رواية الفتاه التى حلمت ان تكون ذئبه الفصل الواحد والاربعون والثانى والاربعون والثالث والاربعون بقلم اسماعيل موسي (حصرية في مدونة قصر الروايات)
رواية الفتاه التى حلمت ان تكون ذئبه الفصل الواحد والاربعون والثانى والاربعون والثالث والاربعون بقلم اسماعيل موسي (حصرية في مدونة قصر الروايات)
#الفتاة_التى_حلمت_ان_تكون_ذئبة
41
لم يتردد رعد لحظة، قفز من التلة وهبط بين جنوده، عينيه مشتعلة بالغضب. "انسحبوا فورًا! إلى العاصمة، بسرعة!"
ركض الفرسان، وتحركت الذئاب بسرعة البرق، لكن المخلوقات كانت أسرع.
تقدمت ماجي إلى جانب رعد، أنفاسها لاهثة. "لن نصل قبلهم. إنهم يتحركون عبر الظلال، لا يسلكون الطرق التي نسلكها."
شدّ رعد قبضته. "لا يهم، سنصل، وسنحارب حتى آخر نفس."
على أسوار العاصمة
كانت العاصمة مظلمة، وكأنها تستعد لحدث لا يمكن إيقافه. فوق الأسوار، وقف قائد الحرس، ينظر إلى الأفق، حيث بدأ الضباب يتحرك ككيان حي، يقترب شيئًا فشيئًا.
ثم رأى أولهم.
خرجت المخلوقات من العدم، تتسلق الأسوار كما لو كانت الجدران غير موجودة. أطلق الحراس سهامهم، لكن بعضهم تجمد في مكانه من الرعب.
جاءت الصرخة الأولى... ثم الثانية... ثم تحولت العاصمة إلى صرخات لا تتوقف.
عند بوابة المدينة
عندما وصلت جيوش رعد، كان المشهد أشبه بكابوس حي.
المخلوقات اجتاحت الشوارع، سحبت الناس من منازلهم، وألقت بالبعض في الفراغ، حيث اختفوا داخل الضباب.
انطلق رعد للأمام، سيفه يشتعل بقوته، يقطع أول مخلوق يعترض طريقه. كانت ماجي إلى جانبه، نيرانها تحرق كل شيء، لكن الظلام كان كثيفًا.
"إنهم ليسوا هنا لقتل الجميع." صرخت جود وسط الفوضى. "إنهم يأخذونهم!"
نظر رعد حوله، إلى الفوضى التي تحدث في الشوارع، ورأى ما لم يره من قبل.
المخلوقات لم تكن تقتل فقط... بل كانت تختطف.
تبتلع البشر داخل الظلال، ثم تختفي بهم.
وفي تلك اللحظة، سمع صوتًا مجمدًا للدماء.
"رعد!"
كان الصوت مألوفًا.
التفت، وعيناه اتسعتا بصدمة.
وسط المعركة، بين المخلوقات، كانت هناك فتاة... شعرها الأسود يرفرف مع الريح، ووجهها شاحب كالموتى.
كانت ليلى.
لكنها لم تكن وحدها.
ريان وقف بجانبها، يضع يده على كتفها كما لو كانت ملكًا له. عينيه كانتا تتحديان رعد، وكأنهما تقولان: "لقد خسرت."
تصلب جسد رعد، شعر بالغضب يشتعل داخله، لكنه لم يتحرك.
لأن ليلى... لم تكن خائفة.
بل كانت تنظر إليه كما لو أنها لا تعرفه.
أو ربما... لم تعد تريده أن يعرفها.
لم يتحرك رعد، عيناه كانت معلقتين على ليلى، غير قادر على تصديق ما يراه.
لقد كانت هناك... حية.
لكنها لم تكن كما يتذكرها.
وقفت بجانب ريان، صامتة، عيناها الزرقاوان باردتان، كأن لا شيء مما يحدث حولها يعنيها. حتى عندما التقت نظراتهما، لم يكن هناك أثر للخوف أو الحنين.
بل شيء آخر... شيء لم يستطع تفسيره.
"ليلى؟" همس، وكأن صوته فقد كل قوته.
لكنها لم تجب.
بدلًا من ذلك، ابتسم ريان. كانت ابتسامة بطيئة، مدمرة، تحمل انتصارًا لم يكن يحتاج للكلمات.
ثم، أمام عينيه، رفع يده، وكأنها إشارة غير مرئية.
وفجأة... توقف كل شيء.
المخلوقات التي كانت تهاجم الحراس توقفت، الأصوات التي ملأت العاصمة خمدت، حتى النيران بدت وكأنها خفّت.
كان الأمر كما لو أن العالم كله تجمد للحظة واحدة.
ثم، بصوت هادئ، بالكاد يُسمع، نطق ريان بكلمة واحدة:
"احترقوا."
وانفجر كل شيء.
اللهب الأسود اندلع في كل مكان، ليس كالنيران العادية، بل نيران لا تنطفئ، تلتهم الحجر قبل الجسد. صرخ الجنود، وهم يسقطون واحدًا تلو الآخر، بينما بدأ الدمار يلتهم العاصمة.
كان رعد قد رأى الكثير من الحروب، لكن هذه لم تكن حربًا.
كانت إبادة.
"انسحبوا!" صرخ، لكن صوته ضاع وسط الفوضى.
رأى جود وماجي تقاتلان بجنون، ضرغام يضرب بفأسه، لكن لا شيء كان يكفي.
رأى رجاله يتساقطون، بعضهم احترق بالكامل، والبعض الآخر سُحب إلى الظلام دون أن يتركوا أثرًا.
وشعر بشيء لم يشعر به منذ زمن طويل.
الهزيمة.
"رعد، علينا المغادرة!" صرخت جود، ووجهها مليء بالجروح، بينما ظهر خلفها ظلام بدأ يلتهم الشارع.
لكنه لم يكن مستعدًا للهرب بعد.
ظلّ ينظر إلى ليلى، التي لم تتحرك خطوة، لم تقل شيئًا.
حتى الآن، لم يعرف ما إذا كانت أسيرة... أم شريكة في كل هذا.
لكن عندما بدأ الظلام يزحف نحوه، عرف أن وقته انتهى.
تراجع، ثم استدار وركض مع من تبقى من جنوده.
عندما غادروا أسوار العاصمة، لم يكن هناك ما يشبهها بعد الآن.
كانت المدينة التي حكمها... قد انتهت.
---
وقف رعد على قمة تل خارج العاصمة، يراقبها وهي تحترق.
كان جسده مثقلًا بالجروح، أنفاسه تتسارع، لكن عقله لم يكن مع القتال.
بل مع ليلى.
التفت إلى جود، التي كانت تمسك ذراعها المصابة، لكنها كانت تراقبه بقلق.
"أنت تعرف ماذا يعني هذا، صحيح؟" قالت بصوت خافت.
لم يجب.
لكن ماجي فعلت.
"ليلى لم تكن أسيرة،" تمتمت، وعيناها مليئتان بالشك. "لماذا لم تهرب؟ لماذا لم تطلب مساعدتك؟ لماذا لم تظهر أي رد فعل؟"
لم يكن لدى رعد إجابة.
لكنه لم يستطع إنكار الحقيقة.
ليلى لم تعد نفس الفتاة التي عرفها.
احترقت عاصمة الذئاب التى ظلت صامده لأكثر من الف عام
صرخات النساء والأطفال تشق عنان السماء
جيش رعد قتل معظمه والذين ظلو معه مرعوبين خائفين
#الفتاة_التى_حلمت_ان_تكون_ذئبة
٤٢
وقف رعد في صمت، ينظر إلى العاصمة المحترقة.
كل شيء كان ينهار.
كانت هذه المدينة صامدة لأكثر من ألف عام، لم تُسقطها الحروب، لم تُهزمها الوحوش، لكن الآن...
الآن، لم يكن هناك شيء سوى الرماد والصراخ.
تنفس بعمق، يحاول كبح الغضب الذي يتفجر داخله. هذه لم تكن مجرد هزيمة عسكرية، بل كانت مجزرة.
التفت إلى من تبقى من جيشه. وجوههم كانت مصدومة، أجسادهم منهكة، وبعضهم لم يعد قادرًا حتى على الوقوف. جود كانت تمسك بسيفها، رغم النزيف الذي غطى ذراعها. ماجي، التي دائمًا ما كانت ثابتة، كانت عيناها تائهتين، وكأنها لم تعد تعرف ما يجب أن تفعله.
حتى ضرغام، الرجل الذي كان أشبه بجبل لا يتزعزع، وقف متصلبًا، يراقب الدمار وكأنه لا يصدق أن هذا يحدث.
"إلى أين نذهب الآن؟" سأل أحد الجنود بصوت مبحوح، وكأنه كان يخشى الإجابة.
نظر رعد نحو الأفق، حيث كانت الجبال السوداء تلوح في البعيد.
كان يعلم أن عاصمته قد سقطت. لكن الحرب لم تنتهِ بعد.
"إلى معقل الذئاب في الشمال،" قال أخيرًا، صوته كان مليئًا بالغضب المكبوت. "سنستعيد كل شيء... وسنجعلهم يدفعون الثمن."
---
في مكان بعيد عن الأنظار، وسط الظلال المتحركة، جلست ليلى في غرفة لا تعرفها.
كانت الغرفة باردة، مليئة بالضوء الأزرق الشاحب. على الجدران، انعكست ظلال لم تكن لها، تتحرك وكأنها تراقبها.
ريان كان هناك، يجلس على مقعد أمامها، ينظر إليها بصمت.
"لا زلتِ صامتة." قال بصوت هادئ، لكنه كان يحمل قوة خفية.
نظرت إليه ليلى أخيرًا، عيناها باردة كالجليد. "ماذا تريدني أن أقول؟"
ابتسم. "لا شيء. أردت فقط أن أرى إن كنتِ ما زلتِ تحاولين المقاومة."
لم تجبه.
لأنه كان محقًا.
لم تكن تحاول المقاومة.
كانت تعلم أن ما حدث في العاصمة كان مخططًا منذ زمن. أن ريان لم يكن يسعى فقط للانتصار، بل للسيطرة.
وكانت تعلم أيضًا... أن هناك جزءًا منها لم يعد كما كان.
في أعماقها، شعرت أن شيئًا تغيّر.
لكنها لم تعرف إن كان ذلك بسبب ريان...
أم بسبب نفسها.
---
على الحدود الشمالية، وقف رعد أمام القلعة الحجرية التي تعود لعهد الذئاب الأولين.
"هذه الأرض ليست أرضك بعد الآن،" قال الحارس الواقف عند البوابة، نظراته متشككة.
رعد لم يبتسم. لم يكن هناك وقت للمجاملات.
"افتحوا البوابة، وإلا ستسقطون كما سقطنا."
كانت نبرته كافية لجعل الحراس يتراجعون.
عندما دخل مع من تبقى من جيشه، رأى القائد الذي كان ينتظره:
غيث.
ذئب قديم، عيونه تحمل قسوة الزمن، لكنه لم يكن عدوه.
وقف الاثنان أمام بعضهما البعض لثوانٍ طويلة، قبل أن يتحدث غيث أخيرًا:
"سقطت عاصمتك."
"سقطت،" اعترف رعد، ثم أضاف: "لكن الحرب لم تنتهِ."
"وما الذي تريده مني؟"
أجاب رعد دون تردد: "تحالف."
تغيرت ملامح غيث.
"التحالفات بيننا لم تنجح يومًا."
"هذه المرة، لا يوجد خيار آخر."
صمت غيث، ثم أشار لرعد ليتبعه.
عندما دخلا القاعة الكبرى، تحدث بصوت منخفض لكنه حاد:
"ريان لم يكن يسعى فقط للدمار. إنه يبحث عن شيء معين."
نظر رعد إليه بتركيز. "ماذا؟"
غيث لم يجبه مباشرة، بل مشى نحو جدار حجري، مرر يده عليه، وفجأة... انفتح ممر سري.
"ما يبحث عنه موجود هنا."
رعد لم يخفِ دهشته. لكنه لم يسأل.
كل ما كان يعرفه أن هناك سرًا جديدًا...
وقد يكون هذا السر هو ما سيغير مجرى الحرب.
تبع رعد غيث عبر الممر الحجري، خطواتهما تتردد في الظلام. لم يكن هناك أي ضوء سوى المشاعل المثبتة على الجدران، والتي ألقت ظلالًا متراقصة على الصخور القديمة.
"ما هذا المكان؟" سأل رعد، صوته حذر.
غيث لم يلتفت إليه. "مكان لم يكن من المفترض أن يُفتح مجددًا."
وصلا إلى قاعة واسعة تحت الأرض، سقفها عالٍ كأنها كهف طبيعي، لكن الجدران كانت منحوتة بعناية. في وسط القاعة، كان هناك شيء غريب: حجر أسود، مسطح، يشبه المرآة، لكنه لا يعكس أي شيء.
وقف رعد أمامه، شعر بقوة خفية تنبعث منه. "ما هذا؟"
"ليس حجرًا." قال غيث بصوت منخفض. "إنه باب."
نظر رعد إليه بسرعة، عينيه تضيقان. "باب إلى ماذا؟"
تنفس غيث ببطء، وكأنه كان يكره ما سيقوله.
"إلى عالم الظلال."
صمت رعد للحظة، ثم قال بحدة: "أنت تخبرني أن هناك عالمًا آخر وراء هذا الشيء؟"
"ليس مجرد عالم." نظر غيث إلى الحجر بعينين مظلمتين. "بل مكان ميلاد تلك المخلوقات. المكان الذي خرج منه كل ظلام عرفناه."
شعر رعد بقلبه ينبض بقوة. "إذن، هذا ما يبحث عنه ريان؟"
"ليس فقط الباب." قال غيث، عينيه مثبتتان على المرآة السوداء. "بل المفتاح الذي يفتحه."
شعر رعد بالغضب يتصاعد في داخله. "وأين هذا المفتاح؟"
التفت إليه غيث أخيرًا، وكأن كلماته كانت ثقيلة جدًا ليقولها.
"المفتاح… هو ليلى."
---
في مكان آخر، داخل غرفة غارقة في الظلام، كانت ليلى تجلس على سرير حجري، يداها مكبلتان بسلاسل من الفضة السوداء.
كان ريان يقف أمامها، يراقبها بصمت.
"أنتِ لا تتذكرين، أليس كذلك؟" سأل بهدوء.
نظرت إليه ليلى، عينيها خاويتان. "أتذكر كل شيء."
"إذن، هل تعرفين من أنتِ حقًا؟"
لم تجب.
ابتسم ريان ابتسامة خفيفة، واقترب منها. "لقد وُلِدتِ وأنتِ تحملين شيئًا لا أحد غيرك يمتلكه. دمكِ ليس كبقية البشر. ولهذا السبب…" مدّ يده ولمس جبهتها بلطف، "أنتِ الوحيدة القادرة على فتح الباب."
شعرت ليلى بقشعريرة تسري في جسدها.
"أنت تكذب." همست، لكنها لم تكن متأكدة.
"لا أكذب،" قال بصوت ناعم. "أنتِ تعرفين ذلك. منذ صغركِ، كنتِ تشعرين أنكِ مختلفة، أليس كذلك؟"
شعرت بأنفاسها تتسارع.
"لهذا السبب لم أقتلكِ عندما وقعتِ في قبضتي،" تابع ريان. "لهذا السبب لم أسلمكِ للملك."
تجمدت ليلى، كلمات ريان تنغرس في عقلها.
"لقد كنتِ لي منذ البداية، ليلى." همس وهو ينحني قريبًا منها. "وستفتحين الباب… سواء شئتِ أم لا."
---
عاد رعد ينظر إلى المرآة السوداء، جسده متصلب.
"ليلى؟ كيف تكون هي المفتاح؟"
"دمها يحمل جزءًا من قوة الظلال." قال غيث. "لكنها ليست مثلهم. ليست مخلوقًا مظلمًا بالكامل، لكنها الرابط الوحيد بين العالمين."
شعر رعد بالغضب يتصاعد داخله. "هل هذا يعني أن ريان يريد استخدامها لفتح هذا الباب؟"
أومأ غيث ببطء. "إن فتح الباب، سينطلق جيش الظلال الحقيقي… وليس فقط المخلوقات التي رأيناها."
ضغط رعد على أسنانه، يده تقبض على مقبض سيفه حتى تبيّنت عروقه.
"إذن، علينا العثور على ليلى… قبل أن يفعل هو."
لكن داخله، كان يعلم أن الأمر ليس بهذه البساطة.
لأن السؤال الذي لم يستطع الإجابة عليه هو:
إذا وجَدَ ليلى… هل ستكون هي ذاتها التي يعرفها؟ أم ستكون قد أصبحت شيئًا آخر؟
#الفتاة_التى_حلمت_ان_تكون_ذئبة
٤٢
وقف رعد في صمت، ينظر إلى العاصمة المحترقة.
كل شيء كان ينهار.
كانت هذه المدينة صامدة لأكثر من ألف عام، لم تُسقطها الحروب، لم تُهزمها الوحوش، لكن الآن...
الآن، لم يكن هناك شيء سوى الرماد والصراخ.
تنفس بعمق، يحاول كبح الغضب الذي يتفجر داخله. هذه لم تكن مجرد هزيمة عسكرية، بل كانت مجزرة.
التفت إلى من تبقى من جيشه. وجوههم كانت مصدومة، أجسادهم منهكة، وبعضهم لم يعد قادرًا حتى على الوقوف. جود كانت تمسك بسيفها، رغم النزيف الذي غطى ذراعها. ماجي، التي دائمًا ما كانت ثابتة، كانت عيناها تائهتين، وكأنها لم تعد تعرف ما يجب أن تفعله.
حتى ضرغام، الرجل الذي كان أشبه بجبل لا يتزعزع، وقف متصلبًا، يراقب الدمار وكأنه لا يصدق أن هذا يحدث.
"إلى أين نذهب الآن؟" سأل أحد الجنود بصوت مبحوح، وكأنه كان يخشى الإجابة.
نظر رعد نحو الأفق، حيث كانت الجبال السوداء تلوح في البعيد.
كان يعلم أن عاصمته قد سقطت. لكن الحرب لم تنتهِ بعد.
"إلى معقل الذئاب في الشمال،" قال أخيرًا، صوته كان مليئًا بالغضب المكبوت. "سنستعيد كل شيء... وسنجعلهم يدفعون الثمن."
---
في مكان بعيد عن الأنظار، وسط الظلال المتحركة، جلست ليلى في غرفة لا تعرفها.
كانت الغرفة باردة، مليئة بالضوء الأزرق الشاحب. على الجدران، انعكست ظلال لم تكن لها، تتحرك وكأنها تراقبها.
ريان كان هناك، يجلس على مقعد أمامها، ينظر إليها بصمت.
"لا زلتِ صامتة." قال بصوت هادئ، لكنه كان يحمل قوة خفية.
نظرت إليه ليلى أخيرًا، عيناها باردة كالجليد. "ماذا تريدني أن أقول؟"
ابتسم. "لا شيء. أردت فقط أن أرى إن كنتِ ما زلتِ تحاولين المقاومة."
لم تجبه.
لأنه كان محقًا.
لم تكن تحاول المقاومة.
كانت تعلم أن ما حدث في العاصمة كان مخططًا منذ زمن. أن ريان لم يكن يسعى فقط للانتصار، بل للسيطرة.
وكانت تعلم أيضًا... أن هناك جزءًا منها لم يعد كما كان.
في أعماقها، شعرت أن شيئًا تغيّر.
لكنها لم تعرف إن كان ذلك بسبب ريان...
أم بسبب نفسها.
---
على الحدود الشمالية، وقف رعد أمام القلعة الحجرية التي تعود لعهد الذئاب الأولين.
"هذه الأرض ليست أرضك بعد الآن،" قال الحارس الواقف عند البوابة، نظراته متشككة.
رعد لم يبتسم. لم يكن هناك وقت للمجاملات.
"افتحوا البوابة، وإلا ستسقطون كما سقطنا."
كانت نبرته كافية لجعل الحراس يتراجعون.
عندما دخل مع من تبقى من جيشه، رأى القائد الذي كان ينتظره:
غيث.
ذئب قديم، عيونه تحمل قسوة الزمن، لكنه لم يكن عدوه.
وقف الاثنان أمام بعضهما البعض لثوانٍ طويلة، قبل أن يتحدث غيث أخيرًا:
"سقطت عاصمتك."
"سقطت،" اعترف رعد، ثم أضاف: "لكن الحرب لم تنتهِ."
"وما الذي تريده مني؟"
أجاب رعد دون تردد: "تحالف."
تغيرت ملامح غيث.
"التحالفات بيننا لم تنجح يومًا."
"هذه المرة، لا يوجد خيار آخر."
صمت غيث، ثم أشار لرعد ليتبعه.
عندما دخلا القاعة الكبرى، تحدث بصوت منخفض لكنه حاد:
"ريان لم يكن يسعى فقط للدمار. إنه يبحث عن شيء معين."
نظر رعد إليه بتركيز. "ماذا؟"
غيث لم يجبه مباشرة، بل مشى نحو جدار حجري، مرر يده عليه، وفجأة... انفتح ممر سري.
"ما يبحث عنه موجود هنا."
رعد لم يخفِ دهشته. لكنه لم يسأل.
كل ما كان يعرفه أن هناك سرًا جديدًا...
وقد يكون هذا السر هو ما سيغير مجرى الحرب.
تبع رعد غيث عبر الممر الحجري، خطواتهما تتردد في الظلام. لم يكن هناك أي ضوء سوى المشاعل المثبتة على الجدران، والتي ألقت ظلالًا متراقصة على الصخور القديمة.
"ما هذا المكان؟" سأل رعد، صوته حذر.
غيث لم يلتفت إليه. "مكان لم يكن من المفترض أن يُفتح مجددًا."
وصلا إلى قاعة واسعة تحت الأرض، سقفها عالٍ كأنها كهف طبيعي، لكن الجدران كانت منحوتة بعناية. في وسط القاعة، كان هناك شيء غريب: حجر أسود، مسطح، يشبه المرآة، لكنه لا يعكس أي شيء.
وقف رعد أمامه، شعر بقوة خفية تنبعث منه. "ما هذا؟"
"ليس حجرًا." قال غيث بصوت منخفض. "إنه باب."
نظر رعد إليه بسرعة، عينيه تضيقان. "باب إلى ماذا؟"
تنفس غيث ببطء، وكأنه كان يكره ما سيقوله.
"إلى عالم الظلال."
صمت رعد للحظة، ثم قال بحدة: "أنت تخبرني أن هناك عالمًا آخر وراء هذا الشيء؟"
"ليس مجرد عالم." نظر غيث إلى الحجر بعينين مظلمتين. "بل مكان ميلاد تلك المخلوقات. المكان الذي خرج منه كل ظلام عرفناه."
شعر رعد بقلبه ينبض بقوة. "إذن، هذا ما يبحث عنه ريان؟"
"ليس فقط الباب." قال غيث، عينيه مثبتتان على المرآة السوداء. "بل المفتاح الذي يفتحه."
شعر رعد بالغضب يتصاعد في داخله. "وأين هذا المفتاح؟"
التفت إليه غيث أخيرًا، وكأن كلماته كانت ثقيلة جدًا ليقولها.
"المفتاح… هو ليلى."
---
في مكان آخر، داخل غرفة غارقة في الظلام، كانت ليلى تجلس على سرير حجري، يداها مكبلتان بسلاسل من الفضة السوداء.
كان ريان يقف أمامها، يراقبها بصمت.
"أنتِ لا تتذكرين، أليس كذلك؟" سأل بهدوء.
نظرت إليه ليلى، عينيها خاويتان. "أتذكر كل شيء."
"إذن، هل تعرفين من أنتِ حقًا؟"
لم تجب.
ابتسم ريان ابتسامة خفيفة، واقترب منها. "لقد وُلِدتِ وأنتِ تحملين شيئًا لا أحد غيرك يمتلكه. دمكِ ليس كبقية البشر. ولهذا السبب…" مدّ يده ولمس جبهتها بلطف، "أنتِ الوحيدة القادرة على فتح الباب."
شعرت ليلى بقشعريرة تسري في جسدها.
"أنت تكذب." همست، لكنها لم تكن متأكدة.
"لا أكذب،" قال بصوت ناعم. "أنتِ تعرفين ذلك. منذ صغركِ، كنتِ تشعرين أنكِ مختلفة، أليس كذلك؟"
شعرت بأنفاسها تتسارع.
"لهذا السبب لم أقتلكِ عندما وقعتِ في قبضتي،" تابع ريان. "لهذا السبب لم أسلمكِ للملك."
تجمدت ليلى، كلمات ريان تنغرس في عقلها.
"لقد كنتِ لي منذ البداية، ليلى." همس وهو ينحني قريبًا منها. "وستفتحين الباب… سواء شئتِ أم لا."
---
عاد رعد ينظر إلى المرآة السوداء، جسده متصلب.
"ليلى؟ كيف تكون هي المفتاح؟"
"دمها يحمل جزءًا من قوة الظلال." قال غيث. "لكنها ليست مثلهم. ليست مخلوقًا مظلمًا بالكامل، لكنها الرابط الوحيد بين العالمين."
شعر رعد بالغضب يتصاعد داخله. "هل هذا يعني أن ريان يريد استخدامها لفتح هذا الباب؟"
أومأ غيث ببطء. "إن فتح الباب، سينطلق جيش الظلال الحقيقي… وليس فقط المخلوقات التي رأيناها."
ضغط رعد على أسنانه، يده تقبض على مقبض سيفه حتى تبيّنت عروقه.
"إذن، علينا العثور على ليلى… قبل أن يفعل هو."
لكن داخله، كان يعلم أن الأمر ليس بهذه البساطة.
لأن السؤال الذي لم يستطع الإجابة عليه هو:
إذا وجَدَ ليلى… هل ستكون هي ذاتها التي يعرفها؟ أم ستكون قد أصبحت شيئًا آخر؟
#الفتاة_التى_حلمت_ان_تكون_ذئبة
٤٣
وقف رعد في صمت، عيناه متصلبتان على المرآة السوداء. شيء فيها كان يوتره، يبعث في روحه قلقًا لم يختبره من قبل.
ليلى… كانت المفتاح.
هذا يعني شيئًا واحدًا: إذا تمكن ريان من استخدامها، فلن يكون هناك عالم كما يعرفونه. لن يكون هناك نصر، ولا حرب، فقط فوضى مطلقة.
استدار إلى غيث، الذي كان يراقبه بعينين حذرتين.
"أين يحتجزها؟" سأل رعد، صوته ثابت لكنه مشحون بغضب مكبوت.
"لا أحد يعلم." أجاب غيث، نبرته قاتمة. "لكنني أظن أنه لم يفتح الباب بعد، وإلا كنا رأينا النهاية بالفعل."
شدّ رعد قبضته. "إذن، ما زال لدينا وقت."
هز غيث رأسه. "لكن ليس كثيرًا."
التفت رعد إلى ضرغام، الذي كان صامتًا طوال الوقت، لكنه لم يكن غافلًا عن الحديث. قال الأخير بصوته العميق: "ريان ذكي، لا شك أنه أخفى ليلى في مكان لا يخطر ببال أحد."
"ومع ذلك، سيحتاج إلى طقوس معينة لفتح الباب." قال غيث، وهو يشير إلى المرآة السوداء. "دم ليلى وحده لا يكفي. هناك نبوءة قديمة تتحدث عن ذلك. فتح البوابة يستلزم أضحية كبرى."
تجمد رعد في مكانه. "ماذا تعني؟"
"لا أعلم التفاصيل كلها، لكنها تتحدث عن خيانة عظيمة، ودماء تسفك بيد أقرب الناس."
لم يكن هناك حاجة لقول المزيد. الجميع فهم المعنى.
ريان لن يكتفي بدم ليلى. إنه يحتاج إلى خيانتها لشخص تثق به.
وهذا يعني
أنه يحتاج إلى رعد.
في قصر بعيد، حيث الأضواء خافتة والهواء محمّل برائحة العود والدم، كانت ليلى تحدّق في انعكاسها في المرآة.
وجهها كان كما هو… لكنه لم يكن كما تعرفه.
عيناها، اللتان طالما كانتا تحملان قوة صامتة، كانتا الآن غريبتين عنها. في عمقهما، رأت ظلالًا تتحرك.
"ما الذي يحدث لي؟" همست لنفسها.
"أنتِ تستيقظين." جاء صوت ريان خلفها، هادئًا لكنه ممتلئ باليقين.
استدارت ببطء، تراقبه. "أنت تعرف أكثر مما تقول."
ابتسم. "بالطبع."
لم تقل شيئًا.
اقترب منها، عيناه تبحثان في ملامحها. "هل ما زلتِ تكرهينني، ليلى؟"
"لا أعلم." أجابت بصراحة، وعرفت أن ذلك كان أخطر جواب يمكن أن تعطيه.
لأنها، للمرة الأولى… لم تكن متأكدة من إجابة هذا السؤال.
في معقل الذئاب، كان رعد ينظر إلى الخريطة الممتدة أمامه.
"سنقسم قوتنا إلى ثلاث مجموعات." قال، عينيه تلمعان بالتصميم. "الأولى ستتسلل إلى القصر، وتجد ليلى. الثانية ستهاجم الحراس لجذب انتباههم. والثالثة…" توقف لحظة، ثم أكمل: "ستكون مستعدة لمواجهة ريان مباشرة."
"وأي واحدة ستكون لك؟" سألته ماجي، عيناها ثابتتان عليه.
نظر إليها بصمت، ثم قال: "الأخيرة."
هو من سيواجه ريان.
وهذا يعني شيئًا واحدًا: لان الحب مجنون فأنه لا يعترف بالمنطق
إما أن يستعيد ليلى… أو يسقط معها في الظلام.
الفصل 53: ما بين النور والظلام
كانت الأمطار تهطل بغزارة، تغسل الدماء والرماد عن أطلال العاصمة المدمرة. لكن رغم كل هذا الدمار، كان هناك شيء آخر يتشكل في الأفق—شيء أكثر خطرًا من مجرد حرب.
رعد، ممتطيًا جواده الأسود، نظر إلى الجنود المتجمعين حوله. وجوههم كانت متجهمة، لكنها لم تكن خائفة. كانوا جميعًا يعرفون ما هم على وشك مواجهته.
"هذه ليست مجرد معركة." قال بصوت هادر. "إن سقطنا اليوم، فلن يكون هناك غد."
حدقت ماجي فيه للحظة قبل أن تهز رأسها. "إذن، لن نسقط."
ابتسم رعد بخفة. هذا ما احتاجه أن يسمعه.
إنها حرب لا تحتمل الفشل.
والثمن سيكون العالم نفسه.
---
داخل القصر، كانت ليلى تجلس بصمت، تنظر إلى كفيها.
كانت تتغير. شعرت بذلك في كل ذرة من جسدها.
الدماء التي كانت تجري في عروقها لم تكن مجرد دماء عادية بعد الآن. كانت تنبض بشيء مختلف—بشيء قديم، خطير، وقوي.
ريان كان يراقبها من بعيد، عينيه تضيقان. "أنتِ تشعرين به، أليس كذلك؟"
لم تجب.
"القوة التي في داخلكِ تستيقظ، ليلى." قال وهو يقترب. "وكلما قاومتِها، كلما أصبح الألم أشد."
رفعت عينيها إليه، نظراتها قاسية. "ما الذي تريده مني، ريان؟"
جلس على حافة الطاولة أمامها، يمد يده ليأخذ خصلة من شعرها بين أصابعه. "أريد أن أتأكد من أنكِ معي."
سحبت رأسها بعيدًا. "لن أكون معك أبدًا."
ابتسم، وكأنه كان يتوقع ذلك. "سنرى."
---
عندما وصلت قوات رعد إلى أبواب القصر، كانت السماء قد بدأت تضيء بوميض البرق.
"تذكروا،" قال ضرغام وهو يستعد للهجوم. "ليلى هي الهدف. لا نريد معركة طويلة، بل هجومًا حاسمًا."
أومأ الجميع.
ثم، في لحظة واحدة، انطلقوا.
---
داخل القصر، سمعت ليلى أصوات القتال تقترب.
نهضت بسرعة، لكن قبل أن تتحرك، كان ريان قد ظهر أمامها.
"ألم أقل لكِ؟" همس بابتسامة خفيفة. "لقد جاء من أجلكِ."
شعرت بقلبها ينبض بقوة.
"رعد…" همست، وعرفت أنها في النهاية ستكون مجبرة على اتخاذ خيار.
تكملة الرواية بعد قليل
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا