رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل السابع والستون والثامن والستون الأخير والخاتمه بقلم دفنا عمر
رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل السابع والستون والثامن والستون الأخير والخاتمه بقلم دفنا عمر
رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل السابع والستون 67 بقلم دفنا عمر
الخاتمة "الجزء التاني"
__________
+
_ بابا.. مش هتسرح شعري؟ الباص قرب يجي.
+
جذبها ظافر وهو يستقبل صباحها بقبلة حانية ثم شرع گ عادته يصفف شعر صغيرته، لتصيح بعدها بانبهار: الله، حلوة أوي الضفيرة دي يا بابا..شكرا.
_العفو، اتعلمتها عشان خاطرك يا روح بابا..يلا بقي سيبني اجهز عشان شغلي.
+
ذهبت لوالدتها التي تدثر شقيقها بملابسه بعد استحمامه: مامتي ممكن تصوريني بالضفيرة دي.
فعلت بعد أن نالت عناق دافيء من الصغيرة التي هتفت: هروح اوريها لتيتة.
+
_ ياعيني علينا ولا حد معبرنا، كل فين وفين على ما بتعملي صفيرة زي بنتك.
+
رمقها عبر المرآة ثم غمزها مع قوله العابس: ضفيرتك بتكون أحلى بالليل.
ضحكت له: ماشي كل بعقلي حلاوة..ثم حدثت صغيرها: يلا يا مصطفى صبح على بابا خليه يشوفك وانت جميل كده ويسرحلك شعرك انت كمان.
دني من طفله وحمله ولثم خده الشهي قائلا: صباح السكر يا حبيبي..هات بوسة لبابا.
قبله الصغير وقال: سرحني زي لاري أختي.
_ من عيوني.. وراح برفق يمشط شعر طفله الغزير الناعم حتى انتهى: كده بقيت عسل، روح صبح على تيتة هدى زي اختك ووريها انت ازاي أمور وريحتك حلوة.
هرول طفلهما ليستدير إليها رافعا إحدى حاجبيه:
الأستاذة كانت بتقول ايه؟
_ أستاذة ايه بقى ما راح زمنا خلاص، كفاية عليك بنتك ودلوعتك يا شيف.
حدجها مليا بحب: بتغيري من بنتك يا ملكة؟
مطت شفتيها بتهكم واستدارت تمشط شعرها الطويل أمام المرآة: حتى كلمة ملكة بقيت مش ليا.. مش بقولك راحت علينا يا شيف.
ابتسم وعيناه تغوص بليل شعرها الأسود الطويل وهي تمشطه بتأني مهلك أغرى أنامله للمسه، فتحرك خلفها ليسحب منها المشط وهو يمشطها بحنان قبل أن يهمس لأذنيها: بعد كده ابقي عاتبيني بالليل لأن عشان اصالحك دلوقت هتأخر على شغلي.
+
فهقهت وهي تدفعه بعيدا عنها وشمسيها تلمع بشغب محبب: بصراحة أنا قاصدة أجننك عشان تحرم تهملني تاني، خليك بقا علي نارك لحد ما ترجع بالليل..عن أذنك عشان استعد لشغلي انا كمان ياشيف.
+
ابتعدت خطوة لترتد رغما عنها لصدره ثانيا وهو يحوط خصرها بتملك وعيناه تبرق بتحدي: فاكرة انك بتعجزيني عشان عارفة ان عندي تصوير؟ شكلك لسه متعرفنيش..ثم بدأ يحل أذرار قميصه لتراقبه بريبة مع هتافها: ظافر بتعمل ايه يامجنون؟ بجد عندي اجتماع مهم بعد ساعتين ولازم انزل.. وانت كمان عندك تصوير و..
+
لم تجد الفرصة لتكمل اعتراضها وهو يغتال الحروف من بين شفتيها ثم همس بالقرب من وجهها: أنتي اللي اتحدتيني وجريتي شَكَلي، اتحملي.
_________
+
لاحظت تجهمه وهما يغادران مبنى الإعلام حيث انتهى بث حلقته المباشرة، استقلت معه السيارة صامتة عازمة ان تسأله عن سبب عبوسه قبل أن يقاطعها رنين هاتفه.
+
ابتسمت بلقيس عند سماع صوت لؤي عبر مكبر الهاتف، كم تعشق هذا الصغير، طفل إيلاف المشاكس. "طب سلم على خالو الأول يا لؤي" قالها ظافر وهو. يبتسم لصوته والصغير يهتف ( أزيك يا خالو وحشتني.. انت في العربية؟ سامع زحمة حواليك) ابتسم لذكائه وقال ( أيوة يا لمض سايق ومعايا طنط بلقيس، سلم عليها يلا..( ازيك يا طنط بلي وحشتيني خالص)
_ انت اللي وحشتني ياعسل انت، عامل ايه انت واختك دينا وماما وبابا؟
_ كويسين بس ماما بتتعصب عليا كتير اوي.
_ أكيد بتتشاقى يا لؤي.
_ مش أنا طفل يا طنط ولازم العب زي الأطفال؟
+
ضحكت لرده بينما ابتسم ظافر:
طب قول يا لمض زعلان مني ليه؟
+
_ عشان قولتلك عايز اطلع معاك في البرنامج أنا ولاري ونعمل أكل.. ومش طلعتنا ولا مرة.
_ معلش حقك عليا، عيد ميلاد لاري الشهر الجاي هطلعكم في حلقة معايا مع ولاد عمو عامر وعمو يزيد، مبسوط يابرنس؟
+
هلل الصغير بما ظفر من وعد: هييييه مبسوط أوي أوي ياخالو.. بس لو نسيت هخاصمك أيام كتير أوي.
_ وانا مقدرش علي خصام حبيب خالو، قولي بقى ماما وبابا فين؟
_ بابا في الشغل وماما في أوضتها تعبانة عشان النونو.
عقد ظافر حاجبيه ونظر لبلقيس التي تعجبت مثله: نونو؟
أكد الصغير لهما بثرثرة عفوية: أيوة النونو اللي في بطن ماما يا خالو..حتى أنا قلت لبابا نفتح بطنها ونعرف النونو ولد ولا بنت بس زعقلي وقالي ماما تتعب..مع أن الدكتور فتح بطنها وطلع اختي دينا وقفلها تاني وماما كويسة اهي.
+
تجاهل حديث الصغير والقلق نهشه لأجل شقيقته، لما لم تخبرهم بحملها إلى الآن؟
_طب هات ماما أكلمها يا لؤي.
_ حاضر ياخالو.
+
_ ازيك يا آبيه، وحشتني انت وبلي اوي.
_ ازيك يا حبيبتي عاملة ايه انتي ومحمود؟
_ الحمد لله بخير.
صمت برهة قبل أن يهتف: إيلاف، هو انتي حامل زي مابيقول ابنك؟
+
نظرت بذهول للصغير ثم رمقته بحنق وهي تتوعده بإشارة صامتة ومحذرة من يدها وقالت: أيوة يا آبيه.
_ وليه مش عرفتينا؟
_ والله كنت منتظرة أفاجئكم اما نتجمع أخر الأسبوع، بس اعمل ايه في راديو توشيبا اللي انا مخلفاها ده.. مع إن محمود حذره يتكلم في حاجة مالوش فيها.. أهو بوظ المفاجئة بتاعتنا.
+
ضحكت بلقيس: ولا يهمك ياقلبي وألف مبروك يا لولو، بس أعترض على تسمية لؤي براديو.. ده قناة عالمية مستقلة بذاتها يا ماما.
قهقهت لها: الله يبارك فيكي يا بلي، والله ده مجنني انا وابوه يابلقيس، لمض بشكل مش طبيعي.. ومحمود كل شوية يقوله مهند ماكانش بيتكلم زيه كده.. ومش قادرة اقولك رغم لماضته دي واكل عقل جدو محمد وجدته عبير ازاي.. في مكالمة يومية كده بينهم مع لؤي لازم تحصل.. ممكن مش يكلموني انا ومحمود بس الأوزعة ده بيعطوه قيمة كبيرة.
+
ظافر: ونسيتي جدته هدى، دي بتستني زيارتكم اخر الأسبوع بفارغ الصبر، وعلى فكرة انتي مش عارفة قيمة لؤي خالص.. ده أحلى حاجة انتي ومحمود عملتوها في حياتكم لحد دلوقت.
+
صاحت وهي تستغل الموقف لتُسمع صغيرها: لا بس انت أكيد زعلان من لؤي ياخالو عشان مش بيسمع كلام بابا وماما صح؟
فطن ظافر لهدفها وقال: أه طبعا وكده مش هطلعه في البرنامج مع بنتي.
_ سامع خالك بيقول ايه يا لؤي؟
التقط منها الهاتف سريعا: خلاص ياخالو مش هزعلهم تاني بس طلعني معاك عشان أصحابي يشوفوني.
أخبره مبتسما: خلاص ياحبيبي أوعدك.
ثم حدث شقيقته: إيلاف انتي كويسة وروحتي تتابعي الحمل ولا لسه؟
_ أنا عرفت الحمل من قريب وباخد فيتاميناتي المعتادة زي كل مرة.
بلقيس: لا يا إيلي لازم تتابعي، هعدي عليكي بكره ونروح سوا للدكتور.
_ لأ استني اما اعرف ماما وافرحها في زيارتنا أخر الأسبوع ونبقي نروح كلنا يومها.
_ ماشي حبيبتي.. وربنا يقومك بالسلامة.
_ تسلمي يابلي.. بوسيلي لاري و مصطفى حبايب عمتو.
_ حاضر من عنية.
+
وقف بسيارته أمام الفيلا وقال: اسبقيني يابلقيس هركن العربية واجي.
.......
_ ماما، لاري ضربتني.
+
هكذا استقبلها صغيرها بشكواه..(صحيح يا لارين، ضربتي اخوكي؟) نفت الصغيرة التهمة عنها بثبات: والله ما ضربته يا ماما انا كنت في الجنينة بدربه معايا علي الجودو، فوقع على الأرض وافتكرني قصدت اوقعه..مش عايز يصدقني ومصمم اني ضربته.
+
_ لاري مش بتكدب.
+
دعمها أبيها وهو يلج من خلفهم فأسرعت تقفز اليه: قولهم يا بابا اني مش بكدب.
_ عارف ياحبيبتي
_ لما اكبر هضربك.
+
بحنق طفولي قالها شقيقها ليجذبه ظافر بانزعاج حقيقي: كده يامصطفى عايز تضرب أختك حبيبتك اللي بتحبك؟ ده المفروض تقول لما اكبر هحميها.
تمتم بعناد: ما هي بتضربني عشان انا صغير يا بابا.
_ لأ انت اللي فاهم غلط، لارين بتحبك وكانت بتدرب معاك مش أكتر.
صاحت الصغيرة: والله ده اللي حصل يا بابا، خلاص يامصطفى مش هتدرب معاك تاني ولا العب كمان.
أزعج الصغير قرارها وظنها تغيظه فازداد غضبه: ولا انا هلعب معاكي..هلعب مع ماما وبابا تيتة بس.
+
وهرول بعيدا عنهم ليجثو ظافر علي قدميه محدثا طفلته بعتاب: لارين، أخوكي صغير لازم تاخدي بالك منه ومش تزعليه..ولو مش هتلعبي معاه مين يلاعبه؟ انا كده زعلان منك.
_ يا بابا ده بيعيط من أقل حاجة وانا زهقت.
_ معلش هو صغير وانتي الكبيرة، روحي يلا صالحيه لو مش عايزاني ازعل أنا وماما منك.
_ حاضر يا بابا (ثم تذكرت شيء جعلها تتحمس بقولها) نسيت اقولك عملت انا ومصطفى وتيتة حاجات جميلة "بالسلايم" هروح اجيبها عشان تشوفها انت وماما.
بلقيس: بس صالحي اخوكي الأول زي ما قالك بابا يا لاري.
_ حاضر يا ماما.
________
+
"ظافر، ممكن اعرف ايه اللي مضايقك؟"
+
غمغم وهو يخلع عنه قميصه: مفيش يابلقيس.
_ لأ في، من وقت ما طلعنا من القناة وانت مضايق، في ايه زعلك طيب؟
غمغم باقتضاب: ولا حاجة.
_ ازاي أكيد في سبب؟
_ ما قلت مفيش حاجة.
قالها بحدة أجفلتها واغرورقت عيناها ليزفر هو بحنق من نفسه ويعلم ان لا ذنب لها فيما يضايقه..أمسك كفها ولثمه ثم عانقها ليراضيها هامسا( سيبيني دلوقت يابلقيس بعدين هكلمك) سكنت على كتفه بشرود فلن تهدأ قبل أن تعلم سبب ضيقه، وستعلم حين يكون مستعدا للحديث.
+
(بابا..ماما، تعالوا شوفوا عملنا ايه بعجينة "السلايم" الصحي اللي تيتة عملتها ليا أنا واخويا)
+
اقتحموا الصغار الغرفة گ العاصفة متحمسين لاستعراض ما صنعوه..
_وريني ياحبيبة بابا عملتوا ايه.
جذبتهما بحماس لغرفتهما حيث طاولة جانبية يعلوها مجسمات صغيرة صنعتها للأسد وأميرة سنوايت وبعض أشكال الفاكهة، ليهتف ظافر بفخر حقيقي: الله يا لارين، الاشكال اللي عملتيها تحفة كأنها حقيقية بالذات الفواكهة عرفتي تتقنيها برافو يا قلبي.
+
بلقيس بإعجاب مماثل: ما شاء الله، بنتي طالعة فنانة لأبوها.. هاتي حضن كبير لماما بسرعة.
ضحكت الصغيرة بحصد إعجاب أبويها عما صنعته لتواصل بلقيس مع صغيرها: فين اللي عملته يا قلب ماما؟
+
أسرعت لارين تجيب عنه: مصطفى وتيتة عملو سوا السمكة والديك يا ماما.. بس انا ساعدت تيتة شوية في الديك.
_ لأ أنا اللي عملتهم انا وتيتة بس.
_ مصطفى بلاش تكدب، انا ساعدتكم.
دب قدميه في الأرض بتذمر: لأ تيتة بس.
تدخل بينهما ظافر: وبعدين انت هي هتتخانقوا تاني؟ انتو الاتنين شغلكم عجبني وهصوره وانزله على الصفحة بتاعتي عشان الناس تشوف شطارة ولادي الحلوين.
+
قفزوا يعانقوه فرحا بهذا الوعد ولارين تصيح: الأشكال بتاعتي هتجيب لايكات كتير.
مصطفي مقلدا إياها: وأنا كمان.
+
همت لارين بإغاظته لولا أن رمقها ظافر محذرا، لتتراجع قائلة وهي تجز على أسنانها: وانت كمان يامصطفى ارتحت؟ وحدثت أبيها: أنا هطلع شيف زيك يا بابا.
ليخالفها مصطفى تلك المرة: أنا بقى هشتغل زي ماما وجدو في الشركة الكبيرة بتاعتها.. صح يا ماما؟
برقت عين بلقيس بحنان: إن شاء الله ياروح ماما.
يلا انزلوا تحت عند تيتة عشان الغدا .
لارين: ماشي، يلا يا مصطفى.
+
عادت تنظر إليه لتستدر منه سبب ضيقه، فقطع السبيل عليها مع قوله: بلقيس أنزلي للولاد وانا هاخد شاور واحصلكم.
رمقته برهة مغمغمة: مافيش أمل تقولي مالك؟
_ بعدين.
أومأت برضوخ كي لا تغضبه وغادرته لكن حتما ستجرب معه في وقت أخر.
___________
+
"من فضلك، ده بيوتي سنتر " ملكة المنصورة " للعرائس المحجبات"
+
رفعت رودي عيناها عن شاشة الحاسوب للزائرة تجيبها بابتسامة: أيوة هو حضرتك..أي خدمة؟
+
الفتاة زافرة براحة: أوف، أخيرا وصلت، الحقيقة انا جيت على وصف صديقة ليا وخوفت أكون توهت في الطريق.
دعتها للجلوس: طب خدي نفسك الأول وحمد الله على السلامة، احنا والبيوتي كله تحت أمرك.
_ تسلمي، أنا سمعت كتير عن شغلكم الكامل مع العرايس وأسعاركم المناسبة وحبيت احجز معاد أول الشهر الجاي.
_ مفيش مشكلة، قولي التاريخ عشان اشوف اليوم ده اذا كان فى عروسة معاكي.
أخبرتها فتفقدت رودي زبائن ذاك اليوم لتهتف: في عروستين بس معاكي، بإذن الله هتطلعي من هنا عريسك مش هيعرفك.
ابتسمت الفتاة: أيوة الله يخليكي ظبطوني عايزاه يدوخ لما يشوفني..
ضحكت ضحكة قصيرة: هيحصل.
+
_يبقي اتفقنا وده عربون للحجز، امتى هتحتاجيني؟
_احنا بنبدأ قبلها بحوالي عشر أيام برنامج للعناية الكاملة بالجسم والبشرة، كلميني وهنظبط كل حاجة مع بعض.
+
ودعت الزائرة واكتفت بهذا القدر من متابعة العمل في المركز وراحت تتفقد بيتها الذي لا يبتعد قليلا عنها.
____________
+
في المساء
+
_ واحدة طالبة تقابل حضرتك يا رودي هانم.
+
استأذنت البقية وتوجهت حيث تنتظر الفتاة لتهتف رودي متعجبة: شاهندا؟ انتي لسه مرجعتيش بيتك لدلوقت؟ افتكرتك مشيتي من بدري.
+
غمغمت الفتاة والخجل محفور فوق محياها:
في زبونة جت قبل ما نقفل عشان تتفق وتحجز عندنا..خلصت معاها وبعدين قفلت البيوتي و…
+
بعين ثاقبة رصدت بوضوح توترها وترددها بالحديث ( عايزة تقولي حاجة يا شاهندة؟)
+
رفعت الأخيرة وجهها بعين دامعة وقالت بلعثمة:
أنا.. أنا بصراحة.. يعني.
_ اتكلمي ومتخافيش.
رمقتها بخزي وهتفت أخيرا: عايزة اسيب الشغل يا مدام رودي..لم يبدو علي الأخيرة الدهشة كأنها توقعت نفس الأمر، لتستطرد الفتاة: بس قبل ما اسيبه بشكرك من قلبي إنك سترتيني قصاد زمايلي وسمحتيلي استمر في الشغل عندك بعد ما اللي عملته.. أنا كل اما اشوف سماحتك معايا استحقر نفسي أوي لاني خونت الأمانة..واحدة غيرك كانت طردتني بفضيحة بعد ما ..
+
ومع أخر قولها انفجر شلال الدموع من مقلتيها فدنت رودي تربت علي كتفها: خلصتي كلامك اهدي بقا وكفاية عبط.. الموضوع ده اتقفل خلاص ومش هنتكلم فيه تاني.
+
غمغمت باكية: لا يا مدام متقفلش جوايا، أنا كل اما اشوف طيبتك ضميري يجلدني أكتر.. كان فين عقلي لما مديت ايدي علي فلوسكم..خونت ثقتك انتي والست ميرا اللي عيونها مليانة لوم ومش بقيت تطمن ليا زي الأول ومعاها ألف حق.. أنا بالنسبة ليها مجرد بنت حرامية.. عشان كده انا قررت اروح لحال سبيلي وربنا يسامحني ويفتحلي باب رزق تاني اصرف منه على أمي وأهلي.
+
شملتها تيماء بنظرة عميقة وهي لا تري بها سوى شبيهة لها..ألم تكن يوما مثلها خائنة للأمانة؟ لكن شتان بينهما، إن كانت يد هذه الفتاة امتدت لتسرق بضع نقود هي كادت تسلب صديقتها شرف وحياة بأكملها..ألا تتمنى يومًا أن تحظى بهذا العفو من بلقيس؟ فلا يؤرق نومتها غير هذا الخاطر أن هناك من لم يمنحها سماحه بعد..ماذا تقول لربها حين تلقاه إن ظل الذنب عالق برقبتها گحبل غليظ يدميها.. بهذا الدافع فقط منحت الفتاة عفوها.. لعل الله يؤجرها عليه وتحصد مثيله ذات يوم..لا عيب لو طمعت برفق ربها.. لا عيب.
+
ملأت صدرها بقدر كافي من الهواء وقالت:
_ أسمعي يا شاهندا اللي هقوله لأني مش هعيده تاني، اللي حصل أنا نسيته خلاص لأنك كنتي مجبرة بسبب مرض والدتك، وانتي من دلوقت في اختبار جديد للثقة يانجحتي فيه يا فشلتي..أما ميرا مع الوقت هترجع تطمن ليكي تاني لما تثبتي ليها العكس.. واللي سرقتيه هترجعي تكسبي أكتر منه بالحلال.. وطلبي الأخير منك لو احتاجتي أي مساعدة مادية تعالي كلميني..صدقيني مش هتلاقي في الحرام بركة ولا توفيق..بالعكس ربنا هيسلط عليكي ضميرك من غير رحمة.. ويا ويل اللي ضميروا يكون جلاده يا شاهندة.
+
بكت الفتاة ناكسة رأسها ثم التقطت بغتة كف سيدتها تقبله تعبيرا عن شكرها لتسحب رودي يدها سريعا مع نهرها: وبعدين معاكي قولنا خلاص انتهينا، يلا ارجعي بيتك الوقت اتأخر، ولما توصلي ابعتي رسالة تطمني، خدي بالك علي نفسك يا شاهندة.
________
+
_مش عاجبني تصرفك مع البنت دي يا رودي.
+
التفتت علي صوت ميرا خلفها وبدا جليًا أنها تابعت حديثهما من بعيد، لتردف بهدوء: طب تعالي نتمشي في الجنينة برة ونتكلم.
+
_ ازاي نأمن ليها تاني بعد ما كانت بتسرق كل يوم جزء من إيراد البيوتي واحنا في غفلة؟
_ تفتكري ياميرا لو البنت دي مش محتاجة كانت سرقت؟
_ وده مبرر لسرقتها؟ لو محتاجة كانت طلبت سلفة ولا مساعدة مننا.. أحنا مش بنتأخر عن حد من البنات اللي شغالين معانا وانتي عارفة كده.. كل البنات بياخدوا حقهم وزيادة كمان..يبقي ليه الغدر؟
+
حادت بعيناها وقالت: ميرا انتي بتثقي فيا ولا لأ؟
_ أكيد طبعا ياحبيبتي بس.
_ يبقى خلاص خلينا نديها فرصة وحاولي تعطيها ثقتك من جديد يمكن ده اللي يغيرها، لكن في نفس الوقت هتكون تحت عيوننا، ولو لا سمح الله رجعت تخون تاني أنا وقتها هعرف اتصرف..
+
صمتت ميرا تفكر مليا قبل أن تهتف بإذعان: ماشي يا رودي عشان خاطرك هحاول، واتمنى مش تخذلنا..
ابتسمت لها وأخذت نفس عميق وهي تطلع للسماء الصافية وحفيف الأشجار يداعب أذنيهما قبل تهمس ميرا:
تعرفي انك اتغيرتي كتير عن ما كنتي في سويسرا يا رودي؟..ظلت الأخيرة علي صمتها المتعمق في الأفق والأخرى تستطرد: بقيتي اهدى ومش متحفظة في علاقتك بالناس زي الاول..
+
غمغمت ومازالت شاخصة: كان لازم اتغير وإلا مبقاش اتعلمت الدرس.
عقدت الأخرى حاجباها بما وشى بدهشتها: درس؟! تقصدي ايه؟
استدارت لها بكلتيها وقالت: درس إني اسامح الناس عشان الاقي اللي يسامحني يا ميرا.
_ يسامحك على ايه؟
تنهدت مع قولها: على أي حاجة اكون أذيت بيها غيري..هو حد فينا معصوم؟
أومأت لها: عندك حق، أكيد محدش معصوم غير ربنا سبحانه وتعالى، عموما يا ستي انا هسمع كلامك .
وواصلت بنبرة طغى عليها الفخر: تعرفي يا رودي مفيش أحلى من التغير الجذري اللي حصل لحياتنا بعد المشروع ده..كنا حاسيين بالفراغ ومفيش انجاز حقيقي عملناه غير خلفة الولاد وتربيتهم.
_ البركة فيكي ياميرا، بيوتي المحجبات كان فكرتك.
_ أيوة بس لولا الفيلا بتاعة والدك مكناش عرفنا ننفذه بالسرعة دي.. أيهم ورائد حطوا كل فلوسهم في تأسيس شركتهم بتاعة الاستيراد والتصدير..وانا قدرت بالقرشين اللي معايا من شغلي اشاركك بنسبة كويسة.
+
_ الفيلا كانت مركونة من غير فايدة وقلت اسيبها ورث لولادي وخلاص، بس المشروع ده كسر روتين حياتنا وكمان بقي لينا ربح خاص بينا بعيد عن رائد وأيهم وحققنا كياننا.. وأهو كله لولادنا بعدنا.
+
_ الحمد لله ربنا يزيد ويبارك، جوزي بيقولي الشركة ابتديت تاخدوا صيت كويس في السوق والحال ماشي.. والله ياريتنا رجعنا من غربتنا من زمان.
_ كله بأوانه.
_ صحيح هتعملي عيد ميلاد فهد عند مامتك؟
_ أيوة انتي عارفة هو وابن غدير الأول وبنت حازم الأخيرة اتولدو في نفس الشهر، وماما نفسها تحتفل بيهم كلهم عندها السنادي، ورائد موافق وجوز اختي برضو وافق.
+
_ ربنا يبارك لكم فيها، طب عندي اقتراح حلو مادام ده عيد ميلاد جماعي، ايه رأيك نعمل أوردر التورتة والجاتوهات ولوازم العيد ميلاد من مطعم الشيف ظافر الشباسي؟ أسعاره معقولة جدا وبيعمل قوالب مش تقليدية، ويقدر كمان ينفذ اي شكل احنا نختاره..ده عمل الاسبوع اللي فات افكار رهيبة و……
+
مجرد ذكر أسمه جعلها ترتجف وهيج ذكرايات قاسية ومشينة.. لم تنسى ذاك الليث وهو يثب لينقذ أنثاه حين تم أختطافهما في سويسرا..مازالت ملامحه عن قرب محفورة بجدار عقلها..تُرى كيف كان مصيرها هي ورائد لو علم بأمرهما حينها؟ الخاطر ذاته يصيبها بالرعب والحزن معا..هل تتأمل يوما منهما غفران؟ الأمنية تبدو لها مستحيلة لولا تشبثها برحمة الله وقدرته..
+
_ رودي..رودي سرحتي في ايه يا بنتي، بقولك ايه رأيك في اقتراحي؟
+
تجرعت ريقها لتذيب توترها قائلة: مش موافقة.
_ ليه؟ ده شغله رائع.. أنا كنت هعملك الأوردر بنفسي لأن لازم حجز و…
+
_ قلت مش موافقة ياميرا.
+
جاء صياحها معبأ بخوفها الدفين الذي بدا مبالغ به فغمغمت الأخيرة باعتذار ورودي تسرع بترميم الموقف:
أسفة يا ميرا مش قصدي اتعصب والله بس أنا….
بحثت عن شيء تقوله لم تجد..
_ خلاص يا رودي حصل خير، مجرد فكرة عرضتها عليكي يمكن تفرق معاكي..هسيبك بقى واروح للولاد، تصبحي على خير.
+
ها هي افسدت أجواء الجلسة وضايقت من أضحت لها أخت وصديقة غالية..ستصلح الأمر فيما بعد، لن تترك شيء ينقص من مكاسبها، وميرا أهم هذه المكاسب، هي حقا تحبها مثلما تحب ضي وغدير.
+
_ماما بطني وجعاني.
+
التفتت سريعا لصغيرتها الوسطى "دانة": سلامتك ياروحي، تعالي اخلي دادا تعملك حاجة دافية..أمال فين اخواتك؟
_ رحمة نايمة وفهد اخويا شوفته داخل عند بابا.
حملتها بحنان: طب يلا عشان تشربي حاجة دافية وتنامي انتي كمان لأنك سهرتي زيادة عن اللزوم يا قلب ماما.
_ ينفع انام معاكي انتي وبابا زي اخويا؟
لاطفت أنفها برفق: مفيش الكلام ده، هتناموا في اوضتكم.
_____________
+
راح يحصي على حبات مسبحته استغفارا راجيا المغفرة وثواب يؤل لوالدته الراحلة.. وهو لا يُتم طقوس ذكره اليومي قبل نومه إلا بمسبحتها الألفية..جبهته لا تلمس سوى سجادة صلاتها الطاهرة..مصحفها وطيات صفحاته يحمل عبقها وملاذه الوحيد صار بين آيات ربه وتأثيرها الساحر يغزو روحه ويشرح صدره..
+
تقلبت علي فراشها فوجدته جالسا يختم صلاته
انتهى ونهض ليحتل فراشه جوارها لتقول بنعاس: هو الفجر آذن..
اعتدل وضمها إليه: لسه بدري يا رودي، أنا كنت بصلي ركعتين قيام قبل ما انام.
_ معلش يا حبيبي نمت وسبتك من التعب، البيوتي كان زحمة أوي انهاردة، خرج من عندنا ست عرايس تصور..
_ ما شاء الله، كويس الدنيا بقيت ماشية عن الأول.
تحدثت بتباهي: الحمد لله احنا دلوقت مش بنلاحق على العرايس، عندنا حجز لشهرين قدام.
+
ملس علي وجنتها برفق وعيناه بدأت ترتخي: الحمد لله، كله بتعبكم انتي ومرات اخويا..
_ فعلا، ميرا ليها فضل كبير بعد ربنا..وواصلت بضيق:
تعرف اني زعلتها؟
بدا عليه الاهتمام: ليه كده؟
+
اعتدلت قليلا مع استطرادها: لأنها من غير ما تقصد قلبت عليا المواجع يا رائد، كانت عايزة تعمل أوردر عيد ميلاد ابننا فهد من عنده..شوفت الدنيا صغيرة ازاي؟ معقولة يجي اليوم اللي نقابل جوز بلقيس كده عادي؟ متهيئلي لو قابلته تاني هيشوف في عنية "جرمي" وهيموتني.
ضمها بحمية تلقائية ليبثها أمانه: رغم إن محدش ساعتها يلومه، بس مستحيل هسمح لحد يقربلك وانا موجود.. لو في حد لازم يتعاقب ويسدد الدين هيكون أنا.
+
فعلت حميته وخوفه عليها الأفاعيل بنفسها، أوتار قلبها رقصت فرحا بهذا الشعور..اندست بصدره تهمس: ربنا يخليك ليا يا حبيبي، بس أكيد ربنا مش هيوصلنا لكده.. ان شاء الله يكون قبل توبتنا ويربح قلولنا في يوم من الايام من ناحية بلقيس، مش ده اللي علمتهولي؟ اطمع في ربنا.
تنهد مع غمغمته: ده عشمنا إن شاء الله.
أسدل جفناه رغما عنه مستسلما للنوم لتبتسم وهي تتأمله ثم اقتربت ولثمت شفتيه برقة وعادت تعانق موضع قلبه ليغلبها النوم هي الأخرى بعد وقت قصير.
"سنة حلوة يا نيرمين.. سنة حلوة يافهد.. سنة حلوة يا عادل.. سنة حلوة يا حلوين"
+
نفث الصغار سويا بحماس في قالب عيد الميلاد خاصتهم متلقين تهاني أباءهم وأمهاتهم، والجميع يحلق حول مائدة تحوي ما لذ وطاب من الحلوى والمقرمشات.
( مين هيقطع التورتة فيهم؟)
تساءلت ضي وحازم اول من أجابها: التلاتة، يلا ياولاد امسكوا السكينة واقطعوا اول قطعة واختاروا هتدوها لمين..( تيتة) هتف ثلاثتهم دون تفكير لتومض عين الجدة بمحبة طاغية لأحفادها ( ياعيون تيتة، إلهي تاكلوا من الجنة وتشربو من زمزم يانور عيوني) أمن جميعهم علي دعاهم وبدأ الصغار بالتهام حلواهم ثم صخبهم وهم يلعبون ويملئون الأرجاء ضحكا..
+
وقفت بزاوية ما تجول عيناها بين الجميع راضية لما وصلت إليه حياتها، ها هي تنال حلم العائلة التي تمنتها يوما، عائلتها صارت گ شجرة تشعبت وترسخت جذورها أكثر، حبيبتها " ضي" التي كبرت وأصبحت شابة جميلة تخطف القلب والعين، التحقت بالجامعة وينتظرها مستقبل رائع، شقيقها الطبيب الذي حظى في مهنته بصيت يدعوها دائما للفخر به..وغدير التي غدت توأم روحها وطفلها الذي أنجبته بعد عناء صار كأنه صغيرها وأكثر، كم تعشق منه كلمة " خالتو" اما طفلي حازم هم قرة عيناها ولقب " عمتو" من ثغرهما له وقع السحر عليها.. أما عائلة زوجها منحة أخرى وهدية من خالقها وأطفالها هي وميرا يكبرون معا ويشكلوا عزوة حقيقية لبعضهم..لم تعد وحيدة.. لم تعد محرومة وتتسول "حصن" يأوي روحها، لديها الآن حصون تتنقل بينها في دلال ورغد..
+
""كان ممكن ترسمي حياتك بشكل تاني خالص وتستغلي المنح اللي عندك وتبني ذاتك وتعملي اسرة وولاد وتعيشي معاهم اللي اتحرمتي منهم..""
+
بصوت بلقيس تدفقت تلك الكلمات بدهليز عقلها.. كم تراها محقة الآن..حين سخرت كل طاقتها للحقد وإفقاد صديقتها كل شيء خسرت هي كل شيء..
أما الآن ربحت العائلة..
ولا ينقصها سوى عفو تسمعه أذنيها من بلقيس.
+
"الجميل سرحان في ايه؟"
+
انتفضت على ذراع حازم وهو يحيط كتفها بحنان، فافترشت ابتسامة مضيئة وجهها وهي تهتف له: كنت بحمد ربنا عليكم وبدعي يديمكم في حياتي.. انتو فرحة عمر طبطبت علي قلبي ونستني كل حاجة وحشة عشتها.
+
قبل قمة رأسها وغمغم: يعني قدرنا نعوضك اللي فات؟
ربتت على كفه: وأكتر يا أخويا وأكتر..ربنا مايحرمني منك انت وغدير وماما وضي ويبارك في ولادنا.
+
" وسع كده يا دوك مش هيصة هي، كل اما اغفل عنك الاقيك واقف مع مراتي وواخدها في حضنك"
شاكسه حازم: والله اختي وانا حر اكلمها وقت ما احب، عند حضرتك اعتراض؟
+
تدللت بينهما وهي تنسحب قائلة: طب انا هسيبكم بقي تتناقروا واروح اشوف ماما.
+
طالعوها وكل عين رمقتها بما يناسب دواخلها..
الأول گ سند يعدها بمزيد من الأمان والسند.
والثاني گ عاشق يعدها بنهر من الحب الذي لن ينضب يوما.
________
1
تعافر بقوة وهي تمط قامتها القصيرة كي تصل للطنجرة الكبيرة بإحدي الأرفف، ابتسم وهو يراقبها بتسلية مرتكزا بكتفه على باب المطبخ بضع لحظات قبل أن يقترب وتُجفل هي بكفيه القوية ترفعها گ الدمية من خصرها عن الأرض لتلتقط بغيتها مع قوله الساخر( ياعيني على القصيرين المحتاسين) لتهتف بحنق: بطل تقولي كده ياعامر أنا مش قصيرة ونزلني خليني احضر الغدا.
_ الحق عليا اني أنقذتك يا أوزعة؟
جزت على أسنانها بغيظ وحاولت النيل منه ليقهقه وهي تحاول باستماتة وتفشل: انتي هتقلبي كلبة وعايزة تعضيني كمان..طب خلاص هنزلك يا مجنونة بس هاتي الحلة الأول.
+
"طب ماكنتي ناديني وشيليني وانا اجيب الحلة، ولا عايزة تتعبي بابا عشان يشيلك وخلاص؟"
+
باغتهم قول الصغيرة متطلعة لأبيها بغيرة وهو يحمل والدتها بين ذراعيه، ابتسم عامر بينما عنفتها جوري:
_ ايه اللي بتقوليه ده يابنت؟ في طفلة تكلم أمها كده؟ ازاي تدخلي كده بين ماما وبابا مش عيب؟
+
أنزلها عامر وعاتبها هامسا: براحة ياجوري دي عيلة.
+
تجاهلت عتابه وهي تصيح أمرة إياها بحدة: روحي علي أوضتك يا جويرية، أنا زعلانة منك ومش عايزة اشوفك دلوقت..دمعت عين الصغيرة وركضت لغرفتها تبكي.
+
_ ليه كده بس ما انتي عارفة انها بتغير زي اي طفلة في السن ده..دي بنت ظافر مجنناه.
+
حبست دموعها ولم تجيبه وشرعت بإعداد الطعام، عقد ساعديه مائلا بجسده علي الجدار متابعا ما تفعل ووجهها العابس لم يفقد طفولته بعد رغم مرور أعوام، فضل أن يتركها لتهدأ لكنه فزغ من تآوه صدر عنها بعد أن لفحها نيران عين "الموقد" فأسرع يحضر أمبوب دهان طبي ووضع بعضه فوق كفها مع وصلة تقريع: أنا مش فاهم لحد أمتى هتفضلي تحرقي ايدك وانتي بتطبخي ياجوري..ميت مرة اقولك ركزي مفيش فايدة..وبعدين هو أول مرة جويرية تغير كده..دي صغيرة وبكرة تفهم.
+
وجد دموعها تزحف صامتة وهي تراقب ما يفعل، فأشفق عليها وظنها تتألم من يدها وغمغم برفق: طب معلش، المرهم ده ساحر وهترتاحي دلوقت..وجذبها لصدره مردفا: خلاص بقى يا جوجو مش مستهلة والله.
+
همست بحزن ناكسة الرأس: مش مستهلة ازاي وانا حاسة إن بنتي مش بتحبني يا عامر..مع إني بموت فيها.
+
شدد على عناقها لصدره: والله ياجوري انتي عيلة.. في بنت مش بتحب مامتها؟
هتفت باكية: انت مش شوفت بنفسك اللي حصل؟
_ يابنتي دي غيرة أطفال طبيعية جدا.. طب ما اخوها بيغير عليكي مني، تنكري؟ مش بزعل زيك ليه بقي واقول ابني مش بيحبني؟ وتعالى هنا انتى نسيتي كنتى بتعملى ايه مع عمى أدهم وطنط كريمة كانت برضو بتتعصب وتغير منك صح؟
+
شردت متذكرة مع همسها" بس أنا كنت بحب ماما" قال وهو يكفكف وجهها من العبرات مواصلا: وبنتك بتحبك والله، ماتزعليش بقا وروحي اغسلي وشك كفاية جنان، يلا وانا هساعدك في في الأكل.
+
غابت دقائق وعادت لتجده يرتدي " مريولة" المطبخ فابتسمت له بحب: هتعمل ايه ياعموري؟
أجابها بفخر: هعملك الملوخية واستعدي بقى للريحة اللي تدوخ.
+
اقتربت تراقبه لتقهقه وهي تراه يشرح لها ما يفعل مقلدًا طريقة صديقه وهي تصيح: يا ابن الأيه، ظافر فعلا بيتكلم كده في البرنامج وهو بيشرح خطوات الأكل.
_ منا عارف، ده لو شافني بقلده كده هينفخني.
+
قالها ثم شهق بغتة فأجفلها حقا وهي تلومه: يابني قطعت خلفي من الخضة، انت اتحولت فجأة لخالتي بمبة كده ليه؟ وبعدين ايه اللي عملته من شوية ده؟
_ دي اسمها " شهقة الملوخية" ياهبلة إش فهمك انتي، ده انا فاكر اما كنا نقعد انا واخواتي وبابا علي السفرة وصوت شهقة امي وهي "بتطش" التومة بتاعة الملوخية بيجوعنا.
غمغمت بمحبة: ربنا يديها الصحة، بصراحة طنط أكلها يجنن فعلا، ولادي بيحبو أكلها جدا.
_ عشان عيال بتفهم..على فكره هنعدي عليهم الويك إند ده.. خلي الأسبوع اللي بعد لزيارة المنصورة.
_ ماشي أنا عرفت ماما عشان كانت مستنية نيجي مع الولاد..واستطردت: وسع بقي يا حبيبي هكمل أنا وانت نادي الولاد واستنوا علي السفرة.
+
ربت علي ظهرها: طب انا هخلي جويرية تعتذرلك.
قالت بحسم: أوعى يا عامر، أنا مش عايزاها تعتذر لأنك طلبت منها، حابة اشوف هتتصرف ازاي من نفسها.. بنتنا لازم تتعلم تعتذر لما تغلط.
قبل قمة رأسها: ماشي بس فكي كده وماتزعليش، بنتك بتموت فيكي والله وانتي ظالماها.
+
التفتت له وهي تبتسم رغما عنها وداخلها حزين بحق، مواقف كثيرة تخبرها أن ابنتها لا تحبها عكس عامر الذي تتعلق بأذياله أينما ذهب..تقبله قبل نومها وأول صباحها يكون له، تعترف أن أعصابها كثيرا ما تفلت مع الصغار حين يخطئون بشيء لكن هل هذا يستحق بعد جويرية عنها؟ تنهدت وهي تنحي الأمر جانبًا لتنضم إليهم حاملة صحون الغداء.
_________
+
عيناها الخجولة تتبع والدتها العازفة عن النظر إليها وهي تعطيها فخذة الدجاج المفضلة لها بينما تبتسم لشقيقها " باسم" وهي تمنحه "الصدر" كما يحب قائلة:
_ كل واحد فيكم يخلص طبقه مفهوم؟
_حاضر ياماما.
رددها الصغيران معا لجوري وساد الصمت وصوت القرآن الكريم يصدح بخفوت جوارهم من المذياع.
عامر وهو يلوك طعامه: أنا هنام شوية بعد العشا.
_ نوم العافية، وانا هطلع علي عطر اسهر معاها شوية أنا والولاد.
_ هيييه هنروح عند خالو والعب مع " مالك وجهاد"
+
ابتسمت لصغيرها بحنان: أيوة ياحبيبي، طنط عطر عاملة ليكم البسبوسة اللي بتحبوها ويحيى ابن عمو ياسين طالع هو كمان..
عامر: انتوا متفقين ولا ايه؟
_ أيوة من امبارح عطر مأكدة عليا انا وبسمة اننا نطلع بالعيال نسهر عندها الليلة.
_ بس بلاش تتأخروا فوق.
_ ماتقلقش اخرنا ساعتين.
+
لاحظت أن الصغيرة لا تتناول طعامها كما يجب، رغم أنها انتوت عقابها لم تستطع أمومتها أن تواصل موقفها التأديبي، فقالت وهي تربت علي رأسها برفق: خلصي طبقك يا جوجو عشان نطلع بسرعة عند خالو يزيد.
أزاحت الصغيرة صحنها: خلاص شبعت.
جذبتها جوري لتعلو قدميها ثم انتزعت قطعة دجاج ودستها بفم الصغيرة، مضغتها بطاعة كأنها تظاهرت بالشبع لتستدر عطف والدتها ودلالها من جديد.. راقبهما عامر وغمز لصغيره ألا يتدخل ويترك شقيقته مع والدتها تطعمها..انتهت جوري من إطعامها وبتلقائية أزاحتها عن قدميها برفق لتتشبث بعنقها الطفلة هامسة بخجل: أنا أسفة يا مامتي ماتزعليش مني.. مش هتصرف كده تاني والله.
+
رمقتها جوري مليا قبل ان تهمس: انتي بتحبيني؟
بسطت الصغيرة ذراعيها جانبها بعفويها: بحبك أوي قد الدنيا كلها ومش هزعلك تاني.
+
عانقت طفلتها بحنان جارف متشبعة برائحتها الذكية، لتجد شقيقها يندس بينهما بغيرة واضحة: وأنا كمان بحب ماما قد الدنيا.
+
تأملهم عامر بنظرة رضا حانية ثم شاغبهم:
ياعيني عليا ولا حد معبر بابا بكلمة ولا حضن.
+
تسابق الصغيران وهما يقفزون إليه لتضحك جوري براحة بال قائلة: بعتوني في "minute" يا ولاد عامر.
___________
+
" بابا بابا، خبيني ماما هتضربني"
+
تلقف صغيره المستغيث به وخلفه عطر تصيح:
تعالى هنا يا ولد قطعت نفسي من الجري وراك.
_ ايه يابنتي مالك هتضربي الولد ليه؟
+
قالت حانقة تشكوه: أبنك جنني يا يزيد.. أنا حاسة اني خلفت سمكة.. مش بيبطل لعب في المية بتاعة "البانيو" وكل شوية ياخد دور برد شديد.. ده مش بيلحق يخلص كورس العلاج وبضطر اعيده تاني لأنه بيتعب.
+
لاحظ يزيد ابتلال ملابسه بالفعل فعاتبه: كده برضو يا "مالك" مش الدكتور قال ماتلعبش في المية تاني عشان بتبرد بسرعة يا حبيبي؟
اختبأ بصدره الصغير هامسا برقة: كنت بحمي اللعب بتاعتي يا بابا عشان تبقى نضيفة.
ابتسم أبيه: يا سيدي سبني احميها انا واوعدك اخليها زي الفل. بس بلاش تلعب في المية يا مالك انا بزعل لما بتتعب.
هتفت بتهديد زائف: لا يا يزيد ده مش بيسمع الكلام، أنا هروح احضر الحقنة الكبيرة وانت امسكوا معايا.
+
صرخ الصغير: خلاص يا ماما حلاص حقنة لأ.. حقنة لأ.
وشرع يبكي ويشهق ليضمه يزيد: طب ماتعيطش مش هخلي ماما تديك حقنة، بس انت لازم تسمع الكلام يا مالك.. انت أصلا اللوز مبهدلاك يا ابني من غير حاجة.
+
قال من بين شقهاته المتقطعة: ح… .حاضر.
+
لانت عطر لصغيرها وحدثته بمسحة حنان مازالت محافظة على جمود وجهها الظاهري كي تعاقبه: تعالى اغيرلك عشان عمتو جوجو وطنط بسمة طالعين مع الولاد، ولا عايزهم يقولوا لوكا وحش ومش نضيف زي جهاد أخوك؟
+
قفز عليها متناسيا سريعا خوفه وهو يصيح: عايز البس الترنج بتاع عمتو.
ابتسم يزيد بحنان: معرفش ليه بيحب يلبس الترنج اللي جابته جوري كده.
ابتسمت وهي تلثم رأس صغيرها: ما انت عارف هو أصلا بيعشق عمتو جوري وهي كمان بتموت فيه.
واستأتفت: أنت قلت إنك نازل شوية مش كده؟
_ أيوة، أنا واحمد وياسين عندنا عشا عمل بره مع عميل مهم.
_ كويس يا زيزو عشان ننم براحتنا.
_ منا واخد بالي.
_______
+
انسلت من بين ذراعيه قبل أن ينغمس معها بوصال عاطفة جارف وراحت تبحث في الأدراج عن شيء ما غاب عن ناظريها ( بتدوري علي ايه ياعطر، هو ده وقته؟)
قالها بضجر وهو يراها تعكر صفو لحظته الخاصة معها لتهتف ومازالت تبحث: ثواني يا حبيبي لأن كان لازم اخده الاول وانا نسيت ( ثم حدثت نفسها) معقولة يكون خلص؟
_ هو ايه اللي خلص بالظبط؟
_ شريط الحبوب بتاع منع الحمل.
وصاحت بغتة: اهو الحمد لله لقيت واحدة.
همت بابتلاعها قبل أن يوقفها يزيد: مالهاش لازمة.
رمقته باستفسار فجذبها إليه مقبلا أنفها برفق: ابننا مالك قرب على اربع سنين، متهيئلي ده الوقت المناسب عشان نجيب بيبي تاني.
_ بس انا مش هجيب بيبي تاني يا يزيد، كفاية اوي الولدين علينا بس نربيهم صح.
+
ضاقت حدقتاه باستنكار سرعان ما تحول لوميض غاضب وهو يبتعد عنها بقوله الصارم: مين قالك كفاية ياعطر؟ وياتري كنتي ناوية تاخدي رأيي في حاجة زي دي ولا أنا مش في دماغك أصلا؟؟؟
+
صمتت مأخوذة بحدة قوله قبل أن يلين وجهها وهي تقترب منه لمنع زوبعة غضب تلوح بوادرها: يزيد حبيبي احنا ربنا كرمنا بولدين الحمد لله عايزين ايه تاني؟ خلينا نربيهم كويس وفي نفس الوقت نركز في شغلنا، خصوصا انا مش عارفة اتقدم في حاجة وما صدقت اخد نفسي.. معنديش استعداد لقصة حمل وولادة. ورضاعة وسهر.. هحقق ذاتي امتى طيب؟
+
_ وانتي اما تعملي عيلة كبيرة تبقي مش بتحققي ذاتك ياعطر؟
+
بلمحة عناد جادلته: وهي العيلة لازم تبقى نص دستة ولاد؟ منا مليش غير اخ واحد وانت واخواتك تلاتة بس..وكلنا عيلة مكملة بعض وعزوة مش هينة، يعني انا مخرجتش عن الطبيعي وبجد ولدين كفاية اوي.
+
حدجها مليًا بشفاة مطبقة بقوة كأنه يحجم مارد ثورة وشيكة وغمغم مسدلا علي وجهه ملامح ثلجية: مش انتي اللي تقولي كفاية ولا ده أصلا قرارك لوحدك..( واستطرد بنبرة وعيد) وانك تقرري أمر زي ده من غير ما ترجعيلي أقسم بالله ما هيعدي بالساهل ياعطر..
+
وترك غرفتهما ليمكث بأخرى مغلقا عليها كل سبل النقاش والاستجداء.. نظرت لجانبه الخالي بالفراش ودمعت عينيها وعزمت ألا تتركه يبتعد عنها..لكن تأجج عنادها مرة اخرى.. هي تقنع نفسها أنها لم تخطيء في شيء..هي من تنجب وتتعب وتسهر.. متى تمارس عملها كما يجب ان حملت ثاتيا؟ يكفي إنجابهما ولدان.
+
اخمدت نغزات خافقها بأن تذهب إليه وتمردت بعناد وهي تعود لتستكين بالفراش محاولة النوم.. لكن هيهات أن يزور جفنيها وهو بعيد.. وغاضب.
_________
+
من فرط شرودها لم تنتبه لفوران سائل اللبن فوق الموقد رغم وقوفها أمامه، أغلقت مفتاح الغاز سريعا وراحت تنظر للحليب الفائر كأنها ترى وجه يزيد به..هو ايضا يكاد يفور وينفجر لذا يتجنبها منذ حديثهما الأخير..مقتضبا في التعامل معها بالشركة وهنا، فشلت كل محاولاتها لتحدثه وتقرب وجهة نظرها له ربما اقنعته، لكنه لا يساعدها قط..يهدر كل الفرص، كم تراه عنيد ومتحكم في كثير الأحيان.
+
_ ماما ممكن اخد الكوره وانزل انا واخويا نلعب مع يحيى وجويرية وباسم تحت؟
+
التفتت لصغيرها: قول لبابا الأول ياحبيبي.
_ منا قلت له ووافق.
قبلت رأسه بحنان: ماشي ياجهاد بس خد بالك من اخوك مالك عشان لسه صغير، اوعي الكوره تيجي فيه زي المرة اللي فاتت ويطلع يعيط.
_ متخافيش يا ماما هاخد بالي منه والله.
+
راقبت ابتعاد صغيرها بشخوص قبل أن تتوجه إليه، هي فرصتها لتستعيد رضاه وتزيل غضبه عليها وتسترضيه.
…… ..
_ يزيد.
+
لم يصدر عنه أي رد فعل وبدا منهمكا في متابعة الكتاب القابع بين كفيه، دنت له وبرفق سحبت الكتاب ليكون رد فعله نظرة زاجرة منه ومن ثَمَ ابتعاده ومغادرة الغرفة بأكملها للشرفة الخارجية.. وقفت مكانها تنظر لأثره بصدمة حدقتاها مغرورقة، ألهذه الدرجة لا يطيق قربها وناقم عليها؟ لمعت عيناها بعناد وقررت أن تتغاضى عن عزوفة وتحاول مرة أخرى لعله يفهمها.
+
_ يزيد.
+
تشبثت بذراعه ونبرتها غارقة برجاء ليعطيها فرصة تفاهم، وقف دون أن يلتفت فاسترسلت: يزيد أنا مش قصدي الغيك او اقرر حاجة بدون ما ارجعلك زي ما قلت، بدليل اني بعفوية دورت على علاج منع الحمل قدامك يعني نيتي مش اخبي عنك أو أهمشك، يجوز افتكرت انك مش هتعترض او...
+
_ مش صح.
+
صاح وهو يستدير إليها وعيناه قاتمة: انتي اتغريتي في حبي ياعطر.. افتكرتيني ضعيف قدامك ومش هرفضلك طلب ولا رغبة عشان كده مافكرتيش تشوريني اصلا، ده السبب الحقيقي..ثم دنى إليها وهو يرمقها بنظرة أكثر صرامة: نصيحة افهميها كويس لأني مش هعيدها تاني، أوعي تتغري في حبي ليكي في يوم من الأيام وتفتكريني ضعيف، وكلامك إنك تكتفي بولادنا ده هعتبرني مسمعتوش، وشغلك اللي خايفة عليه ده انا ممكن امنعك منه اصلا ومخلكيش تمارسيه.
+
أفلت بجملته الأخيرة شيطان عنادها من عقاله فناطحته بقوة: محدش يقدر يمنعني اشتغل.
+
_ أنا اقدر.
+
هدر بها صارخا بوجهها مستأنفا بثورة أكبر:
لو مش عايزك تشتغلي هقدر امنعك ووريني هتعملي ايه.
+
أجفلها صراخة ووقفت تطالعه بذهول وخوف مبتلعة الكلمات بحلقها وهو يغادر البيت بأكمله دون أن تجرؤ على أيقافه.
___________
+
"مال صوتك ياعطر؟ انتي كنتي بتعيطي؟"
+
نفت كذبًا: أبدا يا ماما مفيش، كنت نايمة بس.
بدت غير مصدقة وهي تقول: عطر، انطقي مالك، حصل حاجة لأحفادي بعد الشر؟
أشفقت عليها من هذا الخاطر فقالت سريعا: لا لا والله ابدا، جهاد ومالك بخير يا ماما اطمني.
صمتت هنيهة قبل من تستطرد: طب وجوزك؟
نكست رأسها بغصة وخيطان من الدموع انسابا من جانبي عيناها فتأكد ظن والدتها التي صاحت بحزم دون تردد: ماتروحيش الشركة بكرة، الصبح هكون عندك.
_______
+
ما أن رأتها حتى بصرت شحوب وجهها وعيناها منطفئة البريق علي غير طبيعتها، قالت بجزع: مالك يابنتي؟
فاض بها الكيل ولم تعد تقاوم وهي ترتمي بين ذراعيي والدتها تبكي بقوة، أعطتها فدوى المساحة الكافية لتفرغ طاقة حزنها وهو تربت بحنان عليها وترتل آيات الذكر الحكيم بأذنيها كي تهدأ، بعد دقائق استعادت عطر بعض هدوئها وإن ظل وجهها مغبر بالحزن.
+
_ اهدي بقى واحكيلي حصل ايه بالتفصيل.
+
بصوت باكي سردت كل شيء لتنتهي بقول خافت: من ساعتها مش طايقني يا ماما، عمري ما شوفت يزيد زعلاني مني كده او عاملني بالقسوة والفتور ده كأنه كرهني.
+
_ دي أقل حاجة يعملها معاكي.
+
نظرت إليها باستنكار: حتى انتي يا ماما مش فاهماني وجاية عليه؟
_ لأنك غلطانة واتغريتي بحب جوزك ليكي زي ما قالك، غلطتي غلط تستحقي فعلا تتعاقبي عليه
_ يا ماما أنا قلت ربنا يحفظ جهاد ومالك وكفاية علي كده، انتي عارفة اني طموحة ونفسي احقق حاجات كتير اوي في شغلي لسه مش عارفة احققها.
_ طموحك وقيمتك الحقيقة هي نجاحك إنك تنولي رضا جوزك قبل شغلك..اما تكبري عيلتك اللي هتكون عزوة شيبتك بعد عمر طويل وتحققي رغبة يزيد ده أكبر نجاح ليكي گ ست..وبعدين انتي مصيبتك الأكبر انك تجاهلتي أخد رأيه في أمر زي ده، كان لازم هو يكون علي علم بقرارك مش يعرفه كده في موقف عابر بينكم كأنه تحصيل حاصل.
+
واستأنفت وهي تصب عليها عصارة خبرتها في الحياة:
الرجل يا بنتي..وقصدي هنا أي راجل في الدنيا مهما حب مراته مايقبلش تهمشه في اتفه الامور.. لازم يحس انه سيد قرارها وامرها في ايده..ده بيغذي رجولته وفي نفس الوقت بتزيد معزة مراته عنده.. لو خالفتي القانون ده تخسري كتير اوي..والست الذكية لو عايزة حاجة من جوزها تقنعه بطريقة تحسسه انه هو اللي اخد القرار مش العكس..بس ده لو رغبتك مش فيها ضرر.. انما تقرري موضوع خطير زي ده لوحدك وتعرفيه گ أمر مسلم به ده غلط يرقى للغباء نفسه..كام مرة مثلا يزيد اتمنى قدامنا انه يخلف بنوتة؟ مالك بقي عنده اربع سنين دلوقتي وده فاصل معقول جدا انك تخلفي تاني. وهو ده اللي جوزك توقعه منك.. لكن انتي صدمتيه بالعكس..عرفتي بقي ليه جوزك اتغير؟ لأنك كنتي في وادي وهو في وادي.
+
تعلم أنها تقسوا عليها لكن عزائها أن ما تقوله ربما يصلح ما أفسدته ابنتها بجهالة وعناد..استأنفت تردف بأخر مالديها: وبعدين ياحبيبتي تتعطلي في ايه؟ انتي تقدري تجيبي مربية واتنين لولادك..انتم مش فقراء، لو جبتي عشر ولاد هتقدروا بفضل لله تربوهم كويس وتوفروا ليهم كل الإمكانيات لأن خير ربنا كتير.. يعني كل الاسباب اللي تخليكي تاخدي قرار زي ده للأسف مش عندك ياعطر.
يمكن كانت تناسب حد تاني ظروفه مختلفة.
+
أنحنت أكثر وبدأ جسدها يهتز من البكاء فاحتوتها فدوى بحنان جارف: انتي لسه صغيرة يابنتي والعمر لسه قدامك عشان تحققي حاجات كتير اوي ان شاء الله، ترضي جوزك وترضي طموحك في نفس الوقت بس لازم تفهمي اولاوياتك.. جوزك وبيتك المقام الأول والأهم ياعطر..فهمتيني ياحبيبتي؟
+
أومأت لها والغصة أخرستها، والدتها معها حق، هي أخطأت لكن يعلم الله أنها لم تري الصورة قط علي هذا النحو، لم تكن يوما مستهترة او عصت له أمرا.
+
ماما، ماما انتي فين احنا جينا؟"
+
ضوي وجه فدوى عند سماع أحفادها: شكل يزيد جه مع الولاد، قومي يلا اغسلي وشك وظبطي نفسك وانا هقوم اشغلهم عنك شوية..ثم مازحتها قليلا: جوزك لو شافك كده هيخاف منك يا بنت.
……….
+
_ تيتة جت.. تيتة جت.
+
ضحكت وهي تتلقف حفيديها بعناق جارف غير مصدقين انها هنا..( وانا بقول البيت منور ليه اتاري خالتي الحلوة عندنا) ربتت على كتفه: منور بيك ياعيون خالتك..
تحدثت للصغار: جهاد، مالك، اطلعوا يلا عند طنط جوري عرفوها اني جيت وانا هحصلكم بعد شوية.
مالك وهو يقفز بسعادة: بس هتباتي معانا يا تيتة.
قبلت خده: طب روح بس ونتكلم في الموضوع ده بعدين.
+
فطن جيدا لسبب مجيئها لكنه تجاهل مع قوله: بما ان فدوى حبيبتي نورتنا انهاردة، هأجل لعيونك رجوعي للشركة وأي مشوار عندي، وشوفي لو تحبي نخرج يابطة.
+
حدجته مليا بنظرة ثاقبة
ثم حاد بصرها لغرفة ابنتها وعادت تنظر إليه..
ترى هل ستنجح فدوى بإعادة الأواصر بينهما ثانيا؟
+
انتظروا غدا الختام الثالث والأخير.
رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الثامن والستون 68 والاخير بقلم دفنا عمر
حصنك الغائب 2
بقلم دفنا عمر
الخاتمة الثالثة والأخيرة
__________
+
ومضات انبعثت من دهاليز عقلي وأنا أرتشف فنجان قهوتي في الصباح وأخط فوق سطور دفتري الوردي كلمات ربما غير منمقة وعفوية تحتاج ترتيب، لكن عزائي من سيقرأها يوما سيرأها بعين قلبه، لن يقفوا أحبائي عند زلاتي، سيقبلون حروفي ذات يوم بشوق وتقدير.
سيتعلمون من رحلتي الكثير والكثير..
سيدرون كيف تجاوزت لحظات ضعفي وحولت هزائمي لانتصارات..بعد أن تلقفتني أيادي والديا المحبة قبل أن أتهشم وأصبح مجرد حطام قارورة مهزومة الروح والجسد.
مارد قوتي ما انبثق إلا من ضلوعهم.
أبي.. أمي..وعائلتي..
أبناء عمومتي وبناتها شقيقاتي..
صدقوني صغاري.
لم يكن أختباري في تلك الحياة عاديًا..
خضت مع ذاتي ألف معركة..
حطمت ألف قيد وقيد..
وفي النهاية ربحت..
ربحت حصنًا صلبًا گ الحديد.
شامخا گ الجبال وعظيما مثل علوها.
ثابتًا في الأرض مثل جذور الأشجار العالية
أعدكم حين يواريني الثرى يوما
ألا تقرأون بين سطوري
إلا ما يدعوكم بالفخر بملكة أبيها..
+
بلقيس!
________
+
خاتمة حصنك الغائب
"الجزء الثالث والأخير"
---------------------
+
نظفت وجهها بسائل تنظيف البشرة گ روتين يومي قبل النوم ثم وزعت دهان مرطب وتوجهت نحوه وهو منهمك بمطالعة هاتفه: ظافر ممكن اكلمك شوية؟
ترك الهاتف ونظر إليها لتدنو محتضنة كفه هامسة: ممكن اعرف حصل ايه وخلاك وتمنعني اروحلك القناة تاني؟ أنت من كام يوم اتعصبت عليا جامد وانا عذرتك وسكت لحد ما تروق وتكلمني..
_ أنا مش اعتذرت يا بلقيس؟ عايزة ايه تاني؟
غمفمت برفق: ياحبيبي انا مش بعاتبك، أنا عايزة أفهم، في كل الأحوال انا هنفذ كلامك بس عرفني اللي حصل وليه مضايق..ده انت حتي لغيت فكرة انك تاخد لاري والولاد معاك في البرنامج زي ما وعدتهم.
+
ألتزم الصمت واستدار عنها مسترخيا للنوم وبدا لها لا يود الحديث..كيف ببساطة تصمت ولا تطفيء نار فضولها لتطمئن؟ أجبرته ليعتدل ويطالعها بوجهه فوق الوسادة وهي تهمس بعد منحه قبلة خاطفة: وحياتي عندك تقولي مالك.. طب وحياة لاري ومصطفى ولادنا تتكلم.
+
تأملها متشربا ملامح وجهها النضر وراح يملس على بشرتها الناعمة بحنان شارد قبل أن يهمس أخيرا: الحمار مخرج البرنامج بتاعي لما شافك يوم زيارتك للقناة نظراته ليكي مش ريحتني، حسيت فيها خبث، كنت هتهور عليه بس كتفني انه هيكدبني لما أواجهه بوقاحة نظراته و هيتهمني اني بتوهم وساعتها هيعمل شوشرة وتتتجاب سيرتك وخلاص، سكت بس وانا بتربص لأي موقف سمج منه تاني، لقيته بكل وقاحة جاي يعرض عليا انك تعملي مع لارين للقناة إعلانات علي منتجات هيروجوها في رمضان الجاي.
+
اتسعت عينيها بذهول: أنا ولارين نعمل إعلانات؟
_ أيوة، وقعد يحكي أنها فرصة ليكم وليا ده غير كلامه عن جمال لارين وانها هتتشهر وتتألق وازاي انتي بسحرك والكازيزما اللي عندك هتكوني نجمة.. طبعا أنا بعد أول كلمتين لقتني بمسكه من رقبته وبلذقه في الحيط ولسه هضرب البلاتوه كله اتلم علينا وحاشني عنه بالعافية..ومن وقتها مش طايقه وبفكر فعليًا اسيب القناة من وشه.
صاحت باستياء: فعلا غبي.
ثم ملست علي شعره تهدئه: بس خلاص ياحبيبي ولا تعكر دمك انت نهيت الموضوع وليك عليا مش هروح هناك تاني ابدا..أما البرنامج أنا شايفة انك تتمسك به لأنك تعبت فيه جدا لحد ما بقا له شعبية كبيرة..وفادك على مستوي شغلك الخاص وبقى عندنا كذا مطعم وبتحقق حلم سلسلة المطاعم اللي عليها أسمك وسمعتك زي الدهب الحمد لله.. وكمان متأكدة إن إدارة القناة نفسها لو هتختار بينكم هتتمسك بيك انت عن المخرج ده لأنك حصانها الرابح بكل المقاييس.
+
ابتسم لدعمها قائلا: أنتي شايفة كده يا بلي؟
قالت بدلال لتفتت بقية غضبه: طبعا يا ظاظا، هو في حد زيك في الدنيا دي كلها يا شيف..
التقط شفتيها بقبلة وابتعد هامسا دون أن يفلت وجهها من بين راحتيه: قوليلي اخبيكي فين انتي ولارين؟ بتخطفوا كل العيون منين ما تروحوا وبخاف عليكم من الهوا يأذيكم، لو اطول اخبيكم بين ضلوعي هعملها..أنا دلوقت عذرت عمي عاصم وخوفه عليكي.
+
أخذت رأسه بصدرها وبلمسات حانية راحت تعبث بخصلاته: متخافش يا حبيبي ربنا يحفظنا ليك ويبارك فيك ليا أنا وولادك ياغالي..مش عايزاك تقلق يا ظافر احنا مفيش خطوة بنتحركها غير بأمرك وتحت عيونك.
+
ضم خصرها بقوة متلذذا بهذا القرب وهو يقول: مش ده السبب الوحيد اللي مضايقني بقالو فترة يا بلقيس، أنا صحيح برنامجي واخد حقه الحمد لله بس الجو حواليا اتغير، بقى في نفسنة وغيرة، مجموعة الشيفات اللي كانت معايا من كام سنة مشيوا، واللي جه بعدهم مختلفين.. مش حابب اشتغل في جو مليان حقد.. وبفكر جديا مش أجدد عقدي الموسم الجاي وانهي تعاقدي مع القناة..مافيش حاجة تجبرني اشتغل في أجواء زي دي.
_ غلطان يا ظافر.. كل مكان هيكون في ناس حقودة، انت ليك شغلك وبس، البرنامج ده انت تعبت فيه وكسبت ثقة متابعينك وحرام أوي تسيب اللي عملته.
+
_ ياحبيبتي منا هروح قناة تانية كانت من فترة هتموت عشان امضي معاهم عقد، طبعا عرضوا عليا مقابل مادي مجزي جدا بس والله ما ده سبب تفكيري اني اسيب برنامجي الحالي، فضل ربنا واسع وانا مش محتاج فلوس..بس فعلا نفسيتي شالت من القناة ولازم اسيبها..خلاص مش حابب استمر معاهم خصوصا بعد موقف المخرج ده، لو فضلت هقتله في مرة.
+
تفهمت غيرته وحالته النفسية وصاحت تدعمه: خلاص يا ظافر اللي يريحك اعمله مادام مش نرتاح، اتعاقد مع قناة تانية وانا متأكدة منين ما تكون هتتألق وتتميز.. ثم داعبت بأنفها أنفه: أصلا حبيبي هو اللي بيضيف للمكان مش العكس.
ابتسم ودسها في صدره براحة لتشاكسه: وبمناسبة خوفك عليا، انت ماتعرفش مراتك مين؟ أنا اقدر اضرب اي حد يتعرضلي ومحدش يقدر عليا.
_ حتى أنا؟
قالها بخبث وهو يعتدل ليطالعها فتحدته بنظرة ماكرة: حتى انت متقدرش تغلبني.
_ طب ما تجربي؟
_ أجرب ايه يا بني احنا تقريبا نايمين.
_ شكلك خايفة اهزمك يا قطة.
_ تهزم مين صلي علي النبي.
_ عليه الصلام والسلام، طب قومي وريني نفسك.
هتفت محذرة: ظافر اعقل وخلينا ننام الله يهديك عندنا شغل الصبح.
_ أنا خلاص فوقت.. قومي وريني هتغلبيني ازاي.
_ طب وإذا غلبتك؟
_ ليكي أي طلب تختاريه وهنفذه مهما كان.
وقفت تحذرة: يعني اخد راحتي؟ أنا ممكن اتغابى من غير ما احس وهتزعل!
لكز جانب وجهها بخفة: بلاش رغي فاضي وريني أخرك يا شاطرة.
+
للمرة الأولى تشتعل بها رغبة أن تجعله يري قوتها الحقيقية، ليس لتنتصر عليه بل لتنال إعجابه وفخره ويتأكد كم هي إمرأة لا تنكسر عظامها وليست سهلة المراس عله يطمئن تجاهها، وبهذا الخاطر استقام عودها وقررت أن تقاتله بكل بشراسة..وفعلت..
صوت حركات أطرافها المرنة المدروسة كانت تشق الهواء وكلما اقتربت ان تنال منه صدها بقوة تعجبتها، لم تختبر معه القتال يوما لتعلم قدارت زوجها الذي بدا لها ليس سهلا على الإطلاق.. صد كل محاولاتها لينتهي الأمر بها مقيدة بين ذراعيه تلهث ( انت خدعتني يا ظاظا.. افتكرتك ماتعرفش تقاتل طلعت مصيبة)
أدارها إليه ومازلت بين ذراعيه وهو يهمس بأنفاس تلفحها گ المسك: عرفتي إنك ماتقدريش تهزميني يا شاطرة؟
+
ومضت عيناها بحب امتزج بفخرها وهي تغمغم بنبرة تذوب به عشقًا: أنت الوحيد اللي هزيمتك ليا انتصار يا ظافر..أنت حصني اللي مستحيل حد يشرخ جداره أو يهده..أنت الوحيد اللي عمري ماخوفت معاه أو منه..كل حاجة فيك بتحميني كأنك تعويذة اتخلقت في الدنيا دي بس عشان تخليني في أمان، حتى ريحتك نفسها بتطمني.
+
قرأت بعيناه أقوى الكلمات وأرقها دون أن تتحرك شفتاه بكلمة واحدة، أنفاسه كلمات.. لمساته كلمات..طوفان مشاعره الذي اشتعل معها الآن يفوق كل الكلمات وهو يغرقها به وفيه ومعه لتنتهي رحلة وصالهما بين ذراعيه وخفقات قلبه تشدوا لها بعزوبة كم يعشقها هو الأخر لتنام على صدره بسلام قريرة العين والروح.
__________
+
_ تيتة جت.. تيتة جت.
+
ضحكت وهي تتلقف حفيديها بعناق جارف غير مصدقين انها هنا..( وانا بقول البيت منور ليه اتاري خالتي الحلوة عندنا) ربتت على كتفه: منور بيك ياعيون خالتك..
تحدثت للصغار: جهاد، مالك، اطلعوا يلا عند طنط جوري عرفوها اني جيت وانا هحصلكم بعد شوية.
مالك وهو يقفز بسعادة: بس هتباتي معانا يا تيتة.
قبلت خده: طب روح بس ونتكلم في الموضوع ده بعدين.
+
فطن جيدا لسبب مجيئها لكنه تجاهل مع قوله: بما ان فدوى حبيبتي نورتنا انهاردة، هأجل لعيونك رجوعي للشركة وأي مشوار عندي، وشوفي لو تحبي نخرج يابطة.
+
حدجته مليا بنظرة ثاقبة ثم حاد بصرها لغرفة ابنتها وعادت تنظر إليه قائلة: انت فعلا هتسهر انهاردة بس مش معايا.. مع مراتك.
+
انقلب وجهه وهم بقول شيء فقاطعته بأشارة حازمة: أسمع يا يزيد، عطر حكتلي كل حاجة وربنا يعلم اني لومتها جامد وفهمتها غلطها..اما انت بقى فلازم تكون اعقل من كده وتحتوي مراتك حتي لو غلطت.. عاتبها بس ماتبعدش.. البعد جفى يا بني وبيموت القلوب.. مهما زعلت ماتبعدهاش عن حضنك.. الست وردة لو جوزها أهملها أوراقها تدبل وروحها تموت.. وانت عارف انها عنيدة بس بتحبك.. مجنونة بس بتحبك.. طموحة بس بتحبك.. عارفة انها مش هتهون عليك خصوصا لو شوفتها دلوقت عاملة ازاي.. ومش هقولك راضيها عشان خاطري لأ.. راضيها عشان خاطرها هي.. دي عطر حبيبتك يا يزيد.. مهما حصل خليك انت الصدر الحنين.. حاسب بس ماتهجرش.. أضرب بس ماتخليش ضربتك تعلم جواها وتبقي ندبة ماتتمحيش.. ياما هيحصل بينكم مشاكل اتعود تعالجها بحكمة.. أنا هطلع اقضي النهار مع جوري والولاد معانا.. وانت صالحها وخدها اخرج من البيت خلي الشيطان يبعد عنكم.. وربنا يصلح الحال.
____________
+
وجدها جالسة تتوسط الفراش تحوطها العتمة، وجهها مدفون بين ذراعيها المعقودة واهتزاز جسدها أخبره عن انهيارها الباكي رغم كبت صوتها..نغزه قلبه ودنى ليحرر انعقاد ذراعيها، رفع رأسها فانزعج بحق لمرآى محياها الغارق بدموعه وعيناها متورمة بشكل فطر خافقه، عانقها وقبضته تضرب ظهرها دون أن يؤلمها: غبية وعنيدة.
+
تشهقت وارتجف بين ذراعيه فشدد عناقه أكثر هامسا: خلاص ياقردة بطلي عياط بدال ما اضربك بجد.
لم تستجيب وبكائها يزداد قوة فأحاط وجنتيها براحتيه وأجبرها أن تنظر إليه: عطر، بصي في عيني.. بقولك بصي في عيني.
+
نظرت له مع انتفاضتها وشهقاتها مثل طفلة صغيرة فاستطرد بهمس حاني: عارفة اني بحبك ولا لأ؟
لم تجيبه وبكائها ودموعها لم ينقطعا فواصل: بس مهما حبيتك في خطوط لو قربتي منها هتخسريني يا عطر.. عشان كده بعدت عنك عشان اهدي من ناحيتك..أنا اول مرة ازعل منك كده.
+
نكست رأسها تبكي بحزن فرفع ذقنها والتقط شفتيها بقبلة هادئة أخمدت القليل من شهقاتها وهو يهتف: بس بحبك يا قردة.. حتى لو خاصمتك بحبك.. اكسر دماغك بس برضو بحبك..هقف قصادك لما تحيدي عن الطريق واحمي حياتنا من حماقتك وفي الأخر هفضل احبك.. فاهمة ولا لأ؟.
+
طوقت عنقه بذراعيها وخبئت وجهها به دون كلمة وهو يهدهدها مع همسه: خلاص انسي انا مش زعلان منك، ومتأكد إن فدوى فهمتك كل حاجة عايزك تفهميها.. ثم ابعد وجهها وكفكف دموعها برفق: يلا قومي خدي حمام وغيري هدومك، هنخرج انا وانتي برة.. فرصة العيال مشغولين مع خالتي.
+
همست ببحة صوت وشت بفرط بكائها: يعني سامحتني.
قبل جبينها مطولا قبل ان يقول: سامحتك يا فواحة.
استكانت علي صدره وقالت بخفوت: مش عايزة اخرج.. خليني بس في حضنك شوية..أكتر عقاب ممكن تعاقبني به انك تبعدني عن حضنك يا يزيد.
+
ضمها بقوة لتتدفق مشاعره وتشتعل مع لمساتهما وسريعا ما ابتلعتهما عاصفة وصال طال الشوق إليها بعد قطيعة الايام الماضية.. خالته محقة حين قالت أن الزوجة مثل الوردة، تذبل بالبعد بينما القرب يجعل اوراق أنوثتها تتفتح.. هاهي الحياة عادت تغزو وجهها وهي تنام جواره وبشرتها تلمع وتضخ وجنتيها لونها الوردي.. كأن بوصاله أعطاها ترياق الحياة ذاته.. لثم فمها برقة وضمها ليغيب بغفوة هادئة.. ربما هذا ما يحتاجانه أكثر من اي شيء أخر.
_______
+
تشمم رائحة شهية مع قوله:
الله يا أبلة يابسمة، ريحة التارت حلوة أوي.
ثم تحدث بفخر: كده هتباهي قصاد أصحابي إياد وحاتم..
طبطبت على ظهره بمحبة: بألف هنا ليك انت وأصحابك ياقلب أختك..عايز اعملك أي حاجة تاني قبل ما تخرج؟
_ شكرا يا أبلة، يدوب هاخد حمام واروح أقابلهم.
ابتعد خطوتان قبل أن يتوقف ثانيا: تعرفي يا أبلة بسمة أخت حاتم صاحبي زيك بالظبط وبتعمل حاجات جميلة وبتحب أخوها اوي، نفسي في يوم تقابليها وتتعرفي عليها.
_ ليه لأ، في أقرب مناسبة اعزم الكل ونتقابل، هي شغالة يا ياسين؟
_ أيوة، شغالة في شركة جوزها عمو فارس..أنا اتعرفت عليهم لما خاتم عزمني في عيد ميلاد بنت اخته.
_ خلاص عيد ميلاد يحيى ابني قريب، هنعزمهم إن شاء الله..ورمقته بنظرة دافئة وقالت: أنا مبسوطة اوي انك لقيت صحبة طيبة وشوقتني اتعرف على حاتم وإياد.. ابقي وصلهم سلامي.
_ حاضر من عنية.
غابت عنه دقيقة ثم عادت تقول: خد دول معاك ياحبيبي يمكن تحتاج حاجة.
+
نظر للنقود ثم رفع عينه إليها: شكرا يا أبلة مش عايز.
دستها في جيبه عنوة وعاتبته: وبعدين معاك، مش قلت اما اديك حاجة تاخدها؟
+
تأملها مبتسما وعيناه تضخ امتنان وشكر. فأمسكت وجهه وقالت: حبيبي أنا عارفة عزة نفسك وفخورة بيك، بس لازم تعرف إن بديك من فلوسي مش فلوس جوزي، يعني تاخد مني بقلب جامد..أنا في مقام أمك انت فاهم؟
أومأ لها وعانقها شاكرا وابتعد ليذهب لرفاقه فتابعته بعين مشفقة، رغم كل ماتفعله هناك شيء منطفيء بروح صغيرها، شيء تدركه ولا تستطع تعويضه مهما فعلت..هي ذاتها مازال مر اليتم بحلقها.. تشتاق والديها بشدة لكن عزائها أنها تراعي أخواتها بقدر استطاعتها علها تكمل طريقهما لو كانا أحياء.
وتنال برهما في الدنيا والأخرة حين يحين اللقاء.
________
+
"فين ياسين اخوكي؟
+
أجابته وهي تضع قالب التارت الساخن على طاولة المطبخ: راح يسهر مع اصحابه حاتم وإياد، وأخد ليهم تارت فواكهه زي ده بالظبط.
+
_ ياسلام على الريحة، تسلم ايدك من قبل ما ادوقه.
ابتسمت لإطراءه: تسلملي ياسينو، انا عملت تلاتة، واحد لاصحاب أخويا، وواحد لينا والأخير لعطر وجوري.
+
هتف بفخر: حبيبة قلبي اللي رافعة راسي في المنطقة..
ضحكت له: انت بتنفخني والله..المهم يعجبهم.
_ يابنتي الريحة بتتكلم لوحدها.
+
وراح يراقبها وهي ترص شرائح الفواكهه بتجويف التارت حتى انتهت من تزينه ووضعته بالثلاجة.
_ هسيبه شوية قبل ما نطلع عند البنات.. مش انت خارج بالليل؟
_ أيوة عندي مشوار مهم..وانتي وجوري وعطر خدوا راحتكم واسهروا علي ما ارجع.
_________
+
" ماما، بابا..هو انا ليه مش عندي أخوات؟"
+
تبادل النظرات بدهشة مع زوجته مع تساؤل صغيرهما قبل أن يضع ياسين فنجان قهوته جانبا مبادرا بقوله: حبيبي دي أرزاق من عند ربنا، وبإذن الله قريب ماما هتجيبلك أخ او أخت.
هتف الصغير بلهفة: يعني ماما خلاص في بطنها بيبي؟
أطرقت بسمة رأسها بحزن لم يخفى عن زوجها الذي استطرد: يحيى، أنا ماقولتش ان ماما حامل، بقولك قريب. يلا بقي روح العب مع ابن عمتك وسيبني انا ومامتك لوحدينا..
بدا وجه الصغير محبطا بنفي أبيه وقال: حاضر بس ياريت يا بابا تجيبولي أخ..انا نفسي يبقي عندي اخوات احبهم ويحبوني..
ربت على كتفه: إن شاء الله يا حبيبى، بس انت مش وحيد يا يحيى، عندك في نفس العمارة جهاد ومالك ولاد عمتك.. وجويرية وباسم ولاد عمك عامر وطنط جوري.
_ ماشي منا بحبهم اوي، بس برضو عايز يكون ليا اخوات بتوعي أنا لوحدي.
+
تنهد وهو يطالع طفله بشرود، لو عليه هو فيحمد الله على رزقه ولا يشعر بالنقص لكن أن يشكو صغيره بالوحدة هو ما شق قلبه نصفين.
+
_ خد تارت الفواكهه ده واطلع لعمتو وماما شوية وهتحصلك.
_ حاضر يا بابا.
+
رمق إطراقتها بضيق فلكز رأسها بخفة: ايه بقا انتي هتاخدي على كلام عيل مش فاهم حاجة.
قالت بكسرة نفس: بالعكس، يحيى فاهم وشايف ان محروم من الونس، نفسه في اخوات يلعبو ويكبروا معاه.
_ واحنا قصرنا في ايه يابسمة؟ دكاترة وروحنا وكلهم اجمعوا أن مفيش أي موانع عندي وعندك.
+
_ بس في باب لسه سايبينه يا ياسين وانت اللي رافضه.
زفر مدركا مقصدها: هنرجع تاني للقصة دي.
جادلته بهدوء: طب بالراحة كده قولي هتخسر ايه؟
صاح بحدة: هخسر وقتي وأعصابي، انتي عارفة اني بكره ازور دكتور أصلا " الحقن المجهري" ده موال وحقن وسحب أجنة وترجيع وترقب وعالم كله توتر ووجع دماغ، انتي سليمة وتقدري تخلفي طبيعي ليه نعقدها؟
_ لأن ببساطة بقالي اربع سنين بحاول اخلف مبيحصلش وانا تعبت خلاص..انت فاكر دي اول مرة يحيى يسأل السؤال ده؟ أنا مش عايزة ابني يكون وحيد في الدنيا، نفس يبقي له عزوة وسند بعدينا.. ولا مستني اكبر في السن وانت تحس فجأة انك عايز ولاد فتتجوز عليا؟؟؟
+
قالت أخر كلماتها بحدة وهو يحملق بها مذهولا من مسار أفكارها، يتزوج؟ هل جُنت تلك المرأة؟
+
راحت تلهث انفعالا وفضيتها تتحجر بها العبرات، طالعها بعتاب لتترقرق حدقتيها وتزرف دمعا آبى أن يظل محبوسا بمحجريها..استعاذ داخله من الشيطان الرجيم وضمها إليها تاركا لها مساحة للبكاء قبل أن يجرف بأنامله وجهها من عبراته هامسا: أنا اتجوز عليكي يابسمة؟ انتي ماتعرفيش بحبك قد ايه؟ ده انا لو لفيت الدنيا شرق وغرب مش هلاقي ضفرك.
+
لم يكن سيل حنانه سوى سببا لتنهمر دموعها أكثر مفرغة شحنة حزنها وأشباح هواجسها تتكالب عليها منذ فترة..أصبحت تتخيل ما قالت كأنه حقيقة فصارت تسمع بأذنيها تلك العبارة القاتلة بصوته " هتجوز عشان اجيب أخ ليحيى" حتي أنها فاقت تصرخ من نومها ذات ليلة..لذا انفجرت الآن.
+
_ ممكن اعرف ايه مبرر تفكيرك ده يابسمة؟
تشبثت بصدره مختبئه به دون كلمة فأعاد تساؤله لتجيبه بخفوت هامس: من فترة كنت بتصفح الفيس لقيت بوست لواحدة بتعرض مشكلتها ان جوزها بعد تمن سنين اتجوز عليها بدون ما تعرف عشان يجيب ولاد لأبنهم الوحيد، ولما عرفت وثارت عليه فكان رده انه عمل كده عشان ابنهم مش يبقي وحيد في الدنيا.. كانت باعتة تطلب مشورة، تطلق ولا تفضل معاه.
+
نزعت وجهها من صدره تطالعه ليُبصر بفضيتها مرآة مخاوفها وهي تغمغم: ساعتها سيطرت عليه فكرة انك تعمل كده زيه وتدبحني بحجة انك تخاوي يحيى.
+
لا يعرف هل يصفعها بقسوة لشكها بوفائه وإخلاصه وحبه..أم يعانقها لينزع من روحها تلك الأوهام الحمقاء..نكست رأسها وقد فقدت طاقتها على المجادلة بعد أن فاضت بما كانت تخبئه، ليعود ويرفع وجهها إليه ونظرته القوية تصرخ بعتاب مخذول منها ذبحها ذبحا، فقبلت جبينه وهي تغمغم: سامحني يا ياسين، أنا مش بشك في إخلاصك لكن غصب عني خايفة من اللي جاي.
+
منحها قبلة دافئة قبل أن يقول: المرة دي هسامحك علي ظنونك السيئة فيا بس لو اتكررت ماتلوميش إلا نفسك لو زعلت منك..واستأنف همسه الحاني: احنا في شهر رجب، خلينا ننتظر لحد بعد العيد لو مش حصل حمل طبيعي موافق نروح لدكتور.
+
بفرحة غامرة ضحكت وتعلقت بعنقه ثم راحت تنثر قبلات سخية على سائر وجهه وهو يضحك من هجومها الذيذ الذي دفعه لحملها بين ذراعيه ليتبادل معها عاطفة متأججة لا تليق بسواها..
______
+
دفعتها برفق وهي تمنحها نظرة داعمة لتقترب لارين على استحياء من والدها وهو يستعد للخروج:
_ بابا.. صباح المانجو.
+
حدجها بنظرة باردة وهو "يحزم" معصمه بساعة يده وقال باقتضاب: صباح الخير.
حزنت وهي تشعر بفقد حنان والدها الغاضب مما فعلت، عادت تحاول: مفيش صباح الكريز يا لاري؟
تجاهلها وهو ينثر عطره سريعا فهرولت تمسك يده بكفها الصغير مستجدية صفحه: مش هتسرح شعري يا بابا؟
ترك يدها معاندا ضمها بصعوبة وهو يتظاهر بالجمود : مش فاضي يا لارين عندي شغل.
+
تقدم خطوتان فوقفت بلقيس بوجهه تمنع مغادرته وهي ترمقه بعتاب كي تحسه علي العودة، فزفر وعاد للصغيرة يصفف شعرها وهو يقول بتلميح متعمد:
للأسف مش عارف اضفر شعرك لأنه بقى قصير.
+
صاحت وهي تلتفت إليه: تيتة قالتلي انه هيطول تاني..(انتهى من صنع جديلة صغيرة لها مع قوله) خلصت سيبيني بقي اروح شغلي.
استدارت سريعا وتعلقت بعنقه فرفع جسدها الصغير صامتا ليعطيها فرصة الاعتذار وهي تهتف بصوتها الرقيق: خلاص يا بابا مش هعمل حاجة تأذيني تاني ولا أبوظ شعري بالمقص من وراكم أو افتح صبغة شعر مامتي واحافظ علي عنية اللي جت فيها الصبغة وحرقتني..
ثم قبلت ذقنه الخشن برقة: لاري بتقولك أسفة.
لبث يطالعها برهة ثم لانت ملامحه وهو يضمها مع تحذيره: يعني وعد ماتلعبيش في شيء خطر تاني وتستأذني ماما وتيتة في أي حاجة عايزة تعمليها؟
_ وعد يا بابا.. وكمان هاكل جرحير كتييييير كتيييير عشان شعري يطول بسرعة.. تيتة دره قالتلي كده.
غمرها بعناق أبوي: ماشي ياعمري وأنا خلاص مش زعلان منك.. يلا بقا انزلي خليني امشي.
_ طب قولي صباح الكريز عشان اعرف انك سامحت لاري.
ابتسم بحنان: صباح الكريز والمانجو يا أميرتي.
+
قهقهت بعد حصد رضا والدها أخيرا وراح يدغدغ خصرها لتترك عنقه وتدعه يذهب ثم قالت مصححة وهي تركض بعيدا: غلط يا بابا أنا مش أميرتك، أنا "لارين" ملكة أبيها.
+
راقبها وعينه مشتعلة ببريق محبة وهي تبتعد وصوت ضحكاتها يملأ محيطه ويعزف على أوتار قلبه.
+
_ كنت قاسي عليها أوي ياظافر..أول مرة تخاصمها كده.
_ كان لازم يابلقيس.. لارين عارفة اني بحبها وضعيف قدامها وهي اتهاونت برد فعلي بعد ما لعبت في شعرها وقصيته وبوظته.. وكمان استخدمت صبغة الشعر وجت في عيونها وكانت هتضيع واديكي شوفتي كان حالتها ازاي..
+
هتفت متفهمة: بس الحمد لله ربنا سترها وعيونها اتحسنت كتير عن الأول.
_ الحمد لله، ومع كده كان لازم اخد موقف عشان تفهم اني اقدر اعاقبها لما تغلط ومش هعدي شقاوتها بالساهل وان في عقاب..
+
وقع بصره علي ساعة الحائط فقال وهو يلتقط هاتفه سريعا: على فكره انتوا أخرتوني، عندي تصوير حلقات للبرنامج عشان رمضان ويدوب الحقه.
_ انت مش هتطلع حلقاتك لايف في رمضان ؟
_ لأ، عشر حلقات بس هيبقوا لايف والباقي هيكون مسجل، أنتي عارفة ده موسم بالنسبة لشغلي وبكون مضغوط جدا.. تسجيل حلقات البرنامج هيكون اريح ليا.. وواصل: تيجي معايا اوصلك الشركة؟
_ لا ياحبيبي انا مش رايحة الشركة..طنط قالتلي مصطفى وهو نايم معاها بالليل كان سخن شوية، عايزة اطمن عليه.
_ لا انا شوفته واحنا بنفطر كان كويس.
_ عارفة ومع كده هفضل عشان اطمن واتابعه اليوم كله، فعادي لو مش روحت الشركة انهاردة.
_ يكون أحسن برضو، وانا رايح اشوفه بسرعة وامشي، مش عايزة حاجة؟
_ عايزة سلامتك، في حفظ الله..بس بفكرك إيلاف ومحمود جايين. عندنا انهاردة وهيسهروا معانا، حاول تيجي بدري.
_ إن شاء الله.
______
+
مد لثغر الصغيرة قطعة شيكولاه، فأثنته جدته برفق: لا يامصطفى دينا بنت عمتك مينفعش تاكلها دلوقت، لسه صغنونة.
تضايق الصغير: ليه يا تيتة دي هتعجب دندن حبيبتي أوي والله لو داقتها.
ضحكت وقبلت رأسه: عارفة يا روح تيتة بس دلوقت دينا مش بتاكل غير لبن وزبادي وخضار مخفوق ..لما تكبر جبلها شيكولاتة براحتك..
دس الصغير قطعة الشيكولاه بفم جدته سريعا وهو يضحك: ضحكت عليكي يا تيتة واكلتهالك.
ابتلعتها عنوة وهي تصيح: كده يا ولد تأكلني كل دي؟ سكر تيتة هيعلى.
ببراءة تسائل: أنتي عندك سكر يا تيتة؟ طب ممكن تديني شوية؟
شهقت وضمته منزعجة: ألف بعد الشر عنك يا نور عيني..دي مش حاجة حلوة يامصطفى، السكر اللي عندي ده مرض باخد له علاج.
طغى على وجه الصغير الحزن وربت عليها: ربنا يشفيكي يا تيتة.. ويشفي جدو عاصم وتيتة دره هما كمان بياخدوا علاج كتير.
لثمت باطن كفه: أهو انا كده خفيت.
ابتهج وجهه: بجد خفيتي؟
_ ماهو لما مصطفي روح قلبي يدعيلي لازم هخف.
فكر لحظات قبل أن يعدها ببراءة: خلاص يا تيتة كل يوم هدعيلك تخفي.
_ربنا مايحرمني منك انت واختك وولاد عمتك، يلا روح العب معاهم بقا.
_ حاضر بس أبوس دندن وامشي.
شيعته بنظرة محبة وصارت تدعوا بحفظه هو وباقي أحفادها..
______
+
صاح بألم: انتي بتضربيني ليه يا لاري؟
هتفت عليه بحدة: عشان بتمسك الضفيرة بتاعتي يا لؤي.
_ وفيها ايه عجبتني وكنت عايز امسكها.
_ لأ، ماما وبابا قالولي محدش غريب يقرب مني خالص.
_ بس انا ابن عمتك يا فالحة مش غريب.
_ لأ غريب، لأنك مش اخويا ولا بابا ولا جدو ولا جوزي.
هز رأسه بتفكير عميق ثم قال وهو يبتعد: ماشي.
........
خالو، ممكن تجوزني لاري بنتك؟
حدقه ظافر بذهول: نعم؟ تتجوز لارين؟ بس انت لسه صغير.
_ عادي منا هكبر.. أكيد مش هفضل طفل ياخالو
+
مالت إيلاف على أذن بلقيس: اتفرجي بقا وصلي علي النبي في قلبك كده وشوفي الفذ ابني وهو بيتكلم ويطلب ايد بنتكم من اخويا.
بضحكة مكتومة غمغمت: والله الواد لؤي ابنك ده حتة سكر.. خلينا نشوف جوزي هيقوله ايه.
+
ظافر: عارف يالمض انك مش هتفضل طفل، بس لارين كمان هتكبر وتسبقك.
_ لأ خليها ماتكبرش لحد منا ابقي اكبر منها ونتجوز، مش هي بنت خالي؟ انا أولي بيها.
حملق به ظافر بينما انفجرت بلقيس وإيلاف ضحكا ومحمود يتابعهم مبتسما بتسلية غير متعجب من حديث صغيره الذي أختبره كثيرا، فأمسك ظافر تلابيب كنزة لؤي: مين علمك تقول الكلام ده يالا؟
_ محدش علمني ياخالو انا فاهم كل حاجة لوحدي..
+
تبادل نظرات الدهشة مع الجميع ثم عاد ينظر له مقاوما ابتسامته وهو يشير له: طب روح يا لؤي العب مع ولاد خالك هناك.. انت لسه طفل ياحبيبي.
_ طب هتجوزهالي؟
_ لما تكبر هقولك.
_ ماشي.
هم بالابتعاد ليوقفه ظافر: لؤي، طب انت ناوي تشتغل ايه لما تكبر؟ ما انت لو عايز تتجوز بنتي لازم تكون شغال.
فكر الصغير قليلا قبل أن يفصح له:
أنا بحبك أوي ياخالو بس لما اكبر مش هكون شيف زيك لأنك بتقطع بصل وأنا مش بحب ريحته..ثم أشار لأبيه: انا هشتغل زي بابا كده، هيكون عندي مكتب كبير ( انتفخ صدر محمود فخرا قبل أن يواصل لؤي) عشان ألعب على اللاب طول النهار واجيب فلوس.
+
اتسعت عين محمود بصدمه بين قهقهات الجميع ولكز رأس طفله بحنق: هي دي كل فكرتك عن شغلي يالا؟ ابوك بيلعب يا أوزعة؟؟
_ أيوة يا بابا انت كل يوم تفتح اللاب وتقولي بشتغل..مش اللاب الناس بتلعب عليه؟
+
لمح محمود بوجههم ابتسامتهم المكبوتة فعاد يهتف بنفاذ صبر: "ولا" أجري من وشي بدال ما اتغابى عليك أجري.
+
ظافر متهكما: أول مرة ابنك يقول كلام صح.
_ الله يسامحك يا ابو نسب..ده انا قربت البس نضارة "كعب حمار" مش كعب كوباية من كتر شغلي.
إيلاف بدعم: والله فعلا يا أبيه حوده بيتعب خالص.
_ قلب حوده بقا.
+
زجرهم ظافر: اظبط نفسك انت وهي بلاش مسخرة واحنا قاعدين (ثم غمغم ساخر) انا كده عرفت الواد لؤي ابنكم طالع معتوه لمين.
________
+
"لارين، انا خلاص هتجوزك"
+
رمقته بدهشة: تتجوزني ازاي يا لؤي انت عبيط؟ احنا لسه صغيرين يا ابني.
_ محنا هنكبر يا هبلة.
نفثت بضجر: برضو ماينفعش
عبس وجهه بتذمر: ليه يا رخمة؟
_ عشان انا اكبر منك.. انا هتجوز واحد قوي زي بابا ويكون امور زيه ومشهور كمان.
قال ببساطة: طب منا امور زي بابا ومشهور.. وممكن انا اكبر الاول وانتي تستني لحد ما اكون اكبر منك وبعدين نتجوز.. سهلة يعني.
رفعت حاجبيها الجميلة باستنكار: انت غبي يا لؤي؟ منا كمان هكبر وبرضو هبقى اكبر منك.
_ كده يا لاري؟ مش عايزة تستني اما اكبر..ده انا كنت هجيبلك شيبسي وشيكولاتة كتير اوي.
رقت له قليلا: طب ماتزعلش يا لؤي، استني اما نكبر لو لقيتك قوي زي بابا هتجوزك.. اتفقنا؟
صمت برهة يفكر بقولها ثم قال: ماشي اتفقنا.
تعالي بقا نلعب انا وانتي ومصطفى بالسلايم.
_ يلا بينا.
________
+
_عشان خاطري يابابا وافق ماما تشارك معايا في فيديو الذكرايات اللي بحضره، ماهي هتطلع فيه بحجابها ايه المشكلة؟
+
عابد بصرامة: وبعدين معاك يامهند؟ يعني بعد ما كبرت وبقيت راجل عايز كده ماما تشيلك وضهرها يوجعها وتتأذي عشان تعمل فيديو زي أصحابك وتقلد صورك وانت صغير؟ كفاية فيديوهاتك انت وروتي وديبو اخواتك..بلاش ماما.
+
حاول مستميتا لإقناعه: يا بابا ماما مش هتشلني ولا حاجة، أنا اختارت صورة مناسبة جدا وهي بتأكلني على المرجيحة اللي حضرتك عملتها عشاني في الجنينة..وغلاوتي عندك يا بابا ما ترفض، كل اللي طلبت منهم الصور ساعدوني، حتى جدو أدهم وجدو محمد وتيتة عبير وتيتة كريمة وعملوا معايا الصور اللي طلبتها قبل ما يسافروا للحج؟
+
اتسعت عين عابد بدهشة: ايه ده؟ انت خليت الناس الكبارة الوقورة دي يشتركوا معاك في الهبل ده؟ أمتى عملت كده؟
_قبل ما يسافروا بيومين، انت فاكرني بلعب يا بابا، ده انا محضرلكم مفاجأة جامدة وعزمت الكل تاني يوم رجوع تيتة وجدو والباقيين.
سأله بتوجس: عزمت الكل اللي هما مين؟
أجابه بفخر لما انجزه: فرع العيلة بتاع القاهرة كله يا بابا من أول عمو ياسين وخالو محمود لحد عمو ظافر وطنط بلقيس.
ضحكت زمزم التي تتابعهم وقالت: ده انت طلعه مش سهل يا هوندتي، ومستني ايه يا ولد عشان تعرفنا بعزومة ضخمة زي دي؟ في تجهيزات كتير لازم تتعمل قبلها.
+
اقترب لوالدته وقبل كفيها قائلا: ماتقلقيش يامامتي ياحبيبتي، انا كلمت عمو ظافر يعملنا اوردر محترم من الحاجات الحلوة اللي بيعملها في البرنامج وبتجوعنا دي، يعني مش هتتعبي في حاجة( وهز الصغير كتفيه ببساطة) وبابا يبقي يحاسبه.
+
رمقه عابد بذهول: بابا يبقى يحاسبه؟ ياخراب بيتك ياعابد..انفجرت زمزم ضحكا وهي تدلل صغيرها بفخر: حبيب أمه اللي كبر وبينظم احتفالاتنا وبيكمل مسيرة ابوه ملك الفرفشة.
تهكم مع قوله: ملك ايه بقي يا ست هانم ابنك ركني علي الرف و وكل وظيفتي اني ادفع الفاتورة في الأخر زي أب مصري بيحترم نفسه.
اقر مهند ببراءة: عادي يا بابا ماهي كل الأبهات كده وبعدين انا هدفع منين؟ اما اكبر واشتغل هظبطك.
لكزه عابد برأسه ساخرا: ياعم بس كفي نفسك الأول.
_ ماشي هكفي نفسي، المهم موافق اعمل الفيديو مع ماما؟؟؟
_ لأ مش موافق.
استدر عاطفته: كده يا بابا بتكسر خاطر هوندا حبيبك؟ أهون عليك تزعلني؟
+
تدخلت زمزم لتدعم طفلها: عابد مافيهاش حاجة اما اظهر دقيقة وانا بلاعبه على المرجيحة، أنا كمان نفسي اسجل الذكرايات دي مع هوندا واخواته عشان نفتكرها لما يكبروا..والله دي تجربة حلوة جدا..ده أخويا محمود وإيلي عملوا مع ولادهم فيديوهات تجنن وهيبقي ذكري ليهم ماتتنسيش.
+
رمقها بحنق ودني مهند وهو يعرض عليه الصورة ليقنعه قائلا: طب شوف حضرتك الصورة اللي اختارتها عادية ازاي؟ انا هكون فاتح "بقي" بهبل كده زي ما كنت صغير وماما بتأكلني حتة بسبوسة وبتضحك..وطبعا لقطات بسيطة زيها مع اخواتي، شايف سهلة ازاي؟ وحياتي عندك توافق يا صاحبي.
+
رق قلبه له ولنظرته المترجية وغمغم بخشونة يشوبها مسحة حنان واضحة : ماشي يا سيدي موافق.
قفز مهند متعلقا برقبته: صاحبي الجدع وحبيبي وربنا، هات بوسة بقا..ابتسم عابد وهو يقبله: يلا روح شوف اخواتك فين.
.........
_ الولد اكل بعقلي حلاوة وركني علي الرف.
قبلت خده بدلال: ده يوم الهنا اما مهند يكبر ويبقي كتفه بكتفك يا حبيبي، بذمتك مش فرحان به؟
عصفت عيناه بحنان دافيء: انتي بتسألي يازمزم؟ طبعا فرحان، بس حاجة واحدة مضايقاني انه طلب اوردر من ظافر، لعلمك هاجي احاسب الراجل مش هيرضى انا عارفه..كان قالي وأنا اتصرفت هنا.. ماهو بديهي كنت محضر وليمة بعد وصول الغاليين.
+
_ معلش يا عابد مهند كان قصده يفرحنا ويحسسنا انه كبر وبيتصرف لوحده، ده لسه صغير برضو، عموما ظافر مش غريب انت صمم تحاسبه، اذا رفض مايجراش حاجة مسيرنا نردها يعني مش المناسبات..
واستطردت بتمني: عارف ياعابد، نفسي العام الجاي بأذن الله اطلع عمرة معاك.
ضم كتفيها: بس كده؟ من عيوني يا زوما، الكبار خلاص طلعوا واتبسطوا.. السنة الجاية نسيبلهم عيالنا ونطلع، حتي ممكن انظمها مع باقي شباب العيلة ونروح عمرة جماعية.
_ والله فكرة حلوة ياريت تعملها.
_ خلاص ده وعد ياقلبي..
ربنا يبلغنا الأيام المفترجة دي العام القادم علي خير.
لا فاقدين ولا مفقودين.
_ اللهم امين.
_____________
+
"معقول مهند هو اللي طلب منك أردر؟"
+
_اه والله، لقيتوا بيقولي ياعمو انا عايز تعملي الديك الرومي بتاع الحلقة اللي فاتت عشان عايز يفاجي أجداده اللي راجعين من الحج.
قالت ببفخر: انت مجنن العيلة كلها باللي تعمله في البرنامج، بسمة وجوري وعطر بيعملوا وصفاتك كلها يعني خيرك بقى علي كل بيت يا شيف.
ابتسم بتواضع: ده خير ربنا، كويس انهم بيستفيدو.
+
تنهدت بوميض توهج بحدقتيها: سبحان الله يا ظافر الولد الصغير اللي كان لسه بيلعب بين ايدينا كبر وبيحاول يبقي راجل كبير ويقلد باباه..بينشر السعادة علي الكل زي أبوه بالظبط.
+
_الفضل لله ثم لعابد في شخصية مهند دلوقت، ربنا يجازيه خير مش مفرق ابدا بينه وبين وولاده
_ بالعكس، روحه في مهند يا ظافر، انا شاهدة علي حكايتهم من الاول..وبعدين انا ولاد عمي كلهم رجالة جدعان وطيبين وقلبهم زي بياض التلج.
+
رفع حاجبيه بلمحة غيرة: بجد؟ وايه كمان اشجيني وكملي قصايد شعرك في ولاد عمك.
+
حدجته برهة بغباء ثم ضحكت بدلال وطوقت عنقه ملثمة خدية: حبيبي الغيور..هو في زيك يا ابو مصطفى؟ ده انت نكهة مالهاش مثيل في العالم.
طوق خصرها بالمثل مع نبرة عابسة: لحقتي نفسك قبل عقابي.
غمزته بمشاكسة: أنهي عقاب فيهم؟
مال وقبلها برقة ثم ابتعد مع قوله: ده.
واستطرد بجدية: قوليلي بقى ناوية تروحي المنصورة امتى بالظبط؟
قبل وصول ماما وبابا والبقية من الحج بيوم..بس علي كده انت هتعمل ايه في الأوردر؟
+
_ هيتشحن عادي، انا طبيعي بعمل اوردارات شحن لاي مكان دلوقت الحمد لله مافيش مشاكل.
_تمام، على خيرة الله يا شيف.
___________
+
مكة وفيها جبال النور..طلة على البيت المعمور
دخلنا باب السلام..غمر قلوبنا السلام
بعفو رب غفور.. فوقنا حمام الحما
عدد نجوم السما..طاير علينا يطوف
ألوف تتابع ألوف..طاير يهني الضيوف
بالعفو والمرحمة...
+
طغى صوت أم كلثوم واغنيتها المحببة خلفية استقبال العائدين من بيت الله والجميع محلق حولهم مهنئين عودتهم سالمين..وكبار العائلة تستعرض بفرحة الهدايا للأبناء و الأحفاد..
__________
+
كم يركض بنا الزمن مثل جواد جامح ويطبع بحوافره على أرض وجوهنا وأرواحنا بصمته الآسرة، هاهو فيديو الذكرايات يوثق لتلك العائلة لحظات مضت عليها أعوام..بدأ تدفق الصور المتتابعة بملامح يتيم كان صغيرا يتأرجح فوق أرجوحة والده الروحي " آبد" كمان كان ينادية.. وهنا شقيقه ديبان يركض وزمزم تطارده لتدس بفمة طعام مخفوق، فيلتقط لهما مهند نفس اللقطة وأخيه صار عمره ست سنوات..وصورة اخرى لفراشتهم الرقيقة روتيلا والجد محمد يحملها بين ذراعيه ويضحك والصغيرة تنزع بشقاوة نظارته، ويلاطفه الجد أدهم في صورة أخرى ليضحك فتلتقط الجدة عبير صورة وجهه الشهي سريعا وهو يضحك..والجدة كريمة تهذب شعره وتصنع له عصير يحبه ليلتهمه بنهم من بين يديها.. انتهى مهند من عرض لقطات عائلته ودموع زمزم تسيل بحب وحنين وهي تسترجع أجمل لحظاتها مع صغارها الذين كبروا وأضحوا يملأون الدنيا بهجة حولها.. كم هو رائع فيديو الذكرايات..هو كنز عمرها الذي ستدخره حين تشيب وتشتاقهم.
+
أما بالدقائق التالية للفيديو انسابت صور ظافر وهو يغزل جديلة صغيرته ليستعيد هو الأخر ذكراياته معها كل الصباح كما كان يفعل..وبين الجديلتين عمرًا ليس هين لو تعلمون، كبرت ملكة أبيها وجمالها يتوهج أكثر ليستفحل خوفه عليها أضعاف، ملكة أبيها..طوق الياسمين وزهرة البرتقال، كلها ألقاب حصدتها لارين وحدها من ظافرها..
+
ومن جلستها تراقب بلقيس الفيديو والتاريخ أمامها تدور عجلته من جديد، كأنها تبصر مرآة وترى صورتها هي وأبيها، كان يهتم بها هكذا، يطعمها، يلاطفها، يحملها علي كتفيه ويدور بها وهي تملأ الدنيا حوله ضحكًا..هكذا يفعل ظافر.. حتى خوفه على لارين يشبه خوف أبيها عليها..ستظل الصغيرة ملكة تشغل باله صباح مساء..أما صغيرها المشاغب قطعة الروح أخذ حيز من ذكرايات كثيرة، جميعها تصنع الضحكة على شفتيها..وعند تلك اللقطة ومضت شمسيها بحنين جارف وهي تعود بالزمن للقطة مع وأبيها وهي تفتح فمها لتلتهم حلواها من كفه، عيناه تطالعها بحنان كما يفعل الآن.. مازال يدللها.. مازلت ملكة على عرش قلب عاصم، لم ولن يأخذ مكانها أحدا حتى صغارها.. وعلى صدر دره كانت لمحة أخرى من الذكرايات، وهي غافية بين يديها بأمان ودره تشدو همسا بأذنيها وبلقيس تطالعها بنظرة طفولية.. الصوت ينساب كأنها تسمعه الآن ومعه كنز ذكرايات لن تنضب من خزانتها قط.
+
اما بسمة الذكرايات معها اختلفت، ليس فقط مع طفلها يحيى وزوجها، بل لشقيقها ياسين نصيب كبير بما سجلته بالفيديو خاصتها، فمازالت ترى ذاك اليتيم الذي فقد أمه ولم يرتوي منها.. تشفق عليه ومسحة حزنه محفورة بملامحه وجلية مهما طمسها وقاره المستحدث رغم صغر عمره، استعادت معه الكثير من اللقطات لتمنحه ولو قدر يسير من الأهتمام و السعادة..كذلك فعلت حنين معه ومع طفليها طه وهمسة وزوجها..
.
اما يزيد وفواحته..وثقا معا أجمل الصور وهما يعيدون التقاطها مع صغارهما جهاد ومالك وما جعل أحداقهما تلمع أكثر هو ذاك الخبر الذي يدخرونه في أخر الاحتفال للعائلة.. فواحته تحمل بأحشائها جنين جديد..اكتملت فرحة يزيد وعائلته ستكبر كما تمني، سرا دعى ربه أن يرزق بفتاة، يريد قردة صغيرة تتسلق علي جدار قلبه وتحتله كما فعلت فواحته، يعلم انها ستنال مكانة مختلفة بين شقيقاها..ستكون مدللته..يعدها بذلك حتي قبل أن يراها.
أما عامر لم تكن ذكرايات عائلته الصغيرة مجرد عناقات وقبلات وجدائل..كانت أطواق من الورود لضمها بحبات عينه وجويرية طفلته الأولى تقلده في كل شيء حتي انها اتقنت صنع أطواق الورود مثله ألتقطت لها والدتها لقطات تشرح القلب.. وباسم صغيرها بغيرة يدس جسده بين أبويه ويبعد ذراع أبيه عن والدته لتضحك جوري ويسجل لهما عامر لقطة اخري ستخبر الصغير يوما كم كان يغار على أمه ويحبها ويلازمها گ ظلها..
+
ثلاثون دقيقة خُطفت من الزمن لحياة تلك العائلة التي عايشنا معا تفاصيل حياتها كاملة، بحلوها ومرها، بدمعها وضحكاتها، لحظات التقطتها عين كاميرا لتوثق عمرا جمع أطرافه فيديو الذكرايات.. دقائق أشعلت الحنين في نفوسهم، الكل تذوق تلك اللحظات من جديد.. تلذذ بما حصد ونال.. ربما لم تكتمل أحلامهم بعد.. لكنهم ماضون بسعيهم في الدنيا يضمهم حصن العائلة ودفئة الذي لم يعد غائب.
+
وهنا لن أقول أنه أخر المطاف لأبطال روايتي.
ربما هي بداية جديدة لكل شيء.
بداية لعهود ستبرم..
أماني لم تتحقق بعد.
أهداف مازال مبكرا الوصول إليها.
عجلة الحياة سارية بهم و ستضخ لهم مفاجأت لا نتوقعها..أقلام الصغار ستنقش على جدران طفولتهم سطور حكاياهم الخاصة..ويوما ما ستكون الرواية روايتهم والعبرة منهم..سيتبعون خطى أباءهم.
منهم من سيرث إثما عظيمًا
ومنهم من سيحصد كل الخير..
والآن أقول سلامًا لكم دون وداع.
بل سلامًا يحمل شوقي للقادم معكم.
+
تمت بحمد الله
------
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا