رواية حصنك الغائب الفصل التاسع 9بقلم دفنا عمر (حصريه في مدونة قصر الروايات)
رواية حصنك الغائب الفصل التاسع 9بقلم دفنا عمر (حصريه في مدونة قصر الروايات)
رواية حصنك الغائب الفصل التاسع 9 بقلم دفنا عمر
رواية حصنك الغائب
بقلم دفنا عمر
الفصل التاسع
-----------
+
كيف أتت إلى هنا؟! من أحضرها؟
سؤال جال بخاطر عابد وهو يرافق العم عاصم وأبيه في المشفى، ومازالوا ينتظرون رؤية بلقيس! قرر التوجه إلى قسم الاستقبال ليعلم كيف وصلت إليهم..!
............
_ لو سمحت يا أنسة.. البنت اللي جت هنا من كام ساعة اللي في غرفة (....) مين جابها عندكم؟
+
أجابته الفتاة وقد بدت مهتمة و " مُلمة" بأمر بلقيس گنوع من الشفقة، حيث أبصرت مرورها العابر أمامها وكيف ساءها مظهرها وخمنت بخبرتها طبيعة ما واجهته، گ كثير يأتون مثلها:
+
_ دي جابها شابين، بس اختفوا فورًا قبل تسجيل أي بيانات لدخولهم.. يعني للأسف هويتهم مجهولة لينا.. ولولا وجود ورقة في بنطلون البنت كان مسجل فيها رقم واتصلنا بيه، مكناش هنقدر نوصل لأهلها..!
+
صمت يحلل ما قالت وقد بدا أن لا دليل على من أحضرها.. تُرى لما أختفى الشابين؟ هل لأنهم متورطين بالجريمة؟ ولكن كيف؟ إن كانوا من الجُناة فحتمًا لن يحاولون إنقاذ ضحيتهم! ولو فُرض انهما ليس لهما علاقة بالأمر ووجدوها وساعدوها.. ما الداعي للهرب إذًا..؟ فالمنطقي أن يظلا ويسجلا دخولهما على أقل تقدير!
برق تساؤل لعقله، فتمتم على الفور:
+
طيب أكيد الكاميرا سجلت دخولهم عن البوابة، ممكن اشوفها يمكن اعرف شخصيتهم. ارجوكي ساعديني أوصل لحاجة أنا لازم اعرف مين جابها هنا ويعرف إيه عن اللي حصل معاها..!
+
لم تتوانى الفتاة عن مساعدته، وهي بالأساس متعاطفة كثيرًا مع ابنة العم..( اتفضل معايا حضرتك..)..هكذا دعته ليتوجه معها متفقدًا لحظة دخول بلقيس عبر الشاشة، التي أظهرت شابين في ثوني خاطفة، احدهما كان يعطي "ظهره" متحدثًا بالهاتف، والآخر يتجلى جانب غير واضح من وجهه، ثم اختفيا تمامًا من محيط البوابة الخارجية.. تحير عابد فلم يصل لشيء يفيده.. لكت شعور لا يعرف مصدره أن هذان الشابان لم يكونوا سوى منقذين تصادف طريقهما قدرًا مع مكان تواجد بلقيس وساعدوها بالإتيان بها إلى هنا..!
+
فرك جبينه شاعرًا بالدور من صخب أفكاره، وعقله عاجز عن تفسير يريح قلبه، ويأس أن يعثر على أي معلومة أخرى تفيده.. فشكر للفتاة صنيعها وذهب متفقدًا والده وعمه، داعيًا الله ان يطمئنهم على بلقيس وأن تنجوا من محنتها.. فهو على يقين ان ما حدث معها.. لن يمر عليها مرور الكرام.. والمعاناة الحقيقية لم تبدأ بعد..!
____________________
+
_ طمني يا أدهم.. بلقيس عاملة إيه؟ فاقت ولا لسه؟
تمتم بأرهاق حزين: لسه يا كريمة، ربنا يتولاها ويتولانا.. أنا مش قادر افهم حاجة، بس كلام السواق راغب يخوف.. ربنا يسترها علينا ونعدي من المصيبة دي! وواصل بقلق أشد: أنا خايف أوي على عاصم يا كريمة! ( ودمعت عيناه) أخويا جاله السكر! عاصم اللي طول عمره جبل ولا اشتكى من حبة برد، وقع قصاد عيني وانهار..!
+
لم تستطع مقاومة بكائها هي الأخرى لمعرفة مرض عاصم الذي فاجأ الجميع، وهتفت: لا حول ولا قوة إلا بالله.. إيه اللي صابنا ده بس، حتى دُرة يا أدهم، المسكينة كأنها عارفة وشايفة اللي حصل.. كل شوية. تقوم تصرخ وتنده على بنتها وتقول انقذوها وترجع تغيب عن الوعي تاني.. صعبانة عليا وهتجنن عشانها
+
غمغم أدهم وهو يفك أذرار قميصه بعد أن شعر أنه سيختنق: أكيد دُرة حاسة بكل حاجة، خليكي جمبها ياكريمة اوعي تسيبيها.. ومتعرفيش جوري حاجة!
+
لاحظت تغير صوته، فهتفت بهلع: أدهم صوتك ماله؟ بالله عليك تمسك نفسك ابوس إيدك ما توجعش قلبي أكتر..!
حاول تطمينها بنبرة أكثر تماسك: أنا كويس متخافيش، بس هسيبك واروح لاخويا.. وانتي زي ما قلت ماتسيبيش مراته لحظة واحدة!
_ حاضر.. بس انت خد بالك على نفسك.. واتصل تاني طمني عليكم، وعلى بلقيس لما تفوق!
_ ماشي ..سلام!
+
أقدم عليه عابد بتلك اللحظة ولمح شحوب وجهه، فأسرع يسئله بجزع: بابا.. مال وشك اصفر كده ليه.. تعالى اكشف عليك واطمن!
تمتم بمكابرة: أنا كويس يا ابني.. عمك عامل أيه وبنت عمك اخبارها أيه؟
_ لسه يا بابا.. عمي نايم تحت تأثير العلاج.. وبلقيس مخرجتش من غرفة العمليات..! وواصل: وانا كنت بسأل في الاستقبال عن مين اللي جابها هنا، لكن للأسف ما وصلتش لحاجة.. اللي جابوها مشيوا ومحدش عارفهم..!
+
_المهم إن حد انقذها، مش مهم اي حاجة تاني.. تعالي نروح عندهم ونطمن.. وربنا يعدي المحنة دي على خير يا عابد!
_ ماشي.. بس لازم تخلي دكتور يشوفك ويطمني.. أنت وشك مايطمنش يا بابا..!
_ متخافش هيجرالي إيه يعني.. انا لازم امسك. نفسي عشان اسند عمك..! وواصل بتحذير:
أوعى يا عابد أخوك يزيد يعرف حاجة.. انت عارف مش هيتحمل اللي حصل مع بلقيس.. خليه بعيد دلوقت لحد مانشوف هترسى الأمور على إيه!
_ حاضر يا بابا.. زي ماتحب!
+
وذهبا يتفقدا العم وابنته، وأصر أدهم على رفضه نصيحة عابد بفحص الطبيب له.. ملتزمًا الصمت جوار ذاك السائق العجوز الذي أصر أيضًا ألا يغادر قبل الاطمئنان على سيده عاصم، والأبنة العزيزة على قلبه.. بلقيس!
__________________________
+
" الكسور اللي في ذراعها والقدم اليمنى هتاخد وقت لحد ما تلتئم مرة تانية، والكدمات والجروح اللي في وشها بالذات بردو مع الوقت هتتعافي ويرجع الجلد لطبيعته، بس المشكلة الحقيقية دلوقت.. أنها سقطت في غيبوبة، وده رد فعل طبيعي جدا بعد العنف اللي اتعرضت له المريضة.. ودفاع اتخذه عقلها عشان. يبعدها عن أي صغط وينسيها التجربة المؤلمة وأي ذكرى تفكرها باللي حصلها..!..واستأنف الطبيب حديثه: أنصحكم بالصبر المرحلة الجاية ومؤكد هتحتاج لمتابعة دكتور نفسي لعلاجها بعد ما تستعيد وعيها تاني"
+
ألقى الطبيب توجيهاته وترك الجميع تتقاذفه أمواج الحزن وسحابة الكآبة تظلل رؤوسهم وتطغي علي الوجوه، وقلوبهم ترتجف خوفًا من القادم.. وكيف سيتحنل أبويها تلك الكارثة وزهرتهم الوحيدة، تجف وتذبل أمام أعينهم.. ولكن إلى الله المشتكى وعليه التوكل وعنده الرحمة ومنه الصبر والسلوان!
__________________________
عبر الهاتف بعد يومان!
+
" أهلا يا عابد.. عدي عليا في القسم ضروري.. في أمور ظهرت تخص حادثة بنت عمك!
+
لبى عابد دعوته بأسرع وقت وبعد وقت قصير، كان جالسًا أمامه، مستمعًا باهتمام شديد لما استرسل به عادل:
+
_ طبعًا زي ما وعدتك افضل ورى أي خيط يوصلني للجُناة.. وده في الأساس شغلي، تابعت كل معلومة ممكن تكشف جريمة الأعتداء .. لحسن الحظ وصلني إخبارية عن حادث تصادم وحريق نشب في نفس الليلة اللي لقينا فيها بنت عمك..توفى فيه أربع أشخاص، اتنين في عربية ملاكي، وسائق الشاحنة، والرابع كان متوفي جوار الحريق، واضح انه بطريقة ما قدر يغادر السيارة قبل انفجارها واتوفى على مسافة منها.. بعد تفقد ملابسه وفحصه، وجد معاه "كارنيه" جامعة المنصورة، طبعا محيط الحادث اتمشط كله للبحث عن أي دليل يفيد! لكن لم يعثر على شيء، وبعد فحص جثته، أتوجد خصلة شعر ملفوفة على "ذرار" الكم بتاع قميصه.. أنا طبعا طلبت فورًا تحليل " Dna" بعد ما أخدت عينة من شعر بنت عمك، والمفاجأة اللي توقعتها بنسبة كبيرة، هي تطابق خصلات الشعر..!
1
يعني ببساطة بعد ربط كل الخيوط دي هتتكون قصادنا صورة شبه مؤكدة للي حصل.. الشاب اللي اتوفي على بعد مسافة بسيطة من الحريق، مع الشابين اللي اتحرق جثتهم في السيارة، خطفوا بنت عمك وحاولوا يعتدوا عليها.. وواضح انها قاومت وحاولت تهرب منهم.. لأن جريمة الأغتصاب نفسها لم تتم.. زي ما قال الطبيب المعالج!..ولأن ربك بالمرصاد، اتنين ماتوا محروقين نتيجة الحادث ومعاهم سائق الشاحنة! والرابع رغم انه قدر يبعد مسافة قبل الانفجار، لكن مات هو كمان.. كأن. ربنا ساقه يبعد الكام خطوة دي عشان نعثر دليل مؤكد لتورطه في الحادث من خلال خصلة الشعر!
5
صمت يراقب تأثير تلك الحقائق على عابد الذي بدا أمامه لوحة غضب مستعرة، وقبضتاه مضمومة بعنيف، حتى ظن الظابط أنه سمع فرقعة عظامها، أيقن حالته جيدا وأشفق عليه، فوضعه لا يتحمله رجل حُر.. ولأنه الطرف الأهدأ بطبيعة الحال، استطرد حديثه بشيء من التعقل:
+
أنا طبعا فاهمك وحاسس بيك ياعابد، ولو مكانك الله اعلم كنت هتصرف ازاي.. لكن بما إني خارج الصورة وشايف اللي انت مش شايفه.. اسمحلي انصحك نصيحة لوجه الله والخيار في أيدك بعد كده!
+
اللي حصل خلاص حصل والحمد لله بنت عمك لسه زي ما هية ومحدش من الأندال دول قدر يلوث شرفها.. والجروح والكدمات زي ما قال الطبيب مسألة وقت وهتختفي تمامًا..وحالتها النفسية صحيح ادمرت وهيكون في أثار مش هينة، بس أكيد مع الوقت هتتحسن بدعمكم حواليها.. لكن لو حصل شوشرة على سمعتها صدقني ده اللي مش هيقدر حد يساعدها فيه..لأنها هتواجه توابعه لوحدها.. أحنا مجتمعنا قاسي جدا في الأمور دي.. والبنت للأسف بيكون عليها اللوم الأكبر وهي اللي بتدفع الضريبة كلها.. ده غير الحكايات المزيفة اللي هتتنسج من ألسنة الناس عليها، وانت عارف ولاد الحلال كتير مش هيقصروا في تشويه الصورة وتضخمها..!
3
لكن لو احتوينا الموضوع واتكتمنا عليه.. ده افضل ليها وليكم.. خصوصًا إن القصاص جه من ربنا في ليلتها والكلاب ماتوا كلهم.. يعني مافيش سبب يخليكم تعلنوا الموضوع.. المفروض دلوقت كل تركيزكم يكون ازاي تخرجوها من أزمتها النفسية، عشان لما يحصل وتخف بأذن الله ..ماتلاقيش حاجة تاني ترجعها لنفس الدايرة.. لازم تنسى وانتم كمان لازم تنسوا..!
+
التزم الظابط " عادل" الصمت مرة أخرى ومازال عابد متحليًا بصمت كئيب وعيناه تلمع بعبرات تحاول الهطول باستماتة، فيُحجمها بقوة..فواصل عادل:
+
فكر في كلامي واتشاور مع عمك ووالدك.. وانا في كل الأحوال موجود وهدعم أي قرار!..
+
وگأن عابد أصابه الخرس، فأومأ له برأسه والتفت مغادرًا بنفس الصمت، فشيعه عادل بنظرة مشفقة متمتما داخله: ربنا يهون عليكم مصيبتكم!
_____________________________
+
" على السادة الركاب التأكد من ربط حزام الأمان والتزام مقاعدها ..حتى هبوط الطائرة!"
+
أسدل جفنيه بانتشاء وابتسامة خبيثة تطغى على ملامحه، مسترجعًا كيف انتهى كابوس تلك الليلة المشؤمة، وفكرته الشيطانية التي نبتت في عقله لإنقاذ ذاته من الإقحام بجريمة مؤكدة.. تذكر كيف وقف بسيارته حائرًا ماذا يفعل، ورائد يرقد بالخلف مدرجًا بدمائه، فماذا لو تورط هو به؟ خاصتًا إن ساءت حالته وتوفى، كيف يثبت أن لا علاقة له بالأمر، أثناء شروده جاءه اتصال من "فوزي" يحدثه بصوت لاهث متقطع وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، مستنجدا به أن يلحقه وينقذه من براثن الموت بعد أن حدث تصادم عنيف بين سيارته وشاحنة محملة بألواح زجاجية أودت بحياة الجميع، ولأنه كان يحتل المقعد الخلفي، حاول تهشيهم الزجاج الجانبي بأقصى سرعة لديه، واستطاع وحده الخروج من السيارة زاحفا والتقط هاتفه وحدثه.. وبعد دقائق، وصل إليه حيث ابلغه، فوجده فاقد للوعي بجوار سيارتين مهشمين، يتصاعد منهما دخان ينبيء بنشوب انفجار وشيك! فانتشل هاتفه الملقى جواره والذي يمكن أن يدُل عليه ودسه في جيبه ليتخلص منه لاحقًا! بعد أن برق بعقله حيلة ذكية وجد بها الحل الجهنمي للخروج بخسائر لا تذكر.. ولن يُفلت الفرصة قط.. حيث وضع جسد رائد سريعًا بجوار " فوزي" وذهب قبل أن ينتبه أحد لما حدث واختفى من محيط الحادث..! حامدًا الله دون حياء أنه نفذ خطته وغادر بوقت مناسب قبل أن يشاهده أحدًا..أما " رائد" والآخر، فتركهما لمصيرهم، ربما كُتِبَ لأحدهما النجاة إن ظلوا على قيد الحياة، وإن كان يشك بصمودهم أكثر من دقائق أخرى، فإن صمدا، لن يرحمهما لهيب الحريق الذي تلوح ألسنته بالأجواء.. وهكذا سيوَأْدُ سر جريمتهم إلى الأبد.. ولن يستطع أحدا إثبات أي تهمة جنائية عليه، حتى بلقيس لن تستطيع.. من سيصدقها.. لا دليل على حديثها من الأساس..! ولم ينسى في نفس الليلة أن يهاتف " تيماء" شريكتهم، ويبلغها بما حدث، محذرا إياها بالتفوه بأي حماقة، وأنهما سويًا بنفس الدائرة، فإن أوشَت به، وقعت معه بالمسائلة والجُرم.. ونصحها بتناسي الأمر من بعد اللحظة، وقد راقه علمه انها ستلحق بأبيها خلال سويعات..وستُطمث معالم جريمتهم الشنعاء للأبد..!
1
هكذا ظن! وكم من ظنون ومكائد.. أحبطها الله بمكره العظيم وميزان عدله الذي لا يميل! فدائما ما تبحث مخالب " الظلم " عن أعناق " الظالمين" دون كَلل لتقتص لكل "مظلوم"! هي جنود الخالق.. يسخرها كيفما يشاء!
___________________________
1
هنا يُطرح تساؤل منطقي..لمن الجثة التي وجدت جوار الحريق؟!.. "لرائد" أم "فوزي"؟!..وأين الأخر؟!
_____________________________
+
مضى أكثر من أسبوعان على الحادث و"بلقيس" ساقطة بغيبوبة فسرها الأطباء أنها نفسية، لبشاعة ما تعرضت له، فأثار ما وجد على جسدها ووجهها من كدمات وجروح، أوضح بشكلٍ قاطع أنها تعرضت لتعدي قاس بالضرب المبرح ومحاولة أغتصاب بشكلٍ ما.. بالطبع لم يبارح المشفى عاصم، وأدهم الذي تناوب مابين متابعة العمل والتواجد قدر استطاعته جوار شقيقه، معتمدًا على الله ثم عابد لمساندة أخيه وأيضًا متابعة الأرض.. أما زوجته " كريمة" فتولت هي رعاية " دُرة" التي أصابتها هي الأخرى حالة نفسية جعلت طبيبها مجبر على اعطائها جرعات منومة حتى تهدأ..!
+
لم تعلم جوري بما حدث.. وحين تسائلت عن غياب الجميع وشعرت بتوتر الأجواء، أخبرها عابد أن بلقيس أصابها حادث نتج عنه عدة كسور وتحتاج لرعاية طبية، فيلازمها العم " عاصم"، والعمة دُرة تمر بوعكة صحية تأثرًا بحادث ابنتها، لذا تعتني بها والدتهم! ولم يسمح. لها بالذهاب للمشفى حين أحزنها لما علمت، وأرادت أن تطمئن على ابنة العم، فأخبرها أن الوقت غير مناسب، كما لم تتمكن من محادثة العمة دُرة لسقوطها الدائم بالنوم.. وكان على عاتقه متابعة الأراضي بدلًا من والده وعمه، والتواجد بنفس الوقت بجوار عمه..
+
بعد إخبار أبيه وعمه بما حدث وكيف قضى "الجُناه" نحبهم إثر حادث تصادم أودى بحياة الجميع، ثم شاورهن بحديث الظابط "عادل" فكان أول من أيده أبيه، أما العم " عاصم" لم يكن يشغله شيء سوى المكوث جوار ابنته والنظر إليها باكيًا..وترك الأمر برمته لهما، وبالفعل تم التعتيم على ما حدث ولم يصل للأمر لباقي العائلة، وخاصتًا شقيقه يزيد..!
______________________________
+
أنهى عابد للتو مكالمته مع " علي" المسؤل عن أمور الشركة نيابة عن العم عاصم..حتى يكون ملمًا بكل ما يخص العمل، فبراعتة الأخير وإخلاصه .. قد منحه ثقة وطمأنينة أن الأمور بالشركة ستسير بشكل جاد كما يليق وكأن سيده العم " عاصم" موجود وأكثر!
+
تنهد بحزن ، متكئًا بظهره على جزع تلك الشجرة الكبيرة لحديقتهم، وأغمض عيناه مسترجعًا بذهنه أحداث الأيام الماضية! فلا يستوعب عقله إلى الآن ماحدث لبلقيس وحالتها التي وجدت عليها، كيف وصل بها الأمر لتلك المأساة!! ليته يعلم كيف ذهبت هناك ولماذا.. ولكن بغياب وعيها لا شيء معروف لديهم؟!
+
_ عابد.. انا هروح لواحدة صاحبتي، وابقي عرف ماما اما تيجي لأن مش بترد عليا ..وانا مش هتأخر!
+
" اقفي عندك"
+
هدر عابد بصوت عالي بدا مبالغ فيه لشقيقته جوري، فاستدارت محدقة بدهشة: إيه ياعابد في ايه؟ وبتزعق ليه كده؟!
+
نهض ليقف قُبالتها مشرفًا عليها بطوله:
هتروحي فين بالظبط، وعنوان صاحبتك فين؟ وأساسًا عرفتي مين قبلها عشان تقرري فجأة تخرجي؟
+
رمقته متعجبة: نعم؟ من أمتي التحقيقات دي يا استاذ عابد؟ انا كل اصحابي هنا في منطقتنا مش بعيد وماما عارفاهم.. ثم استطردت بعنادها المعهود:
+
ولو بعيد.. إيه المشكلة هي أول مرة اخرج لاصحابي؟! ولا انا طفلة قصادك.. أنا خلاص في الجامعة لو كنت مش واخد بالك!
+
تشوشت صورة شقيقته وهي تحادثه، ولم يرى سوي وجه بلقيس المشوة وجسدها الراقد بسرير أبيض وحالة لا يعلمها إلا الله، فهدر ثانيًا:
+
طب مافيش خروج ياجوري.. واي مكان بعد كده تعرفيني انا بالذات مكانه.. وإلا اقسم بالله ما هتخرجي..!
+
اتسعت عيناها بغضب وهمت باعتراض عنيف وجدال حاد، فأوقفها مشيرا لها بتحذير: ماتنطقيش كلمة زيادة.. صدقيني هتندمي.. اطلعي اوضتك دلوقت يا جوري واغزي الشيطان..!
+
حدجته بضيق يشوبه العتاب لتعامله المهين من وجهة نظرها، وتركته ساخطة من تصرفه، فمنذ متى هذا الحصار..(حسنا فليأتي والدي ويسير خيرا ياعابد..! ) هكذا تمتمت داخلها قاصدة غرفتها لتختفي من أمامه وتهدأ..!
+
لم يكن ابدا بهذا التشدد يومًا..لكن داخله مبعثر، خائف، غاضب، عاجز عن تفريغ مشاعره بعد ما حدث..لم يعد أمان بعد الآن.. بلقيس التي لا تذهب مكانًا إلا برفقة سائقها أو أبويها محاصرة بكل أنواع المحذورات، مقيدة بأغلال خوف والديها طوال الوقت.. لم تنجوا من براثن نفوس بشعة قذرة.. ولن يترك شقيقته لمصير مماثل أو يغفل عنها لحظة.. سينتبه لها جيدا.. هذا عهده الذي قطعه على نفسه!
ولن يبالي بغضبها.. ويعلم كيف سيراضيها..!
+
بينما هو يدور بفلك أفكاره، أهتز هاتفه بأسم أخر شخص يريد مواجهته.. "يزيد!" .. لا مفر من الرد حتى يتحنب توبيخه وغضبه وقلقه.. اجلي صوته من الحزن قدر المستطاع:
+
_حبيبي يا زيدو.. وحشتني ياكبير!
+
_ وانت أكتر يا عابد.. وحشتوني كأني بقالي سنين غايب عنكم.. عاملين أيه وفينكم، كام يوم ماسمعتش صوتكم ليه..وعمي عاصم تليفونه مش بيرد، وبكلمه في الشركة ألاقيه غايب وبابا بيجي بداله، مع إن مش عوايده، تواجده في الأرض بيكون أكتر.. وبرد مش بيكلمني هو وماما.. طمني ياعابد في حاجة؟!
+
هل يخبره ما تعرضت له حبيبته؟ نعم يدري ان قلبه مازال مع بلقيس ..ولم يوصيه على شيء قبل سفره مثلما أوصاه عليها.. تمتم بصوت بدا رغما عنه مقلق عكس ما تفوه:
+
ماتقلقش.. كلنا بخير! عمك عاصم بيتابع هنا الأرص والمزرعة الجديدة معايا لحد ما اقدر استلم مسؤلياتها لوحدي، وبابا بيتابع الشركة مع " علي" عادي وهتلاقيه مش بيفضى يكلمك، بس ولا يهمك انهاردة هيتصل بيك هو وماما عشان تطمن ان مافيش حاجة
+
قُطب جبينه وشعر بالريبة، ليس هذا صوت أخيه الذي اعتاده، فهتف بشك: أكيد يا عابد؟ مافيش مشاكل؟! لو خبيت عني حاجة مش هسامحك!
+
عابد بمرح زائف ليُزيل شكه: مشاكل وانا موجود يا كبير؟! والله عيب عليك تشك في سيطرة أخوك ..أنا ممشيهم على "العجين مايلخبطهوش" ومنيمهم من المغرب.. اخوك أسد هنا وكله ماشي حسب أوامره!
1
ابتسم يزيد وإن كان لم يطمئن وتمتم بتردد: طب وعملت اللي وصيتك عليه يا عابد؟
+
اجاب وقلبه ينفطر: أيوة.. بسأل عليها متخافش!
+
بدا صوته خائف: يعني هي بخير بجد..؟ أصل حلمت بحاجة ضايقتني فحابب اطمن عليها.!
+
تحررت دمعته من حيز مقلته المترقرقة.. وهتف محاولا مدارة ألمه وحزنه: كويسة يا يزيد وبخير.. اطمن ، واوعدك إن عيني هتكون عليها وعلى الكل، زي ما وصتني!
+
وحاول تغير اجواء الحديث ليصرف ذهنه عن هواحسه، فأردف باهتمام:
اخبار مشروعك ايه، طمني على أحوالك..!
+
_الحمد لله كله تمام.. عملنا دعاية كويسة للمشروع. وشوية اتفاقات بسيطة. كده بنعرف نفسنا في السوق.. وبصراحة عمي عاصم ساعدني بعلاقاتة وعملاءه اللي عرفهم عليا وعرض عليهم شغلي! واهو ربك يسهل والدنيا هتمشي مع الوقت!
+
_ أكيد يا زيدو.. انا متأكد إن شركتك هتكبر وتنجح لأنك مخلص فيها..
_ بأذن الله يا عابد، هو فين البت جوري وحشتني، وماما كمان خليني اكلمها؟
+
_ هما برة بيشترو حاجات، أما يجوا هخليهم يكلموك!
_ خلاص تمام، يلا هسيبك بقي، واكلمك بعدين!
+
اغلق عابد، بعد أن تعمد ألا يتحدث شقيقه مع جوري، خوفا من أن تشتكي له وينكشف أمر كذبته.. يدعو الله ان تمر تلك المحنة على خير ..وان يكون بعون عمه وزوحته، وينجي ابنة عمه من أزمتها الكبرى!
___________________
+
_ مالك يا يزيد؟! من وقت ماكلمت أخوك وانت سرحان!
+
تمتم بعين شاخصة : مش عارف يا أحمد، في حاجة مش مريحاني، صوت عابد كان متغير، ماما وبابا مش بيكلموني من كام يوم ودي مش عوايدهم خصوصا ماما.. وجوري كمان.. حاسس في حاجة محجوبة عني، وشعور جوايا مخلي قلبي مش مطمن!
+
أحمد لتخفف قلقه: هيكون في إيه بس.. خير أكيد.. عابد مش ممكن يخبي عنك حاجة.. أنت بس اللي موتر نفسك بهواجس بدون أساس!
+
حك يزيد جانب ذقنه بشرود، وغمغم: أنا هسافر المنصورة بعد بكرة بالكتير، لأن لازم أنهي شوية أمور تخص الشركة معاك وهسيبك يومين..مش هرتاح إلا إذا شوفت الكل واطمنت بنفسي انهم بخير..!
_____________________
+
صوت بكائكها رغم خفوته، أيقظه من نومه، فالتفت لها متمتما بجزع: كريمة؟! مالك بتعيطي كده، في حاجة وجعاكي؟!
+
هزت رأسها بالنفي دون حديث، مواصلة بكائها الصامت، فاعتدل بعد أن تصاعد قلقًا عليها: أمال بتعيطي ليه خوفتيني.. اتكلمي!
+
مررت ظهر كفها على أنفها هاتفة: ضميري واجعني يا أدهم!
عقد حاجبيه: ليه؟ أنتي عملتي،حاجة تخالف ضميرك؟
هتفت بذبذبة: معرفش.. يمكن عملت! .. بس أكيد مقصدتش يا ادهم والله مقصد أنت عارفني!
+
وصل القلق داخله للذروة، فصاح بضيق:
أنا مابحبش الغموض ده ومش ناقص، اتكلمي بوضوح وفهميني تقصدي إيه الله يرضى عليكي!
+
غمغمت بخفوت: فاكر لما بلقيس سابت ابننا، وقتها من حرقتي على يزيد، غصب عني يعني.. دعيت عليها يا أدهم.. دعيت عليها ما تشوفش خير بعد ما كسرت قلب ابني!
+
رمقها بنظرة لا تُفسر، فاستطردت بدفاع:
بس اقسم بالله ما كان قصدي، كان كلام من حرقة قلبي، بس بلقيس زي بنتي عمري ما اتمنالها الشر ده ابدًا.. دي بردو اتولدت على ايدي وياما شلتها ولاعبتها وكانت في معزة ولادي.. أنا عمري ما اتمنيت لحد اللي حصلها.. معقول هتمنالها كده!
+
وانفجرت باكية، وضميرها يجلدها بقسوة، فأشفق عليها وضمها إليه رابتًا على كتفها: أهدي يا كريمة وبلاش عبط.. مش معنى زعلك على ابنك وبرطمتك بكلمتين وقت غضبك، يكون معناه إنك تحملي نفسك الذنب ده كله.. أنا أكتر واحد فاهمك وعارف قلبك الأبيض، عمره ما يشيل لحد الشر ده.. بلقيس ربنا ابتلاها لحكمة عنده، وربنا قادر يشفيها ويرجعها زي ماكانت.. ده امتحان من ربنا وهي هتتخطاه بوجودنا كلنا حواليها.. انا ظني في اللي خلقها انه مش هينساها ابدا.. ربك رحيم.. وياستي لو ضميرك فعلا تعبك.. يبقي ادعي قد ما تقدري من قلبك وربنا هيستجيب دعانا.. مش هيردنا خابين ابدا..! وانسي خالص افكارك الغلط دي..!
+
جففت دموعها وقد أثلج صدرها حديث زوجها، وهتفت: من غير ماتطلب، أنا بقيم الليل وبدعيلها وبكل وقت مش بنساها.. وبدعي لدُرة وعاصم، هما كمان يقطعوا القلب يا ادهم وزعلانة عشانهم..!
+
تمتم بحزن: محنة وكلنا هنعديها.. عاصم اخويا ومراته جامدين وإرادتهم حديد، هيتماسكوا عشان بنتهم وهيسندوا بعض.. واحنا في ضهرهم لحد ما يصلبوا طولهم تاني..!
+
ربتت على صدره بحنان: بإذن الله الأيام دي هتعدي.. واوعدك يا أدهم مش هقصر معاهم ابدا.. دُرة اختي، وبلقيس بنتي..!
+
أسند ذقنه على رأسها هاتفا بتنهيدة ألمتها لما تحمله من وجع: عارف يا كريمة.. عارف!
2
*********************
الصغيرة لا تحادثه منذ أن منعها من الذهاب لرفيقتها، يراقبها وهي تأكل حبات الفستق بنهم دون وعي وعيناها محملقة بتركيز شديد بشاشة التلفاز، وشكلها يوحي بالبلاهة المضحكة، وهي تتابع بشغف مسلسلها " التركي" المفضل! فاقترب منها ونكز برفق بجانبها الأيمن، فانتفضت صائحة بغضب طفولي: لو سمحت.. مالكش كلام معايا..!
+
رفع حاجبيه بمشاكسة: لأ ليا.. وهكلمك براحتي! ثم التقط ريموت التلفاز ودسه بجيبه!
+
فوقفت متخصرة باعتراض: ده اسمه ان شاء الله! وبعدين هتكلمني بالعافية يا عابد افندي! بعد ما طلعتني طفلة قدام صحبتي وماروحتش زي ما وعدتها، ومنعتني اخرج بعدها واتعصبت عليه وأنا مش عملت حاجة لكل ده!
+
أظهر يده التي كان يحجبها خلف ظهره، هاتفا بأسلوب مسرحي كوميدي: منا جاي اصالحك أهو وجبتلك البوكيه ده!
+
رمقت ما يقدمه بذهول، ثم ضيقت حدقتيها:
أنت بتهزر يا عابد؟! جايبلي بوكيه " برسيم" أنت جاي تصالح معزة؟!
2
تمتم بامتعاص: أهو ده الجهل بعينه.. والله البرسيم؟ ده حقه مهضوم ومظلوم والله، لو تعرفي فوايده ماكنتيش تتريقي.. ده مليان معادن مفيدة زي الحديد والبوتاسيوم والكروم والكالسيوم والفسفور.. وحلو لكثافة ونعومة الشعر وبيعالج القشرة.. وبيمنع جلطات القلب، وبيأخر ظهور التجاعيد و.........
+
هتفت وقد بدا على وجهها أثار الغباء:
+
البرسيم؟! ده انا فاكره أكل البهايم وبس!
+
كتم ضحكته وهو يشاهد رد فعلها..فقذفتة بوسادة قطنية، التقطها هو بمرونة قبل أن. تصل لوجهه!
+
مستأنفة هي بحنق: وبعدين تجاعيد إيه؟! شايفني 90 سنة؟! أنا لسه مجبتش "19" وبعدين جلطات قلب إيه بعد الشر، أنت بتفول عليا يا عابد؟؟؟
+
جذبها عنوة واحتجزها أسفل ذراعه، فحاولت الفرار منه عبثًا لإحكامه عليها.. وهاتف ليستفزها: بعد الشر عليكي يامعزتي.. أنا اقدر اعيش من غير ازعاجك.. وهبلك وتخلفك العقلي يا عمري!
1
قالت ومازالت تعافر للتخلص من ذراعه: أوعى يا رخم انت.. مش هكلمك بردو.. وسبني اكمل المسلسل قبل ما يخلص!
+
تركها واجبرها ان تظل أمامه هاتفًا بحنان تلك المرة: خلاص يا بت ماتزعليش!
+
رمقته بحنق يشوبه بعض الدلال المحبب: زعلانة بردوا..!
+
تمتم بمزاح: ما انا جبتلك بوكيه برسيم 🍀..يعني مقصرتش!
+
جزت أسنانها بغيظ: عابد.. متعصبنيش واخرج من أوضتي بقى فرهدتني يا اخي وضيعت المسلسل عليا
+
قهقه لحنقها: خلاص يا ستي، مش انتي زعلانة عشان مش خرجتي، هعوضك، انا اتفقت مع الواد ياسين يجي هو وعطر وهنوديكم الليلة السينما هنشوف فيلم كوميدي وبعدها هنعشيكم في مطعم حلو.. يلا مش خسارة فيكم! أيه رأيك؟
+
راقها عرضه فهتفت بسعادة وهي تقفز مصفقة:
بجد ياعبودي؟! يعني هنروح سينما وكمان هنتعشى برة كلنا.. ثم تعلقت بعنفه معانقة: حبيبي ياعبودي!
+
احتصنها برفق متمتما بعد أن جعلها تنظر إليه:
+
إسمعي مني الكلمتين دول يا جوري..لازم تفهمي إن الأيام دي مبقاش في أمان.. طبيعي جدا أخاف عليكي واحميكي حتى غصب عنك، لما اطلب منك ماتروحيش مكان أنا معرفوش أو اصمم اوصلك ما تزعليش، خدي الأمر ببساطة.. هو انا مش أخوكي ومن حقي اطمن عليكي! وبعدين احنا عندنا كام جوري؟ بعد كده أي سؤال مني أو تصرف حاولي تستوعبيه صح.. أنا بثق فيكي.. لكن مش بثق في اللي حواليكي..!
+
رمقته بتفهم: حاضر ياعابد، بس أنت ماكنتش كده.. من وقت حادث بلقيس وانت بقيت تتعصب عليا وتمنعني اخرج، انما الأول كنت براحتي..! إيه جد طيب عشان تخاف؟
+
لم تدرك طبيعة الحادث، فقط أخبرها أنه حادث تصادم.. كيف لها أن تعلم أسباب مخاوفه وقيوده المفاجئة التي فرضها عليها، هتف بعد أن تأملها برهة: حادث بلقيس مالوش علاقة، ده سبب تاني يخص حد اعرفه، خلاني قلقان وحبيت انتبه عليكي أكتر..!
+
وكسى صوته بالمرح: ويلا بقي يامعزتي، روحي اجهزي، سينو وعطر على وصول!
+
تذكرت النزهة، فهتفت بفرح وهي تهرول لخزانة ملابسها: طب انزل انت بقى متعطلنيش.. وانا هاخد " شاور " بسرعة ودقيقتين وتلاقيني جاهزة!
+
تمتم بشك: دقيقتين؟؟؟؟ إنتي متأكدة يا معزة؟
+
تفادى باقة البرسيم التي قذفتها عليه عقابًا له!
**********************
+
بعد إنقضاء نزهتهم، صممت جوري أن تصطحب عطر لتبيت معها، ولم تمانع الأخيرة!
… .
_ إنتي نمتي ياعطر؟
+
اعتدلت على جانبها الأيمن متثائبة: بحاول يا جوري!
انتي ليه مش نمتي، كنتي عمالة تتاوبي وافتكرتك هتنامي بسرعة!
+
أعتدلت على جانبها هي الأخرى، متكأة على يدها وكفها أسفل رأسها:
+
_ بصراحة بفكر في بلقيس، رغم اني كنت زعلانة منها عشان اخويا يزيد، بس بعد الحادث بتاعها ده زعلت عليها خالص ياعطر.. يارب تخف بسرعة، معرفش ليه عابد وبابا مش اخدوني ازورها..!"
+
_ ربنا يشفيها، حاولي معاهم تاني ولو وافقوا قوليلي أجي ازورها معاكي!
+
رفعت جوري حاجبيها بدهشة: بجد عندك استعداد تزوري بلقيس؟ غريبة!
+
_ غريبة ليه يعني؟! زيارة المريض صدقة..وأي حد حتى لو مش أعرفه كنت هزعل ليه!
+
أرادت استغلال الفرصة لاستدراجها للتأكد من ظنها السابق، فهتفت:
+
_ أنا دايما أحس إنك بتكرهيها حتى من قبل ما تسيب يزيد.. وكأنك زعلانة منها.. صح ولا غلط؟!
+
غامت عيناه بشرود مغمغمة: مبقاش الزعل منها، بقى من غيرها..!
_ قصدك يزيد؟ طب بردو ليه؟!
لم تجيبها، فهتف جوري دون مراوغة:مخبية عليا إيه ياعطر؟
+
رمقتها الأخيرة بنظرة جامدة:
مش مخبية حاجة.. ولا بقيت زعلانة من حد.. أنا مافيش في دماغي غير دراستي ومستقبلي وبس ياجوري.. وياريت بلاش دور المحقق بتاعك ده!
+
_ يعني خلاص.. هيبقي في بنا أسرار ياعطر؟ في حد غيري اقربلك مني تشكيله وتفضفضي معاه يا بنت خالتي؟!
+
التزمت عطر الصمت، فعادت جوري تستلقي بظهرها: براحتك.. هعود نفسي بعد كده إن هيكون في بنا مسافات! بس انا متأكدة إني في المقابل عمري ماهخبي عنك حاجة في حياتي، هفضل دايما كتاب مفتوح قدامك..! حتى لو انتي عاملتيني بالعكس!
+
وعم الصمت بينهما.. ولم تدرك جوري أن ابنة الخالة تسيل عبراتها بصمت..تكابد ألم مشاعرها مبتورة الجناح! ولا تستطع كشف الستار عنها لمخلوق! لكن أسائها شعور جوري تجاهها، فافتربت مها واحتضنتها دون حديث! أما الأخرى فأصبحت على يقين من ظنها.. عطر تحب أخيها يزيد..ولهذا لم تخبرها، خجلا أو حزنًا أو زهدًا من كثرة غضبها منه ، لا تهم الأسباب كانت تتمنى أن تقص لها ما بداخلها لتشاركها الوجع وتخفف عنها، وتخبرها أن مشاعرها على الأغلب مشاعر مراهقة وستزول مع مرور الوقت.. لكن لم تعطيها الفرصة..! حين اقتربت واحتضنتها، اشفقت عليها واعتدلت تضمها دون حديث محترمة عزوفها عن كشف أغوارها.. وتهكمت داخلها.. يبدوا أنهما بدأو مرحلة أخرى أكثر نضوج وخصوصية.. لم يعودا أطفالًا يثرثرون بكل شيء.. حسنًا يا رفيقتي.. فلتحتفظي بأسرارك.. وحين تحتاجين من يسمع أنينك سأكون هنا.. دائمًا سأظل جوارك!
+
ومع تعاقب الدقائق سقطت كلًا منهما بغفوة هادئة!
__________________________
+
صباح اليوم التالي!
+
ترجل من سيارته، عابرا لمنرلهم.. وبحث عن والدته التي على الأغلب تعتني ببعض أزهار الحديقة گعادتها بالصباح، فلم يجدها.. تعجب. فنادر خروجها بهذا التوقيت المبكر.. دلف يبحث عن الجميع.. مناديا على الخادمة" أم السعد"..!
+
فأتت فَرِحة لقدومه: حمد الله على السلامة يا سي يزيد.. نورت المنصورة!
+
تمتم بتهذيب: الله يسلمك يا أم السعد.. وحشتيني.. اخبارك إيه.. وفين ماما، مش في الجنينة زي عوايدها، لسه نايمة؟ وبابا وعابد وجوري المفروض معاد الفطار.. وانا شايف هدوء غريب في البيت!
+
تلعثمت قليلا، وأردفت بعين زائغة: جوري فوق، بس ست كريمة ......... وصمتت. فرمقها في ريبة:
جرى إيه أم السعد.. بتتكلمي بحذر كده ليه.. ثم بدا على وجه الفزع: أمي بخير؟
+
" آبيه يزيد؟!.. إيه المفاجأة الحلوة دي.. جيت إمتى؟!
+
استدار يتلقى بين ذراعيه، جوري المندفعة. إليه گعادتها: إزيك ياحبيبتي عاملة إيه.. لسه واصل.. قلت اعملها مفاجأة واقضي معاكم انهاردة وامشي بكرة بالليل..!
+
جوري بحماس:بجد! يبقى مش هسيبك أنا وعطر لحد ماتسافر.. أصلها بايتة معايا من امبارح، احنا مشتاقين نحكي معاك حاجات كتير أوي.. ماتتصورش ازاي واحشنا!
+
حاول أن يبادلها الحماس، لكن لهيب الهواجس نشب داخله فتمتم بقلق واضح، مهمشًا ذكر عطر بطلب رؤيتها، متسائلًا فقط عن سبب وجودها:
_ وليه عطر معاكي؟ طب فين ماما وبابا وعابد ليه سايبينك لوحدك؟
+
أرتبكت جوري مطلقة من عيناها نظرات متوترة، فهتف يزيد بحدة بعد تأكد أن أمرًا ما حدث والجميع يحاول حجبه عنه: من غير لف ودوران.. حصل إيه ومعرفوش؟.. اتكلمي حالا ياجوري ومن غير كدب!
+
الكذب لن يُجدي وهي تستشعر قلق أخيها الذي بدوره ينبئه قلبه بشيء، وإلا ما أتى بتلك الطريقة ، فعزمت على إخباره كل ما تعرفه عن حادث بلقيس وسقوطها بغيبوبة، ومكوثها بالمشفى حتى التئام الكسور التي أصابتها، وإقامة العم عاصم معها، وأبيها بأغلب الأحيان.. ووالدتها التي تراعي ليل نهار العمة دُرة وتظل معها، لتدهور صحتها هي الأخرى، أما شقيقها عابد، فيباشر الأراضي ويتواصل مع القاهرة بنفس الوقت ويتابع الشركة..حتى يسد فراغ الجميع!
+
اتستعت حدقتاه وتجمد كتمثال "نُحت" على وجهه الذهول مما أُخبر به الآن.. هل يحيا كابوس مثل الذي يهاجم نومه منذ أيام؟! أم ان ما سمعه حقيقة؟! بلقيس أصابها حادث وسقطت في غيبوبة؟ والجميع بتلك المحنة دون علمه؟ كيف لم يخبره أحد؟! شعر بغضب جم تجاه عابد لمواراته هذا الأمر، وهو الذي أوصاه أن يطلعه على كل أمر يخص العائلة.. فاندفع دون تباطؤ للاطمئنان أولًا على صحة العمة دُرة ووالدته التي تمكث معها.. ثم الذهاب على الفور للمشفى حيث ابنة عمه!
+
ولم يلحظ بزاوية قريبة، تلك البائسة المشتاقة المختبئة خلف ستار، وهي تراقب انفعالاته بدموع منهمرة.. ليتجدد داخلها اليقين أنه مازال مولع بمليكةِ قلبه.. ومازالت هي متعلقة بأذيال عشقها الصامت دون أمل..حزينة لعدم سؤاله وذكرها حتى بكلمة.. أصبحت منسية بعقله..ويجب أن يصير كذلك داخلها..!
+
-------------------------------------------
أستعادت وعيها للتو، وقد بدت لوحة مجسمة للذبول والحزن والإعياء، وهي تقاوم تناول الطعام، ولكن تجبرها " كريمة ' برفق أن تأكل، حتى تتناول أدويتها بإنتظام.. وبينما هي تحاول إزاحة الطعام لفقد شهيتها.. فاجئهم دخول يزيد ك بلهفة، معانقًا والدته التي اندفعت إليه فور رؤيته غير مصدقة وجوده أمامها.. ثم توجهه للعمة دُرة التي ظلت ترمقه بتيه وگأنها تتيقن أنه ليس طيفًا بخيالها.. فالتقط كفها بين يديه برفق، مردفا: ألف سلامة عليكي يا طنت دُرة.. أنا أسف إني معرفتش غير دلوقت.. محدش قالي حاجة خالص.. بس اطمني أنا معاكم.. وهروح لبلقيس واوعدك ان كل حاجة هتكون بخير و.........
+
بتر عبارته وهو يتلقى إندفاع العمة التي تشبثت به گطوق نجاة مغمغمة بصوت متقطع دون تركيز:
+
ي..يزيد.. شوفت .. شوفت الغربان عملوا في بنتي إيه؟! ليه سبتها ليهم.. كسروا بلقيس يا يزيد.. محدش قدر يحميها.. رجعلي بنتي تاني.. رجعهالي زي ما كانت!
+
تأثير الدواء وحالتها النفسية. وكوابيسها التي تحققت بالفعل.. جعلها تهذي بعبارات دمرت الباقي من ثباته الزائف وهو يحاول طمئنة نفسه أن كل شيء بخير وأنه مجرد حادث.. لكن حديث العمة قد نسف هذا الأفتراض وأشعل فتيل هواجسه بضراوة.. وصار فريسة لتخيلات مفزعة تشكلت لعقله من عباراتها.. فهب واقفًا..وركض مستقلًا سيارته ليصل بسرعة جنونية كادت أن تهلكه وهو يتفادي أكثر من حادث مؤكد..حتى وصل لاهثًا لباب غرفة مليكته..!
+
تُرى كيف سيكون رد فعل يزيد عند رؤية بلقيس؟
__________________
تكملة الرواية من هناااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا