قصة الرسالة كامله بقلم محمود رجب حصريه
قصة الرسالة كامله بقلم محمود رجب حصريه
#الرسالة ..👇
أنا اسمي سبيل، 27 سنة، وبشتغل في شركة تسويق رقمي في وسط البلد.
حياتي ماشية على وتيرة ثابتة، شبه آليّة، زي عقارب الساعة اللي بتتحرك كل يوم لنفس النقطة من غير ما توصل لحاجة.
بصحى الصبح على صوت المنبّه، أركب الميكروباص، أسمع نفس الزحمة، أشوف نفس الوجوه اللي مبقاش ليها لون ولا طعم.
أوصل الشغل، أفتح اللابتوب، أرد على إيميلات، أحضّر اجتماعات، أسمع تريقات المدير، وأضحك مجاملة.
أرجع آخر اليوم بيتي، شقة صغيرة ورثة عن جدتي، هادية جدًا... يمكن أهدى مني.
بس الوحدة جواها كانت أعلى من أي دوشة.
أنا مش اجتماعية قوي، بس عندي صديقة واحدة بس ممكن أقول إنها "قريبة" لحد كبير.
اسمها هند.
عرفتها في الجامعة، كنا بنقعد مع بعض على نفس الدكة، نضحك، نذاكر، نسرح في الحصص سوا، ونتكلم عن أحلامنا الكبيرة...
وبعد التخرج، فضلت علاقتنا موجودة، حتى وهي سافرت شغل برا القاهرة سنتين، كنا بنتكلم دايمًا.
يمكن هند الوحيدة اللي كانت بتعرف تاخدني من نفسي، تفكّني، تخليني أتكلم وأنا مرتاحة...
بس بقالها فترة، بدأت تبعد.
مش فجأة، لكن تدريجي كده... زي الضباب اللي بيغطي المراية.
ترد متأخر، أو متردش خالص، وتيجي تكلمني كأن مفيش حاجة حصلت.
وأنا؟
كنت ببعت، واعتب، وأستنى، واسكت.
امبارح، كان يوم مرهق جدًا.
اجتماعين، وعميل سخيف، ومكالمة مع أمي انتهت بزعل قديم بيتكرر.
رجعت الشقة وأنا حاسة إني مُنهَكة، مش بس جسديًا... روحي كمان كانت تعبانة.
خلعت هدومي، وسحبت جسمي كأني بسحبه من حفرة، ورميت نفسي على السرير.
مكنتش جعانة، ولا فاضية أفكر.
نمت.
وأنا نايمة، حلمت إني ببعت لهند رسالة.
مش رسالة طويلة، بس كانت طالعة من جوّا قلبي...
كنت بعاتبها.
"هو ليه بقالك فترة بتتأخري عليا؟ أنا حاسة إنك بتتجاهليني... أنا بحاول، بس تعبت."
الكلمات كانت بتطلع بسهولة، وكأن صمتي طول الأيام اللي فاتت كان بيتفجّر دفعة واحدة.
افتكرت إني حتى فضلت ماسكة الموبايل في الحلم ومستنية الرد، لكن الحلم اتمسح فجأة.
صحيت بعدها مباشرة.
النهار بدأ عادي.
قهوة، هدوم، شغل، موصلات.
لحد ما فتحت الموبايل.
كان فيه رسالة منها.
"أنا آسفة يا سبيل، والله كنت مشغولة جدًا الفترة اللي فاتت... مش تجاهل، والله."
قلبي اتقبض.
مشيت بإيدي على الشات، لقيت الرسالة دي فعلاً قدامي، بنفس الصياغة اللي ممكن تقولها هند.
بس المشكلة؟
إن مفيش أي رسالة قبليها مني.
الرسالة اللي أنا حلمت إني كتبتها... مش موجودة.
ولا نسخة منها.
ولا حتى كلمة.
فضلت أقلب، أعيد التحقق، أخرج وأدخل تاني، حتى فتّشت في المسودات.
ولا حاجة.
قلت يمكن مسحتها وأنا نايمة؟
بس مستحيل... أنا كنت فاكراها، فاكراها بالحرف.
فكّرت يمكن كنت بحلم؟
بس لو حلم، إزاي الرسالة بتاعتها وصلت؟
وبالضبط رد على الكلام اللي أنا حلمت إني كتبته؟
الموضوع بدأ يرعبني فعلًا، حسيت إن في حاجة مش منطقية، مش طبيعية.
فكّرت أكلمها وأسألها.
كتبتلها: "أنا مقدّرة يا هند، ومفيش مشكلة... بس كنت عايزة أعرف، إمتى بعتّي الرسالة؟"
ردت بعد شوية، وقالتلي:
"رسالة إيه؟ أنا ما بعتش حاجة، والله. كنت هكلمك بس، بس لسه ما كتبتش حاجة. هو في حاجة؟"
الرسالة موجودة.
أنا شايفاها.
ومكتوبة باسمها، وتاريخها.
وهي؟
بتقول ما بعتش حاجة.
أنا مش مجنونة...
أنا متأكدة إني شفتها، متأكدة إن الحلم كان حقيقي.
بس لو كان مجرد حلم، الرسالة ازاي ظهرت؟
وإذا كانت الرسالة حقيقية، ازاي هي متعرفش عنها حاجة؟
في اللحظة دي، بدأت أحس إني مش لوحدي.
أو يمكن...
مش أنا اللي بتحكّم في اللي بيحصل.
كأن في حاجة بتكتب بالنيابة عني.
أو...
بتكتبلي قبل ما أتكلم.
وأنا لسه مش قادرة أستوعب اللي حصل...
بس جوايا يقين، إن دي مش آخر مرة.
في حاجة ورا الستار ده...
حاجة بدأت تهمس.
الليلة دي ماعرفتش أنام.
كل مرة أغمض فيها عيني، بحس كأن في حد بيتفرج عليا.
مش بخوف العيال الصغيرين، ولا الخيالات اللي بتيجي وبتروح...
لا، ده شعور تقيل، بارد، ثابت...
كأن نظرة واحدة معلّقة في سقف الأوضة، بتتنفس وبتعدّ أنفاسي.
قومت حوالي الساعة ٣ الفجر.
كنت عطشانة، والمية في تلاجتي خلصانة، فقررت أروح المطبخ أشرب من الحنفية.
بس وأنا ماشية في الطرقة، سمعت صوت رنة موبايل...
مش بتاعي.
ولا حتى شبه نغمة أي تليفون أعرفه.
كانت رنة غريبة، قصيرة، أشبه بنبضة.
جريت على الموبايل بتاعي... مفيش حاجة.
مفيش إشعارات، ولا مكالمات فائتة.
بس النور بتاع الشاشة كان منور، كأن حد لسه كان بيبص عليه.
فتّحت القفل، لقيت الشات مع هند مفتوح.
والرسالة...
الرسالة اللي قالت إنها ما بعتتهاش...
كانت بتتلغي قدامي.
كأن حد بيمسحها حرف حرف، والصورة بتترج كأنها مش ثابتة.
أول ما حاولت أخد لقطة شاشة، الموبايل فصل فجأة.
سواد.
مش بس شاشة الموبايل، الإضاءة في الشقة كلها انقطعت.
وقفت في نص الطرقة، قلبي بيخبط في ضلوعي، والدنيا ساكتة سُكات مريب...
النوع اللي بيخلي ودانك تسمع صوت دمك،
واللي بيخلي كل نفس كأنه بيصرخ.
رحت أجيب الكشاف من درج الكومودينو،
أول ما فتحت الدرج...
لقيت حاجة ماينفعش تكون هناك.
ورقة مطبقة كويس، مرسوم عليها بعنف قلم رصاص.
رسمة لوشّي...
أنا.
بس بعين واحدة، والعين التانية متشوّهة، متخرّطة كأنها مش موجودة.
وتحت الرسمة، بخط إيد باين عليه رعشة:
"هي شايفاكي، حتى وإنتي نايمة."
رميت الورقة، ورجعت خطوة لورا،
والنور رجع لوحده...
بس خافت... مائل للصفار، كأن اللمبة مريضة.
الموبايل اشتغل تاني،
ولقيت رسالة جديدة من رقم مجهول،
مفيهوش اسم، ولا صورة.
"انتي كتبتي الرسالة...
بس مش بإيدك."
أنا حاليًا قاعدة على الكنبة، ماسكة نفسي بالعافية،
كل حاجة حواليّا باين عليها زي ما هي...
بس جوا الحيطان، كأن في نَفَس...
نَفَس تقيل، بينبض.
أنا مش عارفة اللي بيحصل،
بس اللي أنا متأكدة منه دلوقتي،
إن الحلم ده مكنش حلم،
وإن في حاجة بتتحكّم...
في الرسائل، في الوقت،
ويمكن... فيا.
وهند...
مبتردش.
بقالي ساعات ببعتلها،
مش عايزة أقلقها، بس محتاجة أفهم...
هي كمان حصل معاها حاجة؟
ولا أنا الوحدي اللي بقيت شايفة؟
ولا في حاجة قررت تختارني أنا بس؟
أنا مش ناوية أنام النهاردة،
بس حاسة إن النوم هو اللي جايلي...
وبيحضّرلي حاجة جديدة.
والمرة دي، لو حلمت،
أنا ناوية أسأل الحلم نفسه:
"إنت مين؟"
الساعة عدّت ٥ الفجر.
الدنيا لسه ساكنة، لكن السكون ما بقاش مريح...
بقى خانق، كأن الشقة نفسها بتحبس نَفَسها، مستنيّة اللي جاي.
أنا لسه قاعدة على الكنبة، الموبايل في إيدي، والإضاءة من اللمبة الصفرا عاملة ظل غريب على الحيطان...
كأن كل حاجة بترتعش، بس برّاهدوء، زي رعشة تحت الجلد.
قررت أكلم هند تاني،
فتحت الشات، كتبت "انتي فين؟"،
ولقيت نفسي مش قادرة أضغط "إرسال".
صوابعي بتتقل، كأنها مش بتاعتي.
كل ما أقرّب، الشاشة ترِج، ترِج كأنها بتقولي: "بلاش."
قومت ولفيت في الشقة،
المراية اللي في الصالة كانت مغبّشة، مع إني مسحاها قريب.
قربت منها، وطلعت بُخار بكف إيدي.
لكن قبل ما ألمس السطح،
اتكوّن على المراية كتابة، كأن في نفس غيري بيكتب من جوّاها.
"أوعى تبصي وراكي."
تجمّدت.
رجليا سابتني، وجسمي كله تلج.
الأنفاس قطعت، وكل صوت اختفى.
أنا...
أنا ما بصّيتش.
مش عارفة ازاي، بس فضلت ثابتة.
عديت للمراية، ودخلت أوضتي، وقفلت الباب ورايا بقفل السلسلة.
قفل السلسلة؟
أنا ما عنديش قفل سلسلة في باب الأوضة.
فتحت الباب تاني،
ملقتش القفل.
كأنه... ظهر واختفى.
رجعت لجهاز التسجيل الصغير اللي عندي، كنت بستعمله زمان أدوّن أفكاري وأنا بتكلم.
قررت أشغله وأسجّل كل حاجة بتحصل...
يمكن لما أسمعها بصوتي، أفهم.
شغّلت الجهاز، وبدأت أتكلم.
"أنا سبيل، لو حد لقى التسجيل ده، يعرف إني كنت بحاول أفهم... في حاجة مش طبيعية، حاجات بتحصل، رسائل بتتكتب، وأصوات بتظهر، وأنا..."
الجهاز قطعني.
سمعت صوتي...
بس مش اللي كنت لسه بقوله.
كان تسجيل قديم...
صوتي وأنا بضحك، وبقول:
"مفيش مهرب يا سبيل، حتى التسجيلات بتتكلم لوحدها دلوقتي."
رميت الجهاز من إيدي، وقع على الأرض، فضل شغّال،
بس الصوت اللي بيخرج منه مش صوتي...
حد بينهج، وحد تاني بيهمس، والاتنين بيتكلموا بصوت واطي:
"هي مش بترد... عشان وصلت.
إنتي لوحدِك دلوقتي."
دقيت على هند تاني،
الخط بيرِن،
والمكالمة اتردّت،
بس اللي سمعته ماكانش صوتها...
كان صوت نفس غريب، تقيل، بيخرج من مية.
زي غريق بيتكلم من تحت،
وقال كلمة واحدة:
"انعكاس."
وبعدين الخط قفل.
أنا دلوقتي مش عارفة مين اللي بيتفرج على مين.
أنا اللي شايفة، ولا أنا اللي بتتشاف؟
وإيه معنى "انعكاس"؟
هل هند وقعت في مكان أنا ماشية ناحيته؟
ولا أنا بالفعل وصلت... وبقيت في الناحية التانية؟
أنا هسيب النور منور،
بس مش عشان يطمنّي...
عشان لو حاجة قربت، أشوفها قبل ما تلمسني.
والمراية؟
غطيّتها،
بس الغطا بيتحرّك كل شوية...
كأن في حد من جوّا بيزقه بإيده.
مش هلحق أنام،
مش بعد اللي سمعته،
ولا بعد ما ظهر رقم جديد على موبايلي،
رقم مفيهوش أرقام.
بس فيه اسمي...
"سبيل."
وهبعت رسالة لنفسي...
الدنيا فضلت تقيلة، الوقت مش بيتحرك، وأنا...
أنا خلاص بطّلت أسأل نفسي: "ده حقيقي؟"
وبدأت أسأل: "هو ده أنا؟"
الرسالة اللي جاتلي من الرقم الغريب،
اللي مكتوب فيه اسمي،
كان فيها جملة واحدة:
"اللي كتب الرسالة الأولى... مستني ردك."
ولقيت نفسي، من غير ما أحس، بكتب رسالة تانية.
بس مش لهند.
مش لحد أعرفه.
لحد... كنت فاكرة إني أنا.
كتبت:
"لو كنت أنا، ورجعت أكتب الكلام ده من المستقبل، أو من حلم، أو من أي بعد تاني...
فأنا آسفة.
أنا حاولت أفهم.
بس يمكن كل اللي كان مطلوب... إني أواجه."
بعد ما كتبت الرسالة،
ماعرفتش أبعتها.
الموبايل فصل... تاني.
لكن المراية...
المراية ماستنتش.
كانت مكشوفة،
مع إن الغطا اللي حطيته لسه على الأرض.
لكن الأغرب...
إني شوفت نفسي فيها،
واقفة...
بس مش لابسة اللي أنا لابساه.
وشّي...
وشّي كان فيه نفس التشويه اللي في الرسمة اللي لقيتها زمان.
عين واحدة،
والتانية...
حفرة.
قربت، وأنا حاسة كأني بمشي نُص خطوة جوّا حلم، ونُص خطوة جوّا حاجة أبرد من الحلم.
مدّيت إيدي...
ولقيت الإيد اللي من الناحية التانية بتتمد برضو.
بس سبقتني.
مسكت إيدي،
وسحبتني.
ماحستش بجسمي،
بس ما وقعتش.
أنا دلوقتي جوّا المراية.
بس برّه منها...
في سبيل تانية،
وقفة مكاني، بتلبس لبسي، وبتضحك.
ابتدت ترد على كل رسايلي القديمة.
وابتدت تكلّم هند.
وصوتها...
بقى زيي بالظبط،
بس فيه رعشة فرحة غريبة.
كأنها كانت مستنيّة اللحظة دي من زمان.
وأنا؟
أنا جوّا...
مش شايفة غير وشّي،
وكتابة محفورة على الزجاج من جوّا:
"الانعكاس كتب الرسالة...
دلوقتي بقيتي إنتي الرسالة."
الشقة لسه هي هي.
والحياة بتكمل.
بس اللي عايش فيها مش أنا...
اللي عايش فيها انعكاسي.
أنا بقيت الحلم.
أنا بقيت اللي مايتشافش...
بس بيكتب.
ولو لقيت رسالة جاية من نفسك،
ردّ عليها بسرعة...
قبل ما تنكتب بدلها.
النهاية.
لو عجبتك القصة أعمل لايك وقولي رأيك في التعليقات 🌹
#قصص_رعب
#حكايات_مرعبة
#الجانب_المظلم
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا