رواية أوراق الياسمين الفصل الخامس 5الاخير بقلم يحيي الحريري حصريه في مدونة قصر الروايات
رواية أوراق الياسمين الفصل الخامس 5الاخير بقلم يحيي الحريري حصريه في مدونة قصر الروايات
أوراق الياسمين
البارت الخامس
تسللت لحظة صمت بينهما بعد كلماتها الأخيرة، لكن لم تكن مجرد لحظة عادية… كانت لحظة تحدٍّ، لحظة صراع خفي بين عقلين يرفضان الانكسار.
وقف يزن ينظر إليها، حاجباه مرفوعان باهتمام واضح، قبل أن يميل بجسده قليلًا للأمام، يضع يديه على الطاولة الفاخرة، ثم قال بصوت منخفض لكنه مشحون بالقوة:
— "شروطك؟ دعيني أسمعها."
رفعت حلا ذقنها قليلاً، عيناها تلمعان بتحدٍّ، وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة لتثبت أنها ليست مجرد رقعة في لعبته.
— "أولاً، أي قرار يتعلق بالمشروع يجب أن نوافق عليه معًا… لا أوامر مباشرة منك."
ابتسم، وكأنه توقع ذلك، لكنه لم يُعلّق.
— "ثانيًا، لا أريد أن أكون مجرد واجهة، أريد حق التصرف في العمل، كما لو كان ملكي تمامًا."
ارتفعت زاوية فمه بابتسامة جانبية، ثم قال:
— "بدأتِ تطلبين أشياءً كبيرة."
تجاهلت سخريته، وأردفت بجدية:
— "وأخيرًا… إذا انتهت المدة المتفق عليها، ولم تلتزم بإعادة المكتبة لي، فحينها سأستخدم كل وسيلة ممكنة لاسترجاعها… وأعدك أنني لن أكون رحيمة."
ساد الصمت.
نظر يزن إليها مطولًا، وكأنه يقيس مدى جدية كلماتها. ثم، وكأنه استمتع بهذا العرض أكثر مما ينبغي، انحنى إلى الخلف، مدّ يده نحو أحد الأدراج، وسحب منه عقدًا مطبوعًا بالفعل.
دفَعه نحوها، وقال بنبرة لم تستطع تحديد ما إذا كانت استهزاءً أم إعجابًا:
— "أعتقد أنني توقعت شروطك مسبقًا."
نظرت إلى الورقة أمامها، تقرأ بنودها بدقة، لتجد أنه قد صاغ العقد وكأن الأمور كلها كانت محسوبة مسبقًا. هذا الرجل لا يترك شيئًا للصدفة، وهذا ما جعلها تشعر بأن هذه الصفقة… قد تكون أكثر خطورة مما تخيلت.
•••
مرّ أسبوع على توقيع العقد، وخلال هذه الأيام، وجدت حلا نفسها وسط عالم لم تعتد عليه.
انتقلت من أجواء مكتبتها الدافئة إلى عالم الشركات الفاخرة، الاجتماعات، والمكاتب اللامعة حيث كل شيء يتحرك بسرعة مذهلة. لم يكن العمل مع يزن سهلًا… بل كان أشبه بمعركة يومية لإثبات نفسها.
لكنه كان ذكيًا. كان يراقبها طوال الوقت، يختبر قراراتها، يدفعها إلى اتخاذ مواقف صعبة، وكأنه يريد معرفة إلى أي مدى تستطيع الصمود.
وفي كل مرة كانت تعتقد أنها استطاعت السيطرة على زمام الأمور… كان يفاجئها بخطوة جديدة تقلب كل شيء رأسًا على عقب.
•••
في أحد الاجتماعات المهمة، حيث كان من المفترض أن تقدّم عرضًا حول خطة التسويق للمشروع، جلس يزن في المقعد الرئيسي، يراقبها بصمت بينما كانت تعرض أفكارها أمام مجموعة من المستثمرين.
أنهت حديثها بثقة، والتفتت إليه لتجد نظراته غامضة، ثم قال بصوت هادئ:
— "جميل، لكن هناك نقطة لم توضحيها جيدًا."
عقدت حاجبيها.
— "أي نقطة؟"
نظر إليها مباشرة، ثم قال بلا تردد:
— "لماذا تعتقدين أن هذه الخطة ستنجح؟"
كان سؤالًا بسيطًا، لكنه كان يحمل تحدّيًا خفيًا. لم يكن يطلب إجابة عادية، بل كان يريد منها أن تثبت له شيئًا أكبر من مجرد أفكار على ورق.
لكنها لم تكن مستعدة لأن تدعه يوقع بها بهذه السهولة.
ابتسمت بثقة، ثم قالت وهي تتقدم نحوه بخطوات بطيئة:
— "لأنني أعرف الجمهور الذي نستهدفه أكثر منك."
ارتفع حاجباه قليلًا، وكأنها نجحت في إثارته مجددًا.
— "أنتِ واثقة جدًا من نفسك."
— "وهذا ما يجعلك تبقي عينيك عليّ طوال الوقت، أليس كذلك؟"
ساد الصمت للحظة، ثم ارتفع همس خفيف بين الحاضرين، بينما كانت حلا تنظر إليه بتحدٍّ واضح.
أما يزن… فقد ابتسم. ابتسامة لم يكن من السهل فهمها، لكنها كانت تحمل معنى واحدًا فقط:
اللعبة أصبحت أكثر إثارة.
ساد صمت مشحون في القاعة بعد رد حلا الجريء، بينما نظر المستثمرون بين بعضهم البعض وكأنهم يدركون أن هذه المعركة ليست مجرد نقاش مهني، بل حرب خفية بين اثنين يرفضان الخضوع.
أما يزن، فقد ظل ينظر إليها، عيناه تحملان مزيجًا من التحدي والدهشة، قبل أن ينحني إلى الخلف على كرسيه ويصفق ببطء.
— "إجابة ذكية… لكن الذكاء وحده لا يكفي في عالم الأعمال."
رفعت حاجبًا ساخرًا.
— "وهل تعتقد أنني لا أعرف ذلك؟"
ضحك بخفة، ثم التفت إلى المستثمرين قائلاً بنبرة هادئة لكن قاطعة:
— "إذاً، أيها السادة، يبدو أن لدينا مشروعًا واعدًا… فلنبدأ التنفيذ."
نظر الجميع نحو بعضهم البعض، ثم بدأ التصفيق، وبدأ الاجتماع يُختتم، لكن حلا لم تتحرك. كانت لا تزال تشعر أن هناك شيئًا آخر يخطط له يزن.
وحين همّ الجميع بالمغادرة، وقف يزن واقترب منها ببطء، وكأنه يتعمد أن يتركهم يغادرون أولاً حتى يكون له حديث خاص معها.
— "أنتِ تعرفين أنني لا أترك الأمور للصدفة، أليس كذلك؟"
نظرت إليه بثبات، نبرتها باردة:
— "وأنت تعرف أنني لا أخوض معركة دون أن أكون مستعدة لها."
ابتسم بخفة، ثم قال بصوت خافت:
— "لكن هذه المعركة… قواعدها ليست كما تتخيلين."
كادت تسأله عمّا يقصده، لكن قبل أن تنطق، رن هاتفها فجأة.
نظرت إلى الشاشة، فرأت اسم سمير، صديقها وشريكها السابق في المكتبة. قلبها انقبض، شعرت أن هناك شيئًا ما لا يسير كما ينبغي.
ضغطت زر الإجابة بسرعة:
— "سمير؟ ماذا هناك؟"
— "حلا… هناك مشكلة."
شعرت بقلبها يتوقف للحظة، نظرت سريعًا نحو يزن الذي كان يراقبها بتمعن، وكأنه يعرف تمامًا ما يجري.
— "ما الذي حدث؟"
— "المكتبة… دخلها مجهولون الليلة الماضية، قلبوا كل شيء رأسًا على عقب، والملفات القديمة… اختفت."
شهقت، شعرت بجسدها يبرد.
— "ماذا تعني باختفت؟!"
— "كل العقود، الأوراق الرسمية، حتى بعض المستندات القديمة التي كنا نحتفظ بها في الخزانة الخلفية… كلها غير موجودة."
تصلبت في مكانها، عقلها يعمل بسرعة جنونية، ثم رفعت عينيها ببطء نحو يزن، الذي لم يبدُ عليه أي أثر للدهشة.
بل على العكس… بدا وكأنه كان يتوقع حدوث ذلك تمامًا.
— "يزن…" همست، صوتها يحمل مزيجًا من الصدمة والاتهام.
ابتسم ابتسامة جانبية، ثم قال بهدوء:
— "ألم أقل لكِ أن القواعد مختلفة في هذه اللعبة؟"
شعرت بالغضب يتفجر داخلها، لكنها في الوقت نفسه، أدركت شيئًا واحدًا مؤكدًا…
هذه ليست مجرد حرب على مكتبة. هذه حرب على شيء أعمق بكثير… وربما كانت هي الهدف الحقيقي منذ البداية.
يتبع ..أوراق الياسمين
البارت السادس
كانت حلا تمشي بخطى سريعة في الممر الضيق المؤدي إلى مكتبها، وعقلها مشغول بكل ما حدث. كانت تتخيل أن الأمور كانت تسير بطريقة أكثر وضوحًا، لكنها الآن ترى أن كل خطوة قد أخذتها كانت مجرد جزء من خطة أكبر، خطة محكمة كانت تجهل تفاصيلها حتى لحظتها هذه.
أما يزن، فقد اختفى عن الأنظار بعد المكالمة، وتركت وراءه شعورًا غامضًا بالكذب والخداع. وكأنها كانت جزءًا من لعبة خطيرة أدارها بحرفية عالية.
عندما دخلت مكتبها، كانت تجده مظلماً، إلا من ضوء شاشة الكمبيوتر الذي كان يظهر أوراق مكتبتها التي تم العبث بها. ورغم كل ما حدث، لم تستطع التخلص من شعور بالتهديد المستمر الذي يلاحقها.
جلست خلف مكتبها، وفتحت الكمبيوتر، عينيها تبحثان عن أي أثر قد يقودها للحقيقة، لكن ما فاجأها هو رسالة غريبة وصلت على بريدها الإلكتروني، وكانت موقعة باسم مجهول.
"نعم، حلا، أنت في قلب المعركة، ولكن القواعد لن تكون كما تعتقدين. إذا أردتِ النجاة، عليكِ أن تعرفي كيف تحترقين قبل أن تقتربي من النهاية. هذا تحذيرك الأخير."
قرأت الرسالة مرارًا، وكانت كلماتها أكثر من مجرد تهديد. كانت دعوة للموافقة على لعبة الموت، لعبة تتطلب التضحية بكل شيء.
ارتعشت قليلاً، ولكنها أعادت الثقة إلى نفسها. لن تسمح لهذا المجهول أن يحكم مصيرها.
•••
في تلك اللحظة، رن هاتفها مرة أخرى. كانت هذه المرة من سمير، لكن نبرته هذه المرة كانت مختلفة تمامًا.
— "حلا… يجب أن تسرعي، لقد وصلت الشرطة. يبدو أن القضية أكبر مما كنا نتوقع."
— "ماذا؟!"
— "المكتبة، الأوراق… هناك شخص آخر وراء كل هذا. ونحن على وشك أن نكتشف من هو."
ارتجفت يديها، ولكنها أجابت بسرعة:
— "أين؟ سأكون هناك خلال دقائق."
وضعت الهاتف في حقيبتها، وركضت للخروج من المكتب، بينما كان رأسها يدور بكل الاحتمالات التي كانت تخيم في ذهنها.
•••
وصلت إلى المكتبة، وكان المكان غارقًا في ضوء أضواء الشرطة والأبواق المزعجة التي كانت تعلو في الخارج. كان الجو مشحونًا بالقلق.
في الداخل، كان يزن يقف بهدوء، وعيناه تراقبان المشهد بتسلط، وكأن كل ما يحدث هو جزء من الخطة التي رتبها مسبقًا.
— "يزن!" قالت بصوت منخفض، وقد امتلأ قلبها بالشك.
رفع عينيه إليها بهدوء، ثم أشار لها أن تقترب.
— "يبدو أن الأمور قد وصلت إلى ذروتها، أليس كذلك؟" قال بنبرة هادئة.
— "أنت وراء هذا، أليس كذلك؟" كانت كلماتها حادة، مصحوبة بشعورٍ بالخذلان.
أجاب بهدوء:
— "أنا فقط... جزء من الصورة الأكبر، حلا."
— "وأنا؟ ما دوري في هذه اللعبة؟ هل كنتِ مجرد قطعة شطرنج بالنسبة لك؟"
ابتسم ببطء، ثم همس:
— "بالضبط. لكنكِ الآن في قلب المعركة. وعليكِ أن تقرري ما إذا كنتِ ستستسلمين للأمر الواقع، أو ستكونين القوة التي تقلب كل شيء رأسًا على عقب."
•••
شعرت بارتباك غير مسبوق، كلمات يزن كانت صاعقة ومؤلمة. لكن في عمق قلبها، كانت تعرف أنها في اللحظة الحاسمة. كانت على أعتاب قرار سيتغير به كل شيء.
كان الجو في المكتبة مشحونًا أكثر من أي وقت مضى. الضجيج من الخارج، الذي كان يحمل صدى السيارات وعربات الشرطة، يملأ أذن حلا، لكنها كانت صامتة تمامًا. قلبها كان ينبض بشدة، وعيونها لم تفارق يزن للحظة.
كانت تتساءل داخلها: هل كان كل ما حدث مجرد خدعة؟ هل كانت قطعة في لعبة معقدة، أم كانت بالفعل جزءًا من خطة سرية لا نعرف نحن شيئًا عنها؟
تقدمت نحوه بثبات، رغم أن كل خطوة كانت تشعرها وكأنها تقترب من الهاوية.
— "ماذا تقصد بما قلته، يزن؟ ما هي الصورة الأكبر؟"
تأملها يزن برهة، وكأنّه يحاول أن يقيّم ما إذا كانت قادرة على فهم ما يجري. ثم قال بصوت منخفض:
— "الصورة أكبر بكثير مما تعتقدين. كنتِ في مركز هذه اللعبة منذ البداية، لكنك لم تدركي ذلك إلا الآن."
أخذ نفسًا عميقًا، ثم تابع:
— "لقد كنتِ جزءًا من الخطة التي بدأت منذ سنوات، حلا. المكتبة، الأوراق، وحتى تلك العقود… كانت مجرد بداية. الهدف الحقيقي أكبر، والأهم، وهو أنكم، أنتم الثلاثة، كنتم جزءًا من حلقة سرية."
تراجعت قليلاً، لم تستطع استيعاب ما كان يقوله.
— "أنتم؟ ثلاثتنا؟ سمير وأنا وأنت؟"
أومأ برأسه ببطء، ثم قال:
— "نعم. لكن لا تنسي شيئًا، حلا. سمير ليس مجرد صديق لكِ. هو جزء من كل هذا أيضًا. لديه دور مهم في الخطة."
كانت حلا تشعر وكأنها تهوي في دوامة عميقة، كلمات يزن تقلب كل شيء رأسًا على عقب.
في تلك اللحظة، دخل سمير إلى المكتبة، وكان يبدو عليه الانزعاج الشديد. كانت عيناه تلمعان وكأنهما تحملان سرًا ثقيلًا.
— "حلا، أنتِ في خطر."
صرخت في وجهه:
— "أخبرني الآن، سمير، هل كنت جزءًا من كل هذا؟ هل كنت تخدعني طوال الوقت؟"
توقف لحظة، ثم نظر إلى يزن، ثم عاد بنظره إليها.
— "حلا، يجب أن نفهم حقيقة واحدة: لا أحد في هذا المكان كان بريئًا. الجميع كان يعرف دورهم في هذه اللعبة. لكن الآن، هناك شيء أكبر يجب أن نركز عليه."
— "وأين الحقيقة، سمير؟" قالت بصوت مرتجف.
أجاب بحزن:
— "الحقيقة أن هناك قوى أكبر تتحكم في هذا كله، وأنتِ كنتِ مجرد جزء من هذه المعركة الكبرى. المشكلة الآن أنكِ لا تدركين إلى أين سيأخذكِ كل هذا."
كانت الكلمات مثل الطلقات النارية في قلبها. تفجرت في رأسها تساؤلات لم تجد لها إجابة، وكأنها ضاعت في متاهة من الأكاذيب والمكر.
— "ماذا يعني هذا؟" همست.
قال يزن بصوت هادئ لكن قاطع:
— "تعني أن الألغاز ستتكشف، لكن لا يمكن لأحد أن يوقفنا الآن."
دق قلبها بشدة، وعينيها تتنقل بين يزن وسمير. كانت في لحظة فاصلة بين اليقين والتشويش، وبين ما كان يجب أن تفعله وما فرض عليها فعله.
فجأة، رن هاتفها مجددًا، وكانت المرة هذه من شخص مجهول.
رفعت السماعة بسرعة، وسمعت صوتًا مشوشًا:
— "حلا، إذا كنتِ تودين النجاة، يجب أن تذهبي الآن. هناك شخص آخر على الطريق، شخص يخطط لاختطافك."
صرخت في وجه الهاتف:
— "من أنت؟!"
لكن الخط انقطع فجأة، وكأن الصوت قد اختفى.
كان الموقف يتسارع بشكل غير متوقع. الألغاز تتشابك، والحقيقة تتخفى وراء سحب كثيفة من الأسرار.
حلا كانت على وشك اتخاذ قرار حاسم، ولكنها علمت في أعماقها أن الخطوات القادمة ستكون الأصعب.
كانت تقترب من الهاوية، والمفترق الذي أمامها يفرض عليها الاختيار بين أن تصبح جزءًا من اللعبة أو أن تتحدى كل شيء وتنقلب الموازين.
الخاتمه
الضوء في المكتبة أصبح باهتًا، بينما حلا كانت تقف أمام الهاوية التي انتظرتها طوال أحداث الرواية. أعينها تلمع وكأنها تحمل في جفنيها تفاصيل الأحداث التي مرت بها، وسؤال واحد فقط كان يسيطر على تفكيرها: هل ستظل في الظل أم ستواجه الحقيقة؟
بينما كانت تنظر إلى يزن و سمير، تساءلت إن كانت ستسمح لخيبات الأمل والخيانات أن تقود حياتها، أم أنها ستكتشف الحقيقة مهما كانت مؤلمة. قلبها كان مليئًا بالحيرة، لكن بداخلها كان يوجد شيء أقوى من أي مشاعر أخرى: إرادة الانتقام.
— "هل تعرفين، حلا؟" قال يزن بصوت هادئ لكنه مخيف. "الشيء الوحيد الذي لا يمكن لأحد تحمله هو الخيانة، لكن الحقيقة لا بد أن تظهر، وكل شيء كان مخططًا له."
نظر إليها بحذر، وعيناه تحملان سرًا قديمًا، ثم أضاف:
— "أنتِ الآن في النقطة التي إما أن تكونين جزءًا من النهاية أو البداية."
حلا أمسكت بيدها قلمًا كان موضوعًا على المكتب، وبسطت يدها أمامه وكأنها تستعد لكتابة نهايتها. ولكن كان هناك شعور آخر يجتاح قلبها، شعور بأن هذه اللحظة هي ما ستحسم مصير الجميع.
أدارت رأسها بسرعة نحو سمير الذي كان يقف ساكنًا خلفها، مبتسمًا بابتسامة غريبة.
— "سمير... أخبرني، هل كنتَ تعرف كل هذا؟ هل كنتَ جزءًا من هذه المؤامرة؟"
ابتسم سمير وهو يقترب منها، ثم قال:
— "كنت جزءًا من كل شيء، حلا. ولكن الآن... أنتِ من يجب أن تختار."
في تلك اللحظة، شعرت حلا بأن كل شيء قد تراكم على قلبها، كانت تُحارب مشاعرها وعقلها في وقت واحد. كانت تعرف أن الخيار الذي ستتخذه الآن سيكون بمثابة السلاح الذي سيغير كل شيء.
فجأة، رن الهاتف مرة أخرى، وكانت هذه المرة مفاجأة. صوت مألوف ولكن مشوَّش، كان الصوت نفسه الذي تحدث معها في المكالمة السابقة.
— "حلا، لا تلتفتي وراءك. يجب أن تذهبي الآن. أقسم لك، هذا سيكون آخر تحذير."
قلبها بدأ ينبض بسرعة أكبر، وكانت تتساءل عن من يقف وراء هذه المكالمات، لكن المجهول كان قد ألقى بكل ثقله على قرارها.
— "أنا لست خائفة بعد الآن، سأواجه الحقيقة مهما كانت." قالت حلا بصوت عالٍ، وهي تواجه يزن و سمير.
ثم التفتت بسرعة وسارعت نحو الباب، لكن قبل أن تخرج، توقفت وأخذت نفسًا عميقًا.
— "إن كان هذا هو مصيرنا، فليكن. سأكتب نهاية هذه القصة بنفسي."
أغلقت الباب خلفها بعزم لا يقاوم. كان الطريق أمامها مجهولًا، لكنها الآن تعرف ما يجب أن تفعله. الاختيارات لا تتوقف عند نقطة معينة، ولكن كل قرار يجعلنا نقترب أكثر من الحقيقة.
ركضت عبر الممرات، شعور الأدرينالين يتدفق في جسدها، ورأسها مليء بالأسئلة والأجوبة التي قد تظهر أمامها في لحظة واحدة.
عندما خرجت من المكتبة، كان الضوء القادم من المدينة يعكس السماء المظلمة، كأن الليل نفسه يخبئ لها مفاجأة أخرى. كانت تعرف أن النهاية لم تأتِ بعد، بل أن المعركة الكبرى قد بدأت للتو.
وفي تلك اللحظة، أدركت حلا أن الحياة ليست عن اللحظات التي نتوقف فيها، بل عن اللحظات التي نقرر فيها أن نستمر في السير إلى الأمام، مهما كانت التضحيات.
خرجت حلا من المكتبة، وعينيها تجوبان الشوارع المظلمة، كان الليل يلف المكان كما لو كان يحاول أن يخفى الحقيقة عنها. كانت خطواتها متسارعة، قلبها يخفق بشدة، وعقلها يعج بالأفكار والتساؤلات التي لا تجد لها جوابًا. هل كانت كل تلك الأحداث مجرد لعبة؟ هل كان الجميع يلعبون معها وهي لا تعلم؟
لكن ما لم تكن تعرفه، هو أن هناك من كان يراقبها في تلك اللحظة. ظل الظلام يحجب كل شيء، ولكن قلبها كان يدرك أن ما سيحدث بعد هذه اللحظة سيغير كل شيء.
في اللحظة التي وصلت فيها إلى الزاوية، أوقفها شخص ما من خلفها.
— "أنتِ تظنين أنكِ هربتِ، أليس كذلك؟"
تجمدت في مكانها. كان الصوت مألوفًا، ولكنه يحمل شيئًا غريبًا.
— "من أنت؟" همست حلا، وهي تلتفت بسرعة.
وما إن التفتت حتى وقعت عيناها على سمير، لكن هذه المرة كانت نظراته مختلفة. عينيه مليئة بالتحدي، وكأنها ليست نفس الشخصية التي كانت تعرفها.
— "سمير؟!" قالت بدهشة، وتساءلت في نفسها: ماذا يفعل هنا؟
ابتسم ابتسامة باردة، وقال بهدوء:
— "كنتِ تظنين أنكِ ستهربين بهذه السهولة؟ لا شيء ينتهي بهذه السرعة، حلا. نحن فقط بدأنا."
شعرت بشيء غريب في قلبها. كان سمير ليس الشخص الذي ظنته طوال الوقت. كانت الكلمات تتردد في ذهنها: الخيانة... الخيانة... الخيانة.
وفي تلك اللحظة، جاء يزن من خلفها، محاطًا بالظلال، ملامحه جادة كما لم تكن من قبل.
— "لا شيء ينتهي دون دفع الثمن، حلا. الحقيقة لم تكتمل بعد."
فهمت الآن. كل شيء كان مدبرًا. اللعبة التي كانت تخوضها كانت أكبر مما تتصور، وكل خطوة كانت محسوبة. سمير، يزن، واللعبة التي لا نهاية لها... كانت مجرد أدوات في يد شخص آخر. شخص لا تعلم من هو بعد.
— "إذا كنتِ تظنين أن هذه هي النهاية... فأنتِ مخطئة. البداية الحقيقية الآن. يجب أن تختاري، حلا." قال يزن، نظراته حادة.
كانت الأنفاس تتسارع، والوقت ينفد. إذا كان هناك شيء تعلمته في تلك اللحظة، فهو أنه لا شيء يأتي بدون ثمن، وأن الحقيقة دائمًا ما تكون أكثر تعقيدًا مما نتخيل.
— "اختاري، حلا. هل تريدين أن تكوني جزءًا من هذه اللعبة، أم ستقاومين؟" قال سمير، وهو يقترب منها خطوة خطوة.
ولكن قبل أن تجيب، شعرت بشيء غير متوقع. حدث شيء داخلها جعلها تتخذ قرارًا فجائيًا. نظرت إلى يزن و سمير، وأعادت تأكيد شيء واحد فقط في قلبها:
"لن أكون لعبة في يد أحد."
ابتسمت ابتسامة غامضة وقالت:
— "لعبة؟ قد تكونون جميعًا جزءًا منها، ولكنني لن أكون."
وأخذت قرارًا مفاجئًا. التفتت سريعًا، وركضت نحو السيارة التي كانت على مقربة. لم يكن الوقت ليصمت، ولم يكن الموقف ليتراجع. كانت تضع كل شيء في تحدٍ واحد: الخروج من تلك الدوامة، بل والأهم من ذلك... الكشف عن الحقيقة.
في تلك اللحظة، رن هاتفها مجددًا، كان الصوت من الطرف الآخر هذه المرة أكثر وضوحًا:
— "حلا، لا تظني أن الهروب ممكن. نحن نراقبك، وكل خطوة تخطينها تأتي بثمن."
ومع هذه الكلمات، أدركت حلا أنها في قلب العاصفة الحقيقية. لم يعد الهروب خيارًا. فالحقيقة التي كانت تبحث عنها بدأت تظهر بشكل مختلف تمامًا.
وكانت الخطوات التالية هي التي ستحدد مصيرها، مصير الجميع.
النهاية أو البداية؟
تمت
لمتابعة الروايه الجديده زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا