القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية نذير شؤم الفصل الأول والثاني والثالث بقلم ناهد خالد كامله

 


رواية نذير شؤم الفصل الأول والثاني والثالث بقلم ناهد خالد كامله 





رواية نذير شؤم الفصل الأول والثاني والثالث بقلم ناهد خالد كامله 




#الفصل_الأول ( قسمه ونصيب! ) 


-بصى يا حبيبتى كل شئ قسمه ونصيب , وابنى مش نصيبك .


ردت بهدوء أقرب للبرود :


-والسبب ؟ 


ردت المرأه بفظاظه مفصحه عن السبب الحقيقى :


-بصى أنا مش هلف وادور , أنا ابنى لسه شاب صغير وأنا مش مستغنيه عنه وأنتِ منكرش أنك حلوه , بس الحته كلها عارفه أنك نذير شوم على الى حواليكِ , ورغم إنى رفضت لما قالى أنه عاوز يتقدملك بس هو أصر بس بعد ماخسر شغله والحادثه الى عملها من يومين هو نفسه مبقاش عاوز الموضوع ده .


وقفت بهدوء تام وكأن كل هذه الكلمات التى قالتها المرأه ليست موجهه لها ودلفت لغرفتها جالبه ذهب الخطبه ثم عادت لها ووقفت أمامها قائله بنبره جامده :


-اتفضلى حاجتكوا اهى .


وقفت المرأه بلهفه تلتقط الذهب منها وقالت :


-تسلمى , وإن شاء الله ربنا يرزقك بنصيبك قريب ..


قالتها وركضت للخارج بسعاده كأنها قد تخلصت من كارثه ما في حياتها !


جلست فوق الأريكه بإنهاك , رغم تعدد الموقف وحدوثه لأكثر من خمس مرات سلفًا ولكنها فى كل مره تشعر بنفس الشعور , الخذلان , واليأس ,وقلة الحيله ! , كيف تثبت لهم أن كل ما يحدث معها ليس سوى .....هى نفسها لا تعلم تفسير لِمَ يحدث ولكنها تشعر أنها ليست كما يقولون , ليس نذير شؤم , ليست لعنه تصيب من يقترب منها بالأذى , لملمت خصلات شعرها الأصفر المتساقطه بضيق , وأسندت رأسها لظهر الأريكه المتهالكه وهى تفكر فى حياتها الماضيه منذُ ولادتها ..


طفله وُلدت فى يوم عاصف بالرياح والأمطار , صرخات والدتها تشق الأجواء حتى أتت هى بسلام , ولكن لم تحضر معها السلام , فى نفس اللحظه أتى أحدهم يركض لوالدتها ليخبرها بوقوع زوجها قتيلاً فى شجار كان دائرًا بينه وبين كبير المنطقه المجاوره , فقد كان والدها كبير منطقتهم حينها , وكان يريد أن يجلب صبى كى يكون خليفه له , ولكن أتت هى لتأخذ روحه فى نفس اللحظه ! هكذا قال عنها الجميع , وطُردت هى ووالدتها حين بلغت اليوم السابع فقط , طُردوا من بيت كبير المنطقه حين اجتمع الأهالى على اختيار الخليفه الجديد , وجاءت لهذه الشقه القديمه المتهالكه , ومرَّت بهم الأيام ومستواهم المادى فى الحضيض وكانت والدتها تعمل فى أحد المحلات الموجوده فى المنطقه , ولم تخلُ حياتهم من المصائب , حتى جائتها المصيبه الكبرى يوم نتيجة الثانويه العامه حين عادت بملامح تطير فرحًا لأنها قد حصلت على مجموع يضمن لها مكانًا جيدًا فى أحد الجامعات حسب التنسيق , كانت تود أن يتنهى الطريق فى غمضة عين لتصل لوالدتها وتبلغها بنجاحها , وليتها لم تصل , وصلت لتجد والدتها قد قررت تركها وصعدت روحها كى تنقص فرحتها وتتحطم على صخرة الواقع , وحينها وجدت نفسها بمفردها فى مواجهة الحياه التى لم ترحمها منذُ أتت عليها , تخلت حينها عن حلمها فى الإلتحاق بالجامعه , وقررت العمل كى تستطيع تولى أمور معيشتها , وعملت فى نفس المحل مكان والدتها , ومرَّت بها الأيام وهى على نفس الوضع حتى مرَّ عام , وبدأ الخطاب يدقون بابها ومن هُنا وعُرفت بأنها نذير شؤم , رُبما كان الجميع يقول هذا عنها منذُ ولادتها ولكن ترسخت لديهم الفكره أكثر منذُ بدأت تستقبل الخطاب , وبدأوا يقولون هذا فى وجهها ويبتعدون عنها ويخشون وجودها فى أى مناسبه كى لا تُفسد بسببها , تتذكر أول شاب جاء لخُطبتها حين اتفقوا على موعد قراءة الفاتحه توفت والدته , ولكنه لم يضع بالاً للأمر , وحين اتفقوا على موعد جديد نشبَ حريق فى منزلهم فى نفس اليوم المُتفق , حينها لم يأتى الشاب مره أخرى , وتكرر نفس الشئ مع الثلاثه الذين تلوه مع اختلاف الأحداث , حتى الشاب الأخير الذى جاءت والدته الآن لتنهى الخُطبه , ولهذا يتحاشاها الجميع كأنها وباء , وعُرفت فى المنطقه أن " نواره إبنة حسن " نزير شؤم .


" نواره حسن " فتاه فى الخامسه والعشرون , جميله جمال يشهد له الجميع , بخصلاتها الشقراء التى تختبئ أسفل وشاحها , ووجه الأبيض الممتلئ قليلاً , وأعينها البُنيه الجذابه , وجسدها المتوسط بشكل ملائم , لا يُنكر أحد جمالها ورُبما هذا ما يجعل الشباب يغامرون ويتقدمون لخُطبتها على الحظ يُحالفهم ويستطيعون الإستمرار معها , ولكن للآن لم يحدث هذا ..وكل قصة تنتهى بنفس الجمله "كل شئ قسمه ونصيب "


________( ناهد خالد )__________


_______( ناهد خالد )_________


ترجل درجات السُلم بقدميهِ الطويلتان قاصدًا شقة والده , فمنزلهم يتكون من ثلاث طوابق وكل طابق بهِ شقتان كبيرتان , ولِمَ لا أليس هذا منزل كبير منطقة " الحدادين " هكذا سُميت منذُ قديم الأزل لشهرتها بكثرة الحدادين الماهرين بها , مرَّ على شقة أخيهِ الأكبر أثناء نزوله فوجد زوجته تخرج منها توقف بغته كى لا يصطدم بها , وتوقفت هى تبتسم له بلُطف وقالت :


-صباح الخير يا دكتور .


ابتسم بهدوء ورزانه كعادته وردَّ :


-صباح الخير يا زينب , هو إبراهيم لسه نايم ؟


ردت نافيه :


-لا نايم إيه ده راح يوصل عمرو للمدرسه .


ضحك بخفه وهو يقول :


-عمرو ده بيربيه من أول وجديد , عالأقل بقى بيصحى بدرى .


أومأت بتأكيد وهى تقول :


-معاك حق , الأول كان بيصحى الضهر من يوم ما عمرو اتولد وهو من الساعه 7 تلاقيه واقف على حيله .


رأى أخيهِ الأصغر يخرج من الشقه المجاوره فهتف :


-يلا عقبال الباقى .


ابتسم الأخير وهو يغلق باب شقته وقال :


-باقى أيه بقى قصدك مين يا دكتور ! أنا الحمد لله الحاج مطلع عينى وبيصحينى من بدرى زى ما أنت شايف .


-لا مانا مش قصدى على الصحيان , قصدى عقبال ما يتصلح حالك وتبطل سهر للفجر .


ردت زينب بضحكه خافته :


-سهر إيه بقى كلها يومين ويتجوز , ولو سهر فى يوم هيلاقى بوظ مُنى شبرين قدامها .


ضحك " محمد " وهو يتجه لأخيه الأكبر وأحاط كِتفه وهو يقول :


-أنت تسكت خالص مش كفايه دبستنى اتجوز قبلك .


-ليه وأنا مالى مش أنت الى قولت عاوز اتجوز !


-ماهو أبوك مش سايبنى فى حالى لكن لو كنت أنت قلتها قبلى كان زمانه مشغول فيك .


أزاح يديهِ وقال :


-طب اوعى يا أخويا أنزل أشوف الحاج عاوز إيه باعتلى بقاله مُده .


أكمل النزول ليستمع ل محمد يقول :


-يارب يكون عاوز يجوزك .


ضحك بخفه وهو يرفع صوته قائلاً :


-ده بعينك ..


عائلة " المهدى " كِبار منطقة " الحدادين " الموجوده فى أحد المناطق النائيه فى القاهره والمتسمه بالشعبيه الباحته . 


تشمل العائله " منتصر المهدى " الأب , وزوجاته " سُريه ورحاب ", الساكنتان فى الطابق الأول من المنزل كلاً منهما فى شقه , وفى الطابق الثانى " إبراهيم وزينب " و مقابلهما شقة " محمد " , إبراهيم ومُحمد أولاد سُريه الزوجه الأولى , وفى الطابق الثالث يقطن بطلنا فى أحد الشقق والشقه الأخرى جعلها والده فارغه لا تحتوى سوى على مكتبه والأوراق الهامه ويقضى بعض وقته بها حين يريد الإختلاء بنفسه .


دق باب الشقه التى بعث له والده فيها ففتحت شقيقته الصغرى " سمر " وهى تبتسم له :


-صباح الخير يا أبيه .


قبل جبينها وهو يدلف :


-صباح الفل يا سمر , اومال الحاجه فين ؟


قالها وهو يمشط الصاله بعيناه لتخرج والدته " رحاب " من المطبخ وهى تقول :


-أنا هنا يا حبيبى .


اقترب مقبلاً يدها وقال :


-صباح الخير يا حاجه .


ابتسمت برضا وهى تجيبه :


-صباح القمر على عيونك ياقلب الحاجه .


-آه ماهو حبيب القلب بقى .


كانت هذه جملة " منتصر " الذى قالها وهو يخرج من غرفة مكتبه وأكمل وهو يشير له :


-ورايا يا دكتور مش وقت غرميات .


همس لوالدته وقال :


-شكل الحاج بيغير اما الحقه ليقلب عليا .


ضحكت بخفه وهى تراه يلحق بوالده وعادت للمطبخ كى تنهى إعداد الإفطار . 


________( ناهد خالد )______


-أؤمر ياحاج .


-أقعد يا يوسف عاوزك فى موضوعين .


جلس أمام والده منتظرًا حديثه ..


" يوسف المهدى " صاحب الثلاثون عامًا , طبيب نساء , قضى سنوات دراسته بالجامعه فى القاهره وعمل هناك ولم يعود إلا من عام فقط , حين قرر إفتتاح عياده كبيره فى منطقته كى يفيد أهالى المنطقه بعلمه خاصًة مع قلة الأطباء الموجودين فلا يتعدى عددهم ثلاث , ووجود مستشفى عام يقل فيها عدد الأطباء أيضًا , عيناه بُنيه غامقه , وشعره أسود غزير ورغم بلوغه الثلاثون لم يظهر فى خصلاته البياض , بشرته خمريه وملامحه قريبه لملامح الرجل العربى الأصيل , ورُبما هذا سر جذبيته .


-أولاً عاوزك تروح للحاج محروس كبير " العزايزى "


قطب حاجبيه باستغراب وقال :


-واشمعنا أنا ياحاج ؟ أنت عارف أنى معرفش المناطق الى حوالينا !


-إبراهيم راح يوصل ابنه للمدرسه وبعدها هينزل القاهره يجيب بضاعه للمصنع بتاعنا ومش هيرجع غير بكره على ما يخلص الى وراه هناك , ومحمد مشغول فى تجهيزات الفرح ونازل طنطا يشتري العفش , ومينفعش ابعت حد من رجالتى لازم أقدر الراجل وابعتله حد منا .


أومئ بموافقه وقال :


-ماشى يا حاج هروح , حاجه تانيه ؟


-آه أنت ناوى تشوف حياتك امتى بقى !


ضحك بخفه وقال :


-ياحاج ده الواد لسه متجوزش وبتفكر فى الى بعده !


رفع منتصر إصبعه وهو يقول مُصححًا :


-قصدك الى قبله .


تنهد بهدوء وقال :


-بص ياحاج أنا مش رافض الموضوع وأكيد هييجى يوم وأنا بنفسى هقولك عاوز أتجوز بس لما النصيب ييجى .


أومئ له منتصر بتنهيده وقال :


-ماشى يا يوسف زى ما تحب أما نشوف أخرتها .


وقف وهو يبتسم وقال :


-أخرتها فل إن شاء الله .


_____( ناهد خالد )______


مساءً .....


ارتدت ثيابها وعدلت وشاحها فوق رأسها ووضعت الكحل فى عيناها الساحره وبعض الحُمره على شفتيها وخرجت من منزلها قاصده منزل صديقتها الوحيده " نسمه " كى تحضر حفل زفافها ..


وصلت للمنزل وكادت تدلف لتلتفت على صوت والدة نسمه القريب منها وهى تقول :


-أنتِ داخله فين ؟ 


وقفت محلها وهى تهتف بتوتر :


-داخله لنسمه ياخالتى هى مش صاحبتى وده فرحها ! لازم أباركلها وكمان هى عزمتنى .


لوت المرأه شفتيها بضيق وقالت :


-مهى عبيطه عاوزه تبوظ ليلتها عشان تعزمك , بقولك إيه أنا ساكته على صحوبيتكوا غصب عنى عشان ياما كلمتها ومفيش فايده , بس أنا ماصدقت بنتى تتجوز ومش عاوزه ليلتها تبوظ بسبب حد , مباركتك وصلت بس دخول جوه مش هتدخلى , واتفضلى يا حبيبتى شرفتى .


قالت الأخيره بضيق واضح وهى تشير لها بالعوده ...


سارت بالطريق للعوده لمنزلها بعدما كُسر خاطرها للمره التى لا تعلم عددها , لكن هذه المره أشدهم كسرًا , كانت تريد أن تحضر زفاف صديقتها الوحيده خاصًة أنها ستتزوج من خارج المنطقه وستذهب مع عريسها ورُبما لن تراها إلا بعد فتره طويله , كانت تريد أن تشاركها فرحتها , لكن رغم كل هذا هي أيضًا كانت تخشى أن تحضر الزفاف فيصيبه لعنتها , بدأت تصدق ما يقوله الناس عنها , لا هى منذُ زمن وهى تصدق وليس الآن فقط !


تساقطت دموعها على غفله منها وهى تفكر فى كل ما يحدث معها منذُ جاءت لهذه الُدنيا لم يحدث معها شئ واحد جيد , وكأنها جاءت لتتعذب فقط !


_____( ناهد خالد )_____


كان يسير بسيارته الفارهه والتى لا يمتلكها أحد من منطقته سوى أفراد عائلته , يتطلع حوله للمنطقه بتفحص فهذه المره الأولى التى يأتى فيها هُنا , ولولا والده الذى ألح عليهِ ليأتى كى يدعو كبير المنطقه لزفاف شقيقه لمَ جاء من الأساس , رأى فتاه تسير بجانب الطريق مقبله في اتجاهه فتوقف بسيارته ليسألها عن مكان منزل كبير المنطقه , ترجل بجسده المُعضل وطوله الفارهه وثيابه التي يظهر عليها الترف , ببنطاله الأسود وقميصه الأزرق الغامق وحذاءه الأسود المماثل للبنطال , رأى الفتاه تقترب أكثر بفستانها الواسع الذي امتزجت ألوانه بين الأسود والأخضر , ووشاح رأس أسود يغطى معظم وجهها ( البطله نفس شكل البنت الى في الغلاف بنفس الوشاح ) ..


انتبهت لوقوف أحدهم على بُعد قريب منها فمسحت دموعها والتفت حولها لتجد المكان خالِ من أهالى المنطقه فجميعهم فى الزفاف كعادتهم , حاولت تحاشى مكان وقفته فانزوت قليلاً للجهه الأخرى ومرت من جواره فاستمعت لصوته الأجش يهتف :


-لحظه يا آنسه ...


وقفت تنظر له بتوتر ظهر فى عيناها , فهتف هو بجديه :


-ممكن أعرف فين بيت الحاج ... ؟


زفر بضيق حين نسى الإسم فأكمل :


-هو كبير المنطقه هنا .


جذبت الوشاح أكثر تدارى بهِ وجهها فمن سِمات أهل المنطقه أنهم لا ينكشفون على غريب ..هتفت بصوتها المختنق قليلاً أثر بكائها منذُ قليل ورغم هذا ظهرت نبرته المميزه وقالت بتساؤل :


-قصدك الحاج محروس !


صمت قليلاً وهو يستمع لنبرتها المميزه لكنه قال بإدراك :


-ايوه محروس صح ..


كادت تجيبه لكنها شهقت بخضه حين استمعت لإصطدام قوى خلفها , نظرت للخلف بأعين متسعه لتجد سيارة الغريب قد صُدمت بسياره أخرى , هل بدأت لعنتها فى العمل بهذه السرعه !!! 




#الفصل_الثانى #لقاء_الغريب #ناهد_خالد


-الله الله , ايه ده لاحول ولاقوة إلا بالله معلش يا أستاذ والله ماشوفت العربيه معرفش ازاى دخلت فيها كده .


قالها السائق الذى ترجل من سيارته بعدما صدم سيارة " يوسف " , وأنهى حديثه ملقيًا بنظره جانبيه ل " نواره " التى تركت من يدها وشاح رأسها فكُشف وجهها , توترت من نظرته , ونظر لها " يوسف " بعدم فهم لنظرة الرجل لكن تجمدات نظراته عليها وهو يرى ملامحها واضحه أسفل ضوء عمود الإناره , لم تكن عينه زائغه يومًا ولم يلفت نظره أى إمرأه مهما كان جمالها ,ولكنه لن ينكر إنجذابه لهذه الفتاه , لا يعلم لِمَ لكنه يشعر أن ملامحها مميزه عن الجميع , فيها مزيج من براءه طفل فى السابعه , وحزن عجوز فى الثمانين , شقاوة فتاه فى العشرون , وضعف إمرأه فى الخمسين , كل شئ وعكسه بشكل غريب لكنه مميز , وعيناها التى رفعتها الآن أقضت على الباقى من ثباته , عينان بلون البندق الرائع فيهما صفاء وحزن اختلطا ببعضهما ليعطيا بريق جميل ومُحبب ...


أزال نظراته عنها حين هتف الرجل :


-لامؤاخذه يا أستاذ الخبطه مجتش شديده الحمد لله , بس يعنى أنا لولا الحال كنت صلحتهالك على حسابى .


التف له ورد بهدوء :


-خلاص حصل خير .


رد الأخير بضيق :


-مهو لولا وقوفك معاها مكنش حصل الى حصل .


ضيق " يوسف " عينيهِ بعدم فهم وهو يسأله :


-وقوفى مع مين ؟ 


لوى الرجل فمه بضيق وقال :


-مع الى كنت واقف معاها .


التف " يوسف " لجانبه فوجدها قد ذهبت ورأى طيفها بعيدًا تسير بسرعه , عاد بنظره لمن أمامه وسأله باستفسار :


-أنا مش فاهم , هى أيه علاقتها بأنك خبط عربيتى .


-ازاى بقى , ده ليها علاقه ونص , أصل حضرتك مش فاهم إكمنك غريب عن المنطقه يعنى , البت دى وش نحس محدش بيقرب منها غير لما يحصله مصيبه , وأديك شوفت عشان بس وقفت معاها عربيتك اتخبطت .


ضيق " يوسف " حاجبيهِ بضيق وقال :


-إيه الجهل ده ! 


زجره الرجل بعدم رضا وهو يرد باستنكار :


-جهل ! , الله يسامحك يا حضرت , وعمومًا أنا قولتلك الى فيها وأنت حر بالإذن .


نظر " يوسف " لذهابه بضيق وهو يردد :


-يعنى شارب ومتنيل وبتلبس عملتك فى البت !


فقد أدرك يوسف هذا منذُ رآه , فهو طبيب ألن يعرف إن كان من أمامه تحت تأثير أحد المخدرات أم لا ؟ 


اتجه لسيارته وقرر الدلوف للداخل أكثر حتى يجد أحد يسأله عن منزل محروس هذا ..


______( ناهد خالد )______


وصلت منزلها وهى بالكاد تسير على قدمها فلم يخفى عنها ما قاله ذلك الرجل للغريب عنها وعن وقوفه معها فقد استمعت لبعض كلماته قبل أن تبتعد تمامًا , رفعت نظرها لتدلف من باب المنزل لكنها شهقت بخضه حين وجدت صاحب البيت يقف أمام الباب , توقفت تلتقط نفسها وهى تهتف بعتاب :


-الله يسامحك ياعم صابر فزعتنى .


رد " صابر " بابتسامه سمجه :


-سلامتك من الفزع ياختى , فى موضوع مهم عاوزك فيه .


تململت فى وقفتها بضيق وقالت :


-خير ؟


-بصى بقى أنا ابنى خطب خلاص وهيتجوز بعد سنه , وأديكِ شايفه الشقق كلها سكنت وأنا مش هجوز الواد فى إيجار وأنا عندى مِلك , فكنت محتاج شقتك عشان يدوب أجهزها وأظبطها عشان الواد يتجوز فيها .


اتسعت عيناها بصدمه وهى تردد :


-أنت بتقول يا عم صابر أنت عاوز تطردنى من الشقه ؟


-اومال أجوز ابنى فين أسيبله شقتى وأبات فى الشارع ؟ ثم إنى من زمان وأنا بلمحلك أنك تسيبِ الشقه بس أنتِ عامله هبله .


ارتفع صوتها بغضب وهى ترد :


-هبلة ايه ! أنا فكرتك بتلمح أنك تزود الإيجار , لكن تسيبنى الشقه ! , بعدين أشمعنا أنا ما فى شقتين غيرى !


-الشقتين دول معاهم عيال , لكن أنتِ بطولك , وبعدين بقى تحمدى ربنا أنى سيبتك قاعده فى الشقه كل ده مع الى عارفينه عنك والناس بتقوله عليكِ .


وهنا أشتعل فتيل الغضب لديها فلِمَ يحدثها وكأنها ذات أخلاق سيئه ! , هتفت بغضب وصوتِ عالِ كأنها تفجر فيهِ كل ما مرت بهِ فى يومها بدأً من فسخ خطبتها ل مقابلتها لذلك الغريب الذى تسببت فى صدم سيارته بحديثها معه :


-جرا ايه ياراجل أنت ؟ أنت مالك ياخويا بتتكلم وكأنى ماشيه على حل شعرى ولا فاتحه شقتى للى داخل واللى خارج ! , كلام ايه الى الناس بتقوله عنى ! دى مخاخكم المريضه هى الى موصللكوا الفكره دى عنى , وأخبطوا دماغكوا فى أتخن حيط أنتوا وأفكاركوا , دى شقتى وبقالى سنين فيها وفى عقد إيجار لما يخلص ابقى تعالى كلمنى .


صُدم من إنفجارها بهِ , لأول مره ترفع صوتها وتقف فى مواجهة أحدهم لطالما كانت تتخذ الصمت منهجًا لها , ولكن مالا يعرفه أن لكل إنسان طاقه , وحين تنفذ طاقته ستتفاجئ بمن أمامك وكأنك تراه لأول مره , ابتسم بتشفى بعدم أفاق من صدمته وقال :


-لا هو أنا مقولتلكيش , مش العقد خلص من يومين , كان آخره الشهر الى فات وأدينا بدأنا شهر جديد , وأنا الى قولت أعمل بأصلى وأديكِ مهله الشهر ده , لكن أنتِ متستهليش , بكره عاوز الشقه وتفضى متفضاش بكره هاخدها يأما هتلاقى نفسك فى الشارع .


أنهى حديثه وتركها ودلف للداخل غير مراعيًا بحالتها , شعرت فى هذه اللحظه بالتشرد وليس هناك كلمه تصف حالتها غير هذه , أين ستذهب ؟ تدرك جيدًا أنها لن تجد أحد يأويها فى هذه المنطقه , فجميعهم يتمنون أن يتخلصوا منها اليوم قبل غدًا ....جلست أمام الباب على درجة السلم الوحيده وهى تنظر أمامها بشرود وهم , ماذا ستفعل غدًا , أستترك المأوى الذى قضت فيهِ حياتها الماضيه , وأين ستذهب ؟ , وماذا ستفعل فى عملها المرتبط بهذه المنطقه !...


____________( ناهد خالد )__________


كان عائدًا بعدما أنهى مقابلة من جاء ليدعيهِ على زفاف أخيه , وطوال الوقت تشغل باله تلك الفتاه التى قابلها صدفه وشُغل عقله بقصتها , وعن ما قاله الرجل عنها , تُرى ما قصتها ليظنون أنها كما قال الرجل " وش نحس " , وهل يربطون كل شئ سئ يحدث بها !


نظر يمينًا وهو يسير بسيارته فى الشارع الرئيسى كى يخرج من المنطقه , فلمحها تجلس أمام أحد البيوت ذات الثلاث طوابق تقريبًا , كانت تنظر أمامها بشرود كأنها لا تعى ما حولها , أوقف سيارته بعدما تخطتها ونظر من مرآة السياره عليها ليجدها لم تحرك عيناها حتى رغم مرور السياره أمامها , ظل محله يفكر لِمَ توقف ؟ ولِمَ يشعر بالفضول لمعرفة قصتها ؟ رُبما جذبته ملامحها المميزه , ورُبما صوتها الرقيق , ورُبما نظرة الحزن التى كانت تحتل عيناها , أو حديث الرجل عنها وإثارة فضوله حول قصتها , وجلوسها الآن كأنها تحمل هموم الكون بأكمله! , لِمَ فتاه رُبما فى بداية العشرينات من عمرها تبدو بكل هذا البؤس والحزن ! زفر بضيق بعدما طال تفكيره بها وطالت وقفته فقرر الذهاب , ما شأنه بها ليفكر فى أمرها أو يقف أمامها هكذا ! فليتركها بما تعانيه لا دخل له , هكذا حدث نفسه قبل أن يترجل من سيارته متجهًا صوبها !!! ..


لم يشعر بنفسه إلا وهو يقف أمامها ! , ماذا حدث له ألم يقرر الذهاب !؟ , لِمَ جاء لها وماذا سيقول ؟


رفعت عيناها الممتلئه بدموع أبت النزول حين شعرت بوقوفه أمامها , ضيقت حاجبيها باستغراب حين رأته أمامها , لِمَ عاد مره أخرى ؟


أنزلت عيناها وجذبت الوشاح على وجهها أكثر ثم هبت واقفه أمامه وقالت :


-خير يا أستاذ أيه الى رجعك تانى ؟


حمحم بحرج وهو يدرك الموقف الذى وضع نفسه بهِ وقال :


-لا أبدًا أنا خلصت مشوارى بعدين وأنا راجع شوفتك قاعده كده ففكرتك محتاجه مساعده .


قطبت حاجبيها باستفسار وقالت :


-مساعده ازاى يعنى ؟


رفع منكبيهِ بجهل وهو يقول :


-بصراحه أنتِ غريبه من وقت ماشوفتك , مشيتِ فجأه من غير ما تدلينى على البيت , ودلوقتِ قاعده فى الشارع لوحدك والكل فى الفرح الى هناك ده هو أنتِ كنتِ راجعه منه ؟


-وأنت مالك ! أمرك غريب يا أستاذ أنت مش شايف أنك بتدخل فى الى ملكش فيه ؟


قالتها بحده وهى ترفع أحد حاجبيها , فهى بالأساس لا تطيق نفسها حتى يأتى هذا ويتطفل عليها !


نظر لها " يوسف " بضيق وقال :


-تصدقى أنا غلطان أنى جيت أتكلم معاكِ أصلاً .


التف ليعود لسيارته , ووقفت هى تنظر له بضيق حتى أت بعقلها شئ ما فرفعت صوتها تنادى بلهفه :


-استنى يا ..أنت يا أستاذ استنى ..


وكان يسمع ندائها لكنه لم يلتفت لها لضيقه منها , ركضت تلحق بهِ قبل ذهابه فلحقت بهِ بعدما استقل سيارته وكاد يديرها ليذهب , استندت على حافة نافذة السياره وهى تهتف له بضيق :


-ايه قلة الذوق دى ! أنا مش بنادى !


نظر لها ببرود ورد :


-وأنا مش عاوز أرد .


جذت على شفتيها بضيق وعيناها تشتعل غضبًا لكنها تسائلت بهدوء :


-هو أنت منين ؟


ابتسم لها باستمتاع لرؤية عيناها تموج بالغضب ورد بابتسامه سمجه :


-وأنتِ مالك؟ أمرك غريب يا أنسه مش شايفه أنك بتتدخلى فى الى ملكيش فيه ؟ 


تحولت ملامحها للبراءه البحته وهى تقول :


-هو أنت يعنى زعلت ؟ , ده أنا كنت بهزر .


رفع حاجبه باستنكار :


-لا يا شيخه ؟ بتهزرى ؟ ده أنتِ كنتِ هتضربينى .


شهقت بخضه مصطنعه وهى تقول :


-اضربك! طب بذمتك أنا كنت طايلاك حتى عشان أضربك ! , بعدين أنا كنت متضايقه شويه وجت فيك .


تنهد بهدوء ثم قال :


-عاوزه ايه ؟


-أنت منين ؟


-من الحدادين .


هتفت بلهفه :


-طب تعرف مكان عندكوا عاوز ساكن ؟


ضيق حاجبه متسائلاً :


-عاوزه شقه يعنى ؟


-ايوه , بس إيجار .


نظر حوله بتفحص ثم نظر لها متسائلاً :


-أومال أنتِ عايشه فين ؟


أشارت على المنزل الذى كانت تجلس أمامه وقالت :


-هناك , بس هسيب الشقه بكره .


سألها باستغراب :


-ليه ؟


أخفضت نظرها وهى تردد بخفوت :


-ظروف , والمنطقه هنا مفيهاش شقه فاضيه كلهم ساكنين , فقولت أسألك جايز فى المنطقه عندكوا فيه ..


تذكر منزل والده الآخر الذى فتح فى أحد شققه عيادته الخاصه والتى يوجد فوقه شقتان فارغتان لم يتم الانتهاء منهما فقال :


-بصى أنا أعرف شقتين فاضيين بس على المحاره ( الأسمنت ) فاضلهم الدهان وشوية تشطيبات خفيفه كده لو حابه ....


قاطعته بلهفه وهى تقول :


-مش مهم يكونوا متشطبين أنا موافقه . 


ابتسم وهو يقول :


-تمام , ممكن تقعدى فى واحده منهم على التانيه متتشطب وتنقلى فيها , تعالى بكره وأسألى على بيت دكتور يوسف المهدى أى حد هيدلك , وأنا هبعت معاكِ حد يوريكِ الشقه .


تسائلت بحرج :


-طب يعنى هو إيجار الشقق عندكوا غالى ؟


ابتسم لها بلطف ورد :


-متقلقيش هتوسطلك عند صاحب الشقه وهتدفعى الإيجار الى تحبيه .


ابتسمت بحرج من سؤالها عن المال ومن حديثه ولكن ماذا تفعل فهى تعرف إمكانيتها المتدهوره أتذهب دون علم بمبلغ الإيجار وتُفاجئ بالسعر هناك , وحينها ستضطر أن ترفض وتبقى هى وأشيائها بالشارع.....


تنهدت بحزن على حالها ثم نظرت له مبتسمه ابتسامه صغيره وقالت :


-تمام شكرًا إن شاء الله هكون عند حضرتك بكره .


لاحظ التغير فى ملامحها ونظرة عيناها الحزينه لكنه فضل الصمت وذهب على وعد منها باللقاء غدًا ....


__________( ناهد خالد )______


صباح اليوم التالى ....


انتهت من حزم أمتعتها وجلبت سياره تنقل فرشها , ثم وقفت أمام المحل الذى كانت تعمل بهِ فهتف العجوز الجالس بالداخل ..


-تعالى يابت يا نواره واقفه عندك ليه ؟ وايه الى أخرك النهارده ؟


ابتسمت بحزن واتجهت للداخل حتى وقفت أمام هذا العجوز فمالت على رأسه تقبلها بدموع محبوسه ثم اعتدلت فى وقفتها وقالت :


-معلش بقى ياحاج محسن مش هتأخر تانى .


ابتسم العجوز وهو يقول :


-عارف , عشان أنتِ عمرك ما تأخرتى دى أول مره تعمليها .


ابتسمت بحزن وهى تقول :


-وآخر مره , مش عشان مش هتأخر , عشان مش هتشوفنى تانى .


نظر لها محسن باستغراب وهو يسألها :


-ليه يابت اوعى تكونِ اتجوزتى من ورايا .


-اتجوز ايه بس يا حاج محسن , أنا هسيب المنطقه .


-ايه الكلام ده ! فجأه كده ؟


-صابر عاوز شقتى يجوز فيها ابنه , وطردنى منها امبارح , وأنت عارف محدش فى المنطقه هنا هيسكنى , وبصراحه أنا خلاص مبقاش عندى طاقه اتحملهم ولا أتحمل كلامهم , والوحيده الى كانت بتهون عليا شويه اتجوزت ومشيت وحتى محضرتش فرحها , مبقاش فى حيل أسمع كلامهم وأعديه , والعمر بيعدى بيا وطول ما أنا هنا هفضل موصومه بوشم نواره بنت حسن نذير شوم محدش يقرب منها لتصيبه لعنتها , هروح حته تانيه يمكن الاقى فيها حظى .


ابتسم لها محسن وهو يقول :


-فكرك العيب فى المكان ! , العيب فى عقول الناس يابنتى مش فى المكان , يعنى المكان الى أنتِ رايحاه مش هيبقى فيه عيوب , مش هتلاقى ناس جهله فى تفكيرهم برضو ! , بس أنا عارف قصدك , أنتِ عاوزه تبعدى عن هنا يمكن تلاقى الراحه وحتى لو ملقتيهاش عالأقل هتكونِ خلصتِ من كلامهم ونظراتهم ليكِ الى مبترحمش وكأنك عامله جنايه , يعز عليا فراقك يابنتى , وأنا اتعودت عليكِ خلاص بعد ماخدتِ مكان أمك الله يرحمها , بس الأحسن ليكِ اعمليه .


ربطت على كتفهِ وهى تقول بعزم :


-هرجع ياحاج محسن , هرجع عشان أثبتلهم أنى مش نذير شوم , هرجع عشان أثبتلهم إن مش كل الى بيقرب منى بيتأذى , أكيد فى يوم هرجع .


كانت تقنع نفسها بكلماتها هذه علّها تتخلص من شعورها بصدق أحاديثهم وإقناع ذاتها أنها ليست نذير شؤم كما يدعون , تدرك جيدًا أن كل هذا ليس سوى قدر كتبه الله , ولكن رُبما كثرة الأحداث التى لا تجد لها تفسير هو ما زعزع يقينها قليلاً ....


_______( ناهد خالد )_______


وصلت أمام منطقة " الحدادين " فوقفت تتلفت حولها بعدما ترجلت من أحد وسائل الموصلات الذي يُدعى " توكتوك " وتتبعه السياره التى تحمل أغراضها , تلفتت حولها حتى وجدت سيده تمر من جوارها فأردفت سريعًا :


-لو سمحتِ يا خاله .


نظرت لها السيده وهى تجيب :


-ايوه .


-هو فين بيت دكتور يوسف المهدى ؟


نظرت لها السيده بتفحص لملابسها السوداء المتهالكه قليلاً وحالتها المشابهه لمعظم أهالى المنطقه قبل أن تقول بشك :


-قصدك دكتور يوسف ابن كبير المنطقه وده تعرفيه منين ياختى ؟


رددت بصدمه وحاجبان مرفوعان دهشةً :


-ابن كبير المنطقه ! أنتِ بتقولى ايه ؟


ابن كبير المنطقه ! وهل تركت الجميع وطلبت المساعده منهِ هو ؟ وهو من حدثته بتلك الطريقه الحاده ؟ , لكن لِمَ وافق على مساعدتها ؟ فبالعاده أبناء كِبار المنطقه يتكبرون على الجميع ولا يقفون للحديث معهم حتى , ولكن هو لم يبدو عليهِ مثل ما يبدو عليهم رغم مظاهر الترف التى ظهرت واضحه فى ثيابه وسيارته كيف لم تنتبه للأمر !


-ياست ..


التفت على صوت صبى رُبما فى الرابعة عشر فنظرت له بصمت قاطعه هو وهو يقول :


-مش أنتِ الى جايه لدكتور يوسف ؟


أومأت إيجابًا فقال :


-طب تعالى معايا هو قالى أفضل هنا على أول المنطقه عشان لم تيجى أوديكِ له .


سارت خلفه مرغمه فقد أتت لهنا وأنتهى الأمر , وستقبل بمساعدته لأنها ليس لديها حل آخر , وحينما تحصل على الشقه ستبتعد عنه تمامًا فلا ينقصها حديث الناس عنها بتوددها لأبن كبير منطقتهم ...


وقفت أسفل البنايه وصعد الصبى ليخبر " يوسف " بوجودها , ثوانِ وترجل لها مرتديًا بنطال من الجينز الأزرق وتيشرت أبيض اللون وحذاء رياضى أبيض , فبدى مختلفًا تمامًا عن المره السابقه , نظرت له باستغراب فقد ظنته من أولئك الذين يرتدون الثياب الكلاسيكيه دومًا لكنه خالف توقعها .


اقترب منها مبتسمًا وقال :


-صباح الخير.


ردت بوجه متهجم :


-صباح النور , فين الى هتبعته معايا أشوف الشقه ؟


قطب حاجبيهِ باستغراب وقال :


-أنتِ مالك مستعجله كده ؟ وشكلك مضايق , فى حد ضايقك هنا ؟


ردت باقتضاب :


-لأ , بس أنا محتاجه ارتاح .


ذم شفتيهِ باستسلام وقال :


-تمام يلا .


نظرت له بعدم فهم :


-يلا ايه ؟


ابتسم بهدوء وقال :


-هوريكِ الشقه .


قالها ببساطه ولم يتوقع ردة الفعل الأخيره ...


#يتبع



#الفصل_الثالث  #ابن_الكبير  # #ناهد_خالد

- هوريكِ الشقه .

كانت الجمله الأخيره التى قالها ولم يدرى ماذا حدث بعدها , صوتها العالى ووجهها المحتقن بالغضب وحديثها جعله يقف مبهوتًا , لا يدرى ماذا قال ليستمع لكل هذا !

- شقة ايه الى هتوريهالى ! أنت مش قولت امبارح أنك هتبعت معايا حد يورينى الشقه !, ثم لما الناس تشوفنى داخله معاك البيت ده هيقول عليا ايه ..بقولك ايه يا أستاذ أنت إن كانت فاكر عشان محتاجه لمساعدتك هقبل أنك تتجاوز حدودك معايا تبقى غلطان , ومش عشان أنت كبير المنطقه هسكتلك , الى خلق منطقتكوا دى يا أخويا خلق ألف غيرها وأرض الله واسعه , وأنا الى غلطانه أنى طلبت مساعدتك أصلاً ..بالإذن .


لم يحرك ساكنًا حتى وهو يراها تذهب من أمامه فهو لم يستعب ردة فعلها بعد , وجاء الحديث من والده الذى استمع لِمَ حدث أثناء خروجه من المنزل فهتف ضاحكًا :


- تعالى بس رايحه فين ؟


توقفت على صوته والتفت بوجه متهجم غاضب تنظر له لكن لانت ملامحها حين وجدته رجل كبير فى السن , نظر " منتصر " ليوسف الذى مازالت الصدمه على وجهه فضحك عليهِ وهو يقول :


- ايه يا دكتور خلتك مش عارف ترد عليها ؟


انتبه " يوسف " لحديث والده فنظر له بنظراته المصدوم وهو يقول :


- والله ياحاج الصدمه بس الى مخلايانى مش مستوعب الحوار الى عملته ده .


نظر " منتصر "لها وقال :


- ايه يابت ده هو أنتِ ماصدقتى الواد يقول كلمه عشان تطلعى فيه كده !


قطبت حاجبيها بضيق وهى تقول :


- معلش ياعم الحاج بس أنا مش مرتاحاله من وقت ماعرفت أنه ابنك .


نظر لها منتصر بصدمه ثم نظر ليوسف وقال :


- ايه البت دى ؟ أنتِ يابنتى مبتعرفيش تنقى ألفاظك ! ايه الى مش مرتحاله عشان ابنى أنتِ سمعتى عنى أيه يعنى !؟


تنحنحت بحرج حين استوعبت ما قالته فهتفت بتبرير :


- لا مقصدش ياحاج , أنا بس مكنتش أعرف أنه ابن كبير المنطقه , بعدين لما عرفت قولت يعنى أنه مش هيساعدنى لله وللوطن !


- أنتِ من العزايزى ؟


رفعت نظرها له متفاجئه فأكمل موضحًا :


- يوسف حكالى عنك لما جه امبارح وقالى أنك عاوزه شقه , والشقه الى كان بيقولك عليها دى تبقى بتاعتنا يعنى متشليش هم الإيجار .


نظرت ليوسف بغضب وقالت :


- شوفت بقى يا حاج أن ابنك مش مظبوط , أهو امبارح فهمنى إن الشقه دى مش بتاعته وأنه هيتوسطلى عند صاحبها قال ..


رد يوسف بضيق منها :


- ايه مش مظبوط دى ! مش الحاج قالك نقى ألفاظك يابنى آدمه أنتِ !


اتسعت عيناها بغضب وكأنه سبها ؟ وهى تشير لنفسها مردده :


- أنا بنى آدمه ؟


رد ببرود :


- اومال ايه حيوانه ؟!


شهقت بحده وهى تستعد لإلقاء قصيده طويله من الردح المصرى الأصيل , ولكن قطعها " منتصر " الذى قال بحده :


- يوسف ! خلاص بقى احترم وقفتى .


رد " يوسف " بتبرير :


- ياحاج ماهى ...


- خلاص يا يوسف قلت , وأنتِ يابنتى يوسف هيوريكِ الشقه بس متقلقيش ومحدش يقدر يتكلم لأنهم كلهم عارفين يوسف كويس وعارفين تربيته , وكمان البيت الى الشقه فيه , فيه عيادة يوسف فطبيعى يروح هناك .


تنهدت باستسلام ثم قالت :


- ماشى يا حاج الى تشوفه.


نظر " منتصر " ليوسف وقال :


- خدها يا يوسف يلا وريها الشقه وخدوا بليه معاكوا .


قالها مشيرًا للصبى الواقف جوارهم , فهو مهما كان يثق فى أخلاق ولده ولكن الأصول يجب إتباعها ..


________(ناهد خالد )_____


نظرت للشقه بتفحص,  كانت شقه كبيره بالنسبه لشخص واحد سيقطن بها , ثلاث غرف ومطبخ ومرحاض وصاله كبيره , نظرت ل " يوسف " الذى يتابعها بنظره وقالت :


- بس دى كبيره عليا وأنا هسكن فيها لوحدى .


نظر لها باستغراب وقال :


- هو أنتِ هتسكنى لوحدك ؟ أنا فكرت والدتك ولاحد هييجى بعد ما تشوفى الشقه وتنقلى حاجتك .


نفت برأسها وهى تقول بحزن :


- لا محدش هييجى أنا أهلى متوفيين ومليش حد .


تركته ودلفت للداخل كى ترى الغرف ووقف هو ينظر لذهابها بشرود , يتذكر كيف قضى ليلته أمس بعدما عاد من مقابلتها ونظرة عيناها وملامحها لا تفارق مخيلته , ظل يتقلب ليلاً على فراشه دون أن يأتيه النوم وهو يتذكر حديثها ونظراتها , لم تشغله فتاه كما فعلت هى , لا يعرف ماذا دهاه منذُ رآها , لا يجد تفسير منطقى لِمَ يحدث معه واهتمامه بها , لدرجة أنه نزل لوالده فى الحادية عشر مساءً ليخبره بقدومها , و استيقظ اليوم فى السادسه صباحًا وبعث للصبى " بليه " ليخبره أن يكون فى استقبالها حين تأتى , وفكر الآن فى جعلها تعمل معه فى عيادته لا يعلم أيريد مساعدتها حقًا أم يريدها أمامه !


خرجت من الداخل وهى تهتف بحيره :


- مش عارفه بس الشقه كبيره عليا فعلاً .


تنهد خارجًا من أفكاره وهو يقول :


- مش مهم , أصل الشقه التانيه نفس الحجم , وعشان أدرولك على مكان تانى هنحتاج وقت .


فركت كفيها بقلق وتوتر وهى تسأله :


- طب بالنسبه للأيجار , يعنى الشقه كبيره وأكيد الإيجار هيبقى كبير ..


ابتسم لها باطمئنان وقال :


- مش الحاج قالك شقتنا وأنا امبارح قولتلك هتوسطلك فى الإيجار عاوزه ايه تانى ؟


ردت بجديه :


- ايوه بس مش هقبل يكون الإيجار أقل بكتير من الى الشقه تستاهله , عشان محسش أنى عايشه فيها شفقه .


قطب حاجبيهِ بانزعاج مصطنع :


- يوووه , هو أنتِ يابنتى نكد ليه ! , وعمومًا متخافيش هناخد إيجار معقول , 300 جنيه كويس ؟


رفعت حاجبيها باستنكار وقالت :


- 300 جنيه ايه ! , أنا ال 300 دول كنت بدفعهم فى الشقه القديمه عشان عقد الإيجار كان قديم من 4 سنين وكمان الشقه نفسها حالها ميسرش , لكن دى كبيره وحالتها كويسه تقولى 300 !


أومئ برأسه وقال :


- تمام بلاش 300 , ايه رأيك فى 500 حلو ؟


ردت بسخريه :


- هو أنت بتستأذنى ! , ماتخلص يا دكتور وتقول رقم .


قالت الأخيره بحده فنظر لها يوسف بضيق وقال :


- أنتِ لو تقصى لسانك ده هتبقى عسل , لكن لسانك مش لايق على شكلك والله .


وضعت يدها فى خصرها وهى ترد بهجوم :


- ماله شكلى يادلعادى .


تصلب وجهه بجديه وهو يرفع حاجبه بتحذير وقال :


- أنتِ هتردحيلى ! بعدين اتظبطى فى وقفتك .


وجدت نفسها تمتثل لحديثه فأنزلت يدها واعتدلت فى وقفتها تطالعه بقلق فيبدو أنه لا يمزح الآن !


كبح ابتسامته بصعوبه وهو ينظر لها باستمتاع لإستماعها لحديثه , وتنحنح يهتف بجديه :


- الإيجار 500 جنيه , وده آخر كلام .


قال الأخيره بتحذير حين أوشكت على الأعتراض فصمتت بتذمر وأكمل هو بجديه مماثله :


- واعملى حسابك هتشتغلى معايا فى العياده تحت .


نظرت له باستغراب وقالت :


- هشتغل ايه ؟


- هتقطعى كشوفات وتدخليلى الناس .


- هو مفيش حد بيقطعلك الكشف ؟


- كانت سمر أختى بس هتبدأ امتحانات الأسبوع الجاى , وأنتِ عارفه المنطقه هنا معظمهم مش متعلم .


رفعت حاجبها وهى تسأله :


- وأنت ايش عرفك أنى متعلمه ؟


ذم شفتيهِ بتفكير ثم قال بتوتر :


- بصراحه معرفش , بس يعنى حتى لو مش متعلمه مش لازم تكتبى اسماء أنتِ اعرفى ترتيبهم ودخليهم , أكيد يعنى هتحتاجى شغل ولا ايه ؟


أومأت بإيجاب :


- بصراحه آه , أنا كنت بشتغل هناك بس اضطريت أسيبه عشان المشوار بعيد بين هنا والعزايزى  , و عمومًا أنا معايا ثانويه .


قالت الأخيره بحرج وصوت خافت , فسألها باستغراب :


- واللى يخليكِ تكملى لحد الثانوى مكملتيش بعده ليه ؟


- ظروف .


غمغمت بها كعادته دومًا حين يسألها عن شئ , فاحترم رغبتها وقرر عدم الضغط عليها , وأنهى حديثه قائلاً :


- بليه هينزل يجيب الرجاله ويطلعوا العفش , وده مفتاح الشقه وكل النسخ الى معاه ....


قالها وهو يعطيها المفاتيح وأكمل :


- وارتاحى النهارده وبكره تقدرى تنزلى العياده مواعيدها من 3 العصر ل 9 بليل , وأوقات بيبقى فى طوارئ , عمومًا بكره هعرفك على كل حاجه .


أومأت موافقه وقالت :


- ماشى إن شاء الله .


_____( ناهد خالد )______


مساءً...


ارتمت فوق فراشها بإرهاق بعدما أنتهت من وضع أمتعتها وتنظيمها , تنهدت بعمق وهى تنظر لسقف الغرفه , تتذكر أحداث اليوم بأكمله , مابهِ هذا الطبيب يتعامل معها وكأنها تقربه ! , يخطط لها حياتها , وما بها استمعت لحديثه حين أخبرها أن تتحدث بأدب ! , لا تنكر أنه وسيم وله هيبه خاصه بهِ لم ترى أحد يشبهه من قبل , لا فى منطقتها ولا فى المناطق المجاوره , وعيناه البُنيه تحمل سحرًا خاص و ....انتفضت جالسه وهى تتحدث لنفسها بصوت :


- ايه العبط ده ! أنا بهبب ايه بس , استغفر الله العظيم أما أنام أحسن .


ارتمت على الفراش ثانيةً جاذبه الغطاء فوقها ...


________( ناهد خالد )__________


كانوا يتناولون طعام العشاء جميعًا , حين هتف   " يوسف " ل "سمر " :


- بقلك يا سموره , أعقدى بقى عشان تذاكرى عشان امتحاناتك وبلاش تيجى العياده تانى .


ردت " سمر " باستغراب :


- ايوه بس مين هيقعد مكانى ؟


تنحنح بخفوت وقال :


- جبت بنت تانيه هى هتبقى مكانك متقلقيش .


تسائل " منتصر " بمكر :


- البنت الى سكنت عندنا يا يوسف ؟


رد بإيجاب :


- ايوه هى يا حاج .


ردت " رحاب " باستفسار :


- هى مين دى ؟


رد عليها " منتصر " :


- دى بنت جت المنطقه جديد وسكنت فى الشقه الى فوق العياده , ألا هى اسمها ايه يا يوسف ؟


ذم " يوسف " شفتيه ِ بجهل وقال :


- والله ياحاج مسألتهاش .


ردت " رحاب " باستنكار :


- متعرفش اسمها ازاى وهى هتشتغل معاك!


- هو أنا هعمل ايه بأسمها ياحاجه , وعمومًا هعرفه بكره إن شاء الله .


هتف " منتصر " بخبث :


- لا بس البت ما شاء الله قمر ولا ايه رأيك يا يوسف ؟


نظر يوسف لوالده ليدرك مغزى حديثه فرد بمكر :


- بس لسانها طويل .


قال " منتصر " بجديه :


- طويل لما بتحس أن الى قدامها ممكن يكون بيستغلها وده حقها والزمن ده أصلاً عاوز كده ..


- هو أنتوا بتتكلموا عن ايه ؟


قالها " محمد " بعدم فهم لِمَ يتحدثوا عنه فقال " يوسف " :


- ولا حاجه .


أراد إنهاء الحديث , فلم يحب أن تكن هى موضع الحديث الدائر , ولا يهم لِمَ ....


_____( ناهد خالد )_____


نزلت فى العاشره صباحًا لتشترى ما سيلزمها من طعام , تلفتت حولها تبحث عن بائعين الخضار فهى لا تعرف شئ فى المنطقه , أخذت تسير حتى وجدت نفسها تمر على قهوه بلدى يجلس فيها فردان وربما ثلاث فمازال الوقت باكرًا , كانت ترتدى فستان أزرق غامق ووشاح أسود كالعاده , وتجذب الوشاح لتخفى نصف وجهها , ورغم هذا لم تسلم من المضايقات السخيفه , وجدت أحدهم يقف أمامها فجأه فتوقفت تنظر له بحده ووجدت صعوبه بالغه فى النظر له فكانت لا تصل سوى لأسفل صدره , هتفت بضيق :


- فى ايه يا جدع أنت حد يقف الوقفه دى ؟


مرر إبهامه على شفتيهِ بتفكير ثم قال :


- أنت غريبه عن المنطقه بتعملى ايه هنا ؟


ردت بضيق :


- وأنت مالك ؟ هو أنت كبير المنطقه ؟ !


احتدت ملامحه وهو يقول :


- جرا ايه يابت ماتتظبطى فى كلامك أنتِ مش عارفه أنتِ بتكلمى مين !


لوت فمها بسخريه وقالت :


- أكيد بلطجى الحته. 


ابتسم بسماجه وقال :


- أسم الله عليكِ ياحلوه , قوليلى بقى جايه لمين ؟


ردت ببرود :


- برضو ملكش دعوه , وأبعد عن وشي لأحسن واللى خلق الخلق أفرج عليك المنطقه .


نظر لها بتحدى وقال بتحذير :


- طب اعمليها كده ياروح أمك وأنا أوريكِ مين الى المنطقه هتتفرج عليه ....


تحداها وهو يقسم أنها ستخشى منه وتلتزم الصمت , لكن مالا يعرفه أنها حين تركت منطقة " العزايزى " تركت معها الصمت , وقررت أنها لن تعطى أحد الفرصه كى يكون له سطوه عليها , ومن يومها واتخذت منهجًا جديدًا وقموسًا بهِ كل الكلمات عن أخذ الحق ..ومُحي َ منه الصمت ..وما حدث تاليًا كان خير دليل ..

#يتبع

تكملة الرواية من هنآاااااا


تعليقات

التنقل السريع