القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل التاسع والخمسون والستون بقلم دفنا عمر

 رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل التاسع والخمسون والستون   بقلم دفنا عمر









رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل التاسع والخمسون والستون   بقلم دفنا عمر




الفصل التاسع والخمسون


--------------------


آثم  حين أظهرت أمامك ضعفي


آثم حين أخرست مخاوف عقلي 


آثم لقول "نعم" راضخًا لقلبي


آثم لأن كلمة "لا" لم تكن قولي


آثم وأستحق جحيمُ العقاب


_________


ترفع وجهها بندم صوب وجهه وعسل عيناها يقطر أسفا له، نظرتها تنصر خوفه عليها بعد أن هزمتها حماقتها وكادت تفقد جنينها المنتظر، يديها تمتد تتشبث به معقوصة حول عنقه، تستجدي بقربها صفحه، وهو حازم الملامح ينحني ليجذبها من مقعد السيارة صارم النظرات  لا يطالعها رغم أنها گ الهرة الصغيرة بين ذرعيه، عبر بها للداخل فوجدت نفسها تنغمس فيه بقوة تكاد تنفذ لضلوعه، تعلم أنها ستشتاق عناقه هذا كثيرًا وسحابة هجره تلوح في سمائها گ الغيمة السوداء.. ترقرقت حدقتيها وشبح ابتعاده گ الجاثوم على صدرها وهو يضعها فوق فراشها وهي تتشبث به أكثر گ الطفلة لا تريد فراقه، فقابلها جموده من جديد وهو ينسل عنها محرر إياها من "حصنه"..لم تعد تعانقه..لم تعد قريبة لأنفاسه..لم تعد تسمع دقات قلبه، ابتعد عنها في نفس لحظة دخول والدته الغرفة تصيح مفزوعة: 



+




_ ايه ده في يا ابني.. مالها مراتك؟ 


_ تعبت شوية وداخت وهي في شغلها الصبح.. 


واستطرد وهو يغادر: دقيقة وجاي يا ماما.. 


ابتعد وهي تشيعه بنظرة عطف يرميها بمثلها، فلم تحصد سوي عزوف عيناه عنها وهو يغيب عن ناظريها ثم عاد بعد دقائق محدثا والدته:  


لو سمحت يا امي دي الأدوية والفيتامينات والمثبت، يتاخدوا في معادهم بالظبط.. ولازم. تفضل نايمة علي ضهرها زي ما الدكتور قال.. 


_ ماتشلش هم ياحبيبي.. مراتك في عيوني هراعيها بنفسي.. 


_ تسلم عيونك يا ماما.. طيب انا خارج لو في جديد عرفيني..


دنت منها بعد مغادرته:  سلامتك يا بلقيس ألف سلامة.. معلش الدوخة والتعب ده طبيعي في الأول.. 



+




ثم حدثتها ببعض اللوم: 


انا ماكنتش عايزاكي تروحي شغلك دلوقت خالص واستغربت ان ظافر سابك لأنه كان قايلي انك هتنزلي بعد الولادة..لازم يابنتي نحافظ علي النعمة عشان ربنا يبارك..شغلك مع والدك كان هيفضل محفوظ ومنتظرك أي وقت.. لكن حتة اللحمة الحمرة في بطنك ماتتحملش مجهود..دي أمانة ورزق لازم نصونه.. 



+




نكست رأسها بحزن مطبقة الشفاة تتذكر عنادها معه وتصميمها الغبي أن تواصل عملها..وكيف داهمها دوار لعين في الصباح حاولت تجاهله وهي تتناقش مع العميل على صفقة تصدير فواكه أورجنك ضخمة والحماس يملأها ممنية روحها بنظرة فخر من أبيها بعد إبرامها..وبعد انتهاء النقاش نهضت بعفوية تودع الرجل وبمجرد أن وقفت وتقدمت بضع خطوات ازدادت قبضة الدوار عليها لينتهي الأمر بسقوطها. 



+




_ يلا كله نصيب المهم انك بخير يا بنتي..وانا اللي هاخد بالي منك لحد ماتبقي كويسة.. هسيبك واعملك بأيدي شوربة تغذيكي بدال وشك التعبان ده.


ثم مزحت معها:  عشان حفيدي يجي شديد.. 


ابتسمت لها بلقيس بمجاملة وانتظرت خروجها ثم اطلقت العنان لبكائها المكتوم وهي تلوم نفسها وعنادها.. 


__________



+






                


"ضغط المدام واطي جدا وده خطر على حملها خصوصا انها لسه في تاني شهر..وموضوع الدوخة هيتكرر كتير فلأزم تاخد راحة في البيت وتهتم بنفسها وعلاجها وتكون حذرة قد ما تقدر.. سيدات كتير بتفقد جنينها بسبب سقوط مش محسوب، عموما مع ملاحظتها الساعات اللي فاتت احب اطمنك ان الضغط ارتفع للمعدل الطبيعي.. بس قبل ما تاخدها البيت بكرر تحذيري يا سيد ظافر.. المدام لازم ترتاح وتنام علي ظهرها على الأقل عشر أيام "



+




صدي كلمات الطبيب تطوف بخلايا عقله وهو يقف قرب ضفة النيل الهاديء عكس غليان روحه وهو مستند بمرفقيه على حافة سياجه شارد بصفحة مياهه المعتمة والغضب يفيض من حدقتيه القاتمة..ماذا لو تأذت هي أو طفله الذي يموت شوقًا له ويحصي الأيام لقدومه؟ ما كان يجب عليه الرضوخ والسماح لها بالعمل..كم يبغض الآن ضعفه أمامها وطيلة حيات لم يكن طائعا لأحد حتى والدته.. دائما عقله وبصيرته مقياسه وبوصلته، كاد ان يحصد خسارة لن يحتملها..ليست فقد جنينهما وحسب.. بل الأكثر خطورة ويُسعر جحيمًا في صدره ظنونه التي اشتعلت لافتراض صوره عقله بقوة..


زوجته الفاتنة  كانت مفردها مع ذاك العميل لحظة سقوطها في أضعف حالتها وغائبة عن الوعي، مسلوبة الإردة لا تملك له صدا لو استغل الرجل وضعها وتحكمت به شهوته وهو يبصر جميلة مثلها بين يديه دون رقيب أو رادع، ماذ لو استحل لمسها أو… .من يوقفه حينها لو فعل؟


ومن يضمن له الآن أنه لم يفعل شيء بها؟ 


يجيب أن يفعل أمرا ما ليطفيء جحيم هذا الشك والعذاب المُضرم داخله.. 



+




تنهد كأنه يخرج من صدره ألسنة نيران وليست مجرد زفرات واستدار قاصدا سيارته ليغادر فلمح وجه رجل ما يقف على بعد خطوات ليست بعيدة عنه..شارد يتأمل ظلمة النيل كما كان هو منذ قليل.. لفت نظره شيء.. اقترب ليتأكد ضاقت حدقتاه وملامحه تتضح له أكثر فتساءل ظافر وهو يحاصره بنظرة قوية : مش انت اللي كنت في سويسرا..؟



+




التفت إليه لتتحول نظرات الأخر لذهول وبلحظة تجسد لعين خياله شبح حقيقته..


حقيقة كم هو ضئيل في حضرة ذاك الرجل الذي تجمعهما الآن صدفة شديدة الغرابة وغير مفهومة..


وقد وتعشم بمجيئه هنا أن يلتقي الرجل الطيب الذي حدثه هنا ذات يوم وكان بالنسبة له طوق نجاة بعد أن اقترب من الموت كافرا..


ليخبيء له القدر في نفس المكان مفاجأة.


لقاء عجيب مع أخر من يتمنى رؤيته.. 


زوج بلقيس! 


___________________



+




_ بلقيس عاملة ايه دلوقت يا إيلي؟


_ الحمد لله يامحمود انا هروح اشوفها بعد ما اكلمك


_ طب سلمي عليها وبإذن الله هزورها بكره


_ تنور إن شاء الله، بيني وبينك يامحمود ماما كانت مضايقة جدا من نزولها الشغل بس مقدرتش تتكلم لما لقيت آبيه سمحلها.. اول الحمل ده بيكون كله دوخة وغثيان وتعب كان واجب على مرات اخويا من نفسها ترفض نزول الشغل.. دي ماصدقت ربنا كرمها، وشكل اخويا مضايق جدا لأن ماما قالتلي خرج بعد ما جابها ولسه مش رجع البيت.. 


_ظافر معذور أكيد خاف عليها طبعا ، وكلامك منطقي في جزئية ان بلقيس كانت لازم ترتاح بس احنا مانعرفش ظروف كل واحد، المهم انها بخير دلوقت.. 


واستطرد:  بس ده معناه بقي ان بلقيس مش هتحضر افتتاح مكتبي أخر الاسبوع بعد يومين؟


_ معتقدش يامحمود، الدكتور مأكد أنها تنام على ضهرها أسبوع او أكتر وتتحرك للضرورة القصوى.. 


_ معلش سلامتها أهم..هو هيكون افتتاح بسيط على كل حال.. المهم انتي هتيجي صح؟


ابتسمت بحنان:  وانا اقدر اتأخر عليك ياحوده


_ حبيبة قلبي، وبعدها هستأذن ظافر ونتعشي انا وانتي بره..


_ لو وافق معنديش مشكلة.. طب على كده والدك ووالدتك هيحضروا؟ 


_ للأسف لأ.. زمزم اختي في اواخر الحمل وتعبانة وماما مش هتقدر تنزل القاهرة وتسيبها، وبابا عنده شغله هناك ..وانا مش مضايق كفاية عمو عاصم هنا ومراته وانتم واصحابي هتكونوا معايا.. المهم ربنا ييسر واشتغل كويس بعدها.. 


_ بإذن الله ربنا هيوفقك.. معلش هقفل معاك عشان اروح اشوف بلي لو صاحية اطمن عليها


_ تمام ولو ينفع خليني أكلمها


_ ماشي حاضر 


____________



+





        



          



                


_ أيوة أنا.. 


قالها رائد وهو يتجرع ريقه بتوتر ويتأمله بحذر.. 


فقال ظافر: سبحان الله الدنيا فعلا ضيقة جدا.. 


ظل الأول يطالعه مأخوذا تلجمه المفاجأة، فواصل الأخير: انا رجعت بمراتي بعد ما الحيوانات اللي خطفوها أخدوا جزائهم واتسجنوا.. وعرفت كمان بعد ما جيت هنا من المحقق المسؤل، ان واحد فيهم مات في السجن.. تعرف الخبر ده؟


أومأ له رائد بإجاب ومازال ينظر له بقلق..


عجبا..


هذا الرجل لم يعرف من يكون


لو علم ماهيته ما تركه حيًا الآن.. 


اذا بلقيس أخفت حقيقته هو وتيماء..


_ زوجتك عاملة ايه دلوقت..بخير؟


_ لأ.. 


قالها بخفوت فتسائل ظافر:  مالها؟ 


تمتم وهو يرصد رد فعله: للأسف مراتي اتعرضت لحريق شديد سببلها تشوه كبير أثر عليها نفسيا و جسديا.. 


تمتم بأسف: لا حول ولا قوة إلا بالله.. وده حصلها ازاي؟ 


_ ماس كهربا لما كانت في شقتنا لوحدها.. 



+




_ قدر الله وما شاء فعل، معلش في ميزان حسناتها إن شاء الله.. أي ألم بنتعرضله تكفير لذنوبنا انت عارف محدش فينا خالي.. 


غامت حدقتاه وهو يجيبه بهمس شارد:  عارف.. 


_ وبعدين دلوقت الأمور دي بتتعالج بطب تجميلي بمنتهي السهولة..( ثم تحكمت به شهامته وقال) على فكرة لو محتاج مساعدة مادية انا تحت أمرك، انا مخصص جزء من ريع شغلي للمواقف دي.. 


واستطرد مبتسما:  وماتستغربش عرضي عشان مفيش بنا معرفة حقيقية، بس كفاية إن القدر جمعنا في نفس الجبهة في يوم من الأيام واحنا بندافع ع شرفنا..ولا ايه؟



+




"عمر جبهتنا ما كانت واحدة.. وشرفي أنا اللي لوثته"


كاد يحرر الجملة من قيد عقله ويبوح بها، لكنه فضل الصمت مكتفيا بإيماءة ورتوش الحزن منقوشة بجلاء على وجهه، فسرها ظافر انها لأجل زوجته وهم بقول شيء أخر فقاطعه رنين هاتفه، كانت هي.. ملكته العنيدة..استعاد سريعا مشاعر السخط عليها وتغبر وجهه بالضيق وضغط على الشاشة رافضا المكالمة، ثم نظر للأخر:  


_ على كل حال اتشرفت بيك.. وألف سلامة على المدام..وزي ما قلت لو احتاجت مساعدة انا موجود، يمكن ربنا خلانا نتقابل هنا صدفة عشان كده، محدش عارف يا، معلش متشرفتش باسمك؟



+




طالت منه نظرة وداخله تتصارع أطراف الخوف مع رغبة في المجزافة، والسؤال يُطرح في عقله


ماذا لو كشف له عن اسمه؟! هل سيعرفه؟


حسم أمره وغمغم بحذر: اسمي رائد.. 


قالها وظل يرمقه بتوجس وألاف الاحتمالات تتوالي بذهنه، بينما هتف الأول ببساطة: أهلا بيك.. وأنا اسمي ظافر..ظافر الشباسي..!



+




_ الشيف.. 


ابتسم ولم يتعجب أن هذا الشخص يعرف مهنته، فربما تابعه في حلقات المسابقة التي كانت تذاع او بعض لقائته التليفزيونية القصيرة بعد الفوز حينها باللقب..


_ أيوة، وعشان شوية الشهرة اللي عندي العصابة اللي هناك عرفت خط سيري وخطفت مراتي.. 


ثم باغته بسؤال أخر:  صحيح كنت عايز اسألك، انت عرفت ازاي ان مراتك اتخطفت وازاي وصلتلها قبلي؟


تلجم وهو يبحث عن كذبة مقنغة يقولها.. 


_ جالي اتصال عشان ادفع فدية.. 


زوى حاجبيه: غريبة.. بس انا محدش كلمني عشان يطلب فلوس، لولا عرفت اوصلها عن طريق موقع تليفونها.. وتنهد وذكرى هذه الأيام تؤلمه مع قوله: عموما الحمد لله اننا قدرنا ننقذهم..


وواصل: ومرة تانية اتشرفت بالصدفة دي.. 


نظر لكف الرجل الممدودة ليصافحه


هل يعقل أن تنعقد كفوفهما بمصافحة؟ 


مد كفه أخيرًا مصافحا ثم قال له رائد: 


_ ممكن اطلب من حضرتك طلب؟ 


_ أكيد اتفضل.. 


_ أنا مراتي تعبانة جدا زي ما قولت وحالتها صعبة بعد الحريق.. قول للمدام بتاعتك تدعيلها.. قولها انها كانت في الجحيم ولسه بتدفع تمنه من نفسيتها وحياتها اللي مش قادرة تعيشها زي ما كانت، حتى بنتنا رحمة مش قادرة تراعيها.. قولها انها مسكينة عشان خسرت حاجات كتير ومحتاجة دعوة سماح من القلب..هي ست زيها وعرفت يعني ايه تتخطف وتتعرض للانتهاك..قولها ان الدنيا دارت وماسابتش حق مظلوم إلا ونصفته بقصاص ربنا العادل..وعاقبت الظالم علي ظلمه ولسه بيقاسي ويل أثامه ومنتظر السماح من أصحابه لو يقدروا يسامحوا.. 


ضيق ظافر مقلتيه بحيرة لحديث الرجل الغريب و الموجع للقلب وشعر بشيء لا يفهمه..كأنه يمرر رسالة ما لم يدركها عقله..ماذا يقصد؟


جاءت الإجابة مع قول رائد:  


ماتستغربش من طلبي ده..حضرتك عرضت عليا تساعدني بفلوس..وانا الحمد لله مستور واقدر اعالجها كويس وفعلا هتبتدي تعمل اول عملية قريب.. لكن المساعدة الحقيقية اللي محتاجها ومالهاش تمن..هي دعواتكم..ياما مهالك ربنا نجانا منها بسبب دعوة اتقبلت من قلب صادق فيها.. عشان كده وصيتك تقول كده للمدام عشان تفهم وهي بتدعيلها انها محتاجة دعوتها ودعوة أي حد..مش يمكن انا وانت اتقابلنا هنا عشان للسبب ده؟



+





        


          



                


ظل ظافر يرمقه مستشعرا فيه غموض ما


مازال يشعر انه يمرر رسالة ما لا يفهمها.. 



+




_ تعرف إن في نفس المكان ده جيت من فترة عشان  انتحر وانهي حياتي؟


استطاع لفت نظر ظافر ولهيه عن حيرته وهو يتساءل باهتمام: يا ساتر! ليه كده؟



+




انتفخ صدره بالهواء وهو يزفره بوجع مع قوله: 


تقدر تقول كنت يائس من الدنيا، حسيت اني ماليش فيها مكان ولا أمل من كتر ذنوبي..قام ربنا بعتلي شخص كأنه ملاك أنقذني وبث فيا الأمل تاني بكلامه عن رحمة ربنا وإننا ماينفعش نسيب نفسنا للقنوط.. غير نظرتي للدنيا بكام كلمة..وانا جيت الليلة دي استناه يمكن اشوفه تاني عشان اشكره واقوله ان نصايحه ما راحتش هدر..



+




ثم عاد يلتفت لظافر مستطردا بنظرة غامضة:  


بس النصيب خلاني اقابلك انت..وأنا اتعلمت إن مافيش حاجة بتحصل معانا بدون سبب..يمكن ربنا مخبيلي عندك أنت ومراتك دعوة يجوز تستجاب.. صح ولا لأ؟



+




صمت برهة يطالعه وبعض المنطق يغلف ما يقول الرجل ثم تمتم:  يجوز.. مافيش حاجة بعيدة.. عموما أوعدك ندعيلها.. وربنا يشفيها ويشفي كل مريض.. 


هز رأسه بامتنان حقيقي:  شكرا..



+




مكث رائد يراقب رحيله بعين غائمة وهو يهمس لذاته: أنا فهمت الرسالة يارب ووصلتها.. واتمنى توصلها هي كمان تفهمها وتسامح.. 


___________



+




أهكذا آلت الأمور بينهما؟


تهاتفه، يرفض الرد عليها؟ 


زحفت دموعها وهي داخلها تقدر غضبه لكن لا تتقبل قسوته..تريد استعادة مكانتها بين حصن ذراعيه كي تطمئن.. تود استنشاق عبقه عن قرب كي تشعر أنها على قيد الحياة.. هي تختنق لفراقه القصير وكم تخاف أن يطول بعاده فتهلك.. 



+




سمعت طرقتين ثم أطلت إيلاف بوجهها البشوش: 


صاحية يابلي؟


_أيوة حبيبتي تعالي 


تقدمت ووضعت كاستين من العصير:


قلت اطمن عليكي عاملة ايه دلوقت.. 


_ الحمد لله يا حبيبتي


_ محمود عايز يطمن عليكي، لحظة هخليكي تكلميه


هاتفته وتركتهما يتحدثان بعض الوقت ثم انتهت المكالمة وقالت إيلاف وهي تتناول منها الهاتف: 


كان عايز يجي بس انا قولتله انك نايمة اغلب الوقت على ضهرك..بعد الافتتاح تكوني احسن ويجي يشوفك


_ فيه الخير، مفيش داعي يتعب نفسه ومبروك مقدما علي الافتتاح.. 


_ تسلمي يابلي.. كان نفسي تحضريه والله.. بس معلش كله يهون عشان البيبي حبيب عمتو يبقي كويس.. (واقتربت من بطنها تتحدث برقة)


يلا بقى يا صاحبي اكبر في بطن ماما وانزل بالسلامة عايزة العب معاك.. 


منحتها ابتسامة باهتة:  إن شاء الله.  


نظرت لهاتفها وصاحت: ايه ده آبيه ظافر بيرن عليا.. ثواني يا بلي هرد عليه.. 



+




سكين نغز قلبها ألمًا وهي تراه يهاتف شقيقته بعد تجاهله الرد عليها منذ قليل.. ترقبت أن يسأل عنها ويطلب الحديث معها، فصُدمت بإيلاف تنهي المكالمة وهي تقول:  آبيه كان بيقولي هيتأخر على ما يرجع ومحدش يستناه.. 



+





        


          



                


حاولت التماسك عن البكاء بأعجوبة وهي تهز رأسها مطبقة الشفتين يظلل مقلتيها حزن شديد أدركته الأخري وهي تربت على يدها قائلة:  ماتزعليش يا بلي..كويس انه هيفضل برة لحد ما يهدى شوية وبعدين هيرجع يكلمك.. هو في النهاية خاف عليكي. 


ثم ناولتها كاسة العصير:  يلا بقى اشربي العصير الفريش ده احسن ده توصية ماما.. وانا هشرب معاكي اهو.. 



+




حاولت مجاراتها وهي ترتشف بعضه رغما عنها ثم فاجأها غثيان شديد فنهضت سريعا تتقيأ في المرحاض وإيلاف خلفها تسندها حتى لا تقع.. ثم عادت للفراش والدوار يكتنف رأسها بشدة وعيناها ترتخي بقوة.. 


_ سلامتك حبيبتي معلش هو الحمل كده في أوله متعب..حاولي تنامي وانا هجيلك تاني في صلاة الفجر وأكيد هيكون أخويا جه عشان ياخد باله منك.



+




دثرتها جيدا وتركتها، لتشرع بلقيس عيناها قليلا وتحرر دمعة زحفت فوق وجنتها ارتشفتها الوسادة ثم غطت في النوم دون أن تشعر ومحياه الغاضب منها يحتل صفحة عقلها الغائب.. 


___________



+




ركن سيارته وكاد أن يغادرها فأوقفه رنين هاتفه! 


_ السلام عليكم.. ازيك ياظافر


_ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. معلش ياعمي محتاج اشوفك دلوقت ضروري.  


عقد حاجبيه بقلق:  خير يا ابني في ايه قلقتني


_ اطمن بس قابلني في الشركة بتاعة حضرتك


_ ده انا مشيت وخلاص كنت داخل بيتي


_ عارف وعشان كده بكلمك ترجع تاني..


_ حاضر يابني هلف وارجع تاني وربنا يسلم.. 


____________



+




_ مالك يا رائد من وقت ما رجعت من برة ساكت.. 


غارق في طيات شروده ولم ينتبه لها، فدنت قليلا وربتت على كتفه فانتفض قائلا:  في ايه؟


رمقته بحنان:  اهدي مافيش حاجة، شايفاك ساكت حتى ماسألتش على رحمة.. 


_ معلش كنت سرحان شوية.. هي نامت؟


قالت بمسحة حزن: أيوة، بالعافية بعد ما فضلت تنادي علي ضي وتيتة.. مفتفداهم وطول اليوم تدور عليهم في كل مكان.. 



+




أخذها على صدره: معلش بكره تتعود.. 


ثم همس وهو يرفع وجهها بأنامله: وانتي يا رودي؟ افتقديهم؟


عادت تدس رأسها في عنقه ملتزمة الصمت، عاجزة عن تحديد شعورها..أحزينة لفراقهم بعد ان اعتادت دفء وجودهما حولها.. أم غاضبة لأن والدتها تركتها ثانيا.. لم تهتم لاستجداء عيناها الصامت وهي تناجيها المكوث..تجاهلتها كما فعلت من قبل..الأفضل لها ألا تعتاد أحد غير زوجها وطفلتها.. هما الابقى ولن يتركوها يوما.. 


_ تبقي غلطانة لو فاكرة ان مامتك اتخلت عنك.. 


لم يري ابتسامتها لسهولة إدراكه ما يدور بعقلها، أصبح قريب لروحها بشكل يضخ بها القوة كلما هزمها الوهن.. وشددت على ضمه لها هامسة:  أنا أهم حاجة انت ماتتخلاش عني وتفضل معايا انت وبنتنا.. انتوا اللي فاضلين ليا في الدنيا.. 



+




لثم رأسها مع قوله:  ومامتك واخواتك.. 


عاد وجهها يتغبر بالحزن وقالت لتصرفه عن النبش فيما يؤلمها: ما قولتليش، ليه جيت من برة سرحان يا رائد.. في حاجة حصلت معاك؟ 



+





        


          



                


غامت عيناه في الفراغ أمامه وهو يغمغم:  في! 


ابتعدت عنه متسائلة:  خير؟


_ معرفش خير ولا لأ.. يمكن يكون خير.. 


_ قلقتني.. حصل ايه؟



+




نظر لسواد مقلتيها بقوة وقال: أنا شوفت جوز بلقيس. 



+




انتفاضة أصابت جسدها بغتة وزاغت حدقتاها برعب وهي تصيح:  عرفك؟ اتخانق معاك.. 


ثم تفحصته سريعا وهي تعود لتهتف:  أذاك؟ 



+




احتوى رجفتها بضمة اخري محاولا تهدئتها:  اهدي محصلش حاجة من اللي قولتيها.. 


ثم عادت مرآة عينه تغيم مبصرا الأفق الساطع من النافذة: بالعكس يا تيماء.. هتصدقي لو قولتلك ان دار بينا حديث هادي وعاقل وانتهى كلامنا بمصافحة عادية كأننا اصحاب من زمن..عمري ما تخيلت ان ده ممكن يحصل.. أنا بعتبر اللقاء ده معجزة لوحده ربنا دبرها لينا ورحمة من عنده عشان اوصل رسالتي بأغرب وسيلة وعن طريق أخر شخص كان ممكن افكر انه يوصلها ليها.. 



+




مشطت وجهه بحيرة وخوف:  انا مش فاهمة كلامك يا رائد.. أرجوك طمني..


_ هحكيلك.. 


_____________



+




_كل ده حصل مع بنتي وانا معرفش.. وديني عندها بسرعة لازم اشوفها.. 


_ أهدى ياعمي لو سمحت.. بلقيس دلوقت بخير.. السكرتيرة ساعتها كلمتني لأن حضرتك ماكنتش في الشركة وكنت بتمر على مصنع التعليب.. وخافت تقلقك.. ده غير اني من الأساس موصيها لو حصل حاجة تكلمني انا الأول.. 


_ طب هي عاملة ايه دلوقت انا لازم اشوفها. 


_ إيلاف بعتتلي رسالة انها نامت من شوية وكويسة، المهم واللي طلبت اشوفك عشانه حاجة مهمة بالنسبالي


_ حاجة ايه؟ 


_ الكاميرات. 


_ مش فاهم، مالها؟


_ عايز اشوف الكاميرة بتاعة مكتب بلقيس بالذات في التوقيت اللي كان العميل معاها في الغرفة.. 


ضيق عينيه بتساؤل، فاستطرد ظافر: 


عمي.. بلقيس داخت وهي في غرفة مقفولة مع راجل 


لوحدهم.. 


_ بس ده عميل يا ابني


صاح بحزم:  بس راجل.. ايه يضمنلي انه ما استغلش الوضع وحاول انه….. 


لم يكمل جملته، وعاصم يوميء له باستيعاب وتفهم: 


خلاص يا ظافر.. هنشوف الكاميرات عشان تهدى وترتاح.. مش هقدر الومك في خوفك..


……… ..



+




عيناه ترصد كل حركة تصدر منها وهي تتحدث برصانة مع الرجل الذي بدا مهذبا وهو يناقشها مرتشفا رشفة من فنجان قهوته بين حين وأخر.. لوهلة خانه شوقه وهو يشرد بجمال وجهها وقلبه يسبح لله..نظرتها تنضح ثقة وعسل مقلتها يتألق كما يعهدها..حاجباها الرفيعة، أنفها الصغير، شفتيها الملساء..وفجأة وجدها تقف خلف مكتبها تتأهب لوداع العميل وهي تبتسم ابتسامتها الجذابة الرصينة.. ثم خطت خطوات قليلة حول المكتب.. لتبدأ تترنح وهي تضع يدها على رأسها وعيناها تُسبل.. وبرد فعل سريع تلقفها الرجل من خصرها قبل أن تسقط أرضًا ووضعها فوق الأريكة وهرول للخارج يستنجد بالسكرتيرة.. 



+




التفت عاصم لظافر فوجد عيناه تحولت لجمرة متقدة فصاح يهدئه:  الموضوع مافيهوش أي سوء نية.. هي داخت فجأة والعميل اتعامل بعفوية ولحقها قبل ما تقع.. ماحسيتش منه بأي تصرف مشين أو غير لائق..مانقدرش نقول الراجل غلطان.. 



+





        


          



                


صمت يراقبه بتوجس قبل أن يهتف الأخير بغموض: الغلط من عندي وعارف ازاي هصلحه.. 


_____________



+




ربط لها حزام الأمان وهي تجاوره في مقعد الطائرة ثم لثم كفها ودسه بفراغ ذراعه وهو يقول:  زعلانة اننا قطعنا شهر العسل؟



+




_ بالعكس يا زيدو.. احنا الحمد لله قضينا عشرين يوم مفيش فيهم يوم متكرر، زورنا أجمل الأماكن هناك واتبسطنا..واللي فاضل من الشهر ده هنقضيه مع خالتو وماما وبابا وكل أهلنا في المنصورة عشان هما كمان يشبعوا مننا قبل ما ننزل ونستقر في القاهرة.. 


ابتسم لها:  يسلملي العاقل.. 


تدللت وهي تميل عليه:  بس اوعي تاخد على كده


_ لا عارف ان في هفوات جنان كده ومأقلم نفسي. 


قرصت وجنته الحليقة:  حبيبي الشطور.. 



+




طل رأس جوري من فراغ مابين المقعدين خلفهما وهي تصيح:  نبطل سهوكة بقي واحنا في الطيارة.. أحسن تنسوا نفسكم ولا حاجة.. 


دفعتها عطر في أنفها:  خليكي في حالك يا زئردة.. كل واحد يخليه في جوزه يا اسماعيل بيه.. 



+




ضحك يزيد وعامر قائلا:  ماتبقاش جوجو مراتي لو سكتت من غير ما تنكش حد حتى نفسها.. 


رمقته بسخط:  بقى كده؟ بتتفق معاها عليا؟


أمسك أنفها بمشاكسة:  لا يا روحي مقدرش ده انتي كبدي وطحالي  وكلاويا.. 



+




حكت أنفها بضيق:  أوعى كده ماتكلمنيش.. 


_ خلاص حقك عليا بهزر.. 


صاح يزيد من أمامها:  ماتزعليش يا جوجو بيهزروا معاكي..


_ طب هترجعوا امتى من المنصورة يا آبيه. 


_ أخر الشهر بإذن الله.. 


قالت بحنان:  ماشي.. ربنا يسعدكم.. ماما طايرة من الفرحة انكم راجعين عندها.. 


عطر:  محنا وعدناها من قبل الفرح..



+




لاحظ عامر مسحة الحزن بصوتها ونظرتها ويعلم أنها كانت تود منه العودة معهم  لكنه تجاهل عمدا.. يجب أن يحد من تعلقها الزائد بأهلها وتعتاده هو أكثر..لم تعد صغيرتهم.. أصبحت تنتمي له هو.. غير أن باقي عائلته لم يباركوا لهما في منزلهما..فرصة لتختلط بهم وتتهيأ لحياتهما سويًا..



+




تمت الرحلة علي خير وهبطت الطائرة في مطار القاهرة الدولي.. واصطحب كل رجل عروسه وتماسكت جوري عن البكاء وأخيها وعطر يغادران، بينما عادت هي وعامر لمنزل الزوجية.. 


___________



+




بعد أيام! 



+




تذوقت بعضا من سائل الحساء ثم قالت مستحسنة لمذاقه:  الله يا بنت يا جوجو.. الطعم يجنن وعموري هينبهر بأكلي اما يجي..اروح بقي اكلم البت عطر.. 


…….. 


_ السلام عليكم، ازيك يا زئردة.. 


_ وعليكم السلام.. اهلا يا اختي..طبعا مزقططة هناك وسايباني لوحدي هنا..


_يا بنتي ما هو جوزك قال قرايبه لسه هيزوره اما يرجع وكمان عشان شغله.. انما يزيد من الاول مقرر نقضي اخر أيام شهر العسل مع خالتو زي ما وعدها.. كنتي ممكن تفضلي في تركيا تكملي شهر العسل بتاعك.. 


_ لا ياعطر ما كنتش هتبسط من غيرك انتي ويزيد..يلا تتعوض بقى.. ماهو لازم اتعود اني بقيت لوحدي.. 


قالت بحنان:  لوحدك ليه بس يا حبيبتي ربنا يخليلك جوزك.. انتي مش مبسوطة مع عامر ولا ايه؟


_ بالعكس والله ده طلع حنين اوي فوق توقعي ومراعي مزاجي المتقلب بعد ما رجعنا.. 


_ هو لحق مزاجك يتقلب؟ شكلك ناوية تنكدي علي الراجل بدري.. 


_ يابنتي مش كده بس في تركيا انتي واخويا كنتم معايا فاحساس الغربة كان تقريبا مش موجود.. انما لما رجعت بيتي وفجأة لقيتني زوجة مسؤلة وبتستقبل ضيوف كتير في بيتها..واغلبهم ماتعرفش عنهم حاجة ارتبكت او يمكن اتخضيت.. المهم حسيت اني لوحدي..



+





        


          



                


صمتت لحظات تتفهم مشاعر رفيقتها ثم قالت بحنان مع لمحة عقل:  اسمعي يا جوجو..احنا خلاص ياحبيبتي في مرحلة مختلفة بمسؤلياتها وقوانينها.. بقي ليكي راجل مسؤل منك ومسؤلة منه، ليكي عالم تاني لازم تتأقلمي معاه خصوصا ان جوزك بيحبك وبيراعيكي وعمل كل اللي قدر عليه عشان يطولك.. يبقي في المقابل ماينفعش يحس منك انك زهقانة ولا حاسة معاه بالغربة..كده هتتسببي في حزنه لأنه هيفتكرك مش بتحبيه أو ندمانة مثلا.. 



+




_ معقولة؟! بس انا بحبه.. أنا بموت فيه ياعطر ومقدرش استغني عنه والله.. 



+




قالتها ثم ومض بذهنها حديثه العاتبة ليلة أمس ( انتي خلاص مش مبسوطة معايا يا جوري؟ فين هزارك ودلعك؟ من وقت ما رجعنا وكأنك واحدة تانية ، تايهة ومخضوضة.. إنتي عايزة تروحي لأهلك؟) 



+




اغرورقت عيناها وهتفت كأنها تحاكيه هو: لأ مش عايزة اروح لأهلي..( جففت دمعتها وعادت تهتف) عندك حق ياعطر انا فعلا زودتها.. عامر لمحلي باللي قولتيه ده امبارح.. حتى عشان اراضيه واحسسه اني مبسوطة قولتله اني هطبخله بإيدي انهاردة.. ثم صرخت بغتة:  يانهار ابيض.. الأكل شكله اتحرق.. 



+




وقذفت الهاتف وهي تهرول لتتأكد من فساد ما قامت بطهوه لأجله.. عادت تحدثها بنحيب:  ياخسارة تعبك يا لوزة.. الطاجن اتحرق في الفرن وبقي فحمة والرز شاط.. حتى الخضار اتلسع مني.. شوفتي خيبة بنت خالتك ياعطر؟


_ حبيبتي ده العادي بتاعك.. طول عمرك مسطولة. 


_ بطلي طولة لسان وقوليلي اعمل ايه؟ جوزي علي وصول وجاي متحمس يدوق أكلي وانا نفخت نفسي وقولتله هتاكل صوابعك من حلاوة طبيخي.. 



+




راحت تفكر بهمهمة عالية ثم صاحت: 


عندي فكرة هتخلصك من الموقف وتقلبه لصالحك.. 


_ قوليها بسرعة


_ مرة شوفت بوست كوميدي علي النت لموقف مشابه.. انتي ممكن تتصرفي زي الست اللي شوفت تعليقها.. هتقفلي معايا وتتصلي بجوزك تكلميه، وافضلي اتسهوكي وادلعي معاه.. بحبك ياعموري ووحشتني والكلام الفاضي ده.. وهوبا في نص الكلام قوليله يانهاري.. الأكل شاط ياعمري وانا بكلمك عشان سرحت معاك ونسيته علي النار.. اعمل ايه مقدرتش اصبر لما تيجي لأنك وحشتني يا حبي.. طبعا جوزك هينشكح علي الأخر ويحس انه "ميل جيبسون" في نفسه كده وهيقولك..(  وقلدته عطر ) ولا يهمك يا عمري فداكي ياجوجو.. هجيب معايا وجبتين من المطعم.. 



+




انطلقت جوري تقهقه:  يخربيت دماغك السو.. ده انتي طلعتي جبارة ومية من تحت تبن.. عيني عليك يا اخويا هيروح فيكي فين ياقردة.. 





_ أحترمي نفسك، ده بدال ما تشكريني ياهبلة؟


_ لا بصراحة تستحقي ارفعلك القبعة أقسم بالله. 


_ لا ماترفعيش قبعات وروحي بقي كلمي جوزك قبل ما يطب عليكي ويبقي شكلك وحش.. عشان يدوب أنا ويزيد هنقابل زمزم وعابد وماما وخالتو في النادي



+




صرخت عليها:  أنتي بتغيظيني يابت انتي؟ متجمعين من غيري وبتقوليها في وشي..؟!


ضحكت عليها:  والله ابدا انتي اللي ضميرك مش نضيف، وقولنا هتتعوض ماتوجعيش دماغنا.. يلا هسيبك واكلمك بالليل تحكيلي بالتفصيل رد فعل المحروس ابو الشباب جوزك.. 


_ ابو الشباب غصب عنك، المهم ماتنسيش تسلمي علي الكل وبوسيلي هوندا.. وياريت لو كلمتيني فيديو وانتم هناك.. 


_ يابنتي فيديو ايه روحي اجهزي لجوزك اللي طول النهار برة وعوضيه نكد امبارح يا عبيطة وفرفشيه كده.. 


_ حاضر يا أبلة عطر.. 


_______________



+





        


          



                


دست قطعة لحم في فمه وهي تقول:  يعني ماقولتش مراتي خايبة وحرقت الأكل.. 


التقط يدها التي اطعمته بها ولثمها قائلا بمحبة: 


طبعا لأ، مراتي احسن واحدة في الدنيا. 


ابتسمت وهي تقترب وتقبل خده:  ربنا يخليك ليا ياحبيبي.. بس برضوا المرة الجاية هبهرك بأكلي .


_ متأكد من كده


لاك بعض الطعام ثم قال: تحبي نخرج نسهر في فين؟


رمقته بتقدير وهي تعلم كم يود إسعادها.. رغم الإرهاق الذي يبدو عليه بعد يوم عمل كامل لا يهمل في راحتها.. فتحت فمها تستقبل من يده شيء من الطعام وهو يقول: شكلك بتفكري في المكان اللي عايزة تسهري فيه، عموما انا مستعد ..


_ فعلا في مكان حلو اوي نفسي انا وانت نسهر فيه لوحدنا


_ فين ده؟


أشارت بعيناها لوجهة ما:  هناك.. 


نظر للشرفة القريبة متعجبا:  هناك فين؟ في البلكونة؟


_ بالظبط كده.. احنا ولا مرة قعدنا وسهرنا فيها رغم اني ظبطتها بالورود والذرع عشان تكون قعدتنا المفضلة ساعة المغربية، حاجة كده من ريحة بتنا في المنصورة.. 



+




صمت برهة يستوعب انها بالفعل تستأثر المكوث بالمنزل على التنزه خارجه.. هل لاحظت إجهاده وتريد إعفاءه من نزهة إضافية؟ رمقها بحب ثم جذبها لتجلس فوق قدميه وقبلها بحنان مغمغما:  بجد مش عايزة تخرجي يا جوجو؟ كنت فاكرك زهقانة.. 



+




أحاطت عنقه:  لا طبعا بالعكس.. حابة انا وانت نشرب الشاي سوا مع قالب الكيك الجميل اللي انت جبته.. زي ما بابا وماما بيعملوا.. كان لازم ليهم وقت خاص بيهم، وانا كنت دايما اغلس عليهم واقعد معاهم واجنن ماما وادلع بابا..



+




داعب أنفها:  من هنا ورايح هتجنني حبيبك وبس


_ ومش هترجع تشتكي وتقولي اعقلي؟ 


تبسم وهو يتحسس نعومة وجنتها:  لأ.. اعملي اللي انتي عايزاه بس اوعي احس انك زعلانة او مفتقدة حد أو…… 


وضعت أناملها فوق شفتيه، فأطبقها وهو يتشرب وجهها القريب وهي تهمس:  أنا أسفة ياعامر.. عارفة انك زعلت مني امبارح وافتكرتني مش مبسوطة معاك..بس والله انت أغلى إنسان علي قلبي ومقدرش ابعد عنك، كل الحكاية اني لسه بتعود على فراق اهلي واني بقى ليا بيت بعيد عنهم.. بقيت مسؤلة عن راحة زوج وسعادته..بقيت مسؤلة اشرفك قصاد أهلك وضيوفك وانا بفكر ف كل كلمة بقولها قصادهم..ارتبكت من وضعي الجديد بس بعترف اني زودتها شوية..


واستطردت وهي توجه العتاب لذاتها أمامه: ومش هسامح نفسي ابدا اني وصلتلك إحساس اني مش مبسوطة معاك وخليتك تقول… 



+




ابتلع بقية الكلمات بين شفتيه بقبلة خاطفة ثم همس لها:  أنا متفهم كويس اللي حسيتي به وعارف انك بتحبيني..كل الحكاية إني حبيت اطمنك انك. مابعدتيش عن أهلك وأي وقت هتحتاجي تشوفيهم هوديكي لحد عندهم.. 


مالت برأسها على صدره محيطة خصره بذراعيها: 


ربنا يخليك ليا ياعامر.. 



+




اكتفى بضمها إليه أكثر وساد بينهما بعض الصمت قبل أن ينهض بها حاملا إياها بين ذراعيه قائلا:  هو انتي كام كيلو.. 


_ ستة وخمسين كيلو 


_ لا عايزين عليهم عشرة كمان


شهقت وقد ولج بها الغرفة: لا ده كتير اوي ياعموري. 


وضعها فوق الفراش برفق:مش كتير،  نسيتي اني طلبت منك تتخني شوية.. 



+





        


          



                


تنهدت وهي تتخدر لقربه:  يعني مصمم


_ أيوة


_ وافرض تخنت كتير وبقي جسمي وحش


_ مش هفرض..مهما حصل هتفضلي في عيني جميلة



+




غذى أنوثتها بإطراءه ورسخ  فيها أنها ستظل فتاته الجميلة مهما تغيرت، ومع لمساته اشتعلت عاطفتها لتغيب معه في لحظات لعالم تتلاحم فيه الروح و الجسد..


__________



+




في الشرفة



+




_ تعرفي ديكور الشرفة دي يشبهك يا جوجو


قالت وهي تصب له قدح الشاي الساخن:  بجد؟ ازاي؟


_ مبهجة ومريحة وتدخل القلب زيك.. عجباني اوي.. 


تفاقمت سعادتها بعد حديثه عنها: ياسيدي على الكلام الحلو، الحمد لله ياحبيبي انك حبيت ذوقي.. عطر كمان عاملة في شقتها شغل رائع، خليت البيت بتاع اخويا حتة من الجنة.. 


لثمها سريعا مع غمزة عين:  أنا بقي معايا الجنة كلها.. 


ضحكت وأغدقت عليه بالدلال: حبيب قلبي ياناس.. لسانك بينقط عسل وربنا.. 


ضحك معها وارتشف بعض مشروبه وقال:  صحيح في حاجة نفسي اسألك عنها وكل مرة انسى


_ ايه هي ياحبيبي؟


قضم قطعة كيك وابتلعها ثم واصل:  انتي ليه أجرتي فستان فرحنا؟ مش انا قولتلك اشتريه؟


_ أولا لأن حبيت اوفرلك شوية من تمنه لأني عارفة انك صرفت كتير عشان تنفذلي كل احلامي في شقتي.. وثانيا لأنه غالي جدا ومش هستفيد منه غير ليلة واحدة في عمري كله، غير لما اصرف في ديكور لبيتي ولا ستاير فخمة ولا تحف قيمة كل ده تمنه هيفضل فيه.. انما الفستان هيتركن في دولابي..فقلت اجيبه إيجار ويكون أول لبسه من نصيبي يعني كأنه جديد بالظبط.. وبدال ما أدفع تلاتين ألف جنية.. دفعت خمسة بس.. ايه رأيك بقي؟.. 



+




وجدته ينظر لها بإعجاب شديد وعانقها مع قوله:  كل يوم بكتشف فيكي حاجة تخليني احبك أكتر..ومعرفش امتي هتخليني ابطل انبهر بيكي يا جوري.. 



+




اكتفت بوضع قبله فوق نابضه ثم عانقته والابتسامة تعلو محياها..فهتف وهو يعبث بشعرها: وعشان اكافئك هتبرع في صندوق المطعم بمبلغ على أسمك عشا ثوابه يروح ليكي.. 



+




رفعت رأسها بحماس:  بجد؟ موافقة ياعموري.. 


بس عندي اقتراح


_ قولي ياعمري


_ الناس مش كل مشاكلها أكل ولا وجبة تتقدملها مجاني.. في مشاكل أكبر، يعني ممكن بنت تكون ناقصها تلاجة ولا بوتاجاز ولا شاب عايز يعمل نقاشة ولا اي حاجة في شقته وممكن جوازة كاملة تقف على أمور زي دي..ليه ما نعملش كشف ببنات وشباب محتاجين مساعدة بحاجات رمزية عشان نغطي أكبر عدد منهم.. 



+




نظر لها وعلا ملامحه الدهشة.. كيف لم يفكر بشيء گ هذا هو وظافر..فصاح وهو يصفق لها: شابوه اقسم بالله انتي ملاك بجد ودماغك زي الفل.. وانا هطبق كلامك ده وثواب الفكرة ليكي معانا، أحنا أصلا بيدخلنا تبرعات معقولة من الزباين المرتاحين ماديا.. 



+




هللت قائلة:  بجد هتاخد بفكرتي؟


_ ليه لأ.. الفلوس دي مش تخصنا لوحدنا.. وبعيدة عن ميزانية الكافية والمطعم.. دي زي ما قلت مساهمات من الزباين ومننا طبعا.. 


_ يبقي سيب عليا انا تجهيز الكشف وكل أسم هكتبلك جنبه ناقصه ايه


_ وهتعرفي تعملي الحصر ده ازاي؟


_ والله ياعامر كأن ربنا بيشجعنا عشان نكون وسيلة لرزق لغيرنا.. عارف جه علي بالي مين دلوقت عشان يساعدني؟ مش هتصدق! 


_شوقتيني يابنتي مين؟؟


_ حنين. 


_ مين حنين؟


_ عارف بسمة خطيبة ياسين ابن خالتي؟ 


_ أه افتكرتها منا حضرت كتب كتابها هي واختها.. 


_ بالظبط.. زي ما انت عارف يعني انهم من منطقة شعبية في المنصورة، وفكرت في حنين لأن بسمة هتنتقل وتعيش في القاهرة انما اختها هتفضل هناك.. وهي تقدر تعرف من اللي حواليها مين محتاج مساعدة.. ده بخصوص بلدنا.. في القاهرة أمونة ممكن تساعدني..ايه رأيك.. 


_ طبعا موافق مادام التبرعات هتروح للي يستحق


_ على خيرة الله، تعالي بقي نتصل بماما واخواتي فيديو ونحقد عليهم شوية.. أصلهم متجمعين في النادي.. 


_ طب وانا هحقد معاكي؟ 


_ لا انت هتتفرج بس يا روحي.. 


________________



+





        


          



                


يلتف الجميع حول طاولة يعلوها بعض المشروبات وفدوى وكريمة وعبير  يتثامرون بأحاديث متنوعة بينما عابد ويزيد يلاعبان مهند كرة القدم وعين زمزم وعطر ترصدهما بسعادة، الأولي ممتنة وفخورة بزوجها وابن العم لاهتمامهما بالصغير، أما عطر تتأمل يزيد بحب وحنين الأمومة بدأ يداعبها وهي تتخيله يلهو مع طفلهما هكذا..



+




_ عقبالك يا حبيبتي


_ تسلمي يا زمزم، وربنا يقومك بالسلامة، شكلك قربتي


_ فعلا، ادعيلي احسن تعبانة أغلب الوقت ومبقيتش بنام من كتر التقل اللي انا فيه.. 


_ معلش هانت وتولدي علي خير


_ يارب، انبسطتي في تركيا انتي وجوجو؟


_ جداااا، بس جوري هبلت عامر.. عمري ما شوفت عروسة هي اللي بتعمل مقالب في جوزها.. 


ضحكت عبير ملتقطة طرف الحديث: العروسة الفرفوشة رزق


_ أه والله ياطنط، بس ضيفي انها عروسة هبلة كمان


كريمة بتحذير مازح: وبعدين يا قردة..جوجو دي ست البنات كلهم.. 


عطر:  بس برضو هبلة ياخالتو


ضحكت فدوي:  والله لو كانت هنا كانت بهدلتك


عبير وهي تغمزها:  بس احنا احلوينا أوي بعد الجواز ياعطر.. 


ضحكت لها:  دي عيونك الحلوة يا طنط..


كريمة:  كان نفسي جوري تيجي هي كمان بجوزها


_ معلش ياخالتو تتعوض..جالها ضيوف كتير يباركوا.. بعد كده هنظبطها وهنكون كلنا معاكم.. 


فدوى رابتة على ظهرها:  ربنا مايحرمنا منكم ياحبيبتي وتملوا الدنيا علينا ولاد.. 


أمن الجميع على دعائها.. ثم صاحت عطر: 


_ ياريتنا افتكرنا عشرين جنية.. أهي زئردة هانم بتتصل فيديو


كريمة بلهفة:  هاتي اكلمها انا الأول.. 


_ اجمدي ياخالتو وسيبيني اخنقها شوية.. 



+




لم تمهلها وهي تجذب منها الهاتف وتحدث ابنتها وزوجها، لينضم الجميع بمحادثة جماعية لم تخلو من مرح جوري وعطر وعابد.. وملاطفة يزيد وكريمة والبقية..اكتملت سهرتهم واستأذن عابد بالعودة لجناحه بعد أن لاحظ تعب زمزم وشعر بالقلق عليها..


وتمسكت عبير بمهند ومبيته معها هي وزوجها.. 


__________



+




حاولت إثناءه عما يفعل وفشلت وهي تراه يجثو أمام قدميها المتورمة يطالعها بأسف واضعا عليها كمادات دافئة كما أوصى الطبيب، فقالت بخجل تستكثر فعلته: ياعابد قولتلك مفيش داعي كده هتضايقني أكتر ومايصحش.



+




_ انتي مش شايفة نفسك تعبانة ازاي؟ 


قالت والكمادات بدأت تخدرها براحة تسربت إليها:  أه والله ياعابد تعبانة اوي..عايزة اولد واخلص وفي نفس الوقت خايفة من الولادة القيصري.. 


هتف بحنان: متخافيش يا زمزم انتي بيتابعك افضل دكتور في المنصورة..هو مضطر يولدك قيصري عشان وضع الجنين مايسمحش بولادة طبيعية.. 


_ عارفة بس برضو خايفة


نهض جوارها وضم رأسها لصدره وقبلها:  متخافيش.. ربنا معاكي وأنا مش هسيبك لحظة.. 



+




تشبثت بخصره أكثر وساد بعض الصمت قطعته بهمهمة خافتة:  لو حصلي حاجة وأنا بولد خد بالك من ولادي وبالذات مهند.. 



+




ابتعد عنها منتفضا بغضب هادرا:  أنا غلطان اني قاعد معاكي عشان اسمع تخريفك ده.. 



+




وتركها متجاهلا نداءها الواهن عليه


لم تشأ أبدا إغضابه أو تقصد إثارة خوفه


ولا تعرف سبب تلك الهواجس التي تطوف برأسها منذ أيام.. وخيالها يجسد لها شبح الموت طيلة الوقت.. 


لو حدث وجاء أجلها من سيعتني بمهند والصغار؟


وهل سيظل مهند محتفظا بمكانته أم فطرة أبوته لتؤأمه ستغلبه؟ تساؤلات تراودها دون سيطرة.. 


تنهدت وراحت تذكر الله في نفسها ليهديء روع روحها ويشرح صدرها ويزيل تلك الأفكار السوداء من عقلها، ومكثت تنتظر صعوده إليها لتراضيه.. 


_______________



+





        


          



                


لمحه يسير في الحديقة وملامحه لا تبشر بالخير، فدلف لغرفته وهو يقول:  أنا هنزل شوية اكلم عابد واطلع ياعطر


_ ماشي ياحبيبي وانا هكلم ماما اطمن عليها لحد ما تطلع


……… .



+




_ عابد. 


استدار له ملبيا:  أهلا يا كبير..سايب عروستك ليه


_ لمحتك من فوق وقلت انزل اكلمك شوية واطلع.. عامل ايه؟


_ الحمد لله


رصد شحوب وجهه وبين قسماته ينضح الحزن. 


_ شكلك مش عاجبني. مالك؟ 


_ مفيش.. 


نكز كتفه:  اخلص وقول مالك


تنهد مع قوله:  خايف علي زمزم يا يزيد.. بقت تعبانة اوي ورجليها بتورم وبتخض عليها.. وبعدين بقت تخرف في الكلام لدرجة نزلت وسبتها عشان امسك نفسي من الغضب



+




ربت علي كتفه:  طب اهدى وصلي على النبي ومتخافش


_ عليه الصلاة والسلام


_ هي قالت ايه زعلك


_ لو جرالي حاجة خد بالك من ابني والكلام الماسخ اللي انت عارفه ده.. 


_ بعد الشر عليها.. ماتزعلش منها واعذرها،  احنا كده أي شوية تعب نحس بيهم، تلبسنا روح الكآبة.. أكيد مش قصدها تزعلك. 


_ أنا مش زعلان أنا خوفت عليها وكلامها وجعني واحتارت اخدها في حضني ولا اسيبها.. غلبني الغضب ونزلت وسبتها



+




_ غلطان، المفروض كنت تطمنها وتاخدها في حضنك وتقولها متخافيش.. 


_ ومين يطمني أنا يا يزيد..أنت ماتعرفش ازاي مرعوب عليها..زمزم كل حياتي ومقدرش اتخيل يحصلها حاجة. 



+




أشفق عليه من خوفه الزائد، فعانقه وهو يربت بقوة علي ظهره ثم مازحه:  انشف ياض شوية مالك..هي اول ست بتولد؟ دي أوهام شيطان مالهاش أساس.. مراتك هتقوم بالسلامة وهتفرح بابنك أن شاء الله.. 



+




ثم ابتعد عنه مواصلا مزاحه:  وبعدين مين اللي هيجي عشان يقرف عمو "اللي هو أنا" في عشته؟ مش ابنك؟؟؟


ضحك عابد رغما عنه وهو يجاريه: أمال فاكر هجيبلكم واد كيوت ولطيف ونايتي؟ 


_ أكيد لا طبعا..مايبقاش ابنك.. يلا اطلع لمراتك راضيها هتلاقيها زعلانة انك سبتها ونزلت..


_ ماشي يا كبير



+




ثم مال عليه بغتة:  طب طمني أخبار الجواز معاك ايه..مظبط الدنيا ورافع راسنا ولا عايز النصايح اياها من اخوك اللي سبقك..



+




هرول بعيد وهو يضحك متفادى لكمات يزيد الذي هم بالتقاط "خُفه" من قدمه مغمغما بسخط:


واد قليل الأدب ومش محترم..


…… ..



+




عبر لغرفته حيث تركها..


وجدها تنظر أمامها بشرود حزين.. فالتاع قلبه عليها


واقترب ودسها بقوة بين ذراعيه، فبكت كأنها كانت تنتظر صدره لتزرف دموعها عليه، فهمس وهو يربت عليها بحنان:  خلاص ماتزعليش، بس كلامك ضايقني يا زمزم.. 


قالت من بين نحيبها:  ماكنتش اقصد. 


_ عارف.. 


ومازحها: وبعدين النكد ده في دمكم يابنتي معذورة. 


ضحكت وهي تدفع صدره بيدها:  الله يسامحك


_ هيسامحني ويدخلني الجنة كمان إن شاء الله



+




طالعته بحب وتقدير:  مافيش سجدة غير وبدعيلك بالجنة والخير في الدنيا..


شاكسها:  المهم وانتي بتدعي ركزي على الحور العين.. 


رفعت حاجبيها: مافيش غيري عجبك ولا مش عاجبك؟



+





        


          



                


ضحك وعاد يعانقها:  حبيبتي المجنونة.. 


ساد الصمت برهة ثم قالت:  عبودي


_ نعم


_ زعلان مني؟


_ لأ


_ عبودي


_ نعم


_ بحبك



+




ابتسم وقبل رأسها وظل معانقا إياها حتي غفت دون أن تشعر..فبصر شحوب وجهها الواضح ولثم شفتيها برفق شديد ثم حملها وأرقدها علي الفراش ودثرها جيدا.. وراح يصلي ركعتين قيام لله ويدعو لها بالنجاة وبقدوم طفله على خير..


________



+




يلا تعالى ياعبده انت وحنة عملتلكم سندوتشات طعمية وبتنحان مقلي متحبش بالدقة مع حبة شاي..ثم صاحت تنادي شقيقها: ياسو.. يلا حبيبي عشان تفطر معانا.. 



+




غسل عبد الرحمن يديه من أثار الطلاء وجلس قائلا: بس ايه رأيكم يابنات، بذمتكم مش تبان كأنها شغل نقاش محترف..


بسمة:  ما شاء الله.. فعلا طلعت ممتازة وتجنن.. 


حنين بمرح:  بس اوعو تنكروا اختياري وذوقي في الألوان اللي نورت الشقة أكتر..؟


غازلها زوجها:  الشقة هتنور بيك أنت ياجميل.. 


ضحكت بلمحة خجل، بينما شاغبتهم بسمة: طب راعوا اني قاعدة وسطيكم ياعم عبده.. وواصلت بدعاء:  ربنا يسعدكم يارب.. عبده.. للمرة المليون بوصيك على اختي، حطها في عيونك..أوعي يوم تيجي عليها.. 



+




طبطبت حنين علي ذراعها بتقدير وحب، بينما قال الأخر:  


عيب يا بسمة، انتي ماتعرفيش غلاوتها عندي؟


_ عارفة والله وبوصيها هي كمان عليك ربنا عالم.. 


ثم عاد إليها حماسها:  المهم كده خلاص النقاشة خلصت، ومن بكره هنبتدي نرص حاجة المطبخ ونظبط الدنيا..ونستلم الستاير ونعلقها و ..


_ لا استني بس اما الشقة تتهوى شوية عشان الحيط ينشف وريحة الدهان تروح..وأكون استلمت خشب المطبخ وغرفة النوم، بإذن الله الاسبوع اللي بعد الجاي ابدؤا..  واختي سلوي وماما هيساعدوكم في كل حاجة.. 


_ مفيش مشكلة، خلاص يبقي انا هكمل بقيت لوزم حنين الناقصة عشان وقت الفرش يبقي كله تمام.. 


ياسين:  هي اختي حنين خلاص مش هتفضل معانا؟



+




تسمر بصر الجميع فور تساؤل الصغير، واغرورقت عين حنين وضمته لها بينما حجمت بسمة حزنها الدفين..أيام معدودة وتفترق عن شقيقتها وتؤامها.. ستنتمي لرجل أخر وحياة أخري.. ستتولد بينهما حواجز كثيرة.. ربما مهما ازدادت صعوبة ان تشكوا لها گ السابق.. برق بعقلها كلمات زوجها ياسين وقوله( تبقي غلطانة لو فاكرة ان حنين هتفضل زي ما هي وتلجألك في مشاكلها.. هتتكسف منك وتداري على جوزها وعثراته المادية عشان تستره زي اي بنت أصول) كلماته "قوت" عزمها على تنفيذ نصيحته..



+




_ جري ايه ياجماعة قلبتوها غم ليه كده.. وبعدين يا ياسين مين قال اختك هتبعد؟ لا ياحبيبي هنتقابل دايما وانت هتقعد معانا كمان و… 


_ لا طبعا.. 



+




قاطعته بسمة مستطردة:  اخويا هايعيش معايا ياعبد الرحمن.. منين ما أكون هيكون في حضني.. 


جادلها:  وليه مايكونش معانا؟ ولا فاكرة اني… .


قاطعته ثانيا: قبل ماتكمل أنا عارفة معدنك وان لو اخويا عاش معاك هتشيله على راسك.. بس انا اختهم الكبيرة.. وبعتبر نفسي مكان ماما وبابا.. واللي كان هيحصل في وجودهم هيحصل عن طريقي.. 



+




لم يستطع إلا منحها نظرة تقدير:  


بصي انا مش هجادلك لأن ده حقك.. كل اللي عايزك تعرفيه ان بيتي ده بيتك انتي وياسين.. بيت اخوكي يابسمة..أوعي تنسي ده ابدا.. 


رمقته حنين بفخر وإعجاب بينما ابتسمت شقيقتها وقالت: مش غريبة عليك الرجولة يا جوز اختي.. ربنا يبارك فيك. 



+




اهتز هاتفها فغمزتها حنين:  حبيب القلب عايز يصبح عليكي يابسوم.. 


رمقتها بسخط:  أحترمي نفسك يابت انتي..


صاح عبد الرحمن وهي تبتعد:  سلميلنا عليه يابسمة


_ماشي يوصل..


_ طب خدي الشاي معاكي احسن هيبرد.. 


_ هاتي ياحنة.. 


……....



+




همست برقة وخفوت:  صباح الخير يا ياسين.. 


_ صباح الحنية كلها، وحشتيني ياسمسمة


ابتسمت بدلال:  ماترسى على أسم دلع.. أنا بسمتك ولا سمسمة؟


_ انتي قلبي من جوة


_ يسلملي قلبك يارب


_ تسلمي..ايه الأخبار خلصتوا النقاشة؟


_ اه خلاص، عبده كان في أخر جزء من الصالة. فاضل بس وش الباب من برة والحيط اللي حواليه..وشكله نسيهم بس انا هفكره.. 


_ على خيرة الله، ربنا يتمملهم بخير.. ويقربنا انا وانتي.. قد ما فرحان لأختك.. مبسوط اننا هنتجوز بعدها بأسبوع..يعني هتكوني في حضني وهفتح عيوني عليكي.. 



+




تسربت إليها حمرة الخجل واشتعلت وجنتيها، فواصل ببعض الجدية:  نسيت أسألك عن حاجة مهمة.. 


_ ايه هي؟


_ هو كده شقة اختك هتكون كاملة؟ كل الغرف مفروشة يعني ولا ناقص حاجة؟


_ هو عبده متفق علي غرفة نوم وهيجيبها الأسبوع الجاي، والسراير والدولاب اللي انت كنت جايبهم هنفرش بيهم غرفة الاطفال.. والمطبخ كامل الحمد لله.. مش ناقص غير ركنة او أنترية صغير في الصالة.. بس جوزها قال هيجيبه بعدين لأن في لوزام أهم لسه محتاجها.. 


_ فهمت..طيب انتوا هتبدؤا فرش الشقة امتي؟


بعد أسبوعين يكون ريحة الدهان خفت والحيط نشف، والنجار يسلمنا غرفة النوم وخشب المطبخ.. 


_ تمام.. أنا بقي عايز منك خدمة


_ تحت أمرك.. 


_ خدي حنين واتفرجوا علي انتريهات أو ركنة زي مابتحب.. واعرفيلي منها أختارت ايه.. 


عقدت حاجبيها بتساؤل:  ليه؟


_ اعملي اللي بقوله يابسمة.. واخر الاسبوع هاخدك ونخرج وهبقي افهمك.. 


_ خلاص ماشي حاضر.. 


_ هاتي بقي عبده وياسين واختك اسلم عليهم.. 


_ ماشي لحظة



+




خرجت إليهم ليتبادل مع الجميع حديث قصير، وظلت هي تفكر في طلبه..وأدركت قصده لكن خاطر ما أستوقف عقلها أكثر.. 


هل سيوافق عبد الرحمن؟؟؟


_______________



+




أسبوع كامل وهو يهجرها.. 


لا يحاكيها بحرف منذ ما حدث..


يغيب كل يوم ولا يعود إلا وهي غافية


والأقسى من كل هذا نومه على الأريكة بعيدا عنها


لا تشم عبقه القريب وهو يضمها إليه.. 


وكم إشتاقت عناقه وتشعر بالاختناق.. 


من أين أتته تلك القسوة والقوة ليهجرها هكذا


وكيف تتحمل وإلى متى؟



+




نظرت لساعة الحائط


الوقت مازال مبكرا لعودته


أرخت ظهرها وغاصت رأسها فوق الوسادة 


والحنين يأكلها.. 



+




تفاجأت به يلج إليها فاعتدلت سريعا على أمل ان تفتح معه حوار يلطف الأجواء بينهما فقالت: 


_ظافر أنا… 



+




_ حضري شنطتك عشان والدك مستنيكي تحت! 



+




ثم طالعها بقوة وعيناه قاتمة جامدة وهو يواصل: 



+




هترجعي معاه الليلة..!


__________



                                    


حصنك الغائب ٢ الفصل الستون


بقلم دفنا عمر


----------------



+




الركض إليكِ گ طفل افترق عن كف والدته


ليس عيبًا..


البكاء على صدرك  بأنين مسموع وأنا رجل رشيد


ليس ضعفًا..


أتيتك حبيبتي فهيا أسكبي على صدري لآليء شموسك حتى لو متُ حرقًا..


فمهما اهتز شراع قاربنا بعاصفة ابتعادك


سأظل قريبا ولكِ حصنًا..


______



+




لم يروقها قط ما حدث فضلا عن أنها تفاجأت به، توقعت خصام عدة أيام بينهما ثم تهدأ عاصفة الغضب، لكن مغادرة المسكينة بهذا الشكل أغضبها..ولن تصمت.. ستلوم قراره القاسي هذا.. 


صعدت إليه لتخبره بعدم رضاها لينفطر قلبها إشفاقًا فور ولوجها إليه وإبصار إطراقته الحزينة وهو يجلس على فراش زوجته يتحسسه براحة يده بحنين ناضح من مقلتيه..ثم وجدته يلتقط وسادتها وينظر لها ببؤس. فدنت متألمة لحاله: 


‏_ لما انت زعلان كده لفراقها ليه يا ابني سبتها تمشي..



‏همس بخفوت وعيناه لا تحيد عن الوسادة:  عشان اعاقب نفسي ببعدها يا ماما..أنا عاهدت نفسي احميها من اي حاجة.. 


_ ‏طب وانت اذيتها في ايه ياحبيبي بس؟


‏_ أذيتها بضعفي لما وافقتها تكمل شغل..بلقيس مش بس مراتي يا أمي دي بنتي اللي لما تصمم على حاجة هتأذيها وانا شايفها غلط لازم أرفض.. وأنا وافقت وعرضتها للخطر بضعفي.. 


‏ثم. رفع بصره لوالدته:  عشان كده بعاقب نفسي بحرماني منها..وكل مرة اضعف أعرف إن دي هتكون النتيجة. 



لم تتحمل جلده القاسي هذا على نفسه، اقتربت تضم رأسه لصدرها رابتة عليه بحنان وهي تغمغم: رفقًا بنفسك يا ابني، محدش فينا معصوم من الغلط..طبيعي تاخد قرار وتكتشف انه غلط، ده مش معناه ان هي أو انت تتعاقبوا..


بالعكس كان لازم تحتويها أكتر.. انت فاكر يعني هي كمان ما خافتش علي اللي في بطنها؟ كل الحكاية انها فرحانة باللي حققته في شغلها مع ابوها.. حاولت توازن بين رغبتها وصحتها.. غلطت.. نقوم نعلق المشانق؟ طبعا لأ.. أنت اتسرعت يا ظافر.. 


ثم تنهدت مستطردة: على كل حال مادام خلاص مشيت استني يومين لحد ما تهدى وتروح تجيبها، وفرصة أمها تشبع منها شوية.. طبيعي بعد ما تعرف اللي حصل هتتجنن عليها..ولثمت رأسه قبل مغادرتها قائلة: 


‏ربنا يصلح ما بينكم يا حبيبي. 



+




تركته وظل على سكونه فوق فراشها يتحسسه.. 


كأنه يرسم تفاصيلها لتتجسد لمرآة عينه. 


بصر شيئا خلف وسادتها، مد يده والتقطه ليجده


رابطة شعرها المطاطية..تشممها بعمق مغمض العين يتخيل وجهها الحزين وهي تغادر..للعجب لم تبكي.. لم تتوسله لتبقي..ظل محياها جامدة وهي تجمع أشيائها بهدوء وصمت الموتى كأنها توقعت قراره القاسي واستعدت له.. 


لكن رغم إسدال قناعها الزجاجي البارد على وجهها الشاحب لمح غضب حدقتيها مشتعل گ غروب برتقالي يغلفه احمرار حزين يخاف ألا تشرق شمسه مرة أخرى..لم تكن عيناها تلمع كما عهدها..


ذبحته حالتها الكئيبة وهي تغادر. 


قلبه يحرضه كي يذهب ليعيدها بين ذراعيه..


‏لكن عقله يحذره من عواقب الرجوع.. 


‏إن لم يرسخ الآن قواعد حياتهما معا كما يراها


‏لن تكون تلك زوبعتهما الأخيرة.. 



+





                


عاد بظهره واستلقى على فراشها محتضنا وسادتها بقوة ودون أن يشعر غفى سابحًا بأحلامه حيث تكون هي.. 


تنتظره..


تبسط ذراعيها وتستقبله مبتسمة..


تهمس بأذنيه أنها تحبه


فيقابلها بعاصفة شوق مجنونة صاخبة


گ دقات قلبه الثائر بين جنباته..


يتوسلها ألا تهجره حتى لو كانت تحقق رغبته. 


كاذب لو قال لها ابتعدي. 


فلقلبه حديث أخر لم تسمعه بعد.. 


_____________



+




لم تُفرغ حقيبتها بعد تحدجها بشرود. 


وطيف أمل يغريها بعودته. 


ربما أتى وأخذها معه. 


حتما سيأتي..لن يتحمل فراقها


فليعاقبها وهي غافية على صدره


ألم يعدها بهذا يومًا؟


هل يخلف وعده؟ 


هي لا تنكر حماقتها وتتقبل لومه مهما قسى. 


لكن يكفي أنها تأنس بأنفاسه.. 


تشم عبقه لتطمئن أنها مازالت داخل حصنه..


اغرورقت عيناها وهي تختبر قسوته للمرة الأولي. و


تجول بصرها في أرجاء غرفتها


نهضت تقترب من خزانتها


أشرعتها والتقطت معطفه ملتسمة بمرارة


كأنها تنبأت أنها ستحتاجه هنا فأحضرته.. 


تدثرت به وضمت طرفيه كما كانت تفعل


أخذت قنينة عطره من داخل المعطف وأغرقت جسدها 


ثم أحضرت دفتره الذي تملكه هي الآن.. 


قرأت كل حرف كتبه لها وهو بعيد


هنا سطور شوقه الملتهب


يليها سطور عشقه الدافيء


شعرت بالبرد بغتة رغم أن معطفه يدثرها بقوة


لكنه لم يحميها من تلك الرجفة الغريبة


لم يقيها برد حنينها إليه


لم يرفع عنها أذى رداء الحزن وملمسه الخشن فوق روحها الناعمة.. أفقد المعطف ميزته وقدراته في نفسها؟ 


أمانه مفقود گ وجوده حولها


حبال الخوف تكبلها دون رحمة


تنطر حولها برعب حقيقي باحثة عنه


ألم يأتي؟ 



+




بدأت العبرات تنهمر بغزارة


تبكي ولا يسمعها أحد


تزيد بضم أطراف معطفه عليها


تعود وتنثر عليها عطره من جديد


تسعل وتسعل


كادت تختنق


ثم هدأت ونظرت جوارها


ها هو هناك قد جاء إليها


يمدد جسده ويلوح لها أن تقترب لتسكن بين ذراعيه


ابتسمت گ الطفلة ومسحت دموعها


ودنت تسكن صدره وارتخت يدها عن معطفه


لم تعد بحاجة إليه الآن


حبيبها هنا..


يضمها


يصنع لها جديلة بأنامله الحانية.. 


يهمس بأذنيها أنه أسف.. 


ثم يُسبل جفنيها برفق لترتخي وتنام علي صدره


بدأت أنفاسها تنتظم ونامت مشبعة بوهم وجوده.. 


لكنه لم يكن معها..! 


_____________



+




_ خايفة عليها أوي يا عاصم.. مارضيتش تخليني افضي شنطتها وطلبت مني اسيبها لوحدها.. 


_سيبيها يا دره تختلي بنفسها شوية أكيد بتستوعب موقف جوزها


_ بس ظافر كان قاسي عليها اوي..


تنهد قائلا: قسي على روحه أكتر.. لو شوفتيه وهو بيبص عليها وهي ماشية كان صعب عليكي.. ظافر بيعاقب نفسه عشان سمحلها ترجع شغلها..


_ وانا مش بقول ان بنتي مش غلطانة في عنادها.. بس برضو كان يعاتبها ويحذرها وخلاص..الدوخة دي ممكن تحصلها في أي مكان.. يعني لو حصل في بيتها كان برضو لامها بالشكل ده؟ 


هز رأسه نافيا: انتي مش فاهمة حاجة يا دره..أكيد مش المشكلة انها داخت.. الموضوع له أبعاد تانية.. لو في بيتها وده حصل عادي وهتلاقي اللي يلحقها ده غير انها هتكون في أمان.. لكن اللي جنن جوز بنتك ان ده حصل و هي مع عميل..وطبعا خوفه مع غيرته اشتغلوا في دماغه وهو بيفترض إن الراجل كان يقدر يستغل الموقف وبلقيس مش دارية بحاجة.. فهمتي.. 


بدأت تستوعب ما لمح له وهي تتمتم:  أنت قصدك إن… 



+





        



          



                


_ بالظبط زي ما فهمتي..وبعدين ساعات بيبقي جوانا طاقة غضب مكتومة لو انفجرت هتدمر كل حاجة.. ظافر بيحميها من غضبه.. وفي نفس الوقت محتاج يهدى ويخليها تفهم ان عنادها كان غلط..بلقيس لازم تتعلم تطيعه.. مش تضغط عليه بسلاح الخصام عشان يرضخ لرغبتها.. هو ده اللي بنتنا عملته معاه..الولد كره ضعفه وبيحمل نفسه ذنب إن بنتنا كانت هتفقد ابنها يا دره.. 


دبت برعب على صدرها:  ألف بعد الشر عليها وعليه.. 


_ الشر كان قريب منها فوق ماتتخلي.. 



+




صمتت برهة تتمالك أعصابها ثم عادت تجادل:  


_ بس برغم اللي قولته شايفة إن ظافر كان قاسي في رد فعله..في كاميرات يا عاصم، أكيد محدش غبي عشان يجازف ويعمل حماقة زي دي.. 


_ الشيطان كان هينصب له فخ الشهوة يا دره.. ظافر اتجنن اما العميل شالها رغم انه كان بيلحقها قبل ماتقع..صدقيني كل ده كان ممكن مايحصلش لو بلقيس ماصممتش تنزل تشتغل وهي في بداية حملها.. 


_ بس هو اللي وافق


_ بضغط من بنتك مش بمزاجه.. 


_ انت معاه ولا مع بنتنا؟


_ أنا مع الأصول والحق.. لازم تتعلم ان العناد والخصام عشان تجبره على تنفيذ رغباتها بعد كده مش حل..لازم تنضج شوية.. لازم…. 



+




قاطعه رنين الباب..ذهب يتفقد الطارق 


لتتسع حدقتاه بدهشة خبئت تدريجيا ليحل محلها ابتسامة هادئة وواثقة وقد صدق حدسه وهو يطالع من يقف أمامه هاتفا بقوة من يطالب بحقه: 



+




فين بلقيس؟



+




لتصيح دره بلهفة بعد أن رآته وقلبها يرقص سعادة: 


مراتك في أوضتها يا ظافر اطلعلها.. 


_______________



+




التهم الدرج صعودا إليها وقلبه يسبقه حيث تكون. 


عبر لغرفتها مقتحما بفعل اللهفة دون طرقًا على بابها


كأنه يرفض أن يوصد عليها شيء سوى ذراعيه هو.. 



+




تآوه مؤنبا ذاته وهو يبصر حالتها.. 


ألهذه الدرجة قسى عليها؟


كيف يتركها تبحث عنه في معطفه البارد وزخات عطره؟


عطره الذي زكم أنفه فور ولوجه إليها من غزارته في الهواء


وميض حنين وحنان لمع بمقلتيه وهو يقترب منها


أدار جسدها له وغمسها في ضلوعه هامسا: 


مقدرتش ابعد أكتر من كده.. 


ثم لثم شفتيها الشاحبة:  سامحيني.. 



+




كانت غافية لا تعي وجوده لكنها ابتسمت. 


كأنها تبصره هناك بحدود عالمها الوهمي وهي نائمة. 


لم تعلم ان وجوده معها صار واقعًا ملموس.. 


عانقها بقوة ودس وجهها في عنقه وتناثرت خيوط شعرها الطويل الكثيف حولهما..فتخللته أصابعه ثم لثمه بقبلة مفعمة بشوقه..ها قد عاد إليها.. 


لن يتركها تتلمس أمانه من معطف بارد وهو حي يُرزق


شدد ضمته عليها ثم أرتخت أجفانه رغما عنه.. 


الآن سيغفو مطمئنًا مادامت تسكن صدره..


أنفاسها الدافئة تلفحه ويسمع خافقها الحبيب جوار قلبه.. 


__________



+




يراقب ابتسامتها وهي مضجعة جواره، فتسائل: 


طبعا مبسوطة من وقت ما جه جوز بنتك


_ أكيد وقلبي مزقطط وحاساه هينط مني ويرقص..بلقيس متعلقة بجوزها تعلق مرضي ومجرد مابيبعد عنها بتوه.. انت مش شوفت كانت عاملة ازاي؟ بس تفتكر هي اتصلت به عشان كده جالها؟


_ معتقدش، أنا راهنت انه مش هيقدر يبعد عنها.. هو كمان متعلق بيها..يلا أهي زوبعة وعدت بينهم الحمد لله، بكره ياخد مراته في إيده وربنا يهدي سرهم.. 


_ نفسي تفضل معايا يومين اراعيها وادلعها شوية.. 


_ والله وأنا.. بس بلاش نطلب ده المرة دي.. لما ترجع بيتها يومين أنا هقوله يجيبها.. 


أعتدلت بحماس وقالت:  طب اخلي " ذكية " تحضرلهم عشا وتطلعه فوق؟ البنت ما أكلتش من وقت ما جت.. 



+





        


          



                


فكر لحظات قبل قوله:  ماشي بس خليها تخبط على الباب مرتين وتسيب صنية العشا في الأرض وتنزل.. وظافر هيفتح ياخدها ويقفل تاني..خلي الراجل ياخد راحته مع مراته.. أكيد هيتكلموا ويتعاتبوا.. 



+




نهضت وهي تهتف:  ماشي.. هقوم اعملهم كمان عصير فريش بأيدي..



+




شاغبها قبل أن تختفي:  طب افتكري جوزك الغلبان بعصير بدون سكر.. 



+




أشارت لإحدي عينيها بحنان ملبية:  من عيني.. 



+




ابتسم براحة وقد هدأ قلقه واطمئن علي ابنته بپد حضور زوجها، داعيا ألا يعكر صفو حياتهما مرة أخري.. 


____________



+




طرقت غرفتها ثم اقتحمتها سريعا صائحة: 


_ ماما.. يا ماما الحقي! 


_ في ايه يا إيلاف خضتيني


_روحت اطمن علي آبيه واقول يرجع بلي لقيت مش في أوضته.. 


ابتسمت والدتها بنظرة غامضة تعجبت لها الأخري بتساؤل: مبتسمة كده ليه يا ماما.. بقولك اخويا مش في أوضته وقربنا علي الفجر.. 


أشارت لها لتقترب، ثم ضمتها وهي تهتف: 


_ أخوكي مقدرش يقاوم بعد مراته..


_ يعني ايه؟ قصدك انه راح يجيب بلي؟


_ بالظبط..


هللت بفرحة:  بجد؟ يعني ممكن يجوا دلوقت؟ ثم غمغمت:  لا مش معقول أكيد آبيه هيبات عند عمو عاصم وهايجي الصبح..مش مهم.. أهمحاحة انها هيتصالحوا..



+




ثم استطردت بنظرة شاردة: ماتتصوريش ازاي اتصدمت يا ماما لما لقيت بلقيس ماشية حزينة مابتتكلمش، بس عيونها بتقول كلام كتير، شوفت عتابها لأخويا..وحسيت بحزنه وهو. بيبص عليها بعد ما اختفت من قصاده.. كأنه تايه..طلع جناحه بملامح كلها بؤس.. قطع قلبي عليه وعليها..



+




تنهدت والدتها وقالت: ياما بيحصل بين الراجل ومراته يا إيلاف..الدنيا مش كلها حب وهزار ودلع..وأكيد هما الاتنين هيطلع بدرس يفيدهم بعد الزوبعة دي..ربنا يهديهم لبعض ويصلح حالهم.. 



+




_ اللهم امين.. الآذان بدأ هروح اتوضى والبس أسدالي واجيلك نصلي سوا


_ ماشي ياحبيبتي، أنا متوضية وهستناكي. 



+




تابعت ابتعادها ثم همست لذاتها بخفوت: 


ربنا يهديك ويبعد عنك الشيطان يا ابني انت ومراتك، ويقومها بالسلامة يارب.. 


_______



+




وصل سمعه طرقتين على باب الغرفة فانتبه من نومته القصيرة ليبصر وجهها النائم بوداعة على صدره..رفع عن جبينها خصلات شعر متناثرة وقبله برقة ثم نهض بحرص وفتح الباب ليجد صينية كبيرة مغطاه بقماشة بيضاء، لم يصعب عليه تخمين ما تحويه، شعر حقا بالجوع ينخر معدته وتذكر أنه لم يتناول طعام منذ أمس ومؤكد زوجته مثله..أدخل الصينية ووضعها جانبا، فوجيء ببلقيس تفتح عيناها لتبصره..لوهلة بدت تكذبت بصرها المذهول لوجوده والتفتت تنظر حولها بشك كأنها تتذكر أين هي..وحدقتاه ترصدها بحنان وإشفاق كبير عليها..گأنها طفلة ضائعة تعود تطالعه بذات الدهشة واافرحة معًا..وما أن ايتوعبت اته هنا حتي عصفت عيناها بموجة عتاب كأنها تشكوا هوانها عليه..تآوه بقوة داخله.. ليتها تدري أن هو من عُوقب بهذا الفراق القصير وإن كان على القلب يساوي ضهرًا وليست مجرد ساعات ليل معدودة..فراقها كان اختباره الأول أنها 


تمتلك به حتى أنفاسه..لاحظ انهمار دموعها الغالية فوق خديها فأسرع يضمها أليه ليتلقف صدره لآليء عيناها وهو يهمس بأسف خافت وقبلاته تُنثر على سائر وجهها ليدعم أعتداره وحزنه لما صار..زادت وتيرة بكائها فتركها تُفرغ شحنة ضيقها دون أن كلمة ثم رفع محياها ليتأمله ويتشربه هامسا:  لازم تعرفي إني بخرج من سيطرة نفسي لما بخاف أو اغير عليكي.. وأنا عشت الاتنين في نفس الموقف، بس رغم كده أنا بوعدك اتحكم في غضبي بعد كده ومخليش الأمور توصل لده.. لكن انتي كمان تعاهديني ما تلعبيش تاني بسلاح الخصام عشان تضغطي عليا انفذلك حاجة..أنا اعرف مصلحتك أكتر منك لأني بحبك، لو رفضت ليكي طلب معناه اني شايف اللي عيونك الحلوة مش قادرة تشوفه.. اتفقنا؟



+





        


          



                


انقشعت غمامة العتاب والحزن وحل محلها الرضا بمقلتيها وكافأته بابتسامة وإيماءة رقيقة من رأسها.. فعاد يغمسها بضلوعه وهو يقول:  يعني خلاص مش زعلانة


قالت برقة ووجهها يتمسح في صدره گ القطة:


لأ خلاص مش زعلانة. 


ثم هتفت سريعا وقد أشرقت شمسيها ببريق الحياة والمرح كما كانت معه: بس ليا في ذمتك خمس طلبات لازم تنفذهم. 


ضيق حدقتاه:  ده كده استغلال.. 


لثمت ذقنه وتدللت:  أيوة بستغلك. 


ابتسمت عيناه وتمتم: شبيك لبيك، ايه هي طلباتك؟


_ أول حاجة توافق افضل مع ماما وبابا أسبوع لأن وحشوني أوي وانت كمان تفضل معايا.. 



+




رفع حاجبيه:  ده كده نصب، دول طلبين على فكرة! 


_ تؤ.. ده طلب واحد بس من شقين ياحبيبي


_ شقين؟ ولو اني كنت حابب نرجع بيتنا بس مش هرد طلبك، هتصل بس بماما واعرفها


_ سيب طنط هدي عليا انا اللي هكلمها.. 


_ ماشي، والطلب التاني؟


_ بما اني طول خصامنا كنت مكتئبة وما دوقتش الشيكولاتة اللي بعشقها.. عوضني واعملي حاجة بأيدك بس مش تورتة.. ايه هي معرفش المهم اشوفها انبهر.. 


لثم خدها مع قوله:  انتي طيبة اوي وبنت ناس والله


ضحكت لتطرب قلبه بضحكتها واستطردت:  كده فاضلي في ذمتك تلات طلبات واجب عليك تحققهم وقت ما احب.. وأنا هخليهم لوقت العوزة. 


_ ده انتي طلعتي لئيمة


_ كده يا ظاظا؟ مش لسه كنت بتقول عليا بنت ناس؟


_ بنت ناس بس برضو لئيمة.. 


ثم تنهد وعانقها:  عموما أي وقت اللي تطلبيه هعمله لكن ليه حق الرفض لو لقيت ان طلبك في أذية.. متفقين؟ 



+




ربتت علي صدره:  متفقين.. 


نهض والتقط صينية الطعام قائلا:  طب يلا بقي ناكل لقمة سوا.. أنا هموت من الجوع وعارف انك ما أكلتيش زيي. 



+




وراح يطعمها بيديه وأنظارها مصوبة عليه فتذكرت يوم أن فتت لها قطعة اللحم وهي تزوره للمرة الأولى في مطعمه ومعها كوبون فوزها في السحب ..وكيف كانت لا تهتم بمذاق الطعام بقدر ان تطمئن لوجوده أمامها.. تماما گ حالها الآن..لا يهمها شيء في العالم إلا عودته إليها.. لم تهون عليه..رمم شرخ قسوته فتلاشى من روحها بسحر كأنه لم يكن..فاجأته بقبله على خده..فابتسم ولثمها أيضًا وواصل إطعامها بنفسه حتى امتلأت معدتهما وخلدا للنوم متلاحمين گ قلوبهما التي عادت تعزف ذات اللحن ثانيا..


لحن الوصال..!


------------


انحني ملثما كفيها:  وحشتيني يا أمي..كده برضو تغيبي عن بيتك ده كله وتنسينا؟


ربتت علي رأسه بحنان:  وأنت واختك وحشتوني أكتر يا حبيبي..وغيابي مش بإيدي..أنت عارف ظروف اختك الكبيرة بعد الحادث اللي صابها.. كان لازم افضل معاها شوية لحد ما اطمن. 



+




جاء حديثه غير مكترث وهو يتجاهل السؤال عن شقيقته: المهم انك خلاص رجعتي بيتك يا أمي، أنا كنت هتجنن عليكي..( ثم عاد يضمها إليه) وحشني حضنك..  



+




انتعشت روجها لدلاله وهي تبتسم له: ربنا مايحرمني منك انت واخوات ياحبيبي.. أخبار مراتك ايه؟


_ الحمد لله يا ماما.. كنت هجيبها لولا نبهتيني انك عايزانا أنا وغدير في موضوع خاص ومهم..بس بإذن الله هجيبها أخر الأسبوع وهفضي "الويك إند" معاكي. 


_آبيه حبيبي وحشتني أوي.. 



+





        


          



                


استدار للصغيرة "ضي" وتلقفها بعناق:  حبيبة اخوكي وحشتيني عاملة ايه..ثم جعلها تدور حول نفسها مع قوله:  هو انتي احلويتي في الشهرين دول ولا أنا بيتهيئلي؟


قهقهت لإطراءه:  ممكن يا آبيه.. وحشتني خالص أنت وأختي غدير.. هي جاية امتى؟



+




_ أختك جت خلاص يا ضي العين.. 



+




هرولت على شقيقتها التي وضعت حقيبة سفر صغيرة: أختي دودو وحشتيني موت..


_ يابكاشة لو وحشتك كنتي رجعتي انتي وماما البيت بسرعة عشان نزوركم.. 


قالت بتلقائية:  محنا كنا قاعدين عند أختي رودي.. ياريت جيتوا لينا هناك كنتم هتبسطوا اوي لما تشوفوا رحمة..أكيد هتحبوها أوي زيي! 



+




تبادلت مع الجميع نظرة متحفظة، ثم توجه إليها شقيقها معانقا ومرحبا بقدومها وقد مضت فترة كبيرة لم يلتقوا..


_ وحشتيني ياحبيبتي، من وقت ما اتجوزتي في محافظة تانية ومش بنتقابل غير نادر.. 


_ معلش ياحبيبي هعمل ايه، وانت كمان غرقان في الدكتوراه بتاعتك الله يعينك


_ غصب عني انتي عارفة طريقي طويل عشان اقدر اثبت نفسي وكل اما أدرس أكتر بوصل للي بتمناه في مجالي.. 


_ عارفة والله وفخورة بيك وبدعي ربنا يوفقك يا نابغة عصرك.. 



+




قهقهة لمدحها المرح گ عادتها ثم تركته ودنت تقبل يد والدتهما قائلة:  حمد الله علي السلامة يا ماما (واحتضنتها بقوة) وحشتيني فوق ما تتصوري يا أمي..


_ وانتي كمان يا نور عيني، طمنيني عليكي انتي وجوزك


_ بخير والله وبيسلم عليكي..


_ الله يسلمه من كل شر..


_علي فكرة أنا هفضل معاكي أنا وشادي أسبوع بحالوا، أقنعته يوافق عشان اشبع منك بعد غيابك ده كله.. 


_ كتر ألف خيره انه سمحلك..طب هو فين مش جه معاكي؟


_ أيوة طبعا ووصلني هنا وقال هيرجعلي بالليل بس متأخر شوية..وباعتلكم كلكم السلام


_ الله يسلمه ويشرف أي وقت ده بيته.. 



+




صمتت برهة تتأمل وجوههما التي نضح منها الحيرة منتظرين إعلان ما لديها ، فقالت للصغيرة: ضي، سيبيني شوية مع اخواتك ياحبيبتي عشان عايزاهم في موضوع.. 


أطاعتها: حاضر يا ماما، هروح أتصل بأبلة رودي اسلم عليها لحد ما تخلصوا.. 



+




تَلَبَّدَ وجه غدير بعبوس ومسحة غيرة وهي تلاحظ تعلق ضي بشقيقتهم الجاحدة كما تسميها..كيف أصبحت تنافسها في قلب أختها وهي لا تستحق محبتها؟ بينما تكدر وجه أخيها بضيق وود لو صرخ محرمًا على الصغيرة مجرد ذكر أسمها اللعين.. 



+




لم يخفي عن عين الأم ونظرتها الثاقبة بريق النفور في عين الأول والغيرة من الثانية..تعلم أن معركتها صعبة لكن لا مناص من خوضها، مهما كان صلابة جدار صدهما وعنادهما لن تيأس بتحطيم هذا الجدار وصنع جسر يجمع أولادها بشقيقتهم الكبري..وتدعوا الله ألا يأتي أجلها إلا بعد أن تحصد وحدتهم مرة أخري.. وقتها ستفارق الحياة راضية مرضية. 



+




نظفت حنجرتها هاتفة: أنا عارفة انكم أذكية كفاية ومتوقعين أنا عايزاكم في ايه.. 


أسرع بقوله: أتمني ما يكونش اللي في بالي يا ماما..كده هتضيعي وقتك معانا على الفاضي. 



+





        


          



                


رمقته بنظرة غامضة ثم قالت: وقتي كده كده ضايع يا ابني، أهي أيام أو أسابيع أو حتى شهور فاضلة من عمري.. بعدها مش هكون موجودة ولا تسمعوا مني حرف واحد.. 



+




انقبض قلبيهما ودنوا منها معانقين وقال الأول معاتبا: ده كلام يتقال يا أمي، بعد الشر عنك.. 


بينما صاحت الأخري:  ربنا يطولنا في عمرك ويبارك في صحتك يا ماما.. عشان خاطري بلاش تقولي كده تاني.. 



+




اشفقت عليهما من الفزع فابتسمت قائلة: متخافوش يا حبايبي، ربنا عالم باللي بتمناه.. وواصلت: 


يلا اقعدوا قدامي واسمعوا هقول ايه.. ومحدش فيكم يقاطعني لحد ما اخلص كلامي..



+




عادت تتبادل غدير النظرات مع أخيها ثم جلسا ليسمعا ما تريده..نفخت صدرها بالهواء وزفرته وهي تتجول بمحياهما قبل أن تفيض بما لديها:



+




كتير كنت باستعرض شريط حياتي واحاول افهم أنا غلطت في ايه عشان اختكم الكبيرة تبقى بعيدة كده عننا وعني أنا بالأخص..هل أجرمت لما فكرت اتجوز بعد طلاقي من ابوها؟ أنا كنت لسه في عز شبابي ومن حقي اعيش عمري مع واحد تاني..هل منطقي كان أناني لما فكرت في نفسي ونسيت ان عندي بنت؟ هل هونت بعدها ومسؤليتي ناحيتها وقلت ما ابوها موجود وهيشيل حملها معايا.. هل من جوايا عاندته لما هو اتجوز واتجوزت انا كمان عشان اثبتله اني مرغوبة وأخدت احسن وأغني منه؟ 



+




الإجابة وقتها كانت اني مغلطش..واني مارست حقي الطبيعي زي أي ست قدامها العمر تعيش وتجرب.. 


بس بعد السنين ما عدت رجعت تاني أسأل نفسي الأسئلة دي..لقيت الإجابة جوايا اتغيرت.. أيوة كنت أنانية وقاسية.. مش لأني اتجوزت لأن ده شرع ربنا..بس لأني مقدرتش افهم بنتي واحس بيها واقربها مني ومنكم..لقيتها بتبعد سبتها تبعد من غير ما احاول اعرف السبب وبقول لضميري عشان اريحه " أبوها موجود.. مش حارمها من حاجة.. مش ناقصها حاجة.. الفلوس تحت رجليها بالكوم وهي اللي بتدلع.. ناقصها ايه؟ ولادي صغيرين ومحتاجيني أكتر منها.. هي قاسية وبتكرهني وهما حنيين عليا"..وفاتت السنين والفجوة بينها وبينا عمالة تكبر لحد ما انفصلت وبقيت في عالم لوحدها بعيدة حتي عن أبوها ومحدش فينا كان رقيب حقيقي عليها.. كل واحد فينا اتلهي في حياته، وفضلنا مش فاهمين وبنقول دي بتدلع..فكانت النتيجة إنها كرهتنا أكتر.. 



+




صمتت تمحي دمعة ندم انهمرت وهي تعاود البوح: بس اكتشفت بعد كده حاجات كتير ماكنتش اعرفها، ظلمناها أنا وابوها لما سبناها وحيدة وركزنا في حياتنا.. رودي اختكم كانت محتاجانا كلنا حتى انتم..كان عندها أسبابها اللي تخليها تبعد وانا بالذات كان لازم افهم بنتي فيها ايه..كان في إشارات كتير بتحذرني ان ورى جفائها ونفورها حاجة كبيرة وأسباب مش هينة.. 



+




_ أسباب ايه؟؟؟



+




قالها بجمود مواصلا:  أسباب ايه يا أمي اللي تخليها تبعد كده عننا أو تعاملنا بالطريقة الفظة دي كأننا أعداء مش اخوات من أم واحدة؟ أنا لسه فاكر واحنا صغيرين كنا بنحبها وبنعاملها كويس وهي كانت دايما تظهر جفائها وكرهها لينا لدرجة انها مرة حاولت تأذي غدير وتوقعها من فوق السطح وهما بيلعبوا لولا أنا لحقتها قبل ما تعمل كده.. ثم شمر عن ساعديه وهو يصيح بنبرة غاضبة:  فاكرة الحرق ده يا أمي؟ فاكرة حصل ازاي؟ كانت عايزة تزق أبويا في فحم الشوي المتجمر وتشوه وشه لولا انا برضو لحقتها ووقعتها علي الأرض فقامت تزقتني بغل وإيدي جت جوه الفحم واتحرقت..ومواقف كتير لا تعد ولا تحصي، تاريخها كله معانا أسود مليان بالحقد والقسوة..وختمته معايا انا بالذات برسالة سخيفة على تليفوتي بعد موت بابا وهي بتضحك وتقولي انها بتحتفل انه…. 



+






احتقن وجهه من الغضب ولم يكمل، لتنتقل نظرة المقت لغدير وهي تستطرد بعد أخيها: أخويا عنده حق في كل كلمة يا ماما،  طول عمر رودي بتكرهنا وكل مرة تشوفنا كانت بتحاول تأذينا بأي طريقة.. دي إنسانة سودة من جوة ومريضة نفسية وشرها مالوش حدود.. أنا بكرهها ومستحيل اعتبرها اختي..



+




اغرورقت مقلتيها بآسى وهي تبصر هذا البغض بأحداقهما..ماذا تقول وكيف تبرر لهما أسباب ما صدر من رودي..هل تشوه صورة أبيهم وتقول أنه السبب في تدمير نفسيتها وكرهها له ولهم؟ هل تقول أن هي الأخري عانت سرًا من طباعه بعد ما علمت من جوالاته الحرام في بلاط النساء ما شق قلبها نصفين وجعل علاقتهما قبل وفاته شبه منقطعة گ زوجين؟ ماذا تقول وكيف تذيب جبال الكره والغل داخلها دون فضح ما مضي؟ 



+




دني منها ثم جثي علي ركبتيه بعد أن بصر البؤس بوجهها الحبيب وقال برفق:  يعز عليا ارفضلك أمر أو طلب يا أمي.. بس انتي عارفة ان مش هينفع.. خلاص انتي عملتي اللي عليكي معانا.. ولا أنا ولا غدير هنغير قرارنا..وياريت تبعديها عن أختنا ضي البريئة اللي ما تعرفش سوادها.. خليها في حالها.. أهي اتجوزت وخلفت ومش محتاجة حد فينا حتي انتي..دي مش بتلجألك غير في المصلحة.. مرة لما حبت تتجوز وترسم نفسها قصاد عريسها وتبين إنها بني آدمة.. ومرة لما جوزها طردها من بيته.. ودلوقت بعد الحادث اللي حصلها..دي مابتحبش غير نفسها وبس. 



+




_ احنا بس اللي بنحبك يا ماما.. 



+




قالتها غدير وهي تجثو أمامها هي الأخرى مواصلة:  محدش بيحبك زينا.. رودي دي بتحب نفسها وبس زي ما قال اخويا.. اشمعني دلوقت رجعت تظهر في حياتنا؟ عايزة مننا ايه بعد ما عاشت سنين بعيدة..لسه عايزة تفسد حياتنا؟ عايزة تاخدك مننا وتخليكي تغضبي علينا وتحبيها هي؟ أوعي تسمحي ليها بكده يا ماما.. أحنا أحق بيكي منها.. هي طول عمرها بنت عاقة ومش بارة بيكي..فجأة بقيت إنسانة كويسة وعايزانا نقرب منها؟ 



+




قالت وهي تبكي توسلا: عشان خاطري بلاش تظلموها اختكم مش زى ما انتم فاهمين.. أدوها فرصة وقربوا منها وريحوا قلبي المفطور على فرقتكم وانتوا ولاد بطن واحدة..



+




عز عليه توسلها فلثم كفيها وقال برجاء: 


أرجوكي انتي يا أمي ماتوجعيش قلبنا وتضغطي علينا..صدقيني أحنا كده مرتاحين وهي بعيد.. أنا مش هنسي كرهها لابويا ولا هقدر أعذرها..وماينفعش دلوقت تزرعي بنا الحب وأرض قلوبنا بور.. عمر ما هتنبت علاقة حقيقية..ممكن نطاوعك عشان نريحك بس هنكون بنكدب..هنمثل اننا اخوات بس جوانا مافيش غير الكره.. سيبي كل حاجة زي ما هي وماتنبشيش في الماضي.. 



+




عجزت عن وصال جدالهما مكبلة بكتمان ما لو فاضت به لهما لقلب الموازين بنفوسيهما..ستسقط صورة أبيهما من أعينهما وهذا ما لا تريده..أثرت الصمت منتظرة عون الله في تلك الأزمة.. هو وحده القادر علي جمع شتات أولادها من جديد.. لا تعرف كيف.. لكنها تثق بقدرته جل جلاله. 


-----------


_ وحشتيني اوي انت ورحمة يا أبلة رودي 


ابتسمت بحنان وهي تحادثها عبر الهاتف: وانتي كمان يا ضي، رحمة بتدور عليكي في كل مكان لعبتم فيه. 


_ وانا هتجنن عشان اجي تاني.. طب ماتيجي انتي أنهاردة عندنا مع عمو رائد؟ حتى اخواتي هنا وأكيد هيفرحوا أما يشوفوكم.. 



+





        


          



                


ندت عنها ابتسامة ساخرة ومريرة من براءة تلك الصغيرة.. أي فرحة تضمها بصحبة أولاد منصور؟ 


إن كان حبها لضي رغم انها أيضا نطفته..يعتبر معجزة! فالمعجزاه ليست سخية هكذا لتحدث معها مرتين.. 


_ ايه رأيك يا أبلة هتيجي؟ 



+




عادت من شرودها لتجيب: مش هينفع حبيبتي، عموما في اقرب وقت ماما هتجيبك..


_ خسارة..ثم صاحت بحماس:  طب توعديني يا أبلة في عيد ميلادي السنة دي تيجي انتي وعمو رحمة؟ أخويا بيعملي حفلة كل سنة.. والمرة دي هكون فرحانة أكتر بوجودكم معايا بالذات رحمة حبيبتي.. 



+




تنهدت وأمنيات الصغيرة تصطدم داخلها بصخور الجفاء والكره بينهم..تاريخها معهم لا يبشر بتحقيق مثل هذه الأماني.. لن تجتمع معهم حتى يواري جسدها الثرى.. هما رائحته العفنة وامتداد نسله خاصتًا أبنه الأكبر، شبيه ملامحه المقيتة.. 



+




_ رحمة بتعيط هروح اشوفها، بعدين هكلمك يا ضي. 



+




هكذا تهربت منها وأنهت المكالمة، واستدارت تنظر في المرآة..زاحت وشاحها عن موضع حروقها وتأملتها بشخوص..سبحت ذاكرتها بيوم بعيد عندما كانت صغيرة..حينها نظمت والدتها وجبة شواء في الحديقة..  وقفت لحظتها تتأمل من بعيد جمر الفحم الذي انعكس لونه الأحمر قدرًا على وجه منصور زوجها فجعله يظهر لعيناها الصغيرة گ شيطان رجيم.. خُيل لها ساعتها أن رأسه انبثقت منها قرون سوداء لتكتمل في مخيلتها هيئته المخيفة.. لا تدري كيف تدفقت بعروقها جرآة وهي وتجازف مقتربة من ظهره محاولة دفعة نحو الجمر عله يحترق ويتألم..لكن اللعين أخيها حال بينها وبين ما أرادت وهو يحمي أبيه بدفعها بعيدا، لتنهض وتدفعه بغل فيرتطم ذراعه بالجمر ويحترق ويصرخ..لم تنسي حينها صفعة منصور القوية التي نترت جسدها الهزيل بعيدا لتسقط على الأرض بقوة..للعجب لم تبكي حينها.. فقط اشتعلت عيناها بالمقت له أكثر ثم خافت من نظرة التوعد التي رمقها بها.. كأنه يخبرها أنه…… .



+




أخفت تيماء وجهها بكفيها كأنها تحتمي من ذكراه..لتفيق على صوت دلوف رائد إليها قائلا: جاهزة حبيبتي؟ عايزين نخرج بدري شوية عشان مانرجعش بالليل متأخر برحمة.. وبعدين أنا جعت جدا.. 



+




اقتربت في محاولة أخيرة لإثناءه عن الخروج:  مابلاش نخرج يا رائد.. وانا هعملك أحلى أكل بإيديا بس مش عايزة اخرج والله.. 


شملها بنظرة ثاقبة ثم اقترب ولثم باطن يدها قائلا: 


أكيد أكلك هيكون افضل بس لازم تغيري جو يا رودي.. انتي تقريبا مش بتخرجي ابدًا.. حتى رحمة محبوسة وبعد ما "ضي" مشيت بقيت بتعيط طول الوقت وعصبية..خلينا كلنا نغير جو في مكان كويس، كام ساعة وهنرجع البيت.. 



+




أومأت له برضوخ كي لا تضايقه مدركة انه يحاول دمجها بين الناس مرة أخري بعد أن طالت عزلتها النفسية بعد الحادث..ولأجله فقط ستحاول أن تعود كما كانت. 


________



+




راحت تطعم صغيرتها بما يناسبها، ثم تلقت منه قطعة لحم لاكتها بفمها وهي تبتسم له سعيدة بهذا الحنان الذي يغدقه عليها.. وسمعته يهتف:  حلو أوي المطعم ده..


_ فعلا جميل. 


_ بذمتك مش كده غيرتي جو؟ ورحمة شكلها مبسوط اوي.. ثم حدث صغيرته برقة:  مش كده يا روح بابا؟



+





        


          



                


ابتسمت له الصغيرة مطلقة همهمة غير واضحة، فقالت تيماء وهي تطالعها بحنان:  بتقولك شكرا يا بابي.. 



+




مضغ بعض الطعام ثم قال:  مامتك عاملة ايه؟ اطمنتي عليها هي واختك؟


_ ضي هي اللي اتصلت، ثم ترددت وهي تقول: أخواتها كانوا هناك مع ماما..



+




لم يغفل عن نسب أشقائها لضي دونها..متفهم نفورها منهم..ومازال وعده مقطوعا لذاته انه سيجمعها بهم بعد أن تنتهي العملية وتتزن حالتها النفسية أكثر.. لتتقبل محاولته وما يخطط فعله لترميم علاقتهم المشروخة..



+




_ كويس.. أكيد اشتاقوا لوالدتك..غيابها شهرين عن عنيهم مش قليل.. 


أومأت دون أن تكترث برد وراحت تطعم الصغيرة، وقالت: 


أكدت مع الدكتور "عز" معاد العملية في القاهرة؟ 


_ حسب دورنا في جدول الطبيب معادنا بعد أسبوع، هننزل القاهرة قبلها بيوم..


تنهدت قائلة:  يارب تنجح وارجع زي ما كنت


_ هترجعي افضل بإذن الله.. تفائلي حبيبتي. 



+




رمقته بامتنان، فكلما شد من أزرها شعرت بسعادة جمة لما يمنحها من دعم وقوة فتنسي كل ما يحزنها.. العالم كله بكفة ورائد وحده بأخري.. بل لن ينصفه في نظرها ميزان مهما بلغ عدله..



+




انقضت أمسيتهم گ أجمل ما يكون وقد تسرب إليها بعض السلام النفسي حقا بتلك النزهة القصيرة مع أسرتها الصغيرة..وعادوا للبيت والطفلة غافية.. فتوجه بها رائد لفراشها وأرقدها مدثرا إياها جيدا ثم انضم لزوجته وأسكنها بين ذراعيه باحتواء حاني لتغفو هي الأخري گ طقس صار لها إدمان..ضمته هذه ليست مجرد عناق حميمي لجسديهما..بل هو شفرة أمانها وراحتها.. قرب أنفاسه ونبضات قلبه التي تطرق ظهرها گ تعويذة تقيها شر كوابيس المظلمة تتراكم في عقلها الباطن..تسبح بغفوتها كأنها تعلو بساط ريح يحملها لمدينة أحلامها الوردية بين ذراعيه.. 



+




أما هو له معها طقوس أخري لا تتغير منذ أن عادا معًا كيان واحد.. ينتظر نومها العميق ليكشف عن حروقها ثم يلثم موضع ما يطاله منها برقة حريصا ألا تشعر به.. مراعيا اشمئزازها من ذاتها حين يفعل.. لا تصدق أنه لا ينفر من ندوبها هذه.. لكن قريبا ستصدق حين تختفي تلك الندبات وتعود بمرآة عيناها جميلة.. أما في مرايا عينه لا ينقصها شيء على الأطلاق..


أي شيء..!


__________



+




ظلت تتمتم سرا بذكر الله ختاما للصلاة ثم نهضت مع قوله:  حرمًا ياعبير.. 


_ جمعًا ان شاء الله يا محمد


_ أمال فين مهند؟ مش المفروض انه معانا عشان زمزم تعبانة مش قادرة تراعيه؟


تنهدت وهي تدنوا لتتمدد جواره:  صممت تاخدوا الليلة.. بتقول عايزاه ينام في حضنها



+




لاحظ وجهها المُثقل بالهموم وهي تشخص ببصرها بعيدا عنه بصمت فقال:  مالك ياعبير..شايلة هم الدنيا فوق دماغك ليه؟


_  خايفة أوي على بنتي.. المرة دي هتولد قيصري، والبنت نفسيتها تعبانة وقالتلي كلام غريب خوفني عليها..وطول الوقت حاضنة ابنها مش مخلياه يبعد عنها خالص..ثم عادت تنظر له دامعة:  قلبي واكلني عليها يامحمد.. 



+





        


          



                


ربت على كتفها بحنان:  صلي على النبي كده وبلاش تشاؤم.. هي أول ست هتولد قيصري؟ دي بقيت موضة الايام دي.. فينهم من أمهاتنا زمان اللي كانوا يولودوا طبيعي ويقوموا على حيلهم في يوميها..الخوف ده عادي انتي بس ادعي ربك يقومها بالسلامة ويقر عنينا بتؤامها.. 



+




_ بدعي والله ربنا عالم. 


_ هي معاد ولادتها في المستشفى بعد بكرة الضهر صح؟


_ لا الساعة سبعة الصبح لازم نكون هناك.. كان نفسي تبات اليومين دول معايا بس جوزها مارضيش. 


_ مالهاش لازمة..جوزها مراعيها متقلقيش ..وكويس إن محمود جه امبارح وهيحضر الولادة معانا.. 


_ أه ياحبيبي خايف على اخته.. رغم انه لسه بيقول يا هادي في شغله بعد الافتتاح بس صمم يجي ويطمن عليها.. 


_ امال ايه مش اخته الوحيدة.. ربنا يبارك فيهم..عقبال ما نجوزوا هو كمان ونفرح بعيالوا.. 


_ هانت.. بيقول قريب هيفاتح ظافر عشان يكتب كتابه علي إيلاف لأنها خلصت امتحاناتها وبعدها مجرد ماتجهز شقتهم هيتجوز..


_ ربنا ييسر حالهم..يلا بقي حاولي تنامي شوية.. 


_ حاسة اني مش هعرف انام


_ لأ هتنامي.. 


ثم أجبرها ان تستلقي جواره وأخذ رأسها علي صدره فابتسمت ووجها يختبيء به هامسة: عمرنا جري بسرعة وبقينا جدود يامحمد.. بس لسه زي ما انت حنين وبتحس بيا لما بضايق وازعل.. 



+




_ مش عشرة عمري؟ وبعدين العمر محدش بيوقفه المهم رحلتنا فيه تكون طيبة ونبتغي مرضاة الله ويحفظ ولادنا.. 


_ عندك حق.. 


صمتت قليلا بشرود ثم عادت تقول:  بس تعرف ان عابد فيه كتير منك يامحمد؟ ابتديت الاحظ ده اوي الايام دي.. بس هستغرب ليه ماهو ابن اخوك يعني دمك و…… 



+




وصلها صوت شخيره فتعجبت من سرعة نومه ثم هزت رأسها بهمهمة خافتة:  نفسي اعرف ازاي بتنام بالسرعة دي..( وزفرت بتنهيدة)  يارب احفظ بنتي وأقومها بالسلامة وطمني عليها هي وتؤامها.. 


__________



+




ليلة الولادة! 



+




_ خلاص يا زمزم حضرتي شنطة البيبي؟ 


_ اه الحمد لله ياعابد.. 


_ طيب تعالي بقى ارتاحي ونامي لأن معاد الولادة هيكون بدري.. 


_ طب فين ابني؟ 


_ مع ماما هتبيته معاها


_ معلش ياعابد انا عايزاه يبات في حضني. 


_ ياحبيبتي انتي خلاص علي أخرك.. مهند ممكن يخبطك بدون قصد وتتعبي زي ما حصل الاسبوع اللي فات. 


_ هاتوا يا عابد وماتوجعش قلبي مش هنام غير وابني في حضني.. 



+




قالتها ونبرتها تفيض بالضجر فصاح متفهما عصبيتها:  خلاص اهدي هروح اجيبه واجي.. 



+




تركها وغادر فاعتلت فراشها وهي تلهث ثم راحت تتحسس بطنها المنتفخ مغمغمة:  أنا فرحانة اوي ان ربنا هيرزقني بيكم.. انتوا نعمة كبيرة وبحبكم من قبل ما اشوفكم.. بوصيكم لو أمر ربنا نفذ أوعوا تنسوني.. أدعولي دايما.. وحبوا اخوكم مهند وخليكم ولاد صالحين.. انا عارفة انكم سامعين صوتي وحاسين بيا.. معرفش ليه مسيطر عليا الشعور ده..يمكن عشان ولادتي فيها مشاكل؟ ولا عشان الكابوس اللي شوفته من فترة؟.. الله أعلم بالمستخبي وانا راضية بكل حاجة..المهم سلامتكم. 



+





        


          



                


اقتحم غرفتها مع الصغير الذي هرول إليها فصاح عابد:  قولنا ايه يا هوندا؟ براحة عشان مش تخبط بطن ماما.. 


غمغم الصغير:  ماثي يا بابا.. 



+




ابتسمت وهي تتلقفه بين ذراعيها وتضمه بقوة قائلة:  روح ماما وقلب ماما.. وحشتني.. 


_ وانتي وحثتيني يا ماما


ضحكت بخفوت:  امتي لسانك ده هيتعدل وتنطق الشين صح..ده انت هتبقي قدوة للي جاي..قالتها وراحت تدسه بصدرها وتداعب شعره وتلثمه من حين لأخر..  



+




وقف بعيدا يراقبها وهي تحدثه وتعانقه كأنها تشبع من قربه..قبضة مبهمة تتملك قلبه خوفا عليها..شحوبها ازداد بقوة.. لم تعد تنام..وكلما فاق من نومه وجدها تتأمله بطريقة غريبة كأنها تتشرب تفاصيل وجهه وتخزنها بعقلها..ثم تخفي حزنها سريعا عنه لكن هيهات أن تخفي عنه شيئا..هل يمكن أن يحدث لها شيء معاذ الله؟ 


يموت لو حدث لها مكروه. 


الحياة تكون حرامًا عليه بعدها.. 


استغفر ربه من قسوة أفكاره الكئيبة داعيا من الله الخير والسلامة.. 



+




_عابد.. 



+




قاطع أفكاره ندائها، فاقترب وجلس جوارها..


دنت بجسدها ودست نفسها بصدره فقلدها الصغير وانغمس فيه هو الأخر، ابتسم وهو يرى كلا منهما يحتل جانبًا منه..حاصرهما بذراعه ولثم رأسيهما.. فهمست:  أنا أسفة يا بودي اتعصبت عليك.. ( أنا أثف بودي أعثبت عليك) 



+




ضحكا سويا علي تقليد الصغير لجملة زمزم بحروفه المقلوبة الشهية وربت عليهما مكتفيا بعناقهما.. فقالت زمزم:  لسه مش عايز تعرف ربنا رزقنا بايه؟ 


_ لأ.. أما تقومي بالسلامة هعرف.. 


رفعت وجهها إليه:  هتحضر معايا لحظة الولادة؟ 


أومأ لها:  أيوة.. وأول واحد هيشوف ابننا او بنتنا على حسب ما يجي بإذن الله.. 


ابتسمت له: مش هتضايق وهو طالع من بطني ماليان دم؟


_ اكيد لأ.. 



+




عادت لتحتل صدره ثم نظرت لطفلها:  مهند نام بسرعة.. 


رمقه بحنان وهو يداعب شعره الغزير: زي عوايده


حدجته بحب: بيحب ينام علي صدرك الحنين زيي.. 


طالعها بنظرة صامتة قرأتها جيدا..فارتفعت بجسدها قليلا مستندة على ظهر فراشها وأخذت رأسه واحتضنتها هامسة:  متخافش عليا ياحبيبي..ربك كريم..إن شاء الله مش هيفرقنا ابدا..لو ربنا قدر.. بكرة زي دلوقت هنكون بنبص على ابننا وبنقول الله أكبر ونحمده على سلامته. 


لثم عنقها وقال:  إن شاء الله.. 



+




راحت تعبث بشعره وبدأت أجفانه ترتخي رويدا حتى غط بنومه سريعا مثل طفلها، فابتسمت هامسة بخفوت شديد: بإذن الله بكرة هنبقى خمسة..وربنا مش هيفرقنا أبدا يا عابد..ده عشمي في الله. 



+




وقبلت جبهته قبلة طويلة ثم أغمضت عيناها لتسقط بغفوتها هي الأخرى.. لترتسم لوحة ثلاثتهم  گ أجمل ما يكون والصغير يستكين علي صدر عابد والأخير يعلو صدر حبيبته التي غفت وهي تضمهما معا.. 


____________


تشبثت بكف زوجها والطبيب يحضر جرعة العقار الذي سيخدر نصفها السفلي كي لا تشعر بالولادة وقالت:  عابد..أوعي تسبني.. 


قرب وجهه من محياها الشاحب وغمرها بنظرة حانية:  اسيبك واروح فين، متخافيش أنا معاكي..لحد ما نسمع صوت ابننا وناخده في حضننا ونرجع بيتنا بأمر الله. 



+





        


          



                


طافت على سائر وجهه بحب قبل أن تهمس: هتاخد بالك من ولادنا؟ 



+




افترض انها تقصد مهند ومن ستنجبه فقال: هنربيهم ونراعيهم سوا..بس اوعي تحبيهم أكتر مني..لعلمك أنا هغير عليكي حتى من ولادنا.. 


ابتسمت وحادت عيناها نحو هذا العازل الذي يفصلها عن رؤية ما يفعله فريق الأطباء..ترهبها فكرة أنهم يشقون بطنها نصفين..وتترقب بفارغ الصبر سماع صراخ صغارها..عادت تنظر لعابد الذي يرمقها بدوره وهو يهذب خصلات شعرها المتمردة ويعيدها داخل غطاء رأسها الطبي..وهمس لها:  تفتكري هنجيب ولد ولا بنت؟ 


حدجته بابتسامة غامضة:  أنت نفسك في ايه يا حبيبي؟


_ مش عارف.. محتار.. ساعات اقول ولد وبعدين افتكر ان عندنا مهند.. أرجع واقول بنوتة عشان تبقى دلوعة ابوها واخوها وأمها..أيًا كان يا زمزم المهم سلامتك انتي وبعدها أي حاجة خير من ربنا وهشكره عليها..



+




برقت عيناها إعجابا بقوله، وتنتظر بفارغ الصبر أن ترى وقع المفاجأة عليه حين يعلم أنه رزق بتؤام من الجنسين.. ولد وبنت..قالت له بغتة:  عابد هو ينفع تصور لحظة مانشوف البيبي فيديو؟ نفسي نسجل اللحظة دي لولادنا بعد كده.. 



+




أخرج هاتفه من جيبه وقال: بس كده؟ عيوني.. 



+




تسارعت دقات قلبها مع سماع صوت صراخ من سكن حشاها وأخيرا جاء الدنيا بقدرة الله وحفظه..بينما تسمرت عين عابد نحو العازل لتتجلى عليهما الممرضة وهي تحمل الصغير الملطخ بالدماء ثم وضعته فوق صدر زمزم گ رد فعل روتيني منها وهي تبتسم لهما فبكت الأخيرة وهي تحضنه وهتفت من بين بكائها:  عابد..شايف ابننا صغير ازاي؟ 



+




أنعقد لسانه واختنقت الكلمات بحلقه وهو يرمق رضيعه بفرحة لم يتذوق قلبه مثلها يوما ومنظر وليده الباكي على صدر والدته شديد الرقة والصغر لدرجة انه خاف أن يحمله فينزلق من بين يديه.. 



+




لتجحظ عيناه وتتسع عن أخرهما بغتة وهو يسمع صوت بكاء رضيع أخر..نظر بذهول تجاه العازل ليجد نفس الممرضة تحمل إليهم طفل جديد وهي تقول:  ألف مبروك.. ربنا رزقكم تؤام زي القمر ماشاء الله. 



+




كاد الهاتف الذي يصور به ما حدث يسقط منه وهو يطالع تؤامه الباكي على صدر زمزم التي تبكي هي الأخرى قائلة:  أهلا بيكم ياحبايب ماما نورتم الدنيا كلها..


ثم نظرت نحوه تهنئه باكية : حمد الله على سلامة ولادنا ياحبيبي..شايف حلوين ازاي؟



+




صدمة المفاجأة تلجمه..زمزم أنجبت له تؤام؟ 


ترقرقت عينه وانهمرت دموعه بغزارة والفرحة تفقده السيطرة وهو يُنكس رأسه باكيًا


لتمد كفها سريعا تتلقف وجهه القريب مجففة عبراته وهي تحاول تهدئته: ربنا عطائه مالوش حدود وانت تستاهل. 



+




حاول أن يسيطر علي نفسه وراح يصور صغاره مغمغما: 


_ كنتي عارفة إن في بطنك تؤام؟؟؟



+




ابتسمت وشاكسته:  طبعا، ازاي مش هعرف يا ذكي.. 



+





        


          



                


لم يجاري مزحتها وعيناه تغمر صغاره بحب شديد، لتعود وتهمس له: 


أنت طيب اوي ياعابد عشان كده ربنا كرمك بيهم..حبتني واتقيت ربنا في ابني اليتيم وعاملته كأنه ابنك اللي من صلبك.. عمرك ماحسستني انه عبء عليك.. عشان كده ربنا رزقك بتؤام يملوا علينا حياتنا ويرسخوا جذور حبنا لبعض أكتر وأكتر..هنربيهم سوا.. هنفرح بيهم سوا.. هنسمع ضحكهم ونلعب معاهم سوا.. خلاص أنا مش لوحدي ولا انت لوحدك.. اسرتنا الصغيرة كبرت ولسه هتكبر.. أنا عايزة اجيب منك أطفال كتير.. العالم ده محتاج نسخ كتيرة منك ولو ان محدش هيكون زيك ابدا يا عابد.. 



+




دنى ولثم جبينها وتحررت منه دمعة فرح سقطت على وجهها..فابتسمت هامسة: دموعك غالية حتي لو كانت دموع فرح..يلا كلم ولادك يمكن لو سمعوا صوتك يبطلوا عياط.. 



+




خاف أن يلمسهم فتكون لمسته قاسية من كثرة ما يرى حجمهما صغير وهمس لهما: أهلا بيكم يا نور عيون بابا.. أنا فرحان بيكم لدرجة مش لاقي حاجة أقولها ولا أعبر عن سعادتي..بس اوعدكم لو ربنا طول في عمري هربيكم افضل تربية مع أخوكم مهند.. 



+




_ حمد لله على سلامة المدام يا سيد عابد..



+




قاطعهم تواصله مع الصغار صوت الطبيب الذي أشار الممرضة أن تأخذ الصغار واصل: دلوقتي الأطفال هيفحصهم طبيب متخصص عشان تطمنوا عليهم وهيفضلوا في الحضانة شوية..وبكرة تقدر تاخد المدام والولاد علي البيت بالسلامة.. وألف مبروك مرة تانية. 



+




راقب صغاره الذين غابوا مع الممرضة وقلبه يصاحبهما ثم عاد ينظر لزوجته قائلا:  حمد لله علي سلامتك يا زوما.. 


بدأ الوهن يصيب أجفانها وهي تغمغم:  الله يسلمك ياحبيبي.. روح بقي فرح عمو وبابا.. وماما.. وطنط.. و



+




وغابت بغفوة سريعا، فقبل جبهتها قبلة طويلة ثم خرج ليزف للجميع خبر تؤامه.. 


____________



+




بكاء الفرحة كان شعار الجميع حين علموا أن عابد وزمزم رُزقا بتؤام..ورغم معرفة عبير ومحمد وكريمة إلا أنهم انهاروا بكاءً من الفرحة كما عانق محمود زوج شقيقته وابن عمه بقوة وهو يبارك له ما جاءه بينما سجد أدهم في اتجاه "القبلة" شكرا لله على ما منح ولده الغالي.. لقد صار "جد" لتؤام.. ويالها من فرحة لا يستوعبها عقله وقلبه معًا..ظلت جبهته على الأرض ودموعه تسقط، فجثى عابد ليعانق أبيه ويهدئه ويبارك ويدعوا له بطيلة العمر ويربي أولاده معه.. ثم ذهب يخبر شقيقه يزيد بالخبر ليشاطره فرحته الأولي.


______



+




في إحدى المشافي المعروفة في القاهرة جاء رائد بزوجته مصطحبين معهم والدتها التي أصرت أن تكون معهم هي وضي فكانت فرصة ليترك رحمة مع الأخيرة في الفندق الذين أقاموا فيه مؤقتا موصدا الغرفة عليهم.. 



+




استودع زوجته عند الله وهي تغيب بغرفة العمليات لتُجري عمليتها الأولي لتجميل حروقها، مع فريق من الأطباء وكبيرهم وأمهرهم يعده بنتيجة مرضية، داعيا أن تكون النتيجة كذلك لها..بصر والدتها التي ترتل القرآن، 


وراح هو يسير بتوتر مجيئًا وإيابًا غير قادر على الجلوس ولسانه يردد  الدعاء.. 



+




وهناك حيث ترقد تيماء على فراش طبي غائبة عن الوعي كانت عين أحدهم ترمقها بشك كأنه يشبه عليها، وماسك التنفس الطبيعي يخفي معظم ملامحها مع غطاء الرأس الذي يبتلع رأسها..لم يتثنى له التأكد إن كان رآها قبلا أم لا..نظر سريعا لأسمها المدون أمامه "تيماء" فوجد الأسم غريب لم يألفه.. 



+




_ مركز معانا يا دكتور حازم؟



+




انتفض سريعا على صوت أستاذه قائلا:  أيوة يا دكتور عز كنت بتأكد إن المريضة غابت عن الوعي.. 


_ تمام..(ثم بدأ يوجه حديثه لباقي الفريق)  زي ما انتم شايفين دي حالة حرق خطيرة تصنف من الدرجة الثالثة.. واصلة لكل طبقات الجلد ومسببة تشوهات صبغيه بلون الفحم في معظم المناطق اللي طالها الحريق للأسف..العملية دي هتكون أول اختبار عملي ليكم، ركزوا كويس لأنها فرصة ممتازة هتفيدكم جدا في رسالة الدكتوراه..



+




ابدوا حماسهم واستعدادهم التام لتلقي وتعلم كل ما سيفعله استاذهم ومثلهم الأعلى..بينما رمق حازم الفتاة بنظرة أخيرة وشعور مبهم يصيبه كلما بصرها ثم انخرط مشاركًا ومتابعا كل التفاصيل بإهتمام بالغ كي يستفيد من تلك الفرصة التي أتته بترشيح مسبق من الطبيب المشرف على رسالته.. 


____________



+




مر الوقت عليه طويلا وهو ينتظر أن ينفرج ذاك الباب الموصد ويطمئن علي حالة زوجته..بينما تصلي والدتها بإحدي الغرف الجانبية وتدعوا لابنتها، وبعد لحظات لمح رائد خروج أحد الأطباء الصغار من فريق طبيبهم الأكبر، فهرول يسأله:  ايه الأخبار يا دكتور..العملية نجحت؟ مراتي بخير؟؟؟



+




أومأ له الطبيب مبتسما بهدوء:  اطمن، من حسن الحظ ان طبيب بارع زي دكتور "عز" هو اللي أشرف على العملية..عموما المدام بخير وهتطمن أكتر بعد ما تشوف النتيجة بنفسك..حمد الله علي السلامة. 



+




وابتعد عابرا أمام والدة تيماء التي ظهرت لتوها أمامه تنظر له وهي تصيح بذهول:  حازم؟؟؟؟؟



+




لتتسمر  قدم الأخير فور رؤيتها رامقا أياها بدهشة تفوق ما تنضح من عين السيدة.. وعين رائد تتنقل بينهما بريبة ولا يفهم ما يحدث..!


__________

تكملة الرواية من هناااااااا 







تعليقات

التنقل السريع