القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية حصنك الغائب الفصل الثالث عشر والرابع عشر بقلم دفنا عمر (حصريه في مدونة قصر الروايات)

 


رواية حصنك الغائب الفصل الثالث عشر والرابع عشر بقلم دفنا عمر (حصريه في مدونة قصر الروايات) 






رواية حصنك الغائب الفصل الثالث عشر والرابع عشر بقلم دفنا عمر (حصريه في مدونة قصر الروايات) 

رواية حصنك الغائب 


بقلم دفنا عمر


الفصل الثالث عشر


************



+




بعد صعودهما للغرف طمعًا بنيل قسطًا من الراحة، استعدادًا لسهرة عائلية جائعة نفوسهم إليها بعد سنوات غربتهم.. تمتمت عبير وهي تعلق بعض ملابسهما بالخزانة: 



+




استقبال عيلتك حاجة تفرح وتشرف يامحمد.. ماتتصورش ازاي مبسوطة بيهم.. وولادنا باين عليهم الراحة هما كمان.. محمود اندمج جدا مع عابد، وزمزم مع جوري وعطر بنت خالتها، وانا حبيت كريمة جدا.. ومع إني كنت مضايقة إن لسه تشطيبات فيلتنا مش خلصت وإننا هنضطر نقضي وقت عند أخوك أدهم.. بس دلوقت مش عايزة بيتنا يخلص أصلا.. عشان نفضل معاهم شوية! 



+




ربت على ظهرها ومازالت ترتب أشيائهما بالخزانة، وتمتم وهو يتجه لفراشه: أنا كنت عارف إنكم هترتاحوا هنا.. أحنا محتاجين لمتهم دي وهما كمان فرحانين بينا اوي..! وأستطرد بتساؤل شابه القلق: 


بس تعرفي ياعبير.. في حاجة مش مريحاني في نظرات أدهم وعاصم اما سألت عن بلقيس ويزيد.. عاصم بالذات كأن في حاجة مش مظبوطة وبيداري، ومراته "دُرة" المفروض تكون متواجدة في التجمع ده



+




أردفت وهي تستدير لتجلس جواره: أحتمال يكون في مشكلة وهما طبيعي مش هيقولوا عليها كده اول ماتوصل.. بس بلاش قلق يامحمد اما تجتمع بيهم اسألهم واطمن. وبإذن الله خير ماتقلقش..ربنا يجيب العواقب سليمة!



+




أومأ برأسه وبدأت أجفانه تثقُل رويدًا وتتراخى، حتى غفى دون أن ييمدد بجسده بشكل مريح، فحركته زوجته برفق لتصبح نومته مريحة، واستلقت على ظهرها تشتاق نومة عميقة هي الأخرى.. فالنوم جافاها لأيام قُبيل سفرهما من أوكرانيا.. انشغالا بشراء الهدايا وترتيب الحقائب وإنجاز الكثير من الأشياء الأخرى! 


____________________________



+




غفى صغيرها، وحاولت النوم هي الأخرى فعاندها سلطانه، نهضت بحذر من جانب مهند وولجت شرفة غرفتها لتلفحها نسمات باردة معبئة بروائح طيبة.. فتشربت حدقتيها جمال الحديقة الخضراء وما أروعها من منظر، وتسائلت بانبهار من يشرف عليها يا تُرى؟! 



+




وأثناء تأملها الهاديء من شرفتها لمحها عابد الذي كان ينقل بعض حاملات النباتات الخضراء، متوجهًا لزاوية جلوسهم المعدة مسبقًا لسهرتهم الليلة گجلسة تليق بتجمع العائلة بعد غياب.. أشار لها بكفه إن كان هناك ما يزعجها.. فهزت رأسها بالنفي.. فأشار لها مرة أخرى بطريقة أخبرتها أنه يقترح عليها أن تأتي وتشاركهم ما يفعلون.. فراقها الأقتراح كثيرا، وأشارت له بأبهام كفها بحماس لفركته أنها ستأتي لتنضم إليهم وتشارك مايفعلون..! 



+




بعد دقائق.. أتت فقابلها عابد بدعابة: 


إيه رأيك في لغة الإشارة اللي اتكلمنا بيها من شوية؟



+




ضحكت ضحكة قصيرة: ودي حاجة اكتشفتها في نفسي.. طلع لغة الأشارة مش صعبة.. وأصلا أنا مقدرش اتكلم مهند كان هيصحى ويعيط! 



+





                


_ لأ كله إلا قلق نوم البرنس مهند اللي هيبقي لعبتنا كلنا.. وواصل: ربنا يحفظه ليكي! 



+




أردفت بود: شكرا ياعابد.. ها؟ قولي بقى أساعدكم إزاي عشان مش اعطلكم؟



+




_ بصي أنا هطلع فوق الشجرة وانتي ناوليني اللي اطلبه! 


وافقته وبالفعل تسلق الشجرة الفارعة وراح يمرر فرع الإضاءة الملون من بين جزوعها.. ثم نزل وتسلق أخرى وهكذا.. فتسائلت زمزم: 



+




هو فين جوري وعطر مش بيساعدوكم ليه؟


أجاب: عطر هتيجي بالليل عشان باباها هيوصل انهارة من القاهرة، كان بقاله فترة هناك وواحشها وهو كمان جاي بالليل.. جوري هناك أهي مع ياسين بتوزع الورد على الطاولات، أصل احنا ناويين نقلب الجنينة كافيه وهندفع الكل بالليل حق المشاريب.



+




ضحكت برقة: واضح انكم بتنظموا سهرة تحفة..وأنا مستعدة للفاتورة بتاعتي، بس اعملوا حساب ابني في زبادي..فأكمل عابد مازحًا: لا انا عازمك انتي وعمي ومرات عمي ومهند.. بس اخوكي محمود بس اللي هيدفع لنفسه



+




قهقهت مرة أخرى وواصلت وهي تتابع بعيناها مشاكسات جوري مع الأخر: أختك وابن خالتك شكلهم بيتخانقوا ولا إيه..! 



+




التفت ليبصرهم، فوجد ياسين يمسك زجاجة و ينثر المياة على جوري التي تصرخ ليكف عن ما يفعل! فهتف عابد ساخرًا: متحطيش في بالك يازمزم، هو كل عيلة كده لازم يبقى فيها أتنين معاتيه! ( ضحكت بخفوت لتعقيبه الساخر) فاستأنف: 



+




على فكرة " ياسين " يبقى أخو عطر.. هو لسه جاي هيقضي معانا لحد بكرة وراجع القاهرة.. أصله شغال دلوقت مع اخويا يزيد في القاهرة! 



+




هزت رأسها بتفهم متمنية التوفيق للجميع، فتسائل: بس انتي ليه معرفتيش تنامي زي الباقيين؟! في حاجة مش مريحة في "أوضتك"؟



+




نفت على الفور: لأ طبعا بالعكس دي جميلة ومريحة.. بس انا فيا عيب رخم شوية.. لو غيرت مكاني مش بنام بسهولة.. لازم اتعود على المكان! 



+




وافقها قائلا: أنا توقعت كده.. كتير بيحتاجوا ياخدوا على المكان لو جديد عليهم.. عموما أكيد بالليل بعد سهرتنا هتحسي بإرهاق وهتنامي نوم عميق! 



+




_ أيوة بس المهم الأستاذ مهند يسبني وقتها.. أصله بيحب يسهر بالليل! 



+




كان قد انتهي من تعليق أخر فرع إضاءة، فقفز بخفة وانتصب على قدميه وهتف: 


لا ماتقلقيش خالص.. لو صحي ابقي هاتيه هتلاقي هنا ميت واحد ياخدوا منك ويلاعبوا.. وأنا أولهم! 



+




ابتسمت بامتنان: شكرا ياعابد..!



+




صدح صوت جوري عاليًا بتلك اللحظة: 


_ ياسين ماتعصبنيش.. بطل رش مية علية بقولك، ثم راحت تستغيث بشقيقها ( ياعابد حوش ابن خالتك المجنون ده غرقني وهاخد برد بسببه)



+




توجه عابد وزمزم إليهما وقال الأول : أنت مش هتعقل يا ياسين؟! بترشها بالمية ليه؟



+




ياسين بحنق: عشان الزئردة اختك صورتني وانا باكل سندوتش والصورة عار بقولها امسحيها مش راضية وقالت هتبعتها ليزيد اخوك.. وطبعا اخوك هيوريها لأحمد، ويستلموني تريقة بقي الاتنين أما ارجع بكرة، يبقي تستاهل ولا لأ؟ وواصل بتحذير مضحك: وخليك حقاني وانسى أنها اختك! 



+





        



          



                


جوري بتهكم وهي تضع كفيها بوسط خصرها: ينسى إني إيه؟! يعني يتبرى مني عشان ترتاح؟


تراقب زمزم باستمتاع وصمت ما يحدث، فتمتم عابد بهدوء مريب غير معهود به: وانت عارفني حقاني يا ابو السيد..والتفت لشقيقته يؤنبها: عيب ياجوري كده، ابن خالتك وأكبر منك ومايصحش كده! هاتي الفون وأنا اللي هلغي الصورة.. رمقته بذهول، فصرخ عليها: بقولك هاتي الفون! 



+




حدجته بغضب ثم تأففت وناولته الهاتف: أتفضل بس مش هتكلم معاك أسبوع كامل ومش هنسالك انك خدت صف ياسين! 



+




اقترب منها ووجه عابس ملتقطًا الهاتف، ثم غمز لها بالخفاء، فأدركت أن أخيها يحيك مكيدة لابن الخالة، فتظاهرت بالحنق وسلمته إياه! 



+




أما ياسين فارتاب أكثر.. ليس من عادة عابد أن يتصرف بعقل، ثم. انتبه لزمزم وأومأ متمتما داخله بخبث: فهمت سبب الرزانة المفاجئة دي.. عاملي عاقل قصاد بنت عمك.. وماله المهم الصورة العرة دي تتلغي.



+




وقف عابد جواره وقال وهو يضع ذراعه على كتفه بود مُقلق: شوفت أخوك اشتراك ازاي.. وهحذف الصورة قدامك كمان.. وبالفعل حذفها أمام عين ياسين الذي اطمئن وارتخت عضلاته التي تحفزت تحسبًا لأي غدر من عابد، لكن لم يدم اطمئنانه والأخير يقيد جسده بغتة من الخلف صائحًا بجوري: هاتي الحبل بسرعة قبل ما ديك البرابر ده يفلت مني ويتغابى! 


ركضت جوري وهي تضحك بتشفي منتصر وأتت بحبل غليظ، وياسين يعافر بشدة للتحرر من ذراعين عابد الحديدية وهو يبرطم بسباب خافت حرجًا من أن تسمعه الفتاتين، وبصعوبة شديدة قيده بجزع بشجرة تحت أنطار زمزم المذبهلة وهي تتابع ذاك المزاح الذي لم تعهده مع شقيقها محمود.. أما جوري فصفقت بيديها وقالت بحماس: 


يعيش عبودي البطل.. بهدله وصوره وهو كده وابعتها ليزيد اخويا.. 



+




عابد: يزيد بس؟! ده انا هبعت الصور لأصحابه وهشيرها فيس كمان..



+




زمزم وهي تقاوم الضحك: عابد مايصحش كده ابن خالتك هيزعل منك! 


ياسين بانهيار: قوليله يا اخت زمزم انتي العاقلة اللي في الجونينة دي! 



+




عابد: أخرس خالص.. انت هتعمل فيها كيوت؟.. نسيت المقلب بتاع المرة اللي فاتت والصورة اياها؟ اما قولتلك مش هسيب حقي وهردهالك! 



+




زمزم بفضول محبب وقد تناست رصانتها المعهودة وسط تلك الأجواء المرحة: صورة إيه يا عابد احكيلي! 



+




عابد: لا ماتاخديش في بالك يازمزم دي حاجة بنا



+




ياسين وهو يهدد بثأر: أنا هقولها،. البيه كنا في المول مع اصحابنا وبنتصور وكان معاه ساندوتش شاورمة، تخيلي المعتوه ده يحطه في جيبه وهو بيتصور؟ وواصل بابتسامة بلهاء: وانا بصراحة ركزت عليها وبعتها لكل اصحابه واولهم يزيد واحمد اللي نشرها ع الفيس وبقيت فضيحته بجلاجل.



+




انفجرت جوري وزمزم ضحكًا في آنٍ واحد.. 


فرمقه عابد بحنق وتمتم (ماشي انا هعمل فيك الأسوأ..) فتسائلت زمزم من وسط ضحكها: ازاي ياعابد تحط سندوتش في جيبك؟ هو موبايل؟!



+





        


          



                


أجابها: يعني ارمي نعمة ربُنا ع الأرص؟ كنت جعان اوي ولو سبته كان واحد صاحبي مفجوع أكله، فقلت احطه علي أساس البني آدم الغبي ده مايظهروش في الصورة، بس هو طلع ندل



+




عادت ببصرها تنظر لياسين فوجدته يبتسم ببلاهة مضحكة وكأنه يعلن عن معجون أسنان



+




لم تستطع مقاومة كل هذا الكم من مزاحهم مع مظهر ياسين، فأطلقت ضحكتها مستمتعة بدرجة لم تكن تتخيلها بينهم، خاصتًا أن جوري عادت تشاكس ياسين، وعابد يقوم بتصويره وابن الخالة يصرخ مطلقا الوعود بأنه سيأخذ ثأره، وهي تتابع كل هذا بمتعة جمة! 



+




لم تكن تدري أن هناك من يراقبها من علياء شرفته وعيناه تضوي بسعادة: 



+




_ مش قولتلك ياعبير! زمزم حالتها النفسية هتتحسن هنا بسرعة.. بذمتك من قد أيه ماسمعناش صوت ضحكتها اللي من القلب ؟



+




أشرق وجه زوجته وحدقتاها لا تفارق محيا ابنتها: عندك حق يا محمد.. أفضل قرار أخدناه إننا نزلنا في التوقيت ده.. وتسائلت: بس محمود مش معاهم ليه؟


كان زمانه اتبسط وهزر هو كمان.. ولادنا ماعاشوش الأجواء الدافية دي قبل كده! 



+




_ هتلاقيه لسه نايم لأنه مطبق سهر من امبارح.. إيه. رأيك ننزل معاهم وانتي تساعدي كريمة لو بتعمل حاجة، وانا هتكلم شوية مع أدهم.. ( وافقته، وهبطا سويًا ليشاركا الجميع جلستهم)..!


__________________________



+




عطر وهي تعانق أباها بقوة فور وصوله: 


_ حبيبي يا بابا وحشتني أوي.. المرة الجاية هروح معاك عند جدو وتيتة وعمتو! 



+




ضمها بحنان وشوق: وانتي أكتر ياروح بابا.. بإذن الله المرة الجاية تكوني معايا..!..وواصل: أمال فين. ياسين أخوكي؟



+




_ عند خالتو، بيساعد عابد في تحضير سهرة لينا كلنا على شرف وصول عمو محمد أخو عمو أدهم! 



+




ضوت عيناه بحنين: يااااه.. أخير نزل مصر.. ده واحشني أوي.. ثم حدثها وهو يجلس على مقعد قريب: ده صديق عمري يا عطر.. عمرنا ما افترقنا إلا أما هو سافر أوكرانيا يكمل دراسته واشتغل واستقر واتجوز هناك.. بس دايما كنا متواصلين بمكالمات ورسايل! 



+




فدوة: خلاص " كُل " لقمة معانا ونام شوية وارتاح من السفر، وبعدها كلنا هنروح نسهر معاهم.. كريمة وأدهم منتظرين ومأكدين عليا..! 



+




عطر وهي تقبض ذراع أبيها: انا هنام في حضن بابا واصحى معاه..! 



+




فدوة بامتعاض: هنبتدي بقى الدلع.. ثم نظرت لزوجها تشتكي له: تخيل المحروسة بنتك طول الوقت زعلانة واقولها مالك، تقولي بابا واحشني وعايزة انام في حضنه.. عجبك دلعك المريء فيها يا سي ناجي! 



+




رمق ابنته بحنان، وأخذها تحت ذراعه، وهو يحدث زوجته بمشاكسة: بطلي غيرة يا فدوة.. أنا أصلا ماكنتش هنام إلا اما اخد بنتي في حضني..! ثم تشمم شعرها متمتما: وحشتني حتى ريحتها الحلوة زي اسمها..! 



+





        


          



                


استنار وجه عطر بزهو وغرور محبب وهتفت: حبيبي ياناجي.. يارب اتجوز واحد يعاملني زيك كده.. انت بتحسسني إني أميرة يا بابا.. أنا بحبك أوي أوي! 



+




راقبتهم فدوة وهما يبتعدوا متعانقين، وفاضت عيناها بحنان لتعلق عطر بأبيها بشكل كبير.. وكذلك هو يعشق حتى رائحتها دون مبالغة.. تذكرت قُبيل ولادتها وكيف نذر لله نذرًا إن أعطاه فتاة بعد ياسين.. سيقوم بأداء " عمرة" گهدية لصغيرته! وكيف كانت عطر لا يهدأ صراخها إلا حين يهدهدها هو حتى تغفو گ العصفورة الصغيرة بين كفيه.. ابتسمت وگأنها تراها.. حجمها عند ولادتها ربما لم يتجاوز كف يد أبيها، وتذكرت بكائها هي المضحك حينها كلما بصرت هزلانها تقول ( البنت صغيرة أوي ياناجي.. أنا خايفة عليها.. ده ياسين كان قدها مرتين)..كان يطمئنها أنها ستكبر ويشتد عودها.. وبالفعل أصبحت صغيرتها الآن فارعة الطول.. شابة جميلة تشتهي العين رؤيتها.. وبقدر انطفائها الأيام الماضية وحزنها وانطوائها الغريب، وكأن الصغيرة أصبح لديها أسرار تخفيها وتؤرقها.. بقدر ما تورد وجهها الآن بحضور ابيها..!



+




نفضت عنها أفكارها، وتمتمت: كفاية سرحان بقى اما اروح اشوف الغدا بتاع ناجي.. وأكملت بحقد زائف: اللي جري ياخد المفعوصة بنته في حضنه وطنشني على الأخر..وواصلت بتوعد: ماشي ياناجي.. هعرف ازاي اخد حقي منك...... ياواحشني


_____________________________



+




في منزل عاصم! 


_ أنت مش هتروح تسهر مع أخواتك وولادهم؟ دول عاملين سهرة مخصوص، روح ياعاصم وغير جو.. وانا هنا مع بلقيس ماتقلقش! 


_ لا يا دُرة، مش هنبسط من غيركم. هبقي اعدي عليهم الصبح، خليني معاكم يمكن تحتاجوا حاجة! 


حاولت إثناؤه عن عزوفه بمشاركة أشقائه تجمعهم: 


ياعاصم روح انت حتى ساعة وارجع، محمد لسه مش عارف حاجة وممكن يزعل منك! لولا إن مش حابة حد يضايق عشان بلقيس كنا روحنا..انا عايزاهم يكونوا براحتهم يضحكوا ويهزروا..! 



+




_مافيش مشكلة خليهم براحتهم، ماتقلقيش أدهم فاهم وهيحل الموضوع خلاص . روحي هاتي طبق فاكهة عشان أأكل بلقيس بأيدي ونتفرج سوا على فيلم.. الدكتور نصحنا نخليها تمارس كل حاجة كانت متعودة عليها وإن ده هيحفز رغبتها عشان تقاوم عزلتها ..واستأنف حديثه: وعلى فكرة يا دُرة الدكتور نصحني اغير مكان بلقيس خالص، وأنا بفكر ننزل بيها القاهرة، يمكن تغير الجو يفرق معاها..وفي دكتور تاني ممكن يتابعها معاه في القاهرة، إيه رأيك؟



+




_ يعني عايزنا نسيب المنصورة؟



+




_ وفيها إيه، فترة. لحد ما ربنا يفرجها وتخف بنتنا وبعدها نرجع، واهو لينا بيت هناك الحمد لله! 



+




ماشي ياعاصم، أي حاجة هتفيد بلقيس نعملها..! 


_ تمام، هخلي حد ينضف البيت هناك وهنتنقل القاهرة فورا..! 


________________________



+




في المساء! 



+




محمد وهو يوزع أنظاره على زاوية جلوسهم المقام به سهرتهم بانبهار حقيقي: مش معقول! إيه الجمال ده كله! بجد قاعدة ملوكي.. تسلم ايديكم يا ولاد، المكان بقي شكله يجنن ومبهج فعلا! 



+





        


          



                


محمود: ده انا شكل باكورة اختراعاتي في البرمجة هتتولد في المكان التحفة ده.. بجد يفتح النفس! 


زمزم بإيماءة: والله عندك حق.. المكان مبهر! 



+




عبير متفحصة كل الأركان المزينة بذات الانبهار: ماشاء الله! جمال المكان مش طبيعي.. أنا متهيئلي هفضل صاحية الليل كله مش هنام واحرم عيني من السحر ده! حقيقي شكرا لتعبكم! 



+




ربتت كريمة على كتفها: البيت كله تحت أمرك اسهري وخليكي براحتك.. ثم واصلت بزهو: المهندسة عطر بنت اختي اللي صممت الزاوية دي وأدهم وفرلها كل طلباتها عشان يطلع المكان كده، وقال ده هيكون مكان مميز نقضي فيه سهراتنا لما تيجو ،وكل تجمعاتنا الحلوة، وخصوصا رمضان ومافيش أحلى من تشريفكم اللي نور البيت كله! 



+




ابتسمت عبير وعيناها تنهل من سحر المكان براحة: ربنا مايحرمنا من لميتكم حوالينا! 


وواصلت تحدث زوجها: محمد انا عايزة ركن زي ده في حديقتنا وإلا مش همشي من بيت أخوك! 



+




ضحكوا جميعهم، ثم هتف زوجها: من غير ماتقولي.. كنت ناوي على كده، وهخلي عطر اللي تصممه، بصراحة البنت دي موهوبة جدا جدا..! 


زمزم التي شاركتهم الرأي: بصراحة انا حقيقي معجبة بشغلها، ليها حق تختار مجال الهندسة وتتخصص في التصميم! 



+




عابد باعتراض وغيرة مضحكة: هو كل الشكر ده لست عطر؟ لعلمكم أنا مفاجأتي هتكون أحلى من القردة دي! 


زمزم: طب إيه هي المفاجأة يا ابن عمي؟! 



+




تمتم وهو يضم ياقة قميصه بغرور مضحك: 


مابحبش اتكلم عن نفسي كتير، بس هتنبهري! 



+




قهقهة محمد: والله أنا مبهور من غير حاجة يا حبيب عمك.. بس لعلمك انتو لعبتوا في الملعب لوحدكم لو يزيد هنا كان بدع هو كمان ومحدش فيكم كان فرد عضلاته.. دي لعبته! 



+




أتى أدهم حاملًا الصغير " مهند" وهو يداعبه: لا سيبك من كل ده يامحمد، أحلى ما في الليلة دي كلها ومخلي المكان والقعدة ليها طعم هو " هوندة" حبيب جدو أدهم!



+




ما أن أبصروا الصغير حتى تقاذفته الايادي متسابقين بحمله لتدليله ومداعبته.. وبعد قليل توافد عليهم أسرة " ناجي" الذي عانق رفيقه بلهفة: 


_ أخيرًا شوفتك يامحمد.. واحشني ياغالي..!



+




عانقه الأخير بمشاعر مماثلة: أنت اكتر ياناجي والله ..ثم شمله بنظرة متفحصة: بس عجزت بدري كده ليه. وبعدين إيه الكرش ده كله انا كنت سايبك مفتول العضلات ورشيق ياصاحبي! 



+




قهقهة أدهم على حديث شقيقه، معلقًا: 


مش ناجي بس يا محمد.. بص على كرش اخوك الأول وبلاش إحراج ياعم.. أنت كنت في دولة أوربية والحياة فيها مختلفة! 



+




أردف ناجي مشاغبًا وهو يمازح رفيقه: سيبه يتريق علينا براحته يا أدهم.. هو شهر واحد، هياكل الرز المعمر والمحاشي واللذي منه.. ويبقى يكلمنا عن رشاقته بعد كده! 


ضحك محمد ثم نظر لعطر وتمتم: تعالي ياحبيبتي اما اشكرك على لوحة الإبداع اللي صممتيها.. وواصل وهو يحدث ناجي: : 


والله وعرفت تجيب بنت فنانة ومرهفة يا صاحبي! 



+





        


          



                


رد الأخير بمزاح: طالعة لأبوها طبعا 



+




فدوة باستنكار: نعم؟ لا طبعا دي نسخة مني.. انت أخرك تبيع محصول القطن بسعر كويس، صح ولا لأ



+




غمغم ناجي بصوت مسموع أضحك الجميع: 


هو الواحد مايعرفش يفشر شوية من نفسه! 



+




ضحكت عطر وردت بتهذيب: شكرا يا عمو.. دي اقل حاجة نعملها فرحة وصولكم بالسلامة! 



+




ثم تبادلت التحية مع الجميع! وجاءت لحظة هدية عابد المميزة.. بعد أن طلب من الجميع الصمت وأطفأ الإضاءة.. وبث من خلال شاشة عرض صخمة، فيديو خاص جمع فيه كل صور الطفولة القديمة التي تخص الأشقاء ( عاصم وأدهم ومحمد مع والديهم) يصاحبها أغنية تناسب أجواء الذكريات القديمة.. ومع كل صورة ضوئية تعرض، تزحف دموع محمد وأدهم وهما يستعيدان لحظات طفولتهما البعيدة.. ثم. أختتم. أخر دقائق بصور الجميع بكل مراحل أعمارهم.. طفولة جوري وعابد ويزيد وبلقيس وعطر وياسين وايضا زمزم ومحمود.. ولم ينسى خالته فدوة والعم ناجي، ثم صورهما الحديثة التي ختمها دعاء رائع بدوام تلك الأواصر الدافئة بينهم طوال العمر..! 



+




بمجرد انتهاء الفيديو.. صدع تصفيقهم مع صافرات ياسين الحماسية لهدية عابد التي أسعدت الجميع بحق وجعلت أحداقهم تزرف دموع الحنين لأيام مضت! 



+




نهض محمد ليحتضنه: انت رجعتني 20 سنة الفيديو ده عابد.. ربنا يفرح قلبك يا أبني..!



+




بادل العم عناقه: الحمد لله إن عجبك هديتي ياعمي، وعلى فكرة حطيته على سي دي وعملت نسخ للكل، عشان نحتفظ بيه.. التليفون مش مضمون! 



+




أدهم وهو بجفف دموعه: طلعت حسيس يا واد ياعابد، أمال سايق علينا جنان ليه على طول؟



+




مازح أبيه: أهي لحظات وبتروح لحالها يا حاج



+




عبر الجميع عن إعجابه بصنيع عابد، وظلوا جميعهم يتبادلون المزاح وحديث الذكرايات، كما أحضر عابد ألعاب( الشطرنج والطاولة والدومينو)، ليلعب كل فريق منهم على حدا .. إلى أن تسائلت زمزم: أمال فين عمو عاصم وطنط دُرة، وبلقيس.. أتأخروا أوي، مش هايجوا يسهروا معانا لا إيه. ؟ 



+




تبادل أدهم وكريمة النظرات، فأسرع عابد يجيبها: بلقيس تعبانة شوية يا زمزم.. وطبعا هما معاها.. انتي عارفة بقى، بنتهم الحيلة وبيخافوا عليها زيادة.. بس أكيد هنعوضها..السهرات الحلوة في بيوتنا مش هتخلص إن شاء الله! 



+




هتفت بجدية: طب أنا عايزة ازورهم واطمن على بلقيس.. ممكن توصلني؟



+




تبادل مع والديه نظرة قَلِقة، لم تغيب عن أنظار " محمد المتابع بصمت، فأردف عابد: بصي هي أكيد هتكون نايمة دلوقت.. خليها بعدين وانا واوعدك أخدك هناك تشوفيها"



+




رضخت لنصيحته، وأكملوا سهرتهم متبادلين أحاديث هم الدافئة وذكريات الأصدقاء إلى أن مضى الوقت سريعًا..وبدأ النعاس يداعب أحداق الجميع..!



+





        


          



                


فنهض ناجي مستئذنًا: شكرا ياجماعة على السهرة الحلوة دي.. وخدوا بالكم التجمع الجاي هيكون عندي..!



+




تمتمت فدوة بترحيب: أكيد عشان نتبارك بيكم ونتشرف بحضوركم..! 



+




عبير بامتنان: كلك ذوق يافدوة.. بلاش تعب ياجماعة احنا مش غرب! 


أردفت بصدق: وهو الأحتفال بيكون للغريب وبس.. بالعكس أحنا مشتاقين للتجمعات الحلوة دي.. قبل ما الدنيا تلهي كل واحد فينا..!



+




هتفت كريمة: خليكي انتي الأسبوع الجاي يافدوة


يكونوا ارتاحوا يومين من سفرهم.. ويكون يزيد جه وسلم عليهم..واحنا كده كده مع بعض! 



+




واصلوا الحديث عن تجمعات مرتقبة احتفالا بمحمد وعبير وأولادهما والذين وشكروا لهم مشاعرهم الطيبة وحفاوة استقبالهم! 



+




أما عطر.. فعصفت عيناها بشوق هاج داخلها بذكره، وقد مضت أشهر طويلة ولم تراه، أو تحادثه.. حتى عندما عَلِم بحادث بلقيس، لم يتثنى لها فرصة لتبادله كلمة واحدة رغم وجودها بمحيطه.. وبالأدق هي من تجنبت أي لقاء أو حديث بينهما.. لقد عاهدت نفسه ألا تسعى إليه بعد الآن، حتى وإن ظل قلبها اللعين يشتاقه ويناديه.. لكن هذا أفضل من عذابها كلما رأت توهج عشقه لأبنة العم يضوي بعيناه گشعاع شمس تحرقها وحدها، يكفيها عذابًا إلى هذا الحد.. ولتصب كل تفكيرها وجهدها بدراستها وإثبات نفسها.. يجب أن تتميز ليرى عطر جديدة غير التي يعرفها.. لن تعود صغيرته بعد الآن.. ستصبح أنثى تبصرها عينه يومًا ما كما تستحق أن يراها.. وحينها.. حينها فقط.. ستتجلى أمامه بكل ثقة.. بكل كبرياء.. ومن يدري.. ربما يموت داخلها تلك النبتة الهائمة تجاهه.. ويُشفى قلبها العليل من عشق مبتور إحدي طرفيه! 


_____________________



+




في صباح اليوم التالي



+




استنشق محمد رائحة القهوة باستمتاع متمتما: الله على القهوة وريحتها..ثم قضم واحدة من بسكويت طيب المذاق وهتف بإعجاب: طعمه حلو أوي البسكوت ده أدهم! 



+




ربت على كتفه بحنان: بالهنا والشفا ياحبيبي.. أم السعد مظبطاكم.. وكمان كريمة عملت أصناف ليكم بأيدها من فرحتها بوجودكم! 


محمد: يسلم إيديهم كلهم.. وبعد صمت قصير: 


أدهم.. هو في حاجة حاصلة معاك انت وعاصم ومعرفهاش؟! وأرجوك تصارحني لأن متأكد إن في حاجة مش طببعية ومن حقي اعرفها..! 



+




تنهد أدهم وشعر بثقل همومه وحزنه.. وأيقن أن لا مفر من إخبار محمد بكل شيء، بعد أن أصبح بينهما بشكلٍ دائم.. وربما الآن أفضل توقيت لقص كل ما يخفى عن دائرة علمه! 



+




أسترسل يقص عليه كل ما حدث بداية من إنهاء خطبة يزيد وبلقيس، ثم الحادث البشع الذي مرت به للأخيرة.. والذي نتجت عنه حالتها النفسية المعقدة، وعزوفها عن الحديث أو التفاعل مع أي شيء أو أحد.. وهذا سبب معاناة عاصم وزوجته.. وأيضًا سبب طلبه أن يستقر بينهما.. ليحمل معهما كل العبء.. وطاقة عاصم العملية خبت حماسها وذهنه بأكمله أصبح منشغلا بابنته المريضة..!



+





        


          



                


أطرق محمد رأسه بألم وحزن كبير: كل ده يحصل لاخويا وبنته وانا معرفش.. ويزيد اللي روحه في بلقيس.. أكيد نفسيته تعبانة سواء بعد اللي حصل معاها..ثم رفع عيناه الدامعة لشقيقه: كان لازم تعرفني من بدري يا أدهم عشان اكون في معاكم..!



+




ربت علي ركبته متمتما: كان كفاية عليك غربتك يامحمد.. هقولك إيه بس.. أنا كل اللي قدرت اعمله أني قولتلك انزل..والحمد لله أديك مخزلتنيش ونزلت بعيلتك.. وانا واثق إن كل حاجة هتبقي بخير مادام بقينا سوا.. ولادنا هيسندوا بعض، وزمزم هي كمان هتكون أحسن وسط ولاد عمامها وهتعيش حياتها.. طول ما كلنا سوا هنخرج من أي محنة..!



+




أومأ بحزن: عندك حق.. وانا اوعدك مش هسيبكم تاني يا أدهم، وتعالى معايا نروح لبلقيس أشوفها واطمن عليها..! 


أدهم: ماشي يامحمد ، يلا بينا..! 


_______________________



+




لا تصدق رودي أنها تلقت عرض زواج من والدة رائد التي تحدثت مع أبيها بعد أن حاولت استنباض موافقتها أولًا .. وبالفعل أوحت لها رودي بشكل غير مباشر أنها لن تمانع تلك الزيجة.. رغم رفض والدتها حين علمت واستشاطت منها غيطًا وغضبًا .. متهمة إياها بالغباء لتقبلها فكرة الزواج بشخص في نظرها فاقد للعقل وليس الذاكرة.. عازفة عن عروض زواج تأتيها من أرقى وافضل العائلات.. لكنها رفضت الجميع، ولم تقبل بسواه.. " رائد" رفيق طفولتها وحبيبها ومحور أحلامها ومالك مشاعرها الأولي و الخفية! ودائمًا ما كان ينبأها قلبها أنها ستحظى به وحدها في يومٍ ما.. كان حلمًا أضحى الآن بطور التحقيق.. حتى وإن لم يتذكر تاريخهما معًا.. ستصنع معه تاريخًا جديدًا..بتفاصيل أكثر دفئًا..سيحيا أيامه القادمة تحت سماء عشقها له.. سيتعلم على يدها ابجدية الحب ويبصر بهجة ألوان الحياة حين تكون زوجته.. وحين يعود لماضية.. ستكون جزءً من حاضره..ومستقبله الآتي! 


______________________



+




لا تعرف لما يجول بقلبها شعور غريب خفي داخلها.. أن رحلتها بتلك الحياة شارفت على الإنتهاء..الإعياء يشتد عليها دون أن يلاحظها أحد. ومن ييعلم أنها تعاني مرضًا بالقلب منذ أعوام قليلة؟! لم تخبر أحدًا.. ومن سيهتم.. لديها ولدان أولهم يستقر بحياته بعيدًا بين أسرته.. والأخر تائهه طول الوقت، مشتت.. يحارب عقله ليستعيد ذاكرته دون أدنى تحسن.. ليستسلم لنوبة نوم طويل ليعود بعدها لحالة التيه والتشتت والوحدة التي تقتحمها خطيبته رودي دائمًا فارضة وجودها حوله.. لا تستسلم ابدا لعزوفه.. تحاول مشاركته كل شيء.. وواثقة أنها يومًا ما ستكسب قلب ولدها وتأسر تفكيره.. ولن يكون له ملجأ بعد الله سواها.. هي حاضره ومستقبله وأنيسته بعد أن ترحل هي عن عالمه إلى الأبد.. رحيل تشم رائحته الآن.. ولن تضيع لحظة واحدة.. فلتفعل ما يجب فعله دون تباطؤ! 


_______________________



+




أيهم بدهشة: انزل فورًا؟! مش احنا اتفقنا يا أمي في أجازة الصيف نازل عشان نتمم جواز رائد؟


_ لأ.. مش هستني.. أنزل فورا يا أيهم.. وهات ولادك معاك عايزة اشوفهم واشبع منهم شوية.. وكفاية أوي فترة الخطوبة لحد كده.. رائد لازم يتجوز في أقرب وقت! 



+





        


          



                


_ هو في حاجة جديدة طيب معرفهاش؟!



+




هدرت بغضب: وبعدين معاك يا أيهم، لو مش عايز تنزل يابني خليك.. وانا هعمل كل حاجة لوحدي! 



+




هدأ من غضبها وأجابها بلين: طب اهدي ياماما بس انا بحاول افهم.. لاحظي انا هنا مرتبط بشغل ومدارس لولادي.. وده سبب إني بحاول أجل وقت بسيط.. بس ولا تزعلي نفسك.. هنزل انا.. وهسيب الولاد ع والدتهم.. تمام كده ياست الكل؟



+




كانت تتمنى أن ترى أحفادها، ربما لن تكفي أيامها القادمة لأنتظارهم.. حسنًا إن قدر لها خالقها رؤيتهم حتمًا ستنعم برؤيتهم.. تمتمت بصوت أهدأ من سابقه: 



+




_ ماشي يا أيهم.. ومعلش يابني اعذرني في عصبيتي حزني على حالة اخوك هي السبب..انا عايزة اطمن عليه في اقرب وقت بدال ما يغير رأيه ويرفض الجواز بعد كده.. إن كنت دلوقتي بضغط عليه.. ياعالم بكره هيحصل أيه! 



+




_ هيحصل كل خير بإذن الله ..خلاص أنا 3 أيام بالكتير وهكون عندك.. واللي انتي عايزاه هعمله! 



+




اغلقت الهاتف وقد أرتاح قلبها بعض شيء، وتمتمت داخلها بتضرع: يارب ماتاخدش روحي قبل ما اطمن على رائد مع مراته.. مش عايزة اسيبه في الدنيا لوحده.. يارب حققلي امنيتي يا كريم ياعالم بحالي وحال ابني.. واحفظه هو واخوه وولاده ومراته! 



+




وذهبت لتتوضأ وتصلي وتدعو ليستجيب رب العالمين وتسير الأمور كما تتمناها..! 


_______________



+




_ صباح الخير ياعابد..! 



+




ابتسم لها وهو يتناول منها " مهند" ببشاشة: صباح الخير يازمزم ..يارب تكوني نمتي كويس.. ثم نظر إلى الصغير: وصباح الحلويات علي البرنس هوندا..



+




ضحك الصغير بقهقهة محببة لمداعبة عابد له أسفل رقبته.. وتمتمت زمزم: الحمد لله نمت كويس.. صحيح مهند صحصح شوية بالليل ، بس رجع نام تاني..! واستطردت بحماس: على فكرة أنا جاهزة عشان نروح لبلقيس زي ما وعدتني ياعابد.. مشتاقة اشوف بنت عمي واطمن عليها.. وكمان طنط دُرة.. أنا كنت بكلمها كتير واحنا في أوكرانيا .. بس بقالها فترة ماكنتش بتدخل نت معرفش ليه..!



+




شرد عابد قليلا ولما طال صمته هتفت بتوجس: في إيه ياعابد؟! لو مش فاضي وهعطلك هروح أنا عادي! 



+




أجابها هادئًا: إنتي فطرتي الأول ؟



+




_ لسه.. أصل مش متعودة افطر أول ما اصحى! بس فطرت مهند الحمد لله! 



+




تمتم مهتمًا: غلط تأخري وجبة الفطار، تعالي ندخل نفطر مع الكل.. وبعدين هنتمشى واتكلم معاكي شوية!


تصاعد القلق داخلها فقالت: هو للدرجة دي محتاج تستعد للي عايز تقوله.. انت كده زودت قلقي.. لو سمحت فهمني في إيه؟! بنت عمي ومامتها فيهم حاجة؟!



+




تلقى إلحاحها، بمزيد من الهدوء: زمزم أنا هقولك كل حاجة.. بس تعالي نفطر لأن جعان جدا.. وانا هاخدك لبيت عمي عاصم وفي الطريق هجاوبك! 



+





        


          



                


كتفت ذراعيها: شكرًا ياعابد منا قولتلك مش باكل دلوقت اتفضل انت روح افطر وانا هستناك! 



+




صمت برهة، وأردف بعدها: طب خليكي هنا وانا دقايق وجاي! 



+




تركها وراحت تتأمل المكان حولها سائرة ببطء، تجول عيناها بمتعة على تلك الورد الجميلة النابتة وسط فروع قصيرة منبثقة من الأرض!..وبعد دقائق سمعت صوت عابد خلفها يقول: 



+




_ يلا يازمزم تعالي هنفطر سوا..! 



+




التفت له مندهشة وهي تراه يضع " صينية" كبيرة تحوي فطيرة متوسطة الحجم يحوطها أطباق صغيرة من الجبن والقشطة والبيض المسلوق والعسل! 



+




فتمتمت: إيه ده كله؟! وبعدين انا مش جعانة والله اتفضل انت بالهنا والشفا..! 



+




أشار لها أن تجلس بمقعد مجاور: تعالي بس دوقي الفطير ده خطير لو دوقتي لقمة منه مش هتعرفي توقفي أكل أصلا.. يلا بقى وإلا مش هفطر وهيكون ذنبي في رقبتك يابنت عمي! 



+




شعرت بالحرج من إصراره، فجلست جواره، وتناولت لقيمات قليلة وابدت إعجابها بالفعل بما تذوقت، واكتفت رغم محاولته ان تتناول المزيد"



+




_ كده تمام.. اجهزي وانا هستناكي وبعدها نروح لعمي " عاصم"



+




هتفت سريعا: أنا جاهزة اصلا، وحتى مهند كمان عملت حسابي ولبسته طقم حلو! 



+




_ تمام.. وأنا استأدنت عمي إننا رايحين وهو هيحصلنا بعدين! 



+




أومأت برأسها وسارت جواره منتظرة ما سيقوله.. فحاول ترتيب أفكاره ليعرف ما يجب أن يخبرها به، وما سيحجبه عنها..! مراعيًا ذكائها الذي يجب احترامه وهو يحدثها..! 



+




_أحيانا يا زمزم بنتعرض لمواقف صعبة في حياتنا.. مابتقدرش نتحمل تأثيرها ولا بنقدر نتخطاها.. وهنا بيكون الحل الوحيد هو الهروب! 



+




أوجسها غموض كلماته وتمهيده المريب، فهتفت: 


مش فاهمة حاجة.. هروب إيه.. وضحلي أكتر! 



+




ملأ رئتيه ببعض الهواء، وبدأ استرساله الحذر دون الإسهاب بتفاصيل كثيرة! 



+




وبعد انتهاؤه كان رد فعلها بعد شهقة ذاهلة: 


أختطاف؟؟؟؟ ازاي فهمني ياعابد قلبي هيقف! 



+




_ أهدي يازمزم.. هي دلوقت في أمان وسطينا وواصل سرده للتفاصيل وحالة بلقيس المستسلمة بإرادتها لعزلتها.. وبعد أن أنهى استرساله، وجدها تبكي بصمت، فأشفق عليها مردفًا: زمزم.. بلاش عياط ارجوكي، بلقيس مسيرها تخف، دي مسألة وقت.. وكمان لو هتروحي وانتي بالانهيار ده، يبقي انصحك بلاش نروح انهاردة لحد ماتهدي! هي محتاجة نبثها قوة وتفائل.. مش حزن وشفقة..! 



+




جففت دموعها وقالت: غصب عني.. اللي حصلها صعب أوي على أي واحدة.. وتلعثمت قليلا: طيب.. يعني! هي! 


فطن لمغزى ما تريد قوله، فأسرع يجيبها: اطمني محدش طالها.. ماتنسيش بلقيس كانت بتلعب جودو


وقدرت تدافع عن نفسها وتحمي شرفها الحمد لله..!


واستأنف: وزي ما قولتلك هما غاروا في داهية واتحرقوا وماتوا..! 


تمتمت بتشفي: أخدوا جزائهم اللي يستحقوه من ربنا الأندال..! 


_ عندك حق!.. المهم، عندك استعداد تزوريها وانتي متماسكة.. ولا نخليها بكرة؟



+





        


          



                


هزت رأسها بنفي: بكرة إيه! لا طبعا هزورها دلوقت وربنا يقدرني أقدر أواسيها..!


.................. 



+




وصلا وتبادلا التحية مع العم عاصم و العمة دُرة.. ثم تركها عابد ومعه مهند ليعطيها مجالا أكثر حرية بالحديث! 


......... ..



+




تأملتها زمزم برهة وهي تراها بهذا الصمت والعزلة، وراحت تغمغم وكأنها تحاكي ذاتها: تعرفي يابلقيس إن في بنا تشابه!..أنا كنت في محنة كبيرة أوي، أنعزلت زيك بالظبط وماكنتش بكلم حد رغم اني كنت شايفة الكل بيحاول يخرجني من عزلتي بس انا كان في حاجة جوايا رافضة ترجع، فقدت الأمل في الدنيا، لما راح مني حبيبي وزوجي " زياد" قصاد عيني في موقف بشع، وكان قبلها بثواني بنضحك ونتواعد هنعمل إيه بعد سنين لما نكبر ونمشي متعكزين على بعض..كان بيتحداني لما شعري يملاه الشيب هيفضل يشوفني جميلة..اتحديته وقتها وقلت عمرك ما هتشوف شيبه أبدا.. كنت اقصد اني دايما هغير لونه عشان افضل شابة وحلوة في عنيه.. بس ماكنتش اعرف إن جملتي العفوية هتتحقق في لحظتها زي نبوءة اتحرقت بلعنتها، وانا بشوف جسمه بيطير من صدمة سيارة ظهرت في طريقنا فجأة، وفي ثواني كان واقع على الأرض غرقان في دمه، و لفظ أنفاسه الأخيرة بين إيدي وهو بيقولي



+




( كسبتي التحدي يازمزم.. شكلي عمري ما هشوف شعرك الأبيض.. بس هشوفك في الجنة بشباب ابدي)..



+




صدمتي وقتها خلتني افقد النطق بس روحي كانت بتصرخ.. عقلي رفض إنه مات.. وإنه خلاص مش هيشوف شيبتي ويسندني زي ما وعدني..أنعزلت واستخبيت في عالم بعيد بشوف فيه " زياد" وبس!..كان بابا وماما واخويا يكلموني وانا مابردش عليهم، واستأنفت وهي تجفف دموعها: 



+




بس عارفة إيه خرجني من عزلتي يا بلقيس وخلاني اقاومها؟ بعد شهر عرفوا إني حامل لما دوخت ووقعت فجأة.. حسيت وقتها إن زياد رجعلي تاني وما سابنيش لوحدي.. صحيح فضلت ملتزمة الصمت فترة، لكن أول ما حسيت ابني اتحرك في بطني فضلت ابكي، وروحت صحيتهم كلهم من نومهم وانا بتكلم لأول مرة وبقول( ابني اتحرك) شاركوني البكى والفرحة.. ولما مهند خرج للدنيا وشوفته ازاي شبه والده حسيت إن زياد هي اللي في حضني، وسميت الأسم اللي هو أختاره في حلمي واللي كان هو بيحبه!



+




صمتت برهة ثم أمسكت كفها برفق: 


_ واثقة إن انتي كمان في شيء هيرجعك تاني


يابلقيس..شيء هيخليكي تقاومي وترجعي تضحكي وتعيشي حياتك، شيء مخدش يعرفه غيرك انتي..!



+




وأخر حاجة عايزة اقولهالك إني فخورة بيكي أوي.. إنتي مش بس جميلة.. لأ.. إنتي طلعتي بنت قوية.. قوية فوق ماحد يتصور..اللي حاول يأذيكي أفتكرك وردة ضعيفة، ماشافش شوكك اللي هزمهم كلهم، وعزلتك دي مش ضعف قد ما هي حماية لنفسك وإعادة حسابات، أنا فاهمة كويس بتفكري ازاي دلوقت.. أحيانًا العزلة بنعيد فيها تهذيبنا لنفسنا، الهدنة دي هتنتهي قريب أوي، ووقتها هنتكلم سوا في حاجات كتير وهنكون أصحاب جدا..! وانا منتظراكي! 


............ .


لم يحدث يومًا أن تلصص على أحدهم! 


لكن تعبيرات زمزم الحزينة جعلته يقترب ويتابعها من زاوية غير مرئية، ليصل لسمعه أخيرا سر حزن إبنة العم وقصتها مع زوجها الراحل، وهاهي قارورة أخرى عانت وقاومت عزلتها وعادت للحياة مع صوت صغيرها الذي يتشبث به الآن بأصابعه الصغيرة! فلثمه عابد وتمتم: 


شكرا إنك رجعت ماما تاني.. تستحق مني مكافأة كبيرة يابطلي وصاحبي الصغير! 


____________________________



+





        


          



                


_كان لازم تقولي يا اخويا عشان اقف جمبك! 



+




عاصم: كنت هقولك إيه بس يامحمد.. أنا كنت في عالم تاني خالص، وبعدين إنت كمان كنت في محنة زمزم اللي بردو معرفتهاش غير دلوقت! كل واحد فينا خاف يشيل همه للتاني، بس ربك خير معين، والحمد لله ان زمزم أحسن دلوقت! 


محمد: الحمد لله ياعاصم، ومتأكد إن بلقيس قريب أوي هترجع أحسن. من الأول! 


ربت أدهم على كليهما: 


_عندك حق يامحمد. وطول ما احنا مع بعض هنعدي أي أزمة..!


عاصم بامتنان: أنا عمري ما هنسى وقفة ولادك ومراتك معايا يا أدهم..كنتم سندي بعد ربنا..! 



+




فاضت عين الأخير بتأثر: كام مرة هقولك إنهم ولادك، ومراتي أصيلة وبتحب دُرة وبلقيس، مهما حصل هنفضل عيلة واحدة ومترابطة! 


تمتم الأشقاء دعواتهم الصادقة، وذهب محمد ليحضر باقي أسرته ليطمنوا على بلقيس.. خاصتًا بعد إعلامهم عاصم أنه ينوي الأستقرار بعض الوقت في القاهرة كما نصحه طبيب ابنته، فلعل تغير الأجواء يفيدها وتعود لعهدها الأول.! 



+




_____________________



+




بإحدي المولات التجارية! 



+




_ مسافر بكرة المنصورة؟



+




_ أيوة يا احمد عمي محمد نزل من أوكرانيا ولازم أشوفه واسلم عليه.. ثم أشار أمامه وواصل: 


إيه رأيك في الحزام ده لعابد، بيحب الأستايل ده! 


_ جميل يا يزيد بس هات الأسود منه.. هو انت لازم كل اما تروح تزورهم تشتري هدايا.. ؟



+




_ مش دايما، بس احيانا بغيب زي المرة دي، فبحب افرحهم بحاجات رمزية..تعالي نروح الأتجاة التاني عشان اجيب حاجة لجوري.. وبالفعل انتقلا لمحل اكسسوارات تعشقها شقيقته فتمتم: بقولك إيه يا صاحبي ساعدني اشوف حاجة حلوة احسن البت جوري دي بتحب حاجات غريبة في الأكسسوار! 



+




ساعده أحمد بانتقاء ما يظنه مناسب، ثم لفت نظر يزيد شيء، فوقف أمامه وهتف: 


الكوتش ده هيعجب عطر أوي..!


_ مش دي اللي في هندسة؟ أجابه يزيد بأيماءة، فواصل الأول: هي لسه مش بتكلمك؟



+




_ لأ.. ومش عارف اشوفها، الهانم زعلانة على الأغلب


_ دي طولت أوي شكلك عكيت معاها


_ ابدا منا حكيتلك، بسبب تطاولها علي بلقيس وقتها رديت عليها بعنف شوية لأنها فعلا غلطت.. بس روحت اصالحها وجبت هدية وهي اتعاملت بسوء أدب شديد معايا.. بس تعرف يا أحمد.. وحشتني أوي، عطر ليها مكانة مختلفة عندي، بفتكر دايما خفة دمها اللي بتضحكني في ضيقتي، عفويتها، براءتها.. عطر كوكتيل ممتع بس ياخسارة، عنيدة أوي..ورغم كده مابحبهاش تزعل، ونفسي اطمن عليها زي الأول! ومش فاهم ليه واخدة موقف مني كده! 



+




احمد بغموض: يمكن ده لفت نظر ليك مش موقف منك زي ما انت فاكر! 


يزيد بحيرة: لفت نظر لإيه مش فاهم! 



+




احمد : هقولك تفسيري بس خد كلامي على محمل الجد وبدون سخرية! 



+




واسترسل ملقيا ما بجعبته: 



+




الموقف كله غريب من الأول، إيه يزعل عطر من بلقيس؟ المفروض ماتاخدش منها موقف اصلا، دي كانت خطيبتك وانتم أحرار تتكملوا تفترقوا، يخصها أيه؟ وزعلها بعدها مبالغ فيه، لو انت بالنسبة ليها مجرد ابن خالة واخ.. مش المفروض تاخد الموقف ده، تزعل اه بس مش كده! 



+




_ هو انا ليه حاسك بتلف وتدور يا احمد؟ قول قصدك ايه لأنك توهتني أكتر معاك..! 



+




قال أحمد بحذر: على البلاطة كده.. تحليلي للموقف كله بيوصل لحاجة واحدة.. إنت بالنسبة للبنت دي أكتر من أخ وابن خالة...انت حبيب! 



+




ظلت ملامحه ساكنه وحاجبيه معقودان والكلمة يتردد صداها لعقله وگأنها ذبذبات متكررة لحروف تضافرت لتنتج جملة أحمد الذي أعاد على مسامعه جملة أكثر وضوحًا.... عطر بتحبك!! 


______________________




                                    


الفصل الرابع عشر


----------


عطر بتحبك! 



+




دهشة جمة طغت  علي  وجهه هو يطالع صديقه بصدمة احتلته،  والكلمة يدوي صداها بتلابيب عقله وگأنها إشارات متتابعة لتصنع ما قاله أحمد الذي استنكره يزيد وهاجمه مستنكرًا:  أنت بتهزر يا أحمد؟! بتحب مين؟! دي بنت خالتي و أختي ،د يا ابني دي نتربية على ايدي! 


احمد ساخرا:  مربي ازاي؟" هو عشان لاعبتها مع جوري خلاص؟ 


بينكم سبع سنين مش عشرين سنة، فرق طبيعي جدا، وصدقني البنت دي بتحبك وكانت غيرانة عليك من خطيبتك الأولى .. واحلفلك إن علاقتها بيها كانت هشة.. صح ولا لأ؟



+




لقطات سريعة مرت بعقل يزيد تؤيد رهان صديقه، وبصمته حصل أحمد على إجابته، فواصل: 



+




شوفت.. ولسه لو فضلت تحلل كلامي هتلاقي ميت إثبات يوصلك نتيجة كلامي! 



+




أصر يزيد بمعاندة افتراضه: أحمد بلاش هبل. وأفرض يا سيدي كلامك صح؟ دي مجرد مشاعر مراهقة مؤقتة وهتنتهي.. ده غير انت عارف كويس قلبي وعقلي فين؟



+




_ قلبك وعقلك ضالين الطريق يا صاحبي،.. عشان كده أنت تايه ومش مرتاح.. الحب مشاعر متبادلة هات وخد.. انت اديت لبلقيس كتير بس عمرك ما أخدت منها مقابل يروي عطش مشاعرك ناحيتها..وتحسسك بالفرحة، بالعكس عمري ماشوفت وشك منور وعنيك بتلمع لمعة العاشق الشبعان..وده مش عيب بلقيس.. بس هي كمان عمرها ماحبيتك! 


صمت يراقب وجهه الشارد فتابع: 



+




مش كل الأماني بتبقى خير لينا ولا كل الطرق اللي مشيناها بتكون صح.. وارد تمشي طريق وتكتشف في أخره انه غلط.. والصح ترجع تاني تدور على اتجاه يوصلك للي تستحقه.. مش تفضل واقف ولا طايل ترجع ولا عارف تكمل، مؤشر بوصلتك في اتجاه تاني وانت عامل نفسك مش شايف! حاول تغير نطرتك الطفولية دي لبنت خالتك يمكن تكتشف اللي بتدور عليه.. بلاش تضيع الحاي في أمل جديد بردو مبني على بلقيس.. أنا عارف كويس تفكيرك واخدك لفين، وفاهم انه غصب عنك..بس لازم تقتنع ان سكتك لازم تتغير.. دور على سعادتك لأنك تستاهل كتير! أنا هسيبك تفتش جواك وتشوف المستخبي! 



+




تركه لزوبعة أفكاره الثائرة والذكريات تهطل گ قطرات المطر الندية التي أحيت وجهها الحليبي من رقاده، لتحتل مرآة خياله متذكرًا مواقفها ودعاباتها وطفولتها، وضيقها الحقيقي من بلقيس والذي لم يبرره حينها سوى بغيرة بنات عادية..لا يصدق حقًا أن عطر كانت تغار منها لأنها… ؟! تغار عليه؟؟؟



+




استنكر وهز رأسه لينسف تلك الافتراضات من مهدها..غيرتها لم تتعدى غيرة الأخت على أخيها..تلك هي الحقيقة الأكيدة وليس العكس، جوري أيضا كانت تغار عليه من بلقيس.. فجمال الأخيرة ربما أثار تلك المشاعر بشكل طبيعي..تنهد براحة خادعة وأرتاح عقله لهذا التفسير..! 


……………… 


هبت نسمات صباح اليوم التالي، فتقلب يزيد بفراشه بكسل والأرق نال منه الكثير ليلة أمس وحديث أحمد يجول صداه بحجرات عقله وتحليله لتصرفات ابنة الخالة.. كيف له ان يصل لهذا الاستنتاج؟ عطر تحبه؟!! لقد شطح خيالك كثيرًا يا صديقي ولن انشغل بهذا الأمر أكثر مما يجب! 


استغفر ربه وتمتم أذكاره ونهض يصلي ويستعد للذهاب للمنصورة! 


________________



+





                


لم يستطع منع نفسه من المرور عليها أولًا، فما أن خطت قدماه المنصورة، حتى توجه كي يرى ابنة العم ويطمئن عليها..!


………… ..



+




_يزيد؟ حمد لله على السلامة ياحبيبي! 


_ الله يسلمك ياطنط.. أخباركم إيه، وأخبار بنت عمي دلوقت! 



+




_  بخير الحمد لله.. فتسائل (ممكن اشوفها ؟)



+




هتفت:  معقول بتسأل.. أكيد ممكن يا يزيد.. لحظة بس! 



+




وتركته لتتفقدها، وبعد برهة، استدعته ليذهب إليهم..ثم تركته معها لتحضر له ضيافته بنفسها.. فولج حيث تجلس بشرفة تُطل على حديقتها.. فوجدها كما تركها.. ساكنة لا تتفاعل مع من يأتيها..تنهد وتجرع ماء حِنجرته كأنه يبتلع غصته ويهديء أنفعالاته، فمازال تأثيرها عليه كما هو ، كلما رآها ينتفض قلبه رغمًا عنه وكأنها مرض يتملكه دون أرادة.. اقترب منها ثم أجلى صوته وهو يسألها بنبرة حانية: إزيك يابلقيس!  


ولم يقاوم رغبته بإطلاق صراح تلك الكلمة بصوت  خافت:  وحشتيني! 



+




لم تستجيب.. أو تلتفت إليه! فظل يحدثها ببضعة كلمات يبثها أمله: مش هيأس إني ادعيلك في كل صلاة إنك ترجعي تاني زي ما كنتي.. حتى لو مبقاش ليه نصيب معاكي بس كفاية عندي إنك تكوني بخير! 



+




تراقبه محتجبة خلف ستار بعيد، رغما عنها استمعت لحديثه.. مازال يزيد يحتفظ بمشاعره الصافية لأبنتها ويتعذب لأجلها..ليت أبنتها أدركت قيمة عشقه، وظلت تحت كنفه وله.. لكنها إرادة الخالق.. هو الأعلم بغيب الأمور..! 



+




تنحنحت لتعلن حضورها، حاملة بيدها ضيافته! 


فتمتم بحرج خوفًا أن تكون أنصتت لحديثه:  



+




تعبتي نفسك يا طنط.. أنا خلاص همشي، بس حبيت اطمن على بنت عمي الأول! 



+




منحته بتسامة حانية وهي تربت على كتفه: 



+




وماله ياحبيبي.. فيك الخير.. ومش غريب عليك الذوق والأصول يايزيد.. وأنا اكيد مش هعطلك انك تروح لأهلك، بس ع الأقل تشرب العصير اللي عملته ليك بأيدي! 



+




أومأ برأسه وهو يمد لها يده:  تسلم. ايدك.. أكيد هشربه.. وارتشف بعضه، ثم تسائل:  هو عمي عاصم مش هنا ولا إيه؟



+




_ هو صحي من بدري أوي، فطر مع بلقيس واطمن عليها.. وبعدين راح  عندكم عشان يشوف عمك محمد


ويتناقشوا في أمور خاصة بيهم! 



+




ابتسم على ذكر العم الغائب:  يااااه.. من إمتى ماشوفتش عمي محمد.. وحشني جدا..ياترى بقى شكله إيه دلوقت! 



+




_ أهو رجع بشكل نهائي الحمد لله.. ربنا مايحرمكم من بعض!..


_ اللهم أمين..( وتمتم بعد إنتهائه من تناول العصير)  طيب هستأذن حضرتك.. وسامحيني لو ماقدرتش اعدي تاني.. انا هقضي معاهم انهاردة وهرجع القاهرة بكرة عشان شغلي! 



+




_ ولايهمك، وكتر خيرك انك عديت علينا الأول.. متعطلش نفسك يا يزيد.. وكفاية تليفوناتك الدايمة وسؤالك عننا..!



+





        


\


          



                


بادل العمة التحية مرة أخرى، وعيناه تُشيع وجهها بنظرة أخيرة دافئة..! وبغتة تعلق بصره بشيء فتسائل: 


ليه بلقيس لابسة الجاكت الجلد ده في البيت؟.. وبعدين شكله مش بتاع عمي..؟



+




_هو فعلا مش بتاع عاصم، ولا نعرف هو بتاع مين.. كل اللي اعرفه ان يوم الحادث كان معاها والمستشفى سلمته لينا..! 



+




أردف بحيرة: غريبة، طيب بردو ليه بتلبسه؟ 


_ مابترضاش حد ياخده منها يا يزيد.. اما حاولت كذا مرة اخليها تقلعه اتمسكت بيه بشدة وفضلت ترتجف وخافت مني وبعدت عني.. تصرفات كتير لبلقيس مش قادر افسر سببها.. منهم ارتباطها بالجاكت ده والبرفان اللي كان جواه، لدرجة ان عاصم جابلها منه تاني لما لقيناها بتبص للإزازة الفاضية بحزن وكأنه زعبانة انها خلصت ..! أنا باخده وهي نايمة اغسله واحط البرفان عليه وارجعه زي ما كان جمبها بدون ما تحس!



+




لفحة  غيرة أحرقته بلهيبها وهو شارد بحديث العمة وعيناه مسلطة على بلقيس.. أو بالأحرى على ردائها الجلدي الغريب الذي تتلمس منه الأمان..وعقله يحاول تفسير تصرفها..ماذا يعني تشبثها الغريب به.. هل تعرف صاحبه.. أيعقل أن تكون مدركة لمن يخصه هو دون غيره؟



+




_ عموما مافيش ضرر انها تفضل لابساه يا يزيد مادام ده مريحها.. يلا انت ياحبيبي متعطلش نفسك عن كده.. عارفة أجازتك قصيرة ويدوب تلحق تشبع من أهلك! 



+




اخرجه صوت العمة من عمق شروده، وتمتم: 


عندك حق يا طنط.. عموما هبقى اتصل اطمن عليكم.. اسيبك في رعاية الله! 



+




_ اتفضل ياحبيبي ربنا يحفظك، وسلم على الجميع! 



+




غادرها ومازال قلبه يكابد لفحة الغيرة التي أحتلته لمجرد لمس جسدها لرداء ينتمي لشخص لا يعرفه! 


--------------------------------------



+




تبادل يزيد مع العم العائد عناق حار متمتمًا بمشاعر جارفة:  أخيرا شوفتك ياعمي.. وحشتني جدا جدا..!



+




اشتد الأخير في ضمه:  مش قدي يا يزيد.. وحشتني ياروح عمك.. طمني عليك وعلى أحوالك.. وأخبار مشروعك إيه؟



+




_ كله تمام الحمد لله.. وهنحكي في كل حاجة للصبح.. أنا محضر نفسي لسهرة طويلة معاك، ومع الكل! ثم حاد بنظرة لزوجة العم فأردف بتهذيب: 


حمد لله على سلامة حضرتك.. نورتي مصر! 



+




هتفت عبير بود:  إيه حضرتك دي.. طب قول ياطنط.. أنا مش غريبة على فكرة..!



+




مازحها " محمود" الذي دلف لتوه:  أصله شايفك صغيرة وحلوة يا ماما.. وكلمة طنط هتكبرك! 



+




نكزه أبيه على رأسه بعبوس:  اتلم يا ولد..!



+




ضحكت عبير وهتفت:  أعرفك يا يزيد بابن عمك العبقري المجنون! 



+




صافحه يزيد ثم اجتذبه لأحضانه هاتفًا من بين ضحكاته:  يا أهلا بعبقرينو.. نورت يا "جينيس"


اتغيرت خالص عن صورك اللي شوفتها..! 



+





        


          



                


تنهد گ رجل عجوز:  إيييه.. الغربة يا ابن عمي! 



+




هز أبيه رأسه بيأس، ثم تسائل:  فين زمزم تسلم على ابن عمها.. ؟


قالت كريمة التي أتت تشاركهم جلستهم:  بتلبس " مهند" وجاية حالًا..انا لسه نازلة من عندها..! 



+




بعد مضي دقائق قصيرة، أتت " زمزم" بطلة جذابة بملامح خالية من أي مساحيق وثوب فضفاض، وجمالها الناعم وهيئتها الملتزمة لفتت نظره.. وتسأل داخله متعجبًا.. رغم مكوثها بمجتمع غربي فترة ليست قليلة.. إلا أن هيئتها لا يوحي بتأثرها بتحررهن گ المعتاد..! 



+




_ حمد لله على السلامة يازمزم! 


أجابت تحيته مبتسمة برصانة:  الله يسلمك يا يزيد.. أخبارك إيه يابشمهندس؟


_ تمام والله الحمد لله.. نورتم مصر.. ثم نظر للصغير الذي تحمله، ومد يده دون أن تحيد عيناه عن محيا مهند:  ممكن نتعرف بالبرنس الصغير؟



+




اتسعت ابتسامتها:  ده مهند.. أربع شهور ويتم سنتين! 


تمتم بدعابة: ده بقى راجل أهو! 



+




" راجل ببرونة"



+




ضحكوا لجملة عابد الذي انضم إليهم، ثم توجه لشقيقه مرحبًا بحفاوة:  حمد لله على السلامة ياكبير وحشتني بغباء! 



+




_ وانت كمان حشني لسانك الطويل يا عبودي.. عامل إيه؟


_ الحمد لله يازيدو كله تمام.. وزي ما قولتلك.. منيمهم من المغرب



+




ضحكوا گعادتهم لمزحات عابد! واكتمل حضور الجميع.. ليمضي الوقت بينهم بأجواء حميمية دافئة يفتقدوها منذ زمن.. خاصتًا بعد أزمة بلقيس التي غيمت على سماءهم بحزن شديد!  


_________________________



+




يزيد:  بنت خالتك فين ياجوري؟ بقالي كتير ماشوفتهاش!  تقريبا من وقت مادخلت هندسة..وحقيقي وحشتني! 



+




تعجبت لسؤاله عنها، وقد ظنته لن يلتفت لغيابها المتعمد..هتفت تبرر ابتعادها: هي انشغلت بس في دراستها شويه، وكمان مش بتيجي هنا كتير عشان محرجة من وقت ما عمو محمد جه..أنا بروح عندها أكتر..!



+




أومأ بتفهم:  عندها حق هو بالنسبالها غريب.. بس أنا عايز اشوفها واسلم عليها.. وعموما كلنا هنتجمع الليلة مع بعض قوليلها تيجي لأن عايز اطمن انها ماشية تمام في كليتها ومش محتاجة حاجة! 



+




لم تستطع كبت فضولها، فتسائلت بحذر:  


ممكن اسأل سؤال يا آبيه؟


_ أسألي! 


_ هو حضرتك أخر مرة شوفت فيها عطر ما سألتش عنها ولا قلت انك عايز تشوفها غير دلوقت؟ إيه السبب؟



+




_ لأني كنت زعلان منها ياجوري، وقت ما روحت اباركلها على نجاحها في ثانوي.. اتصرفت معايا بقلة ذوق  وماكنتش عايز اكلمها لحد ما اهدى من ناحيتها.. بس بعدها انشغلت جدا في مشروعي وتركيزي كله كان فيه وبصراحة نسيتها من كتر ما دماغي زحمة بأمور كتير.. بس ده مايمنعش أنها بردو ماتهونش عليا ووحشتني جدا..ودايما على بالي! 



+




وابتسم بلمحة حنان مواصلا: بس العجيب إن الهانم هي اللي عاملة زعلانة! ومابتسألش عني خالص! الأنسة كبرت وبقيت تاخد مواقف! 



+





        


          



                


جاءتها الفرصة أخيرًا لتوصل إليه ما تريد: 


_ مش يمكن عطر زعلانة عشان بتعاملها على أنها طفلة يا آبيه؟ لحد إمتى هتشوفنا صغيرين.. احنا دخلنا الجامعة وكبرنا..وكل حاجة اتغيرت! عطر بعد فترة بسيطة هتكون زميلة ليك في نفس مهنتك.. ماينفعش تفضل باصصلها إنها صغيرة.. أكيد ده شيء بيستفزها..! 



+




رمقها بصمت متذكرًا حديث أحمد بالأمس ثم تلميحات جوري التي لم يألفها منها سابقًا


فتتسائل بحدة تعجبتها الأولى:  يعني أيه مش فاهم! وافرضي يا ستي كبرتم؟ إيه المفروض يتغير بالنسبالي؟ وليه ده يستفزها أصلا؟.. كبرت ولا صغرت هي بنت خالتي اللي في معزتك وبس! 



+




شعرت بغرابة لغضبه وبخيبة أمل شديدة بذات الوقت لنظرته التي لم تتبدل تجاه عطر..ليته يدرك خبايا الأمور ويعلم حقيقتها.. فمن يظنها طفلة.. هي أنثى كاملة تذوب فيه عشقًا وهو غافل عن  هذا العشق.. وكم يستحق كلًا منهما الأخر!..تنهدت وقررت التراجع عن الخوض بحديث ربما يكشف أشياء لا يحق لها هي كشفها..لكن طرقت عقلها فكرة ماكرة فهتفت: 


_ نسيت أقولك يا آبيه، مش عطر جالها عريس زميلها؟


انقلب وجهه ليرتسم عليه دهشة. ممزوجة بضيق مستنكر:  نعم؟ عريس ده إيه دلوقت؟ دي لسه مخلصتش جامعتها..وبعدين ازاي انا معرفش حاجة زي دي عن عطر؟


تمتمت بمكر: ماهو ما اتكلمش بشكل رسمي، ده وقفها في الجامعة وفضل بقولها ازاي معجب بيها وبأخلاقها وذكائها وجمالها وانه من عيلة كبيرة أوي.. وكمان جابلها هدية و……… .



+




صاح بغضب:  هدية؟؟؟ كمان؟ يعني مش كفاية سابته يكلمها وبتغزل فيها، توصل يهاديها ومافيش بينهم حاجة أصلًا؟! 



+




ابتسامة ماكرة حاولت جوري طمسها وانتعش داخلها الأمل وهي ترى لمحة غيرته: وايش عرفك إن مافيش حاحة يا آبيه؟ وبعدين ده طبيعي يحاول يتودد ليها ويلفت نظرها.. وده مش أول ولا أخر واحد هيحاول يكلم عطر.. ثم أكدت على جملتها التالية: 


لأنها كبرت وبقيت شابة جميلة كله يتمنى وصالها..!


وأنا بصراحة هحاول اقنعها بيه لان شايفاه مناسب، إيه رآيك يا آبيه؟ 



+




نهرها بحدة: رآيي تخليكي في حالك وماتدخليش في حاجة ماتخصكيش  ياجوري، مافيش جواز لحد فيكم من دلوقت! لسه بدري على المواضيع دي! 


هتفت بخبث: هو. حضرتك اضايقت ليه لما قولت ان حد كلم عطر عشان يخطبها؟ مش هي زي اختك وتفرحلها بردو؟



+




المشكلة انه خقًا لا يدري سبب ضيقه، لكنه هتف بكبرياء: ومين قالك اضايقت، بالعكس يوم مايحصل انا اللي هسلمها لعريسها، بس كل الحكاية إن لسه بدري على الجواز.. وبما اني بعتبرها زيك فأنا هخاف على مصلحتها طبعا..! 



+




جزت على أسنانها وهي تغمغم. لنفسها بخفوت(  بردو هيقولي بعتبرها زيك. أنا هتشل منك وربنا يا آبيه)



+




_ بتقولي حاجة ياجوري؟



+




ضحكت ضحكة صفراء:  لا يا آبيه مابقولش.. عموما هتصل بيها واعرفها انك سألت عليها وعايز تشوفها..! 



+





        


          



                


_ لأ.. أوعي تعرفيها إني جيت؟


تعجبت:  ليه يعني؟


_ لأني رايح عندهم دلوقت أسلم على خالتي والكل وأكيد هشوفها، خليها مفاجأة يعني! 


هتفت بمرح:  طب أجي معاك! 


_ لأ ياجوري بعدين روحي انتي، أنا مش هغيب، عايز اجي انام شوية عشان اقدر اسهر معاكم! 



+




ابتسم وجهها ببراءة: ماشي، بس لازم تخصصلي وقت لوحدي، أنا محضرة مواضيع كتير عشان اناقشها معاك يا آبيه! 



+




تمتم بتهكم:  مناقشة؟ ده الموضوع كبير بقى.. خلاص بالليل يا زئردة.. يلا سلام! 


_______________________



+




عبر البوابة فوجد العم ناجي، يساوي بعض الحشائش بمقص كبير فألقى التحية: السلام عليكم يا عمي.. أخبارك إيه؟


تهلل وجه ناجي ما أن رآه وتمتم بحفاوة:  يزيد؟ يا أهلا بالغالي، اتفضل ياحبيبي. عامل إيه طمني عليك


_ بخير الحمد لله.. وحضرتك؟


_ أنا كويس الحمد لله، خالتك هتفرح اما تشوفك


_ هي فين وحشتني فدوتي


جاءت خلفه تضحك:  بلاش فدوتي قدام عمك ماتجبليش الكلام ..فتمتم العم:  قوليله ولاحظوا إن في إيدي سلاح 



+




قهقهه يزيد وهو يعانقها بشوق: الطيب أحسن ياعمي ، وواصل: حبيبتي ياغالية وحشتيني! 


_ وأنت أكتر ياحبيبي، طولت الغيبة المرة دي! 


احاط كتفيها بحنان:  والله بسبب شغلي..أدعيلي ياخالتي بالتوفيق! 



+




_ ربنا يصلح حالك ويحول التراب دهب في إيديك ياحبيب خالتك! 



+




العم ناجي:  اللهم امين واستطرد:  ياسين أخباره إيه معاك؟


_ بصراحة ممتاز وفهم الدنيا بسرعة حتى المهندس احمد مبسوط منه أوي.. واستأنف:  عقبال ما عطر تنضم لينا وتكون إضافة للشركة وواثق إنها هتبقى بردو مميزة! 



+




فدوة بضيق:  لأ، بنتي مش هتشتغل بعيد عني.. إنسى! 


ناجي بمزاح:  بلاش السيرة دي دلوقت يا يزيد، خالتك هتقلب وتشغلها مناحة، لسه شوية على شغل عطر! 


ابتسم وقبل رأس خالته: هتفضلي تخافي عليها من الهوا، طب هي فين عايز اشوفها واسلم عليها



+




هتفت الخالة: هناك في الجنينة في مكانها المفضل ما انت عارف.. هتلاقيها بتذاكر بهدوء.. روحلها على ما اجيبلك حاجة تشربها..! 


…………… .


توجه بالفعل حيث توجد عطر.. أخيرًا سيراها بعد فترة طويلة احتجبت عنه برغبتها..! صار يدرك هذا، لذا لم يشأ أن تخبرها جوري بقدومه حتى لا تتوارى عنه.. فتلك المرة سيراها..ترجل بعض الخطوات  فوجدها  منهمكة برسم مخطط ما على لوح ورقي كبير وشاردة وهي تداعب شيء يتدلى من عنقها بشرود، فعبر لذهنه جملة جوري أن ذاك الشاب أهداها هدية!  هل يعقل انها هدية هذا الغريب؟ إن كان كذلك سيوبخها بشدة.. فاقترب بوجهٍ عابس من مسار أفكاره وبدون إنذار صدح صوته الذي أجفلها:  عطر! 



+




عبرت ذبذبة صوته جوارها گ ماس كهربائي، فارتجفت على أثر مباغتتها بوجوده، ولا تدري كيف فقدت توازنها ومالت للخلف قليلا وكادت أن تقع لولا أن وضع ساعده گ حاجز صد يحيل وقوعها، لكنها تمالكت نفسها واستدارت بوجهها تطالعه ببلاهة وفمٍ منفرج وعين متسعة وهي ترى مظهره الجديد الجذاب وثيابه الأنيقة وأكتافه التي ازدادت عرضًا..لقد أصبح وسيم أكثر في عينيها المسحورة وهي تطالعه..! 



+





        


          



                


أما هو فكانت عيناه مسلطة على سلسالها..! 


ظن أنه هدية من غريب.. لكن ما أن تمعن به حتى أدرك أنه سلساله هو.. وهديته لها يوم نجاحها.. كان يعتقد انها أضاعته بين الحشائش ولم تبحث عنه.. لكنها عثرت عليه واحتفظت بهديته.. بل الأكثر أنها كانت تتأملها بشرود.. تُرى هل كانت تفكر به تلك اللحظة.. غزاه شعور غريب لأول مرة يتذوقه!  لم يعتاد أن يؤثر بأحد بهذا الشكل، عبر بعقله بذات اللحظة رؤيته لبلقيس وهي تتشبث وتحتمي بمعطف ينتمي لغريب، بينما عطر تتلمس ذكراه من سلساله! لن ينكر الآن انتشاءه الرجولي الذي ملأؤه وأرضى غروره! وجدها مازالت مآخوذة بمجيئه المباغت وتتأمله ببلاهة محببة اشتاقها كثيرا.. كل شيء من تلك الصغيرة اشتاقه! 



+




طالعها بدوره متفرسًا بها دون إرادة وكأنها تبدلت لأخرى مغايرة لتلك التي كانت تتسلق الأشجار وتقطف الفواكه.. أما التي أمامه فأضحت تضخ أنوثة كاملة رغم احتفتطها ببراءة ملامحها وبشرتها الحليبية..! لكنها حقًا كَبِرت وأينعت گتلك الأزهار الجميلة خلفها.. 



+




انتبه سريعًا لتفرسه بها وهذا لم يعد يصح ولا يليق، وقد بدأ يرتفع حاجز من المحاذير بينهما لم يكن موجود من قبل.. شيء ما تغير لا يدرك طبيعته.. لكن الأكيد أن التعامل بنفس العفوية لم يعد لائق مع تلك الأنثى الجديدة أمامه.. وضحك داخله وهو يغمغم(  انا لو عاملتها انها لسه طفلة هتتجنن، لازم اسمع نصيحة الزئردة  جوري واغير طريقتي معاها يمكن ده اللي مزعلها فعلا)..!



+




أما هي تذكرت بغتة سلساله فاستدارت ودثرته سريعا داخل كنزتها وحاولت استعادت اتزنها أخيرًا محاولة لملمة شتات روحها التي تبعثرت برؤيته..وهي لأول مرة تراه بهيئته الجديدة، دون نظارته الطبية، وخصلات شعره المتلعبكة والملتوية گ الدوائر الصغيرة، ولحيته التي نمت قليلا وتهندمت.. صار بطلة مهلكة لها..!



+




وصلها تمتمته المرحة:  أخيرًا شوفتك يا قردة! 



+




أعادتها جملته لواقعها وإدراكها بمكانتها لديه.. مازالت تلك الصغيرة بنفس لقبها لديه.. تجرعت ريقها وأخفت غصتها واستدارت تواجهه بنظرة تشع ثقة وقوة مردفة بصوت جامد:  إزيك يا ابن خالتي؟


ابتسم لحديتها الحدي والغير معهودة:  الله يسلمك يا بنت خالتي..  من إمتى كنتي قاسية كده ياعطر؟ نسيتي يزيد؟



+




قابلت عتابه داخلها بألم، وهل يؤرق نومها ويعكر سلامها سوى أنها لا تنساه؟! تمتمت بنفس النبرة: 


أكيد لأ، بس مشغولة في دراستي..وياسين بيقولي انك بخير! 



+




شملها بنظرة تقيمية وكل ما بها بدا مختلفًا..نظرتها، صوتها.. كيف تعلمت ان تتكلم بهذا البرود.. أين الدفى والرقة وهي تحادثه، أين لهفتها حين تراه؟ 



+




تمتم:  ممكن اعرف ليه بتهربي مني ومش حابة تشوفيني؟ إيه مزعلك مني.. انا ماعملتش حاجة تزعلك، إنتي عارفة معزتك عندي كويس! أنا صحيح انشغلت في شغلي وماسألتش عنك فترة كبيرة بعترف، بس بعدها سألت كتير عنك! 



1





        


          



                


رمقته بنظرة شابها العتاب، فازداد حيرة.. لما تعاتبه، فقال: فهميني طيب زعلانة ليه؟


أعطته ظهرها وتظاهرت بعودتها لمخططها على اللوح الورقي:  مين قال زعلانة.. قولتلك مشغولة في دراستي، زي ما انت شغلك مشروعك بالظبط.. كله عنده اللي ياخد وقته.. يبقي ليه العتاب! 



+




مازل جمودها وبرود صوتها يضايقه، لكنه تمالك نفسه وقرر أن يذيب سياج ثلجها الذي لم يعتاده قبلًا، وحاد بنظره لرسمتها وقال:  طب وريني بتعملي إيه! 


وتأمل ما فعلت بإعجاب حقيقي هاتفًا: ما شاء الله.. ممتاز.. هتكون ليكي بصمة مميزة بجد في التصميم.. وواصل: ومنتطرك تنوري الشركة وتملي مكانك فيها..! 



+




_ ومين قالك هشتغل معاك؟



+




حدجها بدهشة حقيقية:  نعم؟ يعني إيه؟! مش عايزة تشتغلي معايا ياعطر؟ أمال جنابك عايزة إيه؟



+




هتفت ببساطة جعلته يستشيط: هشتغل هنا، في ميت  أختيار.. مش لازم معاك.. ماما أصلا مش حابة ابعد عنها؟



+




كتف ذراعيه وهتف متهكمًا: ياسلام.. من إمتى الطاعة العامية دي؟ وليه تشتغلي عند غريب واحنا موجودين.. هو "عند" وخلاص يا بشمهندسة! 



+




_ ولا عند ولا حاجة.. ده قراري في الأخر.. اشتغل معاك.. اشتغل مع غيرك.. أنا حرة! 



+




" اشتغل مع غيرك" 



+




جملة أحنقته وأفقد تهكمه وهدوءه بعض الشيء: 


بصي عشان ما ازعلكيش تاني.. أجلي النقاش في الموضوع ده.. بس مبدئيا شغلك عند الغريب مش مسموح ياعطر! 


ثم تذكر أمر خطبتها فقال: وبعدين إيه حكاية الشابب اللي كلمك عشان يخطبك؟ أظن مايصحش تخلي حد يكلمك يسمعك كلام فارغ! 


سبقها غضبها وهتفت:  يزيد أنا مش محتاحة تعرفني اتصرف ازاي مع زميل بيكلمني، أنا قادرة اوقف أي حد عند حده، بس هو ماحصلش منه تجاوز، هو عرض رغبته وانا رفضت وخلصنا.. واستطردت بنفس الحدة: و مش انت اللي تسمحلي فين اشتغل انا والدي موجود هو بس صاحب الرآي النافذ عليا، انما انت مش مسموحلك بأكتر من نصيحة.. وأنا اقبلها أو ارفضها ده يرجعلي في الأخر! 



+




صمت يطالعها بجمود وداخله يغلي غصبًا لعنادها المستحدث وعدم طاعتها گ السابق.. عطر تغيرت.. لم تعد الصغيرة التي تفعل كل ما يقوله دون نقاش.. ربما لم يعد مهم لديها.. حتى وإن احتفطت بسلساله! 



+




قال ببرود وهو يهم بالمغادرة: 


_ عندك حق يابنت خالتي.. أسف إني نسيت نفسي وعاملتك زي الأول بنفس العشم.. عموما ربنا يوفقك في اللي تختاريه! 



+




خطى سريعا حتى لا يحجم ضيقه، فركضت خطوات سريعة وناداته بصوت لين:  يزيد! 



+




وقف دون أن يستدير وهتف ببرود مقتضب:  نعم..!


شاب صوتها بعض الخجل:  خليك دقايق هجيب حاجة واجي


اختفت دقائق معدودة ثم عادت حاملة حقيبة ملونة وتمتمت بخرج وهي تتجنب النظر له:  كل سنة وانت طيب.. عيد ميلادك الأسبوع الجاي.. وانا قلت اشتري هدية وكنت هسيبهالك مع جوري.. بس مادام جيت خدها بنفسك! واستطردت بعتاب خفي تذكره بموقف مشابه : أو ارميها زي المرة اللي فاتت! 



+





        


          



                


همت بالابتعاد فأوقفها:  استني! 


وشرع بفتح هديتها، فوجد مجموعة من رابطات العنق بألوان جذابة، فتمتم بانبهار: 


بجد ذوقك روعة.. أحسن من ذوق أحمد صاحبي! 



1




دائما ما يتفنن بجمل ذات معاني متضادة.. أولها يصيبها بالسعادة، وأخرها يحبطها.. هل يشبه ذوقها بذوق رفيقه؟ لما لم يترك الجملة لها وحدها.. يكفي ان يمدح ذوقها ويصمت!  لكن لن يكون يزيد إن لم يفعل.. فقالت بتهكم طفيف:  كتر خيرك! أنا كده هتغر والله! 



+




ابتسم رغم فطنته لتهكمها الذي اخرجها من قوقعة برودها لعفويتها المحببة، وقال بمشاعر صادقة: بجد شكرا إنك افتكرتيني ياعطر.. هديتك غالية عندي وأكيد هلبسها وابعتلك صورتي بيها..! 



+




رمشت بتأثر وقلبها يطرق بعنف، لكنها تمالكت زمامها وقالت: العفو يا ابن خالتي! 


_ ماشي ياستي.. ابقي ردي على ابن خالتك اما يتصل بقى.. مش هسامحك لو اتجاهلتي الرد عليا مرة تانية!



+




ومضى في طريقه بعد أن أخبرها أن تأتي تشاركهم سهرة المساء.. ويدري أنها ربما لن تأتي.. ولكن لا يهم.. مادام قد رآها واطمئن عليها..!


______________________



+




مضت سهرتهم العائلية بعد كثير من الثرثرة والأحاديث الودودة.. وصعدا الجميع لينعم بنوم هاديء بعد فراغ تجمعهم المبهج الصاخب بحكاوي ممتعة بينهم..أما يزيد، فأنهي اتصاله الهاتفي مع رفيقه " أحمد" ليطمئن على سير العمل.. فجافاه النوم لبعض الوقت، وقر السير قليلًا بالحديقة حتى يأتيه النعاس.. هبط يخطو بتروي واستمتاع، متلقفًا وجهه نسمات منعشة بهذا التوقيت، وأثناء ترجله البطيء، لمح جوري جالسة بجوار محمود تحدق في شاشة الحاسوب ببلاهة يعرفها عندما يستعصي عليها فهم أمرًا ما.. عادتًا يُضحكه مظهرها بتلك الحالة.. لكن على غرار ذلك عبست ملامحه قليلا، وتلقائيًا أبصر ساعة هاتفه فوجدها تخطت الواحدة بعد منتصف الليل! 



+




خطى إليهما، وألقى التحية:  السلام عليكم.. إيه مصحيكم لدلوقت؟



+




ردد جوري ومحمود التحية ثم  أردف الأخير ببساطة:  جوري طلبت مني افهمها حاجات تخص برامج الكمبيوتر ومش عارفة تتعامل معاها.. مع شوية حاجات كده بعلمهلها..! 



+




جوري ببراءة غير واعية لنظرات " يزيد"  الغير راضية: ده انا طلعت ميح يا آبيه، محمود ابن عمي عبقري فعلا.. وانا ناوية استغله بصراحة! 



+




ابتسم ابن العم: لا براحتك خالص أي سؤال أنا موجود! 



+




تمتم. يزيد برزانة دون كشف حنقه من شقيقته:  شكرا يامحمود.. بس أكيد جوري صدعتك منا عارفه.. عموما الوقت اتأخر اوي.. كفاية كده وبكرة كملوا.. حتى نكون كلنا مع بعض يمكن حد تاني يحب يستفيد منك! 



+




لم يفطن محمود لباطن مايقصده يزيد وهتف مبتسمًا:  مافيش مشكلة، اللي عرفته الليلة دي كافي عشان تستوعب أصلا، وبكرة نكمل!  



+





        


          



                


جوري:  خلاص اتفقنا..يلا تصبحوا على خير! 


………… 


سار يزيد بجوار محمود داسًا كفيه بتجويف بنطاله، متسائلا:  عمي محمد قالي إنك عايز تعمل مكتب محاسبة وبرمجيات خاص بيك!  



+




احابه بحماس: فعلا.. لأن ده المجال اللي بحبه وهسيب فيه بصمة.. أنا ماليش في الزراعة والأراضي.. مش ميولي ابدا..! 



+




وافقه بإماءة ونظرة مفعمة بالإعجاب: هايل يامحمود إنك تحدد بالظبط بتحب إيه وتشتغل فيه، وتُثقل كل ده بدراسة وكورسات.. أكيد النتيجة هتكون ابداع وبصمة وتطوير.. وإن شاء تحقق حلمك وترفع إسم عيلة أبو المجد في العالي أكتر وأكتر ..! 



+




محمود:  إن شاء الله! 



+




ربت على كتفه:  ربنا يوفقك ياعبقري.. هسيبك وتصبح على خير! 


_ وأنت من أهله! 


______________________



+




طرق طرقتين فسمع صوت شقيقته تسمح بالدخول، فولج إليها:  قلت الحقك قبل ما تنامي! 



+




اعتدلت جوري:  لا مش نمت يا آبيه، كنت ببص على الفيس شوية..!



+




هز رأسه قليلا وأردف بعتاب:  على فكرة انا زعلان منك! 


هتفت بإنزعاج حقيقي وهي تشير لصدرها:  زعلان مني؟ ليه؟ أنا عملت إيه طيب؟


_ الساعة كام دلوقت ياجوري؟


هتفت دون انتباه لمقصده:  تقريبا 2 يا آبيه! 



+




أردف مؤنبًا:  وينفع في التوقيت ده تكوني قاعدة مع محمود في الجنينة لوحدكم؟



+




قالت ببراءة:  طب وفيها إيه يا آبيه، أنا كنت بسأله على حاجات مش عارفاها لما لقيته قاعد في الجنينة ومعاه اللاب توب.. ده ابن عمي مش غريب! هو غلط اسأله عن حاجة مش فهماها..! 



+




_ لأ طبعا مش غلط تسأليه لأنه فعلا بارع في الجزئية دي..وتقعدي معاه عادي لأنه ابن عمك.. بس وسط تجمع الكل وفي توقيت معقول والكل حواليكم رايح وجاي، بدون أي خلوة..مش قرب الفجر لوحدكم..والكل تقريبا نايم.. وبعدين لبسك ده لازم يكون مناسب أكتر من كده مادام ابن عمك هنا! 


هتفت:  أنا بلبس حاجات مريحة في البيت، امال اعمل إيه؟



1




_ تلبسي المناسب قصاد أي حد ماينفعش تظهري قدامه بلبس شيء ضيقة.. البسي اسدال مثلا! 


اعترضت: إسدال إيه إيه يا آبيه.. ده انا لو مشيت بيه خطوتين اتكفي على وشي والكل هيضحك عليا..!



+




قاوم ابتسامة داعبت شفتيه لمجرد تخيل بنيتها الهزيلة القصيرة تلك وهي تتعرقل بأطراف أسدالها.. هي بالفعل تحدث معها مثل تلك الأشياء، تقع كثيرًا في المعتاد، فتمتم بجدية زائفة:  خلاص اختاري اي لبس واسع لحد ما محمود يروح بيته مع اسرته.. واياك بعد كده تسهري معاه بالليل لوحدكم.. انا بحذرك يا جوري تخالفي اللي بقوله! 



+




مطت شفتيها بوجه عابس:  حاضر حاضر! 



+




ثم اطلقت اعتراض أخر بشكل طفولي: 


على فكرة.. أنت واخوك عابد بتغيروا بشكل مش طبيعي.. الله يكون في عون اللي هتتاخدوهم يا آبيه.



+





        


          



                


رمقها برهة، ثم ضحك وهو يضعها تحت إبط ذراعه بمزاح:  وانتي مش عاجبك ياقصيرة انتي! 



+




حررت رأسها هاتفة بحنق:  انا مش قصيرة ..انتو اللي طوال زيادة عن اللزوم يا آبيه، ودي مش مشكلتي! 



+




رفع حاجبيه بمشاكسة: يعني العيب فينا يا أوزعة؟



+




عبست مرة أخرى:  الله يسامحك.. بكرة تتجوز واحدة قصيرة بردو..! 


صمت قليلا، فراقبته جوري وعلمت مسار أفكاره، فربتت على كفه بحنان: أنا متأكدة يا آبيه إنك هتاخد نصيبك السعادة اللي تستاهلها.. وواصلت بغموض: بس انت ركز شوية..يمكن سعادتك قدامك وانت مشغول عنها بحاجة تانية.."



+




شعر بعموض جملتها:  مش فاهم..!



+




هتفت:  لا ما تحطش في بالك يا آبيه.. هما القصيرين كده ساعات بيقولوا كلام غريب! 



+




ظل محتفظًا بملامح المتعجبة، ثم انفجر ضاحكًا حين استوعب دعابتها.. وضمها إليه وقبل رأسها: 


والله وحشني كلامك السكر زيك يا جوجو.. ماتيجي تقضي معايا اسبوع في القاهرة وأخرجك كل يوم هناك وابسطك! 



+




هتفت بحماس:  بجد؟ خلاص خليك عند وعدك.. في اجازة الجامعة السنادي هنزل افضل معاك شوية، ويمكن تكون عطر معايا.. قالتلي مرة هتنزل لجدها وجدتها وعمتها في الأجازة بردو..! 


_ ماشي ياستي بس المهم الست عطر ترضى عننا بدال منا حاسسها زعلانة مني كده! 



+




هتفت بغموض خبيث: 


معلش، هي مش طفلة في نظرك.. أتحمل بقى دلال الأطفال يا آبيه! لحد ما تقتنع إنها كبرت.. ساعتها بس المسافات هتقل بينكم وهي هتعاملك بشكل مختلف..! وأنت كمان هتعاملها بشكل تاني! 



+




ارتسم على وجهه معالم الغباء وهو يغمغم: 


نعم؟! هو انا ليه حاسس إني تايه وانا بحاول افسر كلامك الغريب واربطه ببعضه.. مسافات أيه واقتنع بإيه؟.. انتي بتتكلمي كده ليه يا بت انتي ما تخليكي واضحة انا مش فاهم انت عايزة تقولي أيه.. في حاجة معينة مزعلة البرنسيسة بنت خالتك وانا معرفش؟ 



+




هتفت بيأس: ولا حاجة يا آبيه.. أنسى وماتحطش في بالك..وكأني ما قولتش حاجة.. ولا تزعل نفسك يا كبير! 



+




تمتم بعد نهوضه استعداد للذهاب لغرفته: 


ده اللي هعمله انا دماغي مش ناقصة ألغاز..تصبحي على خير بقي، خليني اروح انام، عايز اصحي بدري اقعد معاكم اطول وقت ممكن عشان هرجع القاهرة بالليل بأذن الله! 



+




هتفت برجاء:  ماينفعش تفضل يومين كمان؟ والله ما لحقت اشبع منك!  


داعب شعرها:  صعب حبيبتي، عندي شغل كتير.. هبقي اجي تاني قريب ماتقلقيش.. يلا اسيبك بقى! 



+




شيعته بنظرة محبة متمتمة بخفوت بعد مغادرته: 



+




ربنا يريح قلبك ويرزقك السعادة اللي تستاهلها يا آبيه! 


____________________________


اليوم التالي! 


_ خليك لبكرة ياحبيبي، مالحقتش تشبع منك يا يزيد! 


لثم كفها:  معلش يا أمي عندي شغل والله يدوب اسافر عشان اوصل في وقت مناسب..!



+





        


          



                


ابتسمت برضوخ:  خلاص ياحبيبي ربنا يصلح حالك ويبعد عنك كل سوء..


_ مايحرمنيش من دعواتك يا أمي، افتكريني دايما كده بالدعوات دي


_ مس بنساك، دايما في قلبي وعقلي مكانك محفوظ يا يزيد! 


_ ياسيدي إيه الكلام الجامد ده، ثم غمز بعيناه: 


أمال بتقولي إيه للحج دومي


نكزته على كفه:  أختشي يا واد عيب! 


ضحك وضمها قبل مغادرته:  ماشي ياكيما هختشي! 


وغادر وهي تشيعه بلسان يدعوا وقلب يتمني له الخير والتوفيق!  


_________________________



+




يراقب مراسم زفافه وكأنه لا يخصه.. شارد الذهن مُترع بالهموم مستسلم لقدره..ووالدته التي كانت مريضة منذ أيام، تتحرك گ الفراشة بجميع الزوايا، مستقبلة المدعوين. بابتسامة تملأ ثنايا وجهها الذي أشرق بسعادة لا يخطئها راءي، أما شقيقه " أيهم" فانتقى له بدلة أنيقة وأحضر متخصص لهندمة هيئته فتجلى عليهم بوسامة لفتت الأنظار إليه



+




أختلى بنفسه يطالع وجهه بالمرآه.. ليجد شابًا بقدر هائل من الوسامة حقًا..وتسائل، كيف كانت حياته من قبل؟ هل كان عابثا متعدد العلاقات مع لفتايات.. أم كان خلوقًا لا يقترب من تلك الذنوب..؟ لا يكف عقله عن التسائل عن كيف كان يحيا..ومتى سيتذكر كل شيء.. أخبره الطبيب انه. ربما يظل سنوات لن يتذكر شيء والأفضل له التأقلم على تلك الحياة بدلا من انتظار يأكل حاضره.. على الأقل هناك حقيقة دامغة ولايمكن تجاهلها.. وهو انه الآن بين اهله الحقيقين.. مع من يعرفونه.. وليس مجهولا.. لما لا يترك تساؤلاته ويرضخ لواقعه.. ربما بناء أسرة مع فتاة تحبه، يكون افضل شيء يفعله..!



+




" يلا يا رائد استعد.. هنروح نجيب عروستك"



+




هكذا قطع صوت أخيه وصلة شروده، فهز رأسه:  أنا جاهز يا أيهم! 


………………… ..



+




هل هناك فرحة تضاهي فرحتها الآن؟


أصبحت عروسه.. أضحت زوجته.. وحاضره ومستقبله.. ستشاركه كل شيء.. كما شاركته طفولتها ومراهقتها وحبها الخفي له.. ها هي تشاطره كل شيء


ستكون له السكن والجنة والحنان والآمان ..ستمثل له كل شيء يريده.. ستعرف كيف تخترق حصون قلبه وتتربع على عرشه دون منازع.. هي رودي حبيبة رائد! 


……… ..


_العريس جه يا رودي! 



+




استدارت لوالدتها التي اتسعت عيناها انبهارا بجمال ابنتها وفستناها الأبيض الملائكي وهتفت بعاطفة أمومية جياشة:  بسم الله ما شاء الله يا نور عيني، إنتي بقيتي حميلة أوي.. ربنا يحميكي ويسعدك! 



+




اقتربت رودي منها بعين دامعة وتمتمت بتأثر: 



+




شكراً أنك بعد رحيل بابا عننا. كنتي جمبي رغم رفضك لرائد، أول مرة احس انك محترمة مشاعري!  صدقيني يا ماما انا هكون سعيدة مع رائد..


طالعتها لنظرة أكثر حنان وهتفت: 


_ أنا بحبك اوي يا ماما..!



+




بكت الدة رودي واجتاحتها مشاعر قوية بضم صغيرته التي اضحت أمامها الآن عروس جميلة! وتمتمت:  وانا مش بس بحبك.. أنتي نبض قلبي! 



+





        


          



                


ثم جففت دموعها وهتفت من بين بكائها:  يلا يانور عيني، عريسك مستنيكي برة.. ثم شاكستها:  


وليكي حق تحبيه.. الواد زي القمر! 



+




ضحكت رودي بعين دامعة واحتضنتها مرة أخرى.. وخطت معها خطى خجولة سعيدة متلهفة لرؤيته.. ولعناق عيناه التي ستكتحل بها ما بقي لها من عمر! 


____________



+




أمام مركز التجميل! 



+




لم يغادر السيارة، وظل " أيهم" ملتزما الصمت يراقب أخيه.. ربما الآن أدرك سبب استعجال والدته لزفافه.. شقيقه رائد يبدو كطفل تائهة يقبع وسط عائلة تستضيفه.. لا يشعر بهم.. بل يشعر بالغربة.. حاول محادثته كثيرا ليقتربا لكنه مازال معتكفا على نفسه.. حتما زواجه سيخرجه من قوقعة أفكاره الكئيبة.. ليستقبل عهد جديد بحياته.. مع فتاة تحبه..!



+




_ أنت مش مبسوط إن فرحك الليلة! 



+




استدار رائد يطالع أخيه وهتف باقتضاب: لأ..!


رفع حاجبيه بدهشة مصدوما من صراحته، فتسائل: 


طب ليه؟ وليه أصلا انت كده يا رائد فهمني! 



+




رمقه بنظرة جامدة وتمتم:  يمكن كان لازم تبقى مكاني عشان تعرف الإجابة! 



+




صمت يطالعه هو الأخر بتمعن وأردف بعدها: 


_ طيب خلينا نمشي واحدة واحدة.. أنت فعلا مش فاكر حاجة وكل ماضيك اتمسح في دماغك وحتى مش فاكرنا.. وده طبعا شعور صعب.. بس ليه مش شايف الجانب المشرق في الموضوع! 



+




تسائل ببعض التهكم: اللي هو إيه؟



+




_ إنك بطريقة ربنا وحده رتبها، رجعت لأهلك.. لبيتك وحياتك.. كان ممكن أوي تفضل تايهة ومحدش عارف طريقك وقتها كان هيبقي أحساسك بالغربة اكبر بكتير.. لكن احنا اهو حواليك.. وكل ذكرياتك قريبة منك ومع الوقت هتفتكر.. مسألة وقت مش أكتر.. وحتى البنت اللي اخدتها عارفاك وهتساعدك تفتكر معاها كل حاجة..!



+




_ وافرض فضلت ناسي؟!



+




يبقي ساعتها نصيبك.. وإن كان ماضيك ضاع.. الحاضر لسه معاك.. والمستقبل طبعا بأمر ربنا قصادك.. أرسمهم براحتك يا رائد.. اعتبر نفسك اتولدت من جديد.. مش يمكن في حكمة إنك تبتدي من جديد بشخصية مختلفة؟ يمكن دي فرصة وخير وانت مصمم تتعامل على إنه مأساة.. عيش وانسى



+




ندت منه صخكة ساخرة:  أنسى أكتر من كده! 



+




ابتسم أيهم:  مش قصدي.. اقصد انسى انك فاقد الذاكرة.. ابتدي من اللحظة دي.. ثم التفت حيث تقف عروسة تنتظره بتلك اللحظة:  من لحظة ماهتمسك ايد زوجتك وشريكة حياتك اللي واقفة مستنياك بلهفة تمشي ناحيتها.. اللي هتقدملك الاستقرار والسلام النفسي والسكن والراحة والحنان.. البنت بتحبك يا رائد ساعدها عشان تاخد بإيدك.. هي مش هتقدر لوحدها.. أوعي تخلي عتمة يأسك تطفي نور الأمل اللي جواها..!



+




ثم صمت يطالعه بنظرة حانية استشعرها رائد:  



+




يلا يا رائد.. روح لعروستك.. وافرح.. وارمي وراى ضهرك  كل حاجة تحرمك من السعادة.. في حاجات مش بتتعوض.. خلي ذكراياتكم الحلوة تبدي من دلوقت! 



+




نقل بصره بين أخيه وعروسه الذي انبهر بجمالها ولن ينكرها.. كم بدت رودي بطلة تسرق العقل.. تنهد وتمتم:  أوعدك هحاول! 



+




ربت أيهم على كتفه:  أيوة كده.. ثم غمز له:  ومبروك عليك ياعم عروستك الحلوة!  



+




تقدم رائد لعروسه بخطوات فاقدة للهفة وگأنه لا بملك سوى الانصياع لما تجرفه إليه أمواج الحياة التي تتقاذفه أينما شاءت.. وهو يغوص بها ويعافر فقط كي يبقي حيًا..مستسلمًا خانعًا ينتظر بأي شاطيء سيرسوا قاربه الذي لم يعد هو قبطانه.. بل صار لاجيء غريب يبحث عن وطن يآوي روحه المشردة! 


_________________________



+




أطرقت رأسها بخجل وهو يقترب منها، فتنحت والدتها لتفسح له المجال والحرية، لتنضم جوار أخيه الذي يقف على مسافة هو الأخر! 



+




ما أن صار أمامها حتى رفعت وجهها إليه وعيناها تضوي جمالًا وعشقًا يكحلها، فتمتم:  مبروك! 


___________________


تكملة الرواية من هناااااااا 


تعليقات

التنقل السريع