القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية وميض اللقاء الفصل الأول 1بقلم آيه شاكر حصريه في مدونة قصر الروايات

 


رواية وميض اللقاء الفصل الأول 1بقلم آيه شاكر حصريه في مدونة قصر الروايات 






رواية وميض اللقاء الفصل الأول 1بقلم آيه شاكر حصريه في مدونة قصر الروايات 


في شارع من شوارع القاهرة الصاخبة، كانت تسير بين الزحام شاردة، وتتدافع الأفكار في رأسها بنفس الفوضى التي تملأ المكان...

-أنا لازم أرتبط! مش هينفع أعيش حياتي كلها كده!

رنّ صوتها بحزم في عقلها، وكأنها تحاول إقناع نفسها قبل أي أحد.

لكن صوتًا داخليًا سخر منها فورًا:

-ترتبطي يا رهف يا مؤدبة يا محترمة؟

زفرت بضيق، وجادلت نفسها متمتمة بصوت مسموع:

-أيوه! وإيه المشكلة مش إحنا لازم نغلط عشان نتعلم؟ أنا عايزه أغلط... نفسي أجرب، وبعدها أكيد هتعلم.

توقفت فجأة وسط الشارع، هزت رأسها بعنــف كأنها تطرد الأفكار منه وغمغمت:

-إيه اللي أنا بفكر فيه ده! لأ أنا... أول عريس هيتقدملي هتجوزه، عشان مقعش في الغلط ده، ارتباط ايه اللي بفكر فيه!

وفجأة شعرت بنبضات قلبها تتسارع، ليس بسبب قرارها المفاجئ، بل لأن عينيها وقعتا على شاب وسيم يقف على الجانب الآخر…

أخذت تسير بخطوات مترددة، وعيناها البنيتان الواسعتان مستقرتان على هذا الشاب.

كان الشارع من حولها يعج بالحياة، والشمس ما زالت معلقة في السماء، تلقي ضوءًا ناعمًا ينساب بين المباني دون حدة، بينما الهواء البارد ينسل بخفةٍ بين المارة، يحمل معه رائحة الشتاء.

وكان الباعة ينادون بصخب، والسيارات تزاحم الطرق، بينما الناس يمضون في اتجاهاتهم المختلفة، وكلٌّ غارق في عالمه.

شعرت وكأنها بطلة في مشهد سينمائي، نسج خيالها العديد من المشاهد، لكن قبل أن تسمح لنفسها بالمبالغة في الحلم، التفت الشاب فجأة ناحيتها فارتبكت، وأشاحت بوجهها سريعًا، ثم أسرعت في خطواتها، هامسة لنفسها بابتسامة خجولة:

-يا رب يكون زوجي المستقبلي شبه الوسيم ده!

لكنها لم تمضِ كثيرًا حتى لمح بصرها وجهًا آخر، لا يقل وسامة...

تورد خداها قليلًا، وخرجت منها همسة حالمة:

-أو ده… عادي.

توقفت للحظة، رفعت رأسها نحو السماء حيث الغيوم بدأت تتجمع ببطء، والهواء ازداد برودة، وكأن المطر يوشك أن يعلن حضوره، إنه جو أول فبراير البارد...

أخذت نفسًا عميقًا، ثم همست بخفوت:

-هو أنا وحشة؟ ليه مفيش شاب طلب يرتبط بيا؟ هو أنا صحيح كنت هرفض، بس...

لم تكد تُكمل جملتها حتى وقعت عيناها على شاب يقترب بخطوات واثقة.

تعلقت نظراتها به، وراح خيالها ينسج قصة حبٍ سريعة، لكنها ما إن تلاقت أعينهما حتى اجتاحها ارتباك مفاجئ.

تململت، تلفتت حولها وكأنها تبحث عن مهرب من مأزق لم يوجد إلا في رأسها، ثم أسرعت بخطوات متخبطة، تحاول إقناع نفسها أنها غير مهتمة...

لكنها لم تنتبه للحجر الصغير أمامها.

لحظة واحدة، كانت كافية لقلب المشهد رأسًا على عقب… انزلقت قدمها، فشهقت بخفوت، وترنح جسدها على وشك السقوط، حتى امتدت يد ثابتة وأمسكتها في اللحظة الأخيرة.

أغلقت عينيها للحظة، ودقات قلبها تشتد، والخيال يسبق الواقع… تتساءل تُرى، هل يكون المنقذ شابًا وسيمًا كما في الأفلام الرومانسية؟

لكن... صوتًا أنثويًا ناعمًا بدد كل الأوهام:

-خلي بالك!

فتحت عينيها ببطء، لتجد فتاة تبتسم بعفوية وتنظر إليها...

اعتدلت واقفة، تخفي خيبة أملها وراء ابتسامة مصطنعة، شكرتها، وقبل أن تتحرك جذب انتباهها شاب يجر حقيبة سفر ويتابع تلك الفتاة بعينين يقظتين، بينما يحمل بيده الأخرى حقيبة الفتاة، ويبدو أنه يبحث فيها عن شيء ما فركزت نظراتها عليه...

كان طويل القامة، ذا شعرٍ كثيف متموج بعشوائية، وعينين حادتين تشعان ثقة وهدوءًا...

 ملامحه الجادة بدت قوية، لكنها حملت جاذبية غامضة.

شعرت بشيء يشدها نحوه دون أن تدرك السبب، لكن انتباه الفتاة لتحديقها به جعلها تستفيق.

رمقتها الفتاة بنظرة جانبية، ثم بدّلت نظرها بينهما قبل أن تقول وهي تضغط على كل كلمة:

-بس القاهرة عندكوا زحمة أوي...

انتفضت «رهف» على أثر صوتها، تجمدت في مكانها وحدقت بالفتاة دون تعليق.

لكن لم تمهلها الفتاة طويلًا، إذ مدت يدها بابتسامة مشرقة، قائلة:

-أنا سما، وإنتي؟

نظرت «رهف» إلى يدها لبرهة، قبل أن تصافحها بتردد قائلة بتلعثم:

-آآ... أنا اسمي رهف... إنتِ باين عليكِ مش من القاهرة؟!

ضحكت «سما» بخفوت، وقالت بصوت يحمل خفة غير متكلفة:

-فعلًا، أنا من السويس...

ثم استأذنت منها «سما» بلطف واقتربت من الشاب الذي كان لا يزال يبحث داخل الحقيبة، بينما وقفت «رهف» تراقبهما خلسة، متظاهرة بالحديث عبر الهاتف، في حين كان عقلها منشغلًا بنسج الأسئلة...

هل «سما» زوجته وانتقلت معه للقاهرة؟ أم هي حبيبته؟

شعرت بوخزة صغيرة وغريبة في قلبها عند الفكرة، لكنها سرعان ما كبحت فضولها وأشاحت وجهها عنهما...

كانت «رهف» تعلم جيدًا أن قلبها ضعيف أمام الجنس الآخر، لذا اعتادت بناء حواجز وهمية تفصل بينها وبينهم، تُحصن نفسها من اقتراب أي شاب... ثم تعود لتتساءل بحيرة: لماذا لا يقترب منها أي شاب؟!

قطع شرودها صوت الشاب، وقد علت نبرته بنفاد صبر:

-أنا مش لاقي الورقة يا سما، إنتِ نسيتيها ولا إيه؟

 -في الجيب اللي ورا يا مالك، أنا متأكدة.

قالتها «سما»، فتسللت نظرات «رهف» نحو «مالك»؛ ولاحظت كيف لمعت عيناه حين وجد الورقة أخيرًا.

أشاحت بوجهها سريعًا وابتسمت بحرج وهي تتظاهر بالحديث عبر الهاتف، همت أن تغادر لكن صوت «سما» طرق طبلة أذنها وهي تخاطب «مالك»:

-يلا يا حبيبي؟

تردد صدى الكلمة في أذنيها، وشعرت بوخزة غير مبررة في قلبها حين أجاب «مالك» بنبرة دافئة:

-يلا يا قلبي، لقيت الورقة أهيه.

ثم أمسك «مالك» بيد «سما» برفق، وغادرا معًا بخطوات متناسقة بينما بقيت «رهف» واقفة في مكانها، تراقبهما وهما يبتعدان، زفرت بخيبة أمل، ثم همست بغيظ:

-حبيبي وقلبي! واضح جدًا إنها مراته أو حبيبته... بس أكيد مش أخته، لأنها مش شبهه.

عضت شفتيها بغيظ، وهزت رأسها مستنكرة أفكارها، وتمتمت:

-إيه الهبل ده... لا بجد، إيه الهبل ده... أنا بعمل إيه! دا لو أبويا عرف إني بمشي أبص للولاد في الشارع هيعلقني... فوقي لنفسك يا رهف... يا رب اهديني يا رب.

التفتت حولها بارتباك، وشعرت بعيون المارة تراقبها بفضول وهي تُحدث نفسها، فعادت تضع يدها على أذنها بسرعة، متظاهرة بأنها تتحدث عبر سمعاتها الاسلكية، وهمست:

-أيوه يا ماما، تمام...

تحركت بخفة وهدوء، فدائمًا ما تبدو في عالمها الخاص، حيث تتصارع خيالاتها الرومانسية مع عقلها المنطقي.

فعلى الرغم من شغفها بالأفلام الرومانسية، كانت تعاقب نفسها كلما انجرفت بمشاعرها...

عقلها لا يكف عن التحليل، حتى للمشاعر، مما يجعلها حذرة دومًا في التعامل مع الناس، وخاصة الغرباء...

شدت أكتاف الحقيبة الملتصقة بظهرها، والتي تحوي حاسوبها المحمول، وكتب البرمجة، وأوراقًا مليئة بالمعادلات والملاحظات، فهي طالبة في السنة الأخيرة بكلية الحاسبات والمعلومات.

أخذت تستغفر الله وهي تتوجه إلى بيتها دون أن تنتبه لالتفاتة «مالك»، حين رمقها بنظرة خاطفة قبل أن يبتعد مع «سما». 

وأكملت طريقها وهي تردد:

-اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك.

وسارت دون أن تدرك أن هذا اللقاء سيغيّر مسار حياتها تمامًا.

                  ★★★★★★

وصلت «رهف» المنزل مع أذان العصر، فتحت الباب بهدوء وألقت السلام على والدتها التي كانت تُعد الغداء في المطبخ، وقفت خلفها تكشف الأواني وتتفقد الطعام بشرود، فقالت والدتها بابتسامة عذبة:

-شكلك جعانة، كلي أي حاجه خفيفة على ما بابا وأخواتك يرجعوا وهناكل سوا...

قبلتها «رهف» برأسها وقالت بخفة:

-ماشي يا ست الكل... أنا أصلًا مش جعانه بس بطمن على الأكل.

ضحكت والدتها وهي تقول بحنو:

-متقلقيش عملتلك الفراخ المشوية اللي بتحبيها.

قالت «رهف» بحب:

-إنتِ أحسن أم في الدنيا.

ثم غسلت يدها وتناولت شيئًا خفيفًا بعدما ألقت لوالدتها قُبلة في الهواء واتجهت إلى غرفتها، وما إن أغلقت الباب خلفها حتى وقفت أمام مرآتها، تتأمل انعكاسها بصمت.

كانت ملامحها هادئة، وحجابها ينسدل بأناقة، بينما بدت ملابسها المحتشمة والعملية تناسب هدوء شخصيتها فهي لا تسعى أبدًا للفت الأنظار، بل تتوارى خلف الألوان الباهتة كأنها تحاول الاختفاء من هذا العالم الصاخب.

تنهدت بعمق، وتذكرت «مالك»، وابتسامة «سما» الودودة، تساءلت: تُرى هل هي زوجته أم حبيبته؟ شعرت بوخزة غريبة في قلبها مرة أخرى، زمت شفتيها واقتربت من المرآة ثم خاطبت نفسها بعصبية:

-كفاية بقا يا رهف بتفكري في إيه! دا إنتِ غريبة أوي، ماشيه تبصي للشباب في الشارع يا... يا... ياللي مش محترمة!

حركت سبابتها في الهواء وقالت محذرة:

-هوووش، مش عايزه ولا كلمة متبرريش... ما هو مفيش مبرر! هو ده غض البصر اللي باباكي بيوصيكِ بيه! انا مصدومه فيكي... حقيقي مصدومة.

نفخت بضجر ثم جلست على فراشها وتنفست بعمق، قبل أن تنهض مجددًا لتبدل ملابسها...

ولتهرب «رهف» من سطوة أفكارها اتجهت نحو شقة جدتها بالأسفل، حيث تلك الغرفة القديمة التي لم يدخلها أحد إلا هي منذ وفاة الجدة...

كانت تشعر دائمًا بشيء غامض يجذبها نحوها...

اقتربت بخطوات بطيئة، وشعرت بأنفاسها تتسارع كلما اقتربت من الباب، فتحته وألقت نظرة سريعة على الداخل؛ الأثاث القديم المصنوع من الخشب الثقيل، والستائر المنسدلة بألوانها الباهتة، ورائحة الماضي العالقة في كل زاوية.

بدأت تتجول بين الأثاث العتيق، تلمس الذكريات بأصابعها بلطف حتى وصلت غرفة نوم جدتها، وتوقفت أمام التسريحة القديمة، ومرآتها المشروخة التي تعكس ملامحها بنظرة باهتة. 

شعرت بوخزة حنين وهي تتذكر جدتها وهي تجلس هنا لتسريح شعرها الأبيض القصير.

وبينما كانت تمرر يدها على سطح التسريحة، شعرت ببروز غريب، نظرت بدقة، ولاحظت زاوية مائلة في درج التسريحة.

دفعها فضولها لسحب الدرج ببطء، فصدر صوت خشبي متهالك.

كان هناك صندوق صغير ملفوف بقماش حريري قديم، فتحته فوجدت مجموعة من الرسائل المربوطة بشريط وردي باهت، بجانبها دفتر بجلد بني، أوراقه صفراء، وحوافه بالية.

جلست على الأرض وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تفتح الدفتر، حيث الصفحة الأولى مكتوبة بخط يد جدتها المنمق:

"إلى من سيقرأ هذه الكلمات... هذه حكايتي مع القدر."

لم تكن «رهف» من محبي القراءة، بل كانت تكرهها بشدة، تفضل مشاهدة الأفلام الرومانسية أو الاستماع إلى الكتب الصوتية عن قراءة سطر واحد!

 كادت تُغلق الدفتر مجددًا، لكنها وجدت نفسها تقلب الصفحة بحذر، وبدأت تقرأ:

"التقينا للمرة الأولى عندما كنت غارقة في أفكاري، لم أنتبه إلا عندما فقدت توازني وكدت أسقط... أمسكت بي فتاة قبل أن أرتطم بالأرض، لكن نظراتي استقرت عليه... عيناه البنيتان تشعان بنظرة حادة، وشعره الأسود يتمايل مع الهواء وهو يفتش عن شيء داخل حقيبة، شعرتُ بأن الوقت توقف... ولم أدرك أنه الحب من النظرة الأولى..."

أطلقت «رهف» شهقة مكتومة، واتسعت عيناها بذعر، هذا بالضبط ما حدث معها اليوم حين التقت «مالك» و«سما»!

أغلقت الدفتر بعــنف، وضغطته على صدرها كأنها تحاول إيقاف دقات قلبها المتسارعة...

همست بارتباك:

-معقول... نفس التفاصيل؟ بس... أكيد صدفة... مستحيل تكون حاجة تانية...

كان فضولها أقوى من خوفها ففتحت الدفتر مجددًا، وبدأت تقرأ بعينين متسعتين:

-اللقاء الثاني كان أمام منزل جارتنا أمينة... بعد أذان المغرب، كان يرتدي قميصًا أبيضًا وبنطالًا أسودًا، وشعره الأسود يتمايل بخفة مع النسيم، وقفتُ أبدل نظري بينه وبين شجرة الفيكس، وأنا أراقبه من وراء حجاب، بينما كان يتحدث مع أحدهم بنبرة حازمة...

تجمدت «رهف»في مكانها للحظة، ثم أغلقت الدفتر ببطء شديد، وجسدها يرتعش...

هل يُعقل أن ما تقرأه ليس مجرد ذكريات، بل شيء يتنبأ بما سيحدث؟

نظرت إلى الدفتر بارتباك، وكأنه يحمل سرًا أكبر مما تتخيل.

اتسعت عينا «رهف» مرة أخرى عندما ارتفع أذان المغرب، وهمست بصدمة:

-أذان المغرب... وبيت جارتنا أمينة؟ مستحيل يعني يحصل كده! أكيد كلها صدفة... ولا يعلم الغيب إلا الله.

كانت تضغط على كل حرف في آخر جملة، وكأنها تحاول إقناع نفسها...

خفق قلبها بسرعة، وقفزت من مكانها بحركة مفاجئة، وضعت الدفتر والرسائل بعجلة حيث وجدتها، ثم نظرت لانعكاسها في المرآة، وعيناها تلمعان بتردد، وقالت:

-حالًا هروح نفس المكان... وهتأكد إنها صدفة... مع إني أصلًا متأكدة.

لكنها لم تكن متأكدة حقًا، كان في قلبها ذرة شك، ابتلعت ريقها باضطراب وشدت من أطراف إسدالها بتوتر، كأنها تحاول التمسك بآخر ذرة من ثباتها ثم خرجت من الغرفة بقلبٍ يختلج، وبخطوات متعثرة، وكل خطوة تخطوها تجرها نحو شيء مجهول...

*******

وبعد قليل

وقفت «رهف» أمام منزل «أمينة»، تحدّق في الواجهة العتيقة التي احتفظت بملامح الزمن.

وأمام المنزل، كانت شجرة الفيكس باسقة بأغصانها المتشابكة، تتمايل بهدوء مع نسمات المساء، بينما تساقطت بعض الأوراق الجافة ببطء، لتلامس الرصيف الذي تشققت أطرافه وكأنه يتنفس ذكريات بعيدة.

تسمرت «رهف» في مكانها، بينما صدى الكلمات في الدفتر لا يزال يتردد في عقلها...

"اللقاء الثاني كان أمام منزل أمينة... بعد أذان المغرب..."

نظرت حولها؛ الشارع خالٍ، صامت لا يعكره سوى أصوات الطيور العائدة إلى أعشاشها، ونسيم خفيف يحمل رائحة أوراق الشجر الذابلة.

بدأت تشعر بوخز الخوف في صدرها، وكادت تستدير لتغادر وقد بدأت تقتنع بأنها مجرد صدفة لكنها... تجمدت في مكانها عندما اخترق الصمت صوت رجولي مألوف.

كان صوته حازمًا، قريبًا جدًا منها، يتحدث عبر هاتفه بنبرة جادة:

-لا يا سما... قلتلك مش هينفع النهاردة... اه... حاضر بس سيبيني دلوقتي عندي شغل، وهكلمك بعدين.

تراجعت خطوة للوراء، وهي تكتم شهقة كادت تفلت منها، زحفت «رهف» بنظراتها لتستقر على وجهه واتسعت عيناها بدهشة.

كان يقف هناك، تمامًا كما وُصف بالدفتر... بجوار شجرة الفيكس، يرتدي قميصًا أبيض وشعره يتمايل بخفة مع نسيم المعادي.

ومن فرط صدمتها لم تستطع أن تُبعد عينيها عنه، لمَ كل شيء يتطابق تمامًا مع ما قرأته؟

كيف يمكن أن تتكرر الأحداث بهذه الدقة؟

أنهى «مالك» مكالمته وأدار رأسه ببطء نحوها، فالتقت نظراتهما للحظة.

كانت عيناه تحملان نظرة حادة، وكأنهما تخترقان أفكارها، ربما يتساءل، من تلك الوقحة التي تُحدق به بهذا الشكل؟

حاولت أن تفر هاربة، لكن قدميها لم تتحركا...

شعرت بوجهها يحمر، وقلبها يخفق بقوة لم تشعر بها من قبل...

تمتمت بصوت خافت مرتعش:

-إزاي... إزاي كل حاجة زي ما مكتوبة؟

اقترب منها «مالك» بخطوات واثقة، وسألها بصوتٍ هادئ:

-لو سمحتِ... تعرفي بيت الدكتور عطاء؟

ارتبكت «رهف» للحظة، وشعرت بحرارة تجتاح وجهها، رفعت يدها المرتعشة ببطء مشيرة نحو المنزل، ونطقت دون أن تشيح نظراتها عنه:

-هناك... البيت الرابع.

رمقها بنظرة إستغراب، وقال بجدية:

-تمام... شكرًا.

استدار مغادرًا وهو يتحدث عبر الهاتف مجددًا، وترك «رهف» لا تزال واقفة في مكانها، تراقبه بصمت...

وعند وصوله إلى البيت، التفت نحوها وأشار للمنزل وكأنه يسألها؛ هل هو هذا؟

أومأت «رهف» برأسها بسرعة، وشعرت بالخجل فأشاحت بصرها وتمتمت بنبرة مرتعشة:

-إيه اللي بيحصل؟... معقول يكون صدفة برده؟ أيوه طبعًا قدرًا يعني، أكيد الدفتر مش هيحكي مستقبلي... لا يعلم الغيب إلا الله.

نظرت إلى شجرة الفيكس مرة أخرى، متسائلة كيف يمكن لورق الدفتر أن يتنبأ بكل هذا؟

ثم عادت ببصرها إلى «مالك» الذي اختفى داخل البيت، شعرت بقلبها ينبض بسرعة، وعقلها لا يتوقف عن التساؤلات.

أخذت نفسًا عميقًا، واستدارت لتغادر، وهي تغمغم:

-أكيد صدفة... أكيد... لا يعلم الغيب إلا الله.

يتبع

تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا








تعليقات

التنقل السريع