القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية لإجلها الفصل الثامن 8 بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات

 رواية لإجلها الفصل الثامن 8 بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات 







رواية لإجلها الفصل الثامن 8 بقلم أمل نصر حصريه في مدونة قصر الروايات 



الفصل الثامن 


هل يأتي العوض بعد طول صبر؟

هل تُطفئ الراحة نار التعب؟

هل يطرق الحب بابها لا ليعصف، بل ليحتوي؟

ما زالت تؤمن أن الله لا ينسى،

وأن ما طال انتظاره،

حين يأتي...

يُنسيها كل ما مضى.


اهداء الجميلة/ سنا الفردوس   الخاطرة قمر زيك 

________________


لم تكن أجمل شقيقاتها، لكنها كانت دومًا الأوفر حظًا بحضورها الطاغي داخل المنزل وخارجه، سواء في التعامل اليومي بينهم أو حتى في المناسبات العامة. خفيفة الظل، دائمة الابتسامة، محبة للتفكّه والمزاح، حتى لو كانت بداخلها ليست على ما يرام، وهذا ما جعلها قريبة من جميع إخوتها، الكبار والصغار، البنات والأولاد، رغم أن ترتيبها في الوسط بينهم؛ في الوسط بين الفتيات،وكذلك الوسط بين الأشقاء. لذلك، لا عجب أن أجمل أبناء عمومتها اختارها دونًا عن البقية، حتى وإن بدا هو أوْسَم منها بمراحل، لكنه كان واقعًا في حبّها حتى النخاع منذ نشأته.

رغم اتزانه المبالغ فيه وشخصيته الجادة دومًا، إلا أنه معها... كل شيء يختلف.


"لابسة ولفة خمارك الجديد قدّام المراية؟ شكلك رايحة مشوار مهم جوي... بس يا ترى، من حَجّي أعرف وجهتك النهاردة يا ست منى؟"


هكذا صدر السؤال منه بنبرة فيها شيء من السخرية التي فطنت لها، فالتفتت إليه تطالع ملامحه العابسة، وهو يلج إلى داخل الغرفة عائدًا من دوامه الدراسي.

فتقدّمت نحوه تُشاكسه بمكر:


– لا يا واد عمي، ما ينفعش أجولك... عشان مشوار خصوصي، وما يصحش تعرفه.


تقلصت ملامحه بضيق أشد، غير متقبل لمراوغتها المتعمدة في الحديث، ولأنها تعرف طبيعته حين يشتد غضبه وقد يتخلى عن طبعه المتسامح في لحظة، تركت العبث جانبًا، واقتربت منه برقة مستطردة:


– ورغم إنه خصوصي، لكن أنا برضه معرّفاك عليه... ولو كنت ناسي، أفكّرك.


عقد حاجبيه بتفكير محاولًا فهم مغزى كلامها، متسائلًا:


– تفكريني بإيه؟ أنا مش فاكر حاجة...


 تنهدت بتعب مبتسمة، وضربت بكفّها ظهر يدها الأخرى، عائدة لطبيعتها المشاكسة:


– عشان تعرف بجي، لما يكون العيب في الذاكرة التعبانة، وتجيبها في مرتك الغلبانة!


– منى!

صدح بأسمها محذرًا، فسارعت هي بالتوضيح:


– يا بوي، ما أنا بفهمك عشان ما تجيبش العيب عليّا. عايزاك تفتكر كلامنا امبارح اللي أمنتك عليه... ما تجيبش سيرته قدام حد! حمزة ومعاذ قلوبهم اللي طارت ناحية البنية وأمها، ساعة ما شرحتلك عن التكتيك، وإنّي مشتركة معاهم في التخطيط والتدبير.

ولا فاكر إن الحجة حسنية عَضمة ساهلة؟


وضح جليًّا أنه قد تذكّر بالفعل، من خلال ارتخاء عضلات وجهه التي كانت مشدودة منذ لحظات قليلة، ليتقدّم خطوتين ويجلس على أقرب مقعد منه، مخاطبًا إياها بجديّة مصطنعة:


– لا طبعًا، عارف إنها مش ساهلة وفاكر زين الكلام اللي قلناه. أنا لسه ذاكرتي ما تعبتش، إنتي اللي غاوية تلفي وتدوري. ما تجيبي الفايدة من الأول.


– معلش، فَهمي تقيل… سماح بقى يا سي المدرس الأول، ما تبقاش حنبلي يا بوي.


رفع حاجبه متصنّعًا عدم الاكتراث، ثم أردف بسؤال:


– ويا ترى بقى، إيه الجريمة اللي ناوية تعمليها معاهم دلوك؟


تبسّمت بحماس وقد ارتاحت من جانبه داخليًا، فتناولت حقيبتها سريعًا وهي تجيبه، شاعرة بمرور الوقت المتسارع:


– هناخد الكبيرة لموقع الحدث، ولما أرجع هفهمك وأحكيلك كل حاجة، يا أستاذ منص!


---


أمام مرآته، وقد وقف يتأنّق بملابسه الفاخرة، ينثر عطره بكثافة، وبمزاج رائق، غير عابئ بحنق الآخر الذي كان يراقبه بغيظ شديد، يهزّ قدميه بعصبية لا يتوقف عنها، حتى أجبر حمزة على انتقاده:


– وبعدين عاد في الشغل اللي يخليك تتعصب بالعافية! ما تهمد ياض، وبطّل فرك وانت واقف، خيّلتني.


جاء ردّ معاذ بسخرية تخلّلت نبرته:


– مش باين والله، عمال تتسبسب وتفرد في الجلابية المكوية ع الحرف، ولا كأنك رايح تخطب!


– الله أكبر في عينك.

تمتم بها حمزة، فارداً أصابعه الخمسة أمام وجهه، مردفًا:


– وهو أنا لو هروح أخطب، يا واد، هروح بجلابية؟ ليه؟ ما معندييش قمصان وبناطيل، ولا حتى بدل ألبسها؟ أنا راجل نزيه يا حبيبي، والأناقة طبع فيا يا واض!


صاح به معاذ بنفاد صبر وقد فاض به الكيل:


– ماشي يا عم النزيه، خليك جدع بقى وخدني معاك، بلاش الرفض غير المبرر ده!


– يااا...


توقّفت الكلمات في حلقه، يحاول استدعاء الهدوء بصعوبة، فهذا الأحمق حتى الآن لم يقتنع بوجهة نظره، رغم كل محاولات الإقناع:


– طب أعمل إيه عشان تهمد وتفهم؟ أعمل إيه عشان تشغل مخّك؟

عايز تروح معانا بيت اتنين وِلايا بصفة إيه؟

طب، افترض أنا انطسيت في عقلي وسحبتك معايا، أقول لأمّك إيه؟ ها؟

واخدينه معانا عشان نفسّحه مثلًا؟


طب، ناخد ريان بالمرة عاد، لو هنفذو اللي في دماغنا واستعجلنا...


تابعه وهو يلوّح له بأصابعه:

– أرسي كده واصبر شوية، وكل حاجة هتم. هو مش سلق بيض، والظروف أصلاً ما تسمحش دلوك، كام مرة نقولها؟


ضرب معاذ الأرض بقدمه، ثم التفت عنه، واضعًا ذراعيه فوق صدره، مغمغمًا بغيظ:


– بتتكلم براحتك عشان مش في النار زيي! أني هموت وأطمن عليها، دي دراعها مكسور وخاطرها مكسور، هي وأمها، وبرضك محدش سايبهم في حالهم.


تبسم حمزة قائلاً بسخرية:


– إيوة صُح، أنا مش في النار.

على العموم يا شيخ معاذ، أدينا بنحاول باللي نقدر عليه. ادعيلنا بس بالتساهيل، وخطوة الحاجة الحسنية لو نجحت، تبقى اختصرت عليك كتير جوي.


---


أما في الأسفل، فقد ولجت منى إلى داخل المنزل بخطواتها السريعة، بناءً على الموعد المسبق بينهم، لتجد والدتها في انتظارها، جالسة جلستها المعتادة، ترتشف من مشروبها الساخن، وتستقبلها بسخريتها:


– أخيرًا جيتي! دا أنا افتكرتك لغيتِيها من أساسه.


ضحكت منى، تقابل نقدها بالمزاح كالعادة:


– لا، ما هو منص كان ناوي يعملها معايا صح ويجعدني، لكن أنا ضحكت عليه في الآخر وعرفت أفلفص من يده.


تمتمت بها حسنية، ثم أردفت بلهجة تحذيرية:


– وووه عاد من مسخرتك! اتلمي وبلاها كلامك البارد ده على واد عمك.


أطلقت منى ضحكة عالية وصلت إلى مسامع شقيقيها وهما يهبطان الدرج، ليعلّق حمزة:


– اهي جات ياخوي، بلوة هانم، أؤس المصايب!

متأخرة ليه يا بت؟


صدرت الأخيرة كسؤال، أجابت عليه منى لتشاكس والدتها:


– منص هو السبب.


نهرتها حسنية محذّرة بنظراتها:


– شوفي البت ومسخرتها! اتلمي يا بت واتأدبي!


– لااه، مش هتأدب؟

غمغمت بها منى، ثم انطلقت في نوبة ضحك، لم تتوقف إلا بعد سؤال هالة الفضولي:


– إنتوا رايحين فين؟ جايبين منى من بيتها تروح معاكم فين؟


لم يُكلّف حمزة نفسه حتى بالنظر إليها، وترك الأمر للنساء، لوالدته وشقيقته التي أجابتها سريعًا:


– واحدة قريبة أمي عيانة يا هالة، أنا رايحة معاها، وحمزة هيوصلنا. عندك اعتراض؟


نفت هالة بتحريك رأسها، رغم عدم اقتناعها، وشيء من الريبة تسرّب داخلها، لكنها لم تجد الحُجّة، لتُجبر على الصمت وهي تراقبهم ينسحبون من أمامها ويغادرون، دون أن يخبروها عن وجهتهم، أو عن هوية المرأة المقصودة بزيارتها.


لتنتبه في الأخير إلى تلك النظرة الحادة التي يرمقها بها معاذ، وملامحه الساخطة، ثم، ومن دون استئذان، تحرّك بخطواته مبتعدًا عنها وكأنه يريد أن يلحق القطار، لتغمغم في أثره:


– وه... وده ماله ده كمان؟

❈-❈-❈❈-❈-❈


أما عند مزيونة، فقد كانت في هذا الوقت تحضر جلسة أخرى للشيخ خميس والعم جاد، أصدقاء والدها القدامى، اللذين تصدّرا لها في كل المواقف الصعبة التي مرت بها سابقًا أمام عرفان وظلمه لها. ليأتي اليوم وينقلب الأمر إلى النقيض، كما يصل إليها الآن من حديث الرجال الذين أتوا بناءً على شكوى منه.

لكن والله، لن تصمت هذه المرة:


– وصدّجتوه؟ صدّجتوا عرفان وعطوة؟ دول ليهم كلمة أصلًا؟


جاء رد العم خميس بنبرة من التعاطف:


– يا بنتي، اعتبرينا ما صدّجناش، بس نعمل إيه معاه؟ وهو مصمم على كلام زميله.

ولولا إننا منعناه أول امبارح، كان جه وعمل مشاكل معاكي تاني.

هو دلوك عامل نفسه مأدب ومحترم كلمتنا، وإحنا بنعمل نفسنا مصدّجينه وبنهاوده، عشان ما يتغاشمش ويبهدل الدنيا. غرضنا بس نتقي شره.


– طب وأنا عملت إيه بس عشان أُجلب شره؟

عطوة الخسيس هو اللي اتصدر جدامي أنا وبتي في وسط الشارع،

ولولا ابن الحلال اللي سحبه من جفاه يبعده عنينا...


– ما هي المشكلة في ابن الحلال دِه يا بتي.

قالها العم جاد، ليواصل توضيح الصورة إليها:


– عطوة مفهّم جوزك العكس بجى،

وجوزك من ناره من حمزة ولد القناوي بعد الليلة اللي إنتي فاكراها، مصدّق،

والموضوع كبران في دماغه.

إحنا مش عارفين نحكيلِك إيه ولا إيه بس!


هبت منتفضة من ثباتها، بعد أن وصلها ما يرنو إليه الرجل:


– جطع لسان اللي يجيب عليا كلمة!

أنا بنت الأحرار، اللي ما حد من بناتها عرف العيبة!

يجي عرفان، ولا قليل الأصل عطوة العفِش، يشنّع عليّ؟!


حاول العم خميس تهدئتها:


– والله يا بتي، عارفين، وهو كمان عارف،

لكن جايبها في الراجل اللي أسمه حمزة القناوي،

بيقول إنه راجل مش خلصان وغرضه شين...


خرجت الأخيرة من فم العم خميس بصوت خفيض، ليعكس حرجه الشديد مما يصرّ عليه عرفان،

ليأتي ردها المفاجئ:


– الأستاذ حمزة!

بجى هو بيشكك في الراجل الزين ومصدّق عطوة الح__شّاش؟!

الراجل ما عملش معايا غير الواجب اللي يعمله أي حر، مش هو بس.

في المرة الأولى لما نجّاني من يد عرفان، لا كنت أعرفه ولا يعرفني.

وفي المرة التانية، لما وقف معانا هو وأخته وأخوه في تجبير بتي وكشف المستشفى،

كان معايا أخويا.

وفي الحالتين كانوا صدفة!

أنا هشوفه فين تاني الراجل، ولا هو يشوفني؟

ما كادت تنهي كلماتها حتى وصلهم صوت طرق باب المنزل الخشبي، لتضطر ليلى إلى متابعة الحوار من بدايته، وتتركهم لتذهب لترى من الطارق. وما إن همّت أن تفتح الباب، وانكشف أمامها ضوء الخارج حتى تجمدت ناظرة أمامها بذهول، لتجبر والدتها على التساؤل:


"مين يا ليلى عندك؟"


"حمزة القناوي يا ست مزيونة."


هل ما وصل لأسماعها كان حقيقة؟ هذا هو السؤال الذي طرأ في رأسها، قبل أن تلتفت نحو مدخل المنزل، فيفتر فمها بذهول شديد وهي ترى هذا المدعو حمزة بالفعل يطل أمامها بهيئته، وخلفه منى شقيقته، وامرأة عجوز أدخلتها ابنتها قبلهم بعد أن تجاوزت صدمتها. ثم دخل خلفهم شابان يحملان قفصين محملين بالفاكهة وطيور حية لزيارة أهل المنزل.

❈-❈-❈❈-❈-❈


"أمك وأخوك ومنى راحوا فين يا خليفة؟" توجهت إليه بالسؤال، لتجعله يلتفت إليها من أمام التلفاز ويجيب بعدم اكتراث:


"وأنا إش عرفني؟ مسألتِيش ليه الحجة حسنية مبتخبيش عنك أصلاً؟"


ضربت بكفها على فخذها في لفتة عصبية أثارت الحنق بداخله، لتقول بضيق شديد:


"ما هو دا اللي مجنني وزرع الشك جوايا، إنهم يطلعوا كده فجأة من غير ما يدوني خبر. طب ليه؟ والمشوار لواحدة قريبتهم عيانة زي ما بيقولوا، هو الواجب فيه مدارية؟ ولا يكونش دا كدبة وبيضحكوا علينا بيها؟ والمشوار وراه حاجة تانية."


"زي إيه يا أم العريف؟"


"يكون مثلاً رايحين يخطبوا لحمزة، والله ما مستبعد. ما هو باين من شكله واللبس اللي على الحبل دا، متأتنك ولا أكن كتب كتابه. معقول يكون عملها؟"


تتحدث بانفعال ينسيها نفسها، ومن يتابعها الآن بتمعن شديد، ليجفلها بتعقيبه:


"وافترضِّي هو كِده صُح ورايح يكتب كتابه ولا يتجوز حتى بمباركة أمي وأختي. إنتِ إيه اللي يخصك؟"


ابتلعت تبرر غير واعية حتى الآن لغضبه المضاعف منها:


"كيف يا خليفة إيه اللي يخصني؟ دا واض عمي، يعني أفرح له لو صُح، لكن يداروا عني والله ما أسامحهم..."

عنننك ما سامحتيهم، إنتِ ليكي حق لازم عندهم؟ ولا افتكرتي نفسك كبيرة كمان على أخواتي؟

 قاطعها، ضاربًا بكفه على ذراع الأريكة التي كان متكئًا عليها، بإظلام حل بملامحه، حتى صارت ترى الشرار يتطاير من عينيه نحوها، يكاد أن يحرقها. لتلتصق بمقعدها، غير قادرة على إخراج حرف واحد، إنها حتى لا تجد القدرة على ذرف الدموع وادعاء المظلومية، بعد أن جفف الدماء في عروقها. فهي الأعلم بطبيعته، كالبحر، على قدر هدوئه وصفائه، إلا أن الفرد لا يضمن غدر أمواجه.


............................................


في وسط الدار، وقد كانت الجلسة بين الجهتين على أريكتين خشبيتين، جلس عليهما الذين قدموا منذ دقائق مع الذين حضروا قبلهم. وهي بينهم، يعصف بها التشتت، فتجاهد بصعوبة السيطرة عليه.


ياليتها تذكرت أي شيء في العالم غيره، تلك الصدفة العجيبة الغريبة، كيف لها التعامل معها؟ منقسمة بين شقي رحا، لا هي قادرة على الترحيب بالضيوف جيدًا، ولا بقادرة على التبرير للرجلين الكبيرين اللذين التزما الصمت الآن بغموض يضاعف من قلقها، لتتولى منى مهمة التقديم:


"دي تبجى أمي يا مزيونة، الحاجة حسنية مرات الحاج حماد القناوي، هي اللي أصرت تشوفك وتطمن على ليلى القمر، بعد ما عرفت باللي حُصلها."


أومأت بهزة من رأسها، وصوت بالكاد وصل لأسماعهم:


"يا أهلا، يا أهلا وسهلا بيكي يا حجة، نورتينا."


قابلت حسنية استقبالها ببشاشة وحنو، فتلك طبيعتها، عاطفتها أقوى جزء حي بها، مما يمثل ميزة هامة بشخصيتها، وعيبًا أيضًا!


"يا أهلا بيكي يا بنيتي، تبارك الله فيما صور، اللي يشوفك ميظنش واصل إنك متجوزة أصلاً، مش مخلفة كمان وبتك عروسة تبارك الرحمن." أومأت بشبه ابتسامة تستجيب لها على استحياء:


"دا بس عشان عيونك الحلوة يا خالتي، مكانش ليه لزوم الزيارة والتكلفة."


ردت حسنية، وأبصارها اتجهت نحو ليلى:


"تكلفة إيه؟ هو إحنا عملنا حاجة؟ دي حاجة صغيرة للبت الجمر، ألف سلامة عليكي من كل شر. شالله العفشين اللي تعرفوهم."


بالضبط كان قصدها واضحًا عن والدها، لتضاعف من ثقل ما يجثم على ظهر مزيونة، حتى تدخل حمزة:


"أمي اللي في جلبها على لسانها يا جماعة، متأخذوناش، متأخذهاش يا عم جاد ولا إنت يا شيخ خميس، والله لو أجولكم هي زعلت كيف أول ما حكتلها باللي حُصل، ما هتصدجوا زعلت كيف؟"


خرج الحاج خميس عن صمته قائلاً:


"مصدجين يا ولدي، محدش في الدنيا يرضى بالافترا، لكن إيه في إيدينا بجى؟"


عقبت حسنية، مفاجأة الرجل: "عندك حق يا عم الشيخ، كلامك كله حكم، لكن لا مؤاخذة في السؤال، هو الشيخ مبارك أبو العنين يقربلك حاجة؟ يعني عشان فيك شبه منه."


تهللت أسارير الرجل مندمجًا معها:


"مبارك أبو العنين يبجى أبويا. هو إنت كنتِ تعرفيه؟"


"إيوة، أمال إيه؟ أنا كنت باجي عنده الكتاب ويحفظني، بس كان شديد جوي، وعصايته واعرة." ضحك الحاج جاد هو الآخر، متدخلًا معهما:


"عصايته كانت واعرة مع الكل، بس ربت أجيال."


"إنت هتجولي، دا أنا حافظة نص المصحف."


"ما شاء الله. طب إنتِ بت مين يا حاجة عشان أعرفك؟" 

وهكذا صار يُدار الحديث بين الرجلين والمرأة والدة حمزة، لتخفف عنها قليلاً. أما منى، فاستغلت كعادتها لتجاورها وتمزح معها، حتى استرخت داخلها واتزنت قليلاً، لتتذكر واجب الضيافة والأصول في الترحيب بالجميع. ولكن ما همت بأن تنهض محلها، إلا وتفاجأت كالجميع باندفاع الباب الخارجي بقوة. يطل أمامهم ذلك المتغاشم بجسده الضخم، متحفزًا بتبجح، يقول:


"يا ما شاء الله يا شيخ خميس، إنت والحاج جاد كمان، لا يكون دا قراية فاتحة ولا اتفاج على كتب كتاب؟"


انتفض الرجلان الكبيران ومعهما حمزة الذي عقب مستنكراً:


"إيه يا أخينا، أنت داخل حوش ولا زريبة؟ البيوت ليها حرمة، مسمعتش عنها دي؟"


تمتم عرفان قائلاً، مقابلاً إياه بتهديد ووعيد:


"أنت تخرص خالص ومسمعش نفسك."


"إمَّا نسمع مين؟ نسمعك أنت! إيه اللي دخلك بيتي أصلاً يا عرفان؟" تمتمت بها مزيونة لتتقدم إليه وتواجهه ببغض وكره، وقد ضاقت منه ومن أفعاله.


فخطا ليقتصر عليها نصف المسافة، ويقترب منها قائلاً بفحيح وكلمات ذات مغزى:


"ومتسمعيش ليه؟ ليكي راجل تاني غيري؟ ولا هما الأغراب أحسن مني؟ ولا يكونش كمان اللي كرهتيه زمان، غيرت رأيك فيه دلوك وهتحبيه؟"


تحرك الشيخ خميس من محله يريد كبح هذا الثور:


"عرفان يا ولدي عيب عليك، دي معدتش مرتك عشان تعمل عمايلك دي."


لم تنتظر مزيونة دعم أحد منهم بعد أن استفزها بتلميحه الوقح، لتخرج عن طورها الهادئ وتضربه بقبضتيها على صدره غير عابئة بالفرق الجسدي الهائل بينهما:


"طبعاً دا العادي منك، واحد عديم الأدب لازم يظن الناس كلها زيه، حل عني بقى؟ حل عني."


قبض بكفيه على رسغيها حتى كاد أن يكسرها، مردداً بغل:


"يدك دي اللي طولت هكسرهالك، ولسانك اللي جل أدبه عليا هجطعهولك يا مزيونة، عشان إنتي عايزة رباية من أول وجديد."


"ومين اللي هيسمحلك؟" تمتم بها حمزة قبل أن ينقض عليه بلكمة قاضية، جعلته يخلصها من يده سريعاً وبخفة، وما إن استعاد توازنه، حتى هم أن يردها بأضعاف كما يصور له غروره، ولكن الرجل العجوز الشيخ خميس تصدر له:


"اخزي الشيطان يا عرفان، أنت اللي دخلت تتهجم ومحدش راح جابك من بيتك."


لولا عجز الرجل وخوفه من الفضيحة إن مسه السوء بسببه، كان دفعه دون ذرة ندم واحدة، ولكنه مجبر على احترامه:


"شيطان مين يا شيخنا؟ يعني أنا أشتكيلك من الواد وأخوه عشان يحلوا عني مرتي وبتي؟ أجي دلوك ألاقيك بتضايفه هو وعيلته الخسيس."


"محدش خسيس غيرك، وهي معدتش مرتك أو بتك؟" رددت بها حسنية من خلفه في رد له، بعد أن فاض بها منه، ليتفاجأ بها مغمغماً بعدم احترام:


"نجطينا بسكاتك إنتي كمان يا مرة يا خرفانة، ولمي عيالك عن مرتي وبتي."


شهقة خافتة صدرت من حلق منى تتمتم بالسباب نحوه، أما حمزة فقد فضل الرد بعملية ينوي أن يلقنه درساً لن ينساه. لكن مزيونة قد سبقته صارخة:


"اطلع من بيت أبويا يا عرفان، أنا حرة أدخل فيه اللي أنا عايزاه، وفوج لنفسك بقى واعرف إن طليجتك."


"أفوج لنفسي، وإنتي كمان حرة، طب أنا هردك من عشية يا بت الأحرار، وريني هتجدري تمنعي نفسك عني إزاي؟ عشان تعرفي قيمة السنين اللي فاتت لما كنت سايبك على راحتك إنتي وبتك."


قالها ليرى تأثير كلماته عليها، وقد دارت الأرض بها في لحظات، وتلاحقت أنفاسها برعب، تتخيل العودة إلى جحيمه مرة أخرى، وقد رحل والدها الذي فرض عليه الشروط سابقاً، ولم يبقَ لها سوى شقيقها الطيب الذي تخشى عليه من تجبره، وابنتها الصغيرة التي سوف يُضحى بها دون تراجع في رحلة انتقامه منها. لتتكرر مرة أخرى مأساتها في ابنتها.


عند خاطرته الأخير، فقدت الشعور بالزمان والمكان، ولم تعد تعي بالعالم حولها، ولا بسقوطها أرضاً، ولهفة الجميع نحوها من أجل نجدتها، ولا بصراخ ابنتها:


"أما، جومي ياما، متخلعنيش عليكي ياما أمااااااا."

................

بعد وقت ليس بالقليل، استعادت وعيها وفتحت عينيها، تفتح عينيها للضوء أخيرًا بعد لحظات من الترقب والمحاولات الكثيرة لإفاقتها، فكان أول شيء تراه أمامها وجهه، وهو يبتسم نحوها براحة بعد أن اطمأن عليها أخيرًا. تلك الساعة التي مرت عليه لم يرَ في صعوبتها على مدار عمره بأكمله، حتى عند مرض ابنه الوحيد أو أحد أشقائه أو والدته، كان دائمًا يحتفظ ببأسه، إنما معها كان خوفه مضاعفًا. كان يخشى فقدانها أو رفضها للواقع والهروب منه كما يحدث مع الأشخاص الرقيقة مثلها، من الذين ترهقهم ضغوط الحياة وبشاعتها. ولكن كلمة السر في استمرارها وجعلها تحارب لآخر نفس ما زالت تأتي بفائدتها حتى الآن.


"ليلى، ليلى، بتي فين؟" نطقت بالاسم المميز، تعتدل بجذعها بهلع وعيناها تجولان برعب داخل الغرفة البيضاء، فسارع هو بطمأنتها:


"إهدي يا ست مزيونة، لا تضري نفسك، إبرة المحلول لسه في يدك."


نظرت نحو ما يشير بظهر كفها، لتستدرك وضعها مع عدد من علامات الاستفهام التي كانت تحيط بها، حتى عبرت عنها:


"أنا إيه اللي جابني هنه؟ وبتي فين؟ و..."


قطعت في الأخير بمغزى فهم عليه لييدا الإجابة بالسؤال غير المنطوق:


"أني جيت بيكي على الوحدة الصحية لما وجعتي من طولك وسطينا، وحاولنا نفوقك كتير ومعرفناش. أمي والشيخ خميس كانوا معانا في نفس العربية، بس الشيخ راح يصلي بعد ما اطمن عليكي،

وأمي يدوب سابتك وراحت حمام الأوضة، اهو اللي جدامك ده."


وأشار بأصبعه نحو أحد الجوانب لتتأكد من صدق قوله، ثم أضاف:


"أما بجى عن ليلى، فدي خوفنا نزود عليها بالمشوار، ورجت العربية على دراعها المكسور. إنتي عارفة الوحدة هنا جريبة من الجبل وطريقها مش معدل. منى جاعدة معاها ومش هتسيبها لحد ما ترجعيلها بنفسك. اطمنتي يا ستي."


"اطمنت!" تمتمت بها لتشرد أمامه بوجه كسى عليه الهم، وقد فهم هو ما يقلقها:


"متشليش هم، عرفان. أنا خلاص سويت أمره، ولا هيجدر يمس شعرة منك تاني."


تساءلت بعدم فهم:


"كيف؟!" كاد أن يجيبها، ولكن خروج والدته من المرحاض وترحيبها الحار باستفاقتها، جعله يتوقف قليلاً:


"وه يا بنيتي، حمد الله على سلامتك. أخيرًا فوقتي بعد ما نشفتي دمنا عليكي."


تبسمت لها مزيونة ممتنة بتعب وإحراج:


"الله يخليكي يا ست الحجة، والله أنا في نص هدومي منك. أول مرة تخطي بيتنا وتلاجي الفضايح دي كلها." جاورتها حسنية على التخت الطبي تعاتبها بلطف:


"أخص يا بتي، وإنتي إيه ذنبك بس في غلط جوزك الراجل العفش دِه؟ حبيبتي إنتي ولية مكسورة الجناح وهو بيتشطر عليكي. جادر ربنا ياخدلك بحقك."


"ومين هيسيبه يعملها تاني؟ ولا حتى هيقدر يخطي البيت من أصله." جاء صوته كمنبه يجذب أنظارها إليه، فتتذكر قوله منذ قليل، لتتوجه إليه باستفهامها:


"دي المرة التانية تتكلم، جصدك إيه؟"


أجابها بثقة حتى تعي وضعها الآن ووقوفها على أرض صلبة مدامها في حمايته:


"جصدي الغضنفر، زمانه دلوك في قسم الشرطة، وبيمضي على تعهد بعدم التعرض ليكي مرة تانية، وإلا مايلومش إلا نفسه. أنا وصيت عليه بالجامد، عشان يعمل دكر تاني على الولايا وساعتها يشوف هيُحصله إيه؟"


تطلعت إليه وكأنها تستجدي الصدق، رغم رؤيتها للجدية بكل وضوح تعلو تعابيره. فأضافت حسنية لمزيد من التأكيد:


إيوه يا بتي، حمزة ولدي ميقولش كلام فالهوا، دا عنده معارف ياما في الحكومة يعني مش هيغلب في واحد زي عرفان ده اللي شايف نفسه ياما هنا ياما هناك. ربنا يكفينا شره.


كادت مزبونة أن تبكي وهي تردد كلمات الشكر والامتنان، هل بالفعل انزاح كابوس عرفان؟ تتمنى من الله ذلك. تمالكت في الأخير لتحاول النهوض عن تختها:


طب أنا عايزة أروح بيتي دلوك، عايزة أطمن بتي عليا، أكيد هي قلقانة أكتر مني.


أشار لها حمزة يناشدها:


استني بس يا ست مزيونة، دقيقة بس الله يرضى عنك، بجي يطل عليكِ الدكتور الأول حتى نشوف تعليماته إيه؟


طب وبتي؟


بتك خدي كلميها بنفسك يا ستي، أنا هكلم منى تديها تلفونها، وهخليكي تكلميها فيديو كمان.


تتهللت ملامحها بارتياح، وتابعت اتصاله بالفعل. وبجوارها حسنية تطالعه بعدم تصديق، تعاونه المستمر وهلعه على المرأة وقت وقوعها، إنها لم تراه بهذه الصورة إلا نادرًا، الهذه الدرجة يشفق على المرأة المسكينة وابنتها؟! ربما!


..........................


أما في منزل مزيونة


اطمأنت ليلى على صحة والدتها بمكالمتها بالصوت والصورة عبر الهاتف. هدأت سريرتها لتتلقى الدعم من منى التي لم تتوقف عن بث الأمان فيها عبر المزاح مرة، والجدية مرات:


ها يا حبيبة جلبي، خلاص اطمنا على مزيونة وشوفناها بعنينا، يبجى ترتاحي بجى وتريحي دراعك دِه، اللي اتشندل معاكي.


كانت تقصد ذراعها الملفوف بالأربطة الطبية، والذي طالعته ليلى بنظرة عابرة قبل أن تعود إليها معترضة:


لا يا خالتي منى، أنا عارفة إني تعبتك معايا معلش، بس أنا مش هجدر أحط راسي على المخدة غير وأنا في حضن أمي، هستأذنك بس أطلع فوج عند برج الحمام، أشم هوى عشان أطلع من اللي أنا فيه، على ما تيجي أمي.


تنهدت منى بأسى، وطَبَّعَت قبلة على وجنتها الناعمة، وتابعت دعمها:


ماشي يا جمر، اطلعي يا حبيتي وأنا مستناكي هنه، أول ما تيجي الست الوالدة هنده عليكي.


تشكري يا خالة منى، ربنا يخليكي يا رب.


تفوهت بها ليلى لتتحرك من أمامها وتذهب إلى السطح، تصحبها أعين منى وهي تصعد الدرج الطيني القديم، تدعو داخلها بتعجيل الأمر الذي تتمناه، حتى يتم نجدة الفتاة ووالدتها.


وصل إليها صوت طرق على الباب الخشبي الخارجي، لتخرج من شرودها، وتتأكد من لف خمارها، ثم تذهب لتعرف بهوية الطارق، والتي أصابها الزعر فور أن وقعت عينيها عليه، لتبادره على الفور بدفعه بيدها، وتحذره بخفوت:


به، انت إيه اللي جابك هنا؟ امشي يا جزين، قبل البت ما تشوفك.


عارضها بعناد، يدفع يدها عنه:


وما تشوفني يا منى، أنا عايزها تشوفني عشان أطمن عليها وتعرف إنّي مش هسيبها أبدًا، ولو حصلت أخلص من عرفان ده نهائي.


الله يخرب بيتك. تمتمت بها مني لتردف لاطمة على خدها؛


إنت مين جالك بس على اللي حُصل؟ متعرفش تستر واصل؟ اللي بتتكلم عليه ده يبجى أبوها يا زفت، مش حد غريب، يعني بكل عيوبه برضو مش هتتحمل عليه، امشي يا واد ابوي الله يرضى عنك، امشي أنا تعبانة وقلقانة لا جوزي يزعل مني المرة دي بجد. امشي يا معاذ.


التصقت قدماه بالأرض، يستعطفها هذه المرة برجاء:


نفسي أطل عليها يا منى، من وجت ما سمعت كمان من حمزة على اللي حصلهم وأنا قلبي واكلني، ومش هيستريح غير لما يشوفها، خليها تطلع من أوضتها بأي طريجة وأنا هعمل نفسي جاي لك في أمر يخصك، المهم أشوفها.


بابتسامة صفراء ردت، مغلقة الباب عن المناقشة:


وأنا قلت ما ينفعش، ولم نفسك بجى، ده أنا ما صدجت إنها طلعت السطح تغير جو، هنزلها بأي حجة يا بارد؟ امشي ياض، غور من هنه، غور.


وصفقت الباب في وجهه لتجبره على العودة، ولكن هيهات، فقد جاء اليوم من أجل رؤيتها، ولن يستريح ويغمض له جفن إلا برؤيتها. تحرك لا إراديًا يعود بأقدامه ناظرًا للأعلى نحو برج الحمام الطيني القديم والذي يعلو سطح المنزل، يحاول في كل الجهات لمشاهدة حتى طيفها، وحين يأس لم يجد أمامه إلا حل واحد، ليشرع في تنفيذه دون تردد. فتحرك إلى الجهة الخلفية، ليصعد بأقدامه إلى شجرة التين، ويعلو من فرع فوق فرع حتى وصل لآخرها، ليقبض بذراعيه على طرف السطح، يستند عليهما، ويملي عينيه برؤية القمر. وقد كانت جالسة في هذا الوقت، تطعم بفمها الحبوب بفم صغير الحمام، مندمجة برعايته، غير منتبهة لذلك المجنون الذي أثر به المشهد ليردد بتمني:


ياريتني كنت أنا، يا ريتني كنت أنا يا حبيبتي وأشيل عنك كل هم.


ظل هكذا لفترة من الوقت غير عابئ بتعب قدميه التي لم تتحمل كثيرًا، حتى اهتزت وكاد أن ينزلق بها، فصدر منه صوت اجفال وذراعاه تزداد تمسكا بطرف السطح حتى لا يقع. فانتبهت هي لا إراديًا على مصدر الصوت.

لتقابل عينيها الجميلتين خاصتَيه، فلم يقوَ على إخفاء فرحته، وابتسم لها ببلاهة، حتى نسي وضعه، وارتخت ذراعاه عن التشبث بطرف السطح، فكانت النتيجة الحتمية انزلاق قدميه، ليسقط من أعلى فرع الشجرة إلى الأرض.


شهقت هي برعب، وركضت لتطل عليه من الأعلى، حتى كادت أن تطلق صرختها، لولا أنه طمأنها بيده ملوّحًا لها ألا تجزع. وفي اللحظة نفسها، كانت تمر سيارة حمزة التي تقل والدتها، فتركت أمره، وهرعت مسرعة لتستقبلها.


وفي داخل السيارة، كان حمزة قد انتبه أيضًا لها، وهي تركض أمامه، وعلى حين غرّة، وقعت عيناه على ذلك المستلقي أسفل الشجرة، فبرقت عيناه بجزع، ثم نقل بصره نحو المرافقين له: مزيونة ووالدته التي كانت منشغلة بالحديث إليها، فاطمأن لعدم انتباههن، وتضرّع داخله:


– يا ستير يا رب، يا ستير... حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا معاذ.


............................


في وقت لاحق،

كانت المواجهة بين الشقيقين، بعد إصابة الآخر بجزع في قدمه اليسرى. وكان يحمد الله أنها رست على تلك الإصابة، مخلفة عرجًا بسيطًا، وبعض الرضوض القاسية في عظام الظهر.


أما الصدمة، فكانت من نصيب حمزة، حين عرف السبب خلف كل ذلك، بعد أن اعترف له معاذ ببساطة، بما كاد أن يُذهِب بعقله. حدّق فيه بعدم تصديق، وقد توقّفت الكلمات في حلقه، يتمنى تكذيبًا أو حتى ادّعاء أنها مزحة. لكن معاذ لم يفعل، بل أصرّ على كلامه بجديّة يعرفها حمزة جيدًا، ليتيقن من حقيقة فعله، فتوسّعت عيناه حتى كادتا تخرجان من محجريهما، بذهولٍ يعصف به، حتى استطاع أخيرًا أن يخرج كلماته:


– فوق التينة؟ فوق الشجرة العالية يا زفت؟! عاملي فيها روميو اللي راح يقابل چولييت؟! إنت هتشلّني يا واض!


بسط له معاذ الأمر قائلًا:


– التينة مش عالية أساسًا، هي بس عشان عجوزة، تبان... لكن في حقيقتها هي...


– اخررررص!


قاطعه بها، وأردف متحكمًا في غضبه بصعوبة:


– ما أسمعش نفسك خالص! هو اللي أصلحه أنا باليمين، تبوّظه إنت بالشمال ياض! أنا مش مصدجت إننا فتحنا باب ودّ بين أمك وأمها، وخلصنا من قرف أبوها، تقوم إنت بطيشك تعمل حركة زي دي؟! تبوّظ كل اللي عملناه؟! دا لو أمها بصّت من الشباك ساعة ما إحنا راجعين، لكانت عملتها فضيحة... وحقها.


صمت معاذ، مستوعبًا كلماته، بينما كان حمزة يدور حول نفسه أمامه، ثم أردف بتهديد:


– اسمع ياض، هي كلمة ومش هتنيها: من الآخر، يا هتتعدل ونكمل مشوارنا، يا هتفضل في طيشك دِه... وأنا بصراحة، مش هضيع وقتي!


لو هنستمر على الوضع ده، ممكن بسهولة أفلت يدي.


– وهتقدر؟

– قالها معاذ، ليردّ خلفه بعدائية:

– قصدك إيه يا عم الشيخ؟ قول يا حبيبي، أنا على آخري أصلًا.


تراجع معاذ بابتسامة خبيثة مستترة:

– مجصديش حاجة يا واض أبويا، قول إنت عايزني أعمل إيه؟ وأنا هسمع الكلام إن شاء الله، ما أنا خلاص بقيت متطمن.


ختم الأخيرة بضحكة أثارت استفزاز حمزة، فعاد إليه بغضبه:


– تلقيحك مش عاجبني ياض، فيه ريحة مش مريحاني.


كتم معاذ ابتسامته بصعوبة، وقال:

– وه يا حمزة، ريحة بس وكلام فارغ إيه! قول على تعليماتك وأنا هسمع وأنفّذ... صدجني، هنفذ.


... يتبع.

تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع