رواية زواج في الظل الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم الكاتبة ياسمين عطيه كامله
رواية زواج في الظل الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم الكاتبة ياسمين عطيه كامله
البــارت الأول
جلست ليلى في زاوية الغرفة، ضامة ركبتيها إلى صدرها، وعقلها يدور بأقصى سرعة. عينها شردت في الحائط، لكن في الحقيقة، لم تكن ترى شيئًا. كانت ترى ماضيها، ترى أمها المنهكة بعد يوم شاق في المصنع، يديها المتشققة وهي تمسح عرقها بحافة طرحتها البالية، وترى أختها التي تزوجت منذ عام وما زالت غارقة في الديون. "إيه يا ليلى، هتفضلي طول عمرك كده؟ بتبيعي مناديل وبتستخبي في بطانية مهلهلة؟" حست بقلبها يدق بسرعة وهي تبلع ريقها بصعوبة، إدراكها بدأ يتغير. المهمة دي خطر، مش مجرد كلام مرعب من عدلي، سنة كاملة وسط أخطر عصابة في البلد ولو اتكشفت ممكن يصفوها، سنه هتختفي فيها عن اهلها وعن حياتها وهترجع وهي مطلقه، سنه هتبقى لوحدها مش هينفع تقول لاي حد اي حاجه بس لو قبلت... كل حاجة هتتغير. فلاااش باك القاعة كانت واسعة، بس فيها برودة غريبة، مش برودة التكييف، لا.. برودة المكان نفسه، كأن الجدران مابتعرفش الرحمة. الكرسي المعدني اللي قاعدة عليه ليلى كان مخلي ضهرها متشنج، وإيديها متشابكة في محاولة تهدئة نفسها، بس عقلها كان شغال بأقصى سرعته. الباب اتفتح بهدوء، عكس التوتر اللي في الجو. راجل في منتصف الأربعينات دخل، نظراته حادة، وهيبته مابتحتاجش تعريف. كان عدلي، المسؤول الكبير هنا. ليلى بخوف، وهي بتبص حوالين المكان: "إنتو جايبني هنا ليه يا باشا؟ أنا ما عملتش حاجة، أنا بنت غلبانة ببيع مناديل في الإشارة... لو ده ممنوع، والله ما تشوفوا وشي تاني!" عدلي وهو بيقعد قدامها:طبعا لازم تسألي نفسك إيه اللي جابك هنا. ليلى بصوت مهزوز ممزوج ببعض المرح: ماظنش إنكم بتلموا الناس الغلابة عشان تسألوا عن أحوالهم. عدلي بابتسامة خفيفة: دمك خفيف.. حلو، لإنه هينفعك. ليلى وهي بتبلع ريقها: يعني إيه؟ عدلي وهو بيحط ملف قدامه: ليلى صلاح..٢٢ سنة.. بنت مكافحة.. أمك ست عظيمة، وأختك متجوزة ومزنوقة في ديون. شغالة في كذا حاجة عشان تصرفوا، بس الغُلب مش سايبكم. ليلى بصوت ضعيف: عايز مني إيه؟ عدلي وهو بيقرب لها: عايزينك في مهمة.. خطيرة جدًا. ليلى وهي بتضحك بسخرية: آه طبعًا، أنا جاسوسة كبيرة وأخطر من جيمس بوند. عدلي وهو بيتجاهل تهكمها: فيه عملية كبيرة، والعنصر النسائي اللي يدخل فيها لازم يكون عنده مواصفاتك. ليلى: مواصفاتي؟ عدلي وهو بيقفل الملف: دمك الخفيف.. قدرتك على التعامل مع أي حد.. والأهم إن مافيش أي ملف إجرامي عليك، يعني مش هتشكي فيكي العصابة اللي عايزينك تتجسسي عليهم. ليلى وهي بتشد نفسها للخلف: لا لا لا.. أنتم أكيد بتهزروا! أنا مالي بالكلام ده؟ عدلي وهو بيرمي ورقة قدامها: نص مليون جنيه في حسابك.. بيت ملك.. تأمين لأهلك.. والمهمة مدتها سنة واحدة بس. الرقم كان صادم.. عقلها دار بسرعة، سنة واحدة؟ مبلغ زي ده؟ أختها تخلص من الديون، أمها تعيش في بيت بدل الايجار، بس في نفس الوقت، دي مخاطرة بحياتها. ليلى وهي بتهمس: لو رفضت؟ عدلي وهو بيتراجع في كرسيه: محدش بيرفض. لحظة صمت خيمت على المكان، ليلى خدت نفس عميق، حست إنها في مفترق طرق، بس صوت الباب وهو بيتفتح قطع تفكيرها. كان أركان. طويل، وسيم، جذاب عنده قوة حضوره، عيونه باردة، مابتظهرش أي مشاعر، كأنه مش مهتم بأي حاجة... جسمها انتفض، عيونها اتفتحت على آخرها من هبته، أول مرة تشوف حد بالجاذبية دي. عملت صوت تصفيرة ببقها غصب عنها وقالت باندهاش: "ايه الجمال ده كله يا بت يا ليلي دا انا ما كنتش بشوف رجاله قبل كده أركان بصوت هز المكان: "اسكتي! مش عايز أسمع صوتك!" ليلى بسرعة: "انت تؤمر يا باشا!" أركان وهو بيبص لعدلي بحدة: "إنت قلت لها المفروض تعمل إيه؟" عدلي بضحكة: هي مدياني فرصة يا أركان، دي ما بطلتش رغـي!" أركان بجدية وهو بيبصلها: "بصي، عندك فرصة ذهبية، بس لو ضيعتيها، تبقي أغبى من ما باين عليكي" عدلي بجدية: "المهمة دي مدتها سنة، هتختفي عن أهلك تمامًا، هتعيشي دور مزيف كزوجة لواحد من رجالتي..." ليلى بسرعة وهي بتغمز لأركان: "لو إنت، أنا موافقة!" أركان بحدة: "لمي نفسك يا بت عدلي بنفاد صبر: احنا مش بنهزردي عصابة مخدرات وسلاح، أخطر ناس في البلد، وإنتي وأركان هتدخلوا في وسطهم دي فرصتك تغيري حياتك وحياة أهلك للأبد!" ليلى تحت تأثير الصدمة عقلها كان بيحاول يستوعب الكلام اللي سمعته... الموت؟ خطر؟ دي مش لعبة... دي مش شغلانة سهلة، بس... البيت؟ أمها؟ دين أختها؟ ليلى بتوتر: "واحدة واحدة يا باشا... اللي بتقوله ده... ده أكبر مني بكتير!" عدلي بقوة: "بالعكس! انتي بنت ذكية وعندك مهارة التعامل مع الناس، ودي فرصة مش هتتكرر!" ليلى وهي بتحاول تستوعب: "طب ولو رفضت؟" عدلي ببرود: "هترجعي لحياتك، تبيعي مناديل، تشوفي أمك بتتعب كل يوم، وأختك تسدد في دينها سنين طويلة... انتي اللي بتحددي مصيرك!" ليلى تقرر بشروطها عينها اتفتحت وهي بتفكر... سنة واحدة، في مقابل حياة جديدة تمامًا؟ بلعت ريقها، حسّت بدقات قلبها بتعلى... وفجأة، أخدت نفس عميق وقالت بحزم: "موافقة... بس ليّ شرط!" عدلي: "شرط؟" ليلى بثقة وهي تبص لأركان: "أنا بنت غلبانة، ومهما كان، أمي ليها حق تفرح ببنتها بيوم زي ده... عاوزة فرح حقيقي، الناس كلها تتكلم عنه!" أركان باندهاش: "إنتي جاية تحققي أحلامك هنا؟!" ليلى بضحكة خفيفة: "أمي الست الغلبانة، تستاهل تفرح بيا يوم واحد قبل ما أختفي سنه والله اعلم هرجع لها عايشه ولا لا!" عدلي وهو بيبتسم بثقة: "تمام... عندك 12 ساعة تفكري، الصبح هتكوني قدام المقر وإديني قرارك الأخير اللي انا عارف هو ايه كل حاجه واضحه قدامك يا تقبلي المهمة، يا.. ليلى قاطعته بسرعة وخوف: يا إما إيه؟ هتقتلوني؟ أركان وهو بيرمقها بنظرة جانبية: لا.. بس هتكملي حياتك في زنزانة، مع اتهام ممكن تخليكي ما تشوفيش الشمس تاني ليلى حست بقلبها بيدق بسرعة، الموقف كان أكبر منها، بس الحلول كانت محدودة جدًا. أخذت نفسًا عميقًا، وبصوت منخفض: هو انتم كده المفروض مديني حريه الاختيار ولا هاجي ولا هروح بكره يا باشا وزي ما انت قلت كل حاجه واضحه انا هعمل كل اللي انتم هتطلبوا مني وفي المقابل لازم تجبروا بخاطرامي بكره تيجي حضرتك وابنك وتطلبوني من مامتي اكنها جوازه طبيعيه طبعا انا هحاول افهمها ان احنا مستعجلين عشان انت مسافر بسبب ظروف شغلك واني هسافر معاك بشنطه هدومي بس لان المكان اللي انت بتشتغل فيه مديينك شقه فيها كل حاجه وجاهزه من مجاميعه عشان ما تقوليش ايه الجوازه البيعه والشروه دي امي وانا عارفاها هتحس ان الموضوع مش طبيعي والجوازه دي وراها حاجه ثانيه يا رب يدخل عليها الموضوع وصح تبقى قل لامي ان انت شفتني في اشاره المرور من فتره واعجبت بيا بس انت كنت مستني ظروف شغلك تستقر عدلي بتأكيد وحسم: برافو عليك، دماغك شغالة صح تمام استنينا بكره الساعه 5:00 وعايزك تقولي لمامتك ان الفرح هيبقى بعده بكره بالكتير ليلى بحزن وبتريقه :مش كتير قوي يومين عدلي ما فيش وقت احنا كده متاخرين انا لو اعرف ادخلكم بكره في المهمه انا هعمل كده (في مكتب عدلي بعد مغادرة ليلى) أركان وهو بيقف قدام عدلي وإيديه في جيوبه: مافيش غيري؟ عدلي وهو بيزفر ببطء: مافيش غيرك ينفع للمهمة دي، وأنت أكتر واحد كفء ليها. أركان بصوت بارد: وأنت عارف إنك بتعطل حياتي الشخصية؟ عدلي وهو بيحاول يخفف التوتر: عارف إنك بتحب يارا بنت عمك، وعارف إن الخطوة دي هتبقى صعبة عليك، بس هحاول أتكلم معاها وأفهمها إن الجواز ده مجرد شغل.. على الورق بس. أركان : مافيش حاجة اسمها على الورق.. في الآخر كل حاجة بتسيب أثر. عدلي وهو بيحاول يبرر: شوفها من ناحية تانية.. سنة وهتخلص، وهترجع لحياتك، وهتبقى الأفضل. أركان وهو بيمسح وشه بإيده: أتمنى الكلام ده يكون صح.
في فيلا فخمة لعائلة أركان، قاعة استقبال أنيقة. الجو مشحون بتوتر واضح، وفريدة واقفة بثبات، لكن عينيها مليانة غضب وقلق. فريدة بصوت حاد وهي تبص لعدلي بحدة: "إنت بتستهبل يا عدلي؟ إنت عايز ابني الوحيد يتجوز واحدة من الشارع عشان مهمة؟!" عدلي بنبرة هادية لكن حازمة: "أنتِ عارفة إن دي مش جوازة حقيقية، ده تمويه عشان نقدر نوصل للعصابة دي!" فريدة بصوت متحشرج من الغضب: "تمويه! بتهزر؟! أربيه وأكبره وأحافظ عليه، وفي الآخر أكتشف إنك واخده في لعبة قذرة زي دي؟!" أركان بحزم: "ماما، اسمعيني... دي مش لعبة، دي شغلي، وأنا مش هتهرب منه!" فريدة بصدمة وهي تبص له: "يعني إنت موافق على الجنون ده؟!" أركان بتنهد وهو بيحاول يسيطر على غضبه: "ماما، الموضوع أكبر من مجرد زواج شكلي، دي قضية أمن قومي، وحياتي كلها شغل زي ده، مش جديد عليكي!" فريدة بانفعال وهي تتوجه ناحية عدلي: "أنتَ استغليت إخلاصه ليك، وعارف إنه مش هيرفضلك طلب! لكن إنت عارف كمان إن ليه خطيبة... حبيبة عمره! كده بتخرب بيته بيدك!" عدلي وهو بيحاول يوضح بهدوء: "أنا مقدر ده، بس يارا لازم تفهم إن أركان مش راجل عادي... هو ظابط في جهاز حساس، حياته مش زي حياة أي شخص تاني." فريدة بصوت مرتعش، لأول مرة تظهر ضعفها: "أنا ربيت ابني على الشرف والمسؤولية، بس مش على حساب حياته! دي مخاطرة مش مضمونة، ولو حصل له حاجة...؟!" عدلي بنبرة جادة: "أنا بوعدك إنه هيرجع لك سالم، لكن البلد محتاجاه في المهمة دي!" فريدة وهي تحاول تسيطر على مشاعرها: "وإيه المقابل؟ تبعده عن خطيبته؟ تحطه في وسط ناس مجرمين؟ وتطلب منه يمثل الحب والزواج؟!" أركان بجدية: "ماما، أنا مش بحب غير يارا، وده مش هيتغير، دي مجرد ورقة وقضية هخلصها وارجع." فريدة بعد لحظة صمت وهي تبص في عينه: "وإنت ضامن؟ ضامن إنك مش هتتعلق بالحياة اللي هتعيشها؟ بالبنت اللي هتبقى معاك في كل لحظة؟ ولا هي مجرد ورقة على الورق، ولما تيجي لحظة الحقيقة هتلاقي نفسك مش قادر تمشي؟" أركان بتوتر وهو يحاول يهرب من نظرتها: "أنا عارف نفسي!" فريدة بمرارة: "أنا مش موافقة... ولو يارا عرفت، مش هتسامحك!" عدلي وهو يحاول يخفف من حدة التوتر: "خدي وقتك، بس في الآخر، القرار مش بتاع حد غير أركان!" فريدة بصوت ضعيف لكنه مليان حزن: "ربنا يكون في عونك يا ابني، بس لما ترجع... هتكون نفس الشخص؟ ولا هتكون حد تاني؟!" المشهد ينتهي بصمت ثقيل، وأركان واقف بين نظرات أمه القلقة، وصوت عدلي العقلاني، وقلبه اللي بدأ يحس بثقل المهمة أكتر من أي وقت فات... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ في كافيه هادئ، إضاءة خافتة، وزحمة خفيفة حوالين الترابيزات. أركان قاعد في ركن بعيد، عينه على الباب وهو مستني يارا توصل. قلبه مش مرتاح، لأول مرة يحس إنه هيدخل في حرب مش متأكد إنه هيخرج منها بنفسه. يارا بتدخل بخطوات سريعة، ملامحها جميلة لكن فيها لمحة توتر: "أركان، مالك؟ صوتك في التليفون ما كانش مطمّن خالص!" أركان وهو بياخد نفس عميق، وعينه ثابتة عليها: "يارا، أنا عايزك تسمعيني للآخر، مهما كان اللي هقوله صعب." يارا بتتراجع بخوف، نبرة صوته مش طبيعية: "إيه في إيه؟ متخوفنيش، قول بسرعة!" أركان وهو بيشاور للنادل يجيب لها حاجة تشربها، كأنه بيحاول يطول الوقت: "الموضوع حساس... وعايزك تبقي هادية." يارا بقلق: "أركان، اتكلم! إنت بترعبني!" أركان بعد لحظة صمت: "في مهمه جديدة... ولازم أبقى متجوز عشان أدخل فيها." يارا بتضحك بصدمة، كأنها سمعت حاجة مستحيلة: "إيه؟ متجوز؟ قصدك إيه يا أركان؟!" أركان بصوت هادي لكن حاسم: "يا يارا، دي مهمة سرية... لازم أظهر كراجل متجوز... وهيكون جواز على الورق بس." يارا بصوت عالي وهي بتسحب إيدها بعيد عنه: "جواز على الورق؟! إنت بتهزر؟ دي حياتي! أنا خطيبتك! إزاي تفكر في حاجة زي كده؟!" أركان بحزن، وهو ماسك أعصابه: "يارا، دي مش بإيدي، ده شغلي، وأنا عمري ما اخترت حياتي زي أي حد تاني." يارا وهي بتحاول تستوعب: "وهي مين البنت دي؟!" أركان وهو بيبلع ريقه: "بنت... من الشارع، عشان المهمة." يارا بعينين مليانة دموع وصدمة: "يعني مش بس هتتجوز، دي كمان بنت من الشارع؟!" أركان بيحاول يهديها: "يارا، أنا بحبك إنتي، ودي مجرد خطة، بعد سنة كل حاجة هترجع زي ما هي." يارا وهي تهز رأسها بعدم تصديق: "زي ما هي؟ يعني إنت متخيل إني هستنى سنة، وأنت متجوز على الورق من بنت غيري؟ وهي هتعيش معاك؟!" أركان بصوت متحشرج لأول مرة يحس إنه مش قادر يلاقي رد مقنع: "يارا، أنا مضطر، ومش عايز أخسرك." يارا بضحكة فيها مرارة: "مش عايز تخسرني؟ خلاص يا أركان، أنا هساعدك... هريحك من القرار ده وأقولك أنا مش موجودة في حياتك بعد النهارده!" أركان وهو بيقف بسرعة ويمسك إيدها يحاول يهديها: "يارا، استني، أنا بحبك، وكل ده مؤقت!" يارا بعينين مغرقة بالدموع وهي بتسحب إيدها بعنف: "مؤقت بالنسبة لك، بس بالنسبة لي... ده انهيار لكل حاجة بنيتها معاك! مع السلامة يا أركان!" يارا بتطلع بسرعة من الكافيه، ودموعها بتجري على خدها، وأركان واقف مكانه، عارف إنه خسر جزء كبير من حياته، بس في نفس الوقت... ما كانش عنده اختيار!
في فيلا عائلة يارا، غرفة المعيشة. الساعة تجاوزت منتصف الليل، والبيت في هدوء غريب. باب الفيلا اتفتح بعنف، ويارا دخلت وهي مكحولة الدموع، عيونها حمرا ووشها شاحب، بتاخد أنفاس متقطعة من كتر البكاء. غادة (شهقت بخوف وهي بتجري عليها): يارا! مالك يا بنتي؟ إيه اللي حصل؟! يارا (بصوت مخنوق، وهي بترمي نفسها في حضن أمها وبتنهار في بكاء هستيري): ماما.. مش قادرة.. مش قادرة أصدق! غادة (بتحاول تهديها، لكن قلبها مقبوض من شكلها): في إيه؟ حد ضايقك؟ أركان عملك حاجة؟ يارا (رفعت راسها بحدة وهي بتصرخ): أركان خلاص.. مش ليا يا ماما! غادة (اتسعت عيونها بعدم استيعاب): إيه؟! بتتكلمي عن إيه؟ قبل ما يارا ترد، صوت رجولي هادي لكنه قاطع جه من عند السلم. عماد (بهدوء وحزم وهو بيتقدم ناحيتهم): يارا، اهدي شوية.. وخلينا نتكلم بعقل. غادة (بغضب وهي بتبص له بشك): إنت عارف حاجة؟! يارا (نظرت له بعيون مليانة ألم واتهام): بابا.. انت كنت عارف، مش كده؟! عارف إنه هيسيبني عشان المهمة دي، وعارف إنه هيجوز بنت تانية؟ غادة (شهقت بدهشة وهي بتبص لجوزها باستنكار): جواز؟! أركان هيتجوز؟! يارا (بمرارة وهي تمسح دموعها بعنف): آه يا ماما.. وهيفضل سنة كاملة بعيد عني، مع واحدة تانية! غادة (بصوت مليان غضب ورفض): إنت مستحيل تكون وافقت على حاجة زي دي، مش كده؟! عماد (تنهد بثقل، وحاول يفضل هادي وهو يقعد على الكنبة قدامهم): اسمعيني الأول، وبعدين احكموا. غادة (بصوت عالي وانفعال واضح): تحكم في إيه؟دي بنتك وده ابن اخوك ، والمفروض يبقى جوازه عن حب، مش عشان شغل! يارا (بصوت متهدج، وهي بتحاول تستوعب الموضوع): ليه ما اخترتونيش أنا؟ أنا كنت هدخل المهمة معاه، كنت هعمل أي حاجة، بس ماكنتش هسيبه! عماد (هز راسه بأسف): المهمة دي مش مجرد تمثيلية، دي خطر حقيقي. الناس اللي هيروح لهم مجرمين، وأي غلطة هتبقى حياتكم تمنها. انتي بنتي، ومستحيل أوافق تدخلي في حاجة زي دي. غادة (بعصبية وهي تهز راسها): وولاد الناس تدخل؟! البنت دي أهلها راضيين؟! عماد (بهدوء لكنه صارم): ليلى ما عندهاش حد يمنعها، وما عندهاش حاجة تخسرها.. وده اللي بيخليها المرشح المثالي. المهمة دي محتاجة حد يكون مش ملفت للنظر، حد محدش يشك فيه، حد يقدر يندمج وسط العصابة من غير ما يثير أي ريبة.. وده ما كانش هيحصل لو يارا دخلت، لأن العصابة دي هتكتشف بسهولة إنك مختلفة بنت غنية متربية على الراحة والأمان. يارا (بهمس مليان وجع): بس أنا بحبه، وأنا وهو مخططين لحياتنا مع بعض! عماد (تنهد وحط إيده على كتفها بحنان): وده اللي أركان أكيد حاسس بيه أكتر منك. بس للأسف، فيه حاجات أكبر مننا، أكبر من مشاعرنا.. المهمة دي لازم تتم، ودي الطريقة الوحيدة اللي نقدر نوصل بيها للعصابة دي. غادة (بغضب وهي تبعد يده عنها): أنا مش موافقة، مش هقبل إنو يتجوز واحدة تانية غير بنتي حتى لو كان تمثيل! يارا (همست بصوت مكسور وهي تبص في الأرض): ولا أنا.. بس شكلي ماليش رأي في الموضوع، صح؟ عماد (بهدوء لكنه جاد): عندكِ 12 شهر تفكري.. وبعدها، لو لسه عايزة تبقي في حياته، محدش هيمنعك. بس دلوقتي، لازم تسيبيه يعمل شغله. يارا قعدت على الكنبة، حاسة إن روحها بتتسحب منها. أما غادة، فبصت لجوزها بنظرة مليانة رفض، وخرجت من الأوضة وهي بتتمتم بغضب. أما عماد، ففضل قاعد، عارف إن الأيام اللي جاية هتكون أصعب، مش بس على أركان.. لكن على يارا كمان.
(حياة أركان) أركان كان غير عادي في كل حاجة. وسيم بشكل مش طبيعي، جذاب لدرجة إن أي مكان يدخل فيه يبقى مركز الانتباه. وجهه زي تمثال منحوت بعناية، عيونه مش عادية، فيها سحر غريب بيخلي أي حد يتوه فيها، شعره الأسود المرتب على طول كان بيزيده وسامة، وحركاته في كل مكان كانت أنيقة، بسيطة، لكنها مليانة ثقة. جسمه رياضي، مفتول العضلات، وكأن الحياة ما بخلتش عليه بحاجة. لكن أكتر حاجة تميزته كانت شخصيته القوية، هو مش مجرد جمال شكلي، لا، هو شخص عنده حضور بيخلي الناس تنظرله بإعجاب، وأحيانا حتى بخوف. أما عن عيلته، فهي من أقدم وأغنى العائلات في مصر، جده كان وزير، بس هو مش من النوع اللي يعتمد على اسم عيلته، هو بدأ من الصفر، وعرف يثبت نفسه في جهاز الأمن الوطني بجدارة وخد مكانة كبيرة. أركان مفيش حاجة تخليه يتنازل عن قيمه. النجاح بالنسبة له مش رفاهية، ده فرض. كان معتمد على نفسه. درس بره، اشتغل على نفسه كويس، ماكنش عايش حياة مدللة، كان دايمًا عنده حاجة يثبتها، وده اللي خلاه متميز. بس ليلى؟ دي حاجة مختلفة تمامًا عن عالمه. (حياة ليلى) • ليلى كانت بنت بسيطة، دمها خفيف، ورغم كل اللي عانته في حياتها، كانت دايمًا بتضحك. ضحكتها كانت تخفي وجع السنين، لأنها اتربت في بيئة صعبة. أمها كانت شقيانة وأختها متجوزة على الضيق، وهي كانت المسؤولة عنهم. ما كانش عندها رفاهية الرفض، والفلوس اللي ممكن تغير حياتها من الظلام للنور كانت مغرية، لكن الثمن؟ كان أغلى بكتير مما تخيلت.جمالها مش واضح من أول نظرة. شعرها الطويل كان زي خيوط العسل، لكن مع الحجاب، ما كانش يبان منها غير عيونها اللي كانوا بيشعوا مع كل ضحكة، حتى لو كانت خفيفة، مش قادرة تغطي همومها. ملامحها عادية، مش حاجة تميزها لو شفتها في الشارع، لكن لو شفتها في بيتها، هتحس إن فيها حاجة مختلفة، سحر مش قادر تفسره. (أصدقاء أركان) وسط كل ده، فيه ناس دايمًا حواليه، منهم عمر، صديقه المقرب، اللي كان عارف عنه كل حاجة لانه صاحب طفولته شبابه ورافيقه في شغله الاثنين شغالين في امن الدوله عمر وهو بيضحك وبيغمز: يعني هتتجوز على الورق بس؟ متأكد؟ مش خايف تبقى القصة كلها مجرد إجراء رسمي؟ أركان : عمر، ده مش وقت الهزار. عمر وهو بينزل إيده باستسلام: خلاص، خلاص، طب هتعمل إيه مع يارا؟ أركان وهو بيتمالك نفسه: الموضوع مش زي ما أنت فاكر. حتى لو الجواز "على ورق"، يارا مش هتتقبل ده بسهولة. عمر وهو بيعبس: يعني إيه؟ كنت متوقع إنها هتقتنع؟ انا عارف إن يارا مش زي كل البنات. أركان وهو بيأخذ نفس عميق: مش عايز أقول إنها صعبة، بس يارا مش واحدة بتقبل أي حاجة بسهولة. الموضوع بالنسبة لها مش سهل زي ما هو بالنسبة لي. عمر وهو بيرتفع حاجبه: طيب، لو مش قادر تقنعها بالكلام، هتعمل إيه؟ هتكمل في الجواز ده كده؟ أركان وهو بيهز رأسه: انت عارف يا عمر ما فيش وقت وانا مش قادر أقنعها دلوقتي ويارا محتاجه شويه وقت اسيبها تهدى انا متاكد ان هي تتفهم الوضع بس دلوقتي لازم نركز في الحاجة الأكبر، الموضوع ده أكبر من مجرد "توقيع ورق".
كل واحد داخل على المعركة بتاعته، ليلى مع خطر أكبر من اللي متوقعة، وأركان مع صراع بين شغله وحبيبته، واللي جاي؟ أخطر بكتير مما حد يتخيل. انتهى البارت الأول.. والبداية لسه مابدأتش!
اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد
اديني رايك بصراحه وبلاش تم اللى بتكتبوها دي 😂♥️😘
البارت الثاني زواج في الظل
في بيت بسيط مكوّن من أوضتين وصالة وحمام ومطبخ، رجعت ليلى وهي جواها صراع رهيب. أفكار متضاربة شغلت دماغها، مش عارفة القرار اللي خدته ده صح ولا غلط.
ليلى لنفسها (بتنهيدة): أكيد صح... أنا عملت كده عشان ماما، وعشان أميرة. حتى لو مش صح، أنا معنديش حاجة أخسرها. دي فرصة مش هتتكرر تاني في عمري. لو اتجوزت زي أي بنت، حياتي هتبقى زي حياة أميرة... متجوزة مين؟ أكيد واحد زيي، بيبيع مناديل في الإشارة! وبعد السنة؟ هفضل زي ما أنا، لكن لو نفّذت المهمة دي، حياتي كلها هتتغير، هضمن مستقبلي ومستقبل أهلي.
صوت جوّاها همس بسخرية: "غبية! بتضيعي منك فرصة إنك تبقي عروسة، وزي كل البنات، تبقي زوجة وتنامي مطمنة في حضن راجل بيحبك. بتضيعي فرصة إنك تكوني أم في يوم من الأيام."
ليلى (بعناد لنفسها): اللي اتجوزوا خدوا إيه؟ ما أنا هتجوز وهلبس فستان وهيتعمل لي فرح!
الصوت الداخلي ضحك بسخرية: "بتكدبي على نفسك! ده كله شكلي قدام أمك، لكن في الحقيقة مفيش حاجة من ده هتحصل. وبعدين إيه ضمانك إنهم هيعملوا لك فرح أصلًا؟"
ليلى (بسرحان وخوف): ممكن يكونوا بيكدبوا عليا؟ لا... أكيد لا.
قاطع تفكيرها صوت باب أوضتها بيتفتح. دخلت فوزية أمها، وهي بتبص لها بقلق.
فوزية (بتضحك بخفة): مالك يا بنتي؟ اتجننتي ولا إيه؟ بتكلمي نفسك؟
ليلى (بارتباط وكسوف): لا أبدًا، يا ماما... كان في موضوع في دماغي بس قلت أسيبه لبُكرة. افتكرتِك نمتي.
فوزية (بتنهيدة وهي بتفرك عينيها): لا، ما نمتش، كنت بخلص شغل على إيدي.
ليلى (بضيق): مش قلت لك يا ماما بلاش شغل بالليل؟ عينيك بقت تعباكي.
فوزية (بحزن): هنعمل إيه يا بنتي؟ أكل العيش مر. المهم، إيه الموضوع اللي كنتِ عايزة تكلميني فيه؟
ليلى (بتحاول تخفي توترها وبتبتسم): بصراحة... في واحد بشوفه كتير، كل فترة والتانية. دايمًا بيبص لي، والنهاردة كلمني وقال لي إنه عايز يتقدّم.
فوزية (بتربّط على رجلها بقلق): مين ده؟ استني نسأل عليه الأول. هو أي حد تشوفيه في الإشارة تقولي هتجوزّه؟
ليلى (بتحاول تقنعها بحماس): لا يا ماما، أنا سألت عليه، وهو ابن ناس ومحترم، شغال عند ناس أكابر جدًا، ومبسوطين بيه لدرجة إنهم هيدوله شقة جاهزة للجواز.
فوزية (باندهاش): الدنيا دي مخبّية كتير! بس انتِ متأكدة من الكلام ده؟ وهو ساكن فين؟ يمكن كل ده كدب وياخدك يبهدلك؟ أنا ما عنديش غيرك إنتِ وأختك، وعايزة أشوفكم مبسوطين. كفاية اللي شافته أميرة في جوازها، مش هشيل همّك إنتِ كمان.
ليلى (بتحاول تهديها وهي بتبتسم): لا يا ماما، ما تقلقيش. إن شاء الله خير.
ليلى (بصوت هادئ وهي تفرق يديها ببعض) بخوف:في حاجة كمان يا ماما هو الصراحة مستعجل على الجوازة، وعايزنا ندخل الخميس الجاي."
أم ليلى (بصدمه وقلق):"الخميس الجاي؟ اللي هو بعد يومين؟ ده، لا، أنا قلبي مش مرتاح. استني يا بنتي، لما نروح نسأل عليه في المكان اللي هو شغال فيه، وأطمن الأول. إحنا هنشتري سمك في ميه؟ وبعدين، ما فيش ضمان إن الشغلانة دي حقيقية."
ليلى (بخوف وهي بتتكلم مع نفسها):
"أمال لو عرفت إنه هياخدني ويسافر على طول ومش هتعرفي تشوفيني ، هتقولي إيه؟"
أم ليلى (بصوت حاد):إنتِ فين؟ أنا بكلمك يا بنتي!"
ليلى (بابتسامة مطمئنة):
"أنا هنا يا حبيبتي، ما رحتش في حته، ما تقلقيش. لو شفتيه، والله نفسك في هترتاحي ليه جدا،ده جميل قوي، بقولك قمر."
فوزيه (بقلق):"طب إوزنيها بعقلك. إنتِ بتقولي عليه قمر، وده يعتبر ظروفه أحسن من ظروفنا. ما تزعليش مني يا بنتي، ما انتيش قليلة ولا بقلل منك، بس هو هيبص لك ليه؟ ليه، إشمعنا أنتِ؟ ما هو ده اللي قالقني ومخلي الفار يلعب في عبّي
ليلى (بتضحك عشان تخفف التوتر): ما تقلقيش يا ماما، كل حاجة هتبقى كويسة. يمكن ده عويض من ربنا على اللي إحنا شفناه.
فوزية (بتتنهد): مش مهم أنا ارتاح، المهم إنتِ تبقي مرتاحة. هم هيجوا إمتى؟
ليلى: بكرة الساعة خمسة.
فوزية: تمام، أكون خلصت شغلي، وأختك كمان هتكون خارجة معايا. تحبّي أقول لجوز أختك ييجي في القعدة؟
ليلى (بسرعة): لا، بلاش نُعطّله عن شغله. هو هييجي يتكلم معاكي، وهتتفقوا على كل حاجة.
فوزية: تمام يا حبيبتي، تصبحي على خير.
ليلى: وإنتِ من أهل الخير، يا ماما.
فوزية: مش هتتعشي؟
ليلى: لا، كلت حتة قُرصه وشبعت. روحي نامي وما تتعبيش نفسك.
ليلى (لنفسها وهي بتحاول تطمّن روحها): أكيد أنا أخدت القرار الصح.
—
فيلا واسعة، الفخامة فيها بتنطق في كل ركن. عكس الجو البسيط اللي كانت فيه ليلى، هنا المكان كله بينطق بالثراء، بس رغم كده، مفيش راحة! في أوضة أنيقة، قعد أركان على كرسي مكتبه، واضع رأسه بين يديه وهو بيحاول يستوعب اللي بيحصل. الإضاءة الخافتة في الأوضة زادت من جو التوتر، وكان واضح إنه مش في مزاج
عدلي (بهدوء بس نبرته حاسمة): أنا عارف إنك مش راضي عن المهمة دي، بس مفيش اختيار تاني، يا أركان.
أركان (بيتنفس بعمق وهو بيحاول يسيطر على غضبه): مفيش اختيار؟ إزاي يعني؟ أنت بتطلب مني أدفن نفسي حي، أعيش حياة مش حياتي، وأبقى واحد تاني!
عدلي (بعينين ثابتة): بالظبط، لأن ده المطلوب منك دلوقتي. مش عايز أحلف لك إن نجاح المهمة دي هيكون نقطة تحول كبيرة ليك.
أركان (بيضحك بسخرية): نقطة تحول؟ أنت بتكلّمني كأني لسه في أول الطريق، وأنا خلاص أثبتت نفسي.
عدلي (بنبرة جدية أكتر): أثبتت نفسك، ماختلفناش... بس دي مش مهمة عادية، دي عملية تحت الطاولة، ولو نجحنا فيها، هتبقى اسمك في مكان تاني خالص.
أركان (وهو بيحرك رقبته بتوتر): أنا فاهم أهمية المهمة، بس الزواج؟ ليه لازم يبقى بالشكل ده؟
عدلي (بيتنهد، بيحاول يشرح لحد عنيد): عشان لازم تكون جزء من المكان، جزء من حياتهم، متغلغل جوّاهم. العصابة دي مش هتثق في حد جاي من برّه، لازم تبقى واحد منهم، تبقى شبههم، تعيش وسطهم.
أركان (بيتكلم بحدة): وإنت شايف إن جواز مزيف لمدة سنة هو الحل؟
عدلي (بحزم): الحل الوحيد، مش مجرد حل.
أركان (بيسند ضهره للكرسي وبيغمض عينه بإرهاق): وأنت واثق إنها مش هتعمل مشكلة؟
عدلي (بحزم وهو بيبص لأركان): دي أنسب واحدة للمهمة دي، وأنا مش بقول كده من فراغ. أنا مراقبها من فترة طويلة، عارف تحركاتها، طريقتها في الكلام، تعاملها مع الناس... البنت دي من الطبقة دي فعلًا، بتتكلم لغتهم، وبتفكر زيهم، وده بالظبط اللي إحنا محتاجينه عشان المهمة تنجح.
أركان (بشك وهو بيضيق عينه): وإنت متأكد ؟ يعني مش هتكون عبء؟
عدلي (بثقة وهو بيميل لقدام): بالعكس، هتكون عنصر قوة، وهتسهل عليك تندمج وسطهم من غير ما تثير أي شكوك. أنت فاكر العملية دي مجرد تمثيل؟ لا، دي لازم تكون واقعية 100%، وأي غلطة ممكن تكشفنا.
أركان (بيتنهد وهو بيعدّل جلسته): تمام... بس أنا مش مسؤول لو حصل أي حاجة غير متوقعة.
عدلي (بابتسامة جانبية وهو بيحاول يطمنه): متقلقش، أنا واثق فيك، وواثق إنها
المهم... الخميس الجاي هيبقى كل شيء جاهز. فكر في ده كويس، لأن بعد ما تبدأ، مفيش رجوع.
أركان (وهو بيتمتم بصوت واطي): مفيش رجوع من الأول أصلاً.
عدلي (بنبرة جادة): الفرح هيتم يا أركان، ولازم يكون فيه صور، مش مجرد قسيمة جواز.
أركان (بيرفع عينه ببرود وهو مستند على كرسيه): وإيه لازمة المسرحية دي؟ الجواز على الورق كفاية.
عدلي (وهو بيرمي الملف قدامه على المكتب): لا، مش كفاية. إنتوا داخلين وسط ناس مش سهلة، ومفروض إنكم متجوزين بقالكم سنة بس، يعني لسه عرسان جداد، طبيعي أي حد يقابلكم يسأل عن صور الفرح، عن تفاصيل اليوم ده، عن أي حاجة تثبت إن جوازكم مش مجرد ورقة في السجلات.
أركان (بهدوء، لكنه بيركّز في كلامه): أنا فاهم احتياجات المهمة، بس أنا عندي حدودي، ومش ناوي أتجاوزها.
عدلي (بنبرة هادية لكن حازمة): حدودك دي لو هتضر العملية، يبقى لازم تعيد حساباتك.
أركان (بيتأمل الملف للحظات، قبل ما يتكلم ببرود واضح): ويارا؟
عدلي (عارف هو بيسأل ليه، فبيجاوبه مباشرة): يارا محتاجة وقت، لكن في النهاية، هي مش هتسيبك.
أركان (بهدوء، لكن في نبرة وراها حاجات كتير): أنا مش عايز أعمل حاجة زي دي.
عدلي (وهو بيتنهد): مش مطلوب منك تعمل حاجة مش محترمة، ولا حاجة خارج شغلك... بس الفرح ده جزء من التغطية بتاعتك، وأي تفصيلة ناقصة ممكن تكشفك، وإنت أكتر واحد عارف ده.
أركان (بيرمي القلم اللي كان بيلعب بيه على المكتب، وبيقوم واقف وهو بيحط إيديه في جيوبه، نبرته تقيلة وباردة كعادته): تمام... بس متتوقعش إني هتصنع مشاعر مش موجودة.
عدلي (بابتسامة خفيفة وهو بيحس إنه أقنعه): محدش طالب منك حاجة أكتر من إنك تلعب الدور صح.
أركان (بهدوء وهو بيبعد عن المكتب): هتصرف.
في المساء في بيت ليلى
في صاله صغيرة بس منظمة، وفيها لمسات بسيطة تدل على تعب السنين. فوزية قاعدة على الكنبة، وشها متجهم وعيونها كلها قلق، بتبص ناحية الباب كل شوية. ليلى قاعدة جنبها، بتحاول تظهر هدوء، بس جواها زلزال مشاعر متلخبط.
فوزية (بصوت قلق وهي بتتكلم مع بنتها): مش مرتاحة للموضوع ده، يا ليلى. إحنا ناس على قدنا، والناس اللي في المستويات دي ما بيجوش يتجوزوا بنات زينا.
ليلى (بتحاول تطمنها): ماما، هو أركان راجل كويس، مش زيه زي الباقيين، وبعدين هو مش جاي لوحده، أبوه معاه، ودي حاجة تطمن.
فوزية (بتكتم التوتر وهي بتظبط طرحتها): نشوف، ربنا يستر بس.
• بعد دقائق، بييجي عدلي وأركان...
عدلي وأركان ماشيين في الحارة بهدوء، لبسهم بسيط، كأنهم ناس مستواهم عادي، أركان لابس قميص غامق وبنطلون عادي، عدلي لابس بدلة بس شكلها مش ملفت. الحارة هادية، والعيال الصغيرة بتلعب عند مدخل البيت.
فوزية بتفتح الباب بحذر، نظرتها كلها تفحص وترقب. عدلي بيتكلم بهدوء وبابتسامة بسيطة وهو بيحاول يكسب ثقتها.
عدلي (بهدوء محترم وهو بيحط إيده على صدره تحية): مساء الخير
فوزية (بصوت متحفظ): أهلًا، اتفضلوا.
أركان بيدخل وراه، نبرته هادية، مش ودودة بزيادة، لكنه واضح إنه شخص متزن. بيقعد قدام فوزية وهو بيبص لها مباشرة، مش بيتجنب نظرتها.
عدلي (بهدوء وهو بيبدأ الكلام): إحنا ناس لا بنلعب ولا بنلف وندور، جايين نتكلم في الحلال، وأركان شاف ليلى وعجبته، وعايز يتجوزها.
فوزية (بشك وريبة وهي بتبص لهم): وماله؟ شاب وسيم وأهله أكيد ناس مستريحين... ليه بنتي بالذات؟
أركان (ببرود لكنه واضح): عشان مختلفة، مش زي أي حد.
فوزية (بنبرة مش مقتنعة): مختلفة في إيه يعني؟
عدلي (بابتسامة بسيطة): عندها شخصية وبنت محترمه وعندها اخلاق، عارفة حدودها،ومكافحه ودي حاجة مش سهلة تلاقيها دلوقتي.
فوزية بتسكت لحظة وهي بتبص لبنتها، بتحاول تفهم المشهد أكتر. ليلى بتاخد نفس وتحاول تبان متماسكة، بس قلبها بيدق بسرعة.
فوزية (بصوت أخف حدة): والجواز إمتى؟
عدلي (بنبرة هادية لكنها حازمة): الخميس الجاي، لازم يتم بسرعة.
فوزية (بصدمة): الخميس؟! ليه الاستعجال؟
عدلي (بحسم وهو بيبصلها بثقة): مفيش حاجة تستدعي التأجيل، وأركان مسافر شغل بعد الجواز بفترة قصيرة، فمش عايز يسيب ليلى قبل ما يكون في بينهم صلة رسمية.
فوزية (بتبص لليلى بتردد): إنتِ موافقة، يا بنتي؟
ليلى (بهدوء، لكن في عينها خوف داخلي): أيوه، ماما.
فوزية بتاخد نفس طويل، مش مقتنعة تمامًا، لكن كلام عدلي وأركان منطقي، والأهم إنها مش عايزة تكسر بنتها لو هي راضية. بعد تفكير بتقول:
فوزية (بنبرة مترددة): خلاص... بس على بركة الله.
• بعد ما مشيوا وفي أوضة ليلى
أميرة قاعدة على السرير، وهي بتقشر تفاحة وبترفع حاجبها وهي بتبص لاختها بريبة.
أميرة (بتتريق): يعني إنتي عايزاني أصدق إن جالك عريس بالسرعة دي؟ وهو يا عيني كان مستني اللحظة اللي يشوفك فيها ويطلبك فوري؟
ليلى (بتحاول تمسك أعصابها): أميرة، هو نصيب، متحاوليش تعملي فيها محققة.
أميرة (وهي بتغمز بعنيها): نصيب إيه بس، يا بنتي؟ إنتي بتخبّي حاجة، وأنا مش هسيبك غير لما أعرف القصة الحقيقية.
ليلى (بتتنهد وهي بتحاول تهرب من الموضوع): مفيش حاجة، بلاش تفكير مالوش لازمة.
أميرة (بتغمز بضحكة خبيثة): هنشوف... بس أنا هراقب الوضع، ولو لقيت حاجة غلط، هبقى أول واحدة أعرف.
ليلى بتبتسم بس جواها توتر، لأنها عارفة إن أميرة مش سهل تضحك عليها، وإنها ممكن تحس بأي حاجة غريبة.
فريدة كانت قاعدة في الصالون، وعينيها مليانة حزن، مش قادرة تستوعب اللي بيحصل. لما شافت عدلي ومنصور داخلين باللبس اللي مش لائق بمكانتهم، ارتسمت على وجهها ملامح من القلق والتوتر.
فريدة (بتنهد وبصوت منخفض):
"إزاي ده يحصل؟ ده مش المفروض، مش ده مستوى ابني. ليه تلبسوا كده؟ ليه تحطوا نفسكم في الموقف ده؟"
كانت كلماتها مليانة ألم، مش سخرية. فريدة كانت بتحس بقلق على أركان، ودايمًا خايفة عليه. عشان هي ما كانتش شايفة الجواز ده مناسب له، حتى لو كانت عارفه إن ده جزء من المهمة اللي مش قادرين يهربوا منها.
فريدة (بتكمل بحزن):
"ابني مش مفروض يكون في موقف زي ده، ماينفعش يكون كده. أنا مش قادره أتخيل إزاي هيعيش معايا في حياته بعد ما يتجوز واحدة زي دي. ده مش مكانه، مش دي اللي تستحقه."
أركان حس بالألم في صوتها، بس حاول يهدئها.
أركان (بصوت هادئ، لكن حازم):
"أنا فاهم قلقك يا ماما، بس ده جزء من المهمة، ومفيش بديل."
دخل جد أركان، وزير ، ووقف في المنتصف.
الوزير (بصوت حاسم):
"فريدة، كفاية كده! خلي الموضوع ده يخلص بسلام. . دي مهمة قومية، والمهم إنها تتحقق. مافيش وقت نضيع فيه في سخافات زي دي."
فريدة حاولت ترد لكن عماد، والد يارا، تدخل هو كمان.
عماد (بهدوء، لكن بنبرة حازمة):
"أنتِ حقكِ تكوني متوترة، فريدة، بس ده مش وقت تتكلمي في الحاجات دي. يارا كانت وستظل جزء من العيلة. أنا موافق على الجواز ده، ولقيت إنه هيفيدنا في المهمة اللي بنخطط ليها من سنين. لو الموضوع ده مش عاجبك، فالمهمة أهم."
كان الجو متوتر، وكل واحد فيهم كان يحاول فرض رؤيته، لكن في النهاية، كانوا متفقين على الشيء الأهم: المهمة
وجينا للحظه الحسمه وبدايه قصتنا في
فرح شعبي في الشارع كان مليان بالأضواء، الموسيقى عالية، وضحكات الناس بتملأ المكان. كان فرحًا بسيطًا بس عامل ضجة، لأنه مش مفهوم. ناس بتهمس، وناس بتبص باستغراب، وناس بتتريق من ورا الضهر. كل واحد عنده حكاية عن العريس والعروسة، وكل العيون عليهم.
أركان... العريس اللي سرق الأنظار
واقف بطوله وهيبته، البدلة السودا الكلاسيك زادته جاذبية، واللون الأبيض اللي في قميصه كان بيبرز ملامحه الوسيمة. شعره مسرح بدقة، ولحيته المشذبة كانت بتديه طابع القوة والوقار. عيونه كانت ساكنة، باردة زي العادة، مفيهاش أي لمعة فرح، وكأنه واقف على خشبة مسرح بيمثل دور العريس اللي مش عايز يكون هنا. كان ممكن يتصور في مكان مختلف، مع شخص مختلف، في لحظة حقيقية، مش جزء من خطة مرسومة.
ليلى... العروس اللي انقلبت حياتها في لحظة
بفستانها الأبيض البسيط اللي كان مناسب لقوامها، كانت أجمل مما تخيلت وملامحها النعمة، والميكب الرقيق زادها نور. كانت جميلة... بس مش سعيدة. جواها خوف، قلق، إحساس إن الليلة دي مش البداية اللي كانت بتحلم بيها، بل بداية لشيء مجهول. عيونها بتدور في الفرح، بتشوف نظرات الناس، بتسمع الهمسات، بتحس بالسخرية في بعض العيون، والغيرة في عيون تانية.
فوزية... الأم اللي قلبها مش مطمن
كانت واقفة في ركن، نظراتها بتتنقل بين بنتها وبين العريس اللي مش فاهمة إزاي جه يتجوزها.من غيراهله وقفه قلقانة، مش قادرة تصدق إن بنتها في اللحظة دي، مش مستوعبة إنها هتسيبها وتروح لبيت راجل مش عارفة عنه حاجة. ليلى بنتها الصغيرة، البنت اللي عمرها ما كانت تتخيلها في فرح بالشكل ده، وسط ناس غريبة، من غير أهل العريس، من غير أي مشاعر بين الطرفين.
أميرة... الأخت اللي مش مقتنعة
وقفت جنب ليلى، كانت بتحاول تبين إنها مبسوطة، بس الدموع فضحتها. كانت حاسة إن أختها بتتسحب من حياتها لحاجة مش مفهومة، وده مش عادي. ليلى كانت دايمًا جنبها، وفجأة، هتروح لشخص مش عارفين عنه غير إنه غامض جدًا.
الناس... الهمسات اللي مش بتسكت
• "العريس ده جابته منين؟ ده أكيد مش من هنا."
• "العريس ده مش مصري، ده أكيد من برا وجاي ياخدها ويسافر."
• "أكيد الفلوس لعبت لعبها، البنت دي أكيد مسكت عليه حاجة!"
• "وقعت عليه فين؟ ده
• "يا اختي تلقاه جوازه بيعه وشاروه"
كل كلمة، كل همسة، كل نظرة كانت بتقطع في ليلى، وبتزيد البرود في ملامح أركان. هو عارف إن الليلة دي تمثيلية، لكن ليلى... ليلى جواها كان حاجة تانية.
الرقصة الرومانسية... تمثيلية ولكن!
الموسيقى الهادئة بدأت تعلو في الفرح ، وكعادة أي فرح، لحظة الرقصة الأولى للعروسين كانت لازم تحصل. الناس كلها منتظرة اللحظة دي، مستنين يشوفوا العريس والعروسة وهما بيرقصوا سوا.
ليلى وقفت قدام أركان، قلبها بيدق بسرعة، مش عارفة تتعامل مع اللحظة دي إزاي. هي حتى مش عارفة تحط إيديها فين. لكن أركان، كعادته، كان هادي، بارد، ثابت. مد إيده ليها، نظرة صامتة منها، وبعدها حطت إيدها بتردد في إيده الكبيرة.
أركان (بصوت واطي وهو بيشدها ناحيته): "امشي معايا، متتوترتيش."
حط إيده التانية على وسطها، خلى المسافة بينهم مش كبيرة أوي، بس مش قريبة كفاية عشان تبقى لحظة حقيقية. لكن ليلى، في اللحظة اللي حست فيها بلمسته على ضهرها، حسّت بشيء غريب. حاجة مش مفهومة، مش راحة، مش خوف، حاجة وسط بين الاتنين.
اتحركوا مع بعض على أنغام الموسيقى، مشهد قدام الناس يوحي إنهم في حالة رومانسية، لكن في الحقيقة، كل واحد فيهم كان في دوامة أفكاره.
ليلى (بصوت واطي وهي مش قادرة ترفع عينيها فيه): "إحنا بجد في اللحظة دي؟"
أركان (ببرود وهو بيبص بعيد): "دي لحظة ولازم نعديها."
لكن اللي ماخدوش بالهم منه، إن وسط الرقصة، ولحظة ما ليلى اتلخبطت في خطواتها، أركان مسكها بسرعة، شدها ناحيته، خلاها أقرب مما المفروض يكون.
ليلى (بأنفاس متسارعة، وهي حاسة بقربه المفاجئ): "أنا... آسفة..."
أركان (بهدوء، لكن نبرته كان فيها شيء مختلف): "أنتِ مش متعودة على الحاجات دي، عادي."
لكن عادي دي ماكنتش عادية. عينيه اللي كانت ثابتة ببرود طول الوقت، للحظة بقت مختلفة. كأنه شاف حاجة، كأنه حس بحاجة، لكن بسرعة رجّع الماسك اللي دايمًا بيخليه متحكم في كل حاجة.
الجمهور كان بيصفق، الناس كلها شايفة إن الرقصة دي فيها رومانسية، فيها حب. لكن الحقيقة... كانت فيها توتر، فيها صراع بين قلبين مش فاهمين هم فين بالضبط.
بعد الرقصة، المصور جه يطلب من العروسين ياخدوا صور للذكرى. أركان كان واقف بثبات، مبتسم ابتسامة محسوبة، وليلى جنب منه، مش عارفة تتعامل مع اللحظة دي إزاي.
المصور (بحماس): "يلا صورة بوسة على الجبين كده للعروسة، عشان الذكرى!"
ليلى اتجمدت مكانها، فتحت بُقها تحاول تعترض، لكن قبل ما تتكلم، أركان قرب منها، وفي ثانية، حط إيده على خدها، لمسها لمسة خفيفة، وانحنى ناحيتها.
بوسة خفيفة على جبينها... لكنها كانت كافية إنها تحسسها إنها مش قادرة تاخد نفس.
ليلى (في سرها وهي مغلقة عينيها): "إيه اللي بيحصل؟ ليه إحساسي مختلف؟"
الناس صقفت، الصور اتاخدت، لكن اللي ماكانوش يعرفوه إن كل صورة كانت بتاخد حاجة من قلب ليلى، وتسيب وراها علامة استفهام كبيرة.
أما أركان، فكان ساكت... لكن في عقله، كان فيه سؤال مش قادر يهرب منه. "ليه الموضوع ده مش مجرد تمثيل زي ما كنت متخيل؟"
الختام... بداية المهمة
الزفة بدأت، والمهمة بقت رسمية. هي وهو... تحت سقف واحد، في طريق واحد، بس ولا واحد فيهم عارف نهايته هتبقى إيه.
لحظة وداع ليلى لوالدتها فوزية بعد الفرح
الفرح خلص، والناس بدأت تمشي. ليلى كانت واقفة جنب أمها، ماسكة إيدها بقوة، مش قادرة تسيبها. فوزية عينيها كانت مغرقة دموع، بتحاول تخبي قلقها بس مش قادرة.
فوزية (بصوت مرتعش وهي تمسك وش بنتها بإيدها): "خدي بالك من نفسك يا بنتي... أنا قلبي مش مطمن."
ليلى (وهي بتحاول تبتسم عشان تطمّنها): "هكون كويسة يا أمي، هكلمك كل يوم، وأول ما يبقى في فرصة هاجي لك."
فوزية بصت ناحية أركان، اللي كان واقف بعيد شوية، ملامحه جامدة، مش باين عليه أي إحساس. رجعت تبص لبنتها تاني، وهمست بصوت خفيف:
فوزية: "لو حسيتي بأي حاجة مش مرتاحة ليها، ارجعي لي يا ليلى. متخليش أي حاجة تجبِرك على حاجة أنتِ مش عايزاها."
قبل ما ليلى ترد، عدلي قرب منهم، وكان واضح إنه مستعجل.
عدلي (بهدوء لكن بحسم): "يا حاجة فوزية، الطريق للصعيد طويل، ولو جيتي معانا دلوقتي، مش هتقدري ترجعي بسهولة. هنمشي على الشغل على طول، ومافيش حد هيقدر يرجّعك للقاهرة في نفس اليوم."
فوزية اتشدت أكتر، قلبها واجعها، كانت عايزة تروح معاهم، تطمّن إن بنتها وصلت، تشوف مكانها الجديد، بس كلام عدلي كان منطقي.
فوزية (بتنهيدة تقيلة): "خلاص... طالما هتكلميني كل يوم، يبقى هرتاح شوية."
ليلى (بسرعة وهي بتضغط على إيد أمها): "طبعًا، هبقى أكلمك أول ما نوصل."
فوزية سحبتها في حضنها، ضمّتها بقوة، وكأنها خايفة تسيبها. ليلى حسّت إن دي أصعب لحظة في الليلة كلها، أصعب حتى من لحظة كتب الكتاب.
أركان قرب منهم، وقال بصوت هادي لكنه واضح:
أركان: "لازم نمشي دلوقتي."
ليلى سابت إيد أمها ببطء، وخدت خطوة للخلف. فوزية بصّت لها بحزن، ثم بصّت لأركان نظرة طويلة، كأنها بتقرأه، بتحاول تفهم إيه اللي مستني بنتها معاه.
فوزية (بصوت مهزوز لكنها بتحاول تبتسم): "ربنا يسعدك يا بنتي... ويوفقك."
ليلى حسّت بغصّة، لكنها اكتفت بابتسامة حزينة، ثم لفت ناحيته ومشت معاه. كانت بتبعد عن حياتها اللي تعرفها، وعن أمان أمها... ورايحة على حياة ما تعرفش عنها حاجة.
وقبل ما ليلى تركب العربية جنب أركان، فوزية سابت بنتها وأخدت خطوتين ناحيته. أركان وقف مكانه، ملامحه زي ما هي، هدوءه المعتاد، لكنه رفع عينه وبص لها باهتمام لما شاف نظرتها.
فوزية (بصوت مليان مشاعر، وهي بتبص له بثبات): "أركان... أنا اديتك بنتي، كبدي وقلبي، اللي ربتها إيدي دي... مش عايزة منك حاجة غير إنك تحافظ عليها. هي مالهاش غيري، وأنت بقيت راجلها النهاردة."
أركان ما ردش على طول، فضل ساكت لحظة، كأنه مستني يسمع باقي الكلام. فوزية كملت بصوت أهدى، لكنه مليان إحساس:
فوزية: "أنا ما أعرفش عنك حاجة، وما أعرفش ليه ربنا كتب لها الجوازة دي، بس اللي أعرفه إن الست وصية في رقبة الراجل، وخصوصًا لو كانت غريبة عن أهله، ومالهاش حد يحامي عنها."
ليلى بصّت لأمها بعيون مليانة دموع، مش قادرة تنطق. أركان عدّل وقفته، وحسّ للحظة إنه واقف قدام اختبار مختلف عن كل اللي عدى عليه قبل كده.
فوزية (بصوت أخف، لكنها بتتكلم من قلبها): "أنا مش هقولك خليك طيب معاها، ولا هطلب منك تحبها... بس أوصيك عليها، زي ما القرآن قال: فأمسكوهن بمعروفٍ أو سرحوهن بإحسان، لو كان ليها نصيب معاك، خليك راجلها، ولو ما كانش ليها نصيب، رجّعها لي بكرامتها."
أركان سكت لحظة، وبعدها قال بصوت هادي لكنه حاسم:
أركان: "ليلى في أمان."
كانت جملة قصيرة، لكنها خرجت بثقة، بنبرة حقيقية. فوزية بصّت له نظرة طويلة، كأنها بتحاول تكتشف إن كان كلامه ده وعد حقيقي ولا مجرد كلام. بعد لحظة، تنهدت ومسحت دموعها، ثم بصّت لبنتها وهمست:
فوزية: "روحي يا بنتي... وربنا يكون معاكي."
ليلى ما قدرتش تمسك نفسها أكتر من كده، حضنت أمها بقوة، كأنها مش قادرة تسيبها. فوزية شدتها لحضنها، ثم أخدت خطوة وفتحت لها باب العربية بنفسها، كأنها بتقول لها: "روحي... وكوني قوية."
أركان وقف، راقب المشهد بصمت، لكنه حسّ لأول مرة بثقل المسؤولية اللي اتحطّت على كاهله. يمكن دي مهمة... لكن ليلى مش مجرد "مهمة".
لحظة الوصول إلى فيلا عائلة أركان
وصلت السيارة قدام الفيلا الضخمة، بابها الحديدي الأسود اتفتح بهدوء قدامهم، وكأنهم داخلين عالم تاني. ليلى حست إنها بقت في مكان مش بتاعها، مش شبهها، حتى الهوا اللي هنا مختلف.
فريده (بوجه متجمد وصوت هادي، لكنه بيلسع): "وأخيرًا... العروسة وصلت."
عينيها كانت بتجري على ليلى، من فوق لتحت، بتمسحها بنظرات كلها رفض، كلها غضب مكبوت، وكلها استنكار. ابنها... أركان، الضابط اللي شافته عمره ما يتنازل، واقف جنب بنت... كانت بالنسبة لها ولا حاجة.
ليلى (بصوت متوتر، وهي بتاخد نفس عميق): "مساء الخير."
فريده ما ردتش، بس بصت لعدلي، ثم أركان، وقالت بحدة: يارب تكونوا مبسوطين ثم سبتهم
الجزء الثاني من البارت الثاني
زواج في الظل
مشهد ليلى وأركان في غرفة النوم بعد الفرح
ليلى دخلت الأوضة بخطوات مترددة، الفستان الأبيض الطويل كان لسه عليها، تحس بثقله وكأنها لابسة حاجة مش بتاعتها، حاجة مش شبهها. كانت حاسة بتوتر غريب، مش لأنها لسه متجوزة، لكن لأنها متجوزة بالشكل ده، بالجواز ده، بالمهمة دي.
أركان دخل وراها، قفل الباب ووقف عنده لثواني، حط إيده في جيوبه واتكأ على الباب، كان هادي بس عنيه بتراقب كل حركة فيها.
أركان (بهدوء): "مش ناوية تغيري ولا إيه؟"
ليلى (بحرج خفيف وهي بتشد الفستان): "أصله... السوستة مش راضية تفتح."
رفعت إيدها لظهرها تحاول تفتحها بنفسها، لكن معرفتش، لفّت بنظرات قلق ناحية أركان.
ليلى (بصوت واطي جدًا، كأنها مش قادرة تقولها بصوت عالي): "ممكن... تساعدني؟"
أركان ساب الباب وقرب منها، كانت بتحاول متبصش له، لكنه كان شايف ارتباكها واضح جدًا، ضحك بخفة وهو بيقف وراها.
أركان (بنبرة مستفزة خفيفة): "أكيد متأكدة إنك عايزاني أساعدك؟
ليلى (بغضب مرتبك وهي مش قادرة تلف عليه): "هتفتحها ولا لأ؟!"
قرب أكتر، إيده لمست الفستان عند ضهرها، كان ملمس القماش ناعم جدًا، لكن أيديه كانت ثابتة وهو بيسحب السوستة ببطء.
أركان (بصوت هادي فيه نبرة ساخرة): "على فكرة... دي لحظة خاصة جدًا، بتبقى في الأفلام لحظة رومانسية..."
ليلى (بعصبية وهي لسه مش قادرة تتحرك): "ده مش فيلم، يلا خلص!"
أركان سحب السوستة ببطء، كان حاسس بارتجاف خفيف في أنفاسها، ولما السوستة فتحت، وقف لثواني، قرب أكتر وهمس عند أذنها.
أركان (بصوت هادي جدًا): "خلاص... بقى سهل عليكِ تخلعيه."
ليلى حسّت برجفة غريبة في قلبها، مش عارفة ده خوف ولا ارتباك ولا حاجة تانية مش قادرة تسميها، لكن بدون ما ترد، سحبت نفسها بسرعة ودخلت الحمام، قفلت الباب وراها وهي بتحاول تسيطر على ضربات قلبها.
أركان وقف مكانه، ابتسم بخفة وهو بيرجع يقعد على السرير، مال برأسه على المخدة وهو بيقول لنفسه بهمس ساخر.
أركان: "شكلها هتبقى أيام ممتعة جدًا..."
بعد دقايق
أركان وقف عند باب الحمام، خبط عليها بخفة وقال بصوته البارد المعتاد:
أركان: "يلا يا ليلى، غيري بسرعة... مستنينا تحت."
ليلى حاضر طالعه اهو بسرعه
راح ناحية الدولاب، سحب الجلابية والعمة اللي عدلي جابها، بص لهم بملل قبل ما يغير هدومه بسرعة.
بعد دقائق، خرجت ليلى من الحمام، كانت لابسة الجلابية الواسعة، باين على ملامحها الضيق من اللبس، رفعت عينيها وبصت لأركان، لقيته هو كمان لابس الجلابية، بس رغم إنه واضح عليه إنه مش مرتاح، إلا إنه كان واقف بثبات، ملامحه مفيهاش أي تأثر.
أركان (ببرود): "يلا، ننزل."
ليلى سحبت نفس عميق، مشيت وراه، وهي مش قادرة تصدق إن حياتها من اللحظة دي، هتبدأ تتحول لحاجة غريبة جدًا...
لقوا عدلي واقف قدام أوضة جانبية، فتح الباب بإشارة من إيده وقال:
عدلي (بصوت منخفض لكن مسموع بوضوح): "ادخلوا."
دخلوا الأوضة، كانت إضائتها خافتة، على المكتب الصغير قدامه كان فيه ظرف بني، أول ما قعدوا، سحب الظرف وطلّع منه بطاقتين شخصية، قسيمة جواز، وملف تاني.
عدلي: "من اللحظة دي، أركان الجارحي مات... ليلى ماتت... أنتم بقيتوا سعيد عبد الحميد ومراته هنية حسن. سعيد البواب الجديد، ابن الست امينه اللي كانت في بيت منصور من سنين، وهنية بنت عمّه اللي جت تخدم معاه بعد ما ماتت أمّه."
ليلى لمست البطاقة بحذر، بصّت في الصورة بتاعتها، حسّت للمرة المليون إن دي أكبر من مجرد مهمة، دي حياة تانية بالكامل. أركان خد بطاقته، لكنه ما قالش حاجة، عينه كانت ثابتة على عدلي، مستني يسمع باقي الكلام.
عدلي: "أنتوا ولاد ست اسمها امينه كانت شغالة عند منصور بس، ماتت من كام سنة، كان ليها ابن ومحدش كان يعرف غير اسمه عشان هو المفروض اتربى في مصر مع جدة ابوه فما حدش شافه قبل كده ودا مبرر للهجتكم المصريه اطمنوا واصلا سعيد مات من قريب فمحدش هيكشفكم ولا حد هيعرف اي حاجه ولو دوروا مش هيلاقوا حاجه ، وانتم هتدخلوا البيت عشان تشتغلوا فيه بدلها... واضح؟"
أركان أومأ برأسه، وليلى بلعت ريقها بصعوبة وهي بتاخد نفس عميق. عدلي كمّل، نبرته بقت أخطر:
عدلي: "محدش هناك يعرف أنت ابن مين، ولا اتربيت فين، ولا شفت إيه في حياتك... سعيد عبد الحميد، بواب غلبان، شاف الشقاء، وبيحمد ربنا على لقمة عيشه... تحت أي ظرف، ما ينفعش تطلع عن الدور ده، فاهم؟"
أركان (بهدوء قاتل): "فاهم."
عدلي لفّ نظره ناحية ليلى، اللي كانت متوترة، لكنها مستعدة تسمع.
عدلي: "وانتِ، من النهاردة، هنية، الشغالة اللي بتشتغل عند الناس دي، غلبانة، متعودة على الأوامر، وكل حاجة عندها (حاضر يا هانم، حاضر يا باشا)... أي كلمة زيادة أو نظرة غلط ممكن توديكِ في داهية، مفهوم؟"
ليلى (بصوت خافت لكنها حازمة): "مفهوم."
عدلي راقبهم لحظة، بعدها مال بجسمه لقدام، واتكلم بصوت أوطى لكنه أخطر:
عدلي: "أنتوا داخلين عش الدبابير... الهدف مش بس تعرفوا هما بيعملوا إيه، لكن الأهم إنكم تعرفوا فين المخدرات؟ فين السلاح؟ ومين الشركاء داخل البلد وبره؟ كل معلومة صغيرة ممكن تنهي المهمة بنجاح أو تنهي حياتكم للأبد... فاهمين؟"
ليلى قفلت إيديها على بعضهم، بينما أركان كان هادي، ملامحه زي ما هي، لكنه كان مستوعب الكلام. عدلي سكت لحظة، وبعدين رمى القسيمة المزورة قدامهم.
عدلي: "وأهم حاجة... أنتم متجوزين عن حب... محدش هناك يشك ولو للحظة إن الجوازة دي ورق، لازم تتعاملوا كأنكم عرسان جداد، بحب واحترام قدام الكل، وإلا هتشّكوا في نفسكم قبل ما حد يشك فيكم."
أركان مسك القسيمة، نظر ليها لحظة قبل ما يحطها في جيبه، ليلى اتنهدت بخفة وهي بتحاول تهضم اللي سمعته، لكنها عرفت إن الحياة اللي كانت عايشاها خلصت خلاص، والمهمة بدأت رسميًا.
عدلي سحب شنطتين سودا كبار من جنب المكتب، رماهم قدامهم على الأرض وقال بصوته الحازم:
عدلي: "افتحوا الشنط دي، من اللحظة دي، لبسكم لازم يكون مناسب لدوركم."
أركان فتح شنطته، لقَى جلابية رمادي غامقة وعِمّة بيضاء، جنبهم كان فيه شبشب جلدي قديم الطراز، كأنهم طالعين من فيلم قديم. عينه رفّت للحظة قبل ما يرفع حاجبه ويبص لعدلي، لكن ما قالش حاجة.
أركان (ببرود): "إيه الحلاوة دي؟"
عدلي رمقه بنظرة حادة، فردّ أركان بابتسامة جانبية لكنه بدأ يلمس القماش ويفهم إن ده واقع لازم يتعايش معاه.
أما ليلى، ففتحت شنطتها بتردد، عينيها اتسعت وهي بتلمس الأقمشة، كان فيها عبايات سوداء وجلاليب طويلة، طرح سادة، وسبحة خشب صغيرة محطوطة جنبهم، كأنهم بيأكدوا على الشكل التقليدي. لكنها، وهي بتقلب في الهدوم، فجأة شدّت حاجة خليت جسمها يتشنج.
ليلى (بعصبية وهي تسحب قميص نوم حرير فاتح اللون): "إيه ده؟!"
رفعت عينيها لعدلي بصدمة، خدودها احمرت من الغضب والإحراج في نفس الوقت. بصت ناحية أركان اللي كان بيتفرج على المشهد ببرود، لكنه رفع حاجبه بشوية استغراب.
ليلى (بحدة وهي تبعد القميص عنها): "أنا مش فاهمة... ليه الحاجات دي موجودة هنا؟"
عدلي تنهد، وبهدوء ردّ عليها:
عدلي: "قلت لكم قبل كده، محدش ينفع يشك فيكم لحظة واحدة. يعني إيه واحدة متجوزة ولسه عروسة وما عندهاش الحاجات دي؟ ده لو حد دخل الأوضة ولقى شنطتك فاضية غير من هدوم الشغل، هتكون مصيبة! لازم كل التفاصيل تبقى طبيعية، فاهمة؟"
ليلى شهقت باستنكار، لكنها ما قدرتش تلاقي رد، بصت ناحية أركان مستنية يشوف المصيبة اللي هي فيها، لكنه كان واقف ببروده المعتاد، عينيه ثابتة عليها لكنه ما نطقش ولا كلمة.
أركان (بهدوء وهو بيطالعها): "ما هو عنده حق."
ليلى لفّت عليه بغيظ، لكن عدلي قاطعهم بصوته الحازم:
عدلي: "أنا ما عنديش وقت للدراما دي، خدي الحاجة زي ما هي ومتعمليش أي تصرف غبي يخلّي حد يشك في الجوازة دي، فاهمة؟"
ليلى أخدت نفس غاضب، سابت القميص بسرعة وكأنها خايفة تلمسه تاني، وبعد لحظة ترددت، لكنها قفلت الشنطة وهي بتعضّ شفايفها بضيق.
أما أركان، فكان بيبص لها بنظرة جانبية، حسّ أنها مخنوقة من اللي بيحصل، لكنه ما قالش حاجة، لأنه عارف إن مهما قال، مش هيغير حاجة من الواقع اللي هما داخلين فيه.
عدلي (بصوت جاد): "ما ينفعش حد يشك ولو لحظة في دوركم... إنتي خدامة، يعني لبسك لازم يكون بسيط وملتزم، وأنت، أركان، بواب... يعني ما ينفعش تبان عليك أي علامة من علامات المستوى اللي كنت عايش فيه."
أركان لفّ الجلابية في إيده، حسّها غريبة عليه، لكن عقله كان مبرمج إنه يقدر يلبس أي قناع طالما المهمة تتطلب كده. ليلى، على الجانب الآخر،هي اصلا متعوده على لبس العبايات والطرح دي حياتها مفرقتش شكل العبايه إذا كانت فلاحي ولا مصري اهم حاجه لبس يستر
عدلي سحب ظرف صغير، فتحه، وطلع منه خاتمين دهب، رماهم لأركان وقال:
عدلي: "دول دبل الجواز، لبسوهم فورًا... الجوازة دي قدام الكل جوازة شرعية، محدش يشك لحظة إنكم مش متجوزين بجد."
أركان مسك الدبل، قلبهم بين صوابعه، ثم رفع عينه وبص لليلى اللي كانت متوترة جدًا. قرب منها، وبهدوء مدّ إيده بدبلتها وقال بصوت هادي لكنه قاطع:
أركان: "البسيها."
ليلى بصت في عينيه، كان هادي جدًا، بارد كالعادة، لكنها مدّت إيدها، لبست الدبلة بإحساس غريب، كأنها فعلاً دخلت حياة جديدة مش عارفة هتخرج منها إمتى.
أما أركان، فلبس دبلته بدون تردد، لكنه حسّ إن الحمل بقى أتقل على كاهله.
عدلي وقف، رفع حاجبه، وقال بآخر تحذير ليهم:
عدلي: "غلطة واحدة... غلطة واحدة بس، ممكن تخلص عليكم ... مستعدين؟"
أركان رد بنفس هدوءه القاتل: "جاهز."
وليلى رغم خوفها، رفعت راسها وقالت بصوت أقوى من قبل كده: "أنا كمان."
عدلي أومأ برأسه، ثم قال بحزم: "يلا، نتحرك."
عدلي بص لهم برضا، ثم أشار على الباب وقال بآخر تحذير:
عدلي: "يلا، خدوا نفسكم العميق الأخير قبل ما تبدأوا حياة جديدة... المهمة بدأت رسميًا."
بخطوات واثقة، خرج أركان من الأوضة، بينما ليلى بلعت ريقها قبل ما تلحقه، وهي عارفة إن اللحظة دي هتغيّر كل حاجة في حياتها للأبد.
عدلي: "فيه نقطة أخيرة... هتسافروا مواصلات زي أي حد من طبقتكم الجديدة، مفيش عربيات، مفيش رفاهية، هتركبوا القطر وبعدين ميكروباص لحد المكان المطلوب. ده جزء أساسي من المهمة، إنكم تبانوا طبيعيين تمامًا وسط الناس."
ليلى بسخريه :متعوده يا باشا
أركان بص لها ببرود قبل ما يعدل العِمّة اللي كان ماسكها بإيده، وقال بهدوء ساخر:
أركان: "تجربة جديدة، هعيشي معاناة الشعب لأول مرة."
عدلي تجاهل سخريتهم وكمل بصرامته المعتادة:
عدلي: "أول ما توصلوا، هتلاقوا مستنيكم هناك واحده اسمها بطه أنتم مجرد ناس غلابة جاية تدور على لقمة العيش، يعني تتكلموا على قدكم، وتفتكروا كويس أن أي كلمة غلط ممكن تكشفكم."
ليلى أخدت نفس عميق وهي بتحاول تستوعب الوضع، أما أركان فكان متماسك، عينه باردة وكأنه خلاص استعد للدور اللي هيلعبه.
وبعد مرور كام ساعه وصلوا البلد واقفين قدام فيلا كبيره مش زي ما كانوا متخيلين. مكان مراقب حواليه حراسه واقفين بسلاح بعد كل خطوه تمشيها دخلوا من بوابة حديدية، وكان في استقبالهم ست كبيرة في السن، لابسة طرحة قديمة وملابس منزلية. كان شكلها رحبت بيهم
بطه: "اتفضلوا... ده بيتكم دلوقتي... هشرح لكم كل حاجة."
دخلوا للفيلا، وبعد ما فتحت بطه الباب الكبير، دخلوا لقوا المكان عبلره عن اوضه صغيرة،وفيها سرير صغير ودلاب وحمام صغير، وفي الزاوية كانت المطبخ الصغير اللي مافيش فيه غير بيتهجاز وحلتين وطبقين ومعلقتين بس.
"بطة" قاعدة على كرسي خشب قديم في الاوضه بتفتكر الماضي على فكره امك كانت صاحبتي الروح بالروح الله يرحمها، كانت ست أمينة بمعنى الكلمة... مش بس اسمها، لا، دي كانت أمانة بجد، وكانت غالية عند الحاج منصور، قد إيه كان بيثق فيها! كانت مميزة عن أي حد، يمكن علشان كانت تعرف أسراره، يمكن علشان كانت بتخدمه بإخلاص، بس اللي متأكدة منه إنها لو كانت لسه عايشة، كانت هتبقى في مكانة كبيرة عنده." وكملت كلامها وهي تهز رأسها ببطء:
بطة: "علشان كده، أول ما الحاج منصور سمع إنك عايز تشتغل عنده، وافق من غير ما يفكر! بس اسمعني كويس... اللي بيدخل بيت الراجل ده لازم يكون قد المسؤولية، مش أي حد يقدر يستحمل!"
الحاج منصور مش أي حد... ده الراس الكبيرة هنا، الكلمة كلمته، والإشارة من إيده ممكن تقلب حياة بني آدم، عنده ولاد زي الاسود، "خليل" و"فؤاد"، دول مش بني آدمين، دول وحوش! وكل واحد فيهم عنده مراته اللي دماغهم زي السم، "نوال" مرات خليل، و"صباح" مرات فؤاد... دول يا ابني ما يعرفوش الرحمة، الستات دول ممكن يجيبوا أجلك لو لعبت معاهم غلط."
قربت منه وهمست بحدة:
بطة: "اسمعني يا سعيد، لو عايز تكمل هنا وتفضل عايش، خليك زي أمك... أمين، ومميز، وخليك دايماً تحت عين الحاج منصور، لأنه لو حبك، حياتك هتبقى نعيم، ولو غضب عليك... يبقى الله يرحمك من دلوقتي!"
كملت وهي بتتكلم بصوت هادي لكنه مليان تحذير، كأنها بتحكي عن شياطين مش عن بشر.
بطة: "بص بقى يا سعيد... عيلة الحاج منصور دي مش أي عيلة، دول ناس لهم حسابات خاصة، وكل واحد فيهم ليه طبع يفرق عن التاني، بس في الآخر كلهم شياطين في صورة بني آدمين!"
بطة: "خليل، الكبير، عنده ولدين وبنت... "طاهر"، "سليم"، و"صفية"... طاهر ده أكبر واحد، وده عقرب سام، وشهمته مابتظهرش غير لما يكون عايز حاجة، داهية بجد، وعارف إزاي يوقع اللي قدامه في شر أعماله من غير ما حد يحس! سليم... ده العكس تمامًا، شخصيته غامضة وساكت على طول، بس لما بيتكلم كلمته بتوجع، ولو اتحرك، يبقى وراه مصيبة!"
وقفت، وقربت من سعيد، بصت له كأنها بتحاول تتأكد إنه مستوعب اللي بتقوله.
بطة: "أما فؤاد، عنده ولدين وبنتين... "مروان"، "عادل"، "رغدة"، و"نسرين"... بس اسمعني كويس، أخطر واحد فيهم هو مروان! الولد ده عينه زايغة، بيلعب بالبنات لعب، وكل ما يشوف واحدة جديدة، لازم يحاول يوقعها في شباكه، ودي مصيبة لازم تاخد بالك منه زيادة عن اللزوم! مش بعيد يلف حوالين مراتك من أول يوم، فخلي بالك كويس، وما تسيبهاش قدامه لوحدها أبدًا!"
شدّت طرحتها بحركة عصبية، وأكملت بصوت أخفض شوية:
بطة: "أما عادل، فده نسخة من أبوه، دماغه ناشفة وما يحبش الهزار، طول الوقت متحفّظ وما حدش يقدر يعرف هو بيفكر في إيه، بس في اللحظة اللي يغضب فيها... يبقى موتك على إيده. البنات؟ رغدة ونسرين... الاتنين مدلّعين قوي، عايشين في برج عاجي، شايفين نفسهم أحسن من أي حد، ولو واحدة فيهم حطتك في دماغها... الله يكون في عونك!"
سكتت لحظة، وبعدها بصّت له بحدة، وقالت بتحذير أخير:
بطة: "الناس دي لو حبّوك، حياتك هتمشي زي الفل، ولو كرهوك، مش هتشوف الشمس تاني... فخد بالك يا سعيد، وخلي دايمًا ودنك معايا، لأني الوحيدة اللي هتعرف تقول لك إمتى تتكلم وإمتى تسكت، وإمتى تهرب لو لزم الأمر!"
يلا تصبحوا على خير بُكرة إن شاء الله نكمل الكلام مش و هعلمكم الشغل كله، وهعرفكم على الحاج منصور وهل البيت كله وخلوا بالكم من الحاج منصور... الراجل ده له احترامه، وكلامه مابيتردش، فخلي بالكم وإنتوا بتتكلموا معاه، وكل كلمة تطلع من بقّكم تكون بحساب!"
بصّت لسعيد نظرة تحذير، وبعدها التفتت ناحية هنية وكملت:
بطة: "والستات هنا لازم يكونوا مؤدبين، لا ترفعي عينك في حد، ولا تفتحي بقّك بكلمة مالهاش لازمة... شغلك في المطبخ وخدمة الستات، وكل واحدة فيهم طباعها تختلف عن التانية، بس كلهم زي العقارب، فخلي بالك!"
اتنهدت وقالت:
بطة: "المهم... نكمّل كلامنا بُكرة، ولو في أي حاجة عايزين تعرفوها، أو أي سؤال جاي في بالكم، ابقوا قولوا لي... أنا هنا أعرف كل صغيرة وكبيرة، ومفيش حاجة بتحصل في الفيلا دي إلا وعيني عليها!"
بصة لهم آخر بصّة، وبعدها مشيت، وسابِتهم لوحدهم، وسط تفكيرهم في اللي جاي!
بعد ما خرجت بطة، ساد الصمت في الأوضة، كأنها سابت وراها طاقة سلبية تقيلة، ليلى كانت واقفة في نص الأوضة، دراعها متكتف، وبتبص لأركان بنظرة مليانة ضيق وقلق.
ليلى: "أنا مش مرتاحة للست دي... عينها مش بتبطل تلف، وكلامها كله تحذيرات... حسيت إننا داخلين على سجن مش بيت!"
أركان كان واقف جنب الحيطة، بيعدل كُم الجلابية اللي كان لابسها، ووشه مافهوش أي تعبير. رفع عينه وبص لها ببرود.
أركان: "ومفروض كنتِ متوقعة إيه؟ إنهم هيستقبلونا بالورد مثلًا؟"
ليلى: "مش قصدي كده... بس الطريقة اللي كانت بتتكلم بيها... بتحسسني إن أي غلطة صغيرة هتكون نهايتنا!"
أركان مشى ناحيتها بخطوات بطيئة، قرب منها شوية، خلى المسافة بينهم أقل، بص في عيونها مباشرة وقال بصوت واطي لكنه حاسم:
أركان: "وأي غلطة صغيرة فعلًا هتكون نهايتنا... دي مش حفلة تنكرية، إحنا في مهمة لو فشلنا فيها، محدش فينا هيخرج منها سليم!"
ابتلعت ريقها، حست برعشة خفيفة، لكنها رفعت راسها بتحدي، مش هتظهر قدامه إنها خايفة.
ليلى: "ما تخافش... مش ناوية أغلط!"
أركان ابتسم ابتسامة جانبية خفيفة جدًا، وكأنه بيتحدى كلامها، وبعدين لف وراح ناحية الباب.
أركان: "هنشوف!"
ليلى كانت واقفة وسط الأوضة، بتبص للسرير الصغير اللي شكله حتى لو نامت لوحدها عليه مش هتبقى مرتاحة، رفعت عينها لأركان اللي كان واقف عند الباب، صامت ومش مهتم، كأنه مستنيها تلاقي حل لوحدها.
ليلى (بتحاول تداري ارتباكها): احنا هنعمل ايه وهنام ازاي؟! "ممكن... يعني لو عندك فكرة تانية، يبقى كويس... لأن مستحيل السرير ده يكفينا.
أركان رفع حاجبه، بص للسرير اللي واضح إنه بالكاد يستحمل حد واحد، لكنه رد بنبرة هادية وواضحة:
أركان: "ما عنديش مشكلة أنام على الأرض بس خلي بالك... بكره الصبح لو حد دخل علينا وشفنا هنعمل ايه، المفروض نبقى متجوزين وده حال وهيطول فلازم نتعود ننام جنب بعض
ليلي سكتت للحظة، عارفه إن عنده حق، وفي نفس الوقت مش مستعدة تفتح نقاش ملوش لازمة. راح ناحية السرير، سحب المخدة الصغيرة ورماها عليه وقال :
أركان: "نامي، وأنا هنام على الطرف.
ليلى (بتحاول تسيطر على توترها): "مهو الطرف أصلا مش مكفيك، لو وقعت بالليل أنا ماليش دعوة."
أركان تجاهل كلامها، تمدد على السرير، وغمض عينه، كأنه بينهي النقاش. ليلى سحبت الغطاء، واستلقت بحذر على الجهة التانية، حاسة إن المسافة بينهم تكاد تكون معدومة، لكن مفيش حل تاني.
مرت الدقايق، المكان هادي جدًا، مفيش غير صوت أنفاسهم. ليلى حاولت تفضل في مكانها، لكن مع التعب واليوم اللى كان طويل جدا عليهم ، جسمها استرخى تدريجيًا، وبحركة تلقائية وهي نايمة، قربت منه، رأسها استندت على صدره، وإيديها انسابت لا إراديًا فوق ضلوعه.
أركان حس بالحركة، فتح عينه بضيق، وعقد حواجبه.
رفع إيده وزحزح رأسها بهدوء، لكنه كان حازم، ما ينفعش تفضل قريبة منه بالشكل ده.
رجع حط راسه على المخدة، وغمض عينه تاني، محاولًا ينام.
بعد شوية...
حركة خفيفة تانية، جسمها قرب أكتر، وبدون أي مقدمات، رجعت حطت رأسها على صدره، أنفاسها الدافية بتلامس رقبته.
أركان فتح عينه بضيق للمرة التانية... لكن المرة دي، ما زحزحهاش.
فضل ثابت في مكانه، بص لتفاصيل وشها الهادي وهي نايمة، كأنها مش حاسة بالدنيا.
تنهد بهدوء، وساب نفسه يستسلم للحظة...
"خلاص، هي نايمة... ومش هتستوعب حاجة دلوقتي."
غمض عينه، ورغم إنه كان عارف إن الموقف غريب، إلا إنه ما تحركش... سابها، وكمل نومه.
ليلى كانت مغمضة عينيها، لكن حاسة بحاجة مش طبيعية... فيه دفء غير مألوف، أول ما فتحت عنيها، استوعبت إنها مش بس نايمة على السرير الضيق ده، لا... هي ن
الكاتبه ياسمين عطيه
البارت الثالث
أركان خرج من الحمام، ووقف قدام ليلى اللي كانت واقفة قصاده، وبتفرك ايديها الاتنين في بعض وكأنها بتحاول تلم كل أفكارها قبل ما تتكلم.
فجأة، راحت ناحيته بخطوات سريعة، وابتسمت ابتسامة صغيرة رغم التوتر اللي كان ظاهر في عيونها.
ليلى: "ممكن أسالك سؤال؟"
أركان كان بيبص لها بطرف عينه وهو مش مهتم، وقال بهدوء: "اتفضلي."
ليلى: " طالما إحنا هنا... جايين بقسيمة جواز مزورة... ليه اتجوزنا رسمي باسمينا الحقيقية."
أركان: " تفتكري إن إحنا ما فكرناش في حاجة زي كده؟ إحنا عملنا حسابها من الأول. بس لو كنا جينا وقالنا لك إنك مطلوبه في مهمة، تقعدي معايا سنة كاملة، وتنامي معايا على نفس السرير زي ما حصل امبارح، وإنت مش مراتي... كنت هتوافقي؟ عشان مجرد فلوس؟"
ليلى: "لا، طبعاً."
إجابتها كانت حاسمة وواضحة. ووجهها كان فيه ملامح استغراب واضح على رد فعله، لكنها ما كانتش هتسمح لنفسها تكون أكثر ضعفًا أمامه.
أركان: "عشان كده الفكره دي فشلت، رغم إن ده كان المفروض يحصل. بس كانت في حاجات كتير منعت إن إحنا نغصب عليكي حاجة زي كده، خصوصًا إنه حرام."
أركان وقف لحظة قبل ما يكمل، ونظرة متفهمة عينيه كانت كافية عشان تفهمه.
أركان: "ما هو مش إنتوا بس اللي تعرفوا ربنا."
ليلى حسّت بشوية راحة رغم الكلام الثقيل ده.
أخذت نفس عميق، وشكرتوا في نفسها وحمدت ربنا انوا مش بس مجرد شخص متربي، لأ ده كمان عنده أخلاق ودين. في عيونها، احترامها له زاد وعلا في نظرها اوي وحسيت انها في امان .
ليلى بتبص لأركان بتردد وهي بتقول بصوت هادي: "أركان... ممكن أكلم ماما؟"
أركان كان بيشوف حاجة في الموبايل القديم اللي معاه، رفع عينه ليها بسرعة وقال: "آه طبعًا، خدي كلميها." ومد إيده بالموبايل الصغير اللي شكلُه قديم، شكله كان غريب وسط التكنولوجيا اللي هما متعودين عليها، بس ده كان مقصود عشان ما يثيرش الشكوك.
ليلى أخدت الموبايل بحذر وابتدت تدوس على الأرقام بيد مرتعشة، قلبها كان بيدق بسرعة وهي مستنية الصوت اللي وحشها من اول يوم
في نفس الوقت، أركان كان بيرن على بيته، وقبل ما يردوا، عينه راحت على ليلى اللي وشها كان متوتر، بتحاول تمسك نفسها، أول ما صوت أمها طلع من الموبايل، صوتها كان مليان شوق ولهفة.
فوزية بصوت متلهف: "ليلى؟ حبيبتي، إنتي عاملة إيه؟ وحشتيني يا بنتي، طمنيني عليكي!"
ليلى بصوت متردد لكنه فرحان: "وحشتيني يا ماما... أنا كويسة والله، كله تمام."
فوزية بقلق: "طب احكيلي، إنتي مرتاحة؟ أركان عامل معاكي إيه؟ أهله كويسين معاكي؟"
ليلى سرحت لحظة وهي بتفتكر نظرات أم أركان لما شافتها أول مرة، نظرات كانت كلها أشبه بالرفض، لكن بسرعة هزت دماغها وابتسمت وهي بتكذب لأول مرة على أمها: "كويسين يا ماما، فرحانين بيا... دا حتى مامت أركان بتعتزر منك وبتقول لك ما عرفتش تيجي الفرح عشان كانت تعبانة قوي."
فوزية خدت نفس طويل وقالت: "طب والحاجة التانية..." صوتها بقى أهدى وكأنها مش عايزة تحرجها: "كل حاجة كويسة، صح؟"
ليلى حست بالخجل، حرارتها زادت وهي مش عارفة ترد، ضغطت على الموبايل في إيدها وقالت بصوت متقطع: "آه... الحمد لله، كله تمام."
فوزية حسّت بالتردد في صوت بنتها، فسألت بحذر: "بجد يا ليلى؟ أنا أمك، لو في أي حاجة قوليلي."
ليلى بسرعة ردت عشان تقطع الشكوك: "بجد يا ماما، كله تمام، متقلقيش."
فوزية رغم إنها ما اقتنعتش تمامًا، لكنها قررت ما تضغطش عليها أكتر وقالت بابتسامة دافية: "طيب حبيبتي، أنا بس كنت عايزة أطمن عليكي... أهم حاجة تكوني مرتاحة وسعيدة، إنتي بنتي وروحي، لو احتجتي أي حاجة، أنا موجودة."
ليلى دمعت عينيها بس بسرعة مسحتهم وقالت بصوت متماسك: "عارفة يا ماما... بحبك قوي."
فوزية بحنان: "وأنا كمان، ربنا يسعدك يا بنتي."
على الجانب الآخر، مكالمة أركان مع أهله
عدلي بصوت هادي وحازم: "إنت كويس؟"
أركان باختصار: "أنا تمام، كله تحت السيطرة."
فريدة بصوت قلق: "متأكد يا حبيبي؟ الأكل هناك عامل إيه؟ حد مضايقك؟"
أركان ابتسم نص ابتسامة وقال: "أنا بخير يا أمي، متقلقيش."
عدلي بصوت حاسم: "خليك مركز، متخليش حاجة تشغلك، المهمة أهم حاجة."
أركان بهدوء: "عارف."
فريدة حاولت تخفي قلقها وقالت: "خلي بالك من نفسك، ومن... مراتك."
أركان سكت لحظة قبل ما يرد: "حاضر، سلموا لي على الكل."
عدلي أنهى المكالمة بجملة قصيرة: "خليك حذر."
أركان قفل الموبايل، بص لليلى اللي كانت لسه متعلقة بمكالمة أمها، شاف الابتسامة اللي على وشها رغم عينيها اللي كان فيها لمعة غريبة.
وبعد دقائق سمعوا صوت خبطات على الباب وطبعا هم عارفين هي مين
بصتلهم بنظرة سريعة، وقعدت على الكنبة وهي بتقول بنبرة فيها جدية واضحة:
بطة: "اسمعوا بقى، الأكل متوفر في الفيلا، الفطار والغدا والعشا، اللي عايز ياكل ياكل، واللي مش عايز براحتُه. بس لو حبيتي تشتري حاجات وتطبخي في بيتك، ده موضوعك يا هنية، محدش هيتدخل فيه."
أركان بص لليلى اللي كانت بتسمع كلام بطة باهتمام. رغم إنها كانت مرعوبة من المهمة، لكنها كانت بتحاول تبين هدوء مصطنع.
بطة كملت: "سعيد، إنت هتشتغل مع البواب الكبير، اسمه عم على، راجل محترم وكان على المعاش، بس حب يرجع يشتغل شوية. هيعلمك شغلك، هتعرف مين بيدخل ومين بيخرج ، تسقي الزرع، وتاخد بالك من كل حركة في المكان. الراجل هيكون معاك، وهتبدلوا ورديات، ومهمتك إنك تبقى صاحي لكل تفصيلة بتحصل."
أركان (سعيد) هز راسه بإيماءة بسيطة، وهو بيحاول يظهر دور البواب الجديد باحتراف.
بطة التفتت ناحية ليلى وقالت: "وأنتِ، تعالي معايا، هتعرفي على الناس اللي جوه، هتكوني واحدة منهم، وانت كمان تعالى سعيد اعرفك على البيه كبير."
ـــــــــــــــ
الصالون الكبير في الفيلا كان مليان بهدوء ثقيل، الجو العام فيه لمسة من الرسمية، كل شيء فيه منظم بدقة، الأثاث الفخم، الأضواء الهادية، ورائحة البخور الفاخر اللي كانت مالية المكان. مجموعة من أفراد العيلة قاعدين، بعضهم بيتكلموا بهدوء، والبعض الآخر مشغول في هواتفهم. لما دخلت بطة ومعاها سعيد (أركان) وهنية (ليلى)، العيون اتلفتت ليهم.
نسرين كانت قاعدة على الكنبة بإهمال، رجل على رجل، وبمجرد ما دخل سعيد، نظرتها تغيرت. في البداية، كانت نظرة تقييم، بعدها اتحولت لحاجة أشبه بالانبهار المخفي. بصت له من فوق لتحت، تفاصيله الرجولية شدت انتباهها، لدرجة إنها لا إرادياً عضت طرف شفايفها وهي بتعدل جلستها، كأنها بتحاول تبان أكثر اهتمامًا من اللازم.
على العكس، مروان كان ليه رد فعل مختلف، أول ما شاف هنية، عنيه ضاقت وشفته ارتسمت عليها ابتسامة ماكرة، النوع اللي يخليك تعرف إن دماغه مش بريئة. بص ليها بطريقة واضحة جدًا، عيونه مليانة شهوانية وهو بيقول في نفسه: "حلو الصنف الجديد ده، أموت أنا في الملبن ده هيبقى ممتع جدًا." ابتسامة خفيفة ظهرت على وشه، وكأنه بيسرح في أفكاره الخاصة
هنية حسّت بالنظرات، حسّت بشيء من التوتر، لكنها رفعت راسها بثقة مصطنعة. أركان كان ملاحظ نظرات مروان، بس ما علّقش، كان بيتابع من بعيد، مستني يشوف هنية هتتصرف إزاي.
أما باقي العيلة، فمعظمهم مجرد رمقوهم بنظرات جانبية، زي اللي بيشوف ناس جديدة ويكمل في حاله، ما كانش عندهم اهتمام حقيقي، باستثناء واحد بس...
الحاج صلاح، كبير العيلة، كان راجل في الستينات، ملامحه قوية، نظراته حادة متفحصه، وطريقته في الكلام دايمًا مباشرة ومحددة. قعد يتأمل سعيد للحظة، وبعدها اتكلم بصوت تقيل مليان سيطرة:
الحاج صلاح: "أنت ابن أمينة، مش كده؟"
أركان (سعيد) وقف بثبات ورد باحترام: "أيوه يا حاج، الله يرحمها."
الحاج صلاح شدد على كلماته وهو بيبص له: "أمينة كانت ست شريفة ومحترمة،وظن هتبقى زيها وربت عيالها بالحلال... عشان كده أنا وافقت عليك، بس متفتكرش إن ده معناه إنك واخد الوضع هنا بالواسطة."
سكت لحظة، وبعدها كمل: "هتشتغل وتثبت إنك تستحق المكان، مشيت عدل وكسبت ثقتي، هتفضل هنا، وإلا، الباب مفتوح."
أركان (سعيد) أومأ برأسه وقال بثقة هادية: "مش هتندم يا حاج."
الحاج صلاح بص لهنية للحظة، لكنه ما قالش حاجة، مجرد نظرة عابرة، كأنه شايفها أقل أهمية من إنه يوجّه لها كلام، وبعدها التفت لبطة وقال: "عرفيهم شغلهم، وأنا مش عايز مشاكل."
بطة أومأت سريعًا، وقالت لهم بصوت واطي وهما بيخرجوا: اديكوا شفتوا وسمعتوا كل حاجه بودانكم مش عايزه ولا غلطه
خرجت هنية (ليلى) مع بطة من الصالون، وهي لسه حاسة بنظرات مروان اللي كانت بتلاحقها، لكنها طنشته ومشت ورا بطة وهي بتحاول تحافظ على ملامحها متماسكة.
مشوا في طرقة طويلة، الأرضية الرخام بتلمع تحت رجليهم، لحد ما وصلوا لباب جانبي، فتحته بطة ودخلت، وهتفت بصوتها القوي: "يا جماعة... تعالوا هنا شوية."
بعد لحظات، بدأوا الخدم يظهروا واحد ورا التاني، كل واحد فيهم كان شكله مميز، ملامحهم مختلفة، لكن كان واضح إن كلهم عندهم خبرة بالشغل هنا.
بطة بصت لـ هنية وقالت وهي بتشير لهم واحد واحد: "دول زمايلك، اللي هتشتغلي معاهم هنا، ولازم تعرفي كل واحد فيهم كويس."
أول حد اتقدم كان ست كبيرة في السن، ملامحها طيبة وعينيها مليانة حنية، اسمها "أم سعاد"، دي كانت مسؤولة عن ترتيب غرف الفيلا، وبطريقتها اللطيفة قالت: "أهلا وسهلا يا بنتي، أي حاجة تعوزيها، قوليلي."
جنبها كان واقف راجل تخين شوية، بشرته سمراء، وابتسامته واسعة، اسمه "صابر"، وده كان الطباخ الرئيسي. بص لهنية وقال بابتسامة وهو بيعدل مريوله: "يا رب تكوني بتحبي الأكل الصعيدي، هنا مفيش أكل نص نص، كله على أعلى مستوى."
بعده كان شاب نحيف، شكله أصغر من الباقيين، اسمه "محروس"، شغال كعامل نظافة ومساعد أم سعاد. ابتسم بتوتر وهو بيقول: "أنا محروس... لو احتجتي أي حاجة، قوليلي."
في الآخر كان واقف راجل ضخم، ملامحه جامدة، اسمه "عبد الحق"، وده كان مسؤول عن الأمن الداخلي للفيلا. ما تكلمش، اكتفى بهزة بسيطة من راسه وهو بيبصلها بنظرة تقييم.
بطة حركت رأسها وقالت لهنية: "دول فريقك، اتعاملي كويس، وهتلاقيهم سند ليكي."
هنية بصتلهم وهي بتحاول تحفر أساميهم في دماغها، كانت عارفة إن النجاح في المهمة دي مش هييجي بسهولة، وإن كل تفصيلة ليها أهمية.
ليلى كانت قاعدة مع بطه في المطبخ، بتحاول تلم نفسها من التوتر اللي مش سايبها، خصوصًا بعد نظرات مروان اللي كانت كأنها بتسلخها من فوق لتحت.
بطه كانت واقفة بتجهز حاجة على الرخامة، لما فجأة ليلى قالت بصوت هادي وفيه لمحة من التردد: "هو أنا ينفع أشتغل مع أم سعاد بدل ما أساعد في الطبخ؟ أنا ماليش في الحاجات دي خالص." قالتها وهي بتضحك ضحكة خفيفة عشان ما تبانش متوترة.
بطه رفعت عينيها ليها، كانت ست فاهِمة، لمحت حاجة في صوتها بس ما علقتش، بالعكس، ابتسمت وقالت: "يعني إنتي شايفة الشغل مع أم سعاد أهون؟"
ليلى بسرعة قالت: "أه طبعًا، التنضيف أسهل بكتير، وأنا شاطرة فيه."
بطه حطت إيدها على وسطها وقالت بنبرة فيها تحذير: "بصي يا بنتي، الشغل هنا مش لعب عيال، وكل واحد ليه دوره، بس لو أم سعاد وافقت، يبقى خلاص، مفيش مشكلة."
ليلى فرحت بسرعة، لكنها أخفت فرحتها، كانت عارفة إن الشغل مع أم سعاد هيخليها أقرب للأحداث، وهيساعدها تراقب اللي بيحصل، وتسمع أسرار الفيلا، وده كان هدفها من الأساس.
ليلى قامت من مكانها، وحاولت تخفي القلق اللي كان في عيونها وراء ابتسامة عريضة، وحاولت تغير الموضوع بسرعة. قالت لبطه بحماس: "بس بجد، عايزة أبدأ مع أم سعاد عشان أكسب ثقتها وأعرف كل حاجة هنا."
بطه نظرت ليها شوية كأنها مش فاهمة هي جادة ولا بتتكلم بس عشان تخلص، لكن بعد ما شافت إصرارها في عينيها، قالت بابتسامة صغيرة: "تمام، لو ده اللي أنتي شايفاه صح، بس خلي بالك من الناس اللي حوالينا، خصوصًا مروان."
ليلى كتمت نفسها وهي تسمع اسم مروان، شعرت بنبض قلبها بيتسارع، ورفعت راسها لتواجه بطه وقالت بنبرة هادئة: "مروان؟ مش هتشوفني قدامه أكتر من الازم، أنا مش عايزة أكون في دائرة اهتمامه."
بطه نظرت ليها، ورفعت حاجبها وقالت ببساطة: "على حسب... بس خلي بالك، كل واحد هنا ليه طريقتو."
ليلى أخذت نفس عميق وحاولت تتماسك، ثم قالت بحزم: "أنا هعمل اللي عليا، بس مش هأسيب فرصة لمروان ولا لحد تاني إنه يقرب مني
بطه ردت بهدوء: "لو قدرتي تلتزمي بكلامك ده، هتبقي تمام، بس خلي بالك، الجو هنا مش سهل."
ليلى ابتسمت وقررت تخرج من المطبخ قبل ما تخلي أي لحظة تبين ضعفها. كانت هتبدأ شغلها مع أم سعاد، وده كان أفضل حل عشان تقدر تعرف أكتر عن الفيلا
في إحدى غرف الفيلا.
دخلت ليلى الغرفة وهي تشعر بارتباك بسيط، لكنها كانت مصممة على تنفيذ الخطة. أم سعاد، الست الكبيرة اللي كانت شغالة في ترتيب الغرف، كانت مشغولة بتنظيف الغرفة. كان واضح إنها تعبت من الحمل، وعينيها كانت بتعكس تعب السنين. كانت ليلى بتشوفها وبتحاول تستجمع شجاعتها.
ليلى (بتتردد شوية ثم قالت بابتسامة دافئة): "مساء الخير يا أم سعاد، في حاجة أنا ممكن أساعدك فيها؟"
أم سعاد (بتلفت لها بابتسامة شكر، وبتريح نفسها على الكرسي): "أهلا يا بنتي، الله يخليك. أنا ومحروس بنعمل كل حاجة هنا مع بعض، لكن والله الحمل ثقيل علينا، على الأقل لو في حد يقدر يساعدنا."
ليلى (بتبتسم وتوضع يدها على قلبها وكأنها بتتأثر): "أنا ممكن أساعدك في كل حاجة، ده الشرف ليا. لو تكرمتِ، أنا ممكن أشتغل معاكي وأقسم معاكِ الغرف انا طلبت من بطه وهي قالتلي لو ام سعاد وافقت خلاص أبداه."
أم سعاد (بتحس بالراحة من العرض وابتسمت): "يا ريت والله، ده هيكون ليا شرف كبير. هنعمل تقسيم للأوض. هأخد أوضة الحاج منصور ومروان، يعني هو في نفس الدور ده. ،وانتي هتخدي أوضة نسرين، ورغدة، وصفيه، وفؤاد وخليل."
ليلى (بتنزل رأسها شوية بحزن في قلبها لأنها كانت عايزة تاخد أوضة منصور، لكن مش هتقدر دلوقتي): "حاضر يا أم سعاد، أنا موافقة على أي تقسيم. بس لو في حاجة تانية أقدر أساعد فيها برضو، قولولي."
أم سعاد (بتبتسم وبتحط إيدها على قلبها): "يا حبيبي، أنتم زي ولادي. لو قدرتوا تساعدونا في أي حاجة، أنا مش هقدر أنسى معروفكم ده. أنا هقترح إن محروس يشتغل في الدور اللي تحت في المكاتب مع بعض، علشان نقدر نغطي الشغل كله. وهكذا نقدر نتقسم الشغل وما نتعبش زيادة."
ليلى (بتوافق بسرور وتبتسم لها): "تمام، تمام، يا ريت لو اتقسمنا كده، هنبقى مرتاحين أكتر كلنا. أنا جاهزة في أي وقت، يا أم سعاد، علشان نكمل الشغل مع بعض."
أم سعاد (بتبتسم وتشد على إيدها كأنها بتشكرها): "ربنا يكرمك يا بنتي، والله أنتِ طيبة، وان شاء الله هنبقى في الخير مع بعض."
ليلى (بتبتسم بخفة وهي عارفة إن ده أفضل حل عشان تقدر تراقب كل شيء في الفيلا): "إن شاء الله، كله تمام."
المشهد ينتهي هنا مع ابتسامة ليلى، بينما أم سعاد كانت بتريح نفسها شوية بعدما لقت مساعدة في شغلها.
ــــــــــــــــــــــــــــ
في غرفة نسرين الواسعة، كانت نسرين قاعدة على الكنبة المخملية، رجل على رجل، وبتلعب في خصلة من شعرها الذهبي، وعينيها فيها لمعة خبث. قدامها كانت رغدة أختها، مستلقية على الكنبة التانية بتقلب في موبايلها، جنبهم صفية بنت عمهم، اللي كانت ماسكة كوب عصير وبتشربه ببطء وهي بتسمع.
نسرين رفعت حاجبها وقالت بنبرة مستفزة: "مش مستغربين ازاي سعيد ده؟ يعني بالله عليكم... واحد بواب، شغال في الفيلا، المفروض واحد زيه يبقى غلبان، شكله عادي، شعره منكوش وهدومه رخيصة... مش واحد بالجمال ده!"
رغدة من غير ما تبص لها، ردت ببرود: "عادي يا نسرين، في ناس حلوين حتى لو فقرا."
نسرين ضربت كفها في الكنبة بضيق: "لا مش عادي! ده لو قالولي ده موديل عالمي مش هكذب! يعني عيونه، طريقته، مشيته... الولد ده مش طبيعي!"
صفية ضحكت ضحكة خفيفة وقالت: "على أساس إنك وقعتيله من أول نظرة؟"
نسرين رفعت عينيها بحدة: "وقعتله إيه بس؟ بس مستغربة! واحد زيه يتجوز واحدة زي دي؟ يعني بصوا لها... عادية، ملهاش أي حاجة مميزة، طرحه وعبايه مهلهله، لبسها أي كلام، حتى طريقتها في الكلام ملهاش ثقة! إزاي سعيد يبص لواحدة كده؟"
رغدة أخيرًا رفعت عينيها من الموبايل وقالت وهي بتبتسم بسخرية: "ومين قال إنه بص لها؟ مش يمكن هو متجوزها لغرض معين؟"
نسرين فكرت شوية، وبعدها ابتسمت بخبث وهي بتقول: "ممكن... وده اللي هيخلي الموضوع ممتع أكتر، لازم نعرف الحكاية، وأكيد هعرف هو مين بالضبط!"
صفية اتكأت لقدام وهي مبتسمة: "وإيه خطتك؟"
نسرين رفعت كوب العصير بتاعها ورشفت منه بهدوء، عيونها فيها لمعة تحدي: "استنوا وشوفوا!"
رغدة رفعت حاجبها وهي بتبص لنسرين بسخرية: "نسرين، انتي ناوية تعملي إيه بالضبط؟ هتجري وراه؟"
نسرين ضحكت وهي بتمط شفافيها: "أنا أجري ورا بواب؟! لا حبيبتي، بس لازم أفهم هو إيه حكايته...اي الجمال ده كله، وكمان الجواز ازاى اتجوز وحده زي دي! حاجات كتير مش راكبة على بعضها."
رغدة هزت راسها وقالت: "نسرين، يمكن انتي بتفكري زيادة في الموضوع؟"
نسرين رفعت كوباية العصير بتاعتها وهي بتبص فيها، وبعدين همست بابتسامة خفيفة: "وإيه يعني لو فكرت؟ لما حاجة تشدني، لازم أعرف كل حاجة عنها... وسعيد شدني، أو يمكن... مش سعيد اللي شدني، لكن فكرته."
صفية ضيقت عيونها وهي بتقول بدهاء: "قصدي إنك مش هتسبيه في حاله؟"
نسرين ابتسمت بثقة وقالت: "وهو مين قال إنه عايش في حاله أصلاً؟ يا بنات، الدنيا لعبة، وأنا بحب ألاعب!"
رغدة زفرت بسخرية وهي بترجع للموبايل بتاعها: "يا ساتر، سعيد الله يكون في عونه!"
نسرين لمعت عيونها وهي بتقرب من رغدة وصفية وهمست بحماس: "وإنتوا هتشوفوا، حاجات كتير لسه هتحصل
ـــــــــــــــــــــــ
في ركن هادئ عند بوابة الرئيسيه حيث جلس سعيد مع عبد الحق بعيدًا عن الأنظار. عبد الحق رجل قوي، يظهر عليه الحكمة والمراس من سنين طويلة في العمل داخل هذه الفيلا. سعيد، وهو بيحاول يدخل نفسه في اللعبه ما هو مش جاي عشان يبقى مجرد بواب قرر أن يفتح معه الموضوع.
سعيد:
"لو سمحت، ياعبد الحق... أنا مش عايز أكون مجرد بواب. عايز أكون أكتر من كده... عايز أأمن مستقبلي أنا ومراتي... عايز أكون جزء من شغل أكبر في الفيلا دي."
عبد الحق يلتفت إليه، عينيه مليئة بالخبرة والمكر. يعكس وجهه الثقة والرؤية العميقة عن كل ما يحدث حوله في الفيلا.
عبد الحق:
"أنت ولد ذكي يا سعيد... بس عايز أقولك حاجة... لو عايز توصل لأبعد من كده، لازم تعرف كويس الناس اللي حواليك هنا. خليل وفؤاد، ولاد منصور، دي ناس مش ساهلة. مش بس لأنهم أولاد صاحب المكان... لكن لأنهم بيحاولوا دايمًا يظهروا أنهم مش محتاجين لحد تاني. وده عشان يثبتوا إنهم هم اللي لازم يديروا كل حاجة هنا."
سعيد بحذر:
"يعني هم مش هيقبلوا حد يتدخل في شغلهم؟"
عبد الحق:
"هم مش هيسكتوا بسهولة... وخصوصًا لو شافوك بتتحرك بسرعة. بس في نفس الوقت، لو قدرت تكسب ثقة منصور، هتكون ذراع منصور اليمين. هتبقى في قلب اللعبة دي، وتقدر تضمن مستقبلك ومستقبل عيالك. هو دايمًا بيحب الناس الذكية اللي دماغها شغالة. لو لاحظ إنك عندك عقلية فريده ودماغ حلوه ونظيفه، هتكون عنده في الصدارة."
سعيد:
"وأنا أعمل إيه عشان أكسب ثقته؟"
عبد الحق:
"خلّي بالك... منصور مش بس بيعتمد على أولاده وأحفاده... هو بيعتبرهم ذراعه اليمين، بس دايمًا في حاجة بتسحب الزمام منهم. هو أسراره تكمل مع اللي يقدروا يحافظوا عليها... لو عرفوا إنك فاهم اللعبة دي، هتكون أكتر من مجرد خادم عنده. هتكون زي النجوم اللي بتلمع... وهتبدأ تبقى جزء من اللعبة الحقيقية."
سعيد:بنبرة حاسمة
"أنا هثبت له إني أستاهل ثقته. هكون ذراعه اليمين، ومش هسيب الفرصة تفوت."
عبد الحق يبتسم بخبث، عينيه تكشفان عن إعجابه بذكاء سعيد، لكنه كان حذرًا.
عبد الحق:
"خليك ذكي في خطواتك. مش أي حركة هتعدي هنا. وكن جاهز دايمًا، لأنه مش كل حاجة هتكون تحت إيدك... لكن لو لقيت نفسك في مكانة أعلى، هتكون مفيش حاجة توقفك."
سعيد:
بحذر
"عبد الحق... أنا عايز أعرف إزاي أقدر أكسب ثقة منصور. مش عايز أكون بس واحد في الخلفية، أنا عايز أكون جزء من اللعبة دي. إزاي أقدر أخليه يثق فيّ؟"
عبد الحق ينظر إليه بتمعن، ثم يتنهد ببطء، عينيه تبدو كأنها تقرأ في أعماق سعيد.
عبد الحق:
"أول حاجة يا سعيد... منصور مش زي أي شخص تاني. هو مش بيحب الحركات الزايدة أو التظاهر. هو بيحب الناس اللي عندهم عقل شغال ويفهموا اللعبة من جوه. مش عايزك تبين له إنك بتجري وراء منصب أو شغل، هو هيشوف ده كأنه طمع، وهيبعد عنك. لكن لو أثبتله إنك جاي عشان تحافظ على مكانك وتبني ثقة، ده اللي هينجح."
سعيد:
"يعني، عايزني أكون هادي وما أظهرش حاجات قدام منه؟"
عبد الحق:
"بالضبط. لكن ده مش معناه إنك تكون ضعيف. منصور بيحب الناس اللي بيدوروا وبيشتغلوا في الخفاء، بس عارفين إزاي يطلعوا في الوقت المناسب. خليهم يلاحظوك وإنت بتعمل شغلك بإتقان، وإنك ما بتحاولش تبين إنك عايز حاجة أكتر. ده اللي هيخليه يحترمك."
عبد الحق يتوقف للحظة، يلاحظ تعبير وجه سعيد ويكمل حديثه بنبرة أكثر جدية.
عبد الحق:
"وبعدين، منصور عنده شيء واحد بيقدره أكتر من أي شيء تاني... الولاء. لو كنت مخلص في شغلك، وعرفت تحافظ على سمعته، وتحمي أسراره، هتلاقيه بيراعي لك كل شيء. بس مش هيوثق فيك بسهولة، لازم تثبت له إنه يستاهل يديك الفرصة."
سعيد: بحماس
"أنا مستعد، عبد الحق. هثبت له إني مخلص وهأخذ كل فرصة أقدر عليها. إزاي أبدأ؟"
عبد الحق:
مبتسم ابتسامة نصفية
"أنت بالفعل بدأت... بس خليك دايمًا في الخلفية لحد ما تلاقي الفرصة المناسبة. خلي منصور يلاحظ إنك شخص بيفهم ويعرف يعمل كل حاجة بكفاءة. وفي الوقت المناسب، هتكون ذراعه اليمين. وده لو قدرت تحافظ على ده، هتلاقي نفسك مش مجرد موظف عنده، هتكون جزء من قوته."
سعيد يبتسم بتصميم، عينيه تتوقدان عزمًا. فهم أن الطريق طويل، لكنه مستعد للخطوات القادمة.
سعيد:
"أنا هشتغل على كده. مش هخلي الفرصة تفوتني."
عبد الحق يربت على كتفه، بينما ينظر إلى الأفق وكأن رؤيته المستقبلية تتسع لأبعاد أكبر.
عبد الحق:
"إذا قدرت تكسب ثقته، مش بس هتبني مستقبلك... هتقدر تسيطر على كل حاجة حواليك."
سعيد ينظر إلى عبد الحق بتصميم، ويبدأ في التفكير في الخطوات التالية التي يجب أن يتخذها ليكسب مكانه داخل هذا العالم المعقد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الصالون
نسرين كانت جالسة على الكنبة، وبجانبها رغدة و صفيه. كانوا بيضحكوا مع بعض، وعينيهم على هنيه اللي كانت بتعدي قدامهم. فجأة، نسرين نظرت ليها باستخفاف وسخرية وقالت بصوت متعالي : "أنا مش مستغربة، والله. الحاجه الوحيدة اللي مش قادر أفهمها هي ازاي واحد زي القمر يتجوز واحدة زيك؟ احكيلي كده."
تلتفت نسرين إلى رغدة وصفيه، وتضحك بطريقة غير مباشرة، وكأنها بتستفز هنيه. ثم تنظر لها مرة تانية، وتكمل بنبرة ساخرة.
نسرين:
"احكي لنا كده... إزاي اتجوزتي سعيد؟ إزاي الجواز حصل؟"
ليلى، رغم السخرية في كلمات نسرين، تبتسم وتظل مبتعدة عن الانفعال وتبقى هادئة وترد بابتسامة خفيفة، وعيونها مليئة بالمرح.
ليلى:
بابتسامة مرحة وهادئة حاولت تبان طبيعية وقالت مبتسمة: "والله سعيد ده كل البنات هتموت عليه. أنا ذات نفسي كنت بقول كده زي ما انت بتقولي اتجوزني انا على خيبت ايه بس عشان الأصول والتقاليد ما انت عارفه بقى الواد لبنت عمه "
نسرين: بدهشة ورافعه حاجبها
"إيه ده؟! هو سعيد ابن عمك؟!"
هنيه أومأت برأسها بحركة عفوية وهي مبتسمة
هنيه: بمرح وعفوية
"أيوه، ابن عمي ... لسه متجوزين من قريب، ما بقى لناش سنة... يعتبر عرسان جداد لو تحبوا اوريكم البوم الصور بتاعي
نسرين باستعلاء: في وقت تاني دلوقتي روحي كملي شغلك اللي كنت بتعمليه كانها قصدى تبين لهنيه انها مجرد خدامه
رغم كده ليلى بكل مهنيه واحترام اطلع حاضر ومشيت
ليلي لنفسها شكل الايام اللي جايه مش هتبقى سهله خالص مش عارفه هلاقيها من مروان ده واللي من دول هما كمان
ـــــــــــــ
البارت الرابع
بعد يوم طويل، فضلت ليلى شغالة في التنظيف، بتلمع الأرض وتمسح التراب، وتحاول تبان على طبيعتها قدام باقي الخدم، في حين إن أركان كان مشغول بفتح الباب وقفله كل شوية، عمال يراقب الناس اللي داخلة و خارجة، بيدرس كل حركة، ويفكر هيزرع نفسه وسطهم إزاي عشان يعرف كل كبيرة وصغيرة عن العصابة.
في أوضة النوم البسيطة اللي مخصصينها لهم، ليلى كانت قاعدة على السرير بتتكلم بحماس، بتحكي لأركان اللي حصل طول اليوم، عن الست اللي كانت بتزعق لها عشان سابت بقعة مية على الأرض، وعن الراجل اللي سألها عن أكل النهاردة كأنها شغالة عنده بقالها سنين.
ليلى وهي بتتكلم كانت متحمسة، بس أركان كان قاعد ساكت، إيده متشابكة، وعينه متعلقة بالسقف، سامعها بس مش مركز، مستني أي كلمة ممكن تكون مفيدة للمهمة، لكن من وجهة نظره كل اللي بتقوله مالوش أي قيمة.
وفجأة، وهو بيمسح إيده على وشه، لمح ظل حد واقف عند الشباك، ملامحه ما كانتش واضحة بسبب العتمة، بس الحركة كانت واضحة جدًا. بسرعة شاور لليلى على بُقه بمعنى تسكت. ليلى سكتت فورًا، قلبها دق بسرعة، عيونها اتسعت بخوف.
أركان رفع إيده وفتح الشباك فجأة، ولقي نسرين واقفة بتبص عليهم بعيون مليانة فضول، اتلبخت لما شافته، لكنها بسرعة رسمت ابتسامة مصطنعة وقالت بصوت ناعم:
نسرين: "كنت بسأل لو محتاجين حاجة!"
أركان رفع حواجبه، وقرب منها شوية وهو بيحاول يخفي نبرة السخرية:
أركان: "وأنتِ بقالك قد إيه بتسألي؟"
نسرين ابتسمت ابتسامة مغلولة وهي بتعدل طرحتها:
نسرين: "يا راجل ده أنا لسه واقفة حالًا!"
أركان ابتسم ببرود وهو بيقفل الشباك بهدوء، ثم بص ليلى وقال بصوت منخفض:
أركان: "شكلنا مش لوحدنا هنا أبدًا، خلي بالك وإحنا بنتكلم."
ليلى بلعت ريقها وهزت رأسها بالموافقة، لكنها كانت متأكدة إن نسرين ما وقفتش عند الشباك دي بالصدفة...
لفه نسرين وخبطت على الباب
أركان فتح الباب بهدوء بص لنسرين بنظرة حادة، لكنها بسرعة رسمت ابتسامة واسعة كأنها مش عاملة حاجة غلط.
نسرين: "أنا كنت بس جاية أسأل لو محتاجين حاجة... وبالمرة كنت عايزة أشوف ألبوم فرحك يا هنية، أكيد عندك صور حلوة، مش كده؟"
ليلى بصت لأركان كأنها بتستنجد بيه، لكنه فضل ساكت، عارف إنهم لازم يفضلوا في الدور وما يثيروش أي شكوك.
ليلى بابتسامة متوترة: "آه طبعًا... بس هو بسيط يعني، مش حاجة واو."
نسرين ضحكت ضحكة خفيفة وقالت: "ولا يهمك، تعالي معايا أنا ورغدة وصفية، نقعد مع بعض شوية."
أركان رفع حاجبه، كان عارف إن الموضوع مش مجرد فضول بريء، بس اضطر يوافق بإيماءة بسيطة لليلى، اللي وقفت بتردد ومسحت إيدها في هدومها بتوتر.
لما دخلت ليلى الأوضة الفخمة اللي كانوا قاعدين فيها، أول ما شافتها رغدة وصفيه بدأوا يرمقوها بنظرات متعالية.
رغدة بابتسامة صفراء: "ياه... العروسة وصلت! بصراحة يا هنية، أول مرة أشوف خدامة تعمل فرح، كان عامل إزاي بقى؟ فين المكان؟ فوق السطوح ولا في حوش البيت؟"
ضحكوا كلهم بصوت عالي، وليلى حسّت بإهانة شديدة، بس حاولت تتمالك نفسها.
صفية بتريقة: "وأكيد الفستان كان من سوق الجمعة، ولا لبستي اللي كنتي بتخدمي بيه وزودتي طرحة؟"
نسرين بضحكة جانبية: "لا يا بنتي، أكيد فستانها كان مميز، يمكن كان فيه تطريز كده من اللي بنشوفه على المفارش!"
ضحكوا تاني، وليلى حسّت عينيها بتدمع، لكنها بلعت غصتها، مش هتبين ضعفها قدامهم.
وفجأة الباب اتفتح بعنف، وصوت ست غاضب ملأ المكان:
"إنتوا إزاي قاعدين مع خدامة؟! دي مش من مستواكم!"
كانت صباح، والدة رغدة، كانت واقفة وعينيها مليانة استحقار وهي بتبص لليلى، ونوال، والدة صفية، كانت جنبها بنفس النظرة.
ليلى حسّت إنها مش قادرة تتنفس للحظة، قلبها كان بيدق بسرعة، لكنها قررت تفضل ثابتة... مهما حصل، هي مش هتضعف قدامهم!
صباح واقفة قدام ليلى، باستعلاء واضح في نبرة صوتها، قالت:
" انزلي يا بنت شوفي وراكي إيه تحت."
ليلى، في قلبها خايفة، حست بقشعريرة، لكن حاولت تسيطر على نفسها. ابتسمت بس ابتسامة متوترة، نزلت ببطء، شايلة ألبوم الصور في حضنها، وكل خطوة كانت بتزيد من وزن الهم اللي على قلبها. الدمعة كانت قريبة، بس قبل ما تنزل، مسحت دموعها بسرعة.
ما كانتش عايزة تبين لأي حد إنها متأثرة، خصوصًا قدامهم. لما وصلت لتحت، شافت أركان واقف، كان واقف زي ما هو دايمًا، بارد، لكن النهاردة كان فيه حاجة في عينيه خلتها تحس إنه لاحظ حاجة. بس نظراته كانت مليانة تساؤل، يمكن حس إن في حاجة مش مظبوطة، بس ما قالش حاجة.
في اللحظة دي، ليلى كانت مش قادرة تتحكم في دموعها، بس حاولت تبين إني هي مش مهتمة بكل ده، ومش هتسمح لأحد يشوف ضعفها. قررت تواصل المشي، دخلت الأوضة ونامت على السرير، اتنهدت بعمق عشان تحاول تهدى.
اثناء ليلي وهي ماشية في الجنينة، مروان شفها من بعيد بيقول بنبرة مليانة وقاحة:
"أفضلك بس يا قمر، ومش هحلك."
طاهر لاحظ مروان بيبص لحد، فسأله وهو بيرفع حاجبه بشك:"مين دي؟"
مروان غمز بطريقته المعروفة وقال بابتسامة متعجرفة:"البت الخدامة الجديدة."
سليم ضحك بصوت واضح وقال وهو بيهز راسه:
"يا ابني حرام عليك، انت طفشتهم كلهم، ارحم نفسك وارحمنا."
مروان كان قاعد بمزاج رايق، شارد بعينيه كأنه بيستمتع بفكرته، وقال وهو بيتنهد وكأنه بيتكلم عن شيء مقدس:
"الستات دي كيف زي الهوا كده، انت تقدر تعيش من غير هوا؟"
سليم ضحك أكتر وهز راسه:
"لا طبعًا، ازاي!"
مروان ضحك بخبث، وبعدها رجع لطبعه المستهتر وهو بيقول:
"نفس المبدا بالظبط جبت الستات في الشقة يا عادل."
عادل، قال رسول بشهوه وهو بيعدل وضعه:
"جاهزين، أربع ستات فورتيك على الفرازة."
مروان قعد يضحك ضحكته المستفزة وقال وهو بيبص لعادل بنظرة كلها استمتاع:
"أحبك وانت مدلعني يلا بينا "
ــــــــــــــــــــــــــ
في الطابق العلوي، وقفت صفية عند الشباك، عينيها مليانة غضب وهي بتراقب المشهد اللي تحت. مروان كان ماشي قدامها بثقة، وبيركب العربيه هو والشباب كلها
صوتها كان عالي وهي بتزعق:
"شوفي ابنك الصايع يا مرات عمي! واخدهم أهودي، وتلاقيهم رايحين على الشقة بتاعته اللي بيعمل فيها كل حاجة وحشه وكر لكل البلاوي! أنا مش فاهمة إزاي جدي ساكت لهم!"
صباح كانت قاعدة على الكرسي الهزاز، رجل على رجل، وبضحكة خفيفة كلها لا مبالاة، ردت وهي بتشرب قهوتها:
"شباب يا بنتي، وبيعشوا لهم يومين."
صفية اتنفضت، حركت إيديها بتوتر، ملامحها كانت متشنجة وهي بتقول بحدة:
"يومين إيه يا مرات عمي؟ ده قرف وحرام! أنا مش عارفة إزاي ما عندهمش دم، ولا حتى اللي المفروض هتجوزوا، مهما أقول ومهما أمنعه، بيعمل اللي في دماغه بردو ولا ولا كاني فارقه معه!"
نوال كانت قاعدة جنب صباح، عدلت الإيشارب بتاعها بهدوء وقالت بصوت بارد:
"يا بنتي الرجالة دي أكتر صنف عندي، أي حاجة تقولي له عليها لا، هيروح يعملها. كبّري دماغك، ده يومين وهيبطل. أول ما هيتجوزك، ربنا هيهديه."
صفية شهقت بصدمة، حركت إيديها بعصبية، وصرخت وهي تبص لهم وكأنهم مخلوقات غريبة:
"أنا مش فاهمة إزاي بتفكروا بالسلبية دي!"
بصت ناحية رغدة ونسرين، عينيها مليانة رجاء:
"ما تتكلموا! ما تقولوا حاجة! ولا أنتم راضيين عن الوضع؟"
نسرين هزت كتفها بلا مبالاة، وعملت حركة بشفايفها كأنها بتقول "وأنا مالي؟". كانت قاعدة على الكنبة بتلعب في موبايلها، كأن الكلام ده مش يخصها.
أما رغدة فكانت غارقة في التفكير، صوتها طلع أخيرًا، لكنه كان محمل بخيبة الأمل:
"أنا وجعت قلبي كتير مع أخوكي، وهو ماشي مع أخويا البايظ ومبوظه."
صباح فجأة صوتها علي وهي بتزعق:
"بس يا بنت! ما تقوليش على أخوكي كده!"
رغدة زفرت بضيق، عينيها فيها مرارة:
"أهو دلعك ده هو اللي مبوظ ومخليه يعمل اللي بيعمله ده!"
صباح رفعت حاجبها، ضربت رغدة بكف إيديها على كتفها بخفة، لكنها كانت نظرة تهديد:
"ما تعليش صوتك عليا، وبعدين إحنا مش في قعدة وعظ. الرجالة كده، بمزاجك وغصب عنك انت هتتجوزي سليم وصفيه هتتجوز عادل وطاهر هيتجوز نسرين ومروان نبقى نشوف له عروسه بنت ناس برده."
نسرين كانت قاعدة على الكنبة بإهمال، رجل فوق رجل، وعينيها فيها تحدي واضح، مسكت كوب العصير اللي قدامها ورجته ببطء، قبل ما ترفع حاجبها بسخرية وهي بتقول:
"أنا قلت مية مرة… أنا مش هتجوز طاهر طب رغده بتحب سليم وصفية بتحب عادل انا مش بحب طاهر".
صباح كانت قاعدة على الكرسي الهزاز، إيدها متشابكة قدامها، نظرتها كانت ثابتة على نسرين وكأنها بتفكر إزاي تسيطر عليها، صوتها طلع هادي لكنه كان محمل بحدة واضحة:
"بس طاهر بيحبك! مش مهم انتِ بتحبيه ولا لأ."
نسرين ضحكت بسخرية، رمت الكوباية على الترابيزة بحدة، ومالت بجسمها لقدام وهي بتبصلها بتحدي، صوتها كان مليان عناد وهي بترد:
"وده اسمه إيه بقى؟ جواز بالإجبار؟"
نوال كانت قاعدة جنب صباح عينيها كانت كلها جبروت، رفعت كف إيدها بإشارة تحذير وهي بتتكلم بصوت منخفض لكنه كان قاطع:
"اللي جدكم هيقول عليه هو اللي هيحصل… مفيش حاجة بمزاجكم، انتوا مش مخيرين!"
نسرين بصتلهم بعدم اهتمام، سحبت نفس عميق ونفخته بكسل، قبل ما تقوم من مكانها وتعدل هدومها:
"أنا مش عيلة عشان حد يفرض عليَّ حاجة، واللي في دماغي هو اللي هيحصل."
صباح وقفت فجأة، الكرسي الهزاز اتحرك وراه بقوة مع حركتها، عينيها كانت بتلمع بغضب وهي بتوجه كلامها لنسرين:
"أوعي تكوني فاكرة إنك أقوى مني! اللي هيحصل، هيحصل، سواء برضاك أو غصب عنك."
نسرين بصتلها نظرة كلها برود، قبل ما ترفع حاجبها تاني، وضحكة خفيفة تلعب على شفايفها:
"هنشوف مين اللي هيكسب في الآخر."
وسابتهم وخرجت، وهي عارفة إنها أشعلت نار مش هتنطفي بسهولة.
ــــــــــــــــــــــ
في الغرفة اركان وليلى اللي نورها خافت، كان أركان بس فجأة حس بحركة خفيفة جنبه.
ليلى
بهدوء، زحفت ناحية أركان، كأنها بشكل لا واعي بتدور على أي أمان وسط دوامة التعب والوجع اللي جواها. راسها استندت على كتفه برفق، نفسها كان منتظم لكنه تقيل، كأنها كانت بتقاوم البكاء طول الليل، وجسمها كان واضح عليه الإرهاق.
أركان حس بيها، عينيه فتحت ببطء، مش باندهاش، لأنه تقريبًا بقى متوقع ده، بص ليها بطرف عينه، ملامحها في النور الخافت كانت باينة عليها الإنهاك، والوجع اللي مكانش محتاج كلام عشان يتقال.
عادته دايمًا إنه لو حس بحركة بيصحى، ينبه نفسه، يبقى في حالة استعداد، بس المرة دي سابها.
مكنش رومانسي، مكنش حتى تعاطف صريح، كان مجرد لحظة فهم، لحظة إدراك إنه مش لازم يقول حاجة أو يعمل حاجة، يكفي بس إنه ميتحركش، ميسحبش نفسه بعيد، ميسيبهاش تحس إنها لوحدها أكتر ما هي حاسة.
غمض عينيه تاني، نفس عميق خرج منه، وقرر إنه لو ده هيديها إحساس بالأمان ولو للحظة، فهو مش هياخده منها.
ــــــــــــــــــــــ
صباح يوم جديد على الجميع
ليلى فتحت عينيها ببطء، دماغها لسه تقيلة من النوم، بس فجأة استوعبت الوضعية اللي هي فيها… نفس المكان، نفس الوضع، نفس القرب اللي كان المفروض ميحصلش تاني، بس حصل.
عينيها اتسعت بسرعة، وقلبها دق بقوة وهي بتبعد نفسها بسرعة، تحاول تلم نفسها كأنها كانت عاملة كارثة. أركان كان لسه مغمض عينيه، بس واضح إنه حاسس بالحركة، نفس عميق خرج منه وهو بيفتح عينه ببطء، نظرة واحدة ليها كانت كفاية عشان يفهم إنها في قمة الإحراج.
ليلى بارتباك، وهي بتشد الغطا على نفسها كأنها بتحاول تخفي نفسها فيه:
– والله غصب عني… السرير ضيق وتقريبًا دي حركات تلقائية فيَّا، أنا أصلًا حتى لو كنت في بيتنا كنت بحضن المخدة، بس زي ما انت شايف… ما فيش مخدة عشان أحضنها.
حاولت تضحك ضحكة متوترة وهي بتحاول تبرر، بس صوتها كان مهزوز، مش قادرة تبص في عينه حتى.
أركان قعد على السرير بكسل وهو بيعدل وضعه، نظرته كانت هادية وفيها لمعة خفيفة، ابتسامة جانبية ظهرت على شفايفه وهو بيقول بمرح:
– فبتحضنيني أنا بدل المخدة يعني؟
ليلى شهقت وهي بتحمر، بسرعة نطت من على السرير وهي بتلخبط في كلامها:
– لااااا! مش قصدي كده… أنا… أنا كنت نايمة وخلاص… مش بإيدي والله!
أركان ضحك ضحكة خفيفة وهو بيهز راسه:
– عارف… بس شكلك لسه متعودة على الوضع ده، يا ترى إمتى بقى هتبطلي العادة دي؟
ليلى وقفت عند الباب وهي بتحاول تلاقي رد مناسب، بس عقلها كان متوقف تمامًا، ملامحها مشحونة بالخجل، وفي الآخر قالت بسرعة:
– أنا… أنا هروح أشوف ورايا إيه.
وطلعت بسرعة وهي بتداري وشها، سابت أركان وراه بيهز راسه بابتسامة خفيفة، شافها خجولة للمرة الأولى بالشكل ده، ودا شيء غريب… بس مش سيئ.
ــــــــــــــــــــــــــــ
كانت السفرة مليانة بأصناف الأكل، ورغم الدفء الظاهري في الجو، كان فيه توتر واضح. صباح وهي بترمي نظرة جانبية لنسرين، كانت بتقصد تضايقها، ابتسامة خفيفة على طرف شفايفها وهي بتتكلم بصوت ناعم لكنه يحمل خبث:
– بقولك إيه يا بابا… إحنا عايزين نفرح بقى، أنا شايفة إن ده الوقت المناسب… عايزة أشيل أحفادي، مش كفاية اللي استنينا!
صلاح وهو بيهز رأسه ببطء، صوته كان تقيل وكأنه بيصدر قرار:
– فكرة مناسبة… ولا إيه رأيكم يا شباب؟
كل الأصوات جاوبت في وقت واحد، كأنهم حفظوا الرد:
– اللي تشوفيه يا جدو.
كلهم… إلا نسرين.
نسرين كانت قاعدة بملامح متوترة، دقات قلبها عليت، وإيدها شالت المعلقة من الطبق ببطء. خدت نفس عميق، بس قررت تقولها:
– لا… أنا مش موافقة.
المكان كله سكت… الكل بص لها كأنها عملت كارثة.
مخلد جدها رفع عينه ليها، ووشه اتقلب في لحظة، عروقه نبضت على جبينه، ومع أول رعشة غضب في صوته، المكان كله اتكهرب:
– إنتِ إزاي تقدري تردي عليا؟! إزاي صوتك يطلع قدامي؟!
صوته انفجر في المكان زي الرعد، قلب السفرة بالكامل، الأكواب اهتزت، وحتى الملاعق سكتت وسط الأطباق. كل اللي قاعدين بقوا في حالة ذهول، محدش نطق.
نسرين خدت خطوة للخلف لا إرادياً، وشها بقى شاحب، بس نظرتها فضلت ثابتة رغم أنفاسها المرتبكة.
مخلد ضرب بكفه على الطاولة بقوة، الطبق اللي قدامه اتحرك، وصوته نزل زي المطرقة:
– اعتراض إيه؟! القرار اتاخد… والفرح الخميس الجاي!
سكت لحظة وهو بيحدق فيها بنظرة تخلي الدم يتجمد في العروق:
– واسمع صوتك تاني… بس مش اعتراض!
كل اللي قاعدين حسوا بالقشعريرة، نسرين ابتلعت ريقها بصعوبة، بس كان واضح إنها مش قادرة ترد… مش قادرة حتى تتنفس.
وبعد ما مشي الجد
نسرين سابت السفرة ودموعها على خدها، قلبها كان بيدق بسرعة وهي بتجري على أوضتها، مش قادرة تستوعب اللي حصل، مش قادرة تصدق إن حياتها بتتحدد في لحظة بدون ما يكون ليها أي رأي.
طاهر كان متابعها بنظرة مكسورة، إيده اللي كانت مسنودة على الطاولة قبضت عليها بقوة، كان زعلان… زعلان عليها، وزعلان على نفسه، لأنه رغم كل حاجة، بيحبها… وهي ما بتبادلهش أي مشاعر.
بعد ما الجد مشي، فضل الصمت لحظة تقيلة، قبل ما صفية تبص لمراة عمها بعتاب، صوتها كان هادي بس فيه نبرة اعتراض واضحة:
– ليه كده يعني؟
صباح رفعت حاجبها باستخفاف وهي بتاخد رشفة من كوب الشاي اللي قدامها، نبرتها باردة:
– هو أنا اللي كنت قلت لها تعترض على قرار جدها؟!
رغدة حطت إيدها على الطاولة وهي بتبص لصباح بعدم رضا:
– أنتِ قصدك تستفزيها عشان هي اعترضت امبارح… كنتِ تستني فترة وبعدين تفتحي الموضوع، مش على الحامي كده!
نوال ضحكت ضحكة قصيرة وهي بتحط معلقتها بهدوء، نظرتها فيها خبث واضح:
– حلاوتها وهي على الحامي! وبعدين كفاية كده… ده الوقت المناسب عشان تتجوزوا، هو أنتوا هتقعدوا لما توصلوا للتلاتينات؟!
صمت لحظة… قبل ما تضيف بنبرة واثقة وهي بتقلب عينيها على البنات:
– اللي في دماغ جدكم هو اللي هيحصل، وكل واحدة فيكم تعرف مكانها كويس، مش مستني رأي من حد!
الجو كان خانق، كله ساكت… بس الصمت كان بيتكلم أكتر من الكلام نفسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في المطبخ
المطبخ كان مليان حركة… الأطباق بتتوضب، الشاي بيتصب، والخدم قاعدين على طبلية صغيرة في ركن المطبخ، بيحاولوا يفطروا بسرعة قبل ما حد ينادي عليهم. الجو كان عادي… لحد ما فجأة صوت الجد هز المكان، صوته كان عالي بشكل مرعب، وكأن البيت نفسه اهتز من العصبية اللي فيه.
ليلى كانت لسه بتحاول تبلع لقمة العيش اللي في بقها، لكن أول ما سمعت الصوت انتفضت، اللقمة وقفت في زورها، قلبها دق بسرعة، وبصت حواليها بخوف واستغراب.
ليلى (بتوتر وهي تبص للي حواليها): إيه اللي بيحصل بره؟!
بطه وهي بتقوم من على الاكل :دا شكلها القيامة قامت… حد عصّبه ولا إيه؟
أم سعاد (وهي تمسح إيديها في مريولها وتهز راسها بيأس): محتاج حد يعصّبه؟! هو من غير حاجة عصبي!
محروس (وهو يبلع ريقه بخوف، ويبص للباب وكأنه متوقع أي حد يدخل ويزعق فيهم): ربنا يستر… العصبية دي غالبًا هتنزل علينا إحنا في الآخر!
صابر (بمرح وهو بيرفع الحلة الصغيرة اللي قدامه ويغمز لليلى): أهو اديك شفتي بعينك، عشان بعد كده تبقي تفكري ألف مرة قبل ما تزعليه!
ليلى (بترمش مرتين، ولسه مش مستوعبة الفوضى اللي برا): دا شكله مرعب أوي… الناس هنا بتستحمل العصبية دي إزاي؟
محروس (وهو يضحك بسخرية): محدش بيستحمل… إحنا بنتعايش!
بطه رفعت رأسها، ونظرت لهم نظرة حادة. كانت بتوجه الكلام، ومفيش مكان لأي تهاون أو تقصير.
بطخ (بصوت حاد): النهاردة كل واحد يخلي باله من شغله كويس قوي، مش عايزة أي غلطة، لو في الأيام العادية بتخلوا بالكم من شغلكم وتلتزموا بكل حاجة بنسبة 100%، النهاردة التزموا بنسبة 110%. مش عايزة ولا غلطة عشان ما يحطوش غلبهم فينا.
كل اللي حواليها كانوا مستمعين بتركيز، عارفين إن أي خطأ صغير ممكن يكلفهم كتير.
بطه (تكمل بجدية): كل واحد على شغله، مش عايزة كسل النهاردة خالص، لازم يكون الكل في قمة الانتباه والتركيز. فاهمين؟
الكل كده، اللي بيمسح، اللي بيطبخ، اللي بترتب، عارفين إن أي تقصير مش هيتحمل في اليوم ده. فكل واحد فيهم بدأ يحس بمسؤولية أكتر، وفي نفس الوقت كان في توتر في الجو.
بعد ما خلصت كلامها، الكل بدأ يروح كل واحد لشغله، ولكن كان واضح إن الجو في المكان كان مليان بالقلق والتركيز الشديد على التفاصيل.
ـــــــــــــــــــــــ
في أوضة نسرين
كانت الأوضة شبه مقلوبة… الكرسي واقع، المخدة مترمية على الأرض، والتسريحة مبهدلة، وكأن إعصار عدى منها. نسرين كانت واقفة قدام الشباك، كتافها مرفوعة، نفسها سريع، ودموعها بتنزل وهي مش قادرة تمسحها… كانت بتغلي، حرفيًا هتولع من الغضب.
دخلت صفيه ورغدة بسرعة، قفلوا الباب وراهُم، نظراتهم كانت مليانة توتر، عارفين إن الليلة سودا.
نسرين (بعصبية وانفعال، وهي بتلف فجأة عليهم): أنا مش فاهمة إزاي دي تبقى أمي بجد!! دي عاملة رباطية عليّ! أنا خلاص مش قادرة أستحمل، هي ومرات عمي نفس العقلية… اتفقوا عليّ من ورايا… ولا كأن ليّا رأي في حياتي!
صفيه (بحدة، وهي بتتمسك بأطراف الفستان بقهر): ولا أمّي الاثنين بيكملوا بعض، متفاهمين في كل حاجة… بس علينا إحنا بس!
رغدة (بحاجب مرفوع وبسخرية مُرة، وهي ترجع خطوة لورا): ما هو عشان أخوات، هيختلفوا إزاي يعني؟! عايزاهم يضربوا بعض عشان نرتاح؟!
نسرين (وهي تعدل وقفتها وتهز راسها بغيظ): بس أنا مش هسكت!
صفيه (بتنهيدة ثقيلة ونبرة مليانة إحباط): وسّعتي الموضوع أوي يا نسرين، إحنا أصلا ولا على الخريطة، لا أبويا ولا أمك بيفكروا في رأينا!
رغدة (وهي ترفع إيدها بعجز): ولو فكّروا… برضو مش هنعرف نعمل حاجة! إحنا مجرد كراسي في بيت العيلة… يقعدونا في المكان اللي هم عايزينه، ويقومونا وقت ما يحبّوا!
نسرين (بغضب مكتوم، وهي تعصر أصابعها): بس أنا مش كرسى! ومش هخلي حد يتحكم فيّ!
صفيه ورغدة بصوا لبعض، كأنهم بيقولوا بصوت صامت: “هي هتعمل إيه؟”
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
في مكتب صلاح
كان المساء قد حلّ، وليلى كانت تكمل آخر خطوة في تنظيف المكتب، لكن فجأة سمعت أصوات داخل المكتب. ترددت لحظة، ثم قررت تستخبى في الحمام اللي في المكتب. قلبها كان بيدق بسرعة، مش فاهمة إيه اللي بيحصل برا.
وأثناء ما هي جوا الحمام، حاولت تراقب الوضع بصمت. سمعت صوت الجد صلاح، قاعد على المكتب، وكأن بيمرر تعليماته. كان عينيه بتتجول على الوجوه أمامه بحذر، وحسيت نبرات صوته بتعكس ثقل الكلام. صوت أولاده وأحفاده كان واضح في الخلفية.
صلاح (بصوت حازم): احنا هنقوم بالمهمة يوم الفرح، الخميس الجاي.
فؤاد رفع حاجب، مستغربًا من التوقيت.
فؤاد (بصوت غير متأكد): بس احنا يا بابا، هنبقى ملخومين في الفرح، مش هنعرف نركز في المهمة زي ما احنا عايزين.
خليل (بيضحك معترضًا): فعلاً يا بابا، دا حتى وقت الفرح ممكن يشتت كل التركيز.
صلاح (بتنهدة، وهو بيركز فيهم): هتفضلوا طول عمركم أغبيه، ما هو ده التمويه، ما تفتكرش يا فؤاد، الخطة سهلة مش زي ما أنت فاكر.
مروان كان قاعد ساكت، لكن نظراته كانت مليانة ذكاء.
مروان (بابتسامة هادئة): مية على مية يا جدي، دماغ شغالة طول عمرك.
طاهر مؤيد لكلام مروان : اكيد عندك خطه محكمه ومتخطط ليها من بدري يا جدي
الحاج صلاح بنظره بعيده المدى: طبعا وجه وقتها على المناسب
بينما كانت ليلى جوا الحمام تستمع لكل كلمة بترتفع في الغرفة، بدأت التفاصيل تتكشف تدريجيًا. الخطط كانت متقنة، ولا مجال للخطأ. كانت صلاح بيتكلم بحذر، وكأن كل كلمة كان حريص عليها، وهو بيقول لأولاده وأحفاده التفاصيل الدقيقة عن المهمة المرتقبة.
صلاح (بجدية وحزم): الخطة هي كالتالي، الخميس الجاي هنكون في الفرح، زي ما اتفقنا. بس المهمة هتكون في الفرح نفسه.
سليم (مستغربًا): ازاي
صلاح (بيتنهد): في مكان مش بعيد ومش قريب عن الفرح انا عيني بنفسي هتبقي علي الرجاله وكل الناس هتكون مشغولة بالاحتفالات، ده التمويه اللي هيساعدنا.
عادل (بغموض وحذر): يعني، ماحدش مننا هيبقى موجود في المهمة؟
صلاح (بصوت هادئ ومركز): لا، إحنا هنبقى زي الظل، محدش هيظهر بشكل واضح في المهمة. أنا هحرك كل حاجة من مكاني، إنتو ارقصوا واستمتعوا مع عرايسكم
سليم (بقلق وحذر): طب مين هيكون موجود في التسليم؟ يعني لازم حد يستلم البضاعة في اللحظة دي.
صلاح (مباشرًا وبثقة): أنا هبعت عبد الحق ورجالته، وهم هيتعاملوا مع التسليم. أنا هكون عيني عليهم من بعيد، وهشوف كل خطوة بيعملوها. الموضوع كله مش هيحتاج أكتر من خمس دقائق، سلم واستلم وبس.
طاهر: يعني لو كل حاجة مشت تمام، هيكون الموضوع خلص في لحظات.
صلاح (بحزم): بالضبط. لازم كل شيء يكون مضبوط، من البداية للنهاية، عشان نخرج من الموضوع ده من غير ما نلاقي أي مشاكل. والخطة واضحة للجميع.
عادل (بتأكيد): واضح، وده اللي هيخلي المهمة تمشي بدون ما حد يلاحظ.
مروان (مستمتع بخطة جده): الخطة دي هتنجح من قبل ما تبتدي
الكل :إن شاء الله
في لحظة من التوتر، كانت ليلى جالسة في الحمام، مختبئة وراء الباب المغلق، أنفاسها متسارعة وقلبها يدق بسرعة. كان كل شيء حولها مظلم وهادئ، لكن الصوت الذي وصلها من الخارج جعل الدماء تتجمد في عروقها.
مروان قام فجأة من مكانه، ورفع صوته ليعلن ما كان يفكر فيه، وهو يتحرك نحو الباب.
مروان (بصوت عادي، لكنه بدا عليه نوع من التأكيد): أنا داخل الحمام.
ليلى تراجعت في مكانها، عينيها مليانة رعب، وهي بتحاول تتحكم في نفسها علشان ما تكشفش نفسها. كانت تتمنى في هذه اللحظه ان تتشق الارض وتبتلعها، كل شيء حولها أصبح مقلق. رائحة الخوف كانت تملأ الجو، وهي مش قادرة حتى تتنفس بشكل طبيعي.
صوت خطوات مروان بدأ يقترب من الحمام، خطواته الثقيلة وضعت كل شيء في حالة تأهب. ليلى كانت بتحاول تبقى هادئة، لكن قلبها كان بيدق بشدة، وكل جزء فيها كان بيصرخ.
هي حاولت تحبس أنفاسها، وتخلي نفسها غير مرئية، كان عندها شعور إن في أي لحظة ممكن الباب يفتح وتنكشف. فماذا لو عرفوا إنها جوا؟ ماذا لو كانت نهاية اللعبة هنا؟
صوت الخطوات كان أقرب، وكل خطوة كانت بتمزق قلبها. كانت عينيها ملتصقة بالباب، ومافيش مكان للاختباء غير المكان اللي هي فيه.
في اللحظة دي، الصوت بقى أقرب لدرجة إنها سمعت صوت التنفس،ليلى فكرت في كل الخيارات، لكن كان الوقت متأخر، وماكانش فيه مجال للهروب أو الاختباء بشكل أفضل وفجاه................
نكمل في البارت الخامس
البارت الخامس
الكاتبه ياسمين عطيه
في أوضة أركان
كان أركان واقف عند الشباك، إيده في جيبه عينيه معلقة في الظلام برا،الوقت عدى أكتر من اللازم، وهي لسه مرجعتش. في الأول كان متجاهل، بعدين بدأ يلاحظ، ودلوقتي الفكرة اللي خطرت في باله مش مريحاه نهائي.
أركان (بيغمغم ): هي ممكن تكون هربت؟
فكرة مجنونة، بس مش مستبعدة. ممكن تكون زهقت وقررت تهرب بعيد عن كل ده؟ عن المهمة؟ عنه؟ العقلانية بتاعته بتقوله إن مفيش فرصة، بس الجزء اللي مش مطمئن مش قادر يستبعد الاحتمال.
قرب من المكتب وسحب الموبايل، شاف الوقت، وبعدها رماه تاني. مش هيبقى غبي ويسأل حد عنها، ويبوظ كل الخطه ممكن تكون لسه بتعمل حاجه في الفيلا ومشغوله
أركان (وهو بيتمتم بضيق): طب ما تيجي تعرفني بقى بدل ما عقلي يلف في السيناريوهات دي؟
لف بسرعة ناحية الباب، وكأنه قرر يتحرك بدل ما يفضل واقف مكانه. حتى لو الفكرة مستفزة، هو مش هيسيب الاحتمالات تلعب في دماغه أكتر من كده خصوصاً الساعه بقت 1بالليل
كان أركان خلاص ناوي يفتح الباب، لكن فجأة، الباب اتفتح بعنف وليلى دخلت بسرعة، وهي مبلولة من فوق لتحت، وشها كان أحمرط. هدومها كانت ملزقة فيها، ووشها معجون بالخوف والاضطراب.
وقف مصدوم، عينه اتسعت وهو بيبصلها بتركيز. شكلها كان كارثة.
أركان (ببرود مصطنع، رغم إن الصدمة كانت باينة في نبرته): إنتي كنتي بتلعبي ماتش تحت المطر ولا إيه ؟!
ليلى حاولت تتكلم، بس نفسها كان مقطوع، وملامحها بتقول إنها مش قادرة تستوعب أي حاجة غير إنها في الأوضة أخيرًا، وفي أمان
أركان (بهدوء غريب، وهو بيقفل الباب وبيبص لها بتركيز): كنتي فين؟ وليه داخلة عليا بالشكل ده؟
ليلى: كنت هتكشف! كنت هتكشف يا أخويا، وكل حاجة كانت هتبوظ! كنا هنروح في أبو بلاش!
كانت ليلى واقفة قدام أركان، لسه أنفاسها متلاحقة من اللي عاشته، وإيدها بتترعش وهي بتحاول تفك الطرحة اللي كانت لاففاها حوالين راسها. التوتر والعرق بلل القماش، وحسّت إنه بقى خانق عليها، فرفعت إيديها بسرعة وبدأت تفكه.
أركان كان واقف قصادها، عينه مسلطة عليها، شايف كل حركة بتعملها. أول ما الطرحة انسحبت من على راسها، كان كأنه الزمن وقف للحظة.
خصلاتها الطويلة انسابت براحة على ضهرها وكتافها، لونها الذهبي انعكس مع إضاءة الأوضة، كأنها شعاع نور مفاجئ وسط العتمة. بعض الخصل كانت لسه ملتصقة بجبهتها من العرق، لكنها رفعت إيديها وسرحتها ببطء، كأنها مش واعية إنه لأول مرة بتكشف شعرها قدامه.
أركان ما اتحركش، لكنه حسّ بحاجة غريبة، نظراته ثبتت على تفاصيل شعرها، على طريقته وهو بيتحرك مع كل نفس بتاخده. ملامحه كانت جامدة كالعادة، لكن عينه نطقت بحاجات كتير متتقالش بالكلام.
ليلى (بتنهيدة وهي بتمسح العرق عن جبينها): الطرحة كانت خنقاني... حسيت إني هتخنق بيها والله!
حاولت تجمع شعرها بسرعة وتلفه تاني، لكن لحظتها كان عدّى. لحظة صغيرة، بس سابت أثر واضح في الجو اللي حواليهم.
ليلى (بسرعة ولهفة): بس إيه... عرفت لك شوية معلومات لوز العنب! مش عارفة من غيري كنت هتعمل إيه. أنا لازم تزودوا لي فلوسي بعد اللي شوفته النهارده، ده أنا قلبي كان هيقف!
أركان كان واقف قدامها، ملامحه جامدة بس عينه كانت بتراقب كل حركة فيها، كل رعشة في صوتها، وكل نفس متقطع بتاخده.
ليلى (بتحاول تهدي نفسها، بس صوتها لسه بيترعش): وقعدت أسمعهم، كلهم، سمعت اللي بيقولوه في المكتب...
أركان (بتركيز شديد، وصوته تقيل): كمّلي اللي حصل.
ليلى (بتاخد نفس، وبتحط إيدها على قلبها):استنى، باخد نفسي من الرعب اللي أنا عشته...
عينها سرحت، وهي بتسترجع المشهد في عقلها، ولسه الإحساس مسيطر عليها. أما أركان، فكان واقف، ملامحه متجمدة، بس عينيه كانت مليانة أسئلة... والأهم، قلق ما كانش قادر يخفيه.
فلاش باك – داخل الحمام في مكتب الجد صلاح
ليلى كانت حابسة نفسها، حرفيًا . أنفاسها كانت متقطعة، وكل خلية في جسمها مشدودة على الآخر، وهي سامعة الكلام اللي بيتقال برا. عقلها كان بيحاول يستوعب حجم المصيبة اللي سمعتها، بس فجأة..
مروان (وهو بيقوم): أنا داخل الحمام.
ليلى حسّت إن قلبها وقع في رجليها. جملة واحدة، لكنها كانت كفيلة تخلي الدنيا تظلم في عينيها. مشاعر متلخبطة بين الرعب والتوتر والخوف سيطرت عليها، وهي سامعة صوت خطواته بتقرب من الحمام، الأرض تحتها كانت كأنها بتتهز، ونبضاتها كانت بتدق كأنها هتنفجر.
ليلى (في عقلها، وهي بتضغط على بؤها عشان ما تطلعش صوت): يا نهار إسود ومنيل... أنا كده خلاص هتكشف!
الإيد على المقبض، اللحظة الحاسمة قربت، ومفيش مفر. عينها جابت كل زوايا الحمام في جزء من الثانية، بتدور على أي مهرب، أي حاجة ممكن تخليها تفلت من الكارثة اللي على وشك تحصل.
لكن، قبل ما الباب يتفتح...
عادل (بحركة سريعة، وهو بيحط إيده على كتف مروان): يلا بينا يا أسطى، أنا عايز أودع العزوبية الأيام الجاية، مش ناقص غير قنبلة الغم والهم اللي هتتحط عليَّ.
ضحكوا كلهم، والموقف اتحول لتهريج. مروان رفع إيده عن المقبض، واتراجع بخطواته مع الباقيين، وصوتهم بيتلاشى تدريجيًا وهم خارجين من المكتب.
ليلى فضلت متسمرة مكانها، مش مصدقة إن اللحظة عدّت... وإنها نجت بأعجوبة. أخدت نفس عميق، بس حسّت إن قلبها مش ناوي يهدى بسهولة.
نهاية الفلاش باك
ليلى (وهي بتتنفس بصعوبة، وبتمسك دراع أركان): أنا كان قلبي هيقف! حرفيًا كنت هتكشف، وكل حاجة كانت هتبوظ! كنا هنروح في أبو بلاش كنت حاسة إن دي نهايتي، لو كنت اتقفشت… يا نهار أسود، كنتوا هتودوني في داهية.
أركان كان ساكت وهو بيراقبها. مش عارف هو مستغرب من إيه أكتر… شكلها وهي متوترة، ولا صوتها اللي كان بيرتعش وهي بتحكي، ولا فكرة إنها كانت على بعد لحظة واحدة من إنها تتكشف. حس بحاجة غريبة جواه، إحساس جديد عليه، مش خوف عليها بالمعنى الحرفي، بس كان فيه حاجة تخليه مش قادر يتجاهل اللي حصل.
هي قصاده بقالها تلات أيام، وده أول موقف يخليه يحس بوجودها بالشكل ده. بس ليه؟ مش المفروض ده يحصل أصلاً. مش دي البنت اللي أجبرته الظروف إنه يكون معاها؟ مش المفروض إنه شايفها مجرد جزء من المهمة وبس؟ طب ليه دلوقتي ملامحها وهي مذعورة مش قادرة تخرج من دماغه؟
هز راسه بخفة كأنه بيطرد الأفكار اللي بدأت تتسلل لعقله، وبعدها اتكلم بصوته الهادي المعتاد، وكأن مفيش حاجة غريبة بتحصل جواه:
بعد ما ليلى تخلص الفلاش باك وترجع للواقع، ممكن تضيفي لحظة صمت قصيرة، بحيث تبين إنها لسه متأثرة بالخوف والتوتر، وأركان بيراقبها وهو مش فاهم هو حاسس بإيه. بعدها، تقدري تكملي المشهد كده:
أركان (بهدوء، لكن بنظرة مركزة عليها): إهدي شوية، وركزي معايا… اللي قلتيه ده كله مهم، بس التفاصيل اللي جايه أهم. جدهم قال بالظبط إيه عن التسليم؟
ليلى (بتحاول تهدى، لكنها لسه مرتبكة): قال إن عبد الحق ورجالته هيبقوا في المكان اللي مش بعيد ومش قريب من الفرح… والتسليم هيتم في خمس دقايق بس، سلم واستلم، من غير ما حد يحس بحاجة.
أركان (بيهز راسه وهو بيستوعب المعلومة): خمس دقايق بس… ده معناه إن العملية كلها هتتم بسرعة، ودي مخاطرة كبيرة.
ليلى (بقلق): بالظبط! وكمان الجد صلاح قال إنه هيتابع كل حاجة من بعيد، يعني أكيد عنده ناس تراقب الوضع، ولو حصلت غلطة صغيرة، هنكشف إحنا كمان.
أركان (بعينين ضيقة، وكأنه بيرسم خطة في دماغه): ده اللي كنت عايز أوصله… لازم نعرف المكان اللي هيتم فيه التسليم بالضبط، قبل أي حد فيهم.
ليلى (بتحاول تستوعب كلامه، لكنها لسه تحت تأثير الرعب): بس إحنا هنعرف إزاي؟ أنا سمعت جزء كبير، بس ما ذكروش مكان التسليم بالتحديد.
أركان (بهدوء خطير): يبقى لازم نلاقي الطريقة اللي تخليهم ينطقوا بالمكان… من غير ما يحسوا.
تمام، هعدل المشهد بحيث عبد الحق يخبط على الباب، وأركان يطلع له برا الأوضة، ويبقى الكلام كله بينهم بعيد عن ليلى.
واثناء ماركان وليلى بيتكلموا سمعوا صوت طرقات هادية لكن تقيلة على الباب. أركان رفع عينه ناحية الباب بسرعة، إحساس داخلي بيقوله إن عارف مين ورا الباب وفتح الباب بحذر.
وقف قدامه عبد الحق بملامحه الجامدة، عينه فيها لمعة ، ابتسامة بالكاد ظاهرة على طرف شفايفه.
عبد الحق وهو بيبص له نظرة تقيلة: " عايزك في كلمتين."
أركان ما ردش، بس حس إن اللي جاي مش عادي. خرج وقف قدامه، وقفل الباب وراه وهو بيعدل وضعه، عينه بتترصد عبد الحق اللي كان باين عليه إنه مبسوط بحاجة.
عبد الحق بابتسامة خفيفة، لكن صوته مليان جدية: "جات لك الفرصة اللي كنت مستنيها... ومستنيها بجد، الفرصة اللي تثبت بيها نفسك، وتبقى جوه الدايرة الكبيرة."
أركان ثبت نظراته عليه، ملامحه ما تغيرتش، لكن عقله كان بيفكر في كل السيناريوهات اللي ممكن تحصل.
عبد الحق وهو بيقرب: "بكره في مهمة، وأنا محتاجك معايا. لو أثبت نفسك فيها، هتكون واحد مننا رسمي، وهتبقى موجود في كل حاجة بعد كده... فاهمني؟ المستقبل كله مفتوح قدامك، ومستقبل مراتك كمان."
عبد الحق بحزم: "بكره هاجي لك أقول لك كل التفاصيل، وعايز رد واضح وصريح. الفرصة دي مش بتتكرر، فكر كويس."
رماه بنظرة طويلة قبل ما يسيبه ويمشي، وأركان فضل واقف مكانه، عينه متركزة على الفراغ قدامه، لكن دماغه كانت بتلف بسرعة.
(أركان بعد خروج عبد الحق)
رجع للأوضة، قفل الباب بهدوء، لكن عقله كان عاصفة. لو وافق، هيبقى قريب منهم أكتر، لكن لو رفض، هيفقد فرصته الوحيدة للوصول لقلب العصابة.
مسك الموبايل، قرر إنه مش هياخد القرار لوحده. ضغط على رقم والده، واستنى الرنات اللي كانت بطيئة بشكل مستفز، لحد ما سمع صوت عدلي من الناحية التانية.
عدلي بصوت هادي لكنه حازم: "خير يا أركان؟"
أركان بلهجة جدية، لكنها : "حصلت حاجة، ولازم تعرفها."
بدأ يحكي له عن المهمة، عن إن عبد الحق عايزه يدخل وسطهم رسمي، عن إنه هيبقى قريب من الشبكة أكتر من أي وقت فات
كان أركان واقف في نص الأوضة، الموبايل في إيده، وإيده التانية متشابكة ورا رقبته وهو بيحاول يستوعب الموقف. صوت عدلي كان هادي كعادته، لكنه تقيل، مليان بمعاني أركان فهمها كويس.
عدلي ببرود مدروس: "المهمة دي هتمشي وتعدي زي ما هم عايزين، مش هنوقفها ولا هنتدخل."
أركان شدد مسكته للموبايل، حس بنبضات قلبه بتزيد، مش لأنه متفاجئ، هو كان متوقع الرد ده، لكنه كان مستني يسمعه بنفسه.
أركان بصوت ثابت، لكنه متسائل: "إحنا هنسيبهم ينفذوها؟ هنسيب الصفقة تعدي؟"
عدلي بحزم: "بالظبط. إحنا مش هدفنا المهمة دي، إحنا هدفنا الرأس الكبيرة، مش شوية عيال بينفذوا أوامر. لو وقفنا دي، مش هنكسب حاجة، بالعكس، هنخسر الفرصة اللي لسه جايه قدامنا."
أركان سكت، عقلُه بيحسب كل خطوة، هو فاهم الكلام، وفاهم المغزى، لكن ده معناه إنه هيشارك في حاجة هو عارف إنها غلط... ولو فكر في الأمر بمنطق الضابط، هو حرفيًا بيشارك في جريمة.
عدلي بصوت أخفض، لكنه قاطع كل أفكار أركان: "أنت عايز توقعهم كلهم مرة واحدة؟ يبقى لازم تمشي مع الموجة لحد ما تيجي اللحظة الصح. لو كنت مكانهم، كنت هتشُك في حد لسه داخل معاهم وبدأ يوقف شغلهم؟"
أركان بلع ريقه، حرك إيده في شعره وهو بيتنفس بعمق. هو عارف إن كلام والده منطقي، لكن الإحساس الداخلي بالمسؤولية كان تقيل على صدره.
أركان أخيرًا رد، بصوت هادي لكن حاسم: "فهمت. يعني دلوقتي كل المطلوب إني أنفذ من غير ما أسيب أي شكوك ورايا."
عدلي بلهجة حاسمة: "بالظبط. خلي بالك من كل خطوة، وحافظ على غطاك. المهمة دي مجرد خطوة، مش النهاية.والمهمة دي هتخليك تكسب ثقة منصور، خطوة منك تبقى ذراعه اليمين في يوم."
أركان شدد مسكته للموبايل أكتر، عينيه كانت مسلطة في الفراغ قدامه وهو بيستوعب الكلام. الجملة الأخيرة دي كان لها وزن تقيل، معناها إنه مش بس داخل وسطهم... لا، ده داخل عشان يبقى واحد منهم، لازم يقنعهم إنه معاهم بجد، لازم يكسب ثقتهم للدرجة اللي تخليهم يعتمدوا عليه.
بلع ريقه وهو بيرد بصوت أخفض: "وأنا لو وصلت للمرحلة دي، تبقى دي نهايتهم."
عدلي بابتسامة خفيفة لكنها خالية من أي تساهل: "بالظبط. بس تفضل محافظ على نفسك، ما تنجرفش يا أركان... فاهمني؟"
أركان أخد نفس عميق، وهو بيرد بجملة واحدة حاسمة: "فاهمك."
أركان قفل المكالمة بعد ما استوعب كل كلمة. المهمة هتمشي، واللعبة لسه في أولها... والرهان دلوقتي بقى أعلى من أي وقت فات.
بعد ما أنهى أركان مكالمته مع والده، أخد نفس عميق ومسح كفه على وشه، كأن الحركة دي هتشيل من عليه جزء من التوتر اللي حصله النهاردة. المهمة اللي جايه مش سهلة، وكل خطوة فيها محسوبة بدقة، بس مفيش مجال للغلط.
بص ناحية السرير، ليلى كانت غارقة في نوم عميق، ملامحها هادية بشكل غريب عن طبيعتها العفريتية اللي طول الوقت بتسبب له صداع. كان اليوم طويل ومتعب، وهي واضح إنها استنفدت كل طاقتها.
اتحرك بهدوء، قفل النور، وراح نام جنبها. وقبل حتى ما يحاول ياخد راحته في النوم، حس بيها بتتحرك، وكأنها لا إراديًا بتدور على مكانها المعتاد. وبعد لحظات، زي كل مرة، لقاها بتقرب، وفي حركة طبيعية تمامًا، راحت لحضنه، كأنها خلاص اتعودت على وجوده، وكأن ده مكانها الطبيعي.
أركان شدد شفايفه، عينه فضلت ساهرة لدقايق، مش مستوعب إزاي حاجة زي دي بقت عادية... بس هو كان مرهق، واليوم فعلاً كان طويل. فكر للحظة إنه يقوم، لكنه في الآخر اختار إنه يسيبها، يسحب نفس عميق، ويغمض عينه... بكرة يوم جديد، ومحدش عارف اللي جاي مخبي إيه.
أركان فتح عينه بصعوبة مع أول خيوط الصبح اللي دخلت من الشباك، حاسس بجسم دافي قريب منه كالعادة. ما أخدش وقت عشان يستوعب إنها ليلى، لكن... المرة دي كان في حاجة مختلفة.
عينيه نزلت تلقائيًا لشعرها اللي كان مفروش على ضهرها بالكامل، الطرحة اللي دايمًا مغطيه كل حاجة واضح إنها كان ليها رأي تاني أثناء النوم، وانفكت بهدوء، مخلياه يشوفها بشكل مختلف لأول مرة. الخصلات الطويلة، اللي فيها لمعة دهبية خفيفة مع نور الصبح، كانت مفرودة كأنها مرسومة بعناية، والملمس الناعم واضح حتى من بعيد.
نظرته اتسمرت عليها، كأنه لأول مرة ياخد باله إن ليلى... بنت، مش بس مصدر إزعاج متحرك زي ما كان شايفها دايمًا. لحظة إدراك غريبة خبطت في عقله، هو إيه اللي بيحصل؟ اللى يشوف المشهد دا يقول مشهد لعشاق، مش مجرد اتنين في مهمة؟
شد نفس عميق ومسح على وشه بإيده، لازم يفوق، دي ليلى... مش أي حد. وقبل ما يسيب نفسه للأفكار اللي بدأت تتسلل لعقله، قرر ينهي الموقف بالطريقة اللي متعود عليها... "يا بنتي قومي من حضني بقى، هو إيه؟ مفيش يوم هصحى ألاقيك نايمة مطرحك الطبيعي؟"
ليلى تحركت بكسل، لسه بين النوم والصحيان، وغمغمت بصوت مبحوح: "ممم... خمس دقايق كمان، الدنيا برد."
أركان عقد حواجبه وهو يبص لها، وهي مش بس مستريحة، دي كمان بتتحجج عشان تفضل في حضنه!
شد نفسه لتحت شوية وهو يقول بنبرة أخف لكنها فيها تحذير: "ليلى، فوقي بقى. مش ناقص أصحى ألاقيكي مستوطنة في حضني رسمي!"
فتحت عنيها نص فتحة، ولسه بتستوعب الوضع، بس أول ما حست بجسمه جنبها وقربها منه، كأن صدمة كهربائية ضربتها! قفزت في مكانها بسرعة، وشها احمر وهي ترفع الطرحة بسرعة وترجعها على راسها، صوتها طالع متلخبط: "إيه ده! لا لا، أنا كنت نايمة بعيد! إنت اللي أكيد جيت ناحيتي، صح؟"
أركان بص لها بسخرية، مدي إيده جنب السرير وقال بهدوء مستفز: "أها... طبعًا، أنا اللي بقوم وأنايم نفسي هنا، مش إنتي اللي كل يوم بتسيبي مطرحك وتجيلي!"
ليلى ضغطت شفايفها ببعض بإحراج، وهي بتحاول تلاقي أي رد مقنع، لكن في الآخر اكتفت إنها تعدل الطرحة وترفع راسها بفخر مصطنع: "ما علينا، المهم إننا لازم نبدأ يومنا، عندنا حاجات أهم من النقاش الفاضي ده!"
أركان ضحك بخفة، وهو يهز راسه: "أحسن، عشان بصراحة... مش هخلص منك، واضح إنك ناوية تدخلي في روتيني الصباحي بالعافية."
نهض من السرير، وهو بيزفر بهدوء عشان يطرد أي تفكير مش لازم، ولسه بيحاول يفهم اللي حصل، بس الحاجة اللي كان متأكد منها دلوقتي... إن ليلى بقت مشكلة مش سهلة في حياته، ومش بسبب المهمة بس.
ــــــــــــــــــــ
**"مرت تلات أيام بنفس الروتين، ليلى مشغولة من الفجر لحد نص الليل في تجهيزات الفرح، بتنظف، بتجهّز القاعة، بتساعد في ترتيب اوض العرايس اللي هيقعدوا فيها، وشغلها ما كانش بيخلص. كانت بتتحرك في الفيلا كأنها ترس صغير في ماكينة كبيرة، كل الناس فوق دماغها، وكل حد ليه طلبات.
أما أركان، فكان هادي، متابع من بعيد، منتظر اللحظة اللي كل حاجة فيها هتتغير، اللحظة اللي هيدخل فيها في لعبته الجديدة مع عبد الحق. لكن في وسط كل ده، كان في حاجة تانية غريبة.. حاجة بقت شبه الروتين عنده. كان عارف إن النهارده برضه، مهما حصل، مهما كانت ليلى مرهقة، هتصحى تلاقي نفسها في نفس المكان.. في حضنه. يمكن لأول مرة، أركان حس إن العادة دي مش غلطة، لأ.. بقت جزء من حياتهم، حتى لو ما حدش فيهم عايز يعترف بده."**
بس بقت عادة.. مش مجرد غلطة بتحصل مرة واتنين، لا، حاجة ثابتة، جزء من يومها من غير ما تفكر حتى. أول ما تنام، تلاقي نفسها هناك، في حضنه. مهما حاولت تقاوم، مهما فكرت إنها هتاخد بالها، برضه بتصحى تلاقي نفسها في نفس المكان.
أركان ما بقاش بيقول حاجة، في الأول كان بيبعدها، كان بيحاول يفوقها، بس مع الوقت.. مع كل مرة كان بيصحى يلاقيها كده، ما بقاش يندهش حتى، بس خلاص اتعود. بقت بالنسباله حاجة عادية، كأنه عارف إن مفيش فايدة، وإنها مهما حاولت، برضه هتلاقي نفسها هناك في الآخر.
أما ليلى، فمكنتش فاهمة ليه ده بيحصل، ليه كل يوم بتلاقي نفسها في نفس الوضع، بس في التلات أيام اللي فاتوا.. كانت تعبانة، مرهقة لدرجة إن مكنش عندها طاقة تفكر أو حتى تحاول تمنع نفسها. كانت بتشتغل ليل نهار، رجليها بتوجعها، جسمها منهك، ومع كل ليلة كانت بتلاقي نفسها غرقانة في حضنه، ومش بس غصب عنها.. لا، كانت بتحس إنه علاج، اللحظة اللي بتصحى فيها وتلاقي نفسها هناك، وكأن جسمها كان عارف إنها محتاجة ده، محتاجة حاجة تطمنها وسط التعب ده كله.
وهي عارفة، عارفة إنها بكرة هتصحى تلاقي نفسها في نفس المكان، مهما حصل.. ما فيش فايدة."**
**"وأخيرًا، جه اليوم المنتظر.. الخميس، اللي الكل مستنيه، مش بس العيلة، لأ.. البلد كلها. أربع ولاد، أربع بنات، فرح واحد، وكأن الدنيا كلها بتحتفل.
كانت الأصوات مالية المكان، مفيش ناحية إلا وفيها دوشة، زغاريط، ضحك، أصوات بتنادي على بعض، واللي بيجهزوا حاجة، واللي بيطلبوا حاجة تانية. حتى البهايم كان ليها نصيب في الهرجلة دي، صوت العجول اللي بتدبح، عشر عجول كاملة، كأنها إعلان إن النهارده يوم مش عادي.
ليلى كانت في وسط المطبخ، مش لاحقة تاخد نفسها، عمالة تلف من هنا لهنا، حد بينده عليها من ناحية، وحد تاني بيناديها من الناحية التانية، وهما أصلاً مش عارفين اسمها الحقيقي، بس ده مكنش فارق، المهم تخلص اللي وراها. إيديها بتتحرك بسرعة، عقلها بقى مبرمج على الاستجابة لأي حد يقول "يا بت".
أما أركان، فكان هادي، متابع من بعيد، منتظر اللحظة اللي كل حاجة فيها هتتغير، اللحظة اللي هيدخل فيها في لعبته الجديدة مع عبد الحق. لكن في وسط كل ده، كان في حاجة تانية غريبة.. حاجة بقت شبه الروتين عنده. كان عارف إن النهارده برضه، مهما حصل، مهما كانت ليلى مرهقة، هتصحى تلاقي نفسها في نفس المكان.. في حضنه. يمكن لأول مرة، أركان حس إن العادة دي مش غلطة، لأ.. بقت جزء من حياتهم، حتى لو ما حدش فيهم عايز يعترف بده."**
ــــــــــــــــ
في مطبخ الفيلا
ليلى كانت واقفة جنب الطاولة، بتاكل بسرعة وهي ملخبطة ما بين التفكير والتعب. الشغل في الفيلا مكركبها، وكل شوية حد ينادي عليها بحاجة. الجو في المطبخ كان سخن من كتر الطبيخ، وصوت الحلة اللي بتغلي كان عامل دوشة خفيفة مع أصوات باقي الخدامين اللي رايحين جايين.
دخلت بطه وهي شايلة صينية الأكل، وقفت جنبها وقالت بسرعة:
خدي يا هنية، ودي الأكل لجوزك والرجالة اللي معاه عند البوابة.
ليلى رفعت عينيها بتلقائية، فكرت ترد وتقول إنها مش فاضية، لكن سكتت.. دي حاجة روتينية خلاص، زي إنها بتصحى تلاقي نفسها في حضنه كل يوم. تنهدت وهي بتقوم تاخد الصينية، وقالت بنبرة عادية:
حاضر، هوديها.
خرجت من المطبخ، ماشية بخطوات سريعة، متعودة على الحركات دي. لما وصلت عند البوابة، كان أركان واقف مع الرجالة، بيتكلموا بهدوء عن حاجة ما. بصوا كلهم عليها للحظة، لكن نظراتهم كانت عابرة.. إلا واحد، نظرة أركان كانت مختلفة شوية، مش اندهاش ولا اهتمام، لكن كأن المشهد ده متكرر وبقى عادي.
مدت له الصينية وقالت بسرعة وهي مش باصة عليه:الأكل.
أركان أخدها من غير تعليق، قال بهدوء:تمام.
لحظة سريعة عدت بينهم.. لا رومانسية، لا توتر، بس شيء بقى شبه العادة. ليلى ما استنتش، لفت بسرعة ورجعت تمشي، عارفة إنها لو فضلت واقفة ثواني زيادة، ممكن تلاقي نفسها بتفكر في حاجات مالهاش لازمة.
أركان كان ماسك الصينية، بس في اللحظة اللي ليلى لفت فيها عشان تمشي، عينه فضلت عليها لحظة زيادة. المرة دي، مش مجرد نظرة عابرة.. لا، كان بيراقبها بجد.
من ثلاث أيام وهو شايف، شايف كل حاجة.. شايف هي بتشتغل إزاي، إزاي بتتحمل التعب، إزاي وهي بتنهار بس لسه واقفة على رجليها، إزاي كل مرة بتوصل فيها لحدودها بتاخد نفس وتكمل.
كان عارف إنها بنت شقيانة في حياتها، بس مش بالشكل ده.. مش بالشكل اللي يخلي حد يشيل فوق طاقته بالشكل ده، ويتحمل، ويضحك، ويكمل كأنه عادي.
في اللحظة دي بس، فهم حاجة كان بيتجاهلها.. فهم ليه أبوه مصمم عليها بالذات، ليه كان شايفها مختلفة عن أي بنت تانية، ليه كان مقتنع إنها هي اللي المفروض تكون معاه.
ما قالش حاجة، بس عينيه فضلت عليها لحد ما اختفت وسط الزحمة
عند البوابة – وسط الرجالة
أركان كان لسه ماسك الصينية، عينه لسه متتبعة ليلى وهي ماشية بعيد، من غير ما يحس إن نظراته كانت واضحة للرجالة اللي حواليه.
أحد الرجال (بضحكة جانبية وهو بيخبطه بكوعه): "إيه يا عم، محسسني إنك أول مرة تشوفها؟ مش أنت وهي مع بعض ليل نهار؟"
رجل آخر (بضحكة ساخرة): "يا عم ده عريس جديد، لسه متجوز ما بقالوش سنة.. تعالى شوفني أنا ومراتي، ما بطيقش أبص في وشها!"
ضحكوا الرجالة، وأركان فاق للحظة، شد ملامحه ورجع لطبيعته بسرعة، مسك الصينية بإحكام وقال بمرح مجاريهم: "كل واحد ونصيبه بقى."
ضحكوا الرجالة تاني، لكن هو كان لسه ذهنه مشغول.. يمكن فعلاً لأول مرة بدأ يشوفها بشكل مختلف، ويمكن لأول مرة حس إنه فاهم ليه أبوه كان مصر عليها بالشكل ده.
في المكان نفسه – بعيد عن الأنظار
نسرين كانت واقفة على بُعد، بتشوف كل حاجة من بعيد. عيونها كانت مشغولة بالمشهد قدامها، وهي بتتأمل ليلى وأركان. في قلبها كان في خليط من المشاعر؛ غيرة، كره، حقد.
وهي واقفة، سرحت في اللحظة اللي كانت بتتمنى فيها لو كان أركان هو اللي ابن عمها، لو كان هو اللي هيتجوزها النهارده بدل طاهر. لكن في نفس الوقت، كان في إحساس تاني داخلها؛ إحساس بالفقد. ليه مش هي؟ ليه هو مش معاها؟
في الأيام الثلاثة الأخيرة، كانت بتعيش حالة من العدم، كأنها كانت بتنتقل بين الحياة والموت. ما كان عندهاش استعداد تتجوز طاهر، ومع ذلك كانت عاجزة عن الاعتراض. شافت النتيجة مرة لما حاولت تعترض على حاجة، وعرفت إن كلامها ما هيغيرش حاجة.
لكن لحد دلوقتي، كانت مش قادرة تتقبل فكرة الزواج، حتى لو كان ده مصيرها اللي حطته ليها العيلة. كانت متشبثة بشعور داخلي يرفض الفكرة، رغم إن يوم الفرح وصل.
فجأة لفت عينها سيارة كانت جاهزة للانطلاق، والعربيات اللي كانت خارجة من المكان كانت فرصة لا تفوت.
فكرت في فكرة مجنونة، بس كانت في لحظة يأس من كل شيء. خلاص ما عندهاش حاجة تخسرها. من غير ما تعطي لنفسها وقت للتفكير، جريت بسرعة واختبأت في العربية وسط الزحمة، وكان قلبها بيدق بسرعة.
العربية بدأت تتحرك، والأصوات في الفرح كانت بتعلو بعيد عنها، بس في داخلها كان في صوت تاني، صوت من الخوف والحيرة، هل ده كان القرار الصح؟ لكن كان الوضع كله خارج عن إرادتها، وكان الهروب هو الحل الوحيد قدامها.
العربية تحركت وابتعدت عن المكان، وهي لسه مش مصدقة اللي عملته، بس كانت عارفة إنها مش هترجع تاني لورا.
تكملة الرواية من هناااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا