلك اقصى أمانيها فى الوقت الحالى ، على كلاً أغمضت عينيها لبرهه قبل ان تفتحهم مره اخرى وتطلب من الحارس بهدوء :

-لو سمحت ممكن تجيبلى صندوق خشب مقفول او برميل ؟!.. عايزه اى حاجه متسربش مياة ..

أومأ لها الحارس على الفور بأحترام قبل ان يجيبها :

-حالاً يافندم ويكون عند حضرتك .. 

ثم تحرك للخلف وهو لازال يعطيها وجهه حتى اختفى عن الأنظار ، التفتت حياة مره اخرى بعد ذهابه  تسالها بنبره متحديه :

-عايزه جوانتى .. اكيد عندك ..

اومأت عزه لها براسها قبل ان تختفى هى الاخرى ، زفرت حياة بحنق وهى تفكر فى تلك المرأه وطريقتها العدائيه فى التعامل معها ، 


اعادها من افكارها عوده الحارس حاملاً برميل ازرق عميق فابتسمت حياة بسعاده ثم طلبت منه وضعه امامها والانصراف فنفذ على الفور دون جدال ثم بعد ذلك جاءت مدبره المنزل تحمل لها القفازات فارتدتها حياة على الفور ، همت بأمساك الزجاجه الموضوع فوق البار عندما شعرت بعيون تحدق بها ، التفتت حياة فوجدتها لازالت واقفه مكانها تراقبها ، قالت لها حياة بهدوء يشوبه الكثير والكثير من تمردها المعهود:

-على فكره تقدرى تتفضلى انا مش محتاجه حاجه ..

اومأت لها مدبره المنزل بنفاذ صبر قبل ان تتحرك للداخل بتردد وتتركها بمفردها وهى تعلم جيداً ما تنوى فعله .


*************


كان فريد يجلس فى غرفه مكتبه المطله مباشرةً على البحر خلف مكتبه الواسع فى مقعده الجلدى المريح يدقق فى احدى الملفات الموضوعه امامه عندما سمع أصوات تحطم قادمه من الخارج ، أرهف سمعه فإذا بها أصوات تحطم زجاج ، ركض على الفور نحو الخارج يتبع مصدر الصوت وقلبه ينتفض رعباً عليها ظناً منه ان احد اعدائه قد تجرأ على مهاجمه منزله ، صرخ بأسم احد الحراس بقوه مما جعل حياة تنتفض قبل ان يتوقف بصدمه وهو يرى صغيرته تقف بتحدى وهى تضع يدها فوق خصرها وتزم شفتيها للأمام ويدها الاخرى تلقى بما تحمله من زجاجات الخمر فى وعاء ازرق عميق ، جابت عينيه جسدها ونظرات الإعجاب ظاهره عليه ، كم سيسعده ترويضها ؟!.. هذا ان استطاع التفريط بها أساساً ، رفعت حياة راسها على صوته العميق الغاضب :

-حياة !!! هتجرحى نفسك !! .. 

استعادت هدوئها ثم نظرت إليه بعيون متحديه وهو يقف امامها يرتدى تيشرت ازرق يبرز عضلاته بقوه ويضع كلتا يديه داخل جيوب بنطاله ، رفعت حاجبيها مع نظره مغيظه له قبل ان تتحرك نحو البار تلتقط اخر زجاجه موضوعه به ثم رفعتها بتحدى امام عينيه وتحركت بها حتى توقفت امام البرميل مره اخرى وقامت بإلقائها من ارتفاع عالى فأصدرت ضجيج قوى من ارتطامها بالزجاج الملقى بداخله ، حاول كتم ضحكته امامها ولم تلاحظ هى بريق التسليه فى عينيه ، تنحنح لتنقيه حلقه وإخراج صوته حازماً :

-على اساس انك لما تكسريهم مش هعرف اجيب غيرهم تانى!! ..


عقدت كلتا ذراعيها امام صدرها ثم تحركت ببطء فى خطوات ثابته نحوه قبل ان تقف امامه مباشرة وترفع راسها بكبرياء حتى تصل لعينيه ثم تحدثت بنبره ثابته قويه عكس ما تشعر بداخلها تماماً وتقول :

-من اللحظه اللى اجبرتنى فيها على انى اكون مراتك ودخلتنى بيتك وبقى اسمى مرتبط بأسمك والبيت ده بقى بيتى انا كمان .. وانا معنديش استعداد لحظه واحده اقعد فى بيت بيتعصى فيه ربنا بالشكل ده .. وأوعى فى يوم تفكر ان قبولى بيك معناه قبولى لشياطينك دى .. البيت اللى هكون موجوده فيه لازم يكون نضيف .. 


صمتت قليلاً وهى ترى عرق خفيف بدء ينتفض فى جانب صدغه ولكنها كانت تغلى غضباً من كل ما حدث منذ البارحه ولن تستطيع التوقف الان ، اضافت محافظه على نفس نبرتها وتحديها :

-عايز تشرب هنا اتفضل .. بس ساعتها هتكون ملزم تجبلى بيت تانى اعيش فيه حتى لو اوضه واحده .. بس خليك متأكد انى هحارب على طهارتها بروحى .


أنهت حديثها وصدرها يعلو ويهبط امامها من شده التوتر والغضب معاً ، ظل فريد ينظر إليها مطولاً دون ان ينبث ببنت شفه وهى أيضاً لم تزيح عينيها من امام عينيه فقد كانت مسأله اراده بالنسبه لها وشعرت انها لو حركت عينيها بعيداً عنه معناه اعلان هزيمتها وهى ابداً لن تُهزم امامه ، ظلا هكذا لمده دقيقه ينظر إليها بشرر يتطاير من عينيه قبل ان تلين نظراته امامها وتتحول إلى شئ اخر يعلم انه لن يستطيع تحقيقه ولو بعد حين ولكن ليس بيده حيله فوقوفها امامه الان بكل ذلك التحدى يثيره إلى اقصى درجه ممكنه ، قاطع افكاره دخول الحارس يسأله بقلق  :

-فريد بيه .. فى حاجه حصلت  ؟!.


صاح به فريد بغضب بعد ان حول نظره عن حياة وقد تبدلت ملامحه ونبرته :

-مين الحيوان اللى دخل البرميل هنا ؟!. 

هبت حياة تجيبه بشجاعه وهى تنظر للحارس نظره ذات مغزى من وراء فريد قائله :

-محدش جابه .. انا اللى جبته لوحدى ؟!.. 

التفت فريد ينظر إليها نظره متشككه قبل ان يعود بغضبه للحارس :

-لما اسالك ترد علياااا !! .. مين اللى دخله هنا انطق !!! ..

فتح الحارس فمه ليجيب قبل ان يسكته صوت حياة للمره الثانيه :

-انا قلتلك انى جبته لوحدى .. روحت الجنينه جبته ورجعت .. 


بالرغم من نبرتها القويه ونظرتها الثابته فوقه الا انه استطاع ان يرى الخوف فى عينيها ، لانت نظرته امام حيرة نظرتها وطول أهدابها فوقهم، قاطع تأمله صوت مدبره منزله تقول فى وقار :

-فريد بيه .. الفطار جاهز ..

أجابها فريد دون ان يحول عينيه عن حياة التى التفتت تنظر إلى مصدر الصوت بتركيز بمجرد سماعه :

-تمام .. روحى انتى واحنا هنحصلك .


شدد على حروف جملته الاخيره بقوه مما جعل حياة تفكر فى الرفض اغاظه له ولكن كان لمعدتها رأيى اخر فهى لم تتناول شئ منذ صباح البارحه ، أشار فريد لها بيده نحو غرفه الطعام لتتقدمه فتحركت امامه فى صمت وكبرياء منتهزه الفرصه للهروب من الموقف ، التفت يحدث حارسه بنبره متوعده :

-حسابك معايا مخلصش بس خليه لبعدين .. 


انهى جملته ثم التفت يكمل طريقه ويتبعها ، دلفت حياة للغرفه فتفاجئت بعزة مدبره منزل تقف خلف الطاوله بهدوء ، توقفت حياة تفكر بيأس كيف ستتمكن بتمرير الطعام داخل حلقها فى ذلك الجو المتوتر المشحون ، كانت غارقه فى تلك الفكره فلم تشعر بتحرك فريد خلفها يسحب لها احدى مقاعد الطاوله للجلوس ، اندهشت من فعلته تلك والحقيقه انها أعُجبت بها فهى لم تتوقع ابداً ان يصدر منه مثل ذلك الفعل تجهاها بعد ما حدث بينهم منذ قليل ولكنها سرعان ما حذرت نفسها فهو يفعل ذلك فقط من اجل خداعها، تحركت تخفض جسدها قليلاً لتجلس غافله عن نظرات الحقد التى تخترق ظهرها ، بمجرد جلوسهم اومأ فريد لمديره منزله براسه متمتاً :

- تقدرى ترجعى للمطبخ مش محتاجينك معانا . 

لم يصدر منها اى رد فعل ولكنها سألته بأهتمام :

-حضرتك تحب تطلب او تضيف حاجه معينه للغدا النهارده ؟!..

نظر فريد بأتجاه حياة ثم اجاب بنبره حانيه ؛

-لا .. تقدرى تسألى حياة هانم .. ومن هنا ورايح تنسقى معاها كل يوم وتشوفى هى هتقولك ايه ..


رفعت حياة رأسها لاعلى تنظر إليه بأندهاش قبل ان تحول نظرتها نحو مدبره المنزل ، انقبضت معده حياة من نظرتها القويه الجافه نحوها ، اللعنه !! ماذا يحدث هنا ؟!! ، لماذا توجه إليها تلك المرأه كل تلك النظرات الغير مريحه ، تنهدت حياة بأحباط فقد ضاع املها فى انه يصبح لديها صديق فى ذلك المنزل ، شردت فى تلك الافكار وهى تنظر إلى وجهه عزة قبل ان  يلفت انتباهها نظره الاخيره لفريد ، لقد كانت النقيض لنظرتها له ، كان هو مستغرق فى تناول طعامه ولم يدرى بتلك النظره المبهوره الموجهه نحوه من مدبره منزله ، وضعت حياة كفيها بأحباط فوق وجهها وهى تعود بظهرها إلى الوراء لتستند على ظهر المقعد ، حسناً ما الذى يحدث هنا الان ؟! ، ايُعقل انها عشيقته او اى شئ من ذلك القبيل !!، انها ليست غبيه وتعرف نظرات الإعجاب جيداً حين تراها ، جعدت جبينها بحزن وهى تفكر بقلق  هذا ما كان ينقصها ، لا يكفيه ما سببه لها من تعقيدات حتى الان ليجمعها مع عشيقته او ايا كان مسماها تحت سقف واحد ، هزت حياة رأسها مستنكره ماهذا الذى تفكر به !! انها تتهم امرأه مثلها بشئ سئ فقط من اجل نظره لاحظتها ، كيف تفعل ذلك !!! ربما كل ذلك من وحى خيالها وربما هو مجرد إعجاب من طرف واحد لم يتعدى تلك النظره ، شعرت بالسوء من نفسها وقررت تجاهل الامر باكمله فذلك لا يعنيها ، 


لاحظ فريد صراع المشاعر المرسوم بدقه على وجهها ونظرتها ولاحظ أيضاً عدم تناولها للطعام ، فتح فمه ليتحدث إليها ولكنه أغلقه مره اخرى فهو يعرفها جيداً ويعلم انه اذا طلب منها تناول طعامها ستعانده ، حاولت حياة دس اى شئ داخل فمها ولكن كان لحلقها رأيى اخر مخالف لها ، وضعت شوكتها بأحباط ثم نظرت له تساله فهى لم تستطع جمح ركاب فضولها لأكثر من ذلك ، تحدثت بهدوء محاوله اخفاء فضولها بعد خروج مديره المنزل  :

-هى عزه شغاله هنا من زمان ؟!.. 

أجابها بعدم اهتمام مرتشفاً قهوته دون النظر نحوها :

-مش فاكر .. يمكن ٣ سنين ..

علمت من نبرته انه لا يريد الاستمرار فى ذلك الحديث ولكنه لن تتركه حتى تحصل على أجوبتها فاضافت :

-مع ان شكلها صغير .. يمكن قدى او اكبر شويه .

رفع رأسه ينظر إليها بنظره متشككه ثم اجاب بتركيز :

-لما أتوظفت هنا كان عمرها ٣٠ ..

شهقت حياة بصدمه دون وعى متمته:

-دى قدك تقريباً !!!!! .


عقد حاجبيه معاً وضاقت عينيه فوقها يتأملها فأضافت مبرره بعد ان شعرت انه يشك بشئ من كثره اسئلتها :

-اصل انا مستغربه انها عرفتنى بنفسها على انها مديره البيت فى الوقت اللى ماما كانت فيه هنا !! يعنى ماما كان لازمتها ايه ؟!..  


نظر لها مطولاً وهو يعود بظهره ليسترخى فوق المقعد حتى شعرت انه لن يجيب عن سؤالها ثم تحدث بأقتضاب :

-كانت جنبى .. 


هزت رأسها فقد ادركت معنى اجابته قبل ان تزم شفتيها معاً للأمام فى حركه طفوليه ، تحرك من مقعده ليقف امامها بنفاذ صبر ثم حدثها أمراً :

-متعمليش الحركه تانى ..


اساءت فهم مقصده وظنت انها تغضبه فعقدت  النيه فى قراره نفسها ان تفعلها امامه كلما اتاحت لها الفرصه عناداً به .


************ 


نهايه البارت ♥️ 



متى تخضعين لقلبى

الفصل الخامس


بعد انتهاء الفطور انسحب فريد مره اخرى إلى غرفه مكتبه وقررت حياة استئناف اكتشافها للمنزل ، فقبل مقابله عزه كانت تنتوى الدخول للمطبخ فهو من احدى هواياتها المفضله ، اما الان فهى تعلم جيداً ان وجودها بداخله شئ غير مرحب به ، اكملت جولتها بداخل المنزل ولم تملك الا الإعجاب به حقيقةً فكل ركن به مفروش بعنايه وذوق رفيع ، لم يتبق لها الا المطبخ لدخوله ، كان ينتابها الكثير من الفضول لرؤيته ورؤيه تأثيثه وتجهيزاته لذلك وقفت متردده تحاول الوصول لقرار ثم رفعت راسها بكبرياء وقررت زيارته فهو فى الاخير منزلها هى ، وما ان خطت بداخله حتى رأت ٦ أزواج من العيون تنظر لها ما بين مهتمم ومستنكر ، زوجان اصبحت تعرفهم جيداً اما الآخرين فغريبان كلياً 

تنحنحت حياة بحرج وهى تقف فى مدخله وعلى الفور تقدمت نحوها سيده ممتلئه الجسد فى منتصف الخمسينات تقريباً قصيره القوام ذو ابتسامه دافئه احبتها حياة على الفور فبادلتها ابتسامتها بأشراق 

تحدثت السيده بنبره اكثر دفئاً وهى تمد يدها فى اتجاه حياة لتحتضن كلتا يديها بحب متسائله :

-اكيد انتى بنت آمنه حياة .. قصدى حياة هانم .. 

هزت حياة راسها لها بأيجاب ثم النفى وهى لازالت تحافظ على ابتسامتها الواسعه :

-لا طبعا انا اسمى حياة بس .. واه انا بنت امنه حضرتك تعرفيها ؟!.. 

مسحت المرأه على شعر حياة بحنان ونظرات الإعجاب تملؤها قائله  :

-ماشاء الله .. آمنه عرفت تربى .. ليه حق فريد .. جميله خلقاً وُخلقاً ..

اخفضت حياة رأسها بخجل والاحمرار يغزو وجنتها فأضافت السيده متمتمه :

-صحيح نسيت اعرفك بنفسى .. انا عفاف المسئوله عن الطبخ والمطبخ هنا ..

ثم اشارت إلى رجل فى مقتبل الستينات من عمره كان يجلس على الطاوله بهدوء يتناول طعامه ولكنه نهض بمجرد دخول حياة ورؤيتها :

-وده بقى عمك رضا .. جوزى والجناينى بتاع الفيلا .. 


اومأ  براسه لحياة يحييها باحترام ووقار ولكنه تفاجئ من رد فعلها وهى تتقدم نحوه تمد يدها فى اتجاهه متمته:

-ازى حضرتك ياعم رضا .. 

أجابها معجباً بسلوكها :

-بقيت احسن لما شفتك يابنتى .. ربنا يباركله فيكى .. 


تمتمت حياة بخجل موجهه حديثها للسيده عفاف :

- لو حضرتك مش هتضايقى ممكن اقعد معاكم شويه ؟!.. 

اجابتها عفاف بترحاب لم تعهده حتى من والدتها :

-ياخبر ابيض !! انتى بتسأذنينى عشان تقعدى فى بيتك !! ده المطبخ كله ينور .. 

ثم سحبتها بحنان لتجلس على احد المقاعد الموجودة به وللحق كان وثيراً وناعماً مثل مقاعد  الاستقبال 

 لم تعلم كم شعرت حياة بالسعاده من ذلك الاستقبال الحميم فعلى الاقل شعرت انها فازت بصديق فى ذلك المنزل الكبير الجاف ، خرج عم رضا بعد قليل ولم يتبق سوى ثلاثتهم معاً ، كانت السيده عفاف تثرثر مع حياة دون توقف قبل ان تتوقف لتسألها بعبوس :

-شوفى انا اكلت دماغك ازاى ونسيت اسالك !! تحبى اعملك حاجه مخصوص للغدا النهارده ؟!! .. اكيد مش هتحبى تاكلى اكل فريد بيه من اول يوم كده .. 

ضمت حياة حاجبيها معاً بتركيز مستفسره :

-ليه مش هحب اكله ؟!.. 

اجابتها عفاف مسترسله فى شرحها وهى تجعد انفها وتهمس كأنه سر حربى خطير :

-مانتى اكيد عارفه .. فريد بيه بيحافظ على صحته ازاى مش بياكل غير انواع اكل محدده كله خضار ومفيهوش ملح وحاجات غريبه كده وبعدها بيدخل الجيم ويقفل على نفسه مبيطلعش قبل ساعتين تقريباً كل يوم وممنوع حد يدخله .. تقريباً الجيم والمكتب محظورين اى حد يدخلهم وهو فيهم الا لو هو طلب ..


صمتت قليلاً لتزدرد ريقها وهى تتفحص حياة قبل ان تضيف بأبتسامه واسعه :

-طبعاً الكلام ده مش ليكى اكيد فريد بيه هيحب تكونى جنبه على طول ..


زمجرت مدبره المنزل القابعه بهدوء على احد المقاعد وتستمع لحديثهم دون المشاركه فيه :

-ست عفاف بيتهيألى كفايه كلام كده وتخلصى اللى وراكى ميعاد الغدا قرب ..


حدجتها عفاف بنظره حنق قبل ان تجيبها قائله :

-عزه .. انا بتكلم انا والهانم وانا بشتغل وهى مش معطلانى .. روحى بس انتى شوفى وراكى ايه بدل مانتى قاعدلنا كده ..


ضربت الاخيره الارض بقدمها غيظاً قبل ان تحدج حياة بنظره غل وتتجه نحو الخارج ، اعادت عفاف تركيزها نحو حياة متسائله :

-احنا وقفنا لحد فين ؟!. 

-اه كنت بقولك ان فريد بيه محبش فى النيا دى حد قدك .. انا من ساعه ما جيت هنا وانا مش بسمع غير عن حبه ليكى .. 


ارادت حياة فتح فمها للاعتراض وقول ملاحظه لاذعة ولكنها عدلت عن ذلك ففى النهايه لن تتحدث عنه امام موظفته . 


************


فى تلك الأثناء كان فريد يجلس خلف مكتبه وعروق وجهه بارزه من شده الغضب وهو يتحدث فى الهاتف بعصبيه ، صاح بمساعده قائلاً :

-يعنى ايه يعلى علينا السعر هو لعب عياااااال ..

تعلثم المساعد فى نبرته قائلاً :

-ما .. ما يا فندم ..... 

قاطعه فريد بغلظه قائلاً :

-انت لسه هتمئمئلى اخلللللص .. 

انهى فريد كلمته الاخيره بصراخ جعلت الرجل على الطرف الاخر ينتفض فزعاً ثم قال مسرعاً :

-يافريد بيه .. هو بيقول ان الشركه بره علت عليه وهو معندهوش استعداد يتحمل الخساره .. 


جحظت عيونه للخارج بقسوه قبل ان يصمت قليلاً متفكراً قبل ان يقول يتوعد :

-الجنيدي ببلوى دراعى صح !!.. انا عارف كويس ان مفيش حاجه من دى حصلت .. هو فاكر كده بيضربنى يعنى !!!!هو كده جاب اخره معايا ..  بس ورحممممه امممى ان ما كنت افلسه مبقاش فريد .. 

حك ذقنه بيديه ثم تابع بصيغه الامر :

-اسمممع .. قدامك اسبوع وتكون ظبطلى مع الشركه الألمانية اللى عطياه التوكيل وتبلغنى ..

اجابه مساعده برعب :

-بس يا فريد بيه احنا كده بنعلن الحرب عليهم وعيله الجنيدي مش قليله فى السوق ..


صاح به فريد بغضب :

-نبيل !! اظبط معايا كده ولو بتخاف روح اقعد فى بيتك .. 

سارع نبيل يجيبه مصححاً :

-يافندم انا خايف على ساعتك مش اكتر .. 


اجابه فريد وهو يصر على اسنانه بشراسه : 

-لسه متخلقش اللى يقف قدامى او يلوى دراعى .. 

حرك كفه داخل فروه راسه مفكراً  ثم تابع بنفس صيغه الامر :

-  ظبطلى بس انت الشركه وانا هقولك بعدها هنعمل ايه ..


ثم اغلق الهاتف بنفاذ صبر وألقاه بقوه فوق سطح مكتبه وهو يتوعد لعائله الجنيدي .. 


**********


 مضى الوقت وجاء موعد وجبه الغذاء سريعاً ، دلفت حياة غرفه الطعام على مضض فوجدته يجلس على قائمه الطاوله باسترخاء ينتظرها ، نظر إليها بتمعن يتأمل ملامحها المتجهمة فاسترخت تقاسيم وجهه على الفور ، حتى وهى فى حالتها تلك تستطيع تبديل بنظره منها ، فكر بحب انها اصبحت كالمخدر بالنسبه له ولكن مخدر من نوع اخر ، مخدر يجعل الزمن يتوقف عن الحركه وينسى معها ماضيه وما يخشاه من حاضره مستقبله.

قررت هى تجاهله والتصرف بلامبالاه مثله ، لذلك توجهت مباشرة نحو احد المقاعد البعيده عنه نسبياً لتجلس فوقه بهدوء ، نظر إليها ملياً اولاً نظره خاليه قبل ان ينطق جملته متشدقاً :

-بصى كده كويسه هتلاقى انى الحمدلله معنديش مرض معدى .. ولا احنا فى نص الشهر والقمر بدر فخايفه اتحول واقوم اعضك !!.. 

نظرت إليه بصدمه قبل ان تستوعب حديثه ، انتظر هو رد فعل منها ولكن دون فائده لذلك تمتم بنفاذ صبر قائلاً بتهديد:

-هتتفضلى تقعدى جنبى من نفسك ولا تحبى اجى اشيلك .. 


قفزت من مقعدها على الفور بمجرد سماع جملته فكلاً من نبرته ونظرته كانت توحى بجديته التامه ، جلست فى المقعد المجاور له دون ان ترفع نظرها نحوه حتى لا ترى نظراته البارده التى يرمقها بها منذ الصباح ، 


فى تلك الأثناء دلفت السيده عفاف داخل الغرفه تحمل الوعاء الخاص بالطعام ، وضعته فوق الطاوله وشرعت فى بدء عملها عندما تحركت حياة من مقعدها وهى تتحدث بود :

-متتعبيش نفسك يا دادا انا هكمل ..

قبض فريد على معصم يدها بقوه يمنعها من الحركه وهو يرفع نظره إليها بنظره غاضبه اصابتها بالارتباك ثم تحدث بنبره منخفضة ولكن حاده : 

-اقعدى مكانك .. انا مش جايبك هنا تشتغلى .. 

فتحت فمها لتعارضه ولكنه نظرته التحذيرية التاليه التى رمقها بها مع زياده ضغطه على معصمها جعلتها تتراجع ، عادت تجلس فوق مقعدها بغضب  قبل ان توجهه نظره معتذره فى اتجاه السيده عفاف فبادلتها الاخيره نظرتها بايماءه خفيفه من راسها وأبتسامه متفهمه قبل ان تشرع فى استئناف عملها والخروج بهدوء من الغرفه بعد استئذانه ، 


امسكت حياة بملعقتها لتبدء فى تناول طعامها قبل ان تعقد حاجبيها معاً بأشمئزاز !!! ان الحساء يحتوى على جميع المكونات التى تكرهها فعلاً ، دفعت الوعاء بعيداً عنها قليلاً فهى لن تتناول ذلك الطعام تحت اى ظرف كان ، كان فريد يراقب ما تقوم به بتركيز تام وعندما دفعت الوعاء من امامها حدثها بنبره آمره :

-حياة كملى أكلك انتى مش طفله !!!! .. 

حدجته بنظره غاضبه قبل ان تجيبه بحنق قائله وهى تقلد نبرته : 

كويس انك عارف انى مش طفله !.. ولا اقولك تعالى اكلنى غصب عنى زى ما اتجوزتنى غصب .. 


شعرت بالانتصار عندما رأت اثر الصدمه واضحاً على ملامحه ولكن سرعان ما تحولت نظره انتصارها إلى قلق عندما وجدته يرفع احدى حاجبيه بتحدى ويضع معلقته فوق الطاوله وهو يستعد للتحرك ، شهقت برعب وهى ترفع كفها فى اتجاهه لتوقف وهى تتمتم برعب :

-اوعى تقرب منى انا مش هاكل اكل الناس العيانه ده .. 


اتسع فمه بأبتسامه انتصار ثم تحولت بتسليه وهو ينظر إلى ملامحها الغاضبه ، فهو يعلم جيداً ان مذاق الطعام لم يعجبها ولكنها ارادت اللعب معه وعدم الاعتراف. ، زمت هى شفتيها بحنق وهى تفكر بغيظ  لقد خدعها ، اذا عليها ان تكون اكثر يقظه عندما تتعامل معه فى المستقبل ، اعادها من افكارها صوته العميق يسألها بأهتمام ونبره حانيه :

-ليه مطلبتيش من المطبخ حاجه انتى بتحبيها ؟!.. 


اجابته بحنق :

-وانا اعرف منين يعنى !! كنت بحسبك بتاكل زى الناس .. 

رمقها بنظره غير مفهومه قبل ان تعود إليه نظرته البارده مره اخرى :

-الناس هى اللى مش بتاكل زيى !!!

تمتمت بخفوت :

-مغرور 

فريد :

-سمعتك .. 

اجابته بحنق :

-ميهمنيش .. انا كده كده بكرهك .. 

اهتزت نظرته قليلاً قبل ان يجيبها بصوت هادئ ونبره تملؤها التهكم المرير :

-مسمعتهاش من امبارح .. 


ثم وضع المحرمه فوق الطاوله بعد ان مسح بها فمه وتركها وخرج من الغرفه .. 


**************


قررت حياة قضاء ما تبقى من يومها داخل غرفتها حتى تتجنب لقائه ، وفى المساء عند حلول موعد العشاء رفضت النزول بحجه انها ليست جائعه ولكن بعد العاشره بقليل أعلنت معدتها العصيان الكامل عليها فهى لم تتناول شيئاً يُذكر منذ صباح البارحه لذلك قررت التسلل إلى المطبخ بهدوء لعلها تهدء من احتجاج معدتها قليلاً ، صادفت السيده عفاف التى كانت على وشك إنهاء عملها والذهاب لمخدعها ، عندما رأتها فهمت على الفور سبب هبوطها فابتسمت لها بتفهم تمتمت حياة بخجل تقول :

-دادا .. انا جعانه .. 


استجابت السيده عفاف لطلبها على الفور وقامت بوضع مائده كامله امامها ، تناولت حياة طعامها بهدوء ثم جلست تتسامر قليلاً مع السيده عفاف عندما شعرت بخيال شخص ما يقف عند مدخل المطبخ ، علمت من هو من رائحه عطره المميزه ، التفت تنظر إليه فوجدته يرتدى زى رياضى اسود يتناسب تماماً مع عضلات جسده ويضع منشفه صغيره حول عنقه وتبدو على ملامحه الارهاق  فعلمت انه قد انتهى للتو من تمارينه ، تحدث على الفور بلهجته اللاذعه :

-بيتهيألى مش ناويه تقضى الليل كمان فى المطبخ .. 


ثم تحرك فى اتجاهها بعد انتهاء جملته يُمسك بذراعها ليجذبها نحوه ويتحرك بها للخارج دون كلمه اخرى ، نفضت يدها من قبضته فور خروجهم من المطبخ ورفعت راسها بكبرياء تسبقه للاعلى ، كانت على وشك دخول غرفتها عندما اوقفها صوته يقول بأستهزاء :

-مكنتش اعرف ان القاعده مع الخدامين والحرس حلوه كده !! .. الصبح  حاولتى تحمى واحد وباقى اليوم قاعده مع التانيه !! .. 


التفتت وعادت بخطواتها للوراء حتى توقفت امامه مباشرةً ثم وضعت احدى أصابعها فوق فمها بتفكير قبل ان تميل برأسها نحوه وتقول بثبات وعيونها تطلق شرراً نحوه :

-الخدامين دول امى وامك منهم يا فريد بيه يا ابن رحاب هانم .. 


شعرت بذلك العرق بجانب صدغه قد بدء فى البروز من كثره ضغطه فوق اسنانه لذلك قررت الانسحاب على الفور ولكنه سرعان ما تدارك غضبه فأجابها بسخريه وهى تدير مقبض باب غرفتها :

-حياة هانم طلعت عن شعورها وبتقول امى وامك !! واضح ان تعب رحاب هانم معاكى مجبش نتيجه .. 


انهى جملته الاخيره وهو يضغط علي كلماتها بقوه فهمت مغزاها جيداً ،توقفت يدها عن تدوير المقبض ثم التفتت تحدقه بنظرات حانقه قائله له بغيظ :

-بكرهك .. 


لوى فمه بسخريه مجيباً وهو مازال يقف امام باب غرفته :

-عارفه ايه الناحيه التانيه للكره ؟!.. خلى بالك تلاقى نفسك واقفه عندها من غير ما تحسى .. 


انهى جملته الاخيره ثم دلف غرفته واغلق الباب خلفه بهدوء تاركها تشعر بالرعب مما هو قادم ..


***************


دلفت إلى غرفتها واغلقت الباب خلفها برفق ، واستندت بثقل جسدها فوق الباب ثم اغلقت جفونها بحزن قبل ان تضع كلتا كفيها فوق وجهها لتخفى ملامحها من شده خجلها، فكرت بضيق يالله !! ماهذا الذى تفوهت به منذ قليل !! ايعقل انها أقحمت احب انسانه إلى قلبها فى صراعهم العقيم ونقاشهم الملغم !! ، شعرت بوخز الدموع داخل مقلتيها بسبب شعورها المتزايد بالذنب ، اللعنه على ذلك الفريد ، انه يستطيع اثاره غضبها واخراجها عن شعورها بكلمه واحده منه ، انزلقت بجسدها إلى الارضيه الخشبيه لتجلس فوقها وهى تضم ركبتيها إلى قفصها الصدرى وتحاوطهم بذراعيها وهى تستند بذقنها عليهم مطلقه لدموعها العنان ، فكرت بحزن ان كل ما وصلت إليه حتى الان يعود فضله بعد الله إلى والدتها الثانيه رحاب التى سخرت منها منذ قليل 


ففى الحقيقه كانت تعاملها بحنان اكثر من طفلها الوحيد ، حتى عندما قرر السيد غريب والد فريد ان يعهد بتربيته إلى معلمه خاصه لتعليمه كافه أصول الاتيكيت متعللاً انه لايثق فى خادمه لتنشئة ولى عهده اصرت امامه السيده رحاب ان تتلقى حياة نفس التنشئه وتحضر معه كافه الدروس حتى تتعلم كيفيه التصرف كسيده مجتمع منذ صغرها ، وبالطبع لم يكن فريد ليتركها فوافق والده مجبراً، وعندما حان موعد دراستها الاكاديميه اصرت على صديقه عمرها ووالده حياة ادخالها مدارس الراهبات لتتلقى افضل تعليم للفتيات فى ذلك الوقت وبالطبع تكفلت بكل مصاريفها فى مراحل تعليمها الاولى ، حتى بعد وفاتها علمت حياة انها آمنت مصاريف دراستها حتى المرحله الاعداديه وعندما انتقلت بعد ذلك إلى المدارس الحكومية كانت قد حُفر داخل ذاكرتها كل ما تعلمته منذ صغرها فكان يُعجب بأخلاقها ورقتها وفطنتها فى التعامل كل من يراها ، والآن هكذا يكون رد الجميل لها ؟!، السخريه من ذكراها ؟!، فكرت بضيق وحزن انها منذ وصولها إلى ذلك المنزل وهى تشعر بالغضب على الدوام حتى انها أصبحت لا تعرف نفسها فالطالما كانت هادئه ذات نفسيه متوازنه لاتسمح لايا كان ان يؤثر بسلوكها حتى والدها ولن تسمح لفريد الان بان يحولها إلى شخص فظ مثله ، هذا ما قررته وهى تجفف دموعها وتنطلق نحو الباب المشترك بينهم . 


طرقت الباب عده طرقات  دون اجابه ، طرقته للمره الاخبره قبل ان تقرر التوجه نحو الحمام وتبديل ملابسها عندما وجدت الباب يفُفتح ويقف فريد قبالتها وهو لا يرتدى سوى منشفه بيضاء على خصره واُخرى صغيره فوق عنقه وشعره يبدو مبلللاً ، شهقت بفزع من مظهره والاحمرار يزحف نحو وجنتيها قبل ان تبدء فى مهاجمته متناسيه كل ما ذكرت به نفسها منذ قليل :

-ايه ده !!! ايه قله الادب دى انت ازاى تفتحلى وانت كده .. 

نظر لها بحاجب مرفوع متعجباً من هجومها الغير مبرر قبل ان يجيبها متشدقاً :

-حياة .. انتى اكيد مخبطيش ع الباب كل ده عشان تقوليلى انى قليل الادب ؟!! .. 


ارتبكت من نبرته ومظهره العارى وعضلاته البارزه وبدء الاحمرار يزداد فوق وجنتيها ففى كل الاحوال تلك هى مرتها الاولى التى ترى أمامها رجل نصف عارى ولديه كل ذلك الكم من العضلات المصقوله ، انتظرها لتتحدث ولكن دون فائده لذلك تحدث مره اخرى بعد ان تبدلت ملامحه للاستمتاع وهو يرى ارتباكها فهتف باسمها :

-حياااااااة .. 

اجابته مغيظه وهى ترفع راسها نحوه بتحدى وثبات :

-فرييييييد !! 

التوى جانب فمه بأبتسامه صغيره قبل ان يجيبها بنبره مشاكسه:

-عيون فريد !! انا معنديش مشكله افضل واقف كده للصبح بس انتى شويه وهيغمى عليكى من الكسوف فقولى عايزه ايه من غير كل التوتر ده ؟!! .. 


فركت باطن كفيها بتوتر قبل ان تقول بتعلثم وهى تشعر بحراره جسدها تزاد تلقائياً من كثره الضغط :

-انا بس كنت عايزه اقولك انى .. 


صمتت قليلاً محاوله استجماع شجاعتها فأخر ما كانت تتوقعه هو ان تقف امامه تطلب منه السماح ، سألها بنفاذ صبر يحثها على تكمله جملتها:

-ها كنتى عايزه تقولى انك ؟!.... 


رفعت نظرها إليه ثم قالت بخجل :

-كنت عايزه اقولك انى اسفه على الكلام اللى قلته من شويه ، وأسفه انى جبت سيره ماما رحاب فى كلامنا .. انت اكتر حد عارف انا بحبها قد ايه ومكنش ينفع اقول كده ابداً .. 


هل لمعت عيونه للتو ام انها كانت تتخيل ذلك ؟؟، لم تتلقى منه اى رد ولكنها رأت تبدل ملامحه تماماً فقد تحولت من التجهم إلى شئ اخر لم تفهمه ثم سريعاً إلى الاسترخاء حتى انه بدا اصغر سناً وهو يقف امامها ، وقف ينظر إليها ملياً يحاول تفسير ما يراه امامه وما تفوهت به للتو ! هل لذلك السبب يبدو عليها اثر البكاء ؟!! كم تبدو شهيه بأنفها الاحمر ووجنتيها وعيونها الدامعه ، انها تثيره إلى اقصى درجه دون ان تعلم ذلك حتى ودون اى جهد يُذكر منها ، انتظرت حياة اى رد فعل منه ولكن دون جدوى لذلك سألته بتحدى وهى تعاود رفع رأسها فى كبرياء :

-دورك على فكره .. 


اعاده صوتها الرقيق من تأمله فسألها بعدم فهم :

-دورى فى ايه بالظبط ؟.. 

اجابته بكبرياء :

-انك تعتذر منى على اللى قالتهولى من شويه .. 


نظر إليها بصدمه كأنها تطلب منه المستحيل ، لوت فمها بأحباط قبل ان تتحول نظرتها إلى خيبه الامل ، حسناً ما الذى كانت تنتظره منه ، ان يتخلى عن غروره ويعترف لها بخطئه ، لو كانت تلك شخصيته ما كان اجبرها منذ الاساس على الزواج منه ، التفتت تعود إلى غرفتها تجر معها إحباطها عندما اوقفها صوته العميق يقول بصوت ملئ بالعاطفة :

-حياة .. انتى اغلى عندى بكتير من ان انى ازعل على اللى قلتيه من شويه  ..


تنهد بحراره قبل ان يكمل حديثه بصوت أجش :

- وصدقينى انتى فى عينى اكبر من انك تعتذرى حتى لو ليا .. و حتى لو غلطتى انا اعتذر عن غلطى وغلطك بدالك .. 


فاجأها اعتذاره وحديثه فالتفت تنظر إليه ودون وعى منها بأبتسامه واسعه مشرقه وعيون تلمع بالرضا ، بادلها ابتسامتها بابتسامه حقيقه لم تزر شفتيه منذ زمن بعيد ولم تعلم ان بأبتسامتها تلك قد اضاءت له ليلته المظلمه ..


تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا




تعليقات

التنقل السريع