رواية الفتاه التى حلمت ان تكون ذئبه الفصل الرابع والثلاثون بقلم اسماعيل موسي (حصرية في مدونة قصر الروايات)
رواية الفتاه التى حلمت ان تكون ذئبه الفصل الرابع والثلاثون بقلم اسماعيل موسي (حصرية في مدونة قصر الروايات)
#الفتاة_التى_حلمت_ان_تكون_ذئبة
ساد صمت ثقيل، وكأن الجدار الجليدي نفسه يتنفس مع كلمات الرجل المقنع. لم يكن هناك صوت سوى أنفاسهم المتسارعة، وضوء القنديل المرتعش يلقي بظلال مرتجفة على الجدار حيث يرقد الرجل المحبوس داخله.
رعد تقدم خطوة، يحدق في الملامح المنحوتة في الجليد. كان وجه ضرغام الثاني هادئًا، كأنه في سبات عميق، لكن هناك شيء ما في ملامحه بدا مألوفًا بشكل مقلق. لم يكن مجرد شبيه… بل كان صورة طبق الأصل.
ليلى كانت أول من كسرت الصمت: "إذا كان هذا ليس وهمًا… فمن الذي تحدثنا إليه في الخارج؟"
الرجل المقنع ضحك بصوت منخفض، لكن ضحكته كانت جافة كصوت الصخور حين تنكسر. "منذ متى تثقون بما ترونه هنا؟ هذا المكان لا يخضع لقوانينكم… إنه فخ. أنتم لا تبحثون عن ضرغام الحقيقي، بل عن خيال خلقته هذه الجبال."
ماجي نظرت إليه بحذر. "إذن، من يكون هذا؟"
اقترب الرجل من الجدار الجليدي، مرر أصابعه المعدنية على سطحه، فأصدر الجليد طنينًا غريبًا، كأن شيئًا خلفه بدأ يتحرك. ثم التفت إليهم، وقال بصوت خافت لكنه مشحون بالمعنى:
"هذا… هو ضرغام الحقيقي."
شعرت جود برجفة تسري في عمودها الفقري. "إذا كان هذا هو الحقيقي… فمن ذلك الذي تحدث معنا في الخارج؟"
الرجل أدار رأسه ببطء، وعيناه الحمراوان تألقتا بوميض شيطاني. "ظلكم."
ارتجف الهواء حولهم، وكأن الجدار الجليدي نفسه استشعر كلماته. ثم، دون سابق إنذار، بدأت التصدعات بالظهور على سطح الجليد، تمتد مثل عروق سوداء تنبض بطاقة غريبة. كان هناك شيء ما يتحرك في الداخل—ليس ضرغام فقط، بل شيء آخر… شيء لم يكن عليهم إيقاظه.
رعد أمسك بمقبض سيفه، وصرّ على أسنانه. "إذا كان هذا فخًا، فلماذا تأخذنا إلى هنا؟"
ابتسم الرجل المقنع، لكنه لم يرد، بل رفع يده، مشيرًا إلى شيء خلفهم. التفتوا جميعًا بسرعة—
لكن ما رأوه جعل الدم يتجمد في عروقهم.
كان هناك شخص يقف عند مدخل الكهف، متشحًا بالسواد بالكامل، لكن ملامحه كانت مألوفة جدًا… مألوفة حد الرعب.
كان ضرغام.
لكن ليس ذلك الذي في الجليد، ولا ذلك الذي التقوه في الخارج.
هذا كان مختلفًا.
عيناه لم تكونا بلون الفضة، بل بلون الليل نفسه، وكأنهما بوابتان مفتوحتان على الفراغ. جلده كان شاحبًا أكثر من اللازم، وشفتاه كانتا منحنية بابتسامة خالية من أي مشاعر بشرية.
قال بصوت هادئ، لكنه حمل في طياته ظلامًا لا يوصف:
"ألم أخبركم أنكم أغبياء بالمجيء إلى هنا؟"
لم يكن هذا ضرغام الذي بحثوا عنه.
كان هذا ضرغام الذي ضاع في الجليد منذ زمن بعيد.
وكان الآن… قد استيقظ.
تراجعوا خطوة غريزية، كأن وجود هذا "الضرغام" الجديد سلب الهواء من رئاتهم. حتى الرجل المقنع، الذي بدا غير مبالٍ طوال الوقت، أصبح صامتًا، وعيناه الحمراوان ثبتتا على القادم الجديد وكأنه يواجه شيئًا يعرفه مسبقًا.
رعد، رغم اضطراب أنفاسه، قبض على مقبض سيفه بشدة، لكن قبل أن يتمكن من سحبه، رفع ضرغام الغريب يده ببطء، وكأنه ينذره بعدم المحاولة.
"أنا لست عدوكم،" قال بصوت هادئ، لكنه كان يحمل صدىً غريبًا، وكأنه يخرج من أعماق الجبل نفسه.
ماجي لم تخفِ شكوكها، قبضت على خنجرها وقالت بنبرة حادة: "وهل يفترض بنا أن نصدقك؟"
ضرغام الغريب لم ينظر إليها، بل أبقى نظره مثبتًا على الجدار الجليدي حيث كان ضرغام الآخر لا يزال نائمًا. ثم قال ببطء، كما لو أنه يختار كلماته بعناية:
"ذلك الذي تبحثون عنه… كان يومًا ضرغام، لكنه الآن شيء آخر."
التفتت ليلى إلى الجدار الجليدي، حيث تشققت طبقة الجليد أكثر، وكأن شيئًا خلفه كان يحاول الخروج. قلبها انقبض، شيء ما في أعماقها أخبرها أن هذا ليس تحريرًا… بل كارثة تنتظر لحظة الانفجار.
"ما الذي تعنيه؟" سأل رعد، صوته حاد كالنصل.
ضرغام الغريب لم يرد فورًا. بدلاً من ذلك، تقدم إلى الأمام، حتى صار أمام الجدار الجليدي مباشرة، ثم مد يده ولمس سطحه بأصابعه الطويلة.
حدث انفجار.
لم يكن انفجار نار أو ضوء، بل طاقة خفية اهتز لها الكهف بأكمله. تراجعت المجموعة بسرعة، بينما انطلقت تشققات ضخمة عبر الجليد، كأن روحًا محتجزة في داخله بدأت بالصراخ.
ثم، ببطء، فتح ضرغام النائم عينيه.
لم يكن هناك بريق فضي في عينيه، ولا أي أثر للحياة الطبيعية.
بل كانت فارغة.
فارغة تمامًا، وكأنها بوابتان إلى العدم.
ثم، بدون إنذار، انهار الجدار الجليدي بالكامل.
رفعت جود ذراعيها لتقي وجهها من الشظايا المتطايرة، بينما سحبت ماجي خنجرها واستعدت. رعد، بدافع غريزي، أمسك بليلى وجذبها بعيدًا عن موقع الانهيار، بينما اهتزت الأرض تحتهم.
وحين هدأ كل شيء، نهض ضرغام الحقيقي من بين الأنقاض، عاريًا من أي أثر للجليد، لكنه لم يتحرك… فقط وقف هناك، منتصبًا، بينما جلده الشاحب يتوهج ببرودة غريبة.
ثم، دون أي تعبير على وجهه، قال بصوت لم يكن بشريًا تمامًا:
"أين… أنا؟"
نظر ضرغام الغريب إليه، ثم استدار نحو رعد وبقية المجموعة، وقال بصوت منخفض لكن محمّل بالتحذير:
"الآن… أصبحتم في مشكلة حقيقية."
ساد الصمت، لكنه لم يكن صمتًا مريحًا. كان ثقيلاً، محمَّلاً بشيء غير مرئي، كأن الهواء ذاته فقد توازنه. نظراتهم جميعًا كانت مثبتة على ضرغام، الذي وقف وسط الأنقاض الجليدية بلا حراك، عيناه الفارغتان تائهتان في العدم.
ثم، فجأة، انطلقت منه زفرة طويلة، كأنها أول نفس يسحبه منذ قرون.
رعد لم ينتظر أكثر. تقدَّم خطوة، قبضته لا تزال على سيفه، وسأل بصوت هادئ لكنه حذر: "هل أنت ضرغام؟"
لم يأتِ الرد فورًا. بدا وكأن ضرغام يحاول استيعاب السؤال ذاته، قبل أن يميل برأسه قليلًا، ثم قال بصوت غريب، منخفض كأنه صدى لعشرات الأصوات مجتمعة:
"ضرغام… هذا كان اسمي ذات يوم."
ماجي تبادلت نظرة حادة مع ليلى، التي بدت متوترة لكنها لم تتحرك. أما جود، فكانت تتراجع ببطء، ويداها تتحسسان رموز الحماية التي خطتها في ملابسها منذ زمن، كأنها تتوقع الأسوأ.
الرجل المقنَّع كان الأكثر هدوءًا بينهم. ابتسم تلك الابتسامة الباردة التي لم تحمل أي مرح، وقال:
"إذن، أنت لست ضرغام الآن؟"
ضرغام الجديد استدار إليه ببطء، حدَّق في عينيه الحمراوين، ثم قال بصوت أكثر وضوحًا هذه المرة:
"أنا أكثر من ضرغام… وأقل منه في الوقت ذاته."
كانت تلك الكلمات كافية لإشعال الشكوك.
ليلى تقدَّمت خطوة، عيناها تحدِّقان فيه بقوة، ثم قالت: "كفى ألغازًا! إن كنت تعرف من تكون، فقلها بوضوح."
نظر إليها ضرغام مطوَّلًا. ثم، في لحظة غريبة، ابتسم.
لكنها لم تكن ابتسامة عادية… بل شيء بارد، شيء جعل القشعريرة تسرح في جسدها كما لو أنها نظرت إلى شيء لا ينتمي إلى هذا العالم.
ثم قال بصوت خافت، لكنه اخترقهم كالسهم:
"أنا ضرغام… لكنني أيضًا ما تبقى منه."
تحجَّرت ملامح رعد. "ماذا تعني؟"
ضرغام لم يُجِب فورًا. بدلاً من ذلك، رفع يده ببطء، وأشار نحو الرجل المقنَّع. "سألتم عن ضرغام… لكنه ليس كيانًا واحدًا."
جود شحبت ملامحها. "ماذا تقصد؟"
أخفض ضرغام يده، ثم قال ببطء، كأنه يجرُّ الكلمات من ظلام بعيد:
"قبل قرون، ضرغام لم يكن مجرد ساحر… بل كان سجينًا هنا."
كانت الجملة كفيلة بجعل القنديل في يد رعد يرتجف، كأن شعلة النار نفسها تفاعلت مع الكلمات.
الرجل المقنَّع ضحك ضحكة منخفضة، لكنه لم يبدُ متفاجئًا. "وأخيرًا، الحقيقة تبدأ بالظهور."
ضرغام استدار إليه، وقال بصوت أكثر برودة: "وأنت كنت تعلم، أليس كذلك؟"
ماجي صاحت فجأة، وقد فهمت شيئًا: "أنتما… شخص واحد؟"
ضرغام الغريب لم يرد، بل اكتفى بالصمت. أما ضرغام الجديد، فرفع يده، ووضعها على صدره، كأنه يشعر بشيء ينبض داخله، ثم قال:
"كلا. نحن نصفان لشيء واحد… أو بالأحرى، لما كان ضرغام يومًا."
أخذ رعد خطوة أخرى للأمام، رغم التحذير الغريزي الذي اجتاح جسده، وقال بنبرة متوترة: "إذن… أنت لست كاملًا؟"
ضرغام أومأ ببطء. "أنا روحه… أما هو"—وأشار إلى الرجل المقنَّع—"فهو ظله."
عند هذه الكلمات، ارتفع هدير غريب من أعماق الكهف، كأنه قادم من شيء لم يفق بالكامل بعد. الجدران نفسها بدأت تهتز، وكأن شيئًا آخر، شيء أكبر، كان يستيقظ.
الرجل المقنَّع ضحك مجددًا، لكنه هذه المرة لم يكن يحاول إخفاء شيء. "إذن، حان الوقت أخيرًا."
رعد، ليلى، ماجي، وجود كانوا في حالة تأهب قصوى. كان هناك شيء مروع يحدث هنا، شيء لم يكونوا مستعدين له بالكامل.
رعد قبض على سيفه بقوة، ثم قال بصوت منخفض، موجِّهًا كلامه إلى ضرغام الجديد:
"إن كنت بالفعل روحه… فماذا حدث لك؟"
ضرغام لم يرد على الفور. بل نظر إلى يديه، وكأنه يراها للمرة الأولى، ثم قال ببطء:
"لقد تمزَّقت."
عند تلك الكلمة، انفجرت الأرض تحتهم
حين انفجرت الأرض تحتهم، لم يكن انفجارًا عاديًا. لم يكن هناك نار، لم يكن هناك صوت مدوٍّ، بل كان أشبه بانهيار نسيج الواقع نفسه. فجأة، وجدوا أنفسهم يسقطون… ليس إلى أسفل كما هو متوقع، بل إلى الداخل، إلى مكان آخر، كما لو أن الكهف ابتلعهم إلى بُعد مختلف.
---
عندما استعادوا وعيهم، كانوا يقفون في ساحة واسعة، أشبه بسراديب قديمة منحوتة في الجليد الأسود. جدرانها بدت وكأنها تتنفس، تتوهج للحظات ثم تعود للظلام، كأنها قلب نابض تحت الجليد. في منتصف الساحة، وقف ضرغام، أو ما تبقى منه، بجانب الرجل المقنّع. لكن الآن، لم يعودا منفصلين… بل كانا يتحولان، شيئًا فشيئًا، إلى كيان واحد.
رعد أمسك سيفه، مستعدًا لأي هجوم. "ما الذي يحدث؟"
ضرغام رفع رأسه، عيناه اللتان كانتا فارغتين في البداية بدأتا تكتسبان لونًا جديدًا… لونًا ذهبيًا مشعًا. عندما تحدث، كان صوته مختلفًا، أكثر تماسكًا، أكثر كمالًا.
"أنا لم أكن ممزقًا فقط، بل كنت محبوسًا هنا… حتى أتى الوقت المناسب لاستعادة نفسي."
جود نظرت حولها بحذر. "وأين نحن؟"
ضرغام رفع يده، وبإشارة منه، بدأ الجليد يتلاشى من حولهم، كاشفًا عن خريطة من الضوء، منقوشة على الأرضية الجليدية. كانت الخريطة تتغير، تتحرك، كأنها تعيد رسم نفسها في كل لحظة.
"هذا المكان ليس كهفًا… بل هو بوابة." قال ضرغام، وعيناه تحدقان في الخريطة المتوهجة. "بوابة إلى مملكة الجان."
ليلى حبست أنفاسها. "إذن… الأمير ريان هناك؟"
ضرغام لم يرد فورًا. كان يحدق في الخريطة، كأنه يبحث عن شيء محدد. ثم، بعد لحظة من الصمت، قال بصوت خافت لكنه محمَّل بمعانٍ ثقيلة:
"ريان لم يُختَطَف… بل أخفي."
ماجي رفعت حاجبها بريبة. "أخفي؟ ما الفرق؟"
ضرغام رفع يده مجددًا، وهذه المرة، انبثقت صورة أمامهم، صورة ضبابية لمدينة خفية بين الجبال، محاطة بجدران من ضوء أزرق متوهج.
"هذه هي مملكة الجان." قال بصوت هادئ. "لكنها ليست كما كانت. هناك شيء خاطئ يحدث بداخلها."
رعد ضيّق عينيه. "هل تعني أن الجان أنفسهم هم من أخفوا ريان؟"
ضرغام التفت إليه، ونظر إليه كما لو أنه يقيّمه لأول مرة، ثم قال ببطء: "بل أخفوه… لإنقاذه."
صمت ثقيل خيّم عليهم جميعًا.
جود كانت أول من تحدث. "إذا كانوا يحمونه… فلماذا لا يظهر؟"
ضرغام لم يجبها مباشرة. بدلاً من ذلك، مرر يده فوق الخريطة، فظهرت صورة أخرى—هذه المرة، كانت صورة لقفص من الطاقة، يحوم في الفراغ، محاطًا بظلال سوداء كثيفة.
"لأن هناك شيئًا… أو أحدًا… يبحث عنه أيضًا."
ماجي أدركت الأمر قبل الجميع، وقالت بصوت مشوب بالخوف: "تريد أن تقول أن هناك قوة أخرى… تسعى لأسره؟"
ضرغام أومأ. "ليس فقط أسره… بل تدميره."
ليلى شعرت بالقشعريرة تزحف على جسدها. "لكن من؟"
ضرغام لم يرد مباشرة. بدلاً من ذلك، التفت إلى الرجل المقنّع، الذي كان واقفًا بصمت طوال هذا الوقت. ثم قال له بنبرة أقرب إلى التحدي:
"حان الوقت لأن تخبرهم بالحقيقة."
الرجل المقنّع ضحك ضحكة قصيرة، لكنها لم تكن ساخرة هذه المرة، بل كانت مليئة بالحزن. ثم، ببطء، رفع يده إلى وجهه، وأزال القناع.
عندما سقط القناع على الأرض، انكشف وجهه الحقيقي.
كان يشبه ضرغام… لكن ليس تمامًا. كانت هناك اختلافات طفيفة، خطوط أكثر قسوة، ندبة طويلة تمتد من جبينه حتى ذقنه، وعيناه—رغم تشابههما مع ضرغام—لم تكونا حمراوين فقط… بل كان فيهما ظلٌ يتحرك، كأنه محبوس داخلهما.
ثم قال بصوت خافت لكنه اخترق السكون مثل السيف:
"أنا شقيق ضرغام."
كانت تلك الصدمة كافية لجعل الجميع يتجمدون في أماكنهم.
رعد حدّق فيه بذهول. "ماذا؟"
الشبيه لم يبتسم، بل نظر إليهم جميعًا بجدية قاتمة، وقال:
"اسمي غياث. وأنا… سبب اختفاء ريان."**
نظروا جميعًا إلى غياث بذهول، كأنهم لم يفهموا الكلمات التي خرجت من فمه. كان ضرغام لا يزال صامتًا، عيناه الذهبيتان مثبتتان على شبيهه الذي كشف عن هويته للتو.
رعد كان أول من استعاد تماسكه. قبض على مقبض سيفه بشدة وقال بصوت حاد:
"إذا كنت السبب، ففسّر لنا كيف؟"
تنهد غياث، وكأن كلماته القادمة ستثقل عليهم جميعًا، ثم قال:
"قبل سنوات طويلة، كنت وريث العرش الحقيقي لمملكة الجان، لكنني فقدت كل شيء… بسببه." وأشار إلى ضرغام.
جود نظرت بينهما، بين الشبه العجيب والاختلاف الغريب. "كيف يمكن أن تكونا شقيقين وأحدكما جان والآخر بشري؟"
ضحك غياث بسخرية، لكن ضحكته كانت حزينة أكثر مما هي مستفزة. "لأن ضرغام لم يكن دائمًا بشريًا."
الهدوء الذي تلا كلماته كان أشبه بسكون ما قبل العاصفة. الجميع تجمّدوا في أماكنهم، بينما بدأ ضرغام يحدق في غياث كما لو أنه استعاد ذكرى كان قد نسيها منذ زمن بعيد.
ليلى شعرت بأن قلبها ينبض بسرعة، وقالت بصوت مرتجف: "أنت تقول… إن ضرغام كان جانًا؟"
أومأ غياث ببطء. "ليس مجرد جان… بل ولي العهد، الأمير الذي كان مقدرًا له أن يحكم بعد والدي." أغمض عينيه للحظة، كأنه يستعيد الذكريات القديمة. "لكن حدث شيء لم يكن في الحسبان… شيء غيّر كل شيء."
ضرغام لم يتحرك، لكنه تحدث أخيرًا، وصوته كان أشبه بصوت شخص يتذكر حياته للمرة الأولى. "لقد نُفيت."
نظر إليه غياث بحدة. "بل لُعنت."
رعد، الذي كان يسمع كل هذا بصبر نافد، قاطعهم قائلاً: "كل هذا لا يهم الآن! المهم أن ريان في خطر، وعلينا أن نعرف كيف نستعيده."
غمغم ضرغام وكأن الكلمات تخرج منه دون أن يدرك: "لقد نُفيت من المملكة، وأُجبرت على العيش في عالم البشر… لم أكن أتذكر من أكون."
نظر إليه غياث بعينين مشتعليتين بالغضب والألم. "وأنا من بقيت أحمل الذنب وحدي."
كان هناك شيء مخيف في صوته، شيء جعل حتى ماجي تتوقف عن تحريك خنجرها. تابع قائلاً: "عندما اختفى ضرغام، تغير كل شيء في المملكة. لم يكن هناك ولي للعهد، ولم يكن هناك من يرث العرش سواي… لكن والدنا لم يكن يثق بي كما كان يثق به. كنتُ مجرد ظل، مجرد احتياطي. وعندما جاء الوقت، عندما كان عليّ أن أتولى العرش…" توقف للحظة، ثم أكمل بصوت مرتجف: "اتهموني بالخيانة."
ليلى حدقت فيه. "لماذا؟"
تنهد غياث، ونظر إلى رعد مباشرة. "لأنني حاولت إنقاذ شخص لا يجب أن يكون في المملكة." ثم أضاف بصوت قاتم: "حاولت إنقاذ ريان."
سرت قشعريرة في أجسادهم جميعًا.
جود كانت أول من تحدث بعد لحظة صمت. "إذا كنت تحاول إنقاذه، فمن الذي كان يسعى لإيذائه؟"
نظر غياث إليها طويلاً، ثم قال بصوت خافت: "الحاكم الجديد."
رعد عقد حاجبيه. "أي حاكم؟"
"الحاكم الذي جلس على العرش بعد اختفاء ضرغام… والذي لم يكن يجب أن يجلس عليه أبدًا."
ضرغام لم يبدُ متفاجئًا. "أبي."
جود وضعت يدها على فمها، بينما تجمدت ليلى في مكانها.
ماجي قالت بصوت بارد: "إذن، الملك نفسه هو من سعى وراء ريان؟"
أومأ غياث. "ريان ليس مجرد أمير، إنه يحمل سلالة أقوى من أن تُترك دون رقابة." ثم صمت للحظة قبل أن يضيف ببطء: "ريان ارتكب خطيئة لا تُغتفر في نظر الملك."
رعد ضاق عينيه. "ما الذي فعله؟"
أجاب غياث بصوت منخفض لكنه حمل قوة كلماته: "أحب إنسانة بشرية."
ساد صمت ثقيل. جود وليلى تبادلتا نظرات مذهولة، بينما بقي ضرغام صامتًا.
تابع غياث: "حين اكتشف الملك ذلك، غضب بشدة. لم يرد أن يتكرر ما حدث في الماضي، أن يتحد دم الجان مع البشر، فرأى أن ريان لم يعد يستحق العرش. لم يكتفِ بحرمانه من حقه كوريث، بل أمر بنفيه." توقف للحظة، ثم أضاف بصوت أكثر قتامة: "لكن الحقيقة أنه لم يكن يريد نفيه فقط… بل قتله."
ليلى غطّت فمها بيدها، أما رعد فقبض على سيفه بقوة.
"عندما أدركت ذلك، كنت الوحيد الذي استطاع مساعدته على الفرار. أخفيته بعيدًا عن أعين الجميع، وظننت أنني أنقذته… لكن الملك لم يتوقف عن البحث عنه منذ ذلك الحين."
ضرغام، الذي كان يستمع بصمت، قال أخيرًا: "أين هو الآن؟"
أجاب غياث بصوت منخفض: "في مكان لم يعد آمنًا بعد الآن."
رعد رفع رأسه، الحدة في عينيه تزداد. "إذن علينا أن نصل إليه قبل الملك."
غياث نظر إليه نظرة طويلة، ثم قال بصوت هادئ لكنه مليء بالتحذير: "إذا ذهبتم معي… لن يكون هناك عودة."
ضرغام حدّق فيه مباشرة وقال: "خذني إليه."
ابتسم غياث، لكن ابتسامته لم تكن مريحة. "إذن استعدوا… لأن ما نحن مقبلون عليه قد يغيّر كل شيء."
مملكة الظلال: طريق اللاعودة
ساد الصمت بينهم للحظات، لكنه لم يكن صمتًا فارغًا، بل كان ثقيلاً، محمّلًا بالاحتمالات والمخاطر. كل واحد منهم كان يدرك أن اتخاذ هذه الخطوة يعني تجاوز الحد الفاصل بين الأمان والهاوية.
أخيرًا، تحرك رعد. رفع رأسه ونظر إلى غياث بثبات. "إلى أين سنذهب؟"
غياث أجابه دون تردد: "إلى المكان الذي أخفيت فيه ريان... سجن النهر الأسود."
تجمدت ليلى وجود، بينما حدّق ضرغام في غياث بحدة. لكن رعد، على عكسهم، لم يُظهر أيّ مفاجأة… فقط توترت عضلاته، وانقبض فكه.
"سجن النهر الأسود؟" تمتمت ليلى بصوت خافت، غير مصدقة. "لكن… هذا مجرد أسطورة!"
"بل هو حقيقة." قال غياث ببرود. "سجن النهر الأسود ليس مجرد مكان لحبس السجناء… إنه مكان يُسجن فيه من يُراد محوهم من الوجود." توقف للحظة، ثم أضاف: "وكان هذا هو المصير الذي أراده الملك لريان."
كان الجميع مستغرقين في محاولة استيعاب كلامه، لكن عيونهم انجذبت إلى رعد حين قال بصوت خافت، لكنه محمّل بالثقل:
"أنا أعرف ذلك المكان."
التفتوا جميعًا إليه، نظراتهم مليئة بالدهشة.
"كيف تعرفه؟" سألت ليلى، والقلق يملأ ملامحها.
رفع رعد نظره، وعيناه تعكسان ذكرى لم يرد استرجاعها. "لأنني كنت هناك."
ساد الصمت مجددًا، لكنه هذه المرة لم يكن ثقل الصدمة وحده، بل شعور بالخوف الحقيقي.
"أنت… كنت في سجن النهر الأسود؟" سألت ليلى ، وكأنها تحاول استيعاب الأمر.
"ليس فقط كنت هناك،" قال رعد بصوت بارد، "بل كنت محبوسًا داخله."
انعقد حاجبا ضرغام. "وكيف خرجت؟"
لم يجب رعد مباشرة، بل نظر إلى جود ثم إلى ماجي، ، وكأن كلماته تخصهم قبل أي أحد آخر. وأخيرًا قال:
"لأنهم أنقذوني."
ساد الصمت من جديد، لكن هذه المرة لم يكن صمت صدمة، بل احترام.
ماجي، التي لم تكن من النوع الذي يحب الحديث عن البطولات، قالت بصوت جاف: "الدخول إلى السجن شيء، والخروج شيء آخر. إذا كنا سندخل مجددًا، فلابد أن نكون مستعدين."
أومأ غياث موافقًا. "هذه المرة، لن يكون الأمر مجرد هروب. علينا أن نستعيد ريان."
جود، التي كانت تتذكر تفاصيل المهمة السابقة، شدّت على قبضة سلاحها. "إذن فلننهِ ما بدأناه."
تبادلوا نظرات حازمة، ثم تحركوا معًا، وكأنهم اتخذوا قرارًا واحدًا دون حاجة إلى الكلام.
المعركة الحقيقية بدأت الآن.
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا