رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الخامس والستون والسادس والستون بقلم دفنا عمر
رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الخامس والستون والسادس والستون بقلم دفنا عمر
رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الخامس والستون 65 بقلم دفنا عمر
الفصل الأخير.
_______________
+
نامى نامى ياصغيرة.. يالله اغفى ع الحصيرة.
نامي فى حضن اديا ..بكرة شمسي جاية.
هدفينا بحب كبير.. وتلملم كل الجراح.
نامى نامى ياصغيرة.. يالله اغفى ع الحصيرة
+
بكرة بابا جاى.. جايب شمس مضوية.
غازلك بعيونه شال.. يدفيكى شتوية.
ياعصفورة محندقة.
شعرك اسود ومنقى.
واللى يحبك بيبوسك.
واللى يشوفك يترقا.
نامى نامى ياصغيرة.. يالله اغفى ع الحصيرة.
+
_ ياسيدي على الروقان.
ابتسمت وهي تشير له ألا يصدر صوتًا وأرقدتها برفق في فراشها الصغير.
_ لاري خلاص نامت؟
همست :الحمد لله أخيرا، دي طلعت عيني.
اقترب لطفلته وهو يغمغم: طب ابوسها وهي نايمة.
+
قبل أن ينحني يلثمها سحبته بلقيس بعيدا عنها وهي تهتف بخفوت حانق: تبوس مين؟ ماهي قدامك بقالها ساعتين حليت في عينك تبوسها دلوقت وتصحيها تاني؟
تعمد استفزازها بتسلية: والله أنا حر، أبوس بنتي وقت ما يعجبني.
جزت علي أسنانها: ظافر، سيب "لاري" ما صدقت نامت حرام عليك خليني انام ساعة واحدة بس انا مطبقة بقالي يومين وخلاص تعبت.
+
تراجعت رغبته في مشاكستها وحلت عاطفته فجذبها لفراشهما وأسكنها صدره وراح يربت على رأسها بانتظام حاني هامسا: طب يلا نامي.
+
عانقته وارتخى جسدها تماما والنوم يداعب جفناها بشدة فارضا سطوته، تأمل وجهها عن قرب فوق ذراعه وهو يحاصرها بنظرة يسيل منها حبه وإعجابه بعد شدوها الرائق منذ قليل، فغمغم بخفوت: بس ماكنتش اعرف ان صوتك حلو كده يا بلي.
+
شرعت عيناها وقالت: ده صوت قلبي ياظافر..مش مصدقة ان بنتي بين ايديا.. قادرة المسها وابوسها واحضنها.. ياما حلمت اغنيلها كده..
واعتدلت قليلا تستأنف همسها وأصابعه مازالت تعبث بشعرها الطويل بنعومة: ماما كانت بتغنيلي الأغنية دي دايما.. لو سمعت صوتها هتحبوا اوي.. لما كنت بقولها يا ماما صوتك حلو.. كانت تقولي ده صوت قلبي.
+
مال مقبلا موضع قلبها هامسا: يسلملي قلبك وقلب بنتي ويخليكم ليا.. وعاد يسترخي ثانيا مغمغما بلمحة دلال: طب غنيلي أنا كمان زيها..عايز انام على صوتك.
ابتسمت بحب طاغي وتبدلت الأدوار وهي تضع رأسه فوق ذراعها وأناملها الحرة تتخلل شعره: تحب أغنيلك ايه؟
_ أي حاجة لفيروز..
+
أجلت حنجرتها بعد أن حددت إحداهم وراح صوتها ينساب في أذنيه بوقع ساحر والابتسامة الحاملة تزين شفتيه:
+
أنا لحبيبي وحبيبي إلي.
يا عصفورة بيضا لا بقى تسألي.
لا يعتب حدا ولا يزعل حدا.
أنا لحبيبي وحبيبي إلي.
+
حبيبي ندهلي قلي الشتي راح.
رجعت اليمامي زهر التفاح.
وأنا على بابي الندي والصباح.
وبعيونك ربيعي نور وحلي.
+
تغلغل صوتها الساحر داخله، أغمض عينه وهو يحتجز صورتها بصفحة عقله والصغيرة تقتسم الصورة وتعطيها نكهة جديدة، بدأت جفناه ترتخي رويدا وأناملها تداعبه حتى غفى وأخر ما أدركه بصوت حبيبته الساحر.
+
وندهلي حبيبي جيت بلا سؤال.
من نومي سرقني من راحة البال.
أنا على دربو ودربو عالجمال.
يا شمس المحبة حكايتنا أغزلي.
أنا لحبيبي و حبيبي إلي.
يا عصفورة بيضا لا بقى تسألي.
لا يعتب حدا ولا يزعل حدا.
أنا لحبيبي وحبيبي إلي.
__________
+
أحضر لها دفتر جديد وجميل مثلها.
راح يسكب بأول صفحاته "أحبار" مشاعره التي انسابت فوق السطور ترسم لابنته بالحروف قصائد لا كلمات..
لارين يا ملكة أبيكِ.
تدللي ياصغيرة فوق آسرة القلوب.
املأي الدنيا بصوت " موائك" الذي تهمسيه گ القطة.
كيف وانتي بهذا الحجم تقتلني حبًا وتعلقا بكِ.
عناق أناملك الرقيقة لإصبعي يكاد يذيبني.
فماذا لو كبرتي صغيرتي وعانقتيني كلك.
"وائك" تلك الكلمة اليتيمة بأذني تساوي عندي كل بلاغة الحروف وتكمل أبجديتها الناقصة..
جوهرتي عيناكِ لآليء تضوي وتبدد عتمة سمائي..
نظرتك البريئة وانتي بمزاجك الرائق بعد ارتشاف حليب والدتك تبتلعني لعالم أختبره للمرة الأولي
عالم ساحر لم يطأ أرضه سواي.
كم جميل أني أصبحت أبًا.
+
_بتكتب ايه حبيبي؟
+
التفت لزوجته مبتسما: بكتب أول صفحة لبنتي في الدفتر بتاعها..لو ربنا عطاني العمر هيكون هديتي في اول يوم ليها في الجامعة.
+
نهضت جاذبة رأسه وقبلته بشعور أمومي هامسة بإزعاج حقيقي: ربنا يعطيك العمر كله ويخليك ليا وليها ولولادنا الجايين.
+
ابتعد عنها وأسكنها صدره وحاوطها بذراعيه نافثا بثنايا عنقها تنهيدة دافئة مع همسه: حاسس بحاجة غريبة مش فاهمها.
تساءلت وكفها يربت على موضع قلبه: ايه هي؟
_ حبي وخوفي في ميزان واحد.. كل اما اتأمل لارين ابقي عايز ادخلها جوه عيوني أحسن حاجة مش عارفها تأذيها..حاسس اني ببالغ ومحتاج اروض مشاعري دي..
+
ابتسمت متفهمة ما قاله: ده طبيعي يا ظافر.. أنت كأنك وصفت أحساسي والله.. ومتأكدة ان كل أم وأب كانوا زينا أول مرة..
+
ثم ابتعدت عنه تشاكسه: ممكن بقي اعرف كتبت ايه لبنتنا؟
مد لها الدفتر، أخذته والتهمت سطوره بلهفة.. كلما بدأت سطر جديد لمعت عيناها حبا ودموع ثم رفعت وجهها إليه تهمس: انت بتكتب شعر؟
+
ندت عنه ضحكة خافتة: لأ.. انا كتبت مشاعري لبنتي مش أكتر..
+
عادت تنظر لسطوره وهي تردد:
لارين يا بابِ كعبة يطوف حولها الطائفين.
لارين يا ملكة أبيكِ يا آسرة الناظرين.
لارين يا حبيبتي وكَنز العمر ونصري المبين.
لارين يا زهرة البرتقال وطوق الياسمين.
ظافرُ أنا حين قبلتُ بوجهك هذا الخد وذاك الجبين.
+
صاحت بإعجاب جم: الله يا ظافر.. كلامك روعة وتقولي كتبت مجرد مشاعر..ده انت لازم دور النشر تعرف بوجودك ينطبع ليك ديوان يا راجل.
+
ضحك بانطلاق أكثر: مجاملة مقبولة يا بلي..
_ وربنا مابجاملك.. حقيقي دي أجمل هدية هتكون لبنتنا لما تقرا كلامك.. وتركت الدفتر لتلتقط كفه وتلثمها بعاطفة حانية: لارين محظوظة بأب زيك زي ما أنا محظوظة بيك..
واندست به وهو يحتويها بصمت قبل أن تهمس: حبيبي.
_ عيوني.
_أنت خلاص هتهجر سطور دفتري وتسيبه فاضي؟
قالتها بغيرة محببة كستها بصوت دلال أنوثتها الآسر، فابتسم محتضنًا وجهها ببن راحتيه: مشاعري ليكي ميكفيهاش ألف دفتر يا بلقيس.. انتي حاجة تانية مش هقدر اوصفها بكلام..
ثم مال مصافحا شفتيها بقبلة ليهمس بعدها بغمزة عين: في لغة تانية أقدر اعبرلك بيها أكتر من الكلام..
ضحكت بدلال خطف قلبه وعانقته بقوة لتقاطعهما الصغيرة بمواء رقيق حاز اهتمامهما معا وبلقيس تستدير نحوها وتحملها وهي تغمغم لها بحنان:
الصغننة روح مامتها صحيت؟ لاري جعانة وعايزة "مم" عشان تكبر؟
+
لوحت الصغيرة بكفيها الناعمة المنبثقة من الغطاء كأنها تجيبها بنعم هي جائعة ومعدتها فارغة..استعدت بلقيس لتمنحها طعامها بينما ظافر يداعب شعرها الأسود الكثيف فوق رأسها هامسا: هي طلعلها الشعر ده كله امتى؟
_بيقولوا عليه شعر البطن.. ماما قالتلي انا كنت كده لما اتولدت.
لثم خدها بذات الهمس: امال بنتي طالعة حلوة لمين؟ وواصل همسه للصغيرة: امتى شعرك يكبر واسرحك بنفسي يا روح بابا..
_قوليلوا هكبر بسرعة يا بابا وهستناك تضفر شعري.
+
أنتهت من إطعامها ونهضت ليسألها: رايحة بيها فين؟
_ هحميها يا ظافر عشان تبقي ريحتها حلوة.. طنط هدى وايلي وماما وبابا دقايق وهيطلبوا يصبحوا عليها مش هيصبروا.. ولاعايز ملكة أبيها تبقي ريحتها بيبي؟
قهقهة وهو يميل يلثم صغيرته: وحتي لو ريحتها بيبي.. دي مسك اش فهمك انتي..يلا بقى حضريها وانا هاخد حمام تحت.
_ يا ابني استني اخلص بسرعة واتحمم هنا.
_ مش هتغيبي؟
_ لا والله ابدا..
وهمت بدخول المرحاص لتقف بغتة مستديرة إليه:
ظافر.. تعالي نحممها سوا.
+
اقترب ونظر لابنته وقال بعاطفة: لأ.. أخاف تقع مني او امسكها جامد وأوجعها من غير ما احس.
ابتسمت وهي تضعها بين ذراعيه وتجذبه خلفها برفق وهي تقول: متخافش مش هتقع، أنا معاك اهو..دي متعة نفسي تجربها وهي بلبوصة كده وبتتزحلق زي الصابونة في ايدك.
_بقي بنتي صابونة برضو؟ يعني الشعر اللي كتبه في الدفتر ده ما بهتش عليكي؟
جلجلت ضحكتها: لا كفاية انت تشعر.. خليني انا في الوقائع الملموسة.
+
لا يصدق هشاشتها بين يديه.. صدقا قارورة هشة يستعيذ داخله سرا ألا تنكسر يوما..روحه فداء لها.
فرغت بلقيس من تنظيفها ودثرتها بالمنشفة وظافر يبتسم وهو يغمغم: بسكوتة ياناس عايز اكلها
ضحكت لتشبيه: صدق من قال الصنعة تحكم.. دلعك يشبه مهنتك (ثم قرصت خده تشاكسه) ألذ شيف في الدنيا..ثواني اجيب لبسها عشان نحضرها..
+
_ طيب أوام استري بنتي بحاجة قبل ما ماما وماتك وايلي يخبطو علي الباب عشان يصبحوا على لارين..
+
_ لأ خليهم يشفوها بلبوصة وطعمة كده، ده انا هصورها كمان.
رفع حاجبيه: هتصوريها عريانة؟ إياكي
_ بص مش عريانة أوي، هلبسها بامبرز واصورها..أصلي بموت في شكل الأطفال كده.. سبني يا ظاظا احقق أحلامي في بنتي بقى وخليك انت في الشعر بتاعك.
+
_ ماشي يا ستي، بس الصور دي ماتتبعتش لحد غريب مفهوم؟
_ مفهوم يا غيور.
..........
_ أنا هلبسها البامبرز
_ لأ عنك انتي سيبهالي.
الأولي صدرت من دره والثانية من هدي، لتصيح إيلاف بمرح: كان نفسي اخد دور في السباق ده بس للأسف مش هعرف البسها البامبرز.. هستني اشيلها علي الجاهز لما تخلصوا..
+
دره: خلوني أنا اشبع منها لأنها كده كده هتفضل معاكم وأنا همشي.
قالت بلقيس بحزن: يعني مصممة ترجعي المنصورة وتسيبيني يا ماما؟ طب ولاري يهون عليكي تبعدي عنها؟
_ ياحبيبتي انا فضلت معاكي شهرين ومبقاش يتخاف عليكي، آن الآوان ارجع بيتي اللي عشت فيه عمري كله، ثم حادت بنظرها مستطردة: واهي الست هدى مش مقصرة وعارفة انها هتحطك في عنيها..
ربتت الأخيرة. كتفها بود: دي زي بنتي والله أوعي تقلقي عليها ابدا.
ظافر: عموما أوعدك كل أسبوعين هنقضي يومين ويك إند معاكم عشان تشبعوا من لاري.
ابتسمت دره وهي تحمل حفيدتها: إن شاء الله ياحبيبي وربنا يحفظها ليكم وتخاوها قريب.
صاحت بلقيس: حرام عليكي يا ماما أنا لسه بقول يا هادي، دي لسه صرصارة عندها شهرين ومش بنام منها.
لكز ظافر رأسها بخفة: ماتقوليش علي بنتي صرصارة.
وهاتيها عشان تصبح علي جدها تحت وبالمرة أفسحها علي السلم.
قهقت إيلاف: أيوة يا آبيه، أنت لو أخدت المفعوصة الشبر ونص دي لفة في الفيلا والجنينة يبقي كأنك زورتها محافظة تانية.
+
_ بتتريقي علي بنتي؟ طب عقابا ليكي مش هتبوسيها أنهاردة.
_________
+
"روح جدو عايز أوضتها لونها ايه؟"
_ قوليوا وردي ياجدو.
أجابه ظافر وهو يراقب مداعبة عاصم للصغيرة مواصلا: بس كده؟ ده انا هعملك أحلي أوضة أطفال في الدنيا وهحيبلك لعب كتير اوي، ومرجيحة كبيرة زي بتاعة مهند، هخلي عمك عابد يعملهالك، عايزة ايه كمان يا عقل جدو؟
+
طبطب ظافر علي كتفه: ربنا يخليك ليها ولينا ياعمي
_ ويجعلها ذرية صالحة ليكم ياحبيبي، والله ما عارف هسيبها ازاي، هاين عليا اخدها وانا ماشي.
_ طب هو ليه حضرتك قررت ترجعوا المنصورة؟
+
غمغم وعيناه مصوبة علي وجه حفيدته: أولا دره بتحب المنصورة وبترتاح فيها أكتر وهتتونس بكريمة وعبير وفدوة حواليها.. هي جت هنا بس عشان بلقيس ومشكلتها زي ما انت عارف غير كده عمرها ماكانت هتسيب المنصورة، والحمد لله احنا مطمنين علي بلقيس معاك ياظافر.. وثانيا أنا كمان عايز ارتاح واشبع من اخواتي أدهم ومحمد.. هناك هنكون سوا..خصوصا أن بنتي هتحل محلي في الشركة، ولا انت مش هترجعها تشتغل تاني؟
_ بالعكس ياعمي معنديش اي مشكلة، دلوقت هي مسؤلة تنظم حياتها بين الشغل والبيت وتحقق ذاتها زي مابتحلم، واهي ماما ربنا يخليها موجودة وهتساعدها برعاية لارين.
_ ربنا يصلح أحوالكم يابني ويبارك في ذريتكم ويديم عليكم فضله.
______________
+
الآن فقط التئمت أخاديد روحها الغائرة.
لم تعد تشكوا ألم الوحدة والنبذ.
الحقد؟
كأن ممحاة خفية أزالته من داخلها..
لا تحقد على أحد.. قلبها صار مرتعا لمن تحب ينعم به كيفما شاء.. رائد؟.. هو كنزها الذي تعيد اكتشافه كل يوم.. بل كل لحظة.. لم يصيب قلبها في شيء كما أصاب في عشقه ..حبيب يساوي حصاد عمرها بأكمله وراضية هي كل الرضا عما حصدته..أما عائلتها ها هي تشعبت فروعها كما كانت تحلم.
شقيقها حازم إحي مكاسبها وعوض من الله لها.
صدر حاني تتكيء عليه وتتباهى به أمام زوجها.
أعاد لها كل حقوقها.. نجح بسد بعضًا من دين أبيه وإن كانت لم تسامح ذاك الأخير وتظنها لن تفعل.
أما غدير شقيقتها..كأنها تبدلت معها.. تحدثها كل يوم.. تقص لها تفاصيل كثيرة وتظل تحدثها حد الثرثرة.. ويا ألف أهلا بثرثرة أضفت علي حياتها صخب محبب كم افتقدته بوحدة أيامها القاسية..
الآن تتفاخر أمام نفسها أن لها شقيقة تفهمها وترحب بشكواها إذا ما أرادت ذلك..حقا لم تعد وحيدة..لم يقف امتداد شجرة عائلتها هنا وحسب، فلأجلها نظم حازم حفلة تعارف بينها وبين زوجته وزوج غدير.
( اختنا كانت مسافرة برة ولسه راجعة) لم يقل أخيها أكثر من ذلك وهو يعرفها بهم..بتلك البساطة اجتمع شملها مع أخوتها وانتهت الفُرقة.
+
لكن يتبقى داخلها ندبة أخيرة.
ذنب بلقيس.
ذاك الطوق الذي مازال يكبل عنقها..
لم تنل عفوها بعد..
تُرى هل سيُقدر لها يوما أن تحصد صفحها عما كان؟
لا تعرف..تتمنى من الله أن يمنحها المزيد من كرمه ويزرع في قلب صديقتها الغفران لجرمها البشع بحقها..لن تيأس من رحمة الله كما قال لها رائد..وربما يكتب لهما معها لقاء أخر ويسمعا معا صفحها عنهما.
+
_ سرحانة في ايه يا رودي؟
قاطعها مجيء غدير حاملة بين يديها طفلتها رحمة..وكم تتعجب لتلك العلاقة التي نشأت بينهما بهذه الفترة البسيطة..لم تعد غدير تقوي فراقها، أينما بحثت عن صغيرتها تجدها في محيط "خالتها" الكبرى.. يا الله.. وقع الكلمة في نفسها مذاقه يضاهي الشهد ذاته.. ابنتها أيضا حصدت عائلة وعزوة..
+
_ كنت بفكر اتصل برائد يجي ياخدنا..بقالي كام يوم هنا وسايباه لوحده.
_ ياريته كان جه فضل معانا..زي مرات حازم وجوزي، الفيلا واسعة وتسع الكل.
ابتسمت لها بحنان مستحدث أصبح يلازم نظراتها قبل صوتها : قولتله بس مش وافق، وكمان بيعمل حبة تعديلات في الفيلا وقال فرصة تخلص وانا هنا معاكم..عموما تتعوض بعدين.. وزي ما اتفقنا كل شهر هناخد ضى مع ماما كام يوم..واستأنفت بعد أن لثمت خد ابنتها دون أن تنتزعها من ذراعي غدير: هو انتي بقالك قد ايه متجوزة؟
_ سنة وشوية..
_ طب كان في بينك انتي وجوزك قصة حب؟
+
تنهدت غدير كأنها تستعيد أطياف من الذكرايات داخلها: وأي قصة يا رودي، عارفة حب النظرة الأولى اللي بيحكوا عنه؟ هو ده اللي مريت به مع جوزي، حبيته وهفضل احبه طول عمري.
+
ربتت تيماء على كتفها: ربنا ما يفرقكم ابدا.
_ اللهم امين.. وانتي ورائد؟ بينكم قصة حب؟
اتعرفتوا علي بعض ازاي احكيلي..
+
غامت عين تيماء وهي تنظر لها والتفاصيل المخزية تتدفق لعقلهع مع مزيد من الذنب الخجل.. هل يمكن أن تقص لها حقا كيف عرفته وكيف كانت علاقتهما المحرمة؟
+
_ حبينا بعض..
هكذا فقط اختزلت قصتها معه..نعم.. العبرة بالنهاية بينهما.. رائد يحبها وهي تعشقه وكفي.. لا داعي لاستفاضة لن تجر معها سوى ألم وخزي..
+
أومأت غدير: ودي أحلى حاجة.. ثم التفتت للصغيرة مواصلة: أما انتي بقى يا ست رحمة ازاي تاخدي عقل خالتو بالسرعة دي؟ هرجع بيتي ازاي واسيبك يابنت؟ أنا اتعودت عليكي أوي.
_ هي كمان اتعلقت بيكي ياغدير.
وبدا على وجه تيماء التردد، لتنقذها شقيقتها بقولها:
عارفة عايزة تسأليني عن ايه يا رودي.. احنا كشفنا وجوزي طلع عنده شوية مشاكل محتاجة علاج، وانا راضية وصابرة وبحمد ربنا. عارفه انه هيراضينا ويحقق حلمي اني اجيب طفل منه.
اهتز قلبها حزنا وشفقة قائلة لتدعمها: أنا متفائلة إن. ربنا هيراضيكم، زي ما ربنا جمع شملنا.. عيلتنا هتكبر بولادك انتي وحازم.. ورحمة يبقي عندها ولاد عم وخالة..
ابتسمت غدير ممتنة: ربنا يسمع منك..
+
_ ممكن اخد رحمة شوية؟
برقت عين تيماء بعاطفة جلية وهي تدعوها: طب تعالي هاتي حضن الأول وحشتيني يا ضي..
أقبلت عليها الصغيرة وقالت: أنا فرحانة أوي ان اخواتي حواليا، انتي وأبلة غدير وآبيه حازم وحبيبتي رحمة اللي هتوحشني لما حضرتك تمشي.
_ مش هتوحشك لأني هاخدك انتي وماما وانا راجعة، دي توصية عمو رائد.
ثم نظرت لشقيقها: انا قلت مادام انتي وحازم هترجعوا بيوتكم بكره مش هسيبهم لوحدهم.
_ ومالو يا رودي ده افضل وكده مش هكون قلقانة علي ماما..والشهر الجاي هاجي اقضي معاكم كام يوم..
ضي: ايه رأيكم نلعب كلنا استغماية.
_ ماشي أختك غدير ورحمة معاكي أنا لأ.
تمسكت بها ضي برجاء: وحياتي عندك يا أبلة رودي نفسي نلعب كلنا سوا مادام اخواتي هيمشوا بكره..يلا بقي وافقي.
+
لم تجد سبيل سوا تلبية رغبتها ولم تعد تتعجب ضعفها الغريب أمام ضي.. فلتفعلها لأجلها.
_________
+
قلبها يرفرف محلقا حول قواريرها الثلاث وهم يداعبون الصغيرة "رحمة" ركضا حولها..ارتسم على محياها بسمة صافية ورنين ضحكات صغارها يخطف قلبها لسماعه.. أخيرا اجتمع شمل رودي وغدير كما صار مع ضي وبينهم حفيدتها تتدلل وتنعم بحب الجميع لها..وكم تدعوا الله أن تكتمل فرحتها برؤية صغار غدير وحازم.
+
_ مبسوطة ياست الكل؟
ابتسمت وعيناها تلاحقهم: الحمد لله اني اللي شايفاه ده حقيقة مش حلم، ولادي بقوا سوا ومافيش حاجة هتفرقهم تاني.
ثم نظرت له وامتلأت حدقتاها فخرا: وفيت بوعدك ياغالي وجمعت اخواتك البنات، ربنا يبارك فيك ويرضي عنك دنيا وأخرة..خليك كده دايما ياحازم اخوهم اللي يلمهم تحت جناحوا.. سندهم من بعدي..
انزعجت ملامحه: بعد الشر عليكي يا أمي، ربنا يعطيكي طولة العمر وتشوفي ولاد ولادنا..
+
هزت رأسها بابتسامة راضية وعادت تنظر لرودي: شوفت ياحازم اختك؟ كانت منتظرة حد يخرجها من سجن الوحدة وينصفها..شايف بتضحك ازاي وسط اخواتها؟ كأنها رجعت صغيرة تاني، بتجري وتلعب زي زمان.
+
غامت عيناه وهو يبصرها: ربنا يقدرنا نعوضها اللي فات يا ماما..لم يكد تنتهي غمغمته ليجفله صراخ والدته: ألحق أختك رودي ياحازم.
هرول وهو يجدها تسقط أرضًا فاقدة الوعي وسط شهقات شقيقتيها وبكاء ابنتها رحمة.
...........
_ طمني يا ابني اختك مالها الدكتور قالك ايه؟
صاحت ضي بدلا من أخيها: أنا هقولك يا ماما.. أختي رودي حامل.. هتجيب بيبي تاني غير رحمة.
ثم قفزت تصفق بفرحة حقيقية: أختي حامل.
+
أسندها بساعده وهو يشعر بميل جسدها وهو يهتف: أمسكي نفسك يا تيتة.. جايلك حفيد جديد في السكة.
همست وهي تبكي: الحمد لله يارب انه بلغني الفرحة دي.. المرة دي أنا اللي هراعيها وادلعها واعوضها.. مش هسيبها لحد ما تولد.
ابتسم بتفهم: طبعا يا ماما، وانا هشوفلها دكتورة شاطرة تتابع معاها..ربنا يقومها بالسلامة.
___________
+
_ خير ياضي عايزاني اجي دلوقت ليه؟
_ لما تيجي هتعرف ياعمو.. بس تعالي بسرعة انا بتصل بيك ومحدش واخد باله عشان افاجئهم.
عقد حاجبيه بحيرة: تفاجئيهم ليه يا حبيبتي هو في حاجة حصلت يا ضي؟ رحمة ورودي بخير؟
زفرت بحنق طفولي: يوه ياعمو.. والله كان زمانك جيت.. تعالي بس وهتعرف.. متتأخرش بقا سلام.
+
نظر للهاتف متعجبا بغمغمة: هو في ايه؟
......... ..
_ مبروك يا رودي، ربنا يقومك بالسلامة.
ربتت غدير على ظهرها بحنان: الله يبارك فيكي وعقبالك ياحبيبتى اعتبربها بشرة خير. قلبي بيقولي هتحصليني قريب وبكرة تشوفي.
_ ربنا كريم، المهم قوليلي هتعرفي جوزك بالخبر ازاي؟
تحسست موضع جنينها هامسة: مش عارفة.
قالت بحماس: لأ لازم تفكري في طريقة. رومانسية تعرفيه بيها.. أنا هشوفلك فكرة حلوة و...... .
+
قاطعها طرق الباب ثم دلوف ضي تهتف: عمو رائد جه وعايز يدخلك يا أبلة رودي.. ثم أشارت لهما إشارة تعني أنها لم تقوله له شيء.
+
اندهشت رودي بينما صحت غدير بخفوت: المفعوصة ضي فكرت لوحدها وجابتهولك..ثم غمزتها بمشاغبة: هسنيبكم احنا بقي عشان مانبقاش عوازل.
......... .
نظر لشحوب وجهها بقلق: مالك يا رودي انتي تعبانة؟ وشك مخطوف كده ليه؟ أوعي يكون حصل حاجة تاني مع أخواتك او..
_ اشششش.
همستها. هي تضع أناملها فوق شفتيه ثم التقطت كفه ووضعتها علي بطنها وغمغمت بلمعة العبرات: في ضيف جديد جاي في السكة.
+
بدا لها انه لم يستوعب وهو ينقل بصره بينها وبين يدها ثم بدأت تتحرك أنامله بطء وهو يهمس بغير تصديق: انتي حامل.
هزت رأسها بقوة وصوتها مقيد بغصة بكائها ليعود ويهمس گ الهذيان وهو ينظر لموضع كفها: عيلتنا بتكبر..رحمة مش هتكون وحيدة..هايجي ليها أخ أو اخت يحبوها ويملوا علينا حياتنا..
ثم نظر لها أخيرا وحدقتاه بدأت تتحجر بالدموع وهو يرفع كفيه محاوطا وجهها: أنتي حامل بجد ولا ده كمان حلم؟
غمغمت بصوت متحشرج: أيوة ياحبيبي حامل.
مال بجبهته فوق جبينها وأغمض عينه بهمهمة: شوفت ماما امبارح في رؤيا بعد صلاة الفجر بتديني عنقود عنب أخضر، قطفت منه حبة وقالتلي دوق..طعمها كان الشهد.. طلبت منها تديني حبة كمان قالتلي كفاية.. هو ده نصيبك.
+
ثم شرع عيناه ليجد وجهها غارق بلآليء العبرات، كفكفها وهو يهمس: ماما قالتلي بس انا مافهمتش..تفتكري ماما راضية عني؟ كتير بسأل نفسي السؤال ده.
+
جاء دورها لتعانق رأسه بصدره وتبثه أمانها: مفيش أم بتعرف تغضب علي ولادها يا رائد، طنط كانت بتحبك اوي وبتدعيلك.. حتي لو عاشت وعرفت كل ماضينا كانت هتسامحك لأنها أمك..اطمن وبلاش تحمل نفسك عبء جديد.
+
ارتفع يطالعها من جديد بعد أن استعاد سيطرته وقال: أختك ضي جننتني، تعالي ياعمو بسرعة.. تعالي حالا وبعدين هتفهم.. خوفت وجريت على هنا، أتاري العفريتة محضرالي مفاجأة عمري.
ابتسمت بحب: ضي كده دايما تجيب الخير.
واستطردت: طب وحازم وماما قالولك ايه؟
_ قالولي اطلع شوف مراتك فوق، بس عيونهم كانت بتلمع لمعة غريبة دلوقت فهمتها..
وواصل بتفهم: تحبي تفضلي معاهم شوية كمان؟
_ لأ، بيتي وحشني، وكمان ماما هتيجي معايا مش هتسيبني، هتراعيني لحد الولادة، لو تشوف فرحتها كانت ازاي يا رائد.. كأنها مش تعبانة ورجعت صبية. من الفرحة.. كأنها بتقولي اللي فات من غير ما نعيشه هنعيشه تاني.
_ أكيد ياحبيبتي بتحاول تعوضك.. طب انا عندي اقتراح وموضوع مهم جه وقته عشان تعرفيه.
_ خير يا رائد؟
+
حدجها مليا قبل أن يهتف: أيهم أخويا راجع قريب هو وولاده ومراته، هيستقر في مصر، وانا قررت اقسم الفيلا بيني وبينه وعملت ليهم جناح كبير بمخرج تاني يدخل ويخرج منه براحته.
واستطرد وهو يدرس رد فعلها: يعني أخويا وولاده ومراته هيعيشوا معانا يا تيماء، هو طلب اشوفله شقة قريبة وفاكرني عملت كده، بس أنا قررت اننا مش هنفترق تاني.. بيت أمي اللي ريحتها فيه هيساعنا مع ولادنا عشان نكون عيلة بجد..عيلة تكبر كل يوم ونعوض اللي فات..واهو حملك ده اجمل بشرى.
ايه رأيك؟ حبيتي الفكرة؟
+
دنت منه ولثمت خده ثم أحاطته بكفيها وعيناها تزرع بحدقتاه ألف وعد: زي ما عرفت تكمل فيا النقص اللي عشت به طول عمري وخلتني إنسانة جديدة تعرف تحب وتسامح..جه دوري افتح قلبي قبل دراعاتي لاخوك وعيلته وانا فرحانة بجد.. هنعيش كلنا سوى عشان انت كمان تكمل اللي ناقص جواك يا رائد.
+
زحفت ابتسامة فخر على شفتيه واقتنصها بقبلة مطولة ثم حررها وهو يضمها هامسا: كنت عارف انك هترحبي وتساعديني.. وعلي فكرة أنا جهزت الغرفة اللي تحت مخصوص لمامتك وضي عشان ياخدوا راحتهم لما يجوا..هما كمان هيفضل ليهم مكان وسطينا ومش ممكن نستغني عنهم..
منحته نظرة مفعمة بعاطفتها وهي تحمد الله ألف حمد وتشكره ألف شكر لنا وصلت إليه.
_________
+
في ساحة انتظار العائدين يقف مترقبا ظهور شقيقه الذي لاح أخير وهو يسوق عربة حقائبه ويشير له بلهفة تجلت بخطواته التي أسرعت ليلتحما في عناق جارف لم يخلو من دمعات حبيسة في مقاليهما.
+
_ يااااه يا أيهم.. مش مصدق اننا اتجمعنا تاني.
_ ومش هنفترق تاني إن شاء الله يا رائد..بعد ما مشيت كرهت غربتي وقررت انهيها والحمد لله رجعت ومش هسيبك تاني..توالى ترحيبه بطفلي أخيه وزوجته ميرا ليقع بصره على الصغيرة قائلا:
أخيرا هشوف أخر العنقود علي الطبيعة.
ميرا وهي تعطيها له: شوف اللي هتاكل عقلك زي ما جننتنا كلنا..
+
ذكر الله وهو يحملها ويقبلها بفرحة: حبيبة عمو اللي نورت مصر كلها وهتلعب مع أختها رحمة..
ثم نظر للغلام الذي بدا أنضج وهو يقول: أزيك يا حبيبي تعالى في حضني وحشت عمو رائد انت واخوك.. اندفع الشقيقان " براق و شادي" نحوه يعانقانه والأصغر يتسائل: فين رحمة ياعمو وحشتني اوي..
ميرا: ورودي مش جت معاك ليه؟
رائد: هي فضلت تنتظركم وتحضر وليمة خاصة على شرفكم...يلا بينا لأنها منتظرة بفارغ الصبر.
أيهم: طب خدنا لشقتنا الأول وبعدين نروح عندك..علي الأقل الولاد وميرا يفرحوا بيها ويشوفوها.
_ مستعجل ليه، تعالي معايا وكله سهل بعدين.
_______
+
يطالعوا بانبهار ما فعله رائد لأجلهم..جناح كبير بأثاث أنيق وكامل.. طلاء الجدران الذي خطف أعينهم من فرط روعته..غرفة نوم الصغار التي راقتهما كثيرا، هذا غير غرفة أخيه وزوجته التي نالت إعجابهما بقوة.
+
_ الله يا رودي، بجد انتي ورائد ذوقكم يجنن..
_ بصراحة كل ده ذوق جوزي لوحده.. أنا كنت عند ماما وقتها.
+
صاح رائد: أطن كده مفيش حاحة اسمها نشوف شقة.. الفيلا اتقسمت بنا وهنعيش كلنا سوا.. ولا حد معترض..( هللت ميرا) بالعكس ده كده أحسن ونتونس سوا..ولا ايه يا أيهم؟
+
كان الأخير بعالم أخر وهي يقف يطالع برواز صورته هو ووالديه وشقيقه وهما صغارا.. شعر لوهلة كأنه أخترق إطارها ونفذ إليهم..حنين تأجج داخله وتذكر الكثير مما جمعه بهم..ربتة حانية على كتفه جعلته يلتفت ليجد عين شقيقه تحتضنه باسما: كنت عارف انك هتحب الصورة دي عشان كده عملت اتنين منها.. ثم رمق الجدار بنظرة أشمل وتحسسه رائد بأنامله كأنه يرسم خطوط وهمية:
دي بذرة العيلة اللي هتكبر بينا يا أيهم..صور ولادنا وولاد ولادنا هتملي الحيطة دي..كل ذكرايتنا هنسجلها في الصور عشان نفتخر بكل اللي عشناه سوا.
+
_ طب مش هنقولهم علي المفاجأة اللي عندنا؟
+
قالتها تيماء بمرح فالتفت إليها الجميع ودني رائد وهو يضم خصرها متجولا في وجوه الجميع قبل أن يصيح: رودي حامل.
__________
+
للمرة الثالثة علي التوالي يخيب أملها بظهور تلك النقطة الحمراء، شعور قوي غزاها أنها ربما تكون حامل مثل شقيقتها.. " قدر الله وماشاء فعل"..هكذا راحت تردد داخلها وتستغفر بنية أن يرزقها الله بما يسعد زوجها مثله مثل البقية.. الجميع حوله ينتظر مولودة وكم تشتاق لمنحه فرحة تلك.
+
"أبلة حنين وحشتني اوي يا أبلة بسمة، هنزورها أمتى؟"
اجابته وهي تحضر طبق السلطة قبل حضور زوجها:
الأسبوع الجاي ياحبيبي، هنزور تيتة فدوة وهنعدي علي حنين تاني يوم قبل ما نرجع القاهرة
+
_ أنا فرحان أوي ان اختي هتجيب نونو وانا هكون خالو..
ابتسمت بمحبة: طبعا ياحبيبي ده بيقولوا الخال والد
ثم قبلته بدلال: بس انت هتبقي خالو صغنون.
ياسين. بتلقائية: وانتي يا أبلة هتجيبي نونو زي أبلة حنين صح؟
+
كساها حزن عابر نفضته سريعا وهي تجيبه: لا أنا لسه يا حبيبي، دي أرزاق ولسه مافيش نصيب.
+
بسط ياسين يده بتضرع: يارب تدي أختي بسمة نونو جميل وتفرحها هي وعمو ياسين وتحبهم زي مابيحبوني..يارب حقق امنيتي وفرح اختي.
+
تكثفت بفضيتها الدموع لدعوة أخيها التي لمست شغاف قلبها بقوة، سحبته في عناق جارف وهي تقبل رأسه وتغمغم بعبرات شكرا لدعائه الذي أرجفها من فرط صدقه...
+
"اللهم امين يا سينو"
+
قالها ياسين وهو يعبر إليهم مواصلا: حبيت دعوتك أوي يا حبيبى.. ومتأكد ان ربنا هيكرمنا عشان دعوتك الحلوة زي.
هرول الصغير يعانقه وبسمة تقترب منهما ليمنح وجنتها قبلة خاطفة وهو. يقول: ازيك ياحبيبتي
قالت بتحفظ خجلا من الصغير: الله يسلمك يا ياسين، محستش بدخولك.
_ لسه واصل وريحة الأكل جوعتني أكتر.
تبسمت بحنان: حالا هيكون جاهز، روح غير هدومك وانا وسينو هنحطه علي السفرة.
......... .
+
استعرض له ملابس بدت باهظة الثمن ابتاعها له مع حذاء رياضي وهو يصيح: قيسهم كده يا ياسين، ان شاء المقاسات تكون مظبوطة.
+
نظر الصغير للملابس بحيرة دون أن يلمس أي قطعة، تعجب الأخر وهو يتسائل: ايه ياحبيبي هما مش عاجبينك؟
+
نكس رأسه لحظات ثم رفع وجهه ونظر نحو شقيقته التي تتابع تردده من بعيد، اقتربت رابتة علي رأسه: ايه يا حبيبي مش بترد علي عمو ليه؟
عاد ينظر للهدايا وغمغم: مش حضرتك قولتيلي اي حد بيجبلنا حاجة احنا بنردها؟ طب لما اكبر واشتغل هعرف اجيب هدوم غالية زي دي لعمو ياسين؟
+
رفعت حاجبيها بذهول حقيقي لمسار تفكيره، بينما ومضت عين زوحها بإعجاب وهو يجثو على ركبتيه يحدثه بحنان: كلام اختك صح يا سينو.. أي هدية حد بيقدمها لينا بنردها..بس خليك عارف إن القيمة الحقيقة مش في سعر هديتك.. القيمة بالطريقة اللي هتقدمها بيها بالحب اللي بتشتريها بيه، وأنا فعلا هطالبك بمقابل مش هتنازل عنه
_ ايه هو ياعمو؟
_ انك تكون ولد شاطر في دراستك ولما تكبر تخليني انا واختك نتشرف بيك..هي دي الهدية اللي هنطالبك بيها لما تكبر يا ياسين..مستعد تقدمها؟
+
رغم صغره وصله معنى كلمات زوج شقيقته بقوة..هو يريده طفلا ناجح، وفي يوما ما يكون رجلا جيد مثله ومثل أبيه..وسيكون طفلا ورجلا يفتخرون به.. يقسم علي ذلك.
_________
+
_ ايه ياسمسم اوعي يكون سؤال ياسين عن البيبي ضايقك، احنا متجوزين بقالنا شهور بس.
هزت رأسها وقالت: لا عادي كله بأوانه..أنا بس نفسي افرحك مش أكتر.
_ ياقلبي انا مبسوط الحمد لله ومش مستعجل.. خليكي ريلاكس وعادية وبأمر الله قريب هنفرح.. المهم حنين عاملة ايه لسه تعبانة؟
_ الحمد لله احسن وابتدت اعراض الحمل تهدى.
_ ربنا يقومها بالسلامة.
_اللهم امين.
_ قوليلي مرتاحة في شغلك؟
_ جدا جدا حتى...... .
+
تقلصت معدتها بغتة وشعرت أنها ستتقيأ، هرولت علي المرحاض فصاح بخوف بعد أن عادت: مالك يابسمة فيكي ايه؟
غمغمت بوهن غريب: معرفش يا ياسين فجأة حسيت اني مش مظبوطة..
_ طب تعالي ارتاحي، ثم ناولها كاسة ماء أبعدتها بامتعاض مبالغ به: لأ مش عايزة مية.
+
ارتاب في أمرها فقال بتردد: بسمة مش يمكن.
_ لأ.. أنهاردة أول يوم..اتأكدت من ده الصبح.
تنهد وقال وهو يساعدها لتستلقي علي فراشها: خلاص ارتاحي يمكن بسببها، مافيش تفسير غير كده، أعملك حاجة دافية؟
_ شكرا يا حبيبي، بس عايزة انام.
__________
+
شعرت بالقلق من صوته فقالت:
_ في ايه يا ياسين ياحبيبي صوتك. مش عاجبني؟
_ والله يا ماما انا أصلا مش فاهم في ايه.
_ يا ابني قول في ايه وجعت بطني من الخوف، اتخانقت مع مراتك مثلا؟
نفي سريعا: لا إطلاقا يا ماما ده انا مبسوط جدا الحمد لله..بس بسمة بيحصلها حاجات غريبة ومش عارف سببها..
_ زي ايه؟
_ عندها نفس أعراض الحمل بس... .
لم يكمل وزغرودة فدوى تدوي في أذنه ليصيح سريعا: يا ماما اهدي وهخليني اكمل.. صحيح في أعراض حمل لكن في نفس الوقت الروتين بتاعها بيحصل كل شهر عشان كده مستبعدين انها تكون حامل، فأنا قلقان ومش فاهم حاجة..هل دي تغيرات بعد الجواز ولا ايه يا ماما؟
+
صمتت قليلا تحلل قوله ثم هتفت: أنا جيالك الصبح
_ ياحبيبتي ماتتعبيش نفسك قوليلي بس اعمل ايه وانا هتعامل.
_ ماتعملش حاجة لحد ما اجيلك، ومراتك تريح نفسها علي الأخر انت فاهم؟
_ حاضر بس فهميني قصدك ايه؟
_ بكره تعرف المهم حافظ على مراتك وانا من النجمة هكون عندكم.
_________
+
" حمل غزلاني"
+
نظر له ياسين وبسمة للطبيب ببلاهة بينما مالت كريمة علي أذن فدوى تحدثها بخفوت: شوفتي بقا تفسيري طلع صح، قولتلك مرات ابنك حملها غزلاني زيي اما حملت في جوري.
فدوى بفرحة عارمة: الحمد لله يا كريمة والله شكيت ومن فرحتي مانمتش طول الليل.
ثم نهضت تتلقف بسمة وتنتشلها من ذهولها: مبروك يا بسومة ألف مبروك. ثم تركتها لكريمة لتخطف ياسين بعناق جارف وهي تبكي: مبروك يانور عيني هتبقى أحلي أب في الدنيا.
قال ومازال مآخوذا: حامل؟ طب واللي كان بيحصل؟!...
+
_سيدات كتير بتحمل وبيفضل ينزل عليها دم الحيض كل شهر، العامة بتطلق عليه " حمل غزلاني" وده اللي حصل للمدام عشان كده استبعدتم فكرة الحمل.. عموما دي فيتامينات ومثبتات هتمشي عليها مع راحة تامة أول تلات شهور.
________
+
الآن فرحتها اكتملت وشقيقها الغالي سيرزق بطفل هو الأخر، سيصبح أولادهما عصبة قوية وعزوة لكليهما، غمرته بعناق جاوف وهي تصيح باكية: مبروك يا حبيب أختك مبروك يا سينو..والله أنا حاسة اني هولد من الفرحة.
ضحك وهو يربت عليها برفق: لا امسكي نفسك عايز ابن اختي حبيبتي ينزل كامل الدسم عشان يتحمل اللي هعمله فيه..
تركته لتعانق بسمة بمحبة: مبروك يا سوما، عايزاكي تجيبي لابني عروسة حلوة زيك.
أردفت كريمة: وممكن تجيب عريس لبنت جوري.
الأخيرة بمزاح: ساعتها اعتبروا ابنكم مرفوض يا ماما من دلوقت..احنا ناقصين "عته".
حدجها ياسين بتوعد: والله لقول لجوزك يقطعلك لسانك، عامر ده له الجنة انه متحملك يا زئردة.
+
ضحكت فدوى لجدالهما المحبب والفرحة تتقافز بمقلتيها لحفيد أبنها الغالي: ولد ولا بنت المهم يجوا بصحة وعافية وانتي تقومي بالسلامة ياحبيتي، من هنا ورايح خدي بالك علي نفسك، الراحة مطلوبة أول تلات شهور.
ياسين وهو يضم كتفي زوجته: اطمني يا ماما انا بنفسي هاخد بالي عليها.
_ وانا كمان اخد بالي علي أختي.
قالها الصغير وهو يدنوا من شقيقته مسترسلا: شوفتي يا أبلة بسمة ربنا حقق طلبي ازاي..كنت عارف انك هتجيبي نونو زي أبلة حنين..
ملست كريمة علي رأسه برفق: دعوتك استجابت ياحبيبي وهتبقي خال عسول.
+
احتضنته بسمة وقبلته بحنان ثم اقتربت ملتقطة كفي كريمة وفدوى وغمغمت بعين ممتنة: مش هنسى ابدا انكم جريتوا تطمنوا عليا وتساعدوني كأن ماما موجودة، انا وياسين كنا مش فاهمين حاجة..لكن مجيتكم لينا بالسرعة دي رغم المسافات بنا فرقت معايا انا بالذات.. شكرا ياطنط فدوي.. شكرا يا طنط كريمة..ربنا يديمكم في حياتنا.
+
تأثروا لحديثها وقالت عطر لتبدد حالتهم:
طب ياجماعة بمناسبة الخبر السعيد ده كلكم معزومين عندي، هقول ليزيد يعمل أوردر وهو جاي.
كريمة: هو ابني جاي امتي واحشني أوي.
_ هتصل به يا خالتو يجي فورا، ده ما هيصدق انكم هنا.
جوري: وهتفضلوا معانا يومين نشبع منكم.
بسمة: ياريت والله أنا نفسي تدوقوا أكلي.
ياسين بفخر: اه والله يا ماما مراتي أكلها حلو اوي..
فدوى: واحنا جايين. نتعبكم يا ابني؟ ومراتك بالذات لازم ترتاح..
كريمة: سيبكم من قصة الأكل احنا هنفضل معاكم يومين وخلاص نشبع منكم.
تعلقت جوري برقبتها: مش هتباتي غير عندي يا كيما.
عطر وهي تجذب والدتها: وانا هاخد مامتي.
+
ياسين: طب وأنا؟ لقيط مثلا؟؟؟؟
___________
+
أصابه الضجر من عنادها وتصميمها المجيء معهم ويموت قلقا عليها وبطنها البارز يُثقلها ولم تعد قادرة.
_ ياجوري انتي تعبانة ووجودك مالوش أي لازمة..خليني ارجعك البيت ولما عطر تولد هطمنك.
هزت رأسها بجدال: مش ممكن ارجع قبل ما أطمن على عطر ياعامر، انت مش شايف كانت بتصرخ ازاي؟
+
قالتها وعيناها تترقرق ومرآى عطر تصرخ حين فاجأها ألم المخاض.. والأكثر فزعا أن تقلصات مؤلمة تتسلل لموضع جنينها وهي الأخرى وتتجاهل بقوة تحمل تحسد عليها.. لن تعلن عن ألمها قبل أن تطمئن على أبنة خالتها..
+
_ مش ممكن أسيب اخويا لوحده، ده هيتجنن على مراته ومش داري بحد.
حاد بصر عامر ليزيد الذي ينهب الأرض بخطواته المتوترة ووجه الشاحب يشي بمقدار خوفه..صراخ فواحته من عز نومها فجرا أجفله وفطر قلبه وهو يحاول تهدئتها دون جدوي.. كلماتها الغير محسوبة وهي تلهث من الآلم بألا ينساها لو فاضت روحها وأن يحفظ طفلها و و... ثرثرة سخيفة باحت بها وهو يضمها بقوة ملجم لسانه من فرط خوفه مصدوما ولا يدري ماذا يقول.. يحمد الله أن عامر وشقيقته معه بعد أن طرق بابهما المجاور باستغاثة، فلا يتذكر من قاد السيارة إلى المشفى، كل ما يعيه أنه لم يترك صغيرته لحظة، ألصقها بصدره وحاول تهدئتها قدر استطاعته..
+
_ مالك يا جوري؟!
هتف بها عامر مفزوعا وهو يري تقلص وجهها وانحناء قامتها بألم لتهمس: ألم جامد بيروح ويجي بقاله شوية بس عمال يزيد.
_ قولتلك نمشي انتي دخلتي التاسع وتعبانة..
_ لازم حد يفحص جوري ياعامر، وبعدها خدها علي البيت.
+
جعدت قميص زوجها بين قبضتها المتشبثة به وألم بطنها يزداد شراسة.. فقادها ليطمئن عليها ومن ثَمَ يعود للبيت.. هذا قراره ولن يسمح لها المكوث أكثر من ذلك.
__________
+
_ المفروض اللي زيك ماتحضرش ولادة لأنك هتتأثري نفسيا وده بالظبط اللي حفز عندك ظهور الطلق .
+
رمقها عامر بلوم بينما استطردت الطبيبة: هنلاحظك شوية. لأن احتمال كبير تكون حالة ولادة
+
_بس ده الدكتور بتاعها محدد ليها معاد بعد عشر أيام.
الطبيبة: هي مش دخلت شهرها التاسع؟
_ أيوة أولها كان امبارح.
_ يبقي توقع ولادتها في أي لحظة، وشكلها بيرجح بنسبة كبيرة انها ممكن تولد.
+
تسرب الخوف إليها وترجمته بتشبث أصابعها بأنامل زوجها الذي قبضها بقوة وغمغم بعتاب نبع من خوفه: شايفة نتيجة عنادك؟ قولتلك ماتجيش انتي تعبانة مفيش فايدة دماغك عايزة كسرها.
رمقته بوهن دون رد ومازالت تتألم، فرق قلبه وضمها مقبلا قمة رأسها: متخافيش ياعمري هتبقى زي الفل..وراح يهدهدها وهي تحاول التماسك كي لا تصرخ أو تتآوه شفقة به وبأخيها الذي يكفيه ما يكابد لأجل زوجته.
+
صراخ طفلها ملأ أذنيها ونظرت إليه والممرضة تدنوا وتضعه على صدرها لترفع يدها وتضمه باكية مثله.. لا تصدق ان ذاك المخلوق الهش هو ثمرة عشق عمرها كله.. طفلها هي ويزيد يصرخ معلنا عن ذاته بقوة.. ربتت عليه بوهن بعد أن نفذت قواها ووعيها يغيب رويدا دون قوة لمقاومته لتفقد الوعي تماما في ثوان معدودة وأخر ما نمي لسمعها صراخه.
+
" عطر ولدت ياجوري.. مراتي جابت ولد ياعامر"
+
صاح يزيد وهو يهرول إليهم بالغرفة المجاورة التي ترتاح بها شقيقته لتهلل الأخيرة: ألف مبروك يا أخويا، وهي عاملة ايه؟
_ الحمد لله كويسة والولد اخدوه الحضانة.
عامر مهنئا: مبروك يا باشمهندس..ربنا يجعله ذرية صالحة ليكم.
_ اللهم امين، عقبال مانطمن علي جوري و......
+
لم يكمل وصراخها يدوي عاليا بعد أن فاض بها الآلم، كأن اطمئنانها على رفيقتها كان إشارة خفية لتعلن هي عن معاناتها ووجع المخاض يزحف بشراسة لبطنها.. هرول عامر يحضر من يساعدها ليتأكد بفحصها انها حالة ولادة أكيدة.
...............
+
_ ألف مبروك يازئردة..جبتي بنوتة قمر، ومن دلوقت أنا حاجز بنتك لابني اللي أكبر منها باربع ساعات بحالهم..
+
غمغمت تمازحه بخفوت رغم خالتها: بقيت "أم" و "عمة" في نفس الليلة..لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله.
+
قهقة يزيد لدعابتها براحة واضحة بعد أن اطمأن عليها هي الأخرى بينما يطالعها عامر بحنان وسعادة طاغية بقدوم صغيرته هو الأخر..فاقترب ليفسح يزيد له المجال جوارها وهو يهتف: كان نفسك انتي وعطر تتشاركوا كل حاجة.. وربنا استجاب..حتى عيد ميلاد ولادكم هيكون نفس اليوم.
يزيد: دعاهم منه للسما يا ابني كأنهم أوليا.
_ وده يخلينا ناخد حذرنا يا ابو نسب..لو واحدة فيهم دعت علينا دعوة هتجيبنا الأرض بركعتين.
+
صدحت ضحكتهما الرائقة بينما جوري تبتسم وجفناها تتثاقل حتى غابت عن الوعي بينهما.
____________
+
ولجت الممرضة تحمل الصغير لترضعه والدته، فتلقفته عطر بلهفة وهي تتأمل دامعة: شوفت يا يزيد ابننا حلو ازاي.
أنقد الفتاة بإكرامية سخية لترحل ملتفتا لزوجته وطفله..ما أحلاهما في عينه..عائلته الخاصة به أخيرا اكتملت.. دني يداعب الصغير برفق شديد وهو يهمس: جهاد.
رددت تتذوق الأسم: جهاد يزيد أدهم أبو المجد.
يتربي في عزك يا حبيبي.
لثم جبينها: ويخليكي لينا يا ام جهاد.
+
_ بقي كده يا كبير اختي تولد ومعرفش؟
+
التفتت وعيناها تضوي لشقيقها الذي أتي لتوه وعانقها بقوة، ويزيد يبرر: والله يا سينو انا ما عارف جيت المستشفى ازاي اصلا، معلش راح من دماغي اكلمك.
+
_ ولا يهمك ياكبير المهم ان اختي بخير، ثم نطر إليها بحنان: مبروك ياحبيبتي وحمد لله علي السلامة.
_ الله يسلمك يا ياسين، عقبال ما تطمن على بسمة..
_ اللهم امين، هاتي بقى حبيب خالو ده انا افحص ملامحه احسن يكون واخد حاجة من عمه عابد تبقي مصيبة.
+
لكزه يزيد: وماله أخويا مش عاجبك يا استاذ؟
_ أكيد مش عاجبني هكدب يعني.
+
وراح يتأمل الصغير وهو يسبح ويسمي مغمغما: أهلا بقلب خالو اللي نور الدنيا كلها..وهيكون معايا في كل حتة.
+
لعق الصغير إصبعه وبدأ يبكي فبرقت عين يزيد بحنان أبوي مستحدث وهو يقول: جهاد حبيبي عايز ياكل ياعطر.
_ الله حلو اوي الأسم ده..ربنا يبارك فيه ويجعله ذرية. صالحة.. خدي ياستي ابنك المفجوع ده قبل ما ياكلني.
________
+
من نافذة الحافلة يتأمل ياسين ذاك الطفل ووالدته تحمل عنه حقيبته وتودعه بقبلة حانية ليصعد بعدها الحافلة التي تقلهم للمدرسة..تذكر والديه و وذكراياته القليلة معهم..ليتهم ظلوا حتي لو لم ينل تلك الحياة المرفهة مع شقيقته وزوجها..كان يكفيه منزلهم الصغير المتواضع ورفاقه المقربين.. حينها كان يضحك ويلعب.. الآن لا يفعل.. نضجت طفولته مبكرا.
+
_ ممكن اقعد جنبك؟
+
التفت ياسين لزميله الذي يبدوا أكبر منه قليلا واكتفى بإيماءة ترحب بجلوسه، وعاد يتطلع للطريق الساري عبر النافذة..
+
_ ليه دايما بشوفك لوحدك من غير أصحاب ؟
ياسين: مش عايز أصاحب حد.
_ ليه؟
_ كده.
_طب أنت في سنة كام؟
_ تالتة ابتدائي.
ابتسم زميله: أنا أكبر منك بسنتين..
أومأ ياسين ومازالت كلماته مع الغرباء قليلة..فاسترسل الطفل الأخر:
_ انا ماليش غير صاحب واحد بس أسمه "إياد" بس مجاش انهاردة..لما يجي بكرة هعرفك عليه.
+
لم يجد ياسين مايقوله وداخله لا يرحب بهذا الأختلاط، يريد فقط العزلة، لفت نظره الأخر وهو يقدم له شطيرة مع قوله المتودد: اتفضل كل معايا فطيرة الجبنة دي هتعجبك اوي.. اختي "سمر" هي اللي بتعملها بنفسها..
+
نقل ياسين بصره بينه وبين الشطيرة وغمغم:
شكرا أنا معايا أكل، وأصلا مش جعان.
_ خلاص خليها معاك لما تجوع كلها.
+
رمقه بحيرة، لما يحاول التودد له هكذا.. ظلت يد الطفل الأكبر ممدودة فأخذها ياسين وقال: شكرا.
وبتلقائية التقط من حقيبته مغلف شيكولاه اشتراه له زوج شقيقته وقدمه لذاك الطيب كي يرد له عطيته في حينها، تقبلها الطفل الأخر مبتسما لاستجابته: شكرا، هاكلها في البريك..
واستطرد: غريبة انا معرفش أسمك ايه لحد دلوقت.
_ أسمي ياسين الفايد
ابتسم له الزميل الطيب وعرف عن ذاته:
وانا حاتم.. حاتم نصار.
_ مامتك وباباك عايشين؟
+
غامت عين حاتم بحزن: لأ.. ماليش في الدنيا غير اختي سمر وجوزها فارس، راجل طيب اوي وانا بحبه
ياسين الذي رمقه بدهشة وقد وجد فيه قرين يشبه بشكل تعجبه: غريبة.. أنا كمان ماليش غير اختي بسمة وجوزها ياسين..وكمان اختي حنين وعمو عبد الرحمن.. دول كل أهلي.
_ طب عندهم ولاد؟
_ قريب أبلة حنين هتولد، وبعدها أبلة بسمة.
_ أنا أختي عندها ولاد بحبهم أوي.. في مرة هقابلك في النادي عشان تشوفهم..موافق؟
هز كتفيه بحيرة: معرفش، مش بروح مكان غير مع أبلة بسمة وعمو.
_ هنحلها بعدين.. المهم خلاص انا وانت بقينا أصحاب؟
نظر له ياسين براحة تدفقت لروحه وغزته بشدة، كأنه وجد له للتو رفيقا حقيقيا يؤنس وحدة طفولته..شبيه قدره بتطابق عجيب لا يستوعبه عمره..لكن فطرته أدركت شيء وحيد..
هذا هو رفيق العمر!
___________
+
يتبع الخاتمة الأولى غدا
رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل السادس والستون 66 بقلم دفنا عمر
خاتمة رواية حصنك الغائب
الجزء الاول
________
+
مرت أعوام ليست بالقليلة منذ توقفنا وتركنا أحبائنا..
بين أيدينا انطوت صفحات وصفحات.. لكل صفحة كان عنوان تلاه سطور من الحكايا والدموع والعبر.. من بعضها تعلمنا ومن أخرى بكينا فرحًا وحزنًا وشكرًا وخوفًا..طرقت أبواب روحنا كل المشاعر بزهو ربيعها وذبول خريفها.. جميعها مضت..استقام بعدها عود الصغير فأصبح يافعًا قويًا..ونضج شبابها بنكهة منتصف العمر الجميل وخصلات بيضاء تتفتح برؤوسهم گ نجوم شهدت صولات وجولات الحياة معهم.. أما كبيرها ازداد في العمر بركة وحصيلة أعوامه مئات من الذكرايات حلوها ومرها..وها نحن نقف علي أعتاب أبوابهم نطرقها بشوق لنرى أين استقر بجميعهم المقام ثم نقول بعدها سلامًا.
____________
+
صرخت بعد أن باغتها وهي غافلة بلكزة في خصرها فتبعثر خليط الكعك التي كانت تحضره فوق سطح الرخام حولها، تعفرت بعض الأشياء بطبقة دقيق، لتجز على أسنانها بحنق: عجبك الدقيق اللي بهدل الدنيا ده؟ أقسم بالله هتجيب أجلي في مرة يامحمود من عمايلك دي..ميت مرة اقولك ماتخضنيش وأنا في المطبخ.
غمزها مشاكسا: أمال أخضك في أوضة النوم بس؟
هزت رأسها بضجر: مفيش فايدة فيك، أعقل يامحمود شوية احنا عندنا ولد وبنت مايصحش يشوفوا حركاتك وجنانك ده.
+
شهقت وهي تصرخ ثانيا وطفلها ذو الأربع أعوام ونصف يلكز خصرها هو الأخر ليقهقه محمود وهو يحمله ويمطره بقبلاته بينما تصيح إيلاف بحدة: كده يا " لؤي" تخض ماما انت كمان؟ طب انا مخصماك وهلاعب أختك "دينا" وبس.
لاعب الصغير حاجبيه مقلدا حركة أبيه المشاغبة فكتم محمود ضحكته بأعجوبه كي لا يغضب إيلاف أكثر وطفله يهتف: بابا هيلاعبني أنا واختي دودو.
نظرت له ببلاهة يبل أن تتوعده: انت بتلعبلي حواجبك ياولد ومش هامك؟ خلاص خلي بابا ينفعك.. يلا اخرجوا برة انتو الاتنين وسيبوني محدش فيكم يكلمني، أنا ماليش ألا بنتي الأمورة اللي بتسمع كلامي.
+
لؤي بسرعة بديهة وذكاء: يا ماما دينا أختي لسه صغننة ومش بتعرف تتكلم عشان كده بتسمع كلامك..لكن أنا كبير وفاهم كل حاجة..
+
اتسعت عين إيلاف بدهشة مرددة خلفه: كبير؟ أربع سنين وبقيت كبير؟.. نظرت لمحمود فوجدته يجاهد بقوة كي لا ينفجر ضحكا، ثم صرف صغيره بعيدا لتستطرد هي بتهكم: هو أنا ليه مستغربة؟ طبيعي ابنك يطلع كده بلسانين..ربنا يستر علي دينا لما تكبر هي كمان.
+
قال ببراءة زائفة: الله يسامحك يا إيلي، دايما ظالماني.
_ أنا ظالماك؟ طب أنا هشهد عليك أختك زمزم وطنط عبير وعمو محمد لما يزورنا.
_ لا دول رموا طوبتي خلاص ماتتعبيش قلبك ياروحي..
رمقته بنظرة غير راضية واصلت خفق خليط الكعك وسكب دقيق جديد وهي تهمهم بكلمات ساخطة.
+
حدجها مليا بعين ثاقبة بعيدا عن روح المزاح، يراها تبالغ بغضبها اليوم، كأن هناك شيء تخفيه خلف حدتها، دنى منها معرقلا ماتفعل وهو يضع كفيها الملطخة بالخليط أسفل الصنبور وراح يجليه عنها برفق شديد جعل جسدها يقشعر من فرط رقته ثم جفف لها يدها وجذبها بهدوء لغرفة نومهما وهي تخطو خلفه مغيبة عكس حالتها الهائجة منذ قليل.
________
+
_أنا حامل.
+
ابعدها عنه لتتشابك أعينهما بذهول نضح منه وهو يتسائل بشك: بتقولي ايه؟!
غمغمت بصوت ينذر بانهيار وشيك: حامل.
ثم ذرفت دموعها أخيرا فعانقها ثانيا، نعم يُعد حملها تلك المرة مبكرا وطفلتهما مازالت بضعة أشهر، لكن هل يستدعي هذا حزنها هكذا؟ لبث صامتا قليلا يستوعب و الفرحة بدأت تسيطر علي مشاعره بقوة، جميل أن يرزق بأطفاله مبكرا لينعم معهم أكثر..وليكتفوا بالثلاث صغار بعدها، سحبها لتجلس فوق فراشهما وقال بنبرة دافئة: ده اللي مزعلك يا إيلاف؟ المفروض تفرحي لأنه رزق، خلينا نفرح بيهم حوالينا وعيلتنا تكبر وتحلى، أنا وانتي مش لينا اخوات كتير خلينا نعوض ده في ولادنا..أنا نفسي تجيبي على الأقل ولدين وبنتين عشان محدش يبقي وحيد، ولو أكتر معنديش مانع.
+
هدرت بشكل أذهله بحق: يا سلام؟! حد قالك اني أرنبة مطلوب منها تخلف وبس عشان تعملك عيلة كبيرة؟ أنا خلاق تعبت وبقيت إاسة ان حياتي عبارة عن بامبرز ودوا كحة وكمادات وسهر ليل نهار عشان انيم دي والاعب ده.. امتي همارس الطب اللي بحبه واتعلمته سنين..مهنتي اللي قربت انساها بسبب الخلفة.. من أول يوم في جوازنا حملت في لؤي، بعدها قلت هشم نفسي شوية لقيتني حملت في دينا واديني اهو حامل في الشهر التالت
ثم انهارت تماما تشكوه مع قولها الثائر أكثر مما يجب: أنا بقيت مش حاسة بحياتي يامحمود هلاص تعبت تعبت.
+
تغاضى عن صدمته وضيقه مما قالت وسحبها علي صدره يحتوي ثورتها: اششش، اهدي يا إيلاف الزعل مش كويس عشان البيبي دلوقت.
+
أشعل جذوة غضبها أكثر دون قصد منه ليجدها تبتعد عنه وتدفعه بحدة هادرة بغضب مبالغ به: أنت بتغطني يامحمود؟ طبعا وانت فارق معاك ايه أصلا أنا اللي بتعب وبربي وبتطلع روحي مع ولادك وانت مع نفسك ولا داري بحاجة.. شغلك ماشي زي الفل وعايش حياتك بالطول والعرض خروجات وفسح وانا بقيت مجرد زوجة بتربي عيالك وخلاص وكأني ما اتعلمتش حاجة ولا ليا كيان من حقي ابنيه واكبره واحس بقيمتي زيك.
+
بصقت كل ما لديها ولبث تطالعه وهي تلهث من فرط انفعالها وعيناه ترميها بعتاب غاضب، وبصمت تام نهض تاركا لها الغرفة والبيت بأكمله.
+
كأن نظرته العاتبة صفعتها ألف صفعة وهي تجده ينسحب من أمامها ناكسا مخذولا وحزين لما سمع من هراء.. هل تعاقبه على حملها؟ هل يعقل أن يُحاسب علي شيء قدري گ هذا؟ مسحت على وجهها مستعيذة من الشيطان وهي تغمغم دامعة: ايه اللي أنا هببته ده، سامحني يا محمود، هرموناتي الكئيبة طلعت عليك انت من غير ما احس.
________
+
_ ماما انتي لسه زعلانة مني؟ خلاص مش هزعلك تاني.
تأملته بحنان وقبلته مطمئنة: لا يا حبيبي مش زعلانة منك..خد الطبق ده حطه علي السفرة ونادي بابا عشان نتغدا.
.......
+
لؤي وهو يبتلع ملعقة أرز:
_ بابا بعد الغدا هتلعب معايا؟
محمود بعد أن تجرع بعض الماء: معلش ياحبيبي عندي شغل مهم علي اللاب، خليها بعدين.
الصغير بتذمر: بقالك كام يوم مش بتلعب معايا، عشان خاطري نلعب شوية صغيرة بس.
_ وبعدين معاك يا لؤي مش قلت عندي شغل.
+
تركه تحت عيناها المستجدية نظرة رضا منه وهو يتجاهلها تماما من بعد انفجارها الأحمق واتهامها المبطن له..محمود ليس بالزوج الأناني معها فدائما ما يساعدها حتى قبل أن تطلب، ما ذنبه هو لتنفعل عليه؟ لا تعرف أي نوبة جنون أصابتها حينها، بدلا من أن تحتفل بحملها الجديد معه تُسمم بدنه بكلماه قاسية؟ تموت ضيقا من غبائها.. بيديها هي كممت ضحكته التي كانت تجلجل في البيت ونحتت العبوس على وجهه الحبيب وأفقدته مرحه، أصبح لا يمزح ولا حتى يلاعب الصغار كما كان يفعل، لا يحدثها إلا للضرورة أمام الصغير..هذا ما حصدته وتستحق ما هو كثر.
+
هدأ البيت تماما ونام الصغار، هي فرصتها لتذهب حيث يمكث وتصالحه، ولجت إليه ثم اقتربت وعلى محياها الخجل: أنا أسفة يا مودي.
غمغم دون أن يرفع عينه عن شاشته: إيلاف أنا بشتغل في حاجة مهمة، لو سمحت سيبيني لوحدي وروحي نامي.
+
دارت حول مكتبه وأغلقت اللاب توب وأزاحته بعيدا ثم أعتلت قدميه گ الطفلة واحتضنت وجهه براحتيها هامسة: أنا أسفة..هرمونات حملي طلعت عليك يا مودي حقك عليا.. والله ما اعرف قلت التخريف ده ازاي وبجد مقصدتش حاجة من اللي قولتها ليك..سامحني عشان خاطري وماتزعلش مني.
+
لم يرق لها ويتأثر وحزنه منها مازال راسخًا بقلبه ليهتف ببرود: طيب ممكن تسيبيني؟ أنا مش حابب أكلمك دلوقت.
حدجته بخيبة أمل: للدرجة دي زعلان مني يامحمود؟
نهض وهو يزيحها برفق ملتقطا هاتفه وتوجه لغرفة لؤي..فعادت لغرفتها منكسة الرأس بخذلان جالسة تدس رأسها بين ذراعيها تبكي بحرقة..طال بكائها وبدأت عيناها تشع نار وحرقه ليغلبها النعاس دون أن تشعر.
+
ينظر في هاتفه بشرود ووجها الشاحب فطر قلبه لكنه حقًا غاضب منها، نعتته بالأنانية وهو أبعد ما يكون عنها، لم يطلب منها يوما أن تترك عملها، يشاركها كل شيء حين يعود من عمله، يتنزه معهم كلما أتت الفرصة حتي لو جاء من عمله مرهقا، يكفيه ان عائلته سعيدة، فيما قصر معها لتحقد عليه هكذا؟ أيعد تفرغه لعمله وتألقه أنانية يستحق عليها عقاب؟
+
_ بابا، عايز أشرب.
ربت على صغيره بحنان وهو يتحدث من بين نومه و سكب له كوب ماء تجرعه ثم دثره جيدا بالغطاء، فتح الصغير عينه ثانيا وقال: بابا، هي ماما هتجيب نونو جديد؟
حملق به مذهولا: عرفت ازاي؟ هي قالتلك كده؟
_ لأ مش قالت، بس كل شوية تدخل الحمام واسمعها بتكح جامد وشوفتها بترجع الأكل من بقها..
ضيق محمود حدقتيه: وده عرفك انها حامل؟
الصغير بثقة: أيوة طبعا، لأن شفت عمتو زمزم وهي حامل في "سلمى" كانت بتعمل كده عندنا..وماما قالت من الحمل.
محمود بدهشة. حقيقية: أنت عندك كام سنة يالا؟
أجابه الصغير بفصاحة مبكره ومضحكة: ازاي تبقى بابايا ومش عارف يعني؟ عندي أربع سنين وتلات شهور طبعا.
قاوم محمود ضحكته وهو يجيبه بتهكم: معلش يا ابني اعذرني ابوك بينسى، نام بقا يا لؤي.
_ لأ أنا فوقت خلاص، هات تليفونك العب به شوية.
_ مافيش تليفون ونام عشان ما ازعلش منك.
_ طب هات بوسة.
_ هو انت عايز تاخد أي حاجة والسلام؟
الصغير وهو يلاعب حاجبيه: أيوة.
ضحك محمود تلك المرة وقبله بعاطفة أبوية، ليعود الصغير يتسائل: طب هي ماما هتجيب ليا أخ ولا أخت؟
_ معرفش ياحبيبي..وبطل أسئلة بقا ونام هتصحي اختك وبجد صدعتني.
ارتفع الصغير بجسده قليلا ولثم رأس أبيه قائلا: سلامتك، كده هتخف بسرعة يا بابا..ماما بتعملي كده لما حاجة بتوجعني.
ابتسم له وغمره بعناق حاني وقبل خده وأمره أن ينام، استكان الصغير بضع لحظات فقط لتنبثق رأسه ثانيا من أسفل غطاءه راميا فكرة ما برقت بعقله:
بابا، ايه رأيك نفتح بطن ماما ونعرف هتجيب ايه ونرجع نقفلها تاني؟
+
اتسعت عين محمود بذهول من اقتراحه:
تفتح بطن مين يالا؟ انت عايز تموتهالي.
ثم جز علي أسنانه: لؤي نام احسن بدال ما ازعلك.. وادي الأوضة هسيبهالك خالص عشان تبطل رغي وتنام..ده مهند ابن اختي فضل خمس سنين مش عارف ينطق السين صح وانت راديو مش بتفصل.
+
وختم قوله بسخط وهو يغادر:
آل نفتح بطن ماما آل!
___________
+
انفطر قلبه وهو يرصد دموعها الجافة جانب عيناها وهي نائمة، اقترب مضجعا جوارها ورفع رأسها بحذر فوق ذراعه، وبيده الأخري راح يمرر أنامله على وجنتها ويهذب شعرها المبعثر، يعترف بضعفه الشديد نحوها، لقد قاوم بصعوبة غمسها بصدره من قليل وهي تحاول إرضاءه، غاضب منها كثيرا ورغم هذا لا تهون عليه، تنهد ولثم جبهتها ثم حاول إيقاظها برفق : إيلي، أصحي يا إيلي.
+
تململت وبتلقائية اعتدلت نحوه محاوطة خصره بذراعيها، فعاد يربت على ظهرها بحنان: لولو قومي بقا.
بدأت تستعيد وعيها وصوته ينفذ لأذنيها وشرعت عيناها وبوعي كامل همست بفرحة: محمود؟
لثمها شفتيها برقة وغمغم: لأ خياله.
أغرورقت عيناها وهي تهمس باعتذار: حقك عليا أنا
+
أسكتها بسبابته هامسا بتسامح من شيمه: خلاص انسي، مش زعلان منك.
ضمها بحنان وهي تتشمم رائحته وتقول: شكل المرة دي مش هكره ريحتك يا مودي.
مازحها: الحمد لله ده معناه اني مش هنطرد من أوضة النوم طول الحمل.
ثم أبعدها مستأنفا: عرفتي أهلك بالحمل؟
_ لأ، قلت اما نتصالح عشان اكون فرحانة.
_ بس في قرد صغير عرف لوحده.
_ مين ده؟
تهكم مع قوله: الكارثة المتحركة لؤي ابننا.
وسرد عليها ما قاله طفلها بشأن فتح بطنها وتبين نوع الجنين لتنفجر ضاحكة: عايز يفتح بطني المتوحش؟
_ انتي لو سمعتيه ازاي بيتكلم ببساطة تموتي من الضحك.. وكل شوية سؤال وري سؤال مش بيفصل، معرفش طالع لمين!
+
رفعت حاجبيها تطالعه بتهكم فقهقه بقوة: عديها يا لولو عديها..المهم بقى تعالي نتعشي سوا لأن بصراحة مش أكلت كويس وجعان اوي.
صاحت بحنان: من عيوني يا حوده هحضر حاجة خفيفة واكل معاك.. استناني دقايق..وقبلته سريعا قبل أن تتركه.
+
تحممت وارتدت منامة رقيقة يفضلها محمود وأعدت له شطائر ثم جلست جواره ليضم كتفيها وهو يرمقها منامتها بخبث هامسا: ما تيجي نأجل العشا دلوقت.
تدللت عليه بنبرتها: عين العقل ياحوده هو الأكل هيطير يا ابو لؤي..لمعت عينه بحب وهم بتقبيلها وهو يزيح برفق حمالة منامتها ليجفله صوت لؤي: ماما.. أنا كمان جعان زي بابا.
+
اعتدلت إيلاف سريعا بخجل تلملم حالها بينما جز محمود أسنانه بحنق هاتفا وهو يدعوه: خد يالا تعالى هنا.
اقترب الصغير ببساطة مستفزة لأبيه: من أمتى بتدخل أوضتنا من غير ما تستأذن؟ وأصلا ايه مصحيك لحد دلوقت؟ ها؟ في طفل في سنك يفضل صاحي لحد الساعة اتنين بعد نص الليل.
+
لؤي ببراءة: طب ما حضرتك انت وماما مش بتستأذنوا أما بتدخلوا أوضتي.. وكمان أنا نمت بدري بس صحيت تاني عشان جعان.
ثم قفز حاشرا جسده بينهما ملتهما إحدى الشطائر، لتضحك إيلاف وهي تعانقه: روح ماما يا ناس، بالهنا والشفا يا نور عيني.. ثم نظرت لمحمود الذي يحترق غيظا وغمزته: معلش ياحوده هعمللك أكل تاني.
+
صاح بغضب طفولي جعلها تبتسم: مش عايز حاجة أنا هنام مع بنتي وخغي القرد ده معاكي.
_ هييييه هنام في حضن ماما لوحدي.
+
أمسك محمود بتلابيبه مهددا: انت بتغظني؟ طب عارف يالا لو دخلت أوضتنا تاني بعد كده من غير استئذان هعمل فيك ايه؟ هحبسك في أوضة ضلمة مع العفاريت.
_ عادي يابابا أنا مش بخاف..جدو محمد قالي مافيش عفاريت وان ماما وبابا بيضحكوا عليك..وانا بصدق أي حاجة جدو يقولها.
ثم عاد يلوك شطيرته وإيلاف تنفجر ضحكًا، ليصيح محمود بذهول: أقسم بالله الواد ده مش طبيعي ومش اربع سنين بس.. وربنا أنا ما كنت كده وأنا صغير..
رمقته إيلاف بنظرة تكذبه فتأفف بضجر وهو ينهض: هروح انام جنب دينا بنتي.. واشبعي باللي عامل نفسه طفل صغير ده.
قهقهت وهو يغادر حانقًا ثم حدثت الصغير: عاجبك كده ضايقت بابا؟ وعلى فكرة انا زعلانة منك، كان لازم تستأذن قبل ما تدخل يا لؤي.
_ خلاص مش هكررها تاني يا ماما..بس خليني أنام معاكي واحكيلي حدوتة حلوة زي بتاعة تيتة عبير.
_ ماشي، بس اعمل حاجة لبابا عشان كان جعان.
+
أومأ لها وهو منهمك بطعامه فقبلته وذهبت لتحضر شيئا وتسترضي طفلها الأكبر.
__________
+
في سيارة زوجها تجلس جوار متجهمة بعد ترك صغيرها "زين" بين رفاقه في أولى أيام عامه الدراسي، تشبث الصغير الباكي بها مازال يؤرقها، هل سيتآذي من رفاقه ويتعارك معهم ويتآذى؟ سيأكل شطائره؟ تخاف عليه وتحبه حد الهوس.
+
_ ممكن اعرف مضايقة ليه يا أمونة؟
+
رمقته بضيق: أنت مش شوفت زين كان بيبكي ازاي واحنا ماشين وسايبينه؟ الولد كان خايف.
+
أقر بنبرة بدت مستخفة:
_ عادي يا أمونة زيه زي أي طفل.
واستطرد بسخط: ولو زين عنده مشكلة دلوقت، ده سببه دلعك وخوفك الأوفر اللي خلاه متعلق بيكي زيادة ومش بيتحمل يفارقك.
_ طب ما أي أم كده بتخاف على ابنها.
_ لأ مش أي أم..انتي مفيش توازن في مشاعرك سواء حب أو خوف، بتهتمي بحاجة علي حساب التانية ( وبنظرة جانبية بدت لها غريبة قال) للأسف لو كل واحدة عملت زيك بيوت كتير هتتخرب.
+
تلقت جملته الأخيرة گ صفعة لمست روحها وأشعلت ناقوس الخطر بشكل ما، ضيقت عيناها بريبه: تقصد ايه يا احمد؟
+
رمقها بغموض ثم قال وهو يستأنف قيادته بتركيز:
ولا حاجة، هوصلك البيت قبل ما اروح الشركة، أكيد ريهام غلبت ماما..ساد بينما الصمت رغم صخب دواخلهم بأفكار لا تبشر بخير.
_________
"لو كل واحدة عملت زيك بيوت هتتخرب"
+
صدى كلماته يملأ أروقة عقلها ضخبًا، وتكاد تشم للكلمات رائحة كريهة كتلك " الحفاضة" التي نزعتها عن صغيرتها " ريهام" خاصتا مع نفوره الواضح وهو يتجنبها في غرفة اخري، تلك الغرفة التي لجأ مرغما إليها كي يشبع معها رغباته حين تشتعل بعيدا عن أعين الصغار..المعتاد انه لا يمكث بها وينام جوارها هنا لكنه لم يعد يأتي.. انشغالها بطفلتها ذات الأربعة أشهر جعلها لا تنتبه لانعزاله الصامت والخطير..لكن على من تكذب؟ على نفسها؟ هناك حاجز لا تراه عين شُيد بينهما، ليست الرضيعة وحدها ما تشغلها عنه، زين رغم بلوغه ست سنوات وأكثر يستحوذ عليها بشكل تعترف أنه مرضي، إلي الآن يتمسك بالنوم جوارها ولا تبذل جهدا لتُثنيه عن تلك العادة..
+
أجفلها طرقا علي باب غرفتها، فتبينت والدته قائلة بعد تحيتها: هاتي ريري يا أمونة لو خلاص أكلتيها.
+
أومأت لها: حاضر يا طنط هحميها بسرعة واغيرلها واديها لحضرتك..انتظرت السيدة تتابعها بعين خبيرة رصدت تلك الغيمة من الحزن والشحوب بوجهها فقالت: مالك يا أمونة في حاجة مضايقاكي؟ حتى أحمد كمان حاساه متغير.. في حاجة حصلت بينكم؟
+
حدجتها حائرة، تريد البوح لها بما داخلها وتخاف أن تنحاز له وتعنفها، فرغم مكوثهما معا في بيت واحد تلك السنوات مازال هناك عازل بينهما يمنعها من الاسترسال معها في أمور كثيرة.. نعم هي حماة طيبة وحنونة ولكن لم تصل علاقتهما لمرحلة تسمح بالبوح الا مشروط.
_ مافيش ياطنط..ريهام نومها مش مظبوط وتقريبا مش بنام غير قليل.
هتفت بتفهم: معلش أول ست شهور للأطفال بيبقي مفيش انتظام، بس بعدها ريري هتنام بالليل وتريحك.
+
أومأت برأسها وقد انتهت من تجهيز الصغيرة وتركتها لتذهب بها للأسفل وظلت هي تتقاذفها الظنون والشرود يبتلعها بطياته فلم تشعر بولوجه إلا وهو يهتف بتحية باردة: السلام عليكم.
+
_ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، جيت بدري يعني يا أحمد مش معادك.
+
ردها لم يعجبه وكأنها لم يروقها عودته، أو ربما غضبه المكبوت يضخم أفعالها ويأخذها بمحل خاطيء.. الحصيلة واحدة.. هو غاضب وغير راضي..وهي لا تدري.
أخفى ضيقه بحرفيه مع قوله: خارج تاني بس جيت أغير هدومي.
_ ليه يا احمد رايح فين؟
_ واحد صاحبي عايزني في مشوار معاه وهنسهر سوا.. واكمل وهو يرمقها بنظرة بجمود: لو اتأخرت ما تقلقيش..متهيئلي مش هتاخدي بالك من غيابي كده كده انتي اهم حاجة عندك زين وريهام يكونوا معاكي.
ختم قوله متوجًا للمرحاض يستعد لمغادرته مرة أخرى بينما مكثت هي تنظر لأثره وشعور الريبة يتعاظم داخلها.. هناك شيء مبهم يلوح طيفه في مرآة روحها..
_______
قررت أن تتودد إليه وتعيده إليها مرة أخرى، لن تنتظر تصدع يصيب جدار حياتهما، مازالت مشاعرها كما هي نحوه، أحمد هو روحها وستعوضه إهمالها له، بتلك الروح وقفت تتفقد هيئتها الجذابة في المرآة بإعجاب لتنتهي بنثر قطرات من رذاذ عطرها الذي يفضله وهمت بالتوجه لغرفته ليفاجأها الصغير عابرا إليها باكي فبتلقائية هرولت إليه: مالك يا حبيب ماما بتعيط ليه؟ غمغم وهو يندس بذراعيها: شوفت حاجة وحشة وانا نايم.. أنا خايف يا ماما خديني في حضنك.
+
ضمته بقوة وأخذته لفراشها وهي ترقيه بآيات قرآنية تطمئه حتى غفى، انسحبت من جواره بحذر وقبل أن تتحرك استيقظت صغيرتها ريهام تبكي هي الأخرى، حتما جائعة، ذهبت إليها وشرعت " تُرضعها" والإحباط يغزوها وهي تدرك قدوم أحمد بالغرفة المجاورة فصوت غلق الباب تناهي لسمعها، خططت أن تفاجئه وهو يراها حين عودته لتراضيه لكن لم تأخذ فرصتها كما أرادت.. لا بأس غفت الصغيرة فلتسكنها فراشها وتذهب علي الفور إليه.
+
وجدته يتمدد بأرياحية فوق فراشه يعبث بهاتفه ووجه متجهم، لم يلتفت إليها أو يلحظ دخولها، والحقيقة التي لم تدركها أنه تعمد تجاهلها رغم أن عطرها المحبب أشعله بحق، دنت وتمددت جواره هامسة بدلال: وحشتني يا ميدو.
أجابها بعد أن مشط هيئتها المغرية دون استجابة: غريبة انك صاحية، قلت انك نايمة مع الولاد زي العادة.
+
طريقته بدت لها فظة فتغبر وجهها بضيق وهي تتسائل بحده: مالك يا احمد بتتعامل معايا كده ليه؟ بقالك فترة تلميحات غريبة مش فاهماها، ممكن تفهمني مالك؟
_ ماليش يا أمونة، معلش انا تعبان وعايز انام.
+
دفعته بقوة وهي تشعر بالإهانة وهو يستلقي بالفعل متجاهلا دعوتها الصريحة إليه هادرة بقوة: أحمد قوم اتعدل وكلمني.
_ بعدين سيبني انام.
_ مش هسيبك، لازم نتكلم دلوقت..
اعتدل وهو يزفر بضجر: نعم.
_ مالك؟ ايه غيرك؟
نظر لها بجمود قبل أن يهتف: زي ما انتي اتغيرتي يا أمونة..
_ أنا يا أحمد اتغيرت؟ اتغيرت في ايه فهمني.. في حاجة ناقصاك؟
_ انتي اللي ناقصاني.. مش موجودة..لغيتي كل حاجة ومابقتيش شايفة غير الولاد وبس.
_ هما مش ولادك انت كمان؟
_ يعني عشان ولادي اتلغي انا من اهتماماتك؟
_ مين قال كده، أنت عارف اني بحبك.
رمقها برهة قبل أن يهمس: حتى دي بقيت اشك فيها.
+
وخز قلبها اتهامه فغمفمت بحزن لائم: بتشك في حبي ليك يا أحمد؟ طب قولي قصرت في ايه؟
+
نكس رأسه لحظات قبل أن يرفع وجهه ويزرع نظرته القوية بعمق عيناها: فاكرة لما سألتك مرة ليه سبتي خطيبك كان ردك ايه؟ قولتي انه كان مش بيعرف يهتم بتفاصيلك وبينسى تواريخ حياتك المهمة.
بدت الصورة تتضح أمامها متوقعه باقي قوله ليستطرد: أخر مرة فكرتي تحتفلي بعيد ميلادي أو وجوازنا كانت امتى؟ بقالك قد ايه مش جددتي في شكلك عشان تبسطيني؟ بقالك قد ايه روتينية لدرجة الملل مابتحاوليش تعملي أي تجديد؟ حتى شغلك وطموحك رمتيه ورى ضهرك بحجة زين اللي متعلقة به لدرجة المرض، عودتيه ينام معانا في أوضتنا لحد ما بقى عنده اربع سنين فبقيت اضطر اخدك في أوضة تانية عشان اخد حقي، واديكي جبتي ريهام ولسه هنعيد من الأول كأنك اول واحدة يبقي عندها ولاد..
_ يا احمد دول لسه صغيرين وطبيعي اهتم بيهم وياخدوا كل وقتي.
_ طب اهتمي بيه زيهم ولا خلاص أنا دوري انتهي بالنسبالك وبقيت حاجة علي الهامش؟ وبعدين ماما موجودة وتقدري تعتمدي عليها لو عايزة تنظمي حياتك وتعطيني مساحة تليق بيا گ زوج.. بس انتي اللي متعلقة بيهم زيادة عن اللزوم.. انتي محتاجة "تتفطمي" من ولادك يا أمونة.. وإلا ما تلوميش إلا نفسك بعد كده.
+
ضيقت حدقتاه بريبة وقلبها يطرق جوانبها بشدة: تقصد ايه؟
طالعها بقوة دفعت طنونها لشاطيا اليقين: أقصد اللي فهمتيه بالظبط.
ثم اعتدل ليرقد مع قوله الجامد: ولو سمحت سبيني أنام عشان هصحى بدري..ماتنسيش تطفي النور وانتي خارجة.
+
يدرك بها مازالت جواره وصوت أنفاسها يصله بقوة، ويقسم أنه شعر بدموعها المنسابة، يعلم أنه زلزلها بما قال وسوط ظنونها لن يرحمها. وهذا ما يريده، أن تنشغل به ولا تأمنه..نعم لن يفعل ما أوهمها به فمازالت تمتلك قلبه، لكن إن ظلت غافلة عنه لن يضمن انزلاقه عن الطريق.. وحينها لا يلومه أحد.
_______
+
_ ماتزعليش مني لو قولتلك إنك غلطانة يا أمونة.
+
لم تدافع عن ذاتها بعد أن فاضت عليها بما قاله أحمد و"أمنية" تعود لتسترسل: أي راجل في الدنيا لو فقد الاهتمام من مراته بيتغير ويبعد مهما كان بيحبها، الراجل مهما كبر او كان له مناصب في جواه طفل بيحب يحس انه مدلل من مراته وانه الأهم حتى من ولاده، وانتي فعلا اهتمامك مبالغ فيه بزين بالذات، وأكيد ريهام هتكون كده..
+
هتفت وعيناها تغشاها العبرات: غصب عني يا موني، أنا فعلا بعترف اني متعلقة بولادي زيادة بس أنا أم.
_ ما كلنا أمهات.. والزوجة الشاطرة اللي تعرف توازن بين واجب أمومتها وبين انها زوجة لازم تملي عين جوزها، تشغله طول الوقت وتجدد حياته وتبعد عنه الملل..صدقيني عدو أي علاقة بين اتنين المل والإهمال وانتي للأسف وقعتي مع أحمد في الاتنين.
+
بكت ناكسة الرأس فضمتها رفيقتها بحنان: ياحبيبتي انا مش بصارحك عشان تبكي، بالعكس عايزاكي تفوقي واحمدي ربنا ان جوزك صريح ولمحلك وده معناه انه بيحبك فعلا، كان ممكن يبقي خبيث ويسيبك على عماكي لحد ما تتفاجئي بواحدة متعلقة في دراعه وبيقولك دورت على راحتي في حتة تانية.
+
انتفضت بفزع والخاطر يغرز بقلبها ألف سكين لتهدر: مستحيل أحمد يعمل كده لأنه بيحبني.
_ حتي لو بيحبك هيدور على اللي ناقصه مع غيرك
_ ده أنا كنت اقتله.
قالتها بشراسة لتقهقة الثانية: ياعبيطة في حل أسهل بكتير من كده.
قالت باكية: ايه هو يا موني نوريني..أنا حاولت أصالحه وهو صدني
_ اعملي اللي هقولك عليه وبإذن الله الشغف هيرجع لحياتكم تاني.
_________
+
_ أنا خايف يا ماما وعايز أنام هنا.
قالها زين وهو يفرك عينه بنعاس لتقول له بنبرة حانية: حبيبي لازم تنام في أوضتك لأنك بقيت راجل كبير ومش هينفع تنام تاني في أوضة ماما وبابا.
_ طب منا متعود علي كده.
_ وده مش صح، عشان كده من هنا ورايح هتنام في أوضتك لوحدك زي أي ولد شاطر.
_ بس أنا بخاف أنام لوحدي.
_ متخافش القرآن أهو شغال جنبك، وهسيبلك نور خفيف..ولو سمعت كلامي هخلي بابا ياخدنا النادي أخر الأسبوع..وكمان هنزور طنط بلقيس عشان تلعب مع لارين.. ايه رأيك؟
حمسه وعدها فصاح: بجد ياماما.
_ طبعا ياحبيبي المهم تسمع كلامي وتنام لوحدك وتخليني مبسوطة منك.
_ حاضر ياماما بس ممكن تفضلي معايا لحد ما انام بس.
لثمت جبينه: ماشي يا استاذ زين..وراحت تعبث بشعره وهي تتأمله بحنان طاغي، تدعوا الله أن يوفقها لتستعيد مكانتها عند زوجها وتعيد شغفه بها ويستجيب ويقدر محاولتها.
............
+
_ اتفضلي يا أمونة أنا صاحية.
+
عبرت إليها وهي تحمل الصغيرة: معلش يا طنط لو أزعجتك.
قالت وهي تنظر لحفيدتها بحب: إزعاج ايه بس تعالي في أي وقت، ثم بسطت ذراعها لتأخذ الصغيرة مغمغمة: حبيبة تيتة لسه مش نمتي ليه يا شقية.
+
ابتسمت أمونة: مش بتنام بالليل يا طنط بتفضل لبعد الفجر علي ما ترضي تنام وساعات للصبح والله.
قالت وهي تداعبها: معلش لما تتم ست شهور نومها هيتظبط..
+
ترددت برهة قبل أن تقول لها: طنط، هو ممكن اطلب من حضرتك خدمة؟
_ طبعا اطلبي.
_ ممكن حضرتك تاخدي مني ريهام كل ليلة عشان..
+
صمتت والأخيرة تهتف بتفهم: فاهمة حبيبتي ومعنديش مشكلة، أنا اتمنى بس انتي اللي مش بترضي تسيبيها وبتصممي تفضل معاكي.
+
اقتربت أمونة وقبلت رأسها وقالت: أنا عارفة ان حضرتك زعلانة مني وفاكراني بمنع الولاد عنك بس والله ابدا.. كل الحكاية بخاف عليهم لو مش قصاد عيني ومش ببقي عايزة اتعبك..خصوصا سن ريهام ده مجهد جدا عليكي.
+
تبدلت تعبيرات وجهها لشيء من الجدية قائلة: أكدب عليكي لو قلت اني مش زعلانة لأني مش واخدة فرصة اهتم بالولاد ودايما واخداهم معاكي فوق، وانا سكت لأني مش عايزة اعمل مشاكل بينك انتي واحمد.
+
ترقرقت عين أمونة بالذنب: حقك عليا ياطنط، يمكن فعلا من غير ما احس استحوذت عليهم وغلطت بدون قصد، عشان كده قررت اصلح كل ده وياريت تساعديني.
+
_ مادام جيتي وطلبتي مساعدتي انا مش زعلانة، انتي برضو مرات ابني.
+
عانقتها أمونة: شكرا لحضرتك، وكل اللي طالباه منك تخلي ريهام عندك كل ليلة عشان انا بصراحة كده حاسة اني مقصرة مع احمد وعايزة اعوضه.
ربتت علي كتفها: ومالو يا بنتي مش غلط الواحدة تهتم بجوزها وتتفرغله شوية..وماتحمليش هم ريري دي روح قلب تيتة..
+
ثم بصرت الصغيرة التي غفت بصدرها، فصاحت بدهشة: مش ممكن دي نامت!..أمال بتغلبني انا ليه علي ماتنام بنت اللذينا؟
قهقهت الحماة وقالت: حضن جدتها حاجة تانية يا منمن..
_ لا ده انا بعد كده هستغلك استغلال رهيب يا طنط.
ضحكت ثانيا: طب يلا روحي أوضتك جوزك قرب يوصل، ثم غمزتها: ظبطي الواد.
نهضت وهي تصيح: ده أنا هشهيصه علي الأخر..تصبحي علي خير ياطنط.
________
+
أمسك مقبض الباب وهم بولوج غرفته ليباغت بكف زوجته يحتوى كفه وهي تجذبه خلفها لغرفة نومهما..صار خلفها وهيئتها تُسلب عقله لكنه أسدل علي وجهه قناع بارد سريعا ما تشقق وومضت عيناه بانبهار وهو يري حال غرفته..إضاءة خافتة.. موسيقى هادئة وعطر مربح للأعصاب.. زهور منثورة في سائر الأرجاء بشكل عشوائي رائع، أوقفته أمامها وراحت تحل رباط عنقه ببطء وحبل ونظراتهما موصل بشوق صريح ثم نزعت جاكيته وهو يرصدها بترقب، لمح بعيناها اعتذار وألق حب اعتقد انه غاب عنها، كما قرأ وعود جلية في حدود مقلتيها المحكلة.. مد أنامله ومررها على وجهها ثم اقترب يتشمم عطرها بمتعة عن قرب هامسا: وحشتيني.
فاضت عليه بمشاعر جارفة أذلقت لها العنان بين ذراعيه تاركة همسات قلوبهما تغزل الحروف، لتنتهي عاصفة تواصلهما وهو يضمها برفق هامسا: هو زين مش هيرجع ينام هنا تاني؟
قبلت كفه الساكن فوق كتفيها: لا ياحبيبي خلاص، من هنا ورايح مش هينام غير في أوضته، وريري كل ليلة هتنام مع طنط.. وانسى الأوضة التانية دي خالص، مش هتنام غير في حضني بعد كده يا ميدو.
تنهد براحة وهو يزيد عناقها، أخيرا تداركت زوجته أخطائها وتعطيه المساحة التي تليق به ويحتاجها، وجدها تنهض بعيدا ليتسائل: رايحة فين يا منمن؟
_ دقيقة وراجعة.
غابت لتعود حاملة بيدها صندوق كبير أسرع يحمله عنها ويضعه أرضا: فيه ايه الصندوق ده؟
+
ابتسمت بحب ناهلة من تفاصيله قبل أن تقول:
دي هدايا ليك عشان اعوضك اهمالي مناسابتنا اللي فاتت.. يلا بقى افتح وشوف هتلاقي ايه.
+
برقت عينه بحماس حقيقي وقد راقه فكرتها، شق شريط الصندوق اللاصق ودس يده ليلتقط أول شيء صائحا: الله، البرفان بتاعي اللي بحبه.. ابتسمت وهي تشير بعيناها ليكمل استكشافه، غاصت يده في الصندوق ثانيا ليلتقط تلك المرة مغلف تبين أنه ساعة يد فاخرة بذوق أنيق نالت استحسانه وهو يقول: الله شكلها تحفة وماركتي المفضلة.
+
منحها قبلة شكر ثم استأنف البحث في الصندوق ليجد تلك المرة ميداليا فضية يتدلى منها حرفيهما بالانجليزية، فابتسم ونهض علي الفور وبدل ميداليته القديمة بها تحت انظارها الراضية عما فعل..
غمس كفه ثانيا فالتقط برواز صغير يحمل صورته هو و الصغار فلثم البرواز وهو يهمس: زين وريري حبايب بابا..فقالت: عشان تحطهم علي مكتبك في الشركة.
+
عاد يبحث ثانيا ليجد حافظة نقود أنيقة ثم "مج" فخاري كبير مطبوع عليه صورته هو والصغار لتغمغم له: عشان تشرب فيها النسكافيه بتاعك في الشغل.
+
ضوى وجهه بسعادة حقيقية وعاد يستكشف ما يخبيء الصندوق وابتسمت وهي وتراقبه من جديد لتلمع عيناه وهو يقرأ كارت صغير مكتوب عليه " بحبك"..أقترب وأخذ شفتيها بقبلة مطولة وهو يهمس: وانا بموت فيكي يا منمن..بجد أنا هطير من السعادة بعد المفاجأت الحلوة دي..عشان خاطري اوعي ترجعي تبعدي عني وتهمليني.. الإهمال والملل هما أعدئنا الحقيقيين.
+
قد يعجبك ايضا
منذ عام
رواية زواج وسيلة للفرار كامله ( جميع الفصول ) بقلم...
منذ عام
رواية زواج وسيلة للفرار كامله وحصريه بقلم مآب جاسور
منذ عام
رواية زواج وسيلة للفرار الفصل الثاني 2 بقلم مآب جاسور
قبلت كفه قائلة: أوعدك اخد بالي وادي كل حاجة حقها، حتى شغلي هرجعه تاني.. اعتبر ان اللي حصل في حياتنا كان مجرد مطب وخلاص عديناه.
+
عانقها بقوة ليقع بصره على برواز الصور هديتها فالتقطه وقال: في حاجة هنا ناقصة.
نظرت للبرواز بقلق: ناقص ايه؟ منا حطيتك انت والولاد.
لكز خدها برقة: انتي اللي ناقصة..اعملي صورة تانية وضيفي نفسك فيها عشان عيلتي تكمل.
رفعت عيناها إليه: بجد عايز تشوفني طول الوقت؟
أرخى جبهته على جبينها وذراعه تتشابك حول خصرها هامسا: مش هرد عليكي.
_________
+
مالها الجبنة القريس ولا الزبادي البلدي؟
قصروا معاكم في ايه عايز افهم؟
+
عبارة حانقة أطلقها عابد وهو يتحول بإحدى المتاجر الغذائية ومعه صغيره "ديبان" يصر على شراء نوع معين من الجبن والزبادو (ماليش دعوة أنا عايز زبادي "... " يا بابا.. وهاتلي الجبنة اللي بحبها مش بحب القريش دي.
+
أخبره بتأفف: ديبان تعالى نروح البيت وبعدين نبقي نشوف الموضوع ده.
+
هرولت علي تؤامها: ديبو، بابا تعالوا شوف أنا رسمت ايه.
_ روح يا حبيبي العب مع أختك روتي.
_ ماشي بس أنا زعلان منك يا بابا
_ ليه بس منا جبتلك حاجات حلوة.
صاح الصغير بعناد: لا مش عايزها.. كنت عايز حاجات تانية.
_ وبعدين بقى، أنا كده هزعل منك ومش هاخدك معايا المزرعة زي اختك.
+
"ديبو زعلان ليه يا بابا؟"
+
التفت لمهند واستغاث به: تعالى شوف اخوك، مش عايز يسمع كلامي ومزعلني.
ربت على شعر شقيقه الغزير بحنان وقال: مزعل بابا حبيبك ليه يا ديبو؟
_ مش جابلي دانون وكيري يا هوندا.
_ ماهو عشان دي منتجات فرنسية واحنا عاملين مقاطعة.
الصغير باستفسار: يعني ايه مش فاهم؟
+
جثى علي ركبتيه وراح يبسط له الأمر بقوله: هفهمك يا ديبو..بس جاوبني الأول، لو حد قال على بابا عابد انه وحش، هتحبه؟
الصغير بحمية دون تفكير: لأ مش هحبه وهضربه.
+
برقت عين عابد بحب جارف لدفاع صغيره عنه وراح باهتمام يتابع بفخر معالجة مهند للأمر: طب يا ديبو مش انت بتحب النبي محمد صل الله عليه وسلم؟
_أيوة بحبه أوي وبحب ربنا عشان هيدخلنا الجنة.
_ طب لو حد قال كلام وحش علي النبي اللي احنا بنحبه هتعمل ايه؟
لمعت عين ديبان بشراسة وهو يكور قبضته الصغيرة في الهواء بدفاع طفولي صائحا: هضربه جامد.
+
تبادل مهند وعابد ابتسامة ليواصل الأول: أهو عشان كده احنا عاملين مقاطعة عشان الرئيس اافرنسي قال كلام مش كويس علي رسولنا الكريم.. يبقي ازاي يا ديبو نشتري المنتجات بتاعتهم؟ عرفت ليه بابا مش جابلك اللي انت بتحبه وبدلها بحاجات تانية؟
+
نكس الصغير رأسه يحلل الموقف بعقله ثم أسرع يقفز متسلقا ذراع والده الذي تلقفه ورفعه سريعا وهو يخبره ببراءة: خلاص يا بابا مش عايز دانون ولا كيري..
ثم عبس وجهه مع استطرداده: بس برضو مش هاكل جبنة قريش.
______________
+
_شوفتي يازمزم مهند عالج الموقف ازاي واقنع أخوه؟
ضوت عيناها وهي تتابع صغارها من عليائها يلهون في الحديقة وهي تقف في شرفتها: تربيتك يا عابد..ده حصاد مجهودك مع ابني اللي تستحق عليه الشكر كل يوم.
التفت لها بعتاب صامت فتداركت بقولها: مش قصدي والله..ثم جذبته للداخل وطوقته بذراعيها هامسة بحب: تعرف اني كل يوم بحبك أكتر؟ ومش عارفة لو انت مش في حياتي كنت هعيش ازاي ياعابد.
+
طوق خصرها وبيده الحرة راح يهذب شعرها الثائر: كل الطرق كانت هتوصلنا لبعض في الأخر يا زوما..ثم لثمها برقة وكاد يواصل همسه لولا مقاطعه مواء الصغيرة له، ابتعد متهكما: اقطع دراعي ان ما كانت البت دي قاصدة تعكنن عليا كل مرة.
+
قهقهت وهي تتوجه لرضيعتها: والله ظالمها، ده معاد رضعتها وأكيد جاعت..
دني عابد وهو يداعبها: أنا ساكت بس لحد ما تكبري يا ست سلمي هانم، أخرك معايا ست شهور وتنامي لوحدك مع اخواتك عشان بابا ياخد راحته مع ماما.
+
دللتها وهي تُرضعها: قولي لبابا أخر العنقود سكر معقود وتدلع براحتها، صح يا سوسو؟
لثم رأسها الرقيق بحرص: طبعا دي روحي وعقلي تدلع براحتها خالص..حتي بابا وماما متعلقين بيها أوي أكتر ما كانو متعلقين باخواتها التؤام.
_ هو الصغير كده يا بودي بيخطف الجو في الأخر.
+
"أدخل"
+
هكذا دعي الطارق بالدخول ليدلف مهند ملتقطا شقيقته الصغيرة بلهفة: سوسو حبيبتي وحشتني يا قطة، هاخدها منكم الاعبها شوية قبل تيتة كريمة، أصلها بعتتني انزلها بدال ما تطلع هي.
+
عابد: ماشي ياهوندا بس خد بالك، أوعي ديبو وروهيلا يشيلوها وتقع منهم زي المرة اللي فاتت، دي لسه صغنونة.
_ متخافش يا بابا..
+
تنفس الصعداء بعد مغادرة مهند ثم برقت عينه بمكر وهو يضم زوجته إليه ثانيا هامسا: هو احنا كنا بنقول ايه يا زوما؟
ضحكت بدلال ليلتهم بعاطفته بقية ضحكاتها ويرتشف من سحرها قبسا لا يناله إلا نادرا منذ قدوم الصغيرة.
___________
+
(أفتح الباب يا "طه" عشان ايدي مش فاضية)
_ حاضر يا ماما.
+
وقف الصغير يصيح عاليا: مين بيخبط؟
أتي صوت الماكث بالخارج بمزاح: أنا حرامي ياحبيبي افتح.
_ طب أسمك ايه ياحرامي.
شاغبه الطارق: هيفرق معاك اسمي؟ افتح ياطه واخلص.
+
عالج الصغير المزلاج وانفرج الباب ليظهر ياسين وهو يتهكم: في حد يفتح الباب لحرامي برضو يا طه.
_ منا أصلا عرفتك يا خالو بس كنت بهزر معاك.
_ أصلا؟؟ طب هات حضن يا لمض وحشتني.
+
"تفتكر ابني طالع لمين يا سينو؟"
+
ابتسم وشقيقته تقدم عليه: بلاش فضايح يا أبلة حنين خليني بهيبتي قدام طه اللي كان مثبتني علي الباب من شوية.
+
قهقتت وهي تأخذه بعناق دافيء قائلة: وحشتني يا قلب اختك، وانا اقول الشمس مالها حلوة ليه انهاردة اتاريك جاي تزورني ياغالي.
_ والله وحشتيني اوي انتي وعمو عبده وطه وهمسه، قلت اعملك مفاجأة وازورك يوم الجمعة.
_ وبسمة مجاتش معاك ليه، سابتك تيجي لوحدك؟
_ عشان هي وعمو ياسين ويحيى معزومين بره عند ناس معرفهمش، فقلت اجي انا عندك اشوفك افضل.
واستطرد بثقة: وبعدين أنا مش صغير دلوقت واقدر اجي لوحدي.. أنا في تانية ثانوي يعني قربت ادخل الجامعة.
عصفت عيناها بحنان وهي تربت علي خده وتتأمل شاربه الخفيف الذي بدأ ينبت علي استحياء حول شفتيه: كبرت يا سينو وبقيت شاب قمر تخطف العين.. ربنا يحميك ويخليك لينا.
+
_ حماتك شكلها بتحبك يا ياسين، اختك هتفطرنا انهاردة صواني بيتزا بأيديها.
_ مدام فيها بيتزا يبقي فعلا حماهي بتحبني ياعمو.
_فرجتها على برامج سالي فؤاد جت بفايدة ياسينو.
+
رمقته برفعة حاجب محذرة: أوعي تكون بتتريق عليا ياعبده، استرني قدام اخويا.
ضحك وهو يقترب منهما: وانا اقدر ياحنة، والله بجد أكلك بقي يجنن وأظن الكام كيلو اللي زدتهم شاهدين.
والتفت لشقيقها: عامل يا حبيبي، أحلى حاجة عملتها انك جيت يوم اجازتي، واعمل حسابك هتبات معانا يومين الأجازة.
طه متعلقا بكفه: أيوة ياخالو عشان خاطري بات معايا انا واختي عشان نلعب سوا.
_ حاضر ياحبيبي هبات معاكم.
صاح الصغير وهو يقفز بحفاوة: هييييييه..وهتنام في سريري كمان.
+
" خالو ثينو"
+
_ أهلا هلا بالكريم شانتيه بتاع البيت ده.. تعالي ياهمستي
+
هرولت الصغيرة ذات الثلاث أعوم تندس بين ذراعي خالها وهو يقبلها ويرفعها فوق كتفه ويدور بها لتصدح ضحكاتها عاليا وشعرها المنكوش يعطيها مظهر طفولي محبب جعلها شهية أكثر.
+
حنين: تعالي ياهمسة احميكي واسرحك الأول عشان خالو يشوفك أموره.
_ لا يا أبلة انا عايزها كده بموت في شكلها وهي لسه صاحية وهصورها كمان.
عبد الرحمن معترضا: لا ياعم ماتصورش بنتي كده استني اما أمها تحميها وتلبسها بيجامة جديدة عشان تبقي بنت ناس.
ياسين مداعبا خد الصغيرة: والله ما عارفين قيمتك يا سوسو..ده انتي كده قمر.
طه: خالو صورني وانا شايل أختي.
همسة: لأ انت "مث" قوي زي بابا بودي.
_ لا قوي واقدر اشيلك زي بابا.
+
هرولت واختبئت خلف والدها تستغيث: بودي.
رفعها عبد الرحمن يلاطفها بينما أردف ياسين: طب خليكي لوحدك اصورك الأول عشان احطك خلفية وبعدين نشوف موضوعك انتي وطه
+
لكزته حنين: إياك تحطها خلفية وهي عار كده.
_ لأ انا بحبها كده..وعلى فكرة يا أبلة أنا جوعت جدا وريحة البيتزا واصلة لحد هنا..
صرخت وهي تركض أمامهم تشيعها قهقهات الصغار: يانهار ابيض نسيت البيتزا في الفرن.
__________
+
_ سينو، مادام هتعدي على صاحبك، ابقي وصل الكشف ده لزمزم وقولها تسلمه لجوري، وطبعا ماتغبش عشان تسهر معانا.
_ حاضر هسلمه لطنط ومش هغيب.
+
عبد الرحمن: كشف ايه ده؟ جامعية؟
_ لا يا عبده ده مهمة تطوعت بيها لمساعدة جوري، أنا بعمل حصر للشباب والبنات اللي بيكون ناقصهم حاجات بسيطة في جهازهم، وفي الأخر ظافر وعامر اللي بيتكفلوا بكل شيء حسب الأولوية كل شهر.
واستطردت برضا: وانا مبسوطة اوي اني بشارك بحاجة بسيطة زي دي، ربنا يجعله في ميزان حسانات الكل.
+
_ على كده بقى انا هينوبني من الثواب جانب يا أبلة، مش انا اللي هوصل الكشف لطنط؟
ضحكت لأخيها: طبعا يا سينو.. عقبال ما تكبر ويبقي عندك مشروعك الخاص الناجح وتساعد الناس ياحبيبي.
عبد الرحمن: انا واثق ان ياسين هيشرفنا..تفوقه في دراسته يبشر بالخير.
أشارت لنفسها بتفاخر: طالع "نبيه" لاخته.
غازلها بعفوية: طبعا ياعمري امال هيطلع لمين
شعر بالحرج بينهما فنهض بوقار اكتسبه مبكرا:
طب انا همشي دلوقت يا أبلة عشان اجي على باليل.. عايزين حاجة اجيبها وانا جاي؟
_ لا ياحبيبي سلامتك المهم مش تتأخر.
________
+
ركض إليها حيث تجلس في الحديقة مهللا:
_ماما ياسين صاحبي جاي في الطريق، ممكن حضرتك تعملي أكلة " الخبيزة" اللي بحبها انا وهو؟
ثم مال علي أذنيها بصوت خافت: بس اعمليها انتي، داد بتعملها وحش خالص.
ابتسمت بحنان: من عيوني يا هوندا..هقوم اعملها بإيدي عشان خاطرك انت وسينو.
+
_ شكرا يا ماما بس بلاش هوندا دي، أساسا أسمي مايع لوحده من غير دلع.
قرصت خده ثم لثمته قائلة:
مش عاجبك أسمك يا ولد.. ده بابا زياد اللي اختاوا.
+
طغى على وجهه الحزن وغمغم بتأنيب: أنا أسف يا ماما مش قصدي اعترض علي ذوق بابا..بس في واحد زميلي في المدرسة ضايقني واتريق عليا وقالي أنه أسم الولاد الفافي.
_ مين قالك كده؟
+
فاجأهم حضوره عابد المبكر مستطردا وهو يجلس بمقعد قُبالة زوجته: تعالي يا مهند افهمك حاجة مهمة..
اقترب الصغير بعد أن استقبله بقبلة له گ العادة، والأخر يسترسل يوضح له: الإنسان نفسه ممكن يبقي "فافي" زي ما قال زميلك حتى لو اسمه "عبد الجبار"..الأسم عمره ما كان العنوان الوحيد لصاحبه..الشخصية والأفعال والثقافة والطموح هو اللي بيرسم شخصيتك وبيحدد قيمتك الحقيقية يامهند..مش أراء أصحابك فيك، عشان كده اوعي تتأثر برآي حد وتشوف نفسك بعيونه، فهمت؟
+
برقت عين الصغير بتقدير وفخر مقرًا: فهمت يا بابا، عندك حق..مش هتأثر تاني بكلام حد..ثم تذكر مجيء صاحبه فأخبره بحماس: ياسين جاي انهاردة عندنا.
+
_ بجد؟ طب تحبوا أخدكم كلكم النادي لما يجي؟
_ مش عارف يا بابا، لما يجي اسأله.
_ ماشي يابطل، روح شوف اخواتك فين مش شايفهم، علي ما اخد حمام وانزلكم.
+
راقبت رحيل الصغير ثم استدارت تحدجه بنظرة تفيض عشقا.. فابتسم مقبل جبينها: عاملة ايه انهاردة؟ ضهرك لسه تاعبك؟ كنتي بتتألمي بالليل.
_ الحمد لله أفضل، للأسف دي توابع حقنة الضهر اللي أخدتها في ولادة سلمى.
_معلش يا زوما أكيد وضع مؤقت، هي فين المفعوصة دي اللي مش بتخليني أنام؟ وحشتني.
_ مع طنط كريمة نامت معاها الصبح، شوية وهتلاقيها جاية بيها..أطلع خد حمامك وريح شوية وانا هحضر أكلة "الخبيزة" اللي طلبها مهند لصاحبه.
_ طب ماتخلي حد تاني يطبخها هتعملها انتي ليه؟
_ لا هوندا عايزها من ايدي.
غازلها بمشاكسة: واد بيفهم والله.
قهقهت لإطراءه: تسلمولي كلكم يا بودي.
_________
+
_ياسين جه.
+
صاح بفرح وهو يراه والجا عبر بوابة الحديقة، اقترب لتستقبله كريمة الجالسة تلاطف حفيدتها مرحبة: أهلا يا ياحبيبي ايه المفاجأة الحلوة دي.
ابتسم لها بود: أهلا بحضرتك يا تيتة..أنا جيت عند أختي حنين وقلت اعدي اشوفكم انهاردة..
_ فيك الخير يا سينو، طب فين بسمة وعمك ياسين؟
_ أنا جيت لوحدي هما في القاهرة..ثم عاجلها بقوله: أوعي ياتيتة تستغربي زيهم اني جيت لوخدي، أنا مش صغير.
+
ضحكت له: مين قال كده؟ انت بقيت راجل يشرح القلب.
+
"صديقي الصدوق"
+
استدار لمهند الذي عانقه بقوة: وحشتني جدا، عامل ايه
_ الحمد لله ياصاحبي..ثم قال بعفوية: هتبات معايا في أوضتي الليلة.
_ لا طبعا مش هينفع يامهند، دي أبلة حنين مأكدة عليا مش اتأخر عشان اسهر معاهم، أنا جيت بس اشوفكم واسلم عليكم.
كريمة: جيت نورت يا ياسين، بس بات مع مهند فعلا وامشي الصبح لاختك هيجري ايه؟
_ معلش يا تيتة مش هقدر.. انا هفضل معاكم شوية وارجع عشان طه وهمسه ولاد اختي هيزعلوا لو مش رجعت.
_ خلاص ياحبيبي براحتك، بس على الأقل هتتغدا معانا ومافيش كلام تاني.
ابتسم مجيبا بتهذيب: حاضر ياتيتة
_ أنا قلت لماما تعملك الخبيزة اللي بتحبها.
_ لا يامهند ماتتعبش طنط انا هاكل اللي موجود.
ثم قبل سلمى وداعبها قبل أن يهجم عليه ديبان بحفاوة مهللا لوجوده..فتلقى عناقه بحب حقيقي معتبرا هذا الصغير بحق شقيقه الأصغر والأغلى..
+
نهضت كريمة للداخل ومعها الرضيعة وانشغل مهند بتدريب ديبان بعد إلحاح أن يدربه علي بعض مهارات كره القدم، مكث يراقبهم عازفا عن المشاركة وعيناه تبحث عن فراشته حتى وجدها تتهادي وهي تُقبل عليه برقة: سينو وحشتني أوي أوي..وبتلقائية طوقت عنقه بذراعيها الصغيرة لتعبر عن فرحتها، فأبعدها برفق يعتريه بعض توتر غير مفهوم كلما عانقته روتيلا.. شيء ما داخله ينفر رغم تعلقه الأكبر بها.. فمجيئه إلي هنا ليس فقط ليري صاحبه، رغبته برؤيتها أحتلت المرتبة الأولي لديه.
+
_ أنا زعلان منك يا روتيلا.
تجعد محياها بعبوس بريء: ليه ياسينو انا عملت حاجة غلط؟
_ أيوة، قولتلك مش تحضنيني تاني.
_ بس انت مش غريب..بحضنك زي بابا وأخواتي مهند وديبو.
حدجها بنظرة لم ولن تفهمه: لا يا روتيلا أنا غريب عشان كده بقول مش تحضنيني انا او اي حد غير اخواتك وبابا..
_طب ينفع ابوسك في خدك زي جدو ولا برضو حرام؟
_ حرام برضو..اتفقنا؟
هزت رأسها بطاعة ثم رمقته بعين متسعة وهي تتفحص وجهه عن قرب قائلا: سينو، انت بقي عندك شنب صغنون..ثم انطلقت تضحك بشدة فلم يتمالك نفسه وشاركها ضحكة لا تغزوه بتلك العفوية إلا مع تلك الفراشة دون غيرها.
+
هدأت ضحكتها ليأمرها قائلا:
_غمضي عيونك يا روتي عشان عملت ليكي حاجة هتعجبك.. أغمضت عيناها بقوة فابتسم وهو يلتقط شيئا رقيقا من جيبه وقال: افتحي عيونك.
+
شهقت وهي تلتقط من يده طوق شعر من الورود البيضاء يتوسطها فراشة كبيرة ملونة، وضعته فوق رأسها بسعادة جمة وصاحت: الله، جميل أوي الطوق ده، شكله حلو عليا يا سينو؟
+
لوهلة شرد بمظهرها الملائكي وهي ترتديه وشعرها مسترسل بنعومة وغزارة يعانق دائرة وجهها الضاوي من جانبيه..مد كفه وأبعده عن عيناها وقال مأخوذا وهو يطبع صورتها بصفحة عقله: روعة يا روتي..
ثم أخرج هاتفه والتقط لها عدة صور وهي تستعرض أمامه وقفتها بدلال طفولي والابتسامة لا تفارق شفتيها..
+
_ الله.. ايه الطوق الحلو ده؟
+
قالها مهند ليواصل: ايوة ياستي جالك هدية واحنا محدش عبرنا بكوره شراب..
ياسين: طب اعمل ايه وده اللي اتعلمته من عمو عامر والله..كان بيعمل زيه لبنته "جويرية" وانا شوفته وعملت واحد لروتيلا.
_ طب وسلمى اختي فين الطوق بتاعها؟
+
التقط من جيب بنطاله شيئا وقدمه له: سوسو صغيرة وبتشد أي حاجة من شعرها وترميها، عشان كده عملت ليها أسورة من الورد.. ايه رأيك؟
_ تجنن طبعا، تعالي نطلع عشان تسلم علي ماما وبابا وتلبس سوسو اسورتها.. بس المرة الجاية اتصرف واعمل حاجة تنفع لديبو احسن هيزعل منك ويغير.
+
اجفلهما صراخ روتيلا الحانق بعد أن أختطف ديبان طوق الورد من فوق رأسها وركض لتطارده كي تستعيد طوقها.. قهقهة مهند: مش قولتلك ديبو هيزعل ويغير..أهو كده الطوق اللي انت عملته راح يا صاحبي.
+
_ مين قالك؟
+
واستطرد بعين غائمة تتابع مطاردة فراشته لتؤامها:
روتيلا قوية وعنيدة، مش هتسمح لحد ياخد طوق الورد بتاعها وهتعرف ترجعه تاني.
+
لم يكد ينهي جملته حتي استعادت فراشته طوق الورد خاصتها.. ليتنهد ياسين بتنهيدة خفية وعيناه تبرق أعجابا بتلك الصغيرة.
9
______________
+
_ ياسين وصل عندك ياحنين؟
+
جاء تساؤلها عبر الهاتف ملهوفًا فطمأنتها: أيوة حبيبتي وصل متخافيش.
تنفست الصعداء: الحمد لله، والله ما كنت موافقة يجي المنصورة لوحده بس هو صمم وجوزي قالي اسيبه براحته
_ سينو فعلا كبر يابسمة وسهل يجي هنا عادي.
واستأنفت بنبرة خاصة: تعرفي ياسمسم، لما شوفته داخل عليا أنا وولادي وجوزي حسيت بالعزوة، معرفش ليه شوفت فيه بابا اللي لو عايش كان هيدخل عليا كده.
انتقل لبسمة نفس الشعور وهي تغمغم: ما هو حبيب اخته بقي شبه بابا بالظبط ياحنة، كل اما يكبر بحسه بيقرب من ملامحه الغالية.
_ عارفة كان نفسي في ايه؟
_ ايه ياحبيبتي؟
_ كان نفسي يكون لينا اخوات صبيان كتير يجوا ويروحوا علينا ويكونوا سندنا وفخرنا قصاد أجوازنا..
_ كله نصيب وربنا يبارك لينا في ياسين ونشوفه احسن الناس كلها وعنده عيلة تعوضه هو كمان.
_ اللهم امين..ده هيبقي فرحتنا الكبيرة..المهم بقا هتيجي امتى؟
_ مش أنا اللي هاجي المرة دي، انتي وجوزك وعيالك هتيجوا، ولا مش عايزين تحضروا عيد ميلاد يحيى ابني؟
هتفت بحنان: روح خالتو ده انا اجي له على عنية.
_ انتي أمه مش خالته بس ياحنة، خلاص رتبي نفسك الأسبوع الجاي تيجوا كلكم، وانا هخلي جوزي يتصل بجوزك يعزموا، ده يحيى مستنيكم من دلوقت.
_ والله وحشني، عموما هنتقابل الأسبوع الجاي بأمر الله
وواصلت: صحيح، انتي مش ناوية تخاوي ابنك يابسمة؟
+
تنهدت مع قولها: والله نفسي يا حنين اجيبله أخ ولا أخت، بس اعمل ايه الحمل مش بيحصل وبدون سبب واضح، ده كلام الدكاترة لينا.
_ منا قلت الحل وانتي مش سامعة الكلام، أعملي حقن مجهري أو تلقيح.
_ ياسين مش راضي، بيقول نستني يمكن يحصل طبيعي.
_ أنا رأيي مافيش داعي تنتظروا..ابنك عنده خمس سنين يدوب تخاويه.. كلمي جوزك تاني وحاولي تقنعيه.. لعلمك لو عملتي حقن ممكن تجيبي تؤام كمان، وقتها مش هيفرق حملتي بعدها طبيعي أو لأ.
_ ربنا يسهل ياحنة واحاول مع جوزي تاني، هاتي اخوكي اكلمه قبل ما اقفل.
_ ياسين راح لمهند صاحبه، ما انتي عارفة بيحبو ازاي، بس متخافيش أكدت عليه يجي بسرعة وانا بعمله حاجات حلوة هو والولاد.
_ تسلم ايدك ياحنة، خلاص أنا هتصل به علي تليفونه..وهكلمكم تاني بالليل، سلام ياقلبي.
__________
+
أمسك بكتفه قبل أن ينهض: مشوار ايه اللي عايز تروحه يا ياسين؟ كمل معايا اليوم مش قلت هتمشي بالليل؟
_ بصراحة في مكان عايز اروحه لوحدي ويدوب اخلصه وارجع لبيت حنين.
نهض مهند معه مقرا: خلاص هاجي معاك يا صاحبي.
_ مش هينفع تيجي.
_ لأ هينفع..ويلا قبل ما روتيلا وديبان ينتبهوا ويشبطوا فينا مادام مش حابب حد يعرف..
............ .
+
هدوء مختلط بهيبة مع مسحة خوف ظللت تلك البقعة التي يخافها الجميع، رغم أنها الحقيقة الدامغة التي ينكرها عقل "المقابر"ذاك المكان الذي يحمل ثراه رفات أحبائنا الغائبين..انقبض قلب مهند لوهلة وبتلقائية أمسك كتف صاحبه كأنه يؤازره قبل أن يتأنس به، فاستدار له ياسين وقال: مهند..ممكن تسبني لوحدي شوية؟
+
أومأ له: حاضر.. هستناك بعيد وهقرأ قرآن لحد ما تيجي.
________
أرض طفولته مازالت تتقيأ حزنا
ثوب روحه ملطخ بسواد شوق لوالديه
ذكرى فراقهما الجارح لا تندمل، كلما رآي رفاقه بصحبه آبائهم يشتاق عناق والده كثيرا..يهفو لرائحة طعام گ الذي كانت تصنعه والدته..ربما الآن تمتليء معدته بكل شيء وهو بكنف شقيقته الكبري، لكن من سيملأ فراغ محيطه من أنفاس "أمه" العطرة وهي تضع بفمه كسرةِ خبز طازجة وهي تتمنى له العافية!
+
جلس هزيلا منكسا أمام ضريحهما الطاهر وقطرات الدمع تنهمر على خديه وهو يتمتم بشفتيه المرتعشة الآيات القرآنية هديته لوالديه لعلها رحمة الله.
+
أَوَ لَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ ٧٧ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ ٧٨ قُلۡ يُحۡيِيهَا ٱلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِيمٌ ٧٩ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلۡأَخۡضَرِ نَارٗا فَإِذَآ أَنتُم مِّنۡهُ تُوقِدُونَ ٨٠ أَوَ لَيۡسَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخۡلُقَ مِثۡلَهُمۚ بَلَىٰ وَهُوَ ٱلۡخَلَّٰقُ ٱلۡعَلِيمُ ٨١ إِنَّمَآ أَمۡرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيًۡٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ٨٢ فَسُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيۡءٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٨٣
" صدق الله العظيم"
+
أنتهى ومن قراءة سورة " يس" على روحهما وصمت ينظر للقبر هامسا بخفوت: وحشتوني اوي.. كل يوم بقرأ ليكم القراءن وبدعيلكم.. بيوصلكم هديتي؟ انتو فعلا حاسين بيا زي ما أخواتي بيقولوا؟ طب ليه مش بشوفكم في الحلم؟ زعلانين مني؟ طب أنا اهو جيت ازوركم ومش هقطع زيارتكم ابدا بس خلوني اشوفكم في أحلامي..نفسي تبوسيني يا ماما..ونفسي بابا يكون فخور بيا.. أنا كبرت وبقيت في تانية ثانوي.. كل سنة بنجح بتفوق، أوعدكم اجيب مجموع كبير يشرفكم زي اللي جبته في الإعدادية..أوعدك يا بابا اني هكون انسان ناجح عشان اخلد ذكراك بعملي..وانتي ياماما أوعدك اني اول لما اكبر. اتجوز هسمي بنتي على أسمك عشان أناديكي طول الوقت..أخواتي بسمة وحنين مش مقصرين معايا وبيحاول يعوضوني..بس في حاجة جوايا ناقصة محدش قادر يكملها..حاسس طول الوقت اني جعان لحنانكم اللي ماشبعتش منه..نفسي احس بالشبع بس مش عارف..وخايف افضل كده..ساعدوني وزورني كل يوم في حلمي.. كلموني..خديني في حضنك ياماما والعبي في شعري زي ما كنتي بتعملي..شيلني في سريري بعد ما انام زي ماكنت بتعمل يا بابا..
اعتصر الدمع بقوة بين مقلتيه ثم انتفض علي يد مهند تربت كتفه: أنا أسف بس لقيتك اتأخرت فجيت اطمن عليك..انت كويس يا ياسين؟
+
جرف بكفيه وجهه من العبرات وهو يتماسك مع نهوضه: أطمن أنا كويس..يلا نمشي.
+
ابتعدوا عن محيط المقابر يسود بينهما الصمت قبل أن يبتره مهند: تعرف ان قبر بابا " زياد" في اسكندرية؟ ياريته كان قريب هنا كنت ازوره كل يوم.
+
ربت ياسين على ظهره: الله يرحمه، لو عايز تزوره ممكن أروح معاك وناخد معانا حاتم وإياد، ايه رأيك؟
_ ماما بتقلق عليا زيادة عن اللزوم مش هتسمح اروح هناك لوحدي، وفي نفس الوقت هي مش بقيت فاضية تروح كتير.. أنا مش فاكر غير مرات قليلة زورنا فيها قبر بابا.
_ كلم عمو عابد وهو يقنعها..وانا ساعتها هاخد بالي منك انا وحاتم مش هتكون لوحدك يعني.
_ هكلمه..بس عارف يا ياسين في حاجات مش فاهمها.. عمو ياسر وتيتة والدة بابا مش بيسألوا عني.. وبابا عابد أضايق لما مرة جبت سيرته مع ماما.. فسكت خالص بس كأن في حاجة حصلت بينهم.
_ مش بعيد يامهند يكون في حاجات انت مش تعرفها..عموما بكره تكبر وتبقى مسؤول عن نفسك وتصرفاتك وتعمل اللي يعجبك.
_ بس اهم حاجة اللي اعمله مايزعلش بابا عابد مني..ده أبويا اللي بحبوا واللي رباني يا ياسين، انا متأكد انه مش بيحب عمو ياسر ونفسي اعرف السبب.
+
_ أيا كان السبب هتعرفه في وقته.. ودلوقت هوصلك البيت وبعدين ارجع لأختي.
استنكر قوله بضيق ووقف يهتف: يا سلام؟؟؟
اشمعني انت اللي توصلني؟ طفل قدامك انا؟
روح انت لطنط حنين وانا هرجع البيت لوحدي مش هتخطف ولا هتوه يعني.
+
أشار له ياسين ليواصل سيره وهو يقول بحزم:
بلاش عناد على الفاضي، زي ما أخدتك من البيت هرجعك تاني يامهند..يلا اتفضل قدامي.
+
زفر حانقا: على فكرة أنت كمان بتعاملني زيهم بالظبط.
أنا بجد زهقت من طريقتكم دي.
+
أخفى ياسين ابتسامته وأسدل على محياه تعبير صارم رغم بقايا طفولة وجهه واتبع صاحبه الصغير بصمت تام.
____________
تكملة الرواية من هناااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا