القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الحادى وخمسون والثانى وخمسون بقلم دفنا عمر

 

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الحادى وخمسون والثانى وخمسون بقلم دفنا عمر




رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الحادى وخمسون والثانى وخمسون بقلم دفنا عمر



الفصل الواحد والخمسون


________________



+




أصغي إليْ يا بني آدم


منحتُك الجنة جزاءً ومآوى لو أصبت.. 


وجزيتُك جهنم مصيرًا ومثوى لو أخطأت.. 


وخلقتُك عاقلًا فقرر بينهما ما شئت.. 


لا تخطيء قراءة رسائلي فتفنى وتهلك


أنا الجبار منحتك شتى الطرق فاختر ما تسلُك


---------------


وصل وهو يلهث لبقعة قرب ضفاف النيل وراح يتأمل المياه بعين شاخصة..كم تبدو مخيفة بظلمتها وغامضة.. ترى كيف يبدو جوفها في تلك الظُلمة الحالكة؟ ماذا لو أخترقها ليعلم؟


صعد كالمغيب على حافة السياج ووقف بتوازن..


متسائل في نفسه.. أي ظلمة أقسى؟


ظلمة روحه؟ أم ظلمة المياة الساكنة أسفله. 



+




سيغوص ليعلم. 


علها تزيل عنه الدنس الذي يلتصق به..


أو ربما يموت وتبتلعه تلك الظلمة..


ولن يشعر به أحدا.. 


بدت له الفكرة جذابة..


أغمض عينه وفرد ذراعيه في الهواء


ومال بجسده  للأمام مستسلما لمصيره..


ويعلم أن الجنة ليست لأمثاله


ومثواه لن يكون سوى الجحيم! 


لكن لا يهم


هو يتلظى به في كل الأحوال.. 


فليذهب إليه طواعيةً.


استنشق أخر أنفاسه في هذا العالم. 


وبدأت رحلة السقوط!



+




_ بابا..!



+




رحمة؟


هل تناديه صغيرته؟


هي هنا ونطقت كلمة بابا؟


لكن كيف أتت؟


أم هو من استدعى همسها الحبيب كذبًا بخياله


فتجسد لأذنيه؟ ليت كان بوسعه أن ينال سماع همهمتها الملائكية وضمها واستنشق رائحتها قبل أن يغادر هذا العالم للأبد.. 



+




_ ببا… با با..! 


_ برافو حبيبة بابا.. تيتة هتفرح بيكي أوي يا "دنيا"



+




_ دنيا؟ 


من دنيا هذه؟


أليس هذا صوت صغيرتي رحمة؟



+




هنا فتح عيناه والتفت ليجد رجلا ما يعطيه ظهره منحنيا يلاطف صغيرته ويطلب منها إعادة ما قالت:  يلا قولي بابا تاني عشان  لما نروح البيت تسمعيها لتيتة.. 


لم تكن ابنته.. 


ليست رحمة.. 


ليست صغيرته.. 


خاب أمله ولعبت به أوهامه وأمانيه الأخيرة أن يسمع صوته غاليته..



+




" ايه ده يا استاذ بتعمل ايه عندك، أنت اتجننت؟! انزل حالًا قبل ما تقع" 



+




قالها الرجل وهو يعيد ابنته لعربتها الصغيرة ويندفع نحو رائد ليجذبه إليه فيقع على الرصيف والرجل مواصلا صياحه اللائم:  في ايه يا استاذ انت ازاي تقف كده، كنت ممكن تقع ويجرالك حاجة..لا حول ولا قوة إلا بالله! 



+




كل ما قاله الرجل لم يعيه وبصره لا يحيد عن الصغيرة التي رآى بها ابنته.. تبدو له في سن متقارب، اغرورقت عيناه وسالت دموعه بصمت وحنينه إليها يشتعل بصدره، أشفق عليه الرجل وربت على ظهره بعد أن أدرك انه يعاني مشكلة ما ويصيبه اليأس:  



+




وحد الله يا استاذ الدنيا مليانة ابتلاءت بس صدقني ربك كريم فوق ما تتصور وبيحبك..لو مش بيحبك كان سابك لضلالك من غير مايفوقك بابتلاء عشان تلجأ له.. عايز يخفف عنك ذنوبك.. عايزك تطهر نفسك من خطاياك..أوعى تفهم رسايله غلط.. معنى اللي كنت هتعمله دلوقت انك مافهمتش هو عايز منك ايه.. ببساطة عايزك تندم.. تتوب.. تستغفر.. تتضرع له في جوف الليل بركعتين ولا حتى آيتين من المصحف.. وكل ده سهل أوي ومتاح قدامك طول الوقت، ليه سهل عليك تموت كافر وفي فرصة تعيش وتزود رصيد حسانتك وتكفر عن آثامك؟ .. 



+





نظر له رائد كأنه يطالع مخلوق غريب لم يصادف مثله من قبل.. كلماته كأنها تخترقه دون ألم..تصفعه دون قسوة.. ترجف قلبه.. تزلزل معتقاداته.. تفتت يأسه.. تلقي بقلب ظلامه سهام تحمل قبسًا من نور.. أول مرة يستشعره داخله.. كان يظنه لا يحوي بين جنبات روحه سوى ظلام وسواد! 



+




عاد يضخ به الأمل عبر كلماته: 


_وحد الله وروح صلي ركعتين وكلمه واشكي حالك وابكي.. أبكي قد ماتقدر من غير كسوف، قرب منه وناجيه واطلب العون، لكن اوعي.. اوعي تضعف وتحاول تاني تنتحر.. اوعي تموت كافر وتقنط من رحمة الله! 



+




ثم نظر الرجل لطفلته بنظرة حانية وقال:  تعرف الطفلة الجميلة اللي قدامك دي؟ والدتها ماتت وهي بتولدها، والبنت نفسها اتولدت مريضة وضعيفة ..والدكاترة قالولي انها مش هتعيش كتير..يمكن ايام او شهور بسيطة.. بس انا قولتلهم انتو مش عارفين حاجة.. بنتي هتعيش وتتعالح. وتكون بخير.. ربنا مش رزقني بيها عشان ياخدها مني تاني..ربنا عارف اني مش هتحمل خسارتها هي كمان زي والدتها.. كان ظني فيه كبير اوي.. صليت ودعيت وماخذلنيش..واهي تمت سنة والحمد لله بتتعالج وكويسة.. وانهاردة عيد ميلادها.. جبتها هنا عشان ده كان مكاني المفضل مع والدتها.. ياما هنا اتكلمنا وضحكنا وحلمنا..وأنهاردة اول مرة تقولي بابا..شوفت عوض ربنا وجماله؟ 



+




ودعه الرجل وغادر مع ابنته التي راح يداعبها والسعادة تملأ صوته.. ظل رائد يراقبه شاردا ووجه رحمة يتجسد في مخيلته..ضحكتها البريئة وزحفها وهي تطارده وتتشبث بقدمه ليحملها..تعلقها بهاتفه والعبث به وهو يضحك لما تفعل بحنان، اغرووقت عينيه بحنين وشوق جارف لها ثم رفع وجهه للسماء وبسط ذراعيه يدعوا بصوت أفكاره ودموعه تزداد غزارة لتصبح نحيب مكتوب.. لم يهتم بهمسات المارة حوله وهو بتلك الحالة.. ثم توجهه لبيته وقرر أن يصعد لغرفة والدته، تلك المرة لن يهابها.. هناك شيء يحسه أن يفعل..وقف على عتبتها ينظر لمصحفها المغلق المغبر والسبحة وسجادة الصلاة..وتقدم بخطى بطيئة وعبق والدته يملأ صدره.. كأنها معه تدعمه..  ذهب ليتوضأ ويصلي وشعور الراحة يتعاظم داخله..حقًا راحته تبدأ من هنا.. 



+




حنى رأسه ساجدا لله وبدأ يهمس بدعواته وحديث قلبه لخالقه وهو يبكي، كلما تحدث كلما ازداد بكاءه.. سجادته تشربت بترحاب قطرات دموعه المنهمرة.. ختم صلاته ولأول مرة يشعر بسكينة تغمر قلبه..نظر لفراشها ودنى منه ثم تحسسه برفق ثم أعتلاه وأرخى جسده عليه واحتضن وسادتها وأغمض عينيه ولم تمضي دقائق حتى راح في سبات عميق لم يناله منذ فترة طويلة!


______________



+




وقفت تقلب حبات الأرز  ثم التقطت بطرف الملعقة بعضه لتتذوقه وتتبين نضوجه وصوته يأتي خلفها: مع إني كنت زعلان من ياسين وناوي ابهدله عشان طنشني يوم الفرح، بس اما عرفت اللي حصل عذرته وزعلت أوي عشان بسمة، المسكينة فقدت اهلها ومآواها في وقت واحد



+




استدارت تهتف بتعاطف:  فعلا ابتلاء صعب..ياريت حتى ليها أخ كبير تتسند عليه، لكن أخوهم لسه صغير.. 


_ واخوهم كمان مشكلة لوحده، الولد من وقت ما شاف أمه وأبوه يوم الحادث وهما ميتين، فقد النطق ..تقريبا عنده حالة نفسية.. ياسين قالي ان الولد معتقد انهم ماتو بسبب شقاوته تخيلي؟!



+





        



          



                


دمعت عيناها بصدق:  ياحبيبي.. هو عمره قد ايه ياعابد؟


_ تقريبا ست سنين 


_ أهو ده بقي اكتر حد قطع قلبي.. 


وأكلمت وهي تبدأ بغرف الطعام داخل الصحون وتضعهم فوق طاولة صغيرة في منتصف المطبخ:  وبعدين حصل ايه معاهم..؟ 


قال وأصابعه تلاطف شعر الصغير الذي يحمله على كتفه: خطيب اختها أخدهم على شقته اللي هيتجوزا فيها بعد كده وياسين مقصرش معاهم، ساعد قد ما قدر.. 



+




أخذ كلًا منهما موضعه حاول المائدة الصغيرة وقالت: طب هات مهند عشان تعرف تاكل. 


_ لأ سيبيه أنا هعرف اتعامل


_ طيب يارب يعجبك الأكل، عملت صنف جديد


لاك بعض الطعام ثم قال بتلذذ:  الله.. تحفة يا حبيبتي. 


ضوى وجهها كأنها أحرزت هدفًا: بجد عجبك؟


_ أه والله، انتي نفسك حلو في الأكل


ثم غمزها مشاكسًا مع قوله:  فاكرة البسبوسة بالقشطة


قهقهت قائلة:  أيوة أما أخدت الصينية كلها لوحدك يامفتري، وعمو أدهم وقتها بصلك بحسرة بس انا طمنته اني عاملة غيرها



+




برقت عينه بحب وهو يطالعها:  وقتها ماكنتش بس بدوق البسبوسة.. لأ.. كنت بدوق معاها حلاوة مشاعري بيكي وبتمنى تكوني ليا.. 


اقتربت منه وطبعت قبلة على خده ثم احتضنت ذراعه هامسة:  حبيب قلبي.. انت اللي أحلى حاجة حصلتلي



+




ثم وضعت بفمه طعامًا ثم أطعمت الصغير وهي تسأله:  حلو ياهوندتي..؟


عابد وهو يلقنه:  قولها تسلم ايدك يا ماما


الصغير : تسم ماما. 


ضحكت:  ابني تقيل بيختصر الكلام ومالوش في الرغي، تعرف ان طنط كريمة اتعلقت به أوي.. كانت عايزاه يبات معاها، بس أنا عارفة انه هيتعبها، مهند بيصحي كتير بالليل.. ماما بس اللي بتعرف تتعامل معاه


_ بكرة يكبر شوية وينام في حضنها كل يوم


ثم لثم وجنتها هامست:  عقبال ما تجيلنا بيبي جميل زيه


_ إن شاء الله ياحبيبي، ربنا يرزقنا الذرية الصالحة.. 


ثم عادت لحديثها الأول:  طيب بقولك ايه، مش المفروض نروح نعزي بسمة وأختها، ده واجب برضو


_ فكرت في كده وبعدين اتراجعت عن الفكرة


_ ليه؟


_ البيت اللي هما فيه حسب ما فهمت لسه مش مجهز وممكن يتحرجوا.. فأنا اكتفيت بتعزيتها لما جت المزرعة، وانتي  ممكن تكلميها في التليفون، او تستني اما تنزلي المزرعة وتشوفيها.. ولا مش حابة ترجعي الشغل دلوقت؟


_ بالعكس حابة جدا.. ومهند اقدر اسيبه مع طنط كريمة أو ماما.. ثم تمتمت بدلال:  قولي يا بودي، مش هتزهق مني عشان هبقى معاك في الشغل والبيت؟



+




عاتبها:  أزهق منك؟ أنتي عبيطة؟ أكيد لأ.. هكون مبسوط انك معايا.. بس طبعا الدلع والهزار كله هيكون بعيد عن الشغل.. هناك في جدية وبس. 



+




ابتسمت بتفهم:  ماتقلقش عارفة الفرق ومحترمة اوي جديتك وانت بتشتغل وبتعجبني أكتر يا بودي.. 



+




باغتها بلمسة عابثة في خصرها، فانتفضت تضحك وهي تبتعد عنه:  بلاش جنان خلينا نكمل أكل احسن حاجة تقع عليك.. 


_ منا قلت بمناسبة جديتي اللي بتعجبك قلت اوريكي الوش الفرفوش بالمرة 


ضحكت له:  انت هتقولي، دي جوري فضلت تحكيلي امبارح شوية مواقف بينك وبين ياسين، خلت بطني وجعتني من الضحك.. انتوا الاتنين مسخرة والله 


_ ياسين ده حبيبي..وياما بهدلنا بعض مقالب في الجامعة، في حاجات محدش يعرفها كنوع من الستر يعني.. 


_ متخيلة، أكيد كوارس.. 



+





        


          



                


فجأة سكب مهند صحن الشوربة الساخن على عابد، فانتفضت زمزم لإنقاذ الموقف سريعا، فأوقفها ملوحا بيده:  خلاص خليكي مكانك مافيش حاجة حصلت، المهم ماجتش على مهند، كانت هتلسعه ومش هيتحملها


لامت نفسها وهي تأخذ الصغير:  منا قولتلك هاته ياعابد، أنا بعرف اخد بالي وهو معايا.. طب اتحرقت من الشوربة؟


_ لا حصل خير، اللي وقعت عليا حاجة لا تذكر، ماتقلقيش ويلا كملي أكلك


_ أكلت الحمد لله.. هات مهند اغسله بقه واجي.. 



+




غابت دقائق ثم عادت لتجده يضع الأطباق داخل حوض الغسيل، فصاحت عليه:  عابد خد مهند وسيب كل حاجة أنا هظبطها واعمل الشاي. 



+




ترك ما بيده وأخذ الصغير وذهب لغرفة المعيشة وأضاء الشاشة وبحث عن شيء يتابعانه، فحضرت بعد قليل وقالت:  تعرف إن عيد ميلاد مهند التالت عدى في زحمة فرحنا ونسيناه


_ مين قالك كده، أنا اتعمدت نأخر احتفالنا ونحتفل سوا في بيتنا گ عيلة صغيرة.. عشان يكون مختلف عن عيد ميلاده اللي فات.. 



+




رمقته بامتنان:  ربنا يخليك لينا ياحبيبي.. عندك حق بس سيبني أنا احدد وقت الحفلة دي تمام؟


_ ماشي يا قلبي.. 


صاحت وهي تنظر للشاشة: الله.. أنا بحب الفيلم ده أوي كوميدي ويضحك..


_ لا كوميدي ايه، ده فيه حتة فيلم أجنبي جاي على قناة أكشن تحفة.. 


_ أوعي يكون رعب عشان الولد هيحلم بكوابيس


_ لا ده أكشن.. وهيعجب مهند..هو مش هيفهم حاجة بس هيفضل مذهول وفاتح بقه ومذبهل وانا هاضحك.. 


_ بتتريق اكمنه صغير.. ماشي خليك فاكرها.. 



+




وبدأ الفيلم واندمجوا في متابعته وكما توقع عابد، انفرج فم الصغير واتسعت عيناه الجميلة وهو يتابع اللقطات على الشاشة بانبهار، فأشار لها عابد بصوت هامس: شوفتي مهند تقريبا بيستوعب من بقه 


ضحكت وهي تنكز كتفه وعادت تتابع وهي تميل برأسها على كتفه، لتغيب عنها تفاصيل الفيلم وهي تشرد بجانب وجهه وهي تحمد الله عليه.. كل لحظة لهما سويًا تحبه أكثر وتهيم به.. وتحلم حين يرزقها الله بطفل يأخذ ملامحه وروحه.. تريد منه نسخة أخرى تدللها وتكبر بين ذراعيها.. وبغفلة أفكارها وهي تحتضن ذراعه أسبلت عيناها وراحت في النوم، فشعر بها وبحذر أبعد الصغير وحملها ودثرها في الفراش وعاد بالصغير يكمل الفيلم وهو يهتف له:  ماما طلعت بتنام على نفسها ومالهاش في السهر.. بس انا وانت هنسهر ونكمل الفيلم.. مش كده يا صاحبي؟



+




الصغير بتقليد ممتع لكلماته:  أحبي آبد


_ حبيب آبد


_________________



+




" أنتي اتخطبتي يا إيلي؟!!"


" خاينة ومش هنسيبك"


بقي كده ماتعزميناش على خطوبتك؟"



+




باستمتاع شديد راح محمود يتابع تعليقات صديقاتها المذهولة على صورة كفيهما بعد ارتداء الدبل، ورغم مرور أسبوع على خطبتهما لم ينتهي عتابهن لها..ردودها كانت مضحكة وهي تقسم أنها لم تكن تعلم وهن بالطبع يكذبونها ويهددون بالعقاب..تنهد بحرقة، كم أشتاقها..قرر أن يحادثها ويأخذها من ثرثرتهم التي لا تنتهي.. 



+





        


          



                


_ السلام عليكم



+




أرسلها عبر تطبيق الواتس وأنتظر أن تجيب، فوجد مؤشر الكتابة يعمل وأرسلت:  وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته


_ أزيك يا إيلاف.. عاملة ايه؟


_ الله يسلمك يامحمود بخير


_ هما لسه أصحابك مش عايزين يقتنعوا بموضوع الخطوبة ده.. شوفت كومنتاتهم على صورة البروفايل


_ هيجننوني.. كل شوية يدخل فوج يلومني.. أنا بفكر اعملهم كلهم بلوك وارتاح والله. 



+




قهقه ثم أرسل لها إيموشن ضاحك وكتب: ياه للدرجة دي؟



+




_ أيوة لأنهم مش مصدقين اني ماكنتش اعرف بموضوع الدبل.. وبعدين انت ماتعرفش الملاعين دول بيبتزوني بايه كمان.. 



+




_ بيبتزوكي بايه؟



+




_ عايزيني اخليك تيجي تاخدني من الكلية عشان يشوفوك علي الطبيعة 



+




أرسل لها مازحا:  بس كده؟ خلاص بكره هاجيلك الكلية، علي الأقل أنا كمان هشوف المزز أصحابك على الطبيعة حلوين ولا لأ.!



+




لم تروقها دعابته ولأول مرة يلتهب قلبها بالغيرة..قررت أن تنهي محادثته وكتبت باقتضاب: 


_ طيب يامحمود أنا هستأذنك عشان هنام لأن رايحة الكلية بدري. 



+




لم يدرك ضيقها فأكمل دعابته التي في باطنها انه سيراها:  خلاص يبقي هعدي عليكي الصبح أوصلك عشان تنفذي شرط اصحابك ويبعدوا عنك. 



+




صمتت وأشتعلت غيرتها أكثر وشعرت بالضيق، فكتبت دون تجاوب مع الذي يظنه مزاح:  تصبح على خير يامحمود.. 



+




راح ينظر لجملتها المقتضبة وانتبه أخيرا لعدم تجاوبها مع معه، عاد يقرأ سريعا حوارهما وأدرك حماقته، فهم بكتابة رسالة يُصلح بها مزحته الثقيلة لكنها أختفت من أمامه ولم تعد متصلة، فتأكد أنها غضبت منه.. نكس رأسه بحزن وصوت أفكاره يلومه..لكنه لم يقصد شيء مجرد مزاح.. قرر أن يتصل على هاتفها مباشرا فوجده مغلق..زفر زفرًا قوية وأزداد ضيقا لإغضابها دون أن ينتبه.. وراح يفكر كيف يبدد أثر ما فعل..وفي نفس اللحظة حدث تضاد غريب حين ارتسمت على شفتيه ابتسامة وهو يردك أن أساس ضيقها لم يكن سوى غيرة..يالا سعادته الآن إيلافه تغار عليه.. وبشكل تلقائي رفع كفه المزين بدبلتها ولثمها هامسًا..( القمر ماتغيرش من النجوم..)


وبهذا الخاطر الأخير حاول أن يغفوا ومحياها يحتل مخيلته ويعده بأحلام سعيدة.. 


_____________



+




كذبت.. لن تذهب للكلية في الصباح..وجدت نفسها تتحجج بما قالت لتغلق بعد أن اشتعل ضيقها منه وفي نفس الوقت لم تعرف ماذا تفعل.. هل تعاتبه؟ كيف؟ مازالت تخجل منه وتحاول التأقلم عليه..تنهدت وقررت إسقاط الأمر برمته من عقلها وهبطت تجلس بالحديقة حتى يأتيها النوم، قضت بضع دقائق بمفردها شاردة لتتفاجأ ببلقيس تهتف خلفها: 



+




لمحتك من أوضتي وانتي قاعدة في الجنينة قلت انزل اقعد معاكي شوية وعملت لينا اتنين كابيتشينو. 



+





        


          



                


ابتسمت لها:  والله بنت حلال، أنا فكرت اتصل بيكي لو صاحية تنزلي بس خوفت تكوني نايمة. 


_ أنا فعلا نمت مع ظافر، بس قلقت من نومي ودخلت الحمام وافتكرت اني نسيت اصلي العشا..بسرعة اتوضيت وصليت وبعدها النوم راح.. قلت خلاص هستنى الفجر .



+




_ أحسن، أنا كمان هستني معاكي، ونبقي نصحي ماما وآبيه ظافر ونصلي جماعة


_ بإذن الله، بس انتي عندك محاضرات بدري صح؟ 


_ لأ معنديش بكرة


_ ممتاز، يبقي نرغي انا وانتي وبعد الفجر ننام، وأنا هروح الشركة متأخر شوية علي الساعة عشرة كده



+




هتفت وهي ترتشف رشفة كابيتشينو:  تسلم ايدك يا بلي


_ بالهنا حبيبتي، قوليلي بقي كنتي سرحانة في ايه؟


_ ابدا مجرد شرود عادي


_ طيب أخبارك ايه انتي ومحمود.. أخدتي عليه شوية؟


هزت رأسها بملامح جامدة:  الحمد لله مع الوقت هتعود عليه وافهمه أكتر



+




رمقتها بلقيس بتمعن وشعرت بلمحة حزن فقالت:  مالك يا إيلاف؟ حاساكي مضايقة. 


نفت سريعا:  لا خالص مافيش حاجة اطمني.. 



+




أومأت لها وساد الصمت وكلا منهما ترتشف مشروبها باستمتاع ثم بادرت الأولى:  تعرفي يا إيلاف.. أول خطوبتي انا وظافر كنت دايما اتوقع منه أمور معينة.. أو افهم حاجات غلط.. في وقت افتكرته مش بيحبني. 



+




اندهشت الأخيرة:  معقولة؟ بالعكس ده آبيه بيحبك اوي. 


_ أيوة بس انا ماكنتش لسه شايفة ده بشكل واضح..وكنت دايما خايفة انه ينجذب لجمالي ويهمل خبايا روحي..أو ان تكون مشاعره مش حب وتكون شيء تاني.. المهم مع الوقت والمواقف بنا ابتديت افهمه أكتر واتأكدت انه بيحبني زي ما انا بتمنى..واتعلمت اني دايما ما اتسرعش في أحكامي. 



+




واستطردت بعد رشفة أخرى:  خلاصة كلامي ده يا إيلاف اني عايزاكي تحاولي تفهمي محمود وتحكميش عليه من مواقف عابرة او جمل اتقالت ممكن جدا يكون مقصود منها شيء عكس اللي فهمتيه..!



+




اتسعت عيناها وهي تطالعها متعجبة، وكأنها تعلم حقيقة ماتخفيه، فواصلت بلقيس: دي نصيحة عامة ليكي اوعي تتسرعي، دايما شغلي عقلك وفكري وحللي المواقف من كل الزوايا.. ونفس الكلام بالنسبة لمحمود اللي لسه بردو هيكتشفك ويفهمك.. 


ثم ربتت على خدها بحنان حقيقي:  أنا بعتبرك اختي الصغيرة مش مجرد اخت جوزي. واتمنى تعتبريني كده وتقربي مني وماتتكسفيش تحكيلي حاجة.. أنا أكبر منك وممكن افيدك وهخاف عليكي.. 



+




منحتها نظرة تقدير وارتمت بصدرها وعانقتها بقوة معبرة عن امتنانها، فاحتضنتها بلقيس ومازحتها:  تعرفي يابنت يا إيلي ان حضنك حلو اوي.. يابختك ياحودة



+




ضحكت بخجل وهي تقول:  بس يابلقيس انا مش متخيلة أصلا ان ممكن حد يحضني غير اخويا وماما.. ده انا هطلع عينه قبل ما ده يحصل..  



+




قهقهت مع قولها:  لازم طبعا تطلعي عينه الأول، امال هياخدك بالساهل كده؟!


وواصلت: المهم عايزة منك خدمة


_ تحت أمرك يا بلي


_ بصي أنا لسه معرفش طباع طنط هدى بالظبط، ممكن تعرفيني ايه أكتر حاجة بتضايق مامتك.. وايه اللي لو عملته هيقربها مني أكتر؟. يعني عرفي اختك شوية أسرار كده


ثم غمزتها مشاغبة:  وهردلك الخدمة دي لما تتجوزي انتي وحودة.. يعني قدمي السبت وهتشوفي معايا بقيت أيام الأسبوع. 



+





        


          



                


ضحكت إيلاف: لا كده صفقة عادلة للطرفين.. ماشي ياستي أنا هقولك كل أسرار شخصية ماما وازاي تكسبيها 



+




منحتها بلقيس كل حواسها وعزمت أن تنال حب أسرة زوجها كما نصحتها والدتها.. وأنها أول أساس لعلاقتها الصحيحة معه ورضاه عنها ورصيدها الذي لن ينضب في قلبه طيلة العمر.. 


____________



+




بيدٍ مرتعشة دست مفتاحها بالمزلاج وعبرت للداخل لتُبصر بحسرة وآلم الجدران المحترقة، والستائر المتفحم باقي أطرافها.. الأريكة الكبيرة التي كان يجلس عليها والديها يحتسون الشاي بعد الغداء.. تقدمت وفتحت باب غرفتهما فوجدت أن الحريق التهم كل مافيها عدى بعض الأشياء البسيطة..وقفت تقرأ لهما الفاتحة وهي تبكي وتدعوا لهما بالرحمة والمغفرة ثم بصرت ذك الكومود الخشبي المحترق، تذكرت كل أوراقهم الهامة التي كانت تحتفظ بها والدتها في أول أدراجه داخل صندوق حديدي عتيق


(( "ماما.. ماترمي الصندوق الأثري ده، هشتريلك واحد خشب شيك".." لا ياست بسمة ده كان صندوق الدهب بتاع جدتك وذكرى منها.. واديني شايلة فيه أوراقنا وحتتين الدهب اللي حيلتي" ))



+




عادت من صوت الذكرى العابرة داخلها، واقتربت من الكومود المتفحم وفتحته لتجد الصندوق مازال به، لم يحترق، الآن أدركت قيمته.. لو كان مجرد صندوق خشبي لتفحم بما يحوي، فصلت طرفيه لتبصر ظرف ورقي كبير يحوي شهادات الميلاد وقسيمة زواج والديها وشهادة تخرجها والكثير من الأوراق الهامة.. ثم وجدت كيس قطيفي كانت تعلم أن بداخله قطع ذهبية بسيطة تخص والدتها..ثلاث أساور ثقيلة وخاتمين ودبلة وخاتم رجالي ذهبي يعود إرثه للجد.. وسلسلة ثقيلة يتدلى منها قطع صغيرة ما بين حرف أسمها وخاتم للصغير ياسين ودلاية كبيرة على شكل أسم "الله" كما وجدت قرطها الذهبي..لم تكن والدتها تحب ارتداء ذهبها وتدخره ليوم الحاجة گ عهد الكثير أمثالها.. بكت وهي تتحس أشيائها.. لم تعد تحتاجها الآن.. لم تعد.. 



+




جففت عبراتها وراحت تتفحص باقي الغرف فلم تجد شيء يُفيد، فأخذت الأوراق وصندوق الذهب وغادرت الغرفة متوجهة لغرفتها هي وشقيقتها والتي كان الضرر بها بصورة أقل..صناديق أطقم المطبخ التي ابتاعتها من مكافأتها السنوية للمساهمة في لوازم جهاز حنين مازالت كمان هي ..الصيني وطقم الشاي وأخر طناجر تيفال وطقم الاستالس والأكروبال..وحقيبة المعالق، فرحت لنجاة بعض الاشياء التي ستنفع شقيقتها في زواجها..نعم كل الملابس والمفروشات والألحفة والأغطية الصوف جميعها احترق في غرفة والدتها.. لكن لوازم المطبخ بكاملها لم يؤثر بها الحريق..كما نجت الغسالة والبوتاجاز من مرمى النيران أيضًا..تنهدت ورفعت وجهها تهمس: 



+




_  الحمد لله يارب.. شوية الحاجات اللي فضلت دي هتستر اختي قصاد جوزها.. والباقي سهل ان شاء الله..فلوس باشمهندس عابد واللي هاخدها من صاحب البيت هجيبلها منهم هدوم الفرح والألحفة الفايبر وقمصان نوم واللي هقدر عليه.. ثم دعت برجاء ( يارب تعني على مسؤليتي ناحية اخواتي ونفسي وتهون علينا فراق الغاليين)



+





        


          



                


التقطت هاتفها لتتصل بحنين لتخبرها ما وجدته، فرن في ذات اللحظة ياسين، تعجبت اتصاله لكنها أجابت: 


السلام عليكم


_ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. ازيك يابسمة


_ الحمد لله


_ انتي في شقة والدك مش كده؟


اندهشت معرفته لمكانها: أيوة، بس حضرتك عرفت منين؟ 


_ من حنين لما اتصلت بيكي من شوية ماردتيش فكلمتها اطمن عليكم وهي اللي قالتلي.. 


_ معلش ما سمعتش اتصالك والله. 


_ولا يهمك..المهم قدامك كتير؟ أصلي منتظرك تحت. 


_ تحت فين؟  


_ تحت بيتك، لو بصيتي من الشباك هتشوفيني. 



+




توجهت عفويا للنافذة، فبصرته يقف مستندا بظهره على سيارته، رفع بصره إليها متوقعا أنها ستتفقد وجوده.. فتوترت لنظرته ومكوثه هكذا بين اهل شارعها وقالت: استاذ ياسين وقفتك كده مش ظريفة..أحنا في منطقة شعبية زي ما انت شايف ومايصحش تقف كده. 


_ بس انا عايز اكلمك يابسمة. 


_ اتفضل كلمني في التليفون أهو انا سامعة. 


_ لأ.. مش هينفع، لازم اتكلم وانتي قدامي..كلامي هيكون طويل ومهم.. 


تنهدت رغمًا عنها وصاحت عليه: اسمعني يا استاذ ياسين انا ..



+




_ اسمعيني انتي يابسمة، انا لازم اكلمك انهاردة.. دلوقت حالا.. أرجوكي بلاش تضيعي الوقت وانزلي من فضلك، وانا عشان ما تتحرجيش قدام الناس هبعد بالعربية لأول الشارع الرئيسي وهنتظرك هناك، تمام كده؟  



+




لم تجد مفرا فوافقت لتنهي معه هذا الأمر، لا تريده أن يقحم نفسه في حياتها أكثر من ذلك.. لا تريد التعلق به ويزداد عذابها.. هي واقعية وتعلم حدها جيدا ولن تتعدى خطوط الواقع وتحلم بشيء ليس لها.. ولن يكون.!


_____________



+




اعتدل حين بصرها تقترب منه وملامحها تشي بتوتر تحاول إخفاءه.. فابتسم وهو يتأملها بإحساس مغاير.. حصوله على موافقة والديه منحته قوة أكبر.. لن يكبله أحد عن البوح بمشاعره منذ اللحظة..لاحظت نظراته القوية لها وأصابتها بالخجل وضايقتها في الوقت ذاته.. لتهتف ببعض الحدة لتشوش على هذا الارتباك:  خير يا استاذ ياسين؟ لعلمك حتى وقفتنا هنا مش تمام.. فيها ايه لو قلت اللي عندك في التليفون؟



+




منحها ابتسامة هادئة مقدرا حدتها وهو يفتح لها باب السيارة: مين قتل اننا هنقف هنا؟! اتفضلي اركبي خلينا نروح مكان مناسب نتكلم فيه.. 



+




نقلت بصرها بينه وبين السياره باستنكار لتحتد أكثر:  اركب فين؟! استاذ ياسين انا ماينفعش اركب معاك.. المرة اللي فاتت كانوا اخواتي معايا.. لكن دلوقت ال… .



+




قاطعها:  دلوقت هتركبي معايا لأن اللي عايز اكلمك فيه ماينفعش يتقال كده واحنا واقفين وسط الشارع والرايح والجاي يبص علينا.. ودي حاجة مش ظريفة بالنسبالك.. إلا لو انتي شايفة اني شخص لا يؤتمن وغير أهل للثقة.. وكده هقولك أنا أسف على طلبي وهمشي حالا.. 



+




زفرت وهي تنظر للجهة الأخرى بتردد.. فحاشاها ان تتهمه بما ليس فيه..وقفته الرجولية معهم منذ وفاة والديها لا تصدر سوي من شاب علي خلق حميد، لو نكرتها تُجحفه حقه.. نظرت إليه ثانيًا واعترفت بتأثيره عليها.. تخاف الإنجداب إليه اكثر.. لما لا يفهم انها تتلاشاه..لما يُصر أن يقترب ويتسرب داخلها رغما عنها..؟



+





        


          



                


هزمتها أخيرا نظرته الراجية رغم جموده الظاهري، وانحنت تحتل المقعد جواره بصمت، فاغلق الباب خلفها. استدار وابتسامته تعلو شفتيه قبل أن تختفي تماما وهو يجاورها خلف المقود، مكتفيا داخله بتأكيده انه أصبح له مكانة هامة لديها..صار أكيدًا..


_________________



+




وزعت أنظارها بعيدًا عنه متجاهلة عيناه المصوبة عليها بشكل يرجفها.. ما باله يعذبها هكذا بنظراته القوية وصمته؟ متى سيُلقي عليها حديثه الهام كما يزعم ويعتقها من هذا التوتر الذي يجتاحها؟!


أتى النادل أخيرا ومعه كاسات الليمون، فتسائل بعد رحيله: ياسين عامل ايه دلوقت؟ لسه مش بيتكلم؟



+




أغتالت فضية عيناها سحابة حزن وهي تجيبه: زي ما هو متأثر من الصدمة.. طول الوقت قاعد ساكت معانا، أخر حاجة سمعتها منه يوم الحادث وهو بيبكي ويقول بابا وماما سابوني عشان شقي وصوتي عالي..كل اما افتكر كلامه قلبي يتقطع علشانه! 



+




_ سلامة قلبك.. 


قالها بحنان جارف عزف علي وترًا ما داخلها، فالتزمت الصمت لتُخفي تأثيره ليستطرد قوله: ده طفل ومش فاهم حاجة.. ماتقلقيش في دكتور نفسي ممتاز شرحت له حالة ياسين، طمني انه رد فعل طبيعي ومنتظر زيارة في أقرب وقت وهيبدأ معاه علاج فورا..بس هو في القاهرة عشان كده ياريت تسمحيلي اخده معايا عشان يشوفه في أخر الأسبوع وهرجع انا وهو تاني بعدها بيومين..واوعدك اخد بالي منه.. 



+




لم تستطع تلك المرة تجاهل النظر إليه برمقة متعجبة لشهامته المفرطة في زمن أصبحت فيه الرجال الحقيقية تُعد على الأصابع، لما يُحمل نفسه عبء شقيقها ويهتم لأمره؟ وما هو المقابل؟ هي تعلمت أن كل شيء له ثمنه في هذا العالم.. وهي لا تملك شيء لمثله.. فيما يطمع إذا؟ ليست أجمل من صادف..ولا أرقاهن وحتى إن كانت أجملهم، فقرها يُهبط أسهمها وتخسر أمام أي فتاة جميلة ذات صيت وغنى.. 



+




لاحظت أنه صامت يتأملها بدوره وكأنه يقرأ أفكارها، وابتسامة جذابة واثقة تعلو شفتيه، لا تعرف فيما يثق؟ في تأثيره عليها وأنها بالفعل تميل إليه؟ وهل بوسعها ألا تميل له؟! ليس أختيار هو بل قدرًا أن تحب سندريلا هذا الزمان أمير مثله! 



+




_ بسمة..أنا عارف كويس الأفكار اللي بتدور في دماغك، فاهم مخاوفك ومقدرها..فاهم حتى رفضك لمجرد إن معاير مجتمعنا المعروفة بتقول أننا ماننفعش لبعض.. بس أي مجتمع يا ترى؟ مجتمع الأثرياء؟ طب وهما أصلهم كان ايه؟ كل ثري كان أساسه إنسان فقير وبسيط كافح لحد ما بنى نفسه وجمع ثروته، جدي مثلا كان مجرد فلاح عنده كام إيراط أرض.. شقي وتعب فيهم كتير اوي لحد ما ابتدى يحصد خيرهم وبعدها والدي هو كمان شقي وتعب وقدر يضاعف الأرض ويزود محصولها ويحصد خير أكبر ودخل في مشاريع تانية وقدر يزود ماله الحمد لله..وبعد ما كان متجوز هو وماما في شقة متواضعة جدا، قدر يحسن عيشته ويخليها زي أختها في نفس المستوى، مستوانا المادي جه بالتدريح. كنا فقرة وبيقينا أغنية..ده بالنسبالنا.. نيجي ليكي انتي.. ليه شايفة نفسك مش ند ليا؟ ناقصك ايه؟ انتي فيكي كل حاجة محتاجها.. محترمة، بنت ناس طيبين..قدرتي تجذبيني وتشغلي بالي وقلبي من وقت ما شوفتك، وفوق كل ده جميلة.. والجمال عندي جه أخر مرتبة عارفة ليه؟ عشان عمره ما كان أساس اختياري .. احنا في عصر ممكن بإمكانياته كتير متاحة أي واحدة تخدع أي حد انها جميلة الكون، وكل ده يكون قشرة..الجمال بالنسبالي بيكون في الروح والطباع والتربية.. وانتي متوفر فيكي ده، عشان كده أرجوكي تبصي لموضوعنا بشكل تاني بعيد عن الحساسيات.. 



+





        


          



                


ساد صمتهما بضعة ثواني وهي تطالعه مآخوذة ومبهورة بمنطقه.. تخاف أن تصدق ما تسمع.. تخاف أن تحلم أن مثله يمكن أن يكون لها.. تخاف ولا تعرف كيف تقتل شعلة خوفها المتقدة هذه، ليستأنف هو حديثه ويحرز هدفًا جديدًا قويًا في أرضها المذبذبة تجاهه: 



+




أنا كلمت بابا وماما عنك با بسمة..قولتلهم في بنت قدرت تستحوذ على عقلي.. بنت كل اما استخير ربنا فيها احس براحة ناحيتها وانه بيقربني منها اكتر واكتر...بنت مكافحة وجدعة وحنينة على أهلها..بنت نفسي يكون ليا نصيب في حنيتها دي، بنت اختزلت في عيوني كل بنات العالم.. بنت عزيزة النفس رفضتني عشان خافت على كرامتها تنجرح..



+




واستطرد يكمل حديثه وهي منتكسة الرأس تبكي ولا تقدر على تحمل تلك المشاعر وكلماته تقذف في قلبها بذور الأمل وتحرضها أن تصدق ما تحياه : 



+




واحب اقولك انك غلطانة يابسمة.. اللي خوفتي منه مجرد وهم في دماغك مالوش أساس.. أنا اهلي ناس محترمة وبيقدروا الاخلاق والأصل الطيب..وأهم حاحة عندهم راحتي وسعادتي.. واول ما شافوا في عيون قد ايه عايزك وافقوا.. وطلبوا مني احدد معاكي وقت مناسب عشان يجوا يخطبوكي.. 



+




هنا رفعت وجهها الباكي وعينيها تتلألأ بالدموع..أحقا ما سمعت؟ ام تحلم وستفيق وتكتشف أنه ليس هنا.. لا يحدثها.. لا يبثها حبه وتقديره وتفهمه؟ ليتها تستطع مد يدها وتلمس وجهه لتتأكد أنها ليست في حلم..! 



+




_ مش بتحلمي! 





قالها بعد أن قرأ أفكارها بشكل أذهلها من جديد وحدقتيها تتسع ليواصل: أنا بحبك يا بسمة وكل يوم أحساسي بيكبر.. أرجوكي ماتخليس أفكارك الغلط تتحكم في قرارك.. لأن مش هستسلم في كل الأحوال.. ودلوقت عديكي كان يوم بس تستوعبي.. لكن موافقتك محتومة ومش هرضى بالرفض.. عارفة ليه؟



+




رمقته منتطرة إجابه.. فجاد عليها بهمسته الدافئة: 


لأني عارف ومتأكد إنك بتحبيني! 


أطرقت برأسها وخبئت عينيها وهي تنظر لكفيها المضمومة  كى لا تفضحها..لكن هيهات.. حُمرة خديها وشت بها له، فابتسم وأكمل: 


_ ودلوقت هوصلك عشان ماتتأخريش عن اخواتك..وبعد يومين هاخد ياسين اخوكي معايا القاهرة و… .



+




تحدث أخيرا بصوت مبحوح من أثر ما سمعت: لأ.. معلش مش هينفع، على الأقل دلوقت! 



+




تنهد وفهم أنها تريد تحديد موقفها أولا، فقال: اللي يريحك يا بسمة، عموما أنا هكلم عبد الرحمن بما إنه في مقام أخ ليكي دلوقت..لازم احطه في الصورة واعرفه اني منتظر رأيك. .وقتها هاجي أنا وماما وبابا فورا..ثم تمتم برجاء: 



+




بسمة.. أرجوكي ماتتأخريش عليا.. أنا هنزل القاهرة عشان شغلي وهرجع بعد أسبوع تكوني فكرتي كويس.. 


وأكمل بعد نهوصه: يلا عشان اوصلك..مش هينفع تتأخري أكتر من كده.. 



+




صارت جواره شاردة..لا تدري كيف استقلت سيارته تلك المرة دون جدال، وكأن هذا أصبح بالشيء البديهي بينهما.. أن تشاركه سيارته.. ومن يدري.. ربما تشاركه حياته كُلُها.!   


________________



+





        


          



                


تأملت القطع الذهبية الخاصة بوالدتها وهي تبكي:  هو زه اللي فاضل من ماما يا بسمة؟


_ ربتت على كتفها بحنان: لا ياحنين، ماما وبابا هيفضلوا عايشين جوانا.. ساكنين في ملامحنا..دي مجرد ذكرى لينا مش أكتر.. 



+




جففت دموعها وقالت:  عندك حق، الخاتم بتاع بابا هيكون لياسين اخونا بإذن الله. 


_ إن شاء الله.. 


_ بس انتي غبتي اوي يابسمة، مل ده كنتي في شقتنا؟ 


شخصت عيناها تتذكر جلستهما وكلماته وعرضه الذي كرره عليها وبترجى منها الموافقة..مازالت تريد التصديق والتفكير.. ستصلي..يتلجأ لخالقها وهو وحده الذي سيهديها للقرار الأصوب..


_ بسمة، بقولك كل ده كنتي في شقتنا؟



+




نفضت عنها شرودها وقالت: أيوة، أصلك لو عرفتي لقيت ايه هتفرحي اوي..ربنا كريم وعايز يسترنا ياحنين..معظم أطقم المطبخ وشنطة المعالق وحبة كوبايات وكاسات لقيتها زي ما هي الحريق مش طالها، والبوتاجاز والغسالة زي الفل..لكن اللي اتدمر طبعا الهدوم والمفروشات والبطاطين اللي كانت في غرفة ماما وبابا.. بس ولا يهمك، بالفلوس اللي معايا هجيبلك شوية أطقم خروج وهدوم بيت وقمصان نوم وبطانية واخاف فايبر، مش هينقصك حاجة بإذن الله قصاد أهل خطيبك..مخدش يصمن اللي جاي ياحنين، وانا مش هسمح حد يعايرك بعد كده..



+




واستطردت بحماس:  وكمان الحاجات اللي كانت على بابا وماما زي الستاير والمطبخ الخشب بأذن الله هدبرهم، يعني… .



+




بترت حديثها وهي تتلقى عناق جارف من حنين وهي تضمها وتبكي هاتفة:  كفاية يابسمة.. كفاية تفكير فيا وفكري في نفسك شوية.. أنا مش عايزة حاجة..أنا عايزاكي تكوني بخير ومعايا وتعوضيني غياب الحبايب..صدقيني أنا أخر همي دلوقت بيتي هيكون فيه ايه.. خلاص مبقاش فارق معايا حاجة..عبد الرحمن بعد وقفته معايا طلع هو مكسبي الحقيقي، أما انتي وياسين أصبحتم كل أهلي.. عايزاكم بس حواليا وما نفترقش ابدا.. 



+




ابعدتها وهي تبتسم وتزيل دموعها: 


هو أنا ايه وانتي ياعبيطة.. مش واحد؟ انتي دلوقت اللي هتتجوزي.. يبقي كل حاجة نجت من الحريق هتكون ليكي، أنا أهم حاجة دلوقت عندي ياسين..هوديه لدكتور عشان يرجع لطبيعته تاني.. وكل حاجة بعد كده تتعوض.. لما ابقي اتجوز ياستي أوعدك وقتها افكر في نفسي.. 



+




وقبلت جبينها مستطردة: يلا بقي روحي هاتي ياسين..يقعد معانا واعمليلنا شوية شاي من ايديكي الحلوة، وبعدها اتصل بعبد الرحمن عرفيه اني هحتاجه ينقل معايا الحاجات اللي لقيتها في شقتنا بكرة لو كان فاضي. 


_ حاضر، هتصل بيه. 


_________



+




صوت والدتها يتخلل مداركها وهي تتجاهله مكبلة بسطوة النوم عليها، ليزداد إلحاحًا وهي تصيح: 


_ إيلاف.. بقولك قومي، مال نومك تقيل كده ليه


همهمت بنعاس:  سيبيني يا ماما أنا نايمة بعد الفجر


_ وخلاص الضهر آذن، قومي عشان تصلي وتستعدي لخطيبك اللي جاي. 


همست دون وعي:  خطيبي مين؟


_ محمود ياهبلة


_ محمود مين؟


صاحت عليها بحدة لتفيق: انتي هتقومي ولا ارش عليكي مية، بقولك خطيبك اتصل وقال انه جاي يشوفك، قومي بقى وضبي نفسك قبل ما يوصل


جلست تتثائب وهي تتمطى، فمازحتها هدى:  والله العظيم أنا كده هنام جمبك.. وبعدين ماتبقيش تسهري كده تاني. 


قالت ومازل أثر النوم يحاصرها:  ماشي يا ماما.. سيبيني وأنا خلاص هدخل الحمام وهفوق


نهضت هاتفة:  ماشي، لو رجعتي تنامي تاني انتي حرة. 



+





        


          



                


وتركتها لتعود إيلاف وتتثائب ممدة جسدها أسفل الغطاء مرة أخرى وهي تهمس بأجفان ثقيلة:  عايزة أنام يا ناس..لكنها انتفضت بغتة كأن أصابها صاعق:  محمود جاي؟ يا نهار ابيض.. ثم قفزت من الفراش تنظر لنفسها في المرآة ثم مدت يدها تهرش فروة رأسها هاتفة ببلاهة:  ده انا قلت اني رايحة الجامعة.. أكيد ماما قالتله اني ماروحتش..ايه العمل دلوقت؟



+




ثم تمعنت لمظهرها في المرآه وهتفت:  وبعدين ايه المنظر الغبي اللي أنا فيه ده على الصبح.. محمود لو شافني كده هيطلقني. 


ثم لطمت جبينها شاعرة بمزيد من الغباء: يطلقني ازاي واحنا مش متجوزين اساسا.. لا أنا لازم اروح أخد شاور محترم عشان أفوق.. وربنا يستر بقي. 


_______________



+




بعد أن علم من والدتها أنها لم تذهب للجامعة تأكد له غضبها، خاصتا أن هاتفها مازال مغلق..لذا قرر أن يزورها دون ترتيب..لن يهدأ قبل أن يراضيها ويوضح لها أنه كان يمزح.. تذكر اليوم الذي أحضر لها العم عاصم مغلف شيكولاه وكم انعكس عليها هذا الأمر بسعادة متذكرة فعلة والدها المماثلة معها وهي صغيرة.. وهو سيفعلها.. وقف يبتاع لها أفخر أنواع الشيكولاتة وأمور أخرى يعتقد أنها تحبها.. كما ابتاع باقة من الزهور..كل الفتايات تروق لطبيعتهن هدايا گ تلك..



+




وصل واستقبلته والدتها بحفاوة:  أهلا يامحمود اتفضل، إيلي نازلة حالا..(ثم رمقت باقة الزهور وابتسمت قائلة)  شكلك بتحاول تصلح حاجة، صح ولا أنا غلطانة؟


ابتسم لها:  بصراحة ياطنط.. أنا عكيت شوية امبارح وزعلت إيلاف وجاي أصالحها.. 


تبسمت بتفهم:  توقعت كده، عموما وارد تختلفو في الأول لحد ما تعرفوا طباع بعض، ربنا يصلح مابينكم يا محمود.. هسيبك واروح استعجلها..وانت انتظرها في الجنينة أفضل وهبعتلكم الفطار. 



+




أومأ لها بامتنان وانتظر لتأتي.. وبعد دقائق وجدها تقدم عليه بطلة هادئة ووجه ناعم خالي من الأصباغ ولم تضع سوى عدساتها اللاصقة گ عادتها.. 


_ السلام عليكم يامحمود. 


منحها نظرة إعجاب وهو يرد عليها التحية:  وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. عاملة ايه؟


جلست وهي تقول:  الحمد لله


‏وقبل أن يتحدث أتت الخادمة تقدم لهما صينية فطار متنوعة فصمت لحين ذهابها، ثم قدم لها الباقة وقال:  اتفضلي



‏التقطها منه وابتسمت: الله جميلة جداااا.. شكرا


ثم قدم لها الشنطة البلاستيكية مواصلا: وجبتلك الحاجات دي كمان.. تبينت ما أحضرها لتشهق بسعادة:  الله.. شيكولاتة وشيبس كمان.. ثم مازحته:  لا ده انت تيجي عندنا كل يوم.. 


ضحك لمزحتها ثم نظر لها بعد برهة وقال: ليه قفلتي تليفونك امبارح؟


حاولت أن تخفي ضيقها حين تذكرت حديثه عن رفاقها بالأمس:  لا عادي انا متعودة اقفله قبل ما أنام.. لأن مش صحي يكون جمبك تليفون شغال.. ونسيت اشغله لما صحيت.. 


حدجها بنظرة ثاقبة ثم قال مباشرًا: زعلتي مني؟ 


حافظت على تجاهلها للأمر:  هزعل منك ليه بس، منا بقولك بقفل تليفوني من غير حاجة.. 



+





        


          



                


انحنت أكتافه للأمام مقتربًا منها قليلا وهمس بحنان:  أنا كنت بهزر معاكي يا إيلي، مقصدتش ازعلك.. ولما راجعت كلامنا في الشات وحطيت نفسي مكانك لقيت إن حقك تضايقي..وأنا أكيد ما قولتش اجيلك الحامعة عشان اشوف أصحابك ولا يفرقوا معايا خلوين ولا وحشين.. انا فرحت لأنها كانت فرصة اشوفك انتي.. 



+




ثم أكمل بعد منحها نظرة قوية تنضح بمشاعره:  إيلاف.. أنا بعد ما شوفتك مليتي عيني وقلبي.. مابقيتش بشوف غيرك ولا في أحلى منك في عيوني.. مش لأنك إجمل بنت شوفتها.. لأ.. لأنك حبيبتي اللي خطفتني من أول مرة.. لأنك تخصيني واتولدتي عشاني..دايما كنت اسمع ان كل حد فينا له شبيه في الدنيا موجود عشانه.. أنتي تؤامي.. خليكي واثقة فيا ان مستحيل انجذب لغيرك ابدا..أنا عشت فترة طويلة في مجتمع كان متاح فيه حاجات كتير محرمة في مصر، وعمري ما عملتها لأن الحمد لله احنا اتربينا كويس.. وبكرة الأيام هتثبتلك كلامي أكتر.. 



+




ثأثرت لدرجة أن عيناها لمعت بالدموع..لم تعتاد هده المشاعر ولا تدري أنها تحتله هكذا..ظنت ان حبه لها مازال إعجاب بالقشور، عيناها الغريبة.. مظهرها الطفولي.. سمعة عائلتها الطيبة.. تلك الأمور المبدئية التي تكلل كل علاقة بين أثنين في بداية عهدهما.. لكن أن تكون له بتلك الأهمية شيء لم تتوقعه.. قلبها يرقص ويريد عناقه.. لا تعرف كيف تتعانق القلوب.. لكنها تشعر الآن أن قلبها يحبو إليه..روحها تطير حوله.. عيناها تريد التريث على وجهه لتحفره بعقلها لكن تخجل.. ظلت ناكسة الرأس ولم تدري أن خيط رفيع من الدموع تسلل عبر خديها، فهتف بجزع:  إيلاف.. للدرجة دي أنا زعلتك؟ طب أنا أسف والله ماكنت اقصد 



+




أسفقت عليه وهو يظنها غاضبة، فجففت دموعها هاتفة:  مالك مكبر الموضوع كده ليه، وبعدين مادام جيت معاك ورد وشيكولاتة وشيبس يبقي خلاص انت براءة..مش زعلانة والله.. بالعكس.. مبسوطة انك هنا وهنفطر سوا.. 



+




ابتسم براحة وقال: طب ممكن سؤال صغنون قد كده قبل الفطار


_ لو صغنون ماشي..بس بسرعة عشان جعانة


تأملها برهة ثم تسائل بمكر لينتزع منها اعترافا يرضي قلبه: ايه بالظبط اللي زعلك في كلامي؟



+




أدركت خبث سؤاله، الماكر يريدها أن تعترف أن نيران الغيرة لفحتها.. وهي كذلك.. أكلتها الغيرة للمرة الأولى، لكن حضوره الآن وهداياه المحببة وحديثه العميق عنها جعلها تريد أن ترد له سخاء أعترافه باعتراف يستحقه.. فاستجمعت شجاعتها ونفضت عنها غلالة الخجل وهمست دون أن تنظر إليه:  أنا فعلا غيرت عليك يامحمود عشان كده زعلت منك..أول مرة أصلا أحس اني غيرانة على حد.. كنت دايما اسمع عن المشاعر دي بس مش فاهماها.. معاك بجربها وبخطي فيها خطوتي الأولى.. معرفش انا اتسرعت وفهمتك غلط ولا زعلي كان طبيعي.. بس أيًا كان.. حضورك واهتمامك انك تراضيني ده كبرك أوي في نظري وزود غلاوتك عندي وكشفلي جانب مهم جدا في شخصيتك، لو حسيت إنك أخطأت مش بتتكبر تعتذر..بجد هقولهالك تاني.. انت كسبت احترامي قبل قلبي يامحمود.. 



+





        


          



                


هل يتهور ويعانقها الآن ويتحمل صفعتها الأولى إن فعل؟.. روحه تحلق في السماء بعد ما قالت حبيبته ولا يجد كلمة تليق بها.. فابتلع ريقه ليهديء مشاعره ويختذلها في كلمة واحدة لها سحرها وتأثيرها النافذ:  بحبك. 



+




لم تجيبه.. مازالت تخجل أن تقولها.. لكن كل دقة قلب داخلها تصرخ بها الآن.. وتعلم انها تصله ويدركها.. 


وبعد برهة هتف ليزيل عنها عبء الخجل:  يلا بقى نقول بسم الله أحسن انا جعان اوي والأكل معاكي يفتح النفس، وماتستغربيش لو أكلت كتير



+




ضحكت برقة:  طمنتني.. أنا كمان جعانة جدا.. وهطلق العنان وربنا يسترها على معدتي.. 


قهقه معها ثم تناول قطعة جبن على طرف سكينة الخبز وقال لها برجاء:  طب ممكن تاخدي دي مني وتجبري خاطر خطيبك الغلبان؟


ابتسمت وخجلت أن تتناولها منه، لكن نظرته الراجية أضعفتها، فاقتربت قليلا والتقطتها سريعا بفمها، فابتسم مع قوله الحاني:  بألف هنا ياحبيبتي..أوعدك أول لقمة هنتشاركها سوا واحنا في بيتنا.. هتكون برضو من ايدي يا أيلاف..  


_______________



+




بعد نقاش مع المهندس المسؤل عن تنفيذ فكرته ومجادلته ببعض تفاصيل التصميم بشكل رحب به الأول، عاد ظافر مستأنفا تجاربه على وصفة جديدة وأخيرًا سجل مقادير ونسب تضمن له نجاح الوصفة فيما بعد.. 


……… .


في المكتب أتاه عامر يقول بحماس: المهندس ده ممتاز ومواعيده حلوة،  مخلي العمال شغالين بنشاط كبير واعتقد القاعة هتخلص في الوقت اللي انت عايزه. 



+




_ يارب ياعامر..أنا وصيته اني محتاح القاعة تخلص قبل تاريخ معين وهو وعدني انه هيسلمها بدري.. 


_ عارف.. وبصراحة فكرة هايلة ان يوم افتتاحها تكون هديتك لأختك إيلاف لأنها هتبقى أول عروسة في قاعة "ملكة أبيها"


أومأ مبتسما فواصل الأخر بفضول:  هو انت مش هتفهمني ليه اختارت الاسم ده؟ 



+




_ ده ياسيدي لقب بلقيس عند والدها من زمان.. هو مرتبط بيها جدا..وحسيت انها هتكون افضل هدية لبلقيس وباباها .. هي هتفرح بالأسم اوي..وكده بقدم شكري لوالدها اللي كان سبب لوجودها في الدنيا..



+




صدح صفير مشاكس من عامر: يا سيدي على الحب.. كنت مخبي ده كله فين ياتقيل..يابني ده انت عمرك ماصاحبت بنت ولا حكتلي عن واحدة اعجبت بيها أيام الجامعة..وفي الأخر تطلع شلال مشاعر كده.. 



+




_ كنت مخبي كل حاجة ليها.. عمري ما اتصورت هحب حد كده يا عامر.. كل يوم بحبها أكتر وبخاف عليها أكتر خصوصا بعد ما… ..



+




قطع استرساله وكاد أن يشير للحادث الذي لا ولن يعرفه رفيقه الذي تسائل بفضول:  خصوصا بعد ايه؟ هو في حاجة حصلت؟ 


نفى سريعا:  لا أقصد بعد جوازنا يعني بقيت اخاف عليها اكتر لأنها مسؤلة مني دلوقت.. ولا ايه؟



+




قال باقتناع تام:  أه طبعا ده طبيعي.. 


ثم عاد مستأنفًا استرساله: 


أما بالنسبة لأيلاف اللي بعتبرها بنتي مش اختي حبيت اخليها تكون أول أميرة يتعمل فرحها في الديكور الملكي للقاعة، وده اكيد هيبسط ماما كمان.. يعني تقدر تقول أقتراحي هيعجب الكل.. 



+





        


          



                


_ ربنا يسعدك يا ظافر ويخليك ليهم.. انا مبسوط اوي بكلامك وبرك لأمك واختك.. مراتك بنت ناس وماتتعوضش وأهلها ناس تشرف.. 



+




_ ما انت كمان واخد من نفس العيلة الحمد لله، خطيبتك كمان جوهرة


مازحه:  جوهرة بس مجنونة ولاسعة حبتين. 


_يعني انت اللي عاقل ياعامر؟؟؟



+




قهقه مع قوله: أدي عيب صاحبك اللي يكون كاشفك وعاجنك وخابزك.. 


غمزه مشاكسا:  طبعا مش شيف؟ يعني منطقتي 



+




عاد يقهقه ثانيا ثم قال: طب هسيبك واروح اشوف شغلي.. سلام..( رد تحيته ثم هاتف والدته وبلقيس وإيلي ليطمئن عليهم ومن ثَمَ استأنف عمله)..


__________



+




رقد على فراشه يتثائب بعد عودته متأخرًا وتناول طعامه معها.. بدا لها مرهقًا ويتأهب للنوم، أرادت مشاكسته لا أكثر، فدنت لترقد جواره قائلة: 


_ شكلك مرهق جدا ياحبيبي. 


قال وأجفانه تثقل:  جدا


_ كان في أودارات كتير ؟


_ أيوة الحمد لله


_ جربت وصفات جديدة؟


بدأ صوته يزداد وهنًا:  أيوة. 


_ هتعلمهالي


_أيوة


_ طب هتوصلني لشركة بابا الصبح؟


_ أيوة


_ وهتخرجني بكرة؟


أجاب بنفس التلقائية الغائبة عن الوعي:  أيوة


_ يعني ده وعد؟


_ أيوة


_طب هنخرج الساعة كام؟


_ الساعة.



+




ثم اعتدل بغتة وفتح عينيه سريعا نافضا نعاسه وهو يرمقها بدهشة لتقابل دهشته بابتسامة ماكرة فضاقت حدقتيه وهو يقول: 


_ أنتي بتضحكي عليا وتستغلي اني تقريبا نايم وتاخدي مني وعد اخرجك وانتي عارفة اني مشغول؟


ضحكت ثم حاوطت عنقه بدلال مهلك:  طبعا كان لازم استغل الظروف.. وأكيد حبيبي مادام وعد عمره ما هيخلف وعده.. حتى لو كان نايم..


واستأنفت بصوت أكثر غنج: صح يا ظاظتي؟



+




قرب خصرها وألصقها بصدره هامسا وهو يقبل أنفها:  أنتي واحدة محتالة على فكرة.. 


ردت بشقاوة:  طب منا عارفة


عاد يهمس وشفتيه تنتقل لجانب فمها:  وهتتعاقبي لسببين


هتفت وبدأت تتأثر بملاطفته:  ايه هما؟


علت وتيرة مشاعره ويده تعبث بحمالة غلالتها الرقيقة وقال: أولا طيرتي النوم من عيني..  


لم تجيب سوى بهمهمة ناعمة متأثرة بلمساته فواصل: ثانيا بالحيلة أخدتي مني وعد نخرج وانا مش فاضي..


ثم دني وقبل كتفها برفق هامسا: ولازم تتعاقبي



+




ابتعدت عنه تغمره ببريق شمسيها ونظرتها تنضح بعاطفتها:  طب ما تعاقبني يا ظاظا.. 



+




وكان طوع أمر الملكة..


غيبها معه بموجة جارفة من عشقه وضاع لبرهة من الزمن بعاصفة أطاحت بنومه وسلمته تسليمًا لوهج وصالها.. كل شيء بها يذيبه گ شمعة تشتعل دون احتراق، أما هي فكل ما يفعله يصهرها بتفاصيله، يوصم روحها به.. أنفاسه تترك أثرها على جدار القلب.. حنانه يجرفها لشاطئه أكثر لتتحد معه وبه.. وتنتهي بهما العاصفة بعناق هاديء ورأسها يستكين جوار قلبه أما هو فنال أخيرًا وصالها وعلى وجهه ارتسمت خطوط الراحة..



+




همست ويدها تعبس بشعر ذقنه القصير: حبيبي، بخصوص خروجة بكرة أنا خلاص عفيتك منها. 



+




رفع وجهها إليه وطالعها بريبة:  انتي بتحضري مقلب تاني ولا ايه؟


قهقت قائلة:  ظلمتني يا ظاظا.. كل الحكاية إني مقدرة انشغالك الايام دي.. 


شاكسها: طب وليه مايكونش كل ده حيلة عشان كنتي عايزة تتعاقبي..؟



+





        


          



                


شهقت بعد أن وصلها مغزي حديثه وقالت كأنها تُنفي عن كاهلها تهمة:  والله أبدا أنا كنت بهزر معاك وبنكشك مش أكتر.. 


ضحك من قلبه وهي تنفي بشدة تلميحه وقال:  مالك اتخضيتي كأني اتهمتك بالسرقة.. ثم هدأت نبرته وطغي عليها حبه:  هو أنا مش حقك زي ما انتي حقي؟



+




دست وجهها بصدره خجلا وهي تهمس:  عارفة بس برضو مقصدتش كده. 


ابتسم وقبل قمة رأسها بحنان: انتي حبيبتي وانا ملكك وكلي ليكي.. وعشان تعرفي غلاوتك عندي.. رغم اني فعلا مشغول بس بكرة هنتعشى سوا برة في مكان حلو.. ايه رأيك؟



+




هللت وهي تعانقه: رأيي إنك أحن ظاظا في الدنيا


أعتدل ومازال يضمها متثائبًا مع قوله: طب يلا ننام أحسن أنا مجهد جدا وخلاص مش قادر اسهر أكتر من كده..


اعتدلت قليلا وهتفت:  طب انا لسه مش عايزة انام، هتفرج على فيلم اجنبي بدون صوت لحد ما اروح في النوم. 


همهم ووعيه بدأ يغيب:  بس خليكي جمبي. 


_ متخافش مش هطلع برة أوضتنا، هتفرج هنا



+




راح في ثبات عميق وبدأت ذراعيه ترتخي حولها، فقبلت جبينه وأضاءت شاشة الحائط وراحت تتابع الفيلم بهدوء حتى لحقت به وأسبلت جفنيها بثبات مماثل


____________



+




صاحت عليه برجاء: 


يزيد عشان خاطري كفاية كده واطلع ريح شوية في غرفة ياسين، أنا تعبتك، بقالك أكتر من ثلاث ساعات بتراجع معايا.. خلاص انا كده استوعبت ولميت كل حاجة خايفة منها وبراجع براحتي. 



+




قال وهو يحرك عنقه يمين يسار: 


_ لا ياعطر أنا لو نمت مش هصحي بسهولة وامتحانك قرب، بعد ما اوصلك هنام شوية قبل ما انزل القاهرة..يلا كملي مراجعة وماتركزيش معايا



+




صمتت مرغمة وولت اهتمامها لما تفعل، فوجدت رأسه يميل خلفه على جزع الشجرة الضخمة وأجفانه تثقل لكنه يقاوم، فنهضت وعندما تسأل عن سبب ذهابها أشارت له بعودتها سريعا، فعاد يسبل جفنيه باسترخاء وهو يتثائب ومازال مدركًا حوله، وبغتة شعر بشيء منتفخ بوبرة ناعمة ينحشر بين رأسه وجزع الشجرة.. فتح عينه ليجدها تعدل له وضع الوسادة التي أحضرتها قائلة بتلقائية: مادام مش عايز تطلع تنام حاول تريح راسك وتغفل هنا شوية وأنا هصحيك بعد ساعة. 



+




تلجم لسانه وهو ينظر إليها مآخوذًا بفعلتها الحانية التي أرجفته وزلزلت قلبه..كلما أفصحت عن عشقها بتلك اللفتات الرقيقة وأغدقت عليه بحنانها المختلف، أسرته وتملكته أكثر.. لو سأله أحدا كيف تضمن الأنثى رجلها سيقول فقط تمنحه حنان گ هذا.. لا جمال ولا ثراء يساوي جرعة حانية من حبيبته.. وبدون ترتيب لم يقاوم رغبته باجتياحها بقبلة هادئة ليرد لها نظير ما فعلت.. فابتعدت ووجها يعج احمرار فهمس بنبرة راجية:  عطر.. ابعدي عني دلوقت لأن خلاص مش قادر..



+




ابتعدت بالفعل لتلملم شتاتها وتستعيد تركيزها بعد ما فعل، فابتسم وهو يطالع خجلها وقال:  انتي اللي نكشتيني انا كنت قاعد مؤدب من وقت ماجيت. 



+





        


          



                


ابتسمت وهي تتجنب النظر إليه، فالتزم الصمت مثلها وأغمض عينه وصورتها تحتل خياله حتى سقط بغفوة رغما عنه فراحت هي تتأمله بحرية ومازال تأثير ما فعل يبعثرها، رفعت عينيها لتلك الشجرة وتذكرت كيف كانت تعتليها وتجلس تبث للنجوم لوعتها وحسرتها على حبيب لا يشعر بها..وها هي الآن حظت به.. أصبح لها.. يعشقها كما تعشقه..يريدها كما تريده..تنهدت وضمت جفنيها تعتصر تلك الدمعة الصامتة..دمعة شكر وامتنان أنها نالت من تمنت..وقريبًا سيكون صدره مرساها المفضل..! 


___________________



+




تملمت رأسه وبدأ وعيه يعود، فتح عيناه ووجد الشمس ألقت خيوطها البرتقالية على كل شيء، حاد تجاهها فابتسم بعد أن بصرها نائمة على ذراعيها المعقودة فوق الطاولة..خصلات من شعرها متهدلة على جبينها، فدنى منها ورفعها للوراء ثم مرر بعض أنامله برفق شديد على وجنتها مستمتعا بنعومتها الطفولية.. ثم تفقد الوقت ووجده حان كي يستعدان للذهاب، فربت علي كتفها لتفيق مفزوعة:  الامتحان.. أتأخرت!!  



+




فهدأ روعها:  أهدي ياعطر متخافيش لسه فاضل أكتر من ساعة.. روحي اجهزي والجامعة أصلا جمبنا تلت ساعة ونكون هناك.. في نفس التوقيت أتت فدوى حاملة صينية تحوي كوبان من اللبن وبعض الخبز المحشو جبن.. 



+




_ يلا يا ولاد افطروا بلقمة خفيفة قبل ما تمشوا


عطر معترضة:  لا أنا مش عايزة اكل يا ماما، أما ارجع من الأمتحان.. وهمت بالابتعاد ليوقفها يزيد:  تعالي هنا.. اشربي اللبن وكلي اي حاجة وبعدين روحي اجهزي


_ ماليش نفس والله، مابعرفش اكل حاجة قبل الامتحان لأن.. ( قاطعها وهو يدس بفمها شريحة خبز، فضحكت فدوى وقالت) أيوة كده يا يزيد محدش بيقدر عليها إلا انت.. كان زمانها نشفت ريقي عشان تاكل. 


_ لا ماتقلقيش يا خالتي، وتسلم ايدك


ربتت على كتفه:  تسلم يا حبيب خالتك.. ثم مدت يدها بكوب من اللبن:  يلا انت كمان اشربه من ايدي



+




التقطه ورشف بعضه وهو ينظر لعطر بتحذير أن تكمل إفطارها متجاهلا همهمتها المعترضة وهي تحشر الخبز حشرا بفمها سريعا ليتركها، ثم هرولت لغرفتها تستعد وينتابها بعض التوتر المعتاد..


______________



+




أمام الجامعة! 


_ ركزي بقى وماتتوتريش ولا تخافي.. احنا راجعنا كويس جدا وأنا واثق فيكي


_ يارب يا يزيد ادعيلي


_ ربنا ييسرلك الصعب ياحبيبتي


_ اللهم امين.. طب انت هتنزل القاهرة خلاص؟


_ أيوة بس هعدي على ماما اقعد معاها شوية وامشي، وانتي أول ما تخلصي اتصلي طمنيني عملتي ايه، وبإذن الله الأسبوع الجاي هاجي اراجعلك على المادتين الجايين



+




شكرته بحب:  ربنا يخليك ليا يا حبيبي، مراجعتك فرقت معايا اوي ووجودك طمني.. وبإذن الله هرفع راسك


_ أنا متأكد يا فواحة.. يلا في رعاية الله 



+




وابتعدت وهو يشيعها بنظرة أخيرة داعيا الله أن يوفقها


_____________



+




حممت الصعير وراحت تمشط شعره وهي تحدثه: 


_ دلوقتي هوندا حبيب ماما خلص حمامه وبقي جميل  عشان لما بابا عابد يجي يقول ريحة مهند جميلة



+





        


          



                


" ببا "


ابتسمت وقبلت قمة رأسه: أيوة بابا زمانه جاي هنتغدا سوا وبعدها هيلعب معاك لحد ماتنام..شوفت بابا بيحب هوندا ازاي؟


همهم الصغير ببعض الكلمات وهي تستمتع بنطقه المضحك وتقهقة ليشاركها الضحك حتى قاطع تواصلهما المرح رنين هاتفها.. 



+




_ بلي ازيك وحشتيني اوي


_ وانتي أكتر يا زوما، أخبارك ايه، ماتكلمناش من يوم فاتحة محمود وايلي. 


_ معلش انشغلت لما رجعنا.. ناس جت تباركلنا، وعابد كان بياخدني كل يوم النادي عشان نعوض مهند الاسبوعين اللي سبناه فيهم.. ولسه راجع يواظب على شغله في المزرعة عشان يريح عمو أدهم وبابا.. 


_ طب وانتي رجعتي شغلك معاه؟


_ أيوة، لكن بمشي بدري عنه بساعتين


_ ومهند بيكون فين؟


_ مع طنط كريمة بس ماما طلبت مني تاخد هوندا يبات معاها كل خميس وجمعة. 


_ اشمعنى؟


_ عايزة تخلي عابد ياخد راحته معايا.. تعرفي يابلقيس اكتشفت انها بتحبه اوي.. بتعامله كأنه ابنها اللي عايزاه دايما مبسوط.. قالتلي أخلي اليومين دول مختلفين واكون معاه هو وبس ك، في نفس الوقت هي وبابا يشبعوا من مهند معاهم. 



+




_ طنط عبير دي مافيش منها، عاقلة ولماحة وذكية وكمان فرفوشة.. بصراحة عمو محمد محظوط بيها..وعابد ربنه رزقه بأم تانيةمش حماته وبس. 



+




_ مش بس عابد اللي محظوظ يابلقيس، أنا كمان بحمد ربنا على طنط كريمة.. ما اخبيش عليكي كنت خايفة بعد الجوز تكون معاملتها متغيرة، انتي عارفة انها كانت رافضاني في الأول..بس حصل حاجة امبارح نسفت كل قلقي وحبيتها أكتر 


_ حصل ايه؟


_ كنت نازلة اطمن عليهم تحت عشان محدش يفتكر اني عازلة نفسي، وقلت قبل ما يجي عابد هطلع جناحي تاني استناه فوق..سمعت جوري بتقول لطنط أنها هتطلع تناديني عشان نتغدى كلنا لما يجي عابد وعمو أدهم.. بس اتفاجأت برد طنط وهي بتقول! 



+




" لا ياجوري متناديش حد، أخوكي ظروفه اتغيرت وبقى له زوجة وعنده خصوصية، افرضي حابب ياكل مع مراته لوحدهم؟ أو هي نفسها حابة تطبخله بإيدها؟ دول لسه عرايس.. كفاية ينزلوا يسهروا معانا او نفطر كلنا يوم الجمعة.. لكن غير كده خليهم هما يحددوا اسلوب حياتهم يمشي ازاي.."



+




صاحت بلقيس بإعجاب بعد سرد زمزم ما سمعت: ربنا يباركلك يا طنط كريمة.. بصراحة كبرت في نظري أكتر.. 


_ عشان كده بقولك أنا كمان محظوظة بيها


_ طيب على كده هتعملي ايه؟ هتفضلي تاكلوا لوحدكم؟


_ لأ طبعا، أنا معنديش مشكلة نتشارك معاهم..بس هاخد كام يوم كده استمتع بخصوصيتنا شوية گعيلة صغيرة وبعدين ابقي انزل معاهم عادي، لكن زي ما ماما نصحتني اليومين اللي مهند هيكون معاها هيبقوا مختلفين.. يعني اكيد انا هحب اعمل لعابد حاجة بإيدي ونكون لوحدنا زي ما انتي فاهمة، هعمل ده في اليومين دول، لكن بقية الاسبوع هنبقي تحت مع طنط! 



+




_ ربنا يكملك بعقلك يا زوما.. انتي وعابد طيبين وتستاهلوا كل خير.. 


زمزم:  تسلمي حبيبتي وانتي كمان..


واستطردت:  صحيح أخبار ظافر ايه وقصة خوفه المرضي؟ لسه محاصرك؟



+





        


          



                


_ من ناحية خوفه زي ما هو.. بس حصاره خففه شوية عشان خاطري بعد ما كلمته كذا مرة ان الدنيا أمان وانا بروح أماكن محدودة وهو بيكون عارفها.. والحمد لله حسيته بقى أهدى، وفي نفس الوقت انا بعرفه خط سيري من غير مايطلب، أساسا مش بروح غير الشركة وبرجع علي البيت فورا قبل معاده طبعا..


_ طب الحمد لله ان الأمور استقرت بينكم


تنهدت قبل أن تهتف:  تعرفي يازمزم رغم كل الابتلاءت اللي مريت بيها بحمد ربنا لأن في الأخر اتعلمت وكسبت حاجات كتير وبقيت أنضج..مش مجرد بنت حلوة وتافهة، منظوري للدنيا اتغير وبقى أعمق، والحجاب اللي كنت في يوم شايفاه مجرد أمر عاندته جوايا دلوقت ربنا هداني ولبسته عن اقتناع ومرتاحة اوي بالخطوة دي، غير انه رزقني بزوج زي ظافر بيحبني وبيخاف عليا..وفوق كل ده حققت حلمي اني اكون حرة وليا كياني.. بابا دلوقت بيأهلني اني ادير الشركة وأكون مسؤلة عن كل حاجة.. ثقته فيا فارقة أوي معايا.. عشان كده عايزة اطلع كل الطاقة اللي عندي واثبتله اني أهل للثقة. 



+




_ ربنا يزيدك ويوفقك ياحبيبتي.. طب طنط هدى عاملة معاكي ايه.. وأقصد گ أم زوجك. 


_ فاهمة قصدك.. أهي دي نعمة تانية، بتعاملني زي إيلاف، من يومين كنت تعبت شوية تعب روتيني يعني زي ما انتي عارفة، اهتمت بيا جدا وحسيتها حنينة اوي وبتحبني والحمد لله متفاهمين لئن انا كمان بحاول اقرب منها.. وهي لمست ده وراضية عني. 


_ الحمد لله يا بلي، طيب ونظام الأكل وكده؟


_ عادي معنديش مشكلة من الناحية دي، بناكل كلنا سوا فطار أو غداء، والعشا ظافر أصلا بياكل زبادي وبس..الحمد لله في تفاهم والدنيا تمام.. 



+




_ طيب الحمد لله ربنا يهدي سرنا يارب.. 


واستطردت وهي تنظر للساعة أمامها على الجدار متجهة للمطبخ تاركة الصغير يتابع فيلم كارتون :  معلش هضطر اقفل معاكي لأن عابد على وصول..


_ ماشي يا زوما، بكره هكلمك لما ارجع من شغلي


_ اتفقنا.. 



+




وكعادة النساء مهما طالت بينهما الثرثرة، يتذكرون مواضيع جديدة وهامة في أخر دقيقة للمكالمة ولا يقدرون على تأجيلها: استني يابلقيس نسيت احكيلك حاجة مهمة حصلت واحنا في الغردقة.. تخيلي شوفت مين هناك؟


تسائلت بفضول:  مين؟


_ ياسر.. وغصب عني اول ما شوفته وهو بيبصلي بغل وكره خوفت منه وكشيت واستخبيت في جوزي من غير ما احس.. وعابد يومها زعل مني اوي وخاصمني.. 


هتفت بحمية:  عنده حق.. ياسر مين ده اللي تخافي منه.. ده صرصار.. إياكي تخافي منه ولو قابلك وبصلك تاني اقلعي عيونه. 



+




ضحكت مع قولها:  سبحان الله رد فعلك كان نفس رد فعل عابد، قالي كده بالظبط. 


_ طبعا.. وده يجي ايه في عابد اللي ممكن يفعصه، وبعدين يازمزم وانتي معاه حسسيه انه هو أمانك وقوتك.. خوفك ده تفسيره الوحيد انك ما وثقتيش أن عابد هيحميكي.. وده يزعل أي راجل.. 


_ والله ما اقصد يابلقيس عموما انا صالحته واعتذرت واكيد مش هكرر الغلطة دي تاني! 


_ أيوة كده.. ثم راحت تبرطم باستياء:  آل ياسر آل.. ياريتني كنت معاكي كنت حطيته في بق سمك الغردقة.. 


قهقهت زمزم:  ياواد يامتوحش.. بصراحة يا بلي انتي مزيج عجيب ومدهش، قوية وشرسة بس جميلة وحنينة وذكية كمان.. 



+




هتفت بكبرياء مازح: طبعا يابنتي دي صفات الملكات وأنا ملكة بابايا وحبيبي ظاظا..


ابتسمت الأخري وشرد عقلها بمقارنة أطالت صمتها، لتصيح بلقيس:  انتي نمتي؟



+




تنهدت:  لأ.. افتكرت زياد الله يرحمه.. 


_ أشمعنى؟


_ قارنت بينه وبين اخوه..ومعرفش ازاي دول كانوا اخوات.. قد فظاظة ياسر وتفكيره العقيم.. زياد كان مختلف.. عمري ما سمعته قال كلمة وحشة ولا جرح حد.. أفقه كان واسع وكان متدين جدا و… 



+




_ آبد.. 


وصل لسمعها نداء صغيرها، فاقتربت لباب المطبخ واشرأبت بعنقها خارجه فرآت عابد يحمل الصغير ويقبله ويحدثه برفق، فانقبض قلبها.. هل سمعها تتحدث عن زوجها الراحل؟ وإن فعل هل سيكون غاصبًا الآن؟!


_ زمزم روحتي فين؟


_ معاكي بابلقيس.. معلش الكلام اخدني وعابد جه، هسيبك وبكرة نتكلم. 


_ ماشي حبيبتي وانا كمان ظافر على وصول.. ابقي سلمي علي عابد وبوسي هونده. 


اغلقت معها وتوجهت إليه وقلبها منقبض.. 


يا ويلها لو مان سمع حديثها.. 


حينها سيعبث في عقله الشيطان.!


____________




                                    


الفصل الثاني والخمسون


---------------------


أنا صحراء ماتلطخت أرضي إلا بذنبك


ومرآة لم تعكس لي سوى قبحًا


وسماء شح بها سيل المطر


وأختفى منها بريق النجوم..


أنا لعنة لن تزول إلا بقربان.. 


_______



+




منهمكة بمطالعة بعض الملفات الهامة حين طرق باب مكتبها فدعت الطارق التي استدعته هي منذ دقائق..


_ اتفضلي يا إنجي


لم ترفع عينيها عن ما تفعل وهي تقول: أجلي كل مواعيدي لبكرة وخدي الملف دة حوليه على قسم ال



+




هنا رفعت عيناها عفويًا لتراه يقف مرتكزا بظهره على الجدار عاقدا ذراعيه ويتأملها بإعجاب..فابتسمت وضوى وجهها وهي تنهض متجه إليه بالتوازي مع اقترابه وعانقته قائلة:  إيه المفاجأة الحلوة دي ياحبيبي. 


قبل وجنتيها تباعا وقال:  نسيتي اني وعدتك نخرج بعد الشغل؟


أيوة بس اتفقنا بعد ساعتين عشان في اوردارات مهمة جاتلك وانك هتتصل تعرفني انك في الطريق. 


_ لقيتني هتأخر وممكن مقدرش اخرجك. فسبت عامر يقوم بالمهمة وجيتلك عشان نلحق وقتنا


قالت وهي تلوم نفسها:  عارفة انك مشغول وقولتلك نأجلها لاني كنت بهزر معاك والله



+




تألقت عينيه بخبث: قصدك كنتي بتستدرجيني للعقاب


احمرت وجنتها لتلميحه وصاحت:  وبعدين معاك بقي! 


ابتسم ضاحكا: طب يلا عشان نستغل الوقت.. قوليلي عايزة تروحي فين؟


_ مكان مش مقفول، عايزة نكون في الهواء الطلق براحتنا.. 


_ ماشي، طيب جاهزة؟


_ اديني عشر دقايق بس 


_ خدي راحتك


…………… 


بعد قليل علي الكورنيش.. 


هتفت منبهرة:  والله انا فخورة بالشباب الطموحة دي كلها اللي نفذوا أفكار عملية لمشاريع صغيرة بتنبض بالتغير.. 


_ وكلهم ناس تعليم عالي وفاهمة يعني ايه تعقيم وتقديم أطباق تسر العين ..مش مجرد اكل شوارع عشوائي مع احترامي طبعا للجميع بس فعلا تجربة الشباب دي تستحق الدعم والتشجيع، عشان كده جبتك هنا.. 



+




_ اختيار رائع وعجبني جدا وياريت نبقي نجيب إيلي معانا هي ومحمود المرة الجاية..


_ إن شاء الله


_بس يا ظافر انا شايفة اختيارات كتير اوي وكلها مغرية.. شاورما.. بيتزا.. فطير شرقي حلو وحادق..رولات سجق وكبدة وحاجات مطشطة كده تفتح النفس.. ناكل ايه ياشيف دبرني.. 



+




_ هنجرب كل حاجة يا روحي.. أنا عندي فضول ادوق شغلهم كله واللي يفيض هناخده لماما وإيلي ومش هنقولهم اشترناه منين إلا اما ياكلوا ونعرف رأيهم



+




ضحكت قائلة: متهيئلي طنط لو عرفت قبلها مش هتاكل لأنها موسوسة شوية في أكل الشارع.. 


_ لكن إيلي حتي لو عرفت كانت هتدوس معانا، بس زي ما قلت مش هنعرفهم قبلها.. يلا بينا ندخل على الشاورما؟


صاحت بحماس:  يلا بينا، بس عايزاها دجاج مش لحمة


………… .



+




قالت بعد مضغ قضمة من الخبز: 


شوفت ياظاظا الشباب هنا عرفتك واحتفلوا بيك ازاي..  وكلهم واتصورا معاك وهما مش مصدقين انك التوب شيف المصري اللي فاز باللقب في لبنان. 



+






                


قال بعد ان لاك قضمة خبز محشو بشاورما اللحم:  والله ماتوقعت حد فيهم هيعرفني هنا وقلت هنكون مداريين وبراحتنا


_ بالعكس ده متوقع، دول عاملين مشاريع تخص نفس مجالك بالطرق الحديثة اكيد تابعوك واتأثروا بيك لما فوزت بالجايزة ومثلت بلدهم..



+




قال بتواضع:  والله وهما مش قليلين ومعجب بتفكيرهم اللي خارج الصندوق..شغلهم رائع وأسعارهم معقولة وتناسب الكل وملتزمين بشروط السلامة والنظافة وده اكتر شيء عجبني وواصل: في اتنين شباب وبنت لفتوا نظري جدا بشغلهم وتكنيكهم المختلف وعرضت عليهم ينضموا لمطعمي.. هيبقوا إضافة مميزة واستفادة متبادلة.. انتي عارفة اني بإذن الله ناوي علي توسيعات في شغلي المرحلة الجاية ومحتاج كل الكفاءت دي تساعدني



+




_فكرة ممتازة، طب كان ردهم ايه؟


_ رحبوا جدا.


_ الحمد لله واعتقد انها بالنسبة ليهم فرصة كبيرة لمستقبلهم.. ربنا يوفقكم ياحبيبي ويسخرلك الطيبين وولاد الحلال.. 


_ اللهم امين يا بلي.. 



+




لاحظ بقايا طعام جانب فمها فالتقط محرمة من جيبه وأزالها هاتفا بمكر:  هو انا لو بوستك دلوقت يبقي تحرش في مكان عام؟؟


_ أيوة واحتمال يتقبض علينا ونقضي ليلتنا في السجن


ابتسم لدعابتها وهو يتأمل استمتاعها بالطعام والهواء يعبث بوشاحها فأعاد تهذيبه على صدرها وقال بحنان: مبسوطة اما جبتك هنا؟


_ جدا جداااا..افضل مليون مرة من مكان فخم ومقفول..كفاية شوية الهوا الطبيعي حوالينا وحركة الناس اللي رايحة وجاية..فرحانة جدا وبطني هتفرقع من الأكل بس مش مهم كان لازم اجرب كل حاجة.. 



+




لاح بعقله ذكرى يوم أتته تتناول طعامها بعد فوزها بسحب احتفالهما بمطعمه، فهمس لها:  فاكرة لما جيتي أول مرة عندي ومديتي ايدك بالكوبون اللي فوزتي به؟



+




ابتسمت لنفس الذكرى:  طبعا فاكرة، انا ماكنتش مستوعبة حاجة قد الطريق اللي وصلني ليك..كنت باكل ومش حاسة بطعم حاجة وانا ببص عليك وخايفة تبعد عني، كنت بحلم بيك كل يوم ومصدقت لقيتك حقيقة ملموسة، بس فجأة حسيت ان بطني وجعتني من كتر ما أكلت وانا مش دارية..


_ فعلا انا حسيت وقتها انك مش مركزة غير فيا.. تعرفي حسيت بأيه ناحيتك يومها؟ 


_ ايه؟


_ حسيت انك بنتي.. كنتي زي الطفلة الضايعة واللي اطمنت لما شافت حد تعرفه..حسيت اني مسؤل عنك.. وقمة سعادتي لما وصلتك البيت ومامتك قالت انك مش بتاكلي اللحم ابدا.. ومع كده أكلتيه من ايدي.. وقتها انبسطت اوي انك. متأثرة بيا كده..



+




_ ولسه متأثرة بيك وهفضل متعلقة بيك زي الطفلة


قالتها بنبرة صادقة وشت بقوة عشقها له، فقال وهو يطوف عليها بنظرة راغبة:  انا بقول كفاية كده ونروح بيتنا



+




ضحكت بخفوت وغمغمت:  أنا تحت أمر حبيب قلبي


لثم كفها سريعا ثم ذهب يحاسب على ما تناولاه واستلم بعض الوجبات المغلفة لتتذوقها شقيقته ووالدته.. 



+




اثناء غيابه لمحت طفلة رائعة الجمال بصحبة والدتها، فراحت تداعبها بحركات من عينيها والطفلة تضحك لها مستجيبة  لملاطفتها الصامتة  قبل أن تبتعد محمولة على كتف والدتها، فتنهدت بلقيس وتمنت داخلها أن تكتمل سعادتها بذرية صالحة في القريب، وبينما هي شاردة بأمنيتها لمحت نظرات إعجاب من فتاة لزوجها ظافر المنهمك بحديث جانبي مع أحدهم، ربما يؤكد على الشابين لقاءه لإبرام اتفاق عملهما المشترك.. عبس وجهها وظلت تراقبها حتى أتاها ظافر وقال: يلا يابلي.. 


استجابت وهي تلتقط حقيبتها وتمشي جواره.. وقبل أن تختفي عن الفتاة التي مازالت تتابعه بعيناها، منحتها نظرة قاسية جعلتها ترتبك وتستدير عنه وهو غافلا عما يحدث.. 


……… ..


بعد وصولهما لمنزلهما ومكوثهما قليلا مع إيلاف ووالدته، صعدا لغرفتهما وبينما هو يبدل ملابسه لاحظ عبوسها الشارد فتسائل:  مالك ياحبيبتي مكشرة ليه


_ لا ابدا مافيش


جذبها أليه وتمعن بها برهة ثم قال:  لأ في.. قولي مالك؟


ترددت ثواني ثم تسائلت:  هو البنت اللي كانت واقفة جنبك دي مع الشابين هي اللي هتنضم للمطعم معاهم؟


_ اللي تبع عربية الفطير الشرقي؟ 


_ بالظبط هي


_ أيوة لأن عجبني شغلها جدا، منا قولتلك اني عرضت عليهم ينضموا ليا.. دي طلعت قريبة واحد من الشابين



+





        



          



                


أومأت دون قول شيء، فضيق حدقتيه وهو ينظر لها، ثم مالت شفتيه بابتسامة وهو يدرك اخيرا سبب عبوسها..فداعب أنفها برفق:  انتي غيرانة


ظلت صامتة برهة ثم هتفت: كانت بتبصلك بإعجاب


_ طبيعي، بنت صغيرة وشافت حد بتعتبره مثل أعلى في المهنة اللي اختارتها وانبهرت لما شافتني فجأة.  


_ بقولك البنت معجبة بيك يا ظافر تقولي عادي؟ ينفع تلغي معاها عرض شغلها معاك؟؟؟


_ بلقيس انتي بتهزري؟


_ مش بهزر على فكرة..مش عايزاها تشتغل معاك.. خليها في مشروعها الخاص وربنا يسهلها.. 


_ يعني يرضيكي ارجع في كلامي زي الولاد؟ 



+




صمتت وحاجبيها الجميلة ازداد انعقادها، فتحسسهما ليزيل عبوسها وقال برقة: حبيبتي حتى لو مليون بنت اعجبت بيا ده يفرق معايا في حاجة؟ ئكأنا عيوني مابتشوفش غيرك وبعدين لازم تكوني واثقة فيا وفي نفسك.. أنا مش راجل عيني زايغة..أنا عيني مليانة بيكي ومليانة قبلك بخوفي من ربنا..زي ما قولت دي بنت واضح سنها صغير وانبهرت بس بحد بتعتبره مثل اعلى.. انبهار وقتي ومالوش تأثير عليا.. ولو في نصيب والبنت هتشتغل معايا اصلا تعاملها المباشر مش هيكون معايا انا.. وعند اللزوم انا كفيل احطها عند حدودها.. متخافيش واطمني.. 


ثم عانقها بحميمية أكثر:  انا ملكك انتي وبس. 


بادلته عناقه وتسربت إليها السكينة ثم استجابت لدعوته الناعمة وهو يسحبها لعالمه الخاص ليروي شوقه إليها..


_____________ 



+




كل الأمور تبدو لها طبيعية..يحدثها گ عادته، يمدح طعامها وهما يتناولانه، يهتم بالصغير ويلاطفه ويجعله يغفو جواره دون أن يتركه، يذكر لها بعض تفاصيل عمله حين يجلسان معا أخر اليوم.. يفعل كل شيء ما عدا مزاحه.. لم يمزح معها وعندما سألته إن كان يضايقه أمرا ما نكر.. أزدادت حيرتها مع غموضه، هل سمع حديثها عن زوجها الراحل أم لا؟ يحاول أن يكون جيدا.. لكن محاولته ينقصها شيء، كأنه يمثل..هي صارت تعرفه..طيف عتاب يلوح بحدقتيه فيخبئه سريعا.. إن كان غاضب لما يخبيء؟ لما لا يعاتبها.. أم هي ما تتوهم أنه يكذب؟ تنهدت بحيرة وكلما فكرت أن تحدثه بشكل مباشر تتراجع.. فربما لم يسمع شيء، لما إذا تنبش أمر گ هذا معه؟ لكن الحيرة تعود وتسلمها لافتراض انه سمعها وغاضب..همهمت بصوت ضميرها:  يارب اعمل ايه؟ أكلمه اوضحله قصدي ولا اسكت لأن احتمال ماسمعش وانا بصراحتي هخلق مشكلة فعلا واقول ياريتني ما اتكلمت؟ 



+




قاطعها طرقات علي الباب، فذهبت لتتبين جوري: 


يا أهلا يا جوجو عاملة ايه؟


_ الحمد لله يا زوما، فينك مختفية ليه مش نزلتي امبارح سهرتي معايا؟


ابتسمت لها:  معلش يا حبيبتي نمت بدري غصب عني


_ خلاص تتعوض الليلة دي، انتي وعابد لو في فرصة ابقوا انزلوا معانا.. 


_ إن شاء الله



+




" ما مراحب بالزئردة الصغيرة" 


التفتا سويا ليجدا عابد من خلفهم، فردت الأخيرة متخصرة: 


وبعدين معاك بقى، بطل تقول زئردة واحترمني شوية


_ والله صعب ابطل بس هحاول.. 


رمقته بحنق وهي تغادر:  آل يحاول آل.. أنا نازلة وبالليل ابقوا انزلوا نسهر سوا ..سلام.. 



+





        


          



                


غادرتهم فاتجهت إليه تعانقه بدفء:  حمد الله على السلامة يا بودي.. 


ابتسم ولثم رأسها:  الله يسلمك يا زمزم، معلش اتأخرت في المزرعة شوية..كنت في مشوار مع ياسين.. 


_ولا يهمك، انا جيت بدري وعملت الغدا وصنف حلو هيعجبك اوي، خد حمامك وانا هجهزه.. 


_ هو مش هننزل نتغدا مع الجماعة تحت زي المعتاد؟


_ أنا عارفة اننا بنتغدا لوحدنا أخر يومين بس، لكن حابة انهاردة كمان نتغدا هنا إلا لو هتضايق بلاش.. 


_ لا عادي مافيش مشكلة، نتغدى وهنام شوية وبعدين ننزل نسهر معاهم. ثم قال وهو ينظر حوله:  امال فين مهند؟


_ عند ماما انهاردة.. 


بدى غير مرحب بذهابه وقال: ليه يا زمزم طنط بتاخد مهند عندها كتير؟ هي خايفة اكون… .


قاطعته:  عابد.. ماتبقاش حساس.. كل الحكاية ان هي وبابا بيشتاقوا لمهند اللي كان معاهم ليل نهار.. وهما برضو ليهم حق فيه.. فاقترحت تاخده مننا يومين في الاسبوع، وقالت انها فرصة لو عايزين نخرج ولا حاجة.. أما انهاردة أنا اللي طلبت منها تاخده..انما مش اللي في دماغك ده خالص



+




_ وليه طلبتي منها تاخده انهاردة؟؟



+




صمتت تطالعه بتردد وقالت:  عايزة اتكلم معاك


رمقها بهدوء ثم هز رأسه وابتعد ليأخذ حمامه وداخله صراع لم يهدأ منذ أيام.. تحديدا منذ سمعها صدفه تتحدث عن مزايا زوجها وتقارنه بشقيقه اللعين ذاك..تخبط أصابه بين غيرة مهلكة لذكر زياد وعقله يتدخل بصوته انه كان زوجها ووالد طفلها.. إن ظن أن ذكره سيتلاشى يكون واهم.. وليس هذا هدفه.. شاء أو أبى هو يمتلك من حياتها جزء لا سلطانه له عليه.. جزء يخص مهند.. هو والده الذي حين يكبر سيسائل عنه وهي ستجيبه.. هل ينكر عليه هذا الحق؟ لن يكون عابد حينها.. لم يسعي لهذا قط ولن يفعل.. لكن ماذا وغيرته؟.. كيف يتحمل؟.. نعم تظاهر انه لم يسمع حتى لا تفلت أعصابه..فضل تجاهل الأمر.. حاول.. لكن لم يفلح.. نظراتها تكشفه وتكذبه..



+




غمر جسده بالمياة ليخمد أفكاره ويترك كل شيء يمضي كما هو مقدر له.. انهى حمامه وجلس يتناول معها الطعام ثم تركها لينام كما أخبرها لكنها أوقفته سريعا وتأملت عينيه برهة وقالت:  عابد.. في حاجة مزعلاك مني


قال ببساطة لم تقنعها:  ابدا.. هزعل ليه


_ حاسة بكدة


_ بيتهيئلك


قالها واتجه لغرفته فتبعته وقد عزمت أن توضح معه الأمور.. سمع او لم يسمعها لن. تفرق، هي نقطة فاصلة بينهما ويجب ان توضحها تحسبا للأيام القادمة.. 



+




جلست جواره وقالت:  بودي ممكن اكلمك في حاجة قبل ما تنام معلش؟ 


اعتدل بنصف جلسة، فهمست:  انت سمعتني صح؟


لن يجد اي جدوى من الإنكار فأومأ لها بصدق ظنها فعانقته سريعا وضمته بقوة وراحت تقبل جانب رأسه وهي تهمس:  كنت حاسة والله انك زعلان.. حقك عليا ياحبيبي.. والله ما قصدت اللي دماغك


ابعدها برفق:  عارف يازمزم وفاهم.. انسي الموضوع.. 



+




تشبثت به أكثر وبكت على صدره دون صوت، فضمها رابتا على ظهرها:  وبعدين معاكي..انا سكت لأني فاهم ومش بلومك يا زمزم.. زياد كان في يوم من الايام جوزك وطبيعي يفضل جواكي منه ذكرى..



+





        


          



                


هتفت من بين بكائها:  والله سيرته جت بشكل تلقائي وانا بكلم بلقيس وبحكيلها عن موقف ياسر، وقتها لقيتني بقارن بينهم لانهم اخوات.. مقارنة مالهاش اي معني كأني بقارن مثلا بين محمود وياسين لو حصل موقف معين.. لكن مش زي ما انت فهمت..  زياد عشت معاه وقت قصير وفي نفس الوقت ماكانتش سيء.. زي حلم حلمته وبعدها صحيت مافضلش منه غير ذكري حلوة والذكرى دي هي ابني. 



+




ثم حاوطت وحهه براحتيها: 


لكن انت الحقيقة ياعابد اللي عشتها بكل جمالها وروعتها.. انت الواقع الملموسة في حياتي..عيشت معاك اللي ماعشتوش قبلك.. واللي هعيش معاه عمري الجاي إن شاء الله وهتسند عليه وقت ما يشيب شعري.. أنت النفس اللي بيخرج من صدري وبيجري في دمي.. أنا قارنت زياد بأخوه.. لكن انت مافيش حد ينفع اقارنك معاه.. أنت حاجة لوحدك ملهاش مثيل.. أرجوك تسامحني وتعذرني.. مش هقدر اوعدك ان سيرتئ ماتجيش على لساني ابدا.. هايجي يوم وابني يكبر ويسألني عنه ومن حقه عليا اتكلم عنه كويس حتى لو كان وحش برضو كنت هجيب سيرته بالخير لأنه طفل ومالوش ذنب ياخد فكرة وحشة عن أبوه.. انت فاهمني يا حبيبي؟



+




ضمها هو تلك المرة وقال برقة وسماحة نفس:  خلاص يا زوما حصل خير ياحبيبتي.. 


_ يعني خلاص مش زعلان متي؟


_ لأ.. بس


قالها وهو يتلكأ عليها مواصلا:  بس وحشتيني.. 


ابتسمتتنهدت لفوزها برضاه والتحمت روحها به قبل جسدها مجيبه نداء شوقه بما يليق بعاشق مثله.. عاشق أعطاها الكثير ومازال يعطيها ولن تدخر جهدا لتمنحه كل ما يستحق.  


______________



+




بمساعدة عبد الرحمن وصديقه تم نقل كل ما تبقي من جهازي عرس بسمة وحنين من اجهزة كهربائية. وأطقم مطبخ..ثم مكث الأول بعد دعوتهما أن يشرب معهما الشاي على الأقل بعد رفضه تناول الغداء.. فهتفت حنين وهي تطالع ما نجى من الحريق: ده تقريبا الغرفة اللي كنا حاطين فيها معظم حاجتنا مش لحق يطولها الحريق..


بسمة: الحمد لله فلوسهم حلال وهينفعوا


عبد الرحمن: المهم اننا نقلناهم عشان الراجل صاحب البيت هيعمل ازالة أخر الأسبوع


_ أيوة ماهو قالي وهو بيكتبلي شيك بفلوس التعويض.. 


_ ربنا يباركلك فيهم، اسمعي يابسمة، انا عرفت من حنين انك مش موافقة تاخدي اي حاجة ليكي من الحاجات دي، طبعا دي جدعنة وحنية مش غريبة منك، بس في المقابل مش عايزك تحملي نفسك شيء تاني، خلي اللي معاكي ليكي انتي وياسين اخوكي، أختك خلاص هتكون مراتي، و محدش هيتكفل بلوازمها غيري.. مش هقولك مش هخليها محتاجة حاجة.. لأن ظروفي معروفة.. لكن اللي اقدر عليه هعمله، هوفرلها المهم بالنسبالها لحد مانتخرج من كليتنا ونبني حياتنا سوا.. حتي لو حنين اشتغلت في مجالها بعد التخرج مش هعتمد عليها.. قرشها هيكون ليها وهي حرة فيه! 



+




كل مرة يزداد غلاوة واحتراما في نظرها ويتأصل حبه في قلبها..وتندم على كل المواقف التي تسببت في إغضابه فيما مضي.. أما بسمة فقالت بتقدير:  هو أنا مش اختك ياعبد الرحمن؟ فيها ايه لو وقفت معاكم شوية.. ماما وبابا لو عايشين كانوا هيعملوا حاجات كتير علشان حنين.. وانا مش هقصر مع أختي.. انا الحمد لله معايا فلوس التعويض ومبلغ السلفة بتاع الباشمهندس، ده غير مرتبي والمعاش.. يعني ربنا ساترها وأيد على أيد بتساعد، بلاش تكون حساس، وكفاية عليك اساسا  توضيب الشقة وغرفة النوم وحاجات كتير هتظهرلك في وقتها..أما اللي هساعد به أختي خليه بنا ماتشغلش نفسك انت.. المهم انت كنت قولت واحنا بننقل الحاجة إنك عايزني في موضوع.. خير؟؟



+





        


          



                


قال مترقبا رد فعلها: استاذ ياسين! 


بدا التوتر عليها، فواصل: اتصل بيا وكلمني امبارح مكالمة طويلة! 



+




تخضب وجهها بالحمرة وتلعثمت: عا.. عادي.. مايكلمك.. وانا مالي 


_ مالك ازاي والكلام كان عليكي.. 


التزمت الصمت بينهما صاحت حنين: يارب يكون اللي فهمته يارب


ابتسم عبد الرحمن: هو كده بالظبط يا حنة، استاذ ياسين معجب ببسمة وكلمني عليها امبارح وكشفلي نيته بشكل رسمي.


عانقت شقيقتها بفرحة:  مش قولتلك يا سوما، الأمير هيحب السندريلا.. 


رمقتها بتحذير تزامنا مع تسائل عبد الرحمن:  سندريلا والأمير مين؟ أنا مش فاهم حاجة


_ لا ماتحطش في بالك ياعبده، المهم قالك ايه بالظبط وانت قولتله ايه؟ 


_قبل اي حاجة انا احترمته اوي لما كلمني.. معنى كده انه عارف قيمتكم عندي، بصراحة انسان مافيش عليه غبار..مش شاب غني ومتغطرس زي كتير من الطبقة دي، بالعكس بسيط ومتواضع ومرح ورجولة اوي وده بان في وقفته معانا، هو قالي انه منتظر رأينا ومستعد يجي هو وأهله الأسبوع الجاي..ايه رأيك يا بسمة؟ أنا عرفت انه كلمك وعرض طلبه يوم فرح قريبه ومنتظر رأيك من وقتها.. 


نظرت لها حنين متعجبة جهلها لمعلومة گ تلك، ولامتها بنظرة عابرة لإخفاء شيء گ هذا.. بينما استطرد الأول: لو تسمحيلي بنصيحة بما اني بعتبر نفسي اخوكي.. وبخبرتي گ شاب زيه فاهم الدنيا والناس..الراجل ده محترم وأخلاق، يعرف ربنا ودوغري ومالوش في الحال المايل.. كان ممكن يستغل الظروف بأي شكل أو يطول في انه ياخد خطوة رسمي.. لكن هو معملش كده واتصرف بالأصول لأنه شاري، أنا مرتاحله جدا وشايفه فرصة ليكي.. ومقصدش ابدا فرصة من الناحية المادية.. لأ، من ناحية انه هيكون سند حقيقي ليكي لأنه راجل معدنه أصيل.. ده رأيي وحبيت تعرفيه، وطبعا الرأي النهائي ليكي.. ربنا ييسرلك الخير.. 


ثم نهض مع قوله:  ودلوقت بقى هستأذنكم وبإذن الله ماما وسلوى هيزوروكم بكرة يطمنوا عليكم. 



+




وقفت حنين تودعه بينهما ظلت بسمة شاردة.. فقال أخيرا قبل أن يغادرهم: وعلى فكرة، أنا عرفت بابا امبارح بالليل بطلبه تعرفي قالي ايه؟



+




طالعته بسمة وحنين منتظرين حديثه، فاستطرد: 


قالي هنسأل عليه الأول ونطمن انه كويس.. ولما انتي توافقي وتكوني مستعدة لمقابلتهم..استقباله هيكون في بيتنا زيك زي سلوى اختي اللي استقبلنا عريسها عندنا، عريسك برضو هيطلبك مننا وفي بيتنا.. ولا عندك اعتراض يا استاذة؟



+




لم تدمع بسمة وحدها مأثورة بطيب أخلاق والد عبد الرحمن وتعامله لها گ ابنته..بل شاركتها حنين ببكاء صامت ممتن..ليهتف عبد الرحمن بمزاح: ايه يابنات انتوا هتقلبوها غم ونكد ليه..انا بقول أمشي قبل ما اقعد اعيط معاكم وتبقي دراما هندي وانا ماليش فيها..سلام. 


…………… ..



+




_ كده متعرفنيش ان ياسين كلمك يوم الفرح؟



+




استقبلت عتاب حنين بهدوء وقالت: أولا لأني رفضت قبل ما نمشي، ثانيا بعد اللي حصل ما اهتمتش اقولك لأن اعتقدت انه هيكتفي برفضي والموضوع انتهى، بس استغربت انه بيكلمني تاني وبيعرض طلبه وكمان بيبلغني موافقة اهله عليا.. 



+





        


          



                


شهقت حنين:  موافقة اهله؟؟ كمان؟؟؟ طب وكده فاضل ايه بابسمة عشان توافقي؟ أوعي تكوني عايزة ترفضي.. صدقيني الشاب ده مايتعوضش وبيحبك بجد.. اوعي تضيعيه عشان اسباب مش مهمة، واضح ان دماغه كبيرة وحالتنا المادية مش فارقة معاه.. واهله كمان ناس مرنة ومتفهمين.. بجد مافيش اي سبب لرفضك أرجوكي وافقي ياحبيبتي وطمنيني عليكي.. 



+




تنهدت وبتقاسيمها تنضح الحيرة وهي تقول: يعني لسه السندريلا عندها فرصة مع الأمير في الزمن ده؟



+




_ طبعا.. لأن الأمير ماحبش السندريلا لأنها غنية او فرق معاه انها فقيرة.. الأمير حب روح سندريلا، طيبتها ورقتها وجمالها وبساطتها.. عشان كده مش مستغربة تمسكه بيكي..انتي اللي من وسط كل البنات اختارك وحبك وميزك في قلبه.. يبقي ليه تضيعيه؟؟ ها ياحبيبتي قلت ايه؟ هتوافقي؟ 



+




داعبت كلمات حنين طبيعتها گ أنثى وهي تتحدث عن حبه لها..هو الأمير الذي بصرها من علياءه ومد لها كفه ليرفعها إلى عالمه ليشاركها سحره وحبه..هل لها أن تقاوم؟ خاصتًا وقدميها مغروزة في أرضه لا تتحرك.. هي هناك تلقاه سرًا في أحلامها كل ليلة..تراقصة على دقات القلب، تتمناه..تهيم به.. ولا يمنعها عنه إلا حسابات العقل.. لكنها الآن ستستمد من قلبه هو قوتها..نعم قرارها بدا جليا ولكن ستدعمه بركعتي صلاة أخيرة تناجي ربها في أمره.. وفي الصباح ستحسم أمرها فيه.. 


____________________



+




عانقه بقوة رابتا على ظهره مهنئا:  


مبروك يا سينو.. كنت عارف ان ربنا هيجبر خاطرك.. مش قولتلك خالتي واستاذ ناجي تفكيرهم مش قديم


_ الحمد لله يا عابد، ماهو لولا موافقتهم ماكنتش قدرت اقنع بسمة..


_ والله انا بحترم البنت دي جدا، واحدة غيرها كانت طارت من الفرحة واعتبرتك فرصة من غير ماتحسبها لحظة، بس هي بنت مختلفة وتستحق تجذبك بمميزتها. 


ياسين بعبوس:  طب مش كفاية رغي بقى؟


قهقة الأخر:  ياعم انت هتغير من دلوقت، وبعدين دي هتبقي اختي يا اهبل.. واستطرد:  المهم عبد الرحمن لما كلمك اتفقتوا على ايه؟


_ اتفقنا إننا هنزورهم الجمعة الجاية. 


_ طب علي كده عرفت خالتي فدوى واستاذ ناجي؟ 


_ أيوة ومعندهمش مانع، هروح انا وهما وعطر وأنت طبعا


_ لا بلاش أنا يا ياسين المرة دي، خليها زيارة تعارف بسيطة وربط كلام زي ما بيقولوا معاك انت واسرتك نفسها، وخلينا احنا بعدين، تكون خطيبتك اتخطت حزنها شوية.. 



+




أومأ باقتناع وتنهد مع قوله:  تعرف ليه استعجلت في ارتباطي بيها يا عابد؟ عشان الحزن ده..بسمة زي العصفورة اللي جناحها انكسر ومش قاردة تطير ولا قادرة تفضل مكانها..لكن بتعافر عشان تبان قوية بس انا عارف اللي جواها.. متدارية ورى سحابة إزاز من الدموع متحجرة في عيونها، نفسي افتت السحابة دي واخدها في حضني اطمنها واطبطب عليها واقولها ابكي عشان ترتاحي..لكن لازم اصبر وقريب اوي هحررها من الحزن واعلمها تطير تاني من غير ما تخاف تقع لأني هسندها واحسسها بالأمان.. 



+





        


          



                


ابتسم عابد وهو يراقب بوح رفيق طفولته والسعادة تختلج قلبه، ياسين شقيقه وابن خالته وتؤامه وجد أخيرا نصفه الأخر..ويحيا ما يستحق..اللهم يسر له أمره واجعلها زوجة صالحة له..هكذا غمغم داخله قبل أن يمازحه:  طب ياعم المرهف هتجيب ايه لعصفورتك وانت رايح؟



+




عقد ياسين حاحبيه:  مش فاهم.. المفروض اخد ايه؟


_ أي حاجة دهب كده.. سلسلة ولا خاتم مثلا علي ذوقك.. بخلاف الشبكة اللي هي هتختارها فيما بعد طبعا. 


_ والله يا عابد انا كنت ناسي الموضوع ده


_ توقعت كده، بص استناني نصاية كده هخلص حاجة في الشغل واروح انا وانت نختارلها حاجة مناسبة، واستطرد وهم يتجه خلف مكتبه:  روح بقى خد لفة في المزرعة علي ما اخلص وارن عليك


_ تمام. 


_____________



+




جاء اليوم الذي ينتظره أخيرا وها هو يستعد لزيارة منزل عبد الرحمن ليطلب يدها.. حرص ياسين أن تكون طلته غير مبالغ بها.. ارتدى طقم بسيط للغاية وصفف شعره بشكل أنيق ثم أخرج من جيب جاكيته علبة صغيرة تحوي سلسالها الرقيق الذي انتقاه مع عابد منذ عدة أيام.. راح يتحسسه هامسا بخفوت: هانت يا بسمتي ونبتدي سوا أول خطوة..



+




_ سينو خلصت؟ بابا بيقولك… ..



+




بترت جملتها وتسمرت قدميها وهي تبصره بعد أن انتهى من ارتداء ملابسه.. راحت تتأمل وسامة شقيقها بحنان وفرحة واقتربت وعينيها دامعة: 


الله أكبر يا سينو.. زي القمر يا أخويا


ثم عانقته، فربت علي ظهرها مداعبا:  بلاش نكد ياقردة انا رايح اخطب مش رايح اسلم نفسي للشرطة


تغاضت عن نعته لها بالقردة وهتفت:  فرحانة بيك اوي يا ياسين.. أخويا وحبيب قلبي هيبقي عريس.. وأحلى عريس في العالم كله. 



+




ابتسم هذه المرة بحنان مماثل وضمها اليه:  وانتي اختي حبيبتي وروح قلبي.. عقبال فرحك انتي وزيزو


_ يارب يا سينو.. احسن ده بيشتكيني للرايح والجاي


ضحك قائلا:  بصراحة عنده حق، يزيد اكبرنا المفروض كان اتجوز اول واحد


_ هانت وانزل انا وجوري القاهرة نظبط شققنا سوا ونحدد فرحنا في اقرب وقت. 


_ ربنا يسعدك ياقلب اخوكي، طب ايه كلكم جاهزين؟


_ أيوة بابا وماما منتظرين في الجنينة، وانا جيت اناديك 


ثنى ذراعه لتتعلق هي به تلقائيا وهو يهتف: يلا بينا


_ انطلق ياسينو..


_____________



+




رغم محاولة سلوى على استحياء ان تجعل بسمة. ترتدي ثوب بلون افتح قليلا من الأسود، لم ترضخ الأخيرة ورفضت تخليها عنه وعلى مضض وافقت أن ترتدي وشاح كريمي اللون ليكسر حدة اللون وهي تستقبل عائلة ياسين للمرة الأولى..



+




_ يلا يابنات هاتو بسمة عشان تقدم القهوة، الضيوف وصلوا وبيسألوا عليها.. 



+




ازدادت خفقات قلبها ما بين خجل وتوتر وخوف.. لا تصدق الي الآن سرعة ما يحدث حولها، ولا تعرف كيف وافقت ان يأتي ياسين مازال القلب في حداد.. لكن عبد الرحمن وحنين تكتافوا عليها بشكل كبير لتوافق، وأنها مجرد خطوة مبدئية ليكون له صفة رسمية تمنحه بعض الحرية ليلتقيها ويتعرفا على بعضهما.. ولن يكون الزفاف قريبًا.. حتما سيمر وقت كافي قبل هذه الخطوة.. 



+





        


          



                


حنين وهي تمنحها نظرة حانية مشجعة:  يلا يا بسمة.. تعالي نعمل القهوة عشان تقدميها


سلوى مازحة لتبدد طيف الحزن على قلب بسمة: تعرفوا يابنات أنا عملت ايه في خطيبي وقت ما جه يتقدم؟ حطيت له الشطة في فنجانه.. 


شهقت حنين:  معقولة؟!!


_ أه والله، بصراحة أنا قرأتها في رواية وعجبتني الفكرة إن لو العريس اتحمل الشطة وما اشتكاش لأهله معناها هيتحمل بلاويا العمر كله.. 


ابتسمت بسمة ابتسامة مجاملة لها دون تعليق بينما هتفت حنين: طب وخطيبك عمل ايه؟


_ هو اتحملها وسكت، بس تاني يوم بهدلني


ابتسمت:  توقعت كده، أعتقد لو كنت عملتها لاخوكي كان علقني في بلكونة بيتنا قدام بابا.. 


بسمة بتحذير : أوعي يا سلوي تعملي كده، دول ناس أغراب ممكن يعتبروا ده إهانة، وانا معرفش طباع ياسين احنا لسه بنقول ياهادي


سلوى:  لا متخافيش انا حكيت الموضوع ده عشان بس اخليكم تفرفشوا شوية..عايزة بسمة تدخل ووشها منور كده..ثم اقتربت مواصلة بود:  على فكرة يابسمة أخويا بيشكر جدا في الشاب اللي جه يطلبك ده..حاولي تفرحي وتنبسطي..علي الأقل انهاردة


أومأت لها بامتنان ثم تقدمتهما ليصنعا القهوة ويدلفون للجميع


……………… 



+




هيبة حزنها امتزجت مع رقتها وجمالها الذي لا يحتاج في نظره أي رتوش لتبرزه.. يكفي تلك الحمرة التي زحفت على خديها خجلا ليبصرها گ أجمل ما يكون، بتلك البساطة خلبت لُبه وهي أتية تحمل فناجين القهوة وكفيها تهتز بحركة طفيفة رصدتها حدقتيه وهي تتقدم بتردد، لم ترفع عينيها لأحد إلا حين صارت جوار أبيه الذي هتف بإعجاب وهو. يتناول فنجانه:  ما شاء الله تبارك الله.. عروستنا زي القمر..ابتسمت بخجل ، وتوجهت لوالدته التي بدورها مدحت جمالها قائلة: الله أكبر ربنا يحفظك يا حبيبتي..فهمست بخفوت:  تسلمي يا طنط.. 


بينما صاحت عطر:  أنا بقي مش غريبة عنك. اظن اننا عارفين بعض من الأول..  


هتفت بسمة:  أكيد، حضرت فرحك، وشوفتك كذا مرة في المزرعة مع اخت الباشنهندس.. 


_ قصدك جوري.. فعلا مش بروح المزرعة غير معاها


ثم هتفت بخبث:  الكلام اخدنا ونسيتي تقدمي القهوة لياسين.. على فكرة اخويا بيعشقها.. 



+




بذلت مجهود خرافي لتخفي خجلها وارتباكها وهي تتجه نحوه وتقدمها له ، فالتقطها مبتسما ولم يحاول إرباكها أكثر بعد أن أشفق عليها من اشتعال خديها الشهية.. ابتعدت عنه فدعتها فدوى أن تجلس جوارها، وفعلت لتنتفض بغتة على صوت سعال العم ناجي، فتذكرت حديث سلوى عن القهوة الحارقة، لكن متى فعلتها؟ تبادلت معها نظرة لائمة، لتهز الأخرى رأسها وتشير بعينيها كأنها تقول ( لم أفعلها) 



+




عطر بفزع:  مالك يا بابا في ايه


بينما حوقلت والدة عبد الرحمن ثم قالت:  ناول عمك حبة مية يا ابني بسرعة..فسبقته فدوى بكوب مياة باردة كان أمامها وهي تسمي..وبعد برهة هدأ سعاله..رمق عبد الرحمن شقيقته المعتوهة ظنًا منه أنها وضعت مسحوق الشطة في القهوة كما فعلت مع خطيبها حين أتي لطلبها، لكن حتى إن فعلت المفترض ان تكون من نصيب العريس، وليس الرجل الكبير.. جز على أسنانه وتوعدها في سره ثم قال والده معتذرا: 


_معلش باجماعة يمكن تفل القهوة السبب في كده


عبد الرحمن مؤكدا:  أيوة يا بابا هو تفل القهوة أكيد.. 


ناجي بعد أن هدأ قليلا:  حصل خير يا حج ولا يهمك..ثم مال علي ولده يهمس بخفوت:  لو اعرف ان مقلب خطوبتك هايجي فيا انا ماكنتش جيت.. 



+





        


          



                


حدجه ياسين بدهشة ولم يفهم ما يقصده، ونظر تلقائيا لبسمة فوجدها تراقبه بتوتر وعينيها دامعة، فاهتز قلبه لقلقها الواضح فمنحها إيماءة مطمئنة مع ابتسامة بدت لها ساحرة. وهي تتأمله دون إدراك متناسية. توترها، حتى أفاقت على صوت والده يتحدث:  


_ طبعا يا حج زي ما انت عارف إننا جايين نطلب ايد الانسة بسمة لابني ياسين..واحنا جاهزين لاي طلب تطلبوه. 


هتف بوقار:  والله يا ناجي بيه أهم طلباتنا هي ان ياسين يراعي ربنا في بسمة ويحافظ عليها..والحقيقة ابني شكر جدا في شخصه وأخلاقه، وأنا أشهد بده لما اتعاملت معاه. 


_ تعيش ياحج ده من ذوقك، و عهد عليا انا شخصيا ان بسمة هتكون في عنينا قبل ياسين ابني..وطبعا عشان الظروف هننتظر شوية ونعمل احتفال ونجيبلها احسن شبكة تليق بيها



+




_ يبقى اتفقنا وعلى بركة الله نقرأ الفاتحة. 



+




قراءها الجميع بصوت خافت وياسين يرمقها من حين لأخر بنظرات تنضح منها الفرحة، ثم انفرد بها ليجلسان في الشرفة الكبيرة، فقال ما أن وجد الفرصة:  مبروك يا بسمة، أنا فرحان جدا بالخطوة دي..ابتسمت له وقالت: ربنا يجعل في ارتباطنا الخير اللي انت بتتمناه ويسعدك دايما


_ أنا مشيت وري قلبي وعقلي سوا، وواثق في خطوتي كويس، انتي بقى حاسة بإيه؟


تنهدت رغما عنها وهتفت:  أنا متلخبطة وحاسة ان كل حاجة حصلت بسرعة..وخوفي تكون انت اللي محسبتهاش كويس وتندم


مال للأمام بكتفيه وقال برفق:  في قرارات اصلا ماينفعش نتباطيء فيها يا بسمة، كان لازم اكون جنبك بصفة رسمية في أسرع وقت وفاهم قلقك من سرعة الأحدث بس الظروف هي اللي لغت فكرة الانتظار.. وهرجع اقولك اني مبسوط جدا جدا بأول خطوة في ارتباطنا، وواصل وهو يقدم لها هديته: أنا جبتلك هدية بسيطة يارب تعجبك.. 



+




وبصرته يلتقط من علبة أنيقة سلسال ذهبي بمنتصفه كلمة " Love"، و همس لها: ايه رأيك عجبتك؟


ردت برقة وإعجاب: جميلة أوي.. تسلم ايدك.. 


_ انتي تستحقي كل كنوز الدنيا، ألف مبروك يا بسمتي.. 


خجلت واهتزت من تلقيبه لها هكذا، فاستطرد: للأسف مش هقدر البسهالك بنفسي.. بس ياريت تلبسيها دلوقت.. عايز اشوفها عليكي. 


فعلت ومررتها لتحوط عنقها المغطى بالوشاح مغمغمة: كلفت نفسك.. أنا مايفرقش معايا الحاجات دي. 


_ بس أنا يفرق معايا يابسمة، انتي أميرتي اللي عايز اجيبلها حتة من السما..



+




حنان ودفء نبرته أثارت مشاعرها المدفونة تحت غبار الحزن، وتكثفت دموعها وسط مقلتيها..شعور غريب انتقل إليها وعانق روحها وهو يحدثها هكذا، نظراته لها تقص قصائد لم تقرأ مثلها يوما في عين أحد..قلبها يشدو بلحن جديد، خوفها منه كأنه تبخر، ياسين ليس مجرد أمير ثري وهي السندريلا الفقيرة.. بل هو ملك وأدركت أخيرا انها ما خُلقت إلا لتنتمي له، مر بعقلها طيف والديها هذه اللحظة وتمنتهم لو شاركوها فرحتها، حتما كانوا سيفرحون ويفتخرون به..دمعت شوقا لهما فقال راجيًا:  بسمة عشان خاطري بلاش دموع..هما الله يرحمهم دلوقت حاسين بيكي ومطمنين عليكي معايا.. أوعدك يابسمة اني هسعدك واعوضك قد ما اقدر..ومش هحسسك انك لوحدك ابدا..  



+





        


          



                


جففت دمعتها وقالت:  عارفة يا ياسين..


وصمتت ناكسة رأسها برهة لترفع فضيتها إليه قائلة: 


أنا لسه مش مصدقة انك فضلتني علي كل بنات الوسط بتاعك.. بس اللي متأكدة منه اني هحطك جوة عيوني وهحافظ عليك ومش هقصر في حقك ابدا..ئنت دعوة أمي وأبويا ورضاهم عليا.. 



قد يعجبك ايضا


منذ بضع اعوام


رواية زواج بالمال الفصل الثامن 8


منذ بضع اعوام


رواية زواج بالمال الفصل التاسع 9


منذ بضع اعوام


رواية زواج بالمال الفصل العاشر 10


+




ابتسم راضيًا ومستمتعا بأول قطرات من بوحها لما تكنه داخلها من مشاعر تجاهه وصمت ليرتوي من أثر كلماتها، ولن يطمع بأكثر فمازال بأول الطريق معها، فتسائل: 



+




_ انطباعك ايه عن بابا وماما وعطر؟


_ بصراحة ارتاحتلهم وحسيتهم طيبين اوي، لو مش طيبين ما كانوش قبلوا بواحدة زيي. 



+




قال مدافعًا بحمية تلقائية: ومايقبلوش بيكي ليه؟ ناقصك ايه يابسمة؟ ياريت كل عيوب البني آدمين كانت فقر فلوس.. الفقر عندي في أخلاق او ضمير أو نخوة.. هو ده الفقر اللي يعر صاحبه ويوصمه بالعار طول العمر وحتى بعد الموت.. لكن شُح المادة ده مالوش قيمة لو كنتي غنية بالحاجات التانية اللي قولتها..بالعكس بشوية اجتهاد وذكاء وتوكل على الله أي حد ممكن يبقي غني ومعاه فلوس.. متعلم او جاهل يقدر يعمل ده.. أتمنى يابسمة تغيري طريقة تفكيرك شوية، احنا في زمن مختلف وابسط من كل افتراضاتك اللي في دماغك.. 



+




ظلت تنظر إليه تتملكها حالة من الانبهار  بمنطقه طغت على خحلها منه..كيف هو هكذا؟ وماذا فعلت لتستحق رجلًا مثله؟ وكيف كانت تحاول الابتعاد عنه؟ هو محق نعم هي فقيرة.. لكن لديها الكثير لتمنحه لهذا الرجل الذي تفتخر أنها توشك أن تنتمي إليه وتحمل أسمه.. 



+




راحت حدقتيه تطوف على وجهها الشارد به، كم يطوق للمس بشرتها.. كم يهفو قلبه لضمها..لغمسها في ضلوعه..معها يشتهي أشياء كثيرة كان يجهل وجودها.. وكأن معها فقط تولد طوفان احتياجاته ورغباته. 



+




ربتة على كتفها اخرجتهما معا من تأملاتهما الحالمة، فكان الصغير الذي افتقدها وبحث عنها.. 


_ تعالى ياحبيبي


ياسين وهو يجذبه منها: لا هاتيه عندي، أزيك يا ياسين عامل ايه، كنت لسه هسأل عنك


هتفت:  بصراحة حماة اختي من وقت ما جينا وهي واخدة بالها منه، وغصب عني انشغلت عنه انهاردة، أكيد افتقدني جدا. 


_ معلش أهو معانا ومش هنسيبه. علي فكرة انا هاخده للدكتور اللي حكيتلك عنه ومش عايز منك اي اعتراض، أنا دلوقت مش غريب.. وياسين يهمني زيكم بالظبط.. 


ابتسمت ممتنة له.. وبعد أحاديث قصيرة بينهما انضموا للبقية. لتناول طعام الغداء، وبعد الانتهاء جلسوا يحتسون كاسات الشاي قبل أن يغادروا، وقال والد عبد الرحمن: 


طيب بما أننا بقينا زي الأهل انا من دلوقت بعزمكم على عقد قران ابني وحنين أول جمعة في الشهر الجاي، طبعا انتوا عارفين الظروف هيكون ع الضيق كده في قاعة تبع المسجد الكبير اللي في منطقتنا.. ويشرفنا لو شاركتونا الفرحة.. 



+




ناجي:  مافيش كلام اننا بقينا أهل وطبعا هنحضر، بس مش بصفتنا مدعوين..ثم صمت ثواني ليستطرد: 


بما إن الظروف مش هتسمح بفرح وارتباط قريب وطبيعي ياسين عايز يتواصل مع خطيبته، اعتقد لازم يكون له صفة قصاد الناس.. عشان كده بقترح عقد قرانهم يكون مع حنين وعبد الرحمن في نفس اليوم.. ثم دار بين وجوه الجميع مواصلا:  قلت ايه ياجماعة؟


صاح ياسين بحماس:  والله دي أحسن حاجة سمعتها انهاردة.. وكلام بابا مظبوط وعين العقل.. 


عبد الرحمن داعما: وأنا شايف الفكرة مناسبة عشان يتواجد مع خطيبته بشكل شرعي بدون قلق من كلام حد خصوصا في منطقتنا الشعبية.. 


امتن له الأول:  شكرا ياعبده متحرمش منك.. 


وبعد تبادل النظرات بين بسمة وأبو عبد الرحمن، قال:  والله يا بنتي انا شايف ان الفكرة بتصب في مصلحتك مادام الناس شاريين والحمد لله في اتفاق وقبول ورضا يبقي ليه لأ.. ولا عندك رأيي تاني؟ 



+





        


          



                


نظرت لشقيقتها التي شجعتها وهي توميء لها بقوة ثم لياسين المتلهف لموافقتها وطغى عليها شعور الراحة تجاهه..فنكست رأسها دون كلمة ليصيح خطيب شقيقتها:  بما ان السكوت علامة الرضا.. نقول علي البركة ياجماعة، بإذن الله اول جمعة من الشهر القادم عقد قراني انا وحنين ومعانا ياسين وبسمة..!


_____________



+




توجه حيث شقيقته وحنين ورمق الأولى بقسوة وهو يهتف بغضب:  كان لازم الهبل بتاع القهوة ده؟ أهي جت في الراجل الكبير وكنا هنتفضح قدام الناس..


سلوي وهي تنفي:  والله ما عملت حاجة انت ظالمني حتى اسأل خطيبتك اهي كانت معايا طول الوقت.. 


قالتها ثم ابتعدت بعيدا عن بطشه تاركة حنين لنظرات عبد الرحمن اللائمة.. فترقرقت عيناها خجلا وخوفا من رد فعله العنيفة التي تراها للمرة الأولى.. فلم يتحمل ذعرها منه فسب نفسه في ضميره واقترب مردفا:  خلاص اهدي هوفتي ليه كده، انا اتعصبت عشان مايصحش تعمل كده مع ناس غريبة


_ سلوي معملتش حاجة، هي حاولت بس تضحكنا فحكت الموقف عشان تلطف الأجواء خصوصا لبسمة.. 


_ كان نفسك تقلديها؟


نظرت له بحذر ثم قالت:  لو عملت كده كنت هتزعل؟



+




تألقت ابتسامته وقال: كنت هشربهالك ياحبيبتي.. 


نكسة رأسها تخفي ابتسامتها وغمغمت:  افتكرتك طيب يا عبده وهتتحملني


‏_ أنا اتحملك طول العمر يا حنين، بس اختبار حقيقي لنا مش هزار.. 


‏ابتسمت بحب تألق بعينيها


فهمس بأذنيها:  هانت ياقمري، كلها أيام وتبقي حلالي واخدك في حضني يا حنة.


____________________



+




جالسة بمفردها بعد أن نامت صغيرتها وعلى وجهها مسحة حزن لم تعد تفارقها..الكآبة تلقي تغزو سماء عالمها وتحاصرها.. ولم تشعر بمن اقتربت منها هاتفة: 


ممكن اقعد معاكي يا أبلة؟ حاولت انام مش عرفت.. 



+




أومأت لها بالقبول دون كلمة


فواصلت شقيقتها الصغيرة " ضي" : حضرتك زعلانة ان اخويا قابلك وحش؟ معلش هو طيب والله بس هو كان زعلان عشان مش بتسألي علينا ابدا.. كنت بسمعه يقول كده لماما.. 



+




رمقتها تيماء بهدوء دون اكتراث عن شخص من تتحدث عنه، فإن كان المدعى شقيقها يُبغضها.. هي تبغضه اكثر.. يكفي أن وجهه يحمل نفس قسمات منصور أبيه اللعين..هو نسخة منه..جاهدت كثيرا كي لا تغرز مخالبها بوجهه.. كم تمنت فعلها لتثأر لطفولتها..لكنها تماسكت لأجل والدتها المريضة وتركتهما وأتت تجلس بمفردها.. 



+




_بس انا بحبك اوي يا أبلة رودي.. 



+




عادت تيماء ترمقها بشيء من غامضة..تلك الطفلة التي لا تشبه أحدا بينهم.. مختلفة عن الجميع، منصور.. والدتها، حتي هي لا تشبهها في شيء.. ملامحها البريئة تشي بطيبتها..ولها نصيب كبير من اسمها.. هي تراها كتلة ضي تتحرك علي الأرض.. ضيائها ينبع من داخلها..من برائتها وبياض سريرتها.. 



+




_ ليه بتحبيني يا ضي؟ أنا طول عمري بعيدة عنكم! 


_ لأن ماما بتحبك اوي، كانت دايما تكلمني عنك وانا حبيتك عشانها، وحبيتك أكتر لما جبتي رحمة حبيبتي اللي بموت فيها وكنت بحلم يوم ما تنزلي مصر واشوفها الاعبها وانيمها معايا.. 



+





        


          



                


تكثفت دموع متحجرة بعينيها السوداء..هي تتأثر بتلك الصغيرة بشكل لم تعهده مع غيرها..تريد أن تضمها لكن شيئا ما يمنعها..لم تعتاد مشاعر الألفة مع أشقائها.. هم بذرة منصور الذي تكرهه، كيف تحب نبتته؟. 



+




_ ليه عمو رائد مش جه ولا مرة هنا يا أبلة رودي؟ 



+




"آآه"



+




أطلقتها داخل روحها بآنين مُوجع


فالإجابة مخزية ولن تفهمها صغيرة مثلها


ليست لديها ردا 


رائد لن يعود


هي خسرته للآبد



+




_ ضي.. روحي نامي دلوقت وانا هطلع اشوف رحمة. 


_ حاضر


ثم. باغتتها بقبلة عفوية محبة على وجنتها قبل تقول: 


تصبحي على خير يا أبلة رودي.. 


وذهبت وتركتها في ذهولها وجدار طبيعتها القاسية يتفتت مع تلك "الضي" دون سيطرة..قبلتها التلقائية ليست مجرد قبلة.. بل هي ببساطتها منحتها آدمية افتقدتها منذ زمن وسط أحقادها ومكائدها وسواد روحها.. مازال هناك أحدا في هذا العالم يعاملها كأنها إنسانة طيبة نظيفة.. لكن هل لو علمت تلك الصغيرة حقيقتها ستظل تحبها؟ لا تظن.. حتما ستبغضها كل البغض.. 



+




تنهدت وسارت ذاهبة لطفلتها تغفو جوارها.. وتتمنى أن تنجح وتسقط في النوم الذي يجافيها منذ أتت.. 


____________



+




_ أخيرا خلصت امتحانات وارتاحت


_ عقبال ما نفرح بنتيجتك ياحبيبتي


_ يسمع منك ربنا يا زيزو


_ المهم دلوقت مالكيش حجة، أنزلي القاهرة عشان تخلصي شقتنا ونتجوز..أنا صبرت بما فيه الكفاية يافواحة



+




_ من غير ماتقول ياحبيبي، اديني فرصة بس احضر عقد قران ياسين اخويا  وتاني يوم هنزل فورا انا وجوري عشان هنشتغل في الشقتين مع بعض



+




_ خلاص بما اني هحضر كتب الكتاب عشان اكون مع سينو، تاني يوم هاخدك انتي وجوجو معايا القاهرة  


_ أهو كده عداك العيب يا باشمهندس


_ قلب الباشمهندس..بس هو مش خطيبة اخوكي في حالة حداد؟ ماتوقعتش أكتر من قراءة فاتحة حاليا


_ هو كان اقتراح بابا، قال ان ياسين محتاج صفة شرعية عشان ياخد باله منها..بصراحة صعبانين عليا اوي يا يزيد، دول برضو بنتين فجأة لقوا نفسهم لوحدهم في الدنيا، وده سبب ان خطيب اختها قرر يكتب كتابه.. انما الجواز هيتأجل لوقت مناسب.. 


_ والله هو اقتراح في محله، عابد اخويا شكرلي في البنت، ومادام ياسين عايزها وداخلة دماغه يبقي على بركة الله


_ تعرف اني فرحانة اوي، أنا وانت وياسين وجوري هنكون سوا في القاهرة، هنبقي عزوة مع بعض.. 



+




_ ونسيتي محمود وبلقيس كمان هناك، مافيش غير عابد  اللي هيفضل هو ومراته في المنصورة


_فعلا، بس المسافة بينا مش بعيدة..هنتواصل دايما كلنا


_ إن شاء الله، المهم نتجوز بس الاول


ضحكت قائلة:  أنت ليه مستعجل كده


_ نعم ياختي؟ ده انا كده "عنست"


قهقهت ثانيا:  والله صعبت عليا يا زيزو.. خلاص ياحبيبي هانت والله هخلص الشقة في اقرب وقت وهبهرك..أنا كنت ممكن اقولك تجيب حد تاني يشتغل فيها، بس ده حلمي من زمان اني اعمل بنفسي كل حاجة في المكان اللي هيجمعني بحبيبي اللي اتمنيته طول عمري. 



+





        


          



                


وصلتها تنهيدة قبل قوله:  خلاص يافواحة مقدرش اسيب في نفسك حاجة، وانا متحمس جدا اشوف هتعملي ايه في عش الزوجية.. أكيد هيطلع من تحت ايدك  تحفة فنية


_ أوعدك مش هتندم على انتظارك يا زيزو


تثائب ثم قال:  اكيد ياقلبي، هسيبك دلوقت لأن خلاص فصلت وعايز انام.. مش عايزة حاجة


_ عايزة سلامتك


_ تصبحي على خير


_ وانت من اهل الخير وأحلام سعيدة ياحبيبي


__________________



+




سمعت طرقا علي الباب يصاحبه صوت ياسين: 


_عطر انتي صاحية؟ 


صاحت عليه:  اتفضل ياحبيبي


دلف وجلس جوارها: لقيت النور والع قلت القردة لسه مصحصحة


عبست بطفولة:  يعني خلاص بقيت مهندسة رسمي قد الدنيا وبرضو بتقولي قردة يا سينو



+




نكز رأسها مازحا: مهندسة على نفسك .


نظرت له ولمعة عينه تفضح فرحته فقالت وهي تربت على كفه: كنت لسه بتكلم عنك أنا ويزيد، أحنا فرحانين بيك اوي.. وبالذات انا.. أخيرا أخويا حبيبي هيبقي عريس حتي لو مش هتعمل فرح دلوقت بس هتتعوض بعدين.. 



+




عانقها بحنان:  ربنا يخليكي ليا ياحبيبتي، ماما كمان فرحانة بس معترضة اني هكتب الكتاب دلوقت.. كانت عايزاني انتظر عشان اعمل فرح. 


_ ماهي ظروف بسمة مش هتسمح بكده.. وفعلا انت مش هتقدر تراعيها وتزورها قصاد الناس براحتك غير برباط شرعي.. بإذن الله بعد فترة تعملوا فرح وتسعدوا ماما وكلنا نفرح بيكم. 


_ أنا مايفرقش معايا قصة الفرح دي ياعطر.. كل اللي يهمني اني اقدر اراعيها واكون معاها..


ابتسمت:  ربنا يسعدك وماتفترقوش ابدا


_ اللهم امين. 


ثم تردد قليلا قبل قوله:  هو ممكن اطلب من اختي حبيبتي خدمة؟


_ طبعا يا سينو


_ عايزك تقربي من بسمة شوية وتصاحبيها.. هي لسه معتقدة انها مش من مستوانا.. لولا انا حاصرتها بطلبي وخطيب اختها ساعدني في اقناعها يمكن كانت رفضت


_رفضت؟هي بسمة مش بحبك يا ياسين؟؟



+




ندت عنه تنهيدة: لسه مافيش كلام صريح اتقال منها، بس انا عارف مشاعرها كويس..بسمة بتصارع افكار قديمة وغلط بسبب الفرق بنا عشان كده مش متحررة معايا، بس اكيد بعد خطوة عقد قراننا الدنيا هتتغير



+




_ عندك حقك.. ربنا يألف بين قلوبكم، انا اهم حاحة. عندي انك مبسوط يا ياسين واي حاجة تاني مش هتفرق



+




_ شكرا. ياحبيبتي.. المهم اللي عاوزه إنك تحاولي تكلميها في التليفون دايما عشان تلغي المسافة اللي جواها من ناحيتنا، عايزها تندمج وسطينا وماتحسش انها غريبة



+




تأملته بحنان وهو يوصيها على من أحب وقالت: فاكر لما اتكلمنا في الموضوع ده زمان وانت قلت مايفرقش معاك البنت جميلة او لأ.. المهم تكون جديرة بأخلاقها تشيل اسمك وده كفيل يحببك فيها؟ 


_ فعلا طول عمري باني اختياري على العقل قبل القلب.. بس اللي حصل إن الاتنين اجتمعوا عليها.. اخدت قلبي وعقلي



+




عانقته وهي تصيح مدللة له:  حبيبي حبيبي يا نااااس..ربنا يسعدك ياقلب اختك.. وما تقلقش انا وجوري كمان هنصاحبها ونكون معاها يوم عقد القران عشان لو احتاجت حاجة.. وواصلت بحماس: عارف كمان جاتلي فكرة، ممكن بعد بكرة اعزمها هي واختها واخوهم يجوا معانا النادي انا كنت متفقة علي كده أنا وجوجو.. هتبقي خروجة بنات بس هنقضي اليوم سوا ونوصلهم لحد بيتهم في الأخر..



+





        


          



                


ضمها صائحا:  حبيبة اخوها والله ماليش إلا انتي..


_ حبيبي يا سينو.. ماتقلقش انا كمان يهمني بسمة تاخد علينا دي هتبقي مرات اخويا يعني اختي.. واللي تحبه يا ياسين أنا احبه.. 



+




ربت علي وجنتها:  تسلمي ياعطر.. بس كان نفسي اكون معاكم.. انا لازم انزل القاهرة بكره عشان غبت كتير عن شغلي وهرجع علي كتب الكتاب أن شاء الله



+




_ بالعكس عدم وجودك افضل لأنها كانت هتتكسف منك هي واختها.. لكن واحنا بنات بس ممكن تفك وهنرغي براحتنا



+




_ عندك حق.. خلاص اتصرفي براحتك.. وواصل: ومبروك انك خلصتي امتحانات ياقردة.. 


صاحت وهي تلوح بذراعيها: أه أخيرا.. لقد هرمنااااا بعد خمس سنين هندسة انتظارا تلم اللحظة.. 


ضحك قائلا: الحمد لله يا مجنونة.. وفكري في هديتك اللي عايزاها من دلوقت لأن واثق ان اختي عبقرية وهتجيب تقدير يرفع الراس.. 


_ يارب ياسينو..


_ وامتي هتنزلي القاهرة تعملي شقتك؟


_ تاني يوم كتب كتابك.. لو اتأخرت عن كده يزيد هيخطفني منكم اقسم بالله.. 



+




قهقهة عاليا: لا على ايه.. انزلي فورا وانجزي.. 


ثم قرص وجنتها برفق:  انا كمان عايز افرح باختي بسرعة



+




ثم نهض مستأنفا:  اسيبك بقي تنامي.. تصبحي علي خير


_ وانت من اهله ياحبيبي


__________



+




_ كان يوم كويس جدا وأخت خطيبك لذيذة ومتحسيش أبدا انها متعالية، بالعكس كانت عمالة هي وجوري يلاعبوا ياسين اخونا،  خصوصا لما عرفوا انه مش بيتكلم


_ فعلا، رغم اني كنت مش حابة اروح واستجبت لدعوتها عشان ما اكسفهاش.. ولما قالتلي ياسين نزل القاهرة اطمنت شوية.. 


حنين:  عايزة تقوليل انك ماكنتش عايزة تشوفيه


_ لا مش كده، بس حاسة اني متاخدة، كل حاجة جريت بسرعة عايزة استوعب اني بجد اتخطبت له.. 


_ خطوبة بس؟ ده كتب كتابكم هيكون معايا انا وعبده.. يعني لازم تستوعبي الخطوة دي كمان.. 


_ ماهو دي حاجة تاني موتراني وخايفة.. 


_ خايفة. من ابه بس.. هسألك سؤال يابسمة، انتي مرتاحة لياسين؟ واثقة فيه وحاسة بحبه ليكي؟ 


شردت به وتلقائيا تعلقت أناملها بسلساله، فابتسمت حنين وقالت:  اعتفد الإجابة واضحة.. اسمعيني ياحبيبتي ربك كريم وعارف اننا بقينا في الدنيا لوحدينا وبعتلنا اتنين يحبونا ويحافظوا علينا.. ماتستكتريش ياسين عليكي لأنه أكيد لقي فيكي اللي اتمناه.. حاولي تتأقلمي وتستجيبي لمحاولاته هو او اخته انهم يقربوكي منهم.. 



+




تنهدت مع قولها:  بحاول ياحنين بحاول.. ثم نظرت تجاه غرفة الصغير الذي غفي من وقت وهتفت:  نفسي اخونا يرجع لطبيعته تاني، ساعتها فرحتي هتكمل.. ماتتصوريش ازاي قلبي مكسور علشانه وبيتقطع.. 


قالت بذات الحزن والوجع: ربنا قادر يشفيه، أنا مش ببطل دعاء لربنا وعندي احساس انه هيستجيب قريب.. 



+




ساد بينهما الصمت دقائق وهما يحتسون كوبان من الشاي الساخن، حتى صاحت حنين بغتة: 



+




_ بسمة، أنا جاتلي فكرة خطيرة ممكن بيها نقدر نساعد اخونا يتكلم.. من غير دكاترة ولا حاجة


هتفت باهتمام مماثل:  ايه هي ياحنين اتكلمي.. 



+





        


          



                


_ الخاتم بتاع بابا الله يرحمه مش قولنا هيكون لياسين؟


_ بالظبط. 


_احنا هنستغله مع فكرة معينة جت في بالي، أنتي عارفة اني برسم وهاوية تقليد الخطوط صح؟


_ أيوة، ده ايه علاقته؟ 


_ منا هفهمك، وراحت تسرد تفاصيل فكرتها التي راقت كثيرا لبسمة وقالت:  والله مش بطالة.. وحاسة انها ممكن تنفع.. طيب نجربها الصبح بأذن الله..قومي بقي ننام عشان خلاص مش قادرة افتح عيوني.. 


……………



+




في الصباح! 



+




عزمت حنين على تنفيذ فكرتها وأحضرت الصغير ومنحته بسمة خاتم أبيه، فراح يتأمله في كفه بفرحة، لم يكن يعلم أن والده يملك هذا الخاتم الذهبي.. لم يرتديه قط أمامه..



+




بسمة: ده ورثه بابا من والده يعني جدك.. ووصي انه يكون ليك ياحبيبي من بعده. 


حنين: وبابا وماما كمان سابولك حاجة مهمة.. الوصية بتاعته، عارف ايه هي الوصية يا ياسين؟


نظر لها صامتا گ عادته فواصلت بسمة: دي بتكون طلب بيتمناه اللي مات من أهله ولازم ينفذوه وإلا هيفضل زعلان منهم وهو عند ربنا.. 


بدا علي وجهه الاهتمام، فقالت حنين: 


تعالوا بقي نقرأ جواب بابا ونشوف بيقولنا ايه



+




انتبهت حواس الصغير جيدا وهو ينظر للورقة المطوية التي بدأت شقيقته تفردها وتقرأ بصوت واضح وهي تنظر إليه..(( ازيكم ياحبايبي عاملين ايه.. أنا عارف لما تقروا الجواب ده هكون أنا وماما فوق في الجنة مش معاكم.. بس عايزكم تعرفوا إن روحنا بتقدر توصلكم في اي مكان.. بنشوفكم من غير ماتشوفونا.. مرتاحين طول ما انتم بخير.. بسمة وحنين عارف انكم أقوية وهتحافظوا على اخوكم ياسين.. بس بوصيكم وصية.. أول ما تقروا كلامي اقروا كلكم على روحي انا ومامتكم سورة الفاتحة بصوت عالي..وخصوصا ياسين اللي وحشني صوته اوي..ليه مش بسمعه دلوقت وانا في الجنة؟ انا كنت بحبه ومش بزعل من شقاوته أبدا.. حتى ماما لما كانت بتزعقله كان من وري قلبها.. أنا وماما بنحبك أوي يا ياسين.. عايزين نسمع صوتك ياحبيبي، أوعى تزعل وخليك قوي.. يلا اقرأ الفاتحة انت واخواتك.. أقرأ والبنات هيرددو وراك.. لأنك راجلهم دلوقت يا ياسين..وأحنا هنسمع صوتكم في السما))



+




انتهت حنين من قراءة الجواب وصمتت تترقب هي وبسمة رد فعل أخيهم الذي راح ينقل بصره بين الخاتم والجواب ثم نظر لهما وكأنه يطلب منهما العون والتشجيع، فصاحت بسمة وهي تبكي:  يلا ياحبيبي.. اسمع كلام بابا اللي عايز يسمعك هو وماما وهما فوق في الجنة، اقرأ الفاتحة واحنا هنقول وراك. 



+




التقطت حنين سجادة الصلاة وافترشتها أمامه ووضعت المصحف وقالت لتحمسه:  تعالى ياحبيبي اقعد هنا واقرأ براحتك من المصحف ده! 



+




أطاعها بتردد وجلس أمامهما وظل صامتًا ينظر للحروف وصوت أبيه يحدث عقله كما كان يفعل دائما ( سينو حبيب بابا) ثم بدأت شفتيه تتحرك ببطء دون صوت يذكر حتى بدأ يعلو تدريجيا بتلعثم وتخبط والكلمات القرآنية تتراقص على لسان الصغير تعطيه قوة غريبة كأن يدا تربت عليه.. واستطاع أخير يقرأ دون تلعثم والسورة قاربت على نهايتها..  " أهدنا الصراط المستقيم.. صراط اللذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.. آمين".. صدقوا خلفه وهرولت الفتاتين يعانقوه باكين لا يصدقون انهما سمعا صوته أخيرا.. الصغير استجاب لأبيه.. استمد من روحه قوة.. ومن القرآن عزيمة.. لم يكن ياسين يحتاج طبيبا.. كان يحتاج والديه.. وها هما عادوا إليه بين حروف الرسالة المزعومة.. كما عاد والده في خاتمه الذي قبض عليه الصغير بكفه يخبئه بين راحته.. گ ذكرى غالية ستصاحبه عمرا.. 


______________



+





        


          



                


أيام مضت منذ حديثه مع هذا الرجل عند ضفة النيل، تغير حاله بشكل قطعي، تسربت إليه خيوط من الأمل وقبس أضاء ظلمة روحه، وهاتف خفي يحفزه على التوبة، كأن شخص أخر داخله يدعمه ويؤنسه وحدته.. يطمئنه أن الفرصة مازالت معه.. يجادله في منطقه القانط ويغير أفكاره الخاطئة..ينزح عنه أطنان من البؤس والسواد غلفته طيلة الفترة السابقة.. كلما اعتكف بين صلاته وتلاوة القرآن شعر گأن جبالًا من الهموم تتساقط عنه، روحه تحلق في تلك الطاقة الإيمانية الجديدة عليه.. الجروح ما عادت تنزف وإن ظلت بعض الخدوش تذكره بماضيه.. لكنه الآن أصبح قويًا..يعافر ليتطهر من دنسه..كل شيء سيسقط عنه ذنوبه سيفعله.. نظر أمامه شاردا.. كيف غفل عن هذا الكنز المختبئ بمصحف والدته وسجادة صلاتها؟..كيف هاب وابتعد عن أول شيء كان يجيب الاقتراب منه، الشيطان خدعه أن لا مكان له بين جدران محرابها الطاهر.. الشيطان ضلله وكان له صيدا شديد السذاجة.. لكن رحمة الله دائما حاضرة.. أرسل له رجلا لا يعرفه ليصفعه بفداحة ما كاد أن يفعل، دفعه ليصطدم بباب التوبة بدلا من محاولة انتحار لم تكن تورثه سوى وصمة الموت كفرًا.. الندم هو أول طريق التوبة، وهاهو يأكله ندمه على ما مضى، يريد التكفير عن ما اقترفه..لن يمل طلب السماح وسيصلح أمره مع من تبقي له.. تيماء او رودي لا يهم.. بكل الأحوال هي قدره ولن يتخلى عنها ويتركها ليأسها.. لن يترك ابنته لمصير مجهول.. ما خسره فيما مضى سيعوضه معها.. باب التوبة مشرع لهما ولن يبرحاه حتى ينالا صك الغفران من رب العالمين.. 



+




انهى صلاته وقرأ ورده بتدبر وعيناه تدمع بتأثر ثم اعتلى فراشه لينال قسطا من النوم استعداد لتنفيذ ما انتوى عليه في الصباح..لم يعلم أن الغد سيفاجئه بما لم يتوقعه..


وحتما لم يتمناه!  


_____________



+




تستند على حافة نافذة الردهة شاردة بما آل إليه حالها البائس..الأيام تتوالى وأملها يخفت بريقه.. لم يتبقى لها شيء تتمسك به ورائد يجزرها جزرا من حياته گ نبتة فاسدة..في كل لحظة تتوقع ورقة طلاق يوثق بها نهاية حياتهما معًا..تخلى عنها وما عاد يُحبُها وهي التي لم تحب مثله..نعم أخطأت حين حقدت على رفيقتها وحاولت تدميرها بأبشع طريقة، نعم أخطاءت وأجرمت حين أجبرته بالخداع أن يظل مريضا ضائعا..وقبل كل هذا أخطأت حين سلمته نفسها گ غانية رخيصة معتقدة انها بهذا التنازل تكسب قلبه.. لكنها خسرت، خسرت كرامتها مع أول نقطة دم أريقت منها.. فقدت كل شيء.. لم تعد لها قيمة أو أهمية.. لم تعد تصلح لشيء..هي أبنة عاصية وشقيقة قاسية وزوجة سيئة وبالطبع لن تكون أما صالحة.. 



+




_ أبلة رودي..رحمة بتعيط وعايزاكي.. 



+




التفتت تنظر لشقيقتها الصغرى ثم ارتعش قلبها وهي ترى صغيرتها تبكي وتناديها بنظرتها الراجية لتأخذها..كم تتحصر على مصيرها الذي يشبهها.. ستعيش هي الأخرى مآساة انفصال أبوبها.. ستعاني مثلها.. ستتعذب مثلها..ستكون نسخة أخرى من منها وتصبح تيماء جديدة.. لا.. لن تكون.. ربما هناك حلا يعصمها من هذا المصير وتلك اللعنة.. حل تدركه ولا مفر من فعله..



+





        


          



                


_ أبلة رودي رحمة مش عايزة تسكت وعايزاكي.. 



+




_ سكتيها انتي يا ضي.. 


الصغيرة متعجبة:  أنا؟ ليه ما حضرتك موجودة، لو شيلتها هتسكت وتنام علي طول.. 



+




لمعت عيناها ودموعها الثقيلة لا تسقط من بين جفنيها وكتفت ذراعيها مقاومة الاندفاع إليها وضمها وقالت بنبرة غريبة: حاولي تسكتيها انتي.. وخديها تنام في أوضتك يا "ضي".. انتي بتحبيها ولازم تعرفي تسكتيها.. 



+




رمقتها شقيقتها بنظرة أخرى أكثر حيرة، لما تقوم هي بتهدئتها دونها؟ وازدادت دهشة وهي ترى رودي تبتعد عنها متجاهلة بكاء طفلتها تماما..لما لم تأخذها؟ صدح بكاء رحمة أكثر وهي تري والدتها تبتعد عنها.. يدها الصغيرة تمتد كأنها تريد أن توقفا.. لكنها لم تقف.. لم تلتفت واستأنفت سيرها وصعدت لغرفتها وقلبها يتفتت ويتمزق ألما وبكاء الصغيرة يصب الجمر في روحها..هي لن تكون سوى لعنتها كما كانت مع الجميع..ويجب ان تخلصها من تلك اللعنة وتقدم قربان كي تنجو طفلتها


والقربان لن يكون سواها..! 


______________



+




رنين الهاتف يتسرب لمداركه..حرك رأسه يمين يسار وحاول تجاهله لكنه استمر حتى اضطر ان يعتدل ويرد ومازل وعيه غائب: 


_ ألو.. مين؟


_ رائد.. 


انتبه لصوتها فقال: تيماا؟ 


_ أيوة تيماء.. لعنة كل اللي حواليها.. تيماء اللي أذت صاحبتها وخانت ثقتها وسلمتها ليك انت واصحابك عشان تحطموها.. تيماء اللي حقدها خلاها تدمر اللي حواليها.. تيماء اللي عمرها ما كانت بارة بأهلها..بلقيس كان عندها حق.. انا اتوفرلي حاجات كتير وكنت ممكن اكون انسانة كويسة.. بس انا شري كان اكتر واخترت ادمر واحقد..



+




حديثها أثار في قلبه الريبة والخوف من القادم.. لما تذكر كل هذا.. وصوتها بدا غريب كأنها… ؟



+




جائه اشعار باستقبال مكالمتها فيديو


رآها شاحبة الوجه.. ضاقت عينيه وحاول تبين محيطها ليحدد اين هي، لكنه لم يدرك مكانها.. فواصلت حديثها الغريب كأنها تودعه.. بينما بدأ الخوف لما هو قادم يتملكه: 



+




_رائد.. أنا صحيح شيطانة، بس حبيبتك.. 


حبيتك اكتر من نفسي..يمكن حبيتك غلط.. بس في النهاية كان حب.. أرجوك بعد ما اموت ماتاخدش بنتنا بذنبي.. انت كرهتني.. بس ماتكرهش بنتك.. ربيها كويس وعوضها.. خليها تطلع أحسن مني ومنك.. قولها اني كنت بحبها.. قولها اني كنت أم طيبة.. ارسملها صورة حلوة تفتكرني بيها.. اوعي تكرهها فيا.. ده اخر طلب هطلبه منك… 



+




صرخ عليها:  تيماااء.. انتي فين وبتتكلمي كده ليه 


_ انا في الجحيم يا رائد..


في الجحيم اللي استحقه..


يمكن لما أحرق نفسي قدامك وابقي رماد..


ترجع تحبني من تاني


تحب رودي


وتغفر لتيماء



+




هدر بنبرة راجية:  تيماء عشان خاطري قوليلي انتي فين بالظبط.. اوعي تتغابي وتأذي نفسك عشان خاطري وخاطر رحمة بنتنا.. حرام عليكي اللي هتعمليه..بلاش تموتي كافرة.. 



+




لكنها لم تنصت له وهي تنثر حولها سائل كريه الرائحة لم يكن يصعب عليه تخمين كنهه، فصاح منهارًا ويكاد يبكي:  تيماء ابوس ايدك بلاش.. خلينا نحاول تاني.. اوعدك ارجعلك وابدأ معاكي من جديد بس بلاش تسيبيني وتموتي كافرة.. بنتك محتاجالك وأنا.. 


فات الآوان


أشعلت عود الثقاب أمامه


ورمقته بنظرة وداع أخيرة


نظرة فاقدة للحياة


ثم ارتخت أناملها وتركت عود الثقاب ليسقط أرضا


وبلمحة شبت  النيران حولها وبها


اللهيب يتراقص بجسدها گ شاة تُسلخ..


تصرخ متلظية بجحيم 


هي من صنعته لنفسها وبكامل رغبتها


احترقت ونفذ الأمر..! 



+




امتزج صراخها بصراخه


دموعها ودموعه


تطالعه برعب..


بألم..


لا شك أن للموت هيبة


والاحتراق جحيم لا يُحتمل 


حتى لو أقدمنا عليه طواعيةً


ظل يصرخ عليها بلوعة وعجز


ليته سامحها وعاد إليها..


ليته ما تركها ليأكلها اليأس..


ليته مد لها يد العون


ليته كان جوارها وأنقذها..


كيف سيعيش بهذا الذنب؟


والأهم كيف سيتحمل خسارتها؟


الآن..


الآن فقط ادرك مشاعره


وأدرك انه يحبها 


رغم كل شيء فعلته


رغم تاريخهما الأسود


خسارتها هي ندبته الغائرة التي لن تطيب ابدا


لن تطيب!! 


______________

تكملة الرواية من هناااااااا 


تعليقات

التنقل السريع