القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية وميض اللقاء الفصل الخامس 5الاخير بقلم آيه شاكر حصريه في مدونة قصر الروايات

 

رواية وميض اللقاء الفصل الخامس 5الاخير بقلم آيه شاكر حصريه في مدونة قصر الروايات 






رواية وميض اللقاء الفصل الخامس 5 الأخير بقلم آيه شاكر حصريه في مدونة قصر الروايات 



(٥)

-افتحي الدفتر يا آنسة واقري...

وبأصابع مرتجفة فتحت الدفتر لتقرأ، واتسعت عيناها بدهشة...

كانت أول صفحة بها رسمة دبدوب، وابتسامة مرسومة...

أخذت تُقلب في الصفحات، تلتقط عيناها كلمات لم تكترث لفهمها ورسومات،

توقف نظرها عند جملة:

 "ومن هنا سيصل القارئ إلى كنزي."

شعرت ببرودة تسري في جسدها، أغلقت الدفتر وألقته على الطاولة، فارتطم بحافة الكوب أمام «مالك».

رفع عينيه إليها وسألها بنبرة هادئة لكن حادة:

-هااا... اتأكدتي إنه مش هو؟

أومأت برأسها بشرود، لكن عقلها كان لا يزال يغرق في تساؤلات لا تنتهي.

حدقت بالدفتر المغلق، وعيناها تضيقان بتركيز، ثم انبثقت فكرة في ذهنها...

عادت لتلتقطه مرة أخرى، وبدأت تقرأ بصوت مرتعش:

-أرسلتُ لكنزي رسائل عديدة، ولم أحصل على إجابة واحدة...

قلبت الصفحة:

 -ستجد  الرسائل موقعة بأول حرف من اسمي.

ثم صفحة أخرى:

 -ليتني لم أترك كنزي، لكنت الآن من الأثرياء.

وصفحة أخيرة:

 -إلى خليفتي بعدي، ابحث عن كنزي، وهذه هي الخريطة.

رفعت رأسها ببطء، والتقت نظراتها بعينيه لأول مرة منذ جلوسها، فارتبكت وأشاحت وجهها بعيدًا ثم قالت بصوت خافت:

-إنت عارف الكلام ده معناه إيه؟

تنهد «مالك» بعمق، ثم قال بنبرة غامضة:

-الخريطة بتقول إن غالبًا جدي كان عنده كنز هنا في القاهرة... حاولت كتير أفك اللغز ده لكن معرفتش.

هزت رأسها نافية، وعينها تلمع بنظرة اكتشاف:

-مفيش كنز... هو بيتكلم عن ست اسمها "كنزي"... والست دي تبقى جدتي...

سكتت للحظة، ثم أكملت بنبرة أقل ثقة:

-تقريبًا كده أنا فهمت... بس لسه فيه لغز مش هيتحل إلا لما ألاقي الدفتر التاني.

تراجع في مقعده، حدّق فيها بذهول:

-ممكن تفهميني براحة؟

تنهدت بعمق، كانت تشعر بارتباك شديد، خصوصًا وهي تجلس أمامه...

عيناها لم تستطيعا مقاومة وسامته، لكنها سارعت بغض بصرها، تذكرت فجأة تحذيرات جدتها من الحب، وتذكرت نظرات مالك الحادة لذا حذّرت نفسها بصمت: "لن أكون كجدتي، لن أُخذل."

حمحمت وقالت دون أن ترفع عينيها:

-جدك وجدتي كان بينهم قصة حب، بس جدك بعد ما خطبها وساعدته بفلوس عشان يتجوزوا خد الفلوس واختفى و... وأنا كان معايا دفتر شبه ده بالظبط بس مش عارفة وقع مني فين يوم ما كنت ماشية وراك.

ارتفع حاجباه بدهشة، ثم قال ببرود:

-وكنتي ماشية ورايا ليه يا أنسه رهف؟

تلون وجهها بحمرة الخجل، أطرقت رأسها وقالت بتردد:

-الـ... الدفتر كان بيحكي كل لقاءاتنا سوا... كأنه بيحكي مستقبلي..."

نظر إليها بتمعن، وعيناه تضيقان بشك:

-مفيش حاجة بتحكي المستقبل، ولا يعلم الغيب إلا الله.

احمرّ وجهها أكثر، وقالت بارتباك:

-آآ... أكيد طبعًا... يمكن صُدفة...

-لكن مفيش صدف، ربنا سبحانه وتعالى بيقول: ﴿إنا كل شيء خلقه بقدر...﴾.

قالها بابتسامة وران عليهما الصمت للحظة وهي تفكر بجملته، حتى نطق مالك:

-يعني كده مفيش كنز... دا أنا عايش أحلم بالكنز اللي سايبه جدي.

انفجر ضاحكًا، ضحكة ساخرة تحمل خيبة أمل، ضحكته أربكتها، لا تدري كيف استجمعت شجاعتها هكذا وتحدثت معه، نهضت واقفة بسرعة وقالت:

-أنا همشي... عن إذنك.

ناداها قبل أن تستدير:

-استني لو سمحتي... اقعدي دقيقة احكيلي أكتر عن جدتك...

جلست مجددًا، وبدأت تحكي بحنين عن جدتها، عن ضحكتها، عن دفئها، عن كلماتها التي لا تزال تتردد في أذنها...

رأى «مالك» بريق الحزن في عينيها، كان يتابعها بترقب حتى انتهت، ران عليهما الصمت للحظات، حتى قال:

-رهف!

نطق اسمها ببطئ وكأنه يشعر بمذاق كل حرف على لسانه، أزعجها أنه بدأ ينطق اسمها مجردًا، وكأنه سيُصاحبها!!

رفعت رأسها إليه بترقب، فأضاف «مالك» بتردد:

-هو إحنا ممكن نتعرف؟

تصلبت ملامحها، ارتسمت على وجهها نظرة حذر، وقالت بنبرة حازمة:

-لا...

وثبت من جلستها، ثم أسرعت خطاها لتخرج من المكان دون أن تلتفت لنداءه، بينما جمع «مالك» مقتنياته في سرعة وتبعها بحذر، كانت تدرك أنه يتبعها لكنها لم تجرؤ على الالتفات إلا بعدما وصلت بيتها، زحفت بنظراتها لتراه يعود وكأنه اطمأن أنها وصلت بيتها، لكن لازالت هناك هالة من الغموض حوله...

★★★★★

ومرت الأيام وهي تراه في كل مكان ترتاده، تكررت الصدف حتى بدأ الشك يتسلل إلى قلبها؛ هل يتعمد الظهور أمامها أم أنه القدر؟

لم يتجاوز الأمر نظراتٍ عابرة، لم يُحدثها أبدًا، وظل سر دفتر مذكرات جدتها عالقًا في الهواء، بلا إجابة أو تفسير...

تساءلت مرارًا: هل كانت المذكرة تصف باقي اللقاءات كما حدثت؟

خطر لها العديد من الأفكار ربما هي مثلًا فقدت الذاكرة وربما «مالك» زوجها أو خطيبها وقد تآمر مع أهلها عليها لتستعيد ذاكرتها! أو ربما دفتر مذكرات جدتها مسحور؟ كادت تفقد عقلها...

وبقيت الأسئلة دون إجابات...

لكن...

لا سؤال يبقى بلا إجابة، مهما طالت المدة...

★★★★

بعد يوم طويل من المحاضرات، عادت إلى البيت بينما في الخارج بدأت ظلال الظلام تزحف ببطء معلنة قدوم الليل...

أخذت نفسًا عميقًا كما لو كانت أنفاسها حُبست طوال اليوم...

تناهى إلى سمعها صوت والدها يتحدث مع شخص ما في غرفة المعيشة، لكنها كانت مرهقة لدرجة أنها لم تكترث، ولم تتجه للمطبخ لتسأل والدتها أو أختيها رغم سماعها صوتهن وضحكاتهن الخافتة، بل توجهت مباشرة إلى غرفتها، وأغلقت الباب خلفها، محاولة الهروب من ثقل الأفكار التي لم تفارقها.

وبمجرد أن أغلقت باب غرفتها، دوّى صوت طرقات خفيفة، ولم تمهلها الفرصة لتأذن؛ إذ اندفعت «ريماس» إلى الداخل، وتبعتها «رنا»، قالت «ريماس» بحماس لاهث:

-رهف! فيه عريس ليكِ برا بيتكلم مع بابا!

تجمدت في مكانها، كأن برودة مفاجئة سرت في عروقها، اتسعت عيناها بصدمة، وتعثرت الكلمات على شفتيها:

-عريس! يا نهار أزرق... مينفعش! قولوله مش هنا... يا نهار أزرق كمان مرة... لأ، أنا أصلًا... مش وقته... لا مينفعش.

ضمت ذراعيها إلى صدرها كأنها تحاول حماية نفسها من واقع لا تستوعبه، وبدأت تسير بخطوات مضطربة ذهابًا وإيابًا في الغرفة، عقلها يضج بالأسئلة والهواجس. 

من يكون؟ ولماذا الآن؟ شعرت بأن رأسها يوشك على الانفجار من فوضى الأفكار...

ثم باغتتها صورة وجهه، بعينيه الثاقبتين ونظراته التي لم تفارقها... هل يُعقل؟ هل يمكن أن يكون هو؟ مستحيل!

انتزعتها من شرودها جملة أختها الصغرى التي قالت بابتسامة متحمسة:

-مالك... اسمه مالك، عسل أوي ومسمسم، يا بختك يا رهف! عقباالي يارب!

اختل توازنها للحظة، واضطرت للإمساك بمقبض الباب بقوة، وشعرت بدوار جعلها تهمس لنفسها:

-مالك! يا نهار أزرق للمرة التالتة... طيب والله كنت حاسه.

كانت أختاها تقفزان فرحًا، تتبادلان الأفكار عن فساتين الخطبة وألوان الزينة، بينما ظلت هي تدور في الغرفة كأنها عصفور حبيس، تتخبط بين صدمة المفاجأة ودوامة التساؤلات.

وقفت فجأة حين تناهى لسمعها صوت والدها يناديها، يطلب منها الحضور للجلوس مع العريس...

 شعرت بأن الأرض تهتز تحت قدميها، لكن خوفها من إحراج والدها تغلّب على ارتباكها، فأخذت نفسًا عميقًا وهمست:

-يا نهار أزرق... طب أعمل إيه دلوقتي؟

دفعتها «رنا» بخفة وهي تقول:

-تروحي تقابليه طبعًا.

بدلت «رهف» ملابسها كما طلبت والدتها وشعرت برجليها تتحركان نحو غرفة المعيشة دون إرادة منها، وكأنهما تقودانها لمصير لا مفر منه...

كل خطوة كانت أثقل من التي قبلها، ودقات قلبها تصم أذنيها.

توقفت عند باب غرفة المعيشة، تتنفس بعمق محاوِلةً السيطرة على ارتجاف يديها. استجمعت شجاعتها وألقت نظرة خاطفة...

كان جالسًا، بملامحه الهادئة الواثقة، يتحدث مع والدها بابتسامة...

تراجعت خطوة للخلف، لكن صوت والدها قطع عليها طريق الهروب:

-تعالي يا رهف.

لم يكن أمامها مهرب الآن، دخلت الغرفة بخطوات مترددة، وعيناها معلقتان بالأرض.

ألقت السلام وارتبكت وهي تنظر نحوه وتقول بصوت بالكاد يُسمع:

-ازيك؟

رد «مالك» عليها بصوته الهادئ:

-الحمد لله، إزيك يا رهف؟

جلست جوار والدها، وهي ترد:

-الحمد لله.

ارتفعت عيناها دون إرادة منها لتلتقي بعينيه، فوجدت نظرة غامضة لم تستطع تفسيرها، تسائلت لمَ فاجئها هكذا، ألم يستطع التمهيد أولًا؟!

قطع والدها حبل أفكارها قائلًا:

-الأستاذ مالك كان بيحكي لي إنه شافك كذا مرة صدفة... وسأل عننا وقرر يدخل البيت من بابه.

شعرت «رهف» بوجهها يحترق من الخجل، وتحركت عيناها بعشوائية محاولة تجنب نظراته.

ضحك «مالك» بخفة وقال:

-أحيانًا القدر بيرتب لنا حاجات مش بنفهمها.

لم تستطع الرد، كلماتها خانتها وأفكارها تشابكت، هل كان يقصد شيئًا أعمق من مجرد صدفة؟ أم أنها تبالغ في تفسير كلماته؟

نهض والدها واقفًا وقال بابتسامة:

-أنا هسيبكم شوية وقاعد قصادكم بره.

شعرت «رهف» ببرودة تسري في أوصالها، وأرادت أن تستوقف والدها لكنها لم تستطع النطق بكلمة.

استدار والدها وغادر الغرفة، وأغلق الباب خلفه بعفوية.

اتسعت حدقتا «رهف» بصدمة، كانت تقرأ جيدًا سعادة والدها بـ «مالك»...

انتبه «مالك» لما حدث ونهض بسرعة ليفتح الباب، لكن قبل أن يلمس المقبض، انفتح الباب فجأة وظهر والدها مبتسمًا وهو يقول بمرح:

-لا مؤاخذه، ماخدتش بالي.

ابتسم «مالك» بعذوبة فربت والدها على كتفه وابتسم، وعاد مالك إلى مقعده، وتسلل الصمت بينهما كثقلٍ لا يُحتمل.

شعرت «رهف» بأنفاسها تتسارع، قلبها ينبض بقوة تكاد تسمعها...

 رفعت رأسها أخيرًا، والتقت عيناها بعينيه. كانت نظرته غامضة، عميقة، وكأنها تخفي أسرارًا لا تُفصح عنها الكلمات.

همست بصوت مخنوق:

-إنت... إيه اللي جابك هنا؟

لم يرد ولم تترجم عيناه أي إجابة، بل زادتها حيرة. 

ارتبكت أكثر، شعرت بحرارة تتصاعد إلى وجنتيها، فاعتدلت في جلستها، محاولة استعادة توازنها، قالت بصوت أقوى، أكثر إصرارًا، وهي تضغط على كل كلمة بحدة:

-إيه... اللي جابك... هنا؟

تنهد بعمق، وأخذ بضع لحظات قبل أن يجيب:

-مش عارف أقول إيه... خايف أتكلم فأقول عن مشاعر لسه بدري إني أبوح بيها.

ارتبكت وأطرقت، ولم تعرف كيف ترد، شعرت بحرارة تغمر وجهها، فأشاحت بنظرها بعيدًا، وهي تحاول إخفاء ارتباكها، اخترق صوته الهادئ  صمتها:

-أنا تقريبًا عرفت عنك كل حاجة... فعايز أكلمك عن نفسي.

نظرت إليه بحذر، تحاول فهم ما يريده حقًا، ثم تذكرت «سما» عقدت حاجبيها وسألت:

-هو إنت مش المفروض متجوز سما... ولا دي كانت حبيبتك؟

تفاجأ بسؤالها، لكنه ابتسم ابتسامة خفيفة وقال:

-أنا عمري ما كان ليّا حبيبة يا رهف، ولا ارتبطت، ولا حتى حاولت أكلم بنت...

تنهد بعمق وقال:

-وسما تبقى أختي، وبالمناسبة فرحها كمان شهرين وكانت جايه معايا عشان تشترى شوية حاجات ورجعت السويس تاني عند أهلي... أنا أصلًا من  السويس لكن حبيت أستقل وأعيش هنا في القاهرة.

شعرت بموجة من الإحراج تغمرها، لكنها لم تستسلم بسهولة قالت متلعثمة:

-بس سما مش شبهك، مش باين إن إنتوا أخوات خالص.

ضحك بهدوء وأجاب:

-مش شرط تبقى شبهي... مع إن إنتِ لو ركزتِ شويه هتلاقيها شبهي.

بدأ في الحديث عن نفسه... عن حياته، عمله، وأحلامه التي كان يلاحقها منذ صغره.

 تحدث بإيجاز عن شغفه بالقراءة، والبحث المستمر...

 لم تستطع «رهف» إلا أن تتابعه باهتمام، وجدت نفسها منجذبة لطريقة حديثه الهادئة الصادقة.

بعد فترة من الحديث، توقف وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول ببعض المرح:

-الخلاصة إني شاب محترم كان بيدور على كنز جده وبيحاول يحل لغز... وإنتِ حلّتيهوله.

ضحك بخفوت، فارتبكت مرة أخرى، وبدأت تعيد ترتيب أفكارها، حاولت الحفاظ على جمود ملامحها وهي تقول:

-أنا مش هينفع أوافق عليك.

ظهرت علامات الدهشة على وجهه، وسأل بهدوء:

-والسبب؟

تحاشت النظر إليه وقالت بعفوية:

-آآ... مش مرتاحالك.

ابتسم ابتسامة خافتة وقال:

-إديني فرصة... يمكن ترتاحي.

لم تعرف بماذا ترد، فتجنبت عينيه وقالت بجمود:

-الرد هيوصل مع بابا.

ساد الصمت مرة أخرى، لكنه لم يكن ثقيلًا هذه المرة، شعر كلاهما بأن هناك شيئًا بدأ للتو، لكن لا أحد منهما يعرف كيف سينتهي.

★★★★

مرّ يومٌ تلو الآخر، وهي عالقة في دوامة من المشاعر المتضاربة... تخشى الرفض كما تخشى الموافقة. 

وكلما راودتها فكرة الرفض، داهمتها كلمات والدها، تتردد في عقلها كصدى لا يهدأ:

"الشاب مفيهوش غلطة يا رهف... أنا سألت عنه وعن أهله ناس محترمه."

وصوت أختها الكبرى يدغدغ مشاعرها بحماسة بريئة:

"عسول أوي!"

حتى أختها «ريماس» لم ترحمها:

"بالله عليكي وافقي يا رهف دا محترم أوي."

لكن ما زاد الأمر تعقيدًا هو حماس والدتها:

"عسول، وذوق، وأدب... وكل اللي تحلمي بيه! ده لو وافقتي عليه، أنا هتفشخر قدام عماتك وخالاتك بيه."

أغمضت «رهف» عينيها بقوة، تحاول طرد تلك الأصوات من رأسها، وبأنامل مرتجفة، فتحت هاتفها... 

حملت تطبيق الفيسبوك، وهي لا تدري لماذا تفعل ذلك، ربما مجرد محاولة للهرب من دوامة التفكير، لكن... ما إن فتحته، حتى وصلت إليها رسالة من زميلة لها:

"رهف، هو إنتِ ضايع منك دفتر قديم؟"

اتسعت عيناها بدهشة...

تسارعت نبضات قلبها حتى كاد أن يثب من صدرها.

كتبت بسرعة قبل أن تفكر:

"أيوه... قديم وغلافه بني وورقه أصفر."

جاء الرد سريعًا:

"الدفتر معايا، وقع منك في المواصلات من فترة وكنت راكبه معاكي في نفس الميكروباص، ناديت عليكِ كتير بس ماخدتيش بالك."

شعرت «رهف» ببرودة تسري في أطرافها.

 عادت بذاكرتها إلى ذلك اليوم... عندما كانت غارقة في أفكارها بعدما قرأت عن اللقاء الثالث ووجدت «مالك» يجلس جوارها كما كُتب، لابد أنها من فرط ارتباكها لم تلحظ حين وقع الدفتر منها...

كتبت بسرعة، بأنفاس متلاحقة:

"ولما الدفتر معاكي مكلمتنيش من يومها ليه؟"

جاء الرد ببطء، كأن الكلمات تخرج بتثاقل:

"اعذريني، بابا كان تعبان وتوفى، وكنت في حالة نفسية صعبة جدّا... إن شاء الله أقابلك بكرة وأديهولك."

حدقت «رهف» في الشاشة، كانت تشعر بمزيج من الحزن والتوتر...

 كتبت:

"البقاء لله، ربنا يرحمه ويصبرك يارب... طيب تمام، هستناكي بكره..."

أغلقت هاتفها، وظلت تحدق في الفراغ. شعرت أن قلبها يعزف إيقاعًا غير منتظم...

الآن فقط... ستتضح الأمور.

ستعرف هل كانت الثلاثة لقاءات مجرد صدفة؟ أم أن الأحداث تتكرر بشكل غريب؟

شعرت بقشعريرة تسري في جسدها، وهي تفكر...

هل هذا الدفتر يحمل سرًا يتجاوز حدود المنطق؟

#نوڤيلا_وميض_اللقاء

بقلم آيه شاكر

—————————————————————


(٦) والأخيرة

في ظُهر اليوم التالي اتجهت «رهف» لبيتها يداها ترتجفان، والدَفترُ بين أصابعها كأنه جمرة مشتعلة.

حدقت في غلافه، تحاول جمع شجاعتها لفتحه، لكنها لم تفتحه وانتظرت حتى وصلت للبيت؟ 

صعدت إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها بهدوء، ثم جلست على سريرها، تأملت الدفتر للحظة، وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تفتحه.

قلبت الصفحات ببطء، عينَاها تلتهمان الكلمات...

اللقاءات التالية كانت مختلفة تمامًا... لا تشابه ولا تكرار، وصفحات تحكي خلالها الجدة كيف فرّ الرجل وترك الجدة تبكي وتدعو الله كل ليلة أن يعوضها خيرًا...

رحل ولم يبقَ منه سوى ذكريات باهتة، ودفتر أهداه لها تسجل فيه ما عاشته، وما أخطئت به، ورسائل ندم أرسلها بعد فترة، فأخفتها بعيدًا عن أعين عائلتها، كانت تدعو له أن يسامحه الله على ما مضى...

وعوض الله الجدة بزوج محب «جد رهف» وأسرة حنونة ومرت الأيام والسنوات...


زال الخوف من قلب «رهف» حين انتهت من القراءة، وأطلقت زفيرًا طويلًا كأنها كانت تحبس أنفاسها طوال هذا الوقت. 

وثبت من جلستها لتقف أمام المرآة وتضحك بهستيرية وهي تخاطب نفسها:

-هو أنا ليه كنت متخيله إن الدفتر هيكون مسحور مثلًا، أو إن مالك هيكون شخص خطير! أو متفق مع أهلي، والله أنا الأفلام والمسلسلات لحست عقلي... وفي الأخر طلعت مجرد صدفة!

 وقبل أن تضع الدفتر جانبًا، لمحت كلمات مكتوبة داخل غلاف الدفتر، بخط يد جدتها:

"أقدارنا لا يعلمها إلا الله، كُتبت عنده، قبل أن تبصر أعيننا النور سُطرت رحلتنا، وخُطت تفاصيل حياتنا... من فرح وألم، لقاء وفراق، حلم وواقع... لكن رغم حتمية القدر، وهبنا الله سلاحًا لا يرد... وهو الدعاء، لنرفع أكفّ الرجاء إلى الله، نهمس بما يختلج في صدورنا ونؤمن أن الدعاء يصعد إلى المولى، فيُلين الأقدار، ويبدل الحال إلى حالٍ أفضل، فإن خفت من شيء، ارفع يديك للسماء، فربما كان الفرج في سجدةٍ خاشعة، أو دمعةٍ صادقة، أو كلمةٍ خفية لم يسمعها أحد إلا الله..."

 شعرت برعشة باردة تسري في أوصالها، وكأن الكلمات تخاطبها.

تذكرت جملة «مالك» وتمتمت:

-ربنا قال: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾... أكيد كل حاجة ليها حكمة، ولعل ده كان اختبار لإيماني.

تنهدت بأسى، ثم تمتمت بصوت خافت:

-حاسّة إني فشلت... أنا اكتشفت إن إيماني ضعيف! إزاي شكيت ولو للحظة إن الدفتر ممكن يحكي مستقبلي؟

غطّت وجهها بكفيها، وأخذت تردد الاستغفار بصوت مرتجف وأدمعت عيناها فقد اشتاقت لجدتها حقًا، ارتشفت دموعها وهي تقول:

-الله يرحمك ويغفر لك يا تيته... وحشتيني أوي.

أغلقت «رهف» الدفتر بإحكام، وضغطت عليه كأنها تحاول حبس الذكريات داخله.

اهتز صدرها بحركة غير منتظمة، ثم مسحت دموعها بظهر كفها.

فُتح باب الغرفة فجأة فالتفتت مسرعة بينما شهقت والدتها وتراجعت خطوة للخلف ثم وضعت يدها على صدرها قائلة:

-خضتيني يابنتي! إنتي هنا من إمتى يا رهف؟

رسمت «رهف» ابتسامة باهتة، وكأنها تحاول إخفاء اضطرابها.

تقدمت بخطوات بطيئة نحو والدتها، ثم ارتمت في أحضانها ودفنت وجهها في كتفها، قائلة بصوت مخنوق:

-تيته وحشتني أوي يا ماما!

شعرت الأم برجفة ابنتها بين ذراعيها، فأحكمت عناقها وربتت على ظهرها بلطف...

تنهدت بعمق، وكأنها تحاول طرد غصة في صدرها، ثم همست:

-وحشتنا كلنا... الله يرحمها يا رب.

تراجعت «رهف» قليلًا ومسحت آثار الدموع التي ظلت عالقة بعينيها.

حدقت في وجه والدتها محاولة أن تقرأ ما وراء نظراتها، ثم قالت بصوت خافت:

-أنا لقيت مذكرات كانت كاتباها بإيديها...

أومأت والدتها بهدوء، وظهر في عينيها بريق من الحنين، وقالت:

-ما أنا عرفت إنك لقيتيها... أنا وباباكي قريناها بعد ما توفت.

توقف الزمن للحظة بينهما، قبل أن ترتسم ابتسامة خفيفة على وجه والدتها، وأضافت وهي ترفع حاجبيها بمكر:

-المهم... ها، إيه رأيك في مالك؟

اتسعت عينا رهف قليلًا، واحمر وجهها بشكل لا إرادي.

تذكرت نظراته التي اخترقت جدران حذرها، وابتسامته التي كانت كافية لزرع اضطراب في قلبها...

شبكت رهف يديها ببعضهما، وضغطت أصابعها بتوتر وهي تسأل:

-إنتِ عارفة مالك ده يبقى مين؟


ارتسمت ابتسامة واسعة على وجه والدتها، ومالت برأسها قليلًا للأمام قائلة:

-ابن بنت الراجل اللي سرق جدتك وهرب.

اتسعت عينا رهف بدهشة، وهمست بذهول:

-إنتِ عارفة منين؟

تنهدت والدتها، وظهر على وجهها خليط من الحزن والحنين، ثم قالت:

-هو قالنا كل حاجة... كان عايز يعرف الفلوس اللي جده خدها قد إيه عشان يرجعها... لكن أبوكي رفض طبعًا... وسألنا عن أهله في السويس... ناس محترمة... وإحنا مش هناخد الشاب بذنب جده اللي مات يا رهف.

 تركت الأم كلماتها تتردد في الأجواء، ثم خرجت من الغرفة بهدوء، مغلقة الباب خلفها، ظلت «رهف» واقفة في مكانها، تشعر بثقل الكلمات وهي تستقر في أعماقها وأفكارها تتصارع كأمواج هائجة.

أخذت نفسًا عميقًا، واتجهت لتتوضأ وتصلي الظهر، وفي سجودها همست بتضرع:

-يا رب سامحني لو غلطت... يارب أرشدني للسداد... أعني على الاختيار.

عندما انتهت من الصلاة، وقفت أمام المرآة، وحدقت في انعكاس وجهها.

كانت ملامح الحيرة واضحة، لكن شيئًا ما تغير، لمع بريق جديد في عينيها... بريق الأمل والثقة.

أدركت أن القرار بيدها وحدها ولأول مرة، شعرت بأنها قادرة على الاختيار بقلبها وعقلها معًا.

طلبت أن تجلس مع «مالك» مرة أخرى قبل اتخاذ قرارها النهائي...

*********

دخلت الغرفة بخطوات مترددة، وكان يجلس وحده في انتظارها.

حملت بيدها الدفتر بإحكام، وكأنها تتمسك به كطوق نجاة.

ألقت السلام بصوت منخفض وجلست قبالته، فابتسم ابتسامة دافئة وقال:

-عاملة إيه يا رهف؟

أجابت بخفوت:

-بخير، الحمد لله... حضرتك عامل إيه؟

ظهرت على وجهه ملامح استغراب خفيف، ثم قال بمزاح:

-من غير حضرتك بعد إذنك... وأنا الحمد لله كويس.

ارتسمت على وجهها ابتسامة خجولة، وصمتت لوهلة وهي تجمع شتات أفكارها. 

كانت كلماتها عالقة في حلقها، لكنها قررت أن تواجه تساؤلاتها أخيرًا...

تلعثمت قليلًا وهي تقول:

-ليه... ليه لما كنا بنتقابل كنت بحس كأنك... كأنك عارف حاجة عن... عن دفتر مذكرات تيته؟

اتسعت عيناه بدهشة حقيقية، وانفرجت شفتاه عن ابتسامة جانبية قبل أن يقول بصدق:

-لا والله، مكنتش أعرف حاجة... كل الحكاية إني كنت مستغربك... إنتي كنتي بتبصيلي أوي... يعني نظراتك ليا أثارت فضولي مش أكتر.

أحست بحرارة الخجل تسري في وجهها، وأطرقت برأسها وهي تفرك أصابعها بتوتر. 

ابتسم «مالك» وهو يراقب ارتباكها، ثم أردف بلطف:

-وريني كده المكتوب في الدفتر ده.

 ودون أن تنبس بكلمة، فتحت الدفتر ومدّته نحوه. 

أخذ «مالك» الدفتر ببطء وبدأ يقرأ بتمعن، وبينما كانت عيناه تتنقلان بين السطور بانتباه، راقبته «رهف» في صمت، تتأمل ملامحه عن كثب، محاوِلةً قراءة ما يجول في خاطره.

فجأة، رفع بصره، فالتقت نظراتهما على حين غرة...

شعرت بارتباك شديد، وأطرقت برأسها سريعًا، وبدأت تفرك أصابعها بتوتر.

لاحظ هو ارتباكها، فحاول تخفيف اضطرابها، قال:

-طيب ده حتى بيقول إني كنت لابس بنطلون أسود... بس أنا أصلًا ماعنديش بنطلون أسود! وشعري كمان...

مدّ يده إلى شعره ومرر أصابعه بين خصلاته، ثم قال بابتسامة:

-بصي كده على شعري... مش أسود زي اللي مكتوب هنا، أنا شعري بني... وعيني مش بني، أنا عيني رمادية مايله للإسود...

رفعت «رهف» عينيها للحظة، تتحقق من كلامه، لكنهما اصطدمتا بعينيه العميقة، حيث تلاقت نظراتها بوهج دافئ يشع منهما، تسارعت دقات قلبها مع حرارة مفاجئة اجتاحت وجنتيها، فأشاحت بوجهها سريعًا، متجنبة ذلك التوهج الذي أربكها...

ران عليهما صمت طفيف، حتى قال مالك بتردد:

-للأمانه... أول مرتين كانوا صدفة لكن المره التالته في المواصلات أنا اللي ركبت وراكي عشان...

صمت قليل ثم استرسل بتوتر:

-يمكن فضول أو... مش عارف بصراحه... بس أنا اللي ركبت وراكي، وقعدت جنبك عشان لقيت شاب داخل ورايا وكان هيقعد جنبك... ساعتها تخيلت أختي مكانك و... وحطيت شنطتي بيننا.

ألقى الصمت عباءته عليهما حتى قطعته «رهف» حين تمتمت بصوت منخفض:

-بصراحة... أنا كنت متخيلة إن المذكرات دي فيها سحر أو حاجة غريبة... أو... إنت تكون مثلًا متفق مع حد وبتنفذ اللي فيها...

ضحكت بخفوت، وهي تراقب الأرض بتوتر، فضحك «مالك» ، وقال وهو يهز رأسه بنفي:

-حتى لو تشابهت الأحداث، فدى قدرًا يا رهف... لازم تكوني على يقين إن مفيش حاجة بتحكي الغيب أو المستقبل... ربنا سبحانه وتعالى بيقول: ﴿قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله﴾.

صمتت قليلًا ثم قالت بخفوت:

-خايفه يكون كان اختبار من ربنا ليا وفشلت فيه.

نظر إليها بصمت للحظات، ثم قال بلطف:

-الاختبارات من ربنا مش بس عشان نشوف إن كنا هننجح أو نفشل، لكن كمان عشان نتعلم ونقرب منه أكتر... يمكن تكوني حسّيتي إنك فشلتي، بس يمكن برضه ده يرشدك للطريق اللي هيقربك لربنا.

-فعلًا... معاك حق.

قالتها «رهف» وتسللت ابتسامة هادئة إلى شفتيها، تنهدت براحة، وكأن حملًا ثقيلًا قد زال عن كاهلها...

لاحظ «مالك» تبدل ملامحها، فسأل بلطف:

-ها عايزة تسأليني عن حاجة تانية؟

ترددت للحظة، ثم رفعت عينيها بثبات هذه المرة وسألته:

-آه... هو إنت كنت بتعمل إيه عند الدكتور عطاء.

 أجاب بابتسامة عذبة:

-كنت جايله في شغل والله يا رهف، يعني مكنتش ماشي وراكي، والمكان اللي الراجل اتهجـ ـم عليكي فيه برده يوم ما كنت ركبت وراكي كان عند شغل هناك وقلت بالمره، ساعتها سمعت صوتك المكتوم والراجل بيشدك.

ابتسمت بحرج وصمتت لبرهة ثم سألته:

-هو إحنا لو حصل نصيب واتجوزنا... هنعيش هنا في القاهرة، صح؟

ظهرت دهشة خفيفة على وجهه قبل أن يرسم ابتسامة واسعة ويجيب:

-صح.

لمع في عينيه بريق من السعادة، وتبادلا نظرة سريعة، مليئة بالمعاني التي لم يُنطق بها.

 شعر كلاهما بدفء اللحظة، لكنهما أشاحا بوجهيهما في ذات الوقت، لتظهر على وجهيهما ابتسامة خجولة لم يستطيعا إخفاءها. 

********

وتمت خطبتهما، لكن ظلت «رهف» حذرة، تتعامل معه برسمية وحيطة.

كانت نظراتها أحيانًا تحمل تساؤلات مكتومة، وابتسامتها تخفي خلفها قلقًا دفينًا.

كانت لقاءاتهما في البيت وفي وجود أفراد عائلتها، لم تخرج معه ولو مرة واحدة على مدار أربعة أشهر، حتى حديثهما عبر الهاتف كان مقتضبًا لا يتجاوز الدقيقتين.

وذات يوم، في البيت حيث يجلس «مالك» بين العائلة عرض عليها:

-إيه رأيك يا رهف نخرج نتغدى بره النهارده؟

-لـ... لأ أنا عندي مذاكره كتير.

قالتها باضطراب، فنظر «مالك» لوالدها وقال:

-طيب بعد إذنك يا عمي بكره هروح أخدها من الكلية.

اومأ والدها بابتسامة رضًا، فأعاد «مالك» نظره لرهف وقال:

-إنتي هتخلصي الساعه كام؟

أجابت بسرعة وهي تفرك يدها:

-لأ... آآ... أنا مش هروح الكلية بكره أصلًا.

كان والدها يسمع حوارهما وهو يبدل نظراته بين وجه ابنته ووجه «مالك»، فتدخل:

-مش هتروحي الكليه ازاي؟ إنتي عندك امتحان بكره يا رهف؟

صمتت لبرهة ثم قالت بتلعثم:

-آه... صح... كنت نسيت.

قال والدها بحسم:

-خلاص يا مالك تبقى تجيبها من الكليه بكره إن شاء الله.

ابتسم «مالك» وأومأ وهو يرمقها سريعًا فكان يشعر بقلقها، كان يلمح في عينيها خوفًا من أن يكرر التاريخ نفسه، او أن يتركها كما فعل جده مع جدتها.

حاول طمأنتها مرارًا، بابتسامات صادقة وعبارات مطمئنة، لكنه أدرك أن الوقت وحده كفيل بتبديد مخاوفها، فتقبل الأمر بحكمة وصبر.

وتطايرت الأيام، حتى جاءت ليلة عقد قرانهما...

كان المكان زاهيًا بالألوان، تتلألأ الأضواء على وجوه الحضور، والأناشيد تصدح بألحان الفرح.

كانت «رهف» تتألق بفستانها الأبيض، وابتسامة خجولة تتسلل إلى شفتيها كلما التقت عيناهما.

كانت نظراتهما تتشابك وسط الحشد، أعينهما تشع بنظرات حب لم تُنطق، لكنها حملت كل الكلمات.

تقدّم نحوها بخطوات واثقة، صافحها لأول مرة، شعر ببرودة أطرافها، وبارتجافة خفيفة لم تخفَ عليه.

مال نحوها وهمس بصوت دافئ:

-من أول مره شوفتك عرفت إني هقابلك تاني، مش هقول حبيتك من أول نظرة بس حسيت إن قلبي عرفك، ورغم تصرفاتك الغريبة ونظراتك المريبة اتعلقت بيكي، أنا بحبك يا رهف... واطمني... عشان أنا مستحيل أسيب كنزي زي ما عمل جدي مع كنزه، أنا عايز أعيش ثري... 

تلاقت عيناهما فغمز لها، انفرجت شفتاها عن ابتسامة صادقة، كأن كلماته أزاحت عن قلبها ثقلًا كانت تحمله طويلًا.

شعرت بدفء كفه الذي يغمر يدها، وتركته يقبض عليها برفق، وكأنهما يتعاهدا في تلك اللحظة على مواجهة المستقبل سويًا.

وبين الأضواء والألحان، تشابكت نظراتهما، لتشهد الأقدار على وعدٍ لم يُنطق، لكنه سُطّر بين نبضاتهما.

                      ★★★★

وبعد أعوام...

في غرفة المعيشة، حيث تزين أرفف المكتبة الجدار بألوان الكتب المتناثرة، وقف طفل في الرابعة من عمره على كرسي، يمد يديه الصغيرتين نحو الدفترين المتجاورين.

كانت عيناه اللامعتان تشعان بفضول بريء، بينما بدأ يقلب صفحاتهما بحماس، دون أن يفهم الكلمات المكتوبة أو الحكايات المختبئة بين السطور.

مرّ «مالك» بجانبه، فتوقف عندما رآه يمسك بالدفترين.

 للحظة، عاد به الزمن إلى الوراء، إلى تلك اللقاءات الأولى، وتلك الحيرة التي كانت ترتسم على وجه «رهف».

ابتسم ابتسامة دافئة، واقترب من طفله بهدوء، ثم انحنى إلى مستوى عينيه وقال بمرح:

-يا وَلَه! الدفتر ده غالي عليا... هو اللي عرفني على أمك يا بطل.

ضحك الطفل ببراءة، وهو ينظر إلى والده بعينين تتلألآن بالدهشة، ثم رفع الدفترين ليعيدهما إليه.

أخذ «مالك» الدفترين بلطف، وكأنهما كنز ثمين، وأعادهما إلى مكانهما جنبًا إلى جنب على رف المكتبة.

وقبل أن يغادر الغرفة، أمسك بجهاز التحكم وشغّل التلفاز على قناة القرآن الكريم. صدحت الآيات بصوت هادئ عذب:

-قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ...

توقف للحظة، واستمع بخشوع.

 تردد صدى الآية في قلب «رهف» وهي تقف بالمطبخ تُعد الغداء، ثم ابتسمت وهتفت بمرح:

-يا مالك! تعالى اقف جنبي هنا إنت ومحمد وإلا مش هتاكلوا النهارده؟

ابتسم بحنان، وقال:

-جايين يا قلبي.

وألقى نظرة أخيرة على الدفترين، ثم حمل طفله بين ذراعيه ورفعه في الهواء، مما أثار ضحكاته البريئة.

سار نحو المطبخ بخطوات واثقة، بينما ظل الدفتران في مكانهما، شاهدين على وميض اللقاء، وحكاية حب كُتبت بين القدر والصدفة، وعُلّقت نهايتها في علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله.

النهاية.

#نوڤيلا_وميض_اللقاء

آيه شاكر

لمتابعةالروايه الجديده زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا




تعليقات

التنقل السريع