القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية حصنك الغائب الفصل الحادى عشر والثاني عشر بقلم دفنا عمر (حصريه في مدونة قصر الروايات)

 



رواية حصنك الغائب الفصل الحادى عشر والثاني  عشر بقلم دفنا عمر (حصريه في مدونة قصر الروايات)        





رواية حصنك الغائب الفصل الحادي عشر 11 بقلم دفنا عمر





رواية حصنك الغائب الفصل الحادي عشر 11 بقلم دفنا عمر





قد يعجبك ايضا


منذ عام


رواية هيبة الكبير الفصل السابع 7 بقلم ملك ابراهيم


منذ عام


رواية هيبة الكبير الفصل الثامن 8 بقلم ملك ابراهيم


منذ عام


رواية هيبة الكبير الفصل التاسع 9 بقلم ملك ابراهيم



                                    


الفصل الحادي عشر! 


____________



+




تطالع وجهها بالمرآة "بتيه"..عيناها مسلطة على خصلات شعرها السوداء! خصلات حملت لها ذكرى سيئة ومضت لتوها بثنايا العقل لتُفزعها، فترتجف مخبئة وجهها بين كفيها گدرع يحجب عنها طيف الذكرى، وأحدهم يلوي حزمة من شعرها الطويل ويبرمه حول كفه ويجذبها إليه بعنف وآخر يحاول نزع كنزتها لتتمزق بين يده وثالث يحاول استباحتها بيديه وهي تقاوم الجميع گ آلة دفاع! 



+




انكمشت بذاتها أكثر وضمت أجفانها بقوة وراحت تهز رأسها بعنف علها تطرد تلك الصور البشعة التي تدفقت لذهنها وأزعجت سكون عالمها.. ثم فتحت عيناها مرة أخرى وبنظرة تقطر كرهًا راحت ترمق نفس خصلاتها السوداء.. وبدون وعي ألتقطت ذاك المقص الصغير الموضوع فوق زجاج طاولة الزينة، ووجهت نصليه للخصلات وراحت تبترها بجمود فتتساقط فوق ركبتيها.. ثم انزلق أرضًا لتملأ محيط دائرة مقعدها الصغير.. وكلما سقط شعرها، كلما تسللت إليها راحة غريبة.. وكأنها تتخلص من حمل ثقيل فوق رأسها.. يجب أن تصير بشعة ودميمة.. نعم .. لن تترك مجالًا لجمالها أن يتنفس بعد الأن..! سيموت كما ماتت روحها تمامًا..!


…………………………………… .



+




عاصم:  بلقيس فين يا دُرة؟


تمتمت:  في أوضتها، فضلت معاها لحد ما نامت، وقلت اعملها أكله بتحبها عشان تاكل! 



+




بدا عليه الأرهاق وهو يردف:  طب أنا هطلع انام جمبها شوية لحد ما تخلصي وابقي صحينا..! 



+




_ ماشي ياحبيبي.. هسيبكم ساعة واصحيكم للغدا..! 



+




صعد إليها، مشتاقًا لضمها لصدره، فرغم انه عاد لممارسة أعماله، إلا أن عقله دائما معها.. وصل لغرفتها وما أن عبر داخلها، حتى اتسعت عيناه بذهول والأرض حول ابنته غارقة بخصلات شعرها المبتور، وهي جالسة بعين تائهة أما المرآة تقصه بوعي غائب!  فركض تجاهها سريعًا وهو يلفظ إسمها بفزع نازعًا المقص من يدها، ثم ضمها باكيًا ولا يفهم سببًا لتصرفها الغريب.. وعلى أثر صراخه أتت دُرة لتأخذ نصيبها من الصدمة والبكاء وهي تضم ابنتها بنحيب متسائلة عن سبب ما حدث وكيف.. ولكن لا إجابات! فقط الجمود هو ما يتجسد على ملامحها الباردة، رغم رؤيتها أنهيار والديها في المرآه..!


_______________________



+




" بلقيس بتحمل جمالها سبب اللي حصلها"



+




انتبهت جميع حواس " عاصم" وهو يستمتع لطبيب ابنته الذي واصل استرساله: 



+




يعني تصرفها مبرر جدًا نفسيًا يا سيد عاصم.. الحادث اللي اتعرضتله خلاها على يقين تام إن جمالها سبب رئيسي في الحادث، وعقلها رسخ جواها إنها لو اتخلصت من أسباب جمالها هتكون في أمان،وبعيد عن أي عيون تطمع فيها وتأذيها تاني!  فطبيعي تكره أي حاجة تظهرها جميلة وأول حاجة فكرت تتخلص منها، شعرها اللي بدونه هتكون دميمة وتحقق هدفها



+




أطرق رأسه بحزن شديد على ماتعانيه صغيرته، وتمتم: فهمت السبب، بس انا دلوقت خايف تأذي نفسها بأي شكل أو تفكر تنتحر مثلا أعمل إيه عشان احميها من افكارها يا دكتور..! 



+





          



                


عدل عويناته وأردف: مش وارد أبدًا إنها تأذي نفسها بشكل مباشر بفكرة انتحار..هي بس بتحاول تطمس جمالها نفسه، سواء بقص شعرها.. أو خدش بشرتها بضوافرها زي ما حصل قبل كده.. أهم حاجة يبقى في رقابة عليها طول الوقت..ويكون في حذر أنها تلاقي أي أداه حادة تساعدها  زي المقص وغيره..!



+




أطرق رأسه ببؤس : ماشي يادكتور.. ربنا يفك الكرب ويشفيها.. وترجعلي تاني.. بنتي وحشتني أوي وهي بتكلمني.. وهي بتضحك.. وهي بتستناني كل يوم بالليل ارجع وتجري عليا زي الأطفال تقولي يلا يا بابا الفيلم هيبتدي.. كنا كل العالم بتاعها وهي فرحتنا في الدنيا..! 



+




وجد الطبيب نقطة تستحق التوضيح فتمتم: 


هي دي المشكلة ياسيد عاصم.. مع كل تقديري وتعاطفي مع مشاعرك، بس عشان أما بلقيس تخف تتعاملوا معاها بأسس صح! 



+




بدا على الأخير الأهتمام: 


مش فاهم، واحنا كنا بنعامل بنتنا غلط؟!



+




_ مش غلط مقصود طبعا.. بس انتم خليتوا كل العالم بتاعها هو انتم الأتنين وبس.. حطيته سياج من المحاذير المطعمة بالخوف انها تتمرد وتبعد عن مداركم.. بس هي كبرت.. وشافت ازاي اقرانها عندهم حرية أكتر بكتير منها..حبت تجرب أول تجاربها من وراكم.. كانت ممكن تكلمكم وتقول انا عايزة مساحة من الحرية.. بس خوفكم وقفها..!


وواصل:  أمان ولادنا اننا أولا نربيهم على الدين الصح، نغرز جواهم الخوف من ربنا مش مننا.. نطلق صراحهم اما يشد عودهم مادام اتحصنوا بالفهم الجيد لكل شيء.. نديهم ثقة كاملة عشان يحسوا بقيمتهم.. مش نحوطهم بالقيود اللي في ظاهرها حرية كدابة.. حركتها من مكان لمكان كانت بسيارة وسائق.. في ناس هيكون الأمر ده ليها رفاهية.. لكن ناس تانية هتحسه قيد وخنقة.. هل فكرتم في ده مرة؟ أكاد أجزم إن مكانش لها صداقات كتير، لأن هي عارفة انها مش هتكون معاهم بحريتها.. وواثق إن في مرة حصل من بلقيس انفجار وأعلنت رفضها للحصار ده گ إنذار محدش فيكم أدركه! 



+




مر بعقل عاصم بالفعل ثورة ابنته حين رفضوا أن تذهب برحلة تبع جامعتها.. ومرة أخرى خاصمت والدتها حين رفضت ذهابها عيد الميلاد..ابنته كانت تعد انطوائية ليس لديها صديقات غير واحدة فقط بالجامعة..الآن أدرك كم ساهموا بما وصلت إليه ابنتهما.. فدمعت عيناه وهو يغمغم:  يعني غلطنا أما خوفنا عليها زيادة؟ 



+




أراد الطبيب منحه كلمات الأمل لرؤية عذابه فواصل: 



+




من قلت انه غير مقصود..وأسف لو ألمتك بس كان لازم اوضحلك نقاط الخطر اللي كانت في التعامل معاها.. وعموما  فترة وهتعدي بإذن الله يا سيد عاصم، الحادث مش سهل عليها ولازم أثاروا تاخد وقتها حتى لو طولت شوية.. أنت أهم حاجة تعرفني أي تطور يحصل معاها، لأن أي تصرف منها هيكون له دلالة نفسية هتساعدني في طريقة علاجها. وفي النهاية.. ومهما اجتهدنا گ أطباء، الشفا دايما في ايد ربنا ومعجزاته لا تنتهي، ومافيش أخلص وأصدق منك انت ووالدتها في الدعاء.. ربنا يعافيها ليكم وترجع زي الأول وإحسن..! 


_______________________



+





        



          



                


رائحة "قهوة" شهية عبئت محيطها، مع نسمات هذا الصباح، فالتفتت لتجد " كريمة" حاملة صينية مزخرفة. وابتسامة بشوشة. تزين. ثغرها وهي تتمتم مع اقترابها من طاولة دُرة، بزاوية ما في حديقة منزلها: 



+




_ أنا قلت أجي اشرب معاكي القهوة الصبح..واطمن على بلقيس، وجبت جوري معايا..! 


هتفت جوري بمرح:  مع إني مش بصحى دلوقت بسهولة ياطنط، بس انا كمان عايزة اشوف بلقيس! 



+




ابتسمت دُرة لهما بامتنان شديد: أنا مش عارفة اودي جمايلك فين. يا كريمة!  وقفتك جمبي مش هنساها طول عمري.. فعلا الأصيل بيبان معدنه في الشدة! 


ثم التفتت لجوري بحب خالص:  ومايحرمنيش من وش القمر ده على الصبح!  فين البوسة بتاعة طنط دُرة! 


اقتربت جوري بدلال: بوسة وحضن كمان، وبعد عناق دافيء راقبته " كريمة" بابتسامة راضية، تسائلت جوري:  هي بلقيس لسه نايمة؟!


_ أيوة باحبيبتي، انتي عارفة علاجها بيخليها تنام كتير.. بس قربت تصحى هي وعاصم! 



+




" عاصم خلاص صحي.. صباح الخير"



+




التفتوا جميعهم مرددين التحية:  صباح النور! 


جوري: إيه الشياكة والأناقة دي.. والله برنس ياعمو..!



+




قرص وجنتها وتمتم:  بطلي بكش يابنت أدهم! 


واستطرد: مش عوايدك تصحي بدري كده يا روح عمو! 



+




_ صحيت مخصوص عشان افطر مع بلقيس.. واقضي معاها اليوم.. معلش بقى هكبس على نفسكم انهاردة! 



+




ابتسم لها:  بالعكس ياحبيبتي، ياريت حتى تبقي مع مرات عمك وبلقيس على ما اجي بالليل! 



+




هتفت كريمة: والله هتريحوني منها طول النهار! 


رفعت جوري حاجبيها:  كده يا كيما، بتبعيني؟! ماشي بكرة اتجوز واقعد في بيتي، وتقوليلي تعالي اقعدي معايا، اقولك مش فاصية! 



+




نكزت رأسها:  بلا خيبة، خلصي جامعتك الأول وبعدها فكري في الجواز ياهبلة..! 



+




تابعت دُرة مع عاصم دعابتهما، وضوى بعقلهما نفس الحنين لمزاح بلقيس معهما، حين كانت تشاكس ابيها، وتتدلل عليها، فدمعت عين " دُرة" دون أن تدري وشوقها لابنتها يفطر قلبها.. متى تعود لها.. متى تعود ضحكتها ومزاحها، حتى تذمرها المحبب لأمر لا يعجبها أشتاقته..!  ولأن زوجها يشاطرها نفس حنينها بذات اللحظة، ربت على ظهرها برفق، فمنحته ابتسامة دامعة، وأومأت برأسها انها بخير! 



+




أدركت " كريمة" شعورهما حين نظرت لهما، وألمها قلبها، فهتفت داعمة:  صدقوني بلقيس هتخف وترجع احسن من الأول.. طول ما انت ودُرة ياعاصم بتدعولها أكيد ربنا هيساعدها.. بس الصبر.. وكلنا اهو حواليكم.. والله قلبي بيقولي قريب أوي الغمة دي هتنزاح وتبقى ذكري هننساها.. بس قولوا يارب! 


………………………… 



+




تنحت جوري مع بلقيس في إحدى الزوايا بالحديقة، والأخيرة جالسة بذات الصمت مسلطة أنظارها أمامها على نقطة غير واضحة، وگعادتها بدت شاردة،  



+





        


          



                


جوري:   صباح الخير يابلقيس! 


ظلت الأخيرة على جمودها، فواصلت جوري:  


انا لو كلمتك هتفهميني؟ بلقيس انا عايزة اعتذرلك لأني كنت بعيدة عنك.. واخر مرة كلمتك وحش وزعلتك.. وانا اللي كنت غلطانة.. عايزاكي تصدقي اني زعلانة عشانك بجد، وبترجاكي ترجعي تاني. عمي ومامتك حالتهم بقيت صعبة، ارجعي واحنا كلنا معاكي.. مهما كان اللي حصلك هتنسيه وسطينا حبيبتي!  صمتت تطالع وجهها الجامد وعيناها الغائمة، فواصلت: تعرفي إن عطر زعلانة عشانك! هي مش بتكرهك على فكرة، بس هي عصبية. شوية لو قربتي منها هتحبيها، وهي كمان هتحبك انا متأكدة.. ارجعي وانا هقربكم لبعض عشان تعرفي إنك مش لوحدك وعندك اخوات كتير.( ورغم دفء حديث جوري، لم. تستجيب بلقيس، لكن مسامعها تتلقى كل حرف يقال دون تجاوب يُذكر) ..فواصلت جوري ثرثرتها: 



+




انا هقضي معاكي اليوم كله، ماما ماصدقت تتخلص مني.. اصلها بتقول عني رغاية.. بس هي ظالماني.. انا بس بحب اتكلم مع اللي بحبهم.. تفتكري يابلقيس انا رغاية؟ عموما بابا بيحبني كده، وساعات يقولي، (تعالي ارغي جمبي ياجوري لحد ما انام انتي احسن من الراديو) وضحكت مردفة:هي تريقة من بابا بس انا بعديها لدومي عشان بحبه، أعمل إيه مقدرش ازعل منه! 



+




ظلت جوري تثرثر مع ابنة العم، أملًا أن تتجاوب معها كما نصحهم طبيبها، ولم تدري عن تلك التي تراقبها واستمعت لكل حديثها ودموعها تسيل بصمت، مرددة داخلها:  يارب.. اشفيلي بنتي.. رجعهالي تاني.. يارب ارحم قلب أم بتتقطع على ضناها.. مين غيرك يحس بيا يا رحيم! 



+




وتركتهما وراحت تتوضأ وتصلي وتدعوا بتضرع..!



+




_____________________________



+




بعد مرور عام وبضعة أشهر! 



+




يزيد: إيه أخبار شغل المجمع السكني يا أحمد، عايزين نسلمه في معاده بدون أي تأخير.. إحنا الحمد لله ابتدينا في كسب ثقة العملاء وتكوين سمعة معقولة جدا.. والمواعيد وجودة الشغل مهمة في المرحلة دي..! 



+




أحمد وهو يرتشف بعضًا من قهوته: 


لا ماتقلقش خالص، المهندس نادر متابع والحقيقة بيشتغل بمنتهى الضمير وكل حاجة مطابقة للمواصفات ومش بيفوت حاجة إلا اما يتأكد منها..! والشغل ماشي بالسرعة والجودة المطلوبة الحمد لله.. وواثق  المجمع ده هيدعم أسمنا أكتر، وهتتفتح لينا أفاق أوسع فيما بعد! 



+




يزيد بإيماءة:  بإذن الله.. ده عشمنا في ربنا..! 



+




_ هو ياسين فين مش موجود في مكتبه؟


_ واخد أجازة اليوم، ورجع المنصورة عشان يطمن على خالتي كانت تعبانة شوية، وهيكون هنا بكرة الصبح في معاده! 


_ ألف سلامة عليها، بس بصراحة ياسين اندمج في الشغل بسرعة وعاجبني، دماغه حلوة أوي في شغله! 



+




يزيد بفخر:  ياسين زكي وشاطر.. هو وعطر هيكون ليهم بصمة كبيرة هنا..!



+




_ هي بقيت في سنة كام. دلوقت! 


_ هي كده خلصت اعدادي وأولى وهتدخل تانية هندسة! 


_ حلو جدا، أول ما تتخصص في سنة تالتة تيجي تدرب معانا..!


_ بس اما تعرف تقنع خالتي بقى، لأني عرفت انها مش حابة تنزلها القاهرة لوحدها..! 


_ لوحدها ازاي يا ابني، أخوها ياسين معانا، وابن خالتها(  أنت طبعا) معاها، وقلت مرة إن جدها وجدتها وعمتها هنا بالقاهرة.. فين لوحدها دي؟



+





        


          



                


ضحك يزيد:  معلش خالتي متعلقة بيها زيادة، الصغيرة وأخر العنقود بقى! عموما اما نيجي لوقتها أكيد في حل! 


وواصل متعجبًا: بس تخيل يا أحمد أنا ماشوفتش عطر من إمتى؟! 


أشار له الأخير بالمواصلة، فتمتم يزيد:  من وقت نجاحها في ثانوي..!


_ ياه.. وليه كده، ما انت بتروح المنصورة ماشوفتهاش هناك ليه؟


_ انا بصراحة كنت زعلان منها في حاجة وفضلت فترة مش بسأل عليها أصلا، كمان في بداية شغلنا  كل تركيزي فيه وازاي نقف على رجلنا.. وبعدها كل اما اجي اتصل ماتردش، أزور خالتي مش بلاقيها، وكأنها بانكر نفسها مني! 


_ واضح كده إنها زعلانة منك جدا ؟


_ أنا ماعملتش حاجة تزعلها.. بالعكس انا اللي كنت زعلان ومع كده نسيت والله.. عطر غالية عندي ومهما حصل هغفرلها..! 


إحمد بحيرة:  والله ما عارف.. عموما مسيرك هتكلمها وتبقي تسألها براحتك.. طيب جوري وعابد أخوك أخبارهم أيه، هيشتغلوا معانا بردو ولا إيه؟



+




_ لالا عابد بعيد عن مجالنا، هو خلص جيشه ومركز دلوقت في المزرعة وشايل مسؤليتها ومتابع الأراضي مع بابا..! وجوري بقى في تالتة تجارة أنجلش، وفيما بعد هتمسك الأدارة المالية هناك مع عابد لأنه مالوش في الحسابات نهائي! وكمان أمي مستحيييل هتخليها تنزل تشتغل معايا.. لازم تكون قصاد عينها..! 



+




أحمد بأيماءة:  ربنا يوفقهم إن شاء الله..وواقل بحذر: وبنت عمك!  حالتها اتحسنت؟


نقشت فوق ملامحه مسحة حزن وهو يستدير إلى النافذة يطالع خارجها:  تحسن بسيط جدا، وبردو مش بتتكلم..!


_ طولت أوي، كل ده بسبب حادث تصادم؟ 


صمت برهة قبل أن يجيبه بذهن شارد:  محدش يعرف هي واجهت إيه بالظبط وليه بتحارب إنها ترجع لطبيعتها، اللي فهمته من طبيبها إن هي اللي عازلة نفسها..! 


_ حالتها غريبة ومطولة خصوصا ان حادث التصادم ما يتسببش في كل ده! 


التفت يزيد: أنت عارف الأمراض النفسية غير العضوية، التحسن فيها بيكون طفيف وبياخد وقت.. وواصل نافضًا عنه عبء هذا الحزن لأجلها:  يلا بقي بطل رغي وارجع على مكتبك ورانا شغل كتير! 



+




تمتم أحمد بإرهاق:  شغل إيه!  مش هنتغدى؟ أنا جوعت ومش قادر اركز.. أنت مش جوعت؟



+




_ عادي مش أوي، هخلص مراجعة الملفات اللي في أيدي واطلب لينا دليفري! 



+




أعترض أحمد مردفًا: ودليفري ليه يعني، قوم معايا هعزمك على غدوة حلوة! 



+




يزيد معترضًا: أحمد أحنا مش فاضين نروح في حتة في شغل كتير ورانا.. خلينا نطلب أي حاجة هنا



+




_ يا ابني مش هنبعد كتير نص ساعة بالعربية هنكون في كافية " صُحبة طيبة" عارفه؟ 



+




يزيد وهو يبحث بذاكرته عن ذاك الإسم: 


أه عارفه، أنت قولت قبل كده إنه صديق ابن عمك صح؟ أومأ أحمد بالتأكيد، فواصل يزيد:  بس ده مغلق بقالو فترة تقريبا ، وأصلا بيقدم مشروبات بس! 



+




احمد:  ده لأنه كان بيعمل تعديلات، ضم مساحة كبيرة وعمل مطعم بنفس الإسم بيطل على الشارع الرئيس من الناحية التانية، وصمم ديكوراته على الطراز الدمشقي! 


_ اشمعنى الدمشقي يعني؟



+





        


          



                


_ معرفش، يجوز متأثر بيها لسبب ما، المهم إنه بقى تحفة فنية يا يزيد، لدرجة إني سألت عن المهندس اللي صممه وقلت ممكن أضمه لشركتنا.. بجد الأجواء هناك هتفصلك عن العالم..واضح انه اتصرف عليه كتير وانا جربت أصنافه الجديدة، لازم تشوف وتجرب بنفسك! وأنا متأكد القعدة هناك هتجدد نشاطك وهنرجع نواصل الشغل بتركيز أكبر!  



+




يزيد وهو يغلف إحدى الملفات: 


_ بص هو أنا مش جعان.. بس حقيقي كلامك شوقني جدا.. يلا بينا، وساعة. بالكتير ونرجع! 



+




……………….. 


في المطعم! 



+




يزيد بانبهار: بصراحة يا احمد ليك حق تصمم تجبني هنا.. وكلامك مافيهوش أي مبالغة الديكور فظيع.. بقولك إيه شوفلي المهندس اللي عمله هينفعنا جدا في شغلنا.. 



+




أحمد وهو يلوك قطعة لحم:  مش قولتلك، أنا فعلا كلمته لقيته شغال في شركة ما.. بس انا مش هسيبه، هجدد عليه عرضي وبإذن الله يشتغل معانا..! 


وواصل:  المهم الأكل كمان إيه رأيك فيه؟



+




يزيد بإعجاب:  لا ده موال تاني يا أحمد.. شكل صاحب المطعم والكافيه دارس وحابب مجاله، مش مجرد مشروع للربح وبس، كل حاجة بتتقدم بحب واهتمام شديد! 



+




_ ده حقيقي، وعلى فكرة شكل هيكون له مصلحة مع عمك عاصم! 


يزيد بتساؤل:  مصلحة إزاي؟



+




_ لأنه طلب مني توصية  انه يقابل عنك ويتعاقد مع شركته، لأنه سمع عن جودة منتجاتكم وانها طبيعية ومضمونة.. وانا قولتله اني هكلمك ترتب معاد معاه! 



+




يزيد باهتمام:  مافيش أي مشكلة، هكون مبسوط لو لينا لمسة في الإبداع ده.. خلاص هكلم عمي واعرفك! 



+




أحمد بعد أن فرغ من طعامه:  


تمام.. وانا كمان عندي اقتراح حلو أوي هيفيدنا ..!


_ إيه هو؟



+




_ بما إننا بقى عندنا عدد من العمال والمهندسين والمحاسبين والحمد لله الدايرة بتوسع كل شوية، إيه رأيك نعمل مطعم صغير في المساحة في في الدور الأرضي للشركة، أنا تقريبا رسمتها في دماغي وفاضل التنفيذ، هيكون فيها الساعة البريك، منها توفير للوقت، وميزة لينا في الشركة! وبما إني عارف صاحب المطعم، هتفق معاه يظبطلنا يوميا عدد الوجبات اللي هحددها بسعر معقول طبعا، ودي لعبتي، هاخد منه أقل سعر ممكن، وأهو تبقى المصلحة مشتركة والفايدة تعُم علينا سوا.. إيه رأيك؟



+





        


          



                


يزيد وهو يدرس الاقتراح بعقله: 


والله يا احمد هي فكرة كويسة جدا.. خلاص اتكل على الله، واتولى انت الموضوع ده كله، بس مش هوصيك التكاليف تكون مختصرة قد ماتقدر! 



+




أحمد بمزاح:  لا تقلق يا صديقي وكن مطمئن! 


يزيد:  طب يلا يا استاذ الساعة خلصت خلينا نشوف شغلنا..! 



+




احمد بمشاكسة:  خليك شوية مستعجل ليه، المكان يفتح النفس"



+




تتبع يزيد اتجاه نظر صديقه، فوجده يطالع إحدى العاملات وهي تقدم أوردر لطاولة مجاورة، فتمتم: 


فهمت ليه نفسك مفتوحة يا ابو عين زايغة! 



+




_ طب بذمتك.. الخدمة هنا مش حلوة ومألوظة وتفتح الشهية  وتخليك تتغدى وتطبق تسبيل للعشا كمان؟!



+




ضحك يزيد مصفقًا: أنت مهندس فاسد على فكرة.. أحترم نفسك ماتبصش على حد، ويلا عشان نرجع الشركة نشوف اللي ورانا وخلي التسبيل بعدين..! 



+




_ ماشي ياقاطع الأرزاق يا مؤدب! بس لعلمك يعني، البنت اللي في الترابيزة اللي على اليمين جمب صاحبتها المحجبة، عينها عليك من وقت ما دخلت! 



+




استدار يزيد ليجد بالفعل فتاتين إحداهما محجبة والأخرى عاقصة شعره گ "زيل حصان" ينفلت على جانبي وجهها بعض الخصلات الرقيقة وتبدو ملامحها طفولية نوعًا ما، ترمقه بالفعل وما أن التقيت أعينهما حتى خجلت وأسبلت جفناها لأسفل سريعًا..!



+




فعاد ينظر لرفيقه متهكما:  ودي هتبصلي على أيه بقى حضرتك.. عادي مجرد بصة عادية! 



+




أحمد وهو يجز على أسنانه:  يزيد!  أنا عندي مرارة واحدة وأنت هتفقعهالي أقسم بالله، البت عنيها هتنطق بإعجابها بيك.. وبعدين انت ناسي النيو لوك اللي انت عملته! 



+




يزيد باستنكار ممتزج ببعض السخرية:  نيو إيه يا اخويا؟ هو تظبيط الدقن وتغير تصفيفة شعري وفرده  عشان يتعدل شوية والبدلتين اللي بقيت البسهم عشان بس اقابل العملاء بمظهر يليق بشركتنا.. ابقى عملت نيو لوك؟؟ أمال لو حطيت لينزز بقى وضربت اصفر في شعري هتقول أيه! 



+




_ واللي قلته ده شوية.. يا ابني انت كنت محتاج مجرد رتوش تظهرك، وخصوصا اما عملت عملية الليزك في عينك واستغنيت عن نضارة جدي اللي كنت لابسها.. ده انت بنفسك فضلت تحكيلي عن انبهار عابد ووالدتك واختك ووالدك اما شافوك وقتها وانت بتزورهم! 


_ وقلتلك كمان انهم بالغوا جدا.. واني شايف التغير في المعقول ومايستاهلش الأنبهار ده.. كأني حسين فهمي! 



+




غمز أحمد بإحدى عيناه وهو يشاكسه: في البنات بتحب النماذج الخشنة وانت بقيت نسخة من الود  بطل زهرة الثالوث زيدوا..! 



+






                


نهض يزيد وهو يغمغم: ثالوث؟ طب خليك قاعد ضيع اليوم في الهبد اللي بتقوله وانا راجع الشركة وسايبك! 



+




وغارده سريعا فلحقه أحمد مهرولًا بعد أن وضع نقود تكفي فاتورة ما تناولاه.. ولم ينسى أن يلقي نظرة أخيرة على تلك الرقيقة التي سلطت ناظريها على ظهر يزيد وهو يغادر أمامها غير مهتم بحديث عيناها الخفي! فتمتم أحمد داخله(  طول عمرك فقري ياصاحبي البت زي اللوز)


______________________



+




كلية الهندسة! 



+




_ أنسة عطر! 



+




أستدرت تتبين من يناديها متمتمة:  أفندم! 


دنى شاب وسيم الطلة يرمقها باهتمام:  الحقيقة انا كنت عايز اتكلم معاكي شوية لو مش يضايقك، هنشرب حاجة في الكافيتريا ومش هعطلك. كتير! 



+




أجابت بجدية:  أسفة مش بقعد مع حد معرفوش! 


_ بس انا زميلك في نفس الدفعة! 


_ ده مش هيفرق في حاجة.. وتقدر تقول اللي انت عايزه دلوقت لأن مافيش فرصة ولا وسيلة تانية تكلمني بيها..! 



+




تلفت يمن يسار ببعض التوتر، وكم تمنى أن يحظي برفقتها بشكل أكثر خصوصية، وبعيدا عن المارين حولهما، لكن لا بأس! 



+




حمحم قبل أن يقول: بصراحة وبدون لف ودوران.. أنا معجب بيكي جدا.. معجب حتى باسمك.. وبأدبك وجديتك.. وذكائك.. استحوزتي على تفكيري بشكل كبير وغريب.. عشان كده ..أنا يشرفني إني أطلب إيدك لو موافقة مبدئيًا على خطوبة نتعرف بيها بالأصول وتحت أنظار أهالينا..وانا واثق إنك هتبهريني أكتر! 



+




لم. تصادف مثل هذا الموقف من قبل! لم تسمع أحدهم يُثني عليها بهذا القدر من المشاعر، أو يمدحها أحدًا بكل تلك الصفات؟  كيف تتصرف؟ هل ترد؟ وماذا تقول؟ أم تجري من أمامه كفتاة خجولة؟ 



+




وبتوقيت خاطيء.. خاطيء تمامًا..عبر طيفه لخيالها وهي تتصوره يُسمعها  مثل هذا المدح، وتنضح حروفه بتلك المشاعر.. تبًا لقلب لا تلفظ دقاته سوى بأسمه هو.. " يزيد"..!


بينما هي شاردة بمرور طيفه، عبر لسمعها همس الآخر



+




_ آدم! 



+




صمتت تتطالعه فواصل تعريفه عن نفسه، بعد أن أغراه صمتها:  إسمي آدم عبد الله!  عيلتي معروفة في المنصورة.. و…………… ..



+




لم تمهله ليكمل، فمجرد أن عاد إدراكها من شرود قصير، تركته دون كلمة واحدة غير عابئة بذهوله وهو يراقب رحيلها.. وبعد لحظات ابتسم ظنًا منه أنه خجلا لا أكثر.. وأخذ قرارًا بالمحاولة مرة أخرى! فتلك الفواحة گ أسمها.. تستحق! 


_______________________________



+





        


          



                


_ طب وعملتي إيه أما قالك كده؟!



+




تمتمت جوري بفضول بعد أن قصت عليها عطر ما حدث من. زميل الجامعة، وواصلت الأخيرة! 



+




_ مانطقتش بكلمة.. گأني بطة بلدي وحياتك! ولقيتني بمشي من قصاده وحمدت. ربنا إني ما وقعتش كان زمان شكلي عار قدامه! 



+




ضحكت  جوري مصفقة: أنا أصلا متخيلة شكلك.. أكيد كنتي هبلة أوي، بس لو كنتي قدرتي تتكلمي، كنتي هتردي عليه بإيه ياعطر؟


أجابت بحزم:  الرفض جوابي طبعًا، أنا مافيش في دماغي غير دراستي بس يا جوري، وبعدين جواز إيه دلوقت أصلا لسه بدري جدا.. اما اتخرح واشتغل كمان! 



+




جوري: طب على سيرة الشغل، أنتي عايزة تشتغلي مع ياسين في شركة يزيد أما تخلصي؟ 



+




هتفت بحيرة:  مش عارفة، ياسين بيحمسني اشتغل معاه عشان أكون تحت رعايته واحقق ذاتي بنفس الوقت، وبابا مش معترض وقالي لو قررت فعلا وروحت مع ياسين وقتها هسكن مع جدي وجدتي، وهاجي طبعا المنصورة يومين في الأسبوع.. بس ماما مجرد السيرة بتخليها تقلب لكتلة عصبية ورفض شديد للفكرة، هي عايزاني جمبها..! 



+




جوري بغموض:  أنا بسألك انتي عايزة إيه عطر، مش عن رغبات اللي حواليكي!  



+




رمفتها بشرود وغمغمت:  لو على رغبتي فأنا…… .



+




لم تكمل، فاستحثتها جوري للمواصلة: إنتي أيه؟



+




تنهدت وهتفت بعد برهة گنوع من المراوغة: 



+




_أنا جعانة! 


_ نعم ياختي؟ دي إجابتك لسؤالي! 


عطر وهي تجذبها للسير:  سيبك من الموضوع ده، أما يجي آوانه هتعرفي، ويلا بجد عشان جعانة فعلا! 



+




هزت جوري رأسها بامتعاض:  مفجوعة! 


______________


بإحدى المطاعم القريبة! 



+




مدت جوري هاتفها لتصبح شاشته بمجال بصر عطر مردفة بحماس:  شوفتي أخويا يزيد بعد ما غير شكله شوية بقى وسيم ازاي! 



+




خفقات قوية عبر عنها ذاك القلب الثائر بين جنباتها، ومحياه يطل عليها بشكله الجديد.. هي لم تري به يومًا قبح.. فعين القلب لا ترى سوى الجمال.. لكن رغم ذلك خطفها وسامته التي برزت بتلك الرتوش المستحدثة، أصبحت نظرته أكثر ثقة.. وابتسامته البسيطة حملت جاذبية طاغية.. رحماك يا الله!  سيظل الشوق يلاحقني..شوق لن يرتوي حتى بصورة تعلو شاشة الهاتف! 



+




_ إييييه فين. روحتي ياعطر! 



+




نفضت عنها حنينها وهتفت قبل أن تضع بعض الطعام بفمها:  عادي كنت بشوف التغير فين بالظبط.. هو معدلتش كتير علي فكرة.. شعره ودقنه بس.. وبصراحة البدلة لايقة عليه أوي.. وواضح انه بقى يلعب شوية رياضة عشان شكل جسمه اتغير!  



+




جوري:  أيوة قالي فعلا أحمد صاحبه بيخليه يروح معاه الجيم، بس بيلعب بسيط، مش زي عابد طبعا اللي روحه في الرياضة والسباحة! 


أومأت برأسها دون حديث، فواصلت جوري: 



+





        


          



                


تفتكري ياجوري لو آبيه يزيد كان مهتم بنفسه من البداية، كانت بلقيس هتسيبه؟



+




ضايقها ذكر بلقيس رغم تعاطفها معها بعد الحادث، ولكن يظل اسمها يسبب لها غصة داخلها، فهتفت:  بصي يا جوري.. بلقيس ماحبتش يزيد، ومهما اهتم بنفسه كانت مش هتلتفت له.. اللي بيحب حد عمره مابيشوفه وحش.. الحب له مراية خاصة بتجمل أي عيب وتخليه ميزة في نظر الحبيب!  



+




جوري بنظرة ثاقبة وهي تحاول النبش بخفايا صديقتها علها تشاركها أسرارها: 


يعني لو انتي مكانها كنتي هتشوفي آبيه يزيد أجمل شاب في الدنيا.. ؟



+




صمتت تبتلع غصة أخرى.. وهل رآته يومًا إلا فارسًا جميلًا..؟!  لكنها وبمهارة صارت تتقنها مع ابنة الخالة: 



+




انا مابشوفش حد جميل إلا بابا وياسين اخويا..! 



+




استنكرت جوري بعفوية: ياسين مين ده اللي جميل؟



+




عطر ملتقطة سكينة السلطة أمامها وهتفت بتحذير : بتقولى حاجة ياجوري، مش عاجبك أخويا؟



+




تلفتت جوري حولها:  على فكرة إحنا حوالينا ناس مش في أوضتنا..! 



+




_ طب ماتقولي لنفسك



+




جوري:  خلاص.. ياسين جميل



+




______________________________



+




عبر الهاتف! 



+




_ مش ناوي ترجع بقى يا محمد؟ كفاية غربة بقى محتاحينك وسطينا..! 


أوجسته نبرة شقيقه الأكبر " أدهم" فتسائل: 


صوتك ماله يا أدهم، ليه المرة دي بتلح اني انزل؟ في حاجة معرفهاش يااخويا؟



+




دائما ما يشفق عليه گغريب حين يعلم ما يحزنه، ألا تكفي غربته، فتمتم بعد أن أجلى صوته قدر المستطاع:  مافيش حاجة، انت بس واحشني يا محمد، أنا أخر مرة شوفتك انت وعيالك من 8 سنين


كفاية وارجع خلينا نعوض اللي فات وعيالك يعرفوا عيلتهم اكتر.. أنا ماشوفتش زمزم من وهي 13 سنة ومحمود كان 11 ..!


_ حاضر يا أدهم، من غير ماتقول انا ناوي والله السنة الجاية هنزل يكون محمود خلص اللي فاضل من دراسته! 



+




_ ربنا يقرب البعيد يا حبيبي ونتقابل على خير! 


__________



+




في أوكرانيا..! 



+





وجدته شاردًا، فدنت لتجلس أمامه منادية، لم يجيبها، نكزته بخفة فأُجفل من نكزتها، وعاد له أدراكه وتمتم: أسف ياعبير، كنت شارد! 



+





        


          



                


تسائلت بقلق: من وقت مكالمتك مع أخوك أدهم وانت بان عليك الهم.. هو قالك حاجة تقلق لا سمح الله؟



+




أردف:  طلب مني أنهي غربتي لحد كده وانزل أنا وانتي والولاد.. مش مطمن هو وعاصم صوتهم متغير



+




أنتقل إليها قلقه، ولكن وارته هاتفة: عادي يا محمد.. أكيد عشان اشتاقوا ليك..وبعدين أدهم مش أول مرة يقولك انزل.. هو بالذات كتير طلب ده منك! 



+




همس ببعض الشرود:  بس المرة دي ماكانش طلب ياعبير.. كان تقريبا أمر! ده غير إن عاصم نفسه قالقني عليه بيكلمني قليل وباختصار وصوته متغير، وكل اما اطلب بلقيس يقولي أي سبب لإنشغالها.. في حاجة غريبة في اخواتي مش مريحاني! 



+




ربتت على كفه: ماتقلقش يا محمد خير بإذن الله، وبعدين انت أصلا كنت ناوي بالفعل على نزولنا كلنا بعد ما ينهي محمود من باقي كورساته! كام شهر وهنكون وسطيهم، احنا خلاص  اكتفينا من الغربة.. وآن الآوان لولادنا يعيشوا بين عيلتهم الكبيرة بدال ماهما هنا لوحدهم..!


ثم أكتسب صوتها نبرة حزن:  خصوصا عشان بنتنا زمزم.. هي كمان محتاجة دفء أهلها عشان ترجع لطبيعتها.. وتنسى اللي حصل! 



+




جاء دوره لمواساتها، فضمها إليه ولثم مقدمة رأسها: 



+




كل حاجة هتبقى بخير ياعبير أوعدك.. وانا من دلوقت هصفي كل ارتباطاتي بالتدريج وأمور شغلي وهرتب نزولنا لمصر بشكل نهائي، وهنرجع بلدنا ونعيش فيها اللي باقي من عمرنا ونعوض غيابنا سنين عن أهالينا..! 



+




ثم قال بشيء من المرح، ليزيل أثر حزنها على زمزم: 



+




وعلى سبيل السعادة.. أخيرا هنقضي مع الولاد رمضان الجاي في مصر مع أهلنا خليهم بقى يعيشوا طقوسه على حق.. مصر أحسن بلد بتحتفل بالشهر الكريم وبالعيد.. وكل مناسبة فيها ليها طعم مختلف! 



+




انتقل إليها بهجة حديثه، فهتفت بحماس:  أخيرا.. أنا بتخيل من دلوقت ازاي هنسهر كلنا سهرات جميلة ودافية.. أنت مع أدهم وعاصم واستاذ ناجي صاحبك القديم.. وولادنا يندمجوا مع ولاد عمهم..وانا ودُرة وكريمة ونولعها نميمة، مع اننا لسه هنتعرف تقريبا، بس أكيد ده مش هياخد وقت..ثم هتفت برجاء يطمئنها:  أكيد يامحمد وقتها زمزم هتنسي وتكون بخير، وهتبدأ حياتها من جديد.. مش كده؟



1




أجابها بأيماءة داعمة:  طبعا.. وماتنسيش، دراستها في علم النبات هيخليها تشارك في الشغل مع عمها عاصم اللي هي متأثرة بيه وتخصصت في نفس دراسته..إنتي عارفة أنا شاركت اخواتي في كل حاجة، وكنت حريص إن لما ننزل نستقر في يوم، اكون عملت ليهم مستقبل هناك.. حتى خليت عاصم بنالي فيلا صغيرة قريبة منهم.. عشان نكون كلنا في نفس المكان.. بس فاضل فيها تشطيبات أخيرة.. عاصم رفض يعملها، وقال لما ننزل انتم تختاروها بذوقكم الألوان والديكورات وتختاروا الغرف اللي تناسب كل واحد، وفورا هتتشطب كل حاجة واحنا هناك..! 



+





        


          



                


_ بأذن الله كله هيبقي تمام..!


_______________________



+




اللون الأبيض، يُجسد لنا دائمًا معنى النقاء والسلام.. إلا تلك الحالة.. حين تغدو الذاكرة بيضاء بلا رصيد من الذكريات، طُمس بطياتها كل تاريخ.. كل موقف.. وانمحت قائمة الأشخاص، ليضحى صاحبها يحبو گ طفل  يحيا أيامه الأولى، لا يعلم عن ماضيه شيء


سوى ما يخبره به المحيطين حوله! ومجبر هو على منحهم ثقته الكاملة..وإلا غرق بغربة حاضره دون مؤنس يعينه على ما يشعر به من وحدة وضياع!  



+




  أمتدت يدٍ حنونة تربت على كتفه لتنتشله من وسط  أفكاره المشوشة! يبحث عن ذاته الضائعة وسط خلايا عقله، وأسئلته لا تنتهي..من هو؟ من كان فيما مضى؟! ملاكًا كما تخبره والدته؟! أم شيطان له باع في قساوة القلب والطباع؟؟



+




_ أنت صحيت يا رائد! صباح الخير! 



+




ألتفت لوالدته التي ولجت إليه لتوقظه.. فتمتم بفتور :  صباح الخير! 



+




أردفت بحنان:  صباح النور ياحبيبي.. تعالى الفطار جاهز.. واخوك مستنيك عشان تفطر معاه..! 



+




_ ماليش نفس! 



+




هكذا أجابها باقتضاب، فاقتربت منه حتى صارت أمام ناظريه: 



+




مالك يا يا ابني.. ليهه شايل الهم على طول.. أحمد ربنا إنك بخير.. لولا الراجل ابن الحلال اللي انقذك أما كنت مرمي على الأرض وسايح في دمك وعرف هويتك من بطاقتك وقدر يوصلنا..قولي كان حصل أيه فيا يا ابني؟! ده انت لما كنت غايب ومعرفش طريقك كنت هموت.. بس انت أهو رجعت! 



+




ابتسم بتهكم:  رجعت؟ بس انا لسه مارجعتش! 


ثم نظر لعيناها ونبرته بدت ضائعة


_ رجعت مش فاكر حاجة، ولا فاكرك، ولا فاكر اخويا اللي بتقولي عنه.. دماغي ممسوحة ومش عارف نفسي.. إيه حصلي ووصلني لكده؟! أذيت حد؟ طب هو مين؟ ولا أنا اللي كنت ضحية لغيري؟! 



+




قلبها يتمزق لتخبطه وضياعه! فلذة كبدها لا يعرفها.. لا يعرف أحدًا ولا يتذكر شيء..! ولكن سيظل الأمر بالنسبة لها أفضل مئات المرات من إن لم تعثر عليه! 


تمتمت وهي وتربت على كتفه: 


كل حاجة هترجع زي ما كانت يا رائد، الدكتور بيقول ده وضع مؤقت وانك هتستعيد ذاكرتك تاني في أي وقت.. أصبر يا ابني، وأديك وسطينا.. مع أمك الي بتحبك وتخاف عليك، واخوك اللي بقى ينزل عشان خاطرك ويسيب اشغاله وأسرته في البلد اللي هو فيها عشان يطمن عليك.. حاول تتأقلم يا ابني عشان ترتاح.. وصدقني هتفرج قلبي بيقولي كده! 



+




التزم الصمت كعادته ولم يعلق على أخر عبارتها، تاركًا صخب تساؤلاته التي لا تنتهي بتلابيب عقله. وذهب حيث يجلس شقيقه ليتناول إفطاره ومن بعدها ودوائه الذي لم يعطي أي نتيحة تذكر حتى الآن! 



+




________________________



+




_ عامل إيه يا رائد، نمت كويس؟



+




نظر له بنظرة خاوية إلا من بعض التهكم المستتر وتمتم:  أنا تقريبا أفضل حاجة بعرف اعملها دلوقت إني بنام يا " أيهم"..!


تنهد الأخير بضيق لحال شقيقه، وغمغم: 


ماينفعش استسلامك ده يا رائد.. لازم تتحرك شوية وتاخد خطوة إجابية في حياتك..لازم تتعامل مع فقدان ذاكرتك بمرونة أكتر.. مش أخر العالم يعني، ابدأ شغلك أو تعالى معايا استراليا واشتغل ..المهم ما تفضلش كده بالركود ده.. الذاكرة هترجعلك في أي وقت.. لكن عمرك ده اللي بيضيع هترجعه ازاي؟! 



+




أكثر ما يؤجج حنقه ويشعل غضبه.. الاستهانة بحالته


هو ضائع، تائهة.. كيف التأقلم والكوبيس المفزعة تصاحب كل غفواته لتُزيد حول ماضيه الغموض، هل فقدان الإنسان هويته وتاريخه وتفاصيل أكثر من عشرون عام شيء بسيط ويجوز معه التأقلم والمرونة؟ هو حتى لا يعلم كيف كانت إحلامه وماذا كان ينوي بحياته أن يكون! 



+




_ تعالى معايا يا رائد وانا هساعدك وهكون معاك لحد ما تقف على رجلك وتحقق ذاتك في شغل يناسبك.. انت على فكرة  اتخصصت في نظم ومعلومات يعني مجال شغلك واسع وهتكون مميز، وانا ممكن اوفرلك فرصة في شركة كبيرة هناك، وقتها هتملى وقتك ومش هتفضى تفكر في اللي انت فيه ده..! 



+




" أنا مش موافقة أبني يسافر لأي مكان يا أيهم! "



+




انتبها سويا لدلوف والدتهما وهي تبدي اعتراضها على اقتراح أيهم بسفر رائد، فأردف الأول: 


_ يا ماما انا مش فاهم ليه متمسكة بهنا، لينا مين قوليلي، الحياة هناك افضل بكتير، وانا كده مشتت لأن دايما بالي معاكم خصوصا بحالة رائد..!



+




صاحت تجادلته ببعض الغضب:  إن كنت انت خلاص يا أيهم مبقاش ليك انتماء لبلدك ومكتفي بعيلتك اللي عملتها هناك، فأنا مقدرش اعيش بعيد عن بيتي وعن المنصورة اللي اتولدت فيها واتجوزت وجبتكم فيها وابوكم مدفون فيها، وأنا كمان هندفن فيها..! 



+




حاول امتصاص غضبها:  يا أمي افهميني انا مقصدش كده.. بس انا هسافر وقلقان عشانكم، وانتي عارفة اني مضطر لكده، انا مقدرش اضحي باللي عملته هناك وبمكانتي،انا ومراتي، هنا عمرنا ما كنا هنقدر نحقق حاجة، وولادي واخدين على عيشيتهم هناك.. انما انتي المفروض تكوني مبسوطة اننا نتجمع في مكان واحد أيًا كان هيبقى فين، ورائد كده كده مش فارق معاه حاجة لأنه ناسي كل شيء.. إيه المشكلة بقى لو ابتدي واتأقلم هناك؟ 


واصلت الجدال بحدة:  وهو عشان مش فاكر حاجة نغربه عن بلده ونحطه في مكان غريب، مش كفاية الغربة اللي جواه؟ ماتخدعش نفسك يا أيهم انت كل اللي يهمك مصلحتك وان شغلك وحياتك ماتتأثرش.. لو مش عايز تنزل تاني خلاص براحتك يا ابني مش همنعك، لكن اوعي تفكر ترسم حياتنا علي كيفك ومزاجك وظروفك! 



+




_ بسسسس.. كفاية انتم الأتنين.. كفااااية.. محدش يفكر مكاني ولا يقرر حاجة عني ولا يقول اعمل إيه واروح فين.. انا مش لعبة في ايدكم.. انا ليا إرادة ورأي حتى لو دماغي اتمسحت بس انا هسمح لحد يتحكم ويرسم حياتي.. ابعدوا عني.. محدش يدخل في أموري بعد كده! 



+




اتسعت حدقتيهما بدهشة وهما يتلقيان ثورة رائد، ولم يدركا كم تآذى من شعور أنه أصبح شخص لا يملك لنفسه إرادة أو قرار.. ومع أخر كلماته تصاعد انهياره وهو يقذف ما تطاله يداه بغضب هادر مع تلك النوبة الثائرة التي تُجهد روحه وتخطِف أنفاسه اللاهثة لينتهي به الحال بمحقن وريدي يُسكن هياجه وينظم خفقات قلبه، ويسقط ثانيًا بنومة أخرى في ظاهرها الهدوء..ليعبر بلحظات داخل سراديب عقله الباطن المزدحم بصور بشعة تتراقص أمامه تفزعه وترسم الآلم على محياه المتعرق بقطرات ملتهبة بحرارة أفكاره، وأصوات صراخ عالية تصدح لا يتذكر لمن تكون!..لتزداد طلاسمه تشابك وتعقيد،، وومضات آثامه الماضية تهاجم عالمه المظلم وتضيئه ليبصر أسواط من نار لا تترك به سوى علامات دامية لا تبصرها عينه، ولكن يدركها ضميره الذي يحاول معاقبته!  ..


________________________


                                    


الفصل الثاني عشر


**********


في القاهرة! 



+




تستعرض أمامه الرداء ربما يكون السادس حقًا لا يتذكر! 



+




_ها يا آبيه ظافر.. أنهي طقم فيهم حلو للفرح والحنة؟



+




تنهد وهز رأسه بضجر: يابنتي بقالك ساعة بتوريني هدوم أشكال والوان.. كلهم حـلوين عليكي وبجد مش عارف اختار! 



+




تذمرت بطفولة: كده بردو يا آبيه مش عايز تساعدني؟ أمال انا لبستهم قصادك ليه.. أكيد في طقم أحلى من التاني! 



+




ضحكت والدتهما " هالة" وأردفت: سيبك منها ياظافر


وقوم جهز نفسك انت.. حتى لو قولتلها هتختار حاجة تانية.. أنت مش عارف اختك " إيلاف" وجنانها..! 



+




دبت الأخيرة قدميها بالأرض اعتراضًا:أنا مجنونة يا ماما؟ طب شكرا أنا هريحكم مني خالص واروح أوضتي واختار لوحدي! 



+




والتقطها قبل أن تغادرهما ضاحكًا:


خلاص يا إيلي هقولك والله.. الطقم الأخضر البسيه في الحنة.. والوردي والأكسسوار بتاعه ده هيبقي تحفة للفرح.. إيه رأيك في ذوقي؟



+




عانقته برضا لنيلها مساعدته: حبيبي يا آبيه ظافر.. خلاص هلبس اللي قولته .. وواصلت تحدثهما بغرور محبب: وليكم حق تحتاروا يا جماعة.. أي حاجة أصلا بتليق عليا وبتبقى حلوة.



+




قهقه مردفًا: طب لما هو كده عاملالي صداع من الصبح ليه يا مورستان انتي.. يلا طيب على أوضتك جهزي بقيت حاجتك بعيد عني عشان ساعة بالكتير وهنمشي! 



+




هتفت وهي تشاكسه: بتطردني يا آبيه! مااااشي خليك فاكر! وذهبت على الفور لتُعد باقي أشيائها، بينما هدأت ضحكات ظافر وهتفت والدته بجدية: 


أنت هتفضل معانا كام يوم في المنصورة ياحبيبي!؟



+




تمتم: يومين والتالت همشي يا أمي عشان شغلي، بس حضرتك وإيلي كملوا الأسبوع عادي.. اهو تغير جو وعشان تشوفي خالتي وتطمني عليها! 



+




_ أه والله عايزة اشوفها هي والولاد.. فرصة واحنا هناك نطمن على الكل! 


واستأنفت: بس هسيبك لوحدك..أنا هرجع معاك وخلاص، وهحاول انجز في زياراتي كلها!



+




هز رأسه معترضًا: لا طبعا ياماما.. ده أول يومين. يدوب هيعدو عند خالي عشان الفرح.. أمتى بقى هتلحقي تروحي عندها.. وبعدين أنا برجع البيت على النوم وبكون أكلت بره..ماتقلقيش يا لولو! 



+




ربتت على كفه متمتمة بحنان: مش هطمن عليك إلا اما تحققلي أملي وتريحني يا ظافر.. ثم حدجته بعتاب: لو سمعت كلامي، كان. زمان الفرح ده فرحك انت مش فرح ابن خالك! 



+




هتفت بهدوء: ماما كل حاجة نصيب.."سهى" من نصيب أيمن ابن خالي.. أنا مش عايز اتجوز دلوقت خالص.. شغلي وانتم اهم حاجة عندي.. وكمان إيلي لازم اطمن عليها احد ماتدخل جامعتها وتتخرج كمان.. أنا مش مستعجل علي جواز..! 



+




أعترضت مستنكرة: نعم؟ عايز تفضل مشحتفني كده لحد ماتتخرج اختك من جامعتها اللي لسه في ثانوية عامة؟! لا ده انت كده هتزودها أوي.. هو انت ناقصك إيه؟ الحمد لله ولا عندنا مشاكل مادية ولا حاجة تعطلك.. وانا نفسي اشوف عيالك يا ظافر.. يا ابني انت دلوقت 28 سنة.. يدوب تتجوز وتعمل عيلة



+





                


ثم هتفت بحماس: طب إيه رأيك في "صبا" بنت عمك؟جمال وثقافة وأصل.. هتكون ونعم الزوجة ليك، ولعلمك البنت دي بتميل ليك أسألني أنا..! 



+




نهض ليضع نهاية لحديثها الذي لا تمله بهذا الشأن: 



+




ولا هسأل ولا عايز اعرف حاجة، صبا بنت عمي واختي وبسسس! وعن إذنك بقى يا ماما اعمل تليفون مهم اظبط فيه الشغل في غيابي! 



+




وقبل أن تتفوه بحرف أخر. كان خارج الغرفة، تاركًا إياها تغمغم بضيق: أنت كده دايما معرفش اخد معاك حق ولا باطل.. نسخة من ابوك الله يرحمه، نفس دماغه الناشفة ولا الصعايدة! 



+




ثم تنهدت مستسلمة لعزوفه: ربنا يهديك يا ظافر ويطمني عليك أنت واختك.. وربنا يطول في عمري لحد ما اشوفكم في بيوتكم متهنين حواليكم ولادكم!


________________________


في شركة عاصم! 



+




صباح الخير يا عمي.. عامل أيه واخبار بلقيس أيه؟



+




_ صباح الفل يا يزيد، بخير الحمد لله على كل حال


أهي بقيت تطمن طول ماهي في البيت، المهم مابقاش في حد غريب حواليها للأسف مش بتتقبل حد حواليها غيري انا ودُرة.. وبقينا نفرجها على أفلام أجنبي من اللي كانت بتحبها وهي بتتابع طبعا بدون كلام، بس اهو بحس انها رجعت تمارس حاجة من عادتها، وربنا كريم يا ابني! 



+




_ الحمد لله ياعمي ولسه هتكون أفضل بإذن الله الأمراض النفسية مالهاش وقت محدد للشفا، في لحظة هيتبدل حالها..! 



+




أومأ برأسه: وده عشمنا في ربنا ، وواصل: طمني على شغلك يا يزيد! 


_ الحمد لله ماشي كويس جدا، وابتديت اتعاقد مع شركات معروفة. وكسبت ثقة. معقولة في الفترة دي، وكله بعد ربنا بدعمك ليا ياعمي! 


_ ماتقولش كده، كله بجهدك، أنا مهما شكرت ولا انحازت ليك، لو انت مش شاطر وطموح وزكي، عمر ما حاجة هتثبتك مكانك ابدا.. وعارف ان على أيدك، اسم عيلة ابو المجد هيكون علامة في عالم الإنشاءات..!



+




_ بأذن الله ياعمي هرفع راسك واشرفك دايما..! 


وواصل: طيب انا هستأذن حضرتك أرجع شركتي.. مش عايز مني أي حاجة؟ 


_ لا ياحبيبي عايز سلامتك! وسلم على ياسين ابن خالتك واحمد صاحبك! 



+




ما ان لفظ العم اسم صديقه، حتي تمتم: ياه كنت هنسى.. في موصوع سريع كده كنت عايز حضرتك فيه، ووصاني بيه أحمد..!


ثم أردف بشيء من المزاح: مش حضرتك بس اللي بتجيبلي شغل، هو صحيح حاجة. بسيطة، بس بردو أهو اسمه عميل! 



+




ضحك عاصم برزانة وقال: عميل أيه ده بقى اللي جايبه يا بشمهندس؟



+




_صاحب كافيه ومطعم كبير، عايز يستورد منك منتجات غذائية وفوكهه أروجنك ومعلبات .. تقريبا سمع عن جودة منتجاتك وحابب يكون في تعامل مشترك! 



+




_ ولو اني بصدر للخارج بس وطلبيات ضخمة.. بس معنديش مانع.. خليه يتصل بعلي وهو هيرتب معاه معاد الأسبوع الجاي.. لأن مش هاجي بقيت الأسبوع عشان جلسات بلقيس مع الطبيب بتاعها..! 



+





        



          



                


_ماشي ياعمي وربنا يشفيها في أقرب وقت، ومتشكر إنك وافقت علي طلب أحمد، يلا أسيبك على خير.. وسلامي لمرات عمي ولبلقيس! 



+




_ عيب يا ولد انت تطلب وتتمنى من عمك.. يلا في رعاية الله، وربنا يوفقك!


_____________________



+




بعد يومان! 



+




زكية خليكي مع بلقيس، هي بتتفرج على الفيلم، هعملها شوربة بتحبها وهاجي بسرع! 


الخادمة: حاضر ياست دُرة! 



+




جلست جوارها الخادمة. وراحت تطالعها بشفقة مردفة بعطف: ربنا يشفيكي يا ست بلقيس.. أنا زعلانة عشانك أوي.. ومقهورة على ست دُرة وسي عاصم.. هيتجننوا عليكي ياكبدي.. وليهم حق ده انتي الحيلة اللي طلعوا بيها من الدنيا.. ثم مصمصت شفتيها مغمغمة: إلهي ما يوجع حد على ضناه.. ويشفيكي بابلقيس يابنت دُرة! 



+




تقلصت ملامح العجوز ألما ممسكة معدتها، وقالت: 


آه.. أنا شكلي أخدت برد ولا إيه؟ ثم وقفت تمتم: معلش ياست بلقيس هروح بسرعة لا مؤاخذة " الحمام" ومش هغيب دقايق واجيلك.. أوعي تقومي الله لا يسيئك..أحسن ست دُرة تبهدلني، وانا مش هتأخر، ثم وضعت أمامها كاسة العصير: أشربي العصير ده على ما ارجعلك! 



+




ظلت ساكنة بجلستها الصامتة تتابع عيناها مشاهد تمثيلية لإحدى الأفلام التي كانت تفضلها، فتصاعدت الأحداث لترى بغتة مشهد قريب لما عانته، رجل يختطف فتاة ويكبلها وأخذها عَلَى حِينِ غِرة حاجزًا صراخها قبل أن ينطلق من حلقها.. وبلمح البصر.. هاجت الذكرى كما يحدث دائما كلما طرأ ما يُحيها داخلها، لتتجسد بنفس قساوتها ومشاعرها ترتجف والأصوت تمتزج بمشاهد افتراضية.. ووجدت نفسها تجري لتعبر للخارج بثواني خاطفة حتى أبتعدت بعض الشيء، هاربة من شيء غير مرئي يطاردها 



+




تشابكت خطواتها المرتبكة فوقعت، فساعدها شابًا لم يقصد سوى خيرا حين رآي ذعرها ووقوعها، لكنها لم تراه سوى إحداهم، فهرولت بعيدًا بالطرقات تبحث عنه هو منقذها.. حتمًا سيأتي.. .. هكذا ظنها.. لن يتركها لأذى يصيبها..وليتها عَلِمت كم كان قريبًا..!


_____________________



+




على الجهة الأخرى بزاوية بعيدة عنها نوعا ما .. واقفا ظافر مستمعا لصديقه عبر الهاتف: 


وبعدين بقى.. مش هعرف اتريض بروقان.. رغي رغي كده على الصبح..!



+




عامر بحنق: طبعا.. ناس تسافر لأهلها وتحضر أفراح بالليل..والصبح تتمشي وتعمل رياضة.. وناس تشتغل ويطلع عينها..! 



+




ظافر ببرود: بطل قر احسن البلد تولع من نبرك..مش عايزني احضر فرح ابن خالي؟! ثم استطرد ليستفزه: 



+




بس الطبيعة في المنصورة هنا تجنن.. طول الوقت بتمشى بين الخضرة واستجم..! بفكر أكمل الأسبوع هنا..! 



+




هتف بتهكم: ومالوا يا اخويا استجم واستمتع وكمل الأسبوع، مش الخدام الفلبيني شغال مكانك.. عيش يامان!



+




ضحك : 


_خلاص ياعم بهزر، أنت عارف ماليش في أجازات طويلة.. بكرة بإذن الله هارجع..! واقفل بقى وجعت دماغي خليني اكمل تريض وهكلمك بالليل.. سلام! 



+





        


          



                


أنهي مكالمته مع عامر، وواصل السير وهو يجوب شوارع تلك المدينة، متفحصًا تلك المنشاءات جميلة المظهر، ولا يعرف تحديدًا أين وصلت قدماه، ربما ابتعد قليلا عن بيت الخال، ولكن لا بأس، سيعود بعد أن يكمل تريضه المعتاد..ومن الجيد أنه استطاع ممارسة طقوسه هنا أيضًا..وقف بمحيط زاوية ما اعجبته خلفيتها، ورفع هاتفه ليلتقط صورة سيلفي له، ثم طالع ما التقطه، ففوجيء بظهور فتاة بزاوية الصورة بهيئة عجيبة،ضيق حدقتاه متمعنًا النظر بها، فبدا شعرها غير مهندم، وجهها غير واضح تفاصيله، ترتدى كنزة وبنطال بيتي، التفت ليجدها ابتعدت قليلا وكأنها تهرول، لم يرتاب في الأمر رغم غرابة هيئتها، وأعاد التقاط الصورة من زاوية أخرى، وبعثها لعامر كي يشاكسه مع رسالة يعلم أنها ستشعل حنقه أكثر.. ثم دس هاتفه بجيبه مرة أخرى.. وضع كفيه بتجويف جانبني بنطاله، والتفت لتقع عيناه على نفس الفتاة، واسترعى انتباهه نظراتها الخائفة، وهي توزع أنظارها حولها بضياع وتيه.. وبالقرب منها شاب يرمقها بنظرة لم يستطع بموقعه تبين طبيعتها، هل عابسة؟ أم غير ذلك؟ وجدها تنكفيء على وجهها من الخوف، والشاب يمد يده، فتحفزت خلاياه ونفرت عروقه تحسبًا للتدخل إن ضايقها ذاك الشاب..لكن سرعان ما ابتعد الشاب وهو يشير بكفيه معتذرًا بطريقة واضحة ، فتراجع ظافر عن ذهابه إليها مكتفيًا بمراقبتها وهو يفكر..لما مازالت الفتاة خائفة بشكل مبالغ فيه..وقدماها تتعركل وتتشابك.. هي لم تشاهد " ديناصور" عملاق لكل هذا الفزع، مجرد شخص ومضى في طريقه.. ولم يلحظ ابدا منه أذيه، تحليل المشهد من بعيد يرجح ان الشاب كان يساعدها.. أنبأته فراسته أنها ربما تشكوا من خطبٍ ما.. هَمَ بالترجل تجاهها مرة أخرى ليساعدها ويوصلها لمنزلها بأمان، فوجد إمرأة مسنة بملابس بسيطة تقترب منها وتضمها جاذبة إياها برفق لتختفي بعدها داخل بوابة كبيرة لإحدي الڤيلات الجانبية بهذا الشارع! فتنفس الصعداء لعودة تلك المسكينة لمسكنها، وعاد أدراجه حيث منزل الخال!


_________________________



+




حمدت الله أنها أدركت سيدتها الصغيرة وأعادتها إلى البيت قبل أن تنتبه سيدتها دُرة لإهمالها.. وإلا ما كانت نفذت من توبيخ تستحقه.. الفتاة غير واعية وربما كانت تبتعد أكثر وأصابها مكروه!، هتفت: 


كده يا ست بلقيس تخرجي من ورايا، لو أمك أخدت بالها كانت بقيت حكاية، وماكنتش هسامح نفسي لو جرالك حاجة.. ولو عايزة تتمشي.. تعالي نتمشى في الجنينة.. ودفعت ظهرها برفق لتحثها على السير: يلا ياقلبي نتمشى على ما والدتك تيجي! 



+




أما هي فرسخ لها عقلها الباطن أن أي محاولة للخروج من شرنقة عزلتها وخارج حدود مسكنها وأسرتها، ستجد إحدى الغربان تحوطها.. فلتظل بعالمها المسيج الآمن.. لن تخرج مفردها.. لن تتحدث.. لن تستجيب لأحد..عداه هو..! 


_________________________



+




صباح الخير ياطنط.. أخبارك إيه ورائد عامل إيه دلوقت؟ 



+




تلحف صوتها بالحزن وكسى ملامحها بؤس شديد: 


_ مافيش جديد يا رودي.. قلبي مفطور على ابني واللي جراله..وياريتني عارفة أصلا إيه وصله لحالته دي.. العجز هيقتلني لأني مش عارفة اساعده.. أسوأ حاجة على الأم إنها ماتقدرش تساعد ابنها في محنته وتخفف وجعه! 



+





        


          



                


ربتت الفتاة على كفها بتعاطف: معلش ياطنط احمدي ربنا انه معاكي حتى لو مش فاكر حاجة.. تخيلي كده لو الراجل اللي انقذه في وقت مناسب كان مش انقذه؟! أو كان مش قدر يوصل ليكم مثلا وكنتي معرفتيش طريقه ولا عرفتي انه عايش؟! كنتي هتحسي بأيه؟ طب قارني بين افتراضي ده وبين الوضع الحالي..ع الأقل رائد قصاد عنيكي بتراعيه وتهتمي بيه وتعالجيه.. وأكيد في يوم من الأيام هيخف ويرجع احسن ما كان زي ما قال الدكتور.. يبقي ليه بقى الحزن والتشاؤم ده؟



+




ومضت عيناها بإعجاب وتلك الصغيرة تبثها كل هذا الكم من التفاؤل والأمل بكلماتها البسيطة العقلانية.. فتمتمت وهي تمسح بحنان على شعرها: 



+




ماشاء الله يارودي.. كلامك زي السحر خفف وجعي وريح قلبي.. ربنا مايحرمني منك يابنتي..!



+




هتفت الأخيرة: ماتقوليش كده ياطنط.. أنا ورائد جيران من طفولتنا.. وانتي عارفة إني بعتبركم أهلي! 


واستأنفت ببعض المرح: تسمحيلي بقى اروح اعمل عصير فريش لرائد واطمن عليه بنفسي؟ 



+




ابتسمت لها: طبعا ياحبيبتي اتفضلي.. بس خلي" هنية" تعمله بدالك هي في المطبخ! 


_لأ يا طنط أنا هعمله بنفسي .. هو قاعد فين؟!


_ هتلاقيه قاعد في "الڤرندة" برة! 


_ خلاص هروحله بالعصير وارغي معاه شويه! قبل ما ارجع البيت! 



+




تابعتها أم رائد بنظرات غامضة.. وداخلها ينمو شعور مبهم أن تلك الفتاة ربما تكون عونًا لولدها بمحنته.. خاصتًا إن لم تعد هي بهذا العالم، فثَمة قبضة تعتصر قلبها أن أجله! كيف ستتركه بمفرده وهي ضائع لا يتذكر شيء عن حياته السابقة طمست كل ذكرياته حتى أنه لا يتذكرها هي وشقيقه الأكبر " أيهم" الذي اضطر للعودة لمتابعة أعماله في "سويسرا" حيث أسس مستقبله وعائلته هناك.. فلا تستطيع أن تطلب منه التضحية بكل ما شيده هو زوجته من حياة لأولادهما ووظائف وممتلكات معقولة.. وتجبره أن يعود إلى هنا.. ربما كانت تنتظر منه هو قرار العودة بإرادته.. لكن لن تنكر تلك الغصة بأن الغربة أكسبت " أيهم" بعض الجفا.. وبعده عنهما أصبح عادة..هو لم يبخل بمالًا قط.. ترك مايكفيهما وأكثر.. غير ورثها هي الذي تدخره.. هي لا تفتقد المال، بل تفتقد وجوده بينهما..!



+




تنهدت بحزن وزفرت ما بصدرها وعادت " رودي" تحتل بؤرة تفكيرها مرة أخرى! هي من تعرف كيف تتعامل معه وتهديء ثوراته حين تصادف اندلاعها وهي برفقتهم! صبورة وحنونة وتهتم به بشكل عجيب.. فماذا لو أصبحت تلك الملاك زوجة رائد؟!!


التوى ثغرها بابتسامة وتمتمت بتروي: ليه لأ؟! حتى لو هكون أنانية في الجوازة دي.. بس ابني محتاجها.. ومش هنحرمها من حاجة.. لو طلبت لبن العصفور هنجيبه.. بس تفضل مع رائد ولو ربنا أخد أمانته هكون مرتاحة ان في واحدة هتسنده وتعينه على وحدته وضياعه.. زفرت تلك المرة براحة شديدة أثلجت صدرها.. ولأول مرة ستخطط لشيء كهذا بعزم غزى كل كيانها وهي تحسم بعقلها هذا القرار.. رودي ستتزوج رائد..... مهما كان الثمن! 


_____________________________



+





        


          



                


_ بتقولي إيه يا ماما؟ ازاي عايزة تجوزي رائد وهو في الحالة دي؟!



+




هتفت باعتراض: ومالها الحالة دي؟ أخوك مش مجنون يا " أيهم" ومسيره يبقي زي الفل دي مسألة وقت.. والجواز هينسيه همه، واما يستقر مع واحدة تراعيه وتحبه، نفسيته هتتحسن وهيفتكر كل حاجة ويرجع لطبيعته! 



+




أيهم: يعني ده مش ظلم للبنت يا ماما..؟ وبعدين رائد نفسه هيتقبل جواز في ظروفه دي؟!



+




_ مالها ظروفه بعد الشر؟! وبعدين ظلم للبنت في إيه هو انا لا سمح الله هخدعها؟ اللي اختارتها تبقي "رودي" بنت الجيران.. وعارفة كل حاجة عننا ومتربية مع اخوك.. وانا ملاحظة اهتمامها بيه.. وقلبي بيقولي إنها بتحبه رغم حالته وبتخاف عليه أوي، دي كل يوم. تيجي تعمله تطمن عليه بنفسها وتقعد تكلمه وتسليه..!



+




ثم تمتمت بحزن: مش يمكن علاجه يكون معاها يا ابني.. الحب بيعمل المعجزات.. وأنا قلبي بيقولي إنه على أيدها هينصلح حاله ويخف بسرعة.. أصلك لو شوفت ازاي بتتعامل معاه أما بتجيله نوبة العصبية، كنت فهمتني..أكيد البنت دي بتحب اخوك.. ومن مصلحته يتجوزها.. محدش ضامن عمره يا " أيهم" أنت عايش بعيد عننا مع مراتك وعيالك وحياتك مستقرة هناك.. وانا يا ابني لو عايشة انهاردة ياعالم بكرة هكون فين! ( علق سريعًا: بعد الشر عليكي يا ماما. ربنا يطول في عمرك)..أبتسمت بحزن: دي سنة الحياة يا ابني، عشان. كده عايزة اطمن عليه مع بنت حلال قبل ما أمر ربك ينفذ.. أنا مابنامش من خوفي كل اما اتصور انه ممكن في يوم يكون لوحده.. صدقني قرار جوازه ده افضل حاجة دلوقت.. ها.. إيه رأيك؟ 



+




صمت برهة يحلل ما قالت والدته، وشعر أنها محقة، هو بالفعل لا ينوي ترك حياته واستقراره مع أسرته، خاصتًا بعد أن عرض على والدته أن تأتي هي وشقيقه ليعيشا معه، لكنها رفضت رفض قاطع أن تتغرب عن بلدها.. ربما يكون قرارها حقًا بصالح " رائد" وصالحه هو أيضًا، لينزاح عن كاهله أي عبء تجاهه.. ومن. يدري ربما يأتي الخير بتلك الزيجة"



+




هتف بهدوء: خلاص يا ماما.. أنا موافق.. كلمي البنت وأهلها.. وانا مستعد انزل بمراتي وعيالي.. ونحضر كل حاجة ونرجع بعدها.. وياريت لو تريحيني ساعتها وتيجي تعيشي معايا..! 



+




أردفت سريعا: واسيب أخوك؟


_ ماهو هيكون اتجوز واطمنتي عليه يا أمي! 



+




_ لا بردو مش هسيبه وهيعيش معايا هو ومراته.. رائد مش هيغيب عن عيني ابدا..! 



+




تنهد برضوخ: والله يا أمي انا عملت اللي عليا، كام مرة بطلب منك تعيشي معايا وانتي بترفضي.. عموما ظبطي وأنا تحت أمرك.. وقت ما تعوزي أنزل هاجي فورا مش هتأخر.. ها راضية كده يا يا الكل! 



+




ابتسمت براحة: ربنا يرضى عليك يا أيهم.. صحيح كان نفسي انت كمان تكون جمبي بعيالك ومراتك، بس مقدرش اقولك سيب مستقبلك اللي بنيته هناك وتعالي، ربنا يكتبلك أنت واخوك الخير مكان ما تكونوا.. خلاص سلملي انت على الولاد ومراتك وانا هروح اشوف اخوك! 


_ تسلمي يا أمي.. خلاص روحي وسلمي عليه وانا هكلمه بعد شوية"


__________________________



+





        


          



                


وجدته جالس بهدوء حزين، متأملا محيطه بشرود، فاقتربت ووضعت كاسة العصير فوق الطاولة القريبة، وهتفت: 


_ عملتلك العصير الفريش يا رائد.. اتفضل! 


تمتم: شكرا.. تعبني نفسك! 


مازحته: إيه الرسمية اللي بتكلمني بيها دي.. أنا رودي جارتك وصديقة طفولتك، مش غريبة عنك.. وواصلت بحماس: أيه رأيك نخرج نتمشى شوية الجو حلو جدا 



+




أجاب بدون حماس: لا مش حابب اخرج! 


_ليه بس.. الجو فعلا يشجع.. تعالى بس ومش هنتأخر


ماهو مش معقول تفضل حابس نفسك بين اربع جدران كده.. بلاش تعقد الدنيا يا رائد.. انت وسط أهلك ومسيرك هتفتكر وكلنا جمبك وبنساعدك.. ليه مستسلم كده لحزنك ومعيش نفسك في كآبة؟



+




تلون وجهه ببوادر عاصفة وشيكة: 



+




أما تبقي مكاني وتاريخ حياتك اللي فات كله اتمسح من دماغك ومش فاكرة حتى اللي بيقولوا انهم أهلك، ولا فاكرة اصحاب ولا مواقف.. ولا شكل علاقتك بالناس كانت ازاي.. وإيه وصلك لحادث يفقدك الذاكرة.. ابقي تعالي ساعتها كلميني عن البساطة! 



+




ثم دفع كاسة العصير، لتسقط أرضا بدوي مزعج: 


ومش عايز عصير..!



+




تركها مغادرا محيطها بزوبعة، فظلت تتابعه بعيناها التي اغتامت بسحابة دموع..سقط أخيرًا حزنًا على حال رفيق طفولتها.. الذي عادت تراه بعد أن كان بعيد بملكوته العابث.. كانت تدري علاقاته، ملتزمة الصمت تراقبه بحسرة.. ومشاعرها تنمو تجاهه بصمت دون علم أحد.. والآن أتتها الفرصة لتكون جواره مرة أخرى


ولا يعنيها قط فقده لذاكرته.. فقط تريد ملازمته وتخفيف ألمه! 



+




جففت دمعتها ونظرت للكأس المهشم.. وشعرت أنها تشاطره نفس حالته.. مهشمة .. ضائعة مثله..!



+




--------------------------------------------------


ليه مش موافق على الجواز ياحبيبي.. هي رودي وحشة؟ دي بتحبك وفرحانة بيك وراضية بظروفك! 



+




حدج والدته بضيق وتمتم بغصب: أنا مش فاهمك! أتجوز ازاي وانا في الحالة دي ومش فاكر حاجة ولا حد.. انا حتى مش فاكرك انتي شخصيًا..لولا الأوراق والصور اللي وريتهالي كنت شكيت انكم أهلي.. انا حاسس اني تايه.. مش قادر افتكر أي حاجة حصلتلي ووصلتني لكده.. أنا كنت ازاي.. كنت بعمل إيه.. علاقتي بالناس كان شكلها إيه.. وبعدين افرضي كنت مرتبط بواحدة فعلا من قبل ما افقد الذاكرة وانتي متعرفيش؟! مش ده احتمال وارد؟!



+




هتفت بثبات: وافرض كنت مرتبط وانا معرفش.. اللي ما ماتظهرش في محنتك اللي انت فيها وتقف جمبك وتعلن عن وجودها وعلاقتكم اللي انت بتفترضها.. يبقى كأنها مش موجودة يا ابني.. لكن اللي جمبك من يوم ما رجعت وبتسأل عليك كل يوم وبتهتم لأمرك وحبها ليك باين للأعمى، هي دي اللي تستحقك وهتصونك وتتحملك يا رائد! وأنا في النهاية اختارتلك واحدة عارفاك وعارفة أصلك وعيلتك واحنا كمان عارفينها كويس.. يعني دي أنسب اختيار ليك يا ابني! ثم اقتربت منه تستجديه بنبرة لمست قلبه الذي يعرفها حتى وإن لم يتذكرها عقله:



+





        


          



                


ريح قلب أمك يا رائد.. أنا حاسة يا ابني إن أيامي بقيت معدودة في الدنيا.. خليني اطمن عليك قبل ما اموت! 



+




غصة اعتصرت قلبه وهو يتصور فقدانها..ومجرد تخيل أنها غير موجودة بعالمه أرعبه گ طفل مهدد بفقد من سكن حشاها وشعوره الفطري بها فرض سطوته وخدره.. فتمتم بتردد: 



+




سيبيني افكر شوية واحاول اتقبل الموضوع.. أنا مش مستعد اتجوز دلوقت، بس ممكن خطوبة لحد ما....... 



+




قاطعته بلهفة مستغلة تجاوبه الطفيف: وماله يا حبيبي نعملكم بس خطوبة. كام شهر لحد ما تتقبل الموضوع وتاخد عليها..وفي اجازة اخوك " أيهم " أما ينزل تتجوز على خير.. صدقني ياحبيبي انا حاسة إن جوازتك دي وراها الخير كله.. وهكون مطمنة عليك! 



+




رمقها بحيرة وعقل مشوش.. لا يعرف قرارا جازما لأمره.. هل حقًا يكمن في زيجته الخير؟! خاصتًا أن مشاعر الفتاة واضحة لديه.. هي تحبه ربما منذ فترة.. فعيناه لم تخطيء لمعة العشق حين تراه.. لكنه غير مؤهل لتلقي أي مشاعر وهو بتلك الحالة.. تنهد زافرا كل قلقه وحيرته.. تاركًا الأمر برمته الآن.. فلتفعل المقادير به ما تشاء.. هو بالفعل أصبح لا يملك إرادة لشيء.. الجميع حوله هم من يشكلون حاضره.. أما ماضيه.. فلم يعد يذكره.. أصبح صفحة بيضاء لا تحوي حرفًا يشي بكينونته المجهولة! 


____________________



+




_ وحشتني يا ناجي.. عامل إيه وولادك ياسين وعطر


_ بخير يامحمد.. وليك وحشة أكبر والله.. مش نازل بقي، طولت الغيبة علينا..! 


_ منا متصل عشان ابشرك أني خلاص برتب لنزولي


ناجي بسعادة: بجد يامحمد.. يااااه ده انا عندي كلام كتير أوي محوشه ليك.. إمتي نازل ياغالي؟


_ هتعرف قريب، أحجز بس الطيران وهتصل بيك..انت شغال في إيه دلوقت؟ 



+




_ أنا زارع أرضي قطن والحمد لله الأمور ماشية معايا ومستورة، ده غير إني شاركت ابن أخوك يزيد في مشروعه بنسبة بسيطة، وياسين ابني شغال معاه! 



+




_ ماشاء الله ..ربنا يزيدك .. وواصل: طب انا كنت عايز اعرف منك حاجة ياناجي وبالله عليك ماتخبي عني! 


_ خير اسأل ول اعرف مش هتأخر


_ أخويا عاصم.. كويس؟


_ الحمد لله زي الفل! 


_ أكيد ياناجي؟


_ أكيد طبعا.. انت وصلك حاجة؟


_ لا.. مجرد إحساس ان أخويا عنده مشكلة ومن فترة بكدب إحساسي! ها يا ناجي في حاجة تعرفها؟



+




الكذب أحيانًا خيار أمثل ورأفة لأحدهم.. لن يوجع قلبه على ابنة أخيه، هو يعلم انها مريضة، لايفهم أسبابا واضحة، لكن أخبرته عطر بحادث اصابها وجعل حالتها النفسية غير مستقرة، وهذا حتما سبب تغير عاصم"



+




_ إيه ياناجي فينك؟


_ ألو.. محمد أنت معايا؟ شكل الشبكة مش مظبوطة.. عموما لو سامعني انا منتظر تبلغني بمعاد وصولك.. وربنا يجمعنا علي خير ياصاحب العمر! 


وأغلق بعد أن تظاهر بعدم سماعه.. فلا يقوى هو على ابلاغه شيء يؤلمه.. هو رفيق عزيز لديه، وبينهما صداقة قديمة ستعود ثانيًا بعودته! 


____________________



+





        


          



                


بعد خمسة أشهر! 



+




_أنا مبسوط أوي ياكريمة.. محمد حجز طيران وجاي بعد أول الشهر هو ومراته وولاده.. أخيرا هتنتهي غربته.. لازم يبقى وسطينا خصوصًا في الظروف دي"



+




ابتسمت لسعادته: ربنا يجيبه بالسلامة ومايحرمكم من بعض.. وانا وصيت على الجناح اللي فوق كله يجهز ليهم زي ما طلبت مني..!



+




تمتم: شكرا يا كريمة.. انا بصراحة اتعمدت اني اقوله فيلته محتاجة وقت تجهز.. عشان يفضل معانا شوية هنا أشبع منه ومن الولاد.. وكمان انتي عارفة ظروف عاصم وبنته، صعب كان هو يستقبله..! 


_ انا فهماك ومبسوطة اننا هنستضيفهم.. يمكن وشهم يكون خير علينا وبلقيس تخف ويرجع عاصم ومراته مبسوطين! 


_ أنا واثق من كده.. بلقيس وسط اللمة والدفء حواليها لازم هتتحسن ..الحب دايما علاج حاجات كتير..! 



+




شاكسته: ياسيدي على الكلام الحلو.. مزاجك عالي يا ابو يزيد انهاردة.. بركاتك يامحمد! 



+




قهقة لحديثها ثم ضمها مردفا برضا وامتنان: ربنا مَن عيا بزوجة صالحة عمرها ما زعلتني.. وولاد كويسين ..واخوات الحمد لله ينشد الضهر بيهم.. واخير هنتجمع كلنا وحوالينا ولادنا.. ليه مش هكون رايق.. ربنا يديمها علينا يا كريمة ويبعد عنا كل شر..! 



+




ربتت على كفه المبسوطة على كتفها: اللهم أمين ياغالي.. ومايحرمناش منك يا أدهم! 


__________________________


عبر الهاتف! 


أدهم: صباح الخير يا بشمهندسة يا صغننة! 


ضحكت عطر متمتمة: بردو صغننة، ماشي ياعمو.. عموما صباح السكر! 


_ طبعا صغننة، مهما كبرتم في نظرنا صغار.. المهم عمك عايز منك خدمة ومحدش هيساعدني غيرك! 


_ حضرتك. تؤمر وأنا انفذ ياعمو.. خدمة إيه؟


_ شوفي يا ستي انا عايز منك............... ..



+




واسترسل يقص لها طلبه فهتفت بعدها بحماس: 


بس كده.. ده ملعبي يا دومي.. بص بقى أنا هبهرك بالنتيجة.. بس المهم وفرلي كل طلباتي والعمال اللي هحتاجهم وأسبوعين بالكتير وهتشوف النتيجة! 



+




_ أيوة كده ورينا الهمة.. عموما عابد هيساعدك في اللي يخصه طبعا.. عايز انبهر بشغلكم! 


_ لا ياعمو من جهة الانبهار.. أنا متأكدة وهتشوف.. وحمد لله علي سلامة عمو محمد مقدما..! 


_ الله سلمك ياحبيبتي.. يلا هسيبك بقي ومنتظر طلباتي عشان نبتدي! 


_ اتفقنا ياعمو.. بكرة هكلمك! 



+




_________________________


وحان وقت وصول الغائب! 



+




          



                


كنت باتذكر .. وأنا فى غاية الأسى


لعبنا الكورة فى حوش المدرسة


والشقاوة وأحنا لسه صغيرين


والبراءة والصحاب الطيبين 



+




لما سألتنى اللى جنبى! 


أنت مصرى ؟ دق قلبى! 



+




أسم زى السحر رفرف علي المكان! 


زى نسمة مهفهفة بصوت الآدان! 


أيوه مصريين لآخر كل نقطة فى دمنا 



+




شوقى زاد للعشرة والناس العزاز..! 


وابتديت أكتب وأنا فوق السحاب! 


أبتديت يا حبيبي فى أول جواب! 


مصر أنتى حته منى! 


مش مجرد أسم وطنى 



+




قالوا فاضل نص ساعة على الوصول


قولت أية معنى الساعات والا الفصول



+




وأبتدى شئ ينجرح جوه الوجود


وأبتدينا أسئلة مالهاش ردود


ميلنا على الشباك نخبى دمعة فرت مننا"


ميلنا على الشباك نخبى دمعة فرت مننا"


......... 



+




تتأمل استرخاءه بحنان جوارها بمقعد الطائرة، عيناه مسدلة، وابتسامة حالمة تشق شفتيه، وصوت اغنيته المفضلة يتدفق عبر سماعات أذنيه.. فنكزته برفق، فانتبه لها وأزال سماعاته ينظر لها، فهتفت: 



+




_ أنا كده هغير على فكره.. ابتسامتك واندماجك مع الأغنية دي.. محسسني أنك رجعت مراهق بتسمع صوت حبيبتك في التليفون! 



+




اتسعت ابتسامته: بحب الأغنية دي أوي يا عبير..رغم حزنها بس بشم فيها ريحة مصر .. اما سافرت سمعتها وانا حزين.. لكن دلوقت بسمعها وانا فرحان زي العيل الصغير.. بسترجع كل ذكراياتي مع والدي ووالدتي واخواتي، لعبنا وهزارنا وحتى خناقنا على حاجات تافهة.. بفتكر كل حاجة كأني ماغبتش يوم واحد عن بلدي.. الحمد لله إني راجع بعد ما حققت كتير من اللي اتمنيته..راجع اقول لأخواتي اخوكم الصغير درس واتفوق واشتغل واتجوز وعمل عيلة حلوة.. وراجع بيها ليكم! 



+




ترقرقت عيناها لمشاعره الجياشة وحديثه لمس قلبها من صدقه، فتمتمت: الحمد لله يامحمد.. ده فضل ربنا علينا.. وبإذن الله الأيام الجاية نعوض اللي ضاع بغربتنا ونشبع من أهلنا وولادنا يعيشوا شعور اللمة الحلوة وسط أعمامهم وولادهم! 



+




ثم تغيرت نبرتها وهتفت بتمني: عقبال مايرجع اخويا من غربته هو كمان، عشان تكمل راحتي! أنت عارف ماليش غيره..بعد والدي ووالدتي الله يرحمهم! 



+




حدجها بعتاب: مالكيش غيره؟! وأنا روحت فين؟



+




ابتسمت متداركة قولها: قصدي من أهلي يعني! 



+




شدد على كفها: أهلي هما أهلك ياعبير.. بكرة تندمجي مع دُرة وكريمة، هتحبيهم جدا..واخواتي اخواتك! 



+




" حلو حديث الذكرايات واللمة ده يادكتور"



+




التفت " محمد " ناظرًا خلفه، حيث تجلس زمزم حاملة صغيرها " مهند" ذو العام وأشهر قليلة، وبجوارها "محمود" الذي يضع سماعات الأذن هو الأخر، غارقا بعالمه، فتبسم لها: لسه الأحاديث الحلوة هتسمعيها من عمك عاصم وأدهم..!


ومد يده قائلا: هاتي حبيب جدو على رجلي وحشني



+





        


          



                


ناولته أياه برفق متمتمة: هو نايم خد بالك.. لو صحي السارينة هتتفتح خلينا نوصل من غير فضايح يا بابا.. ضحك هو وعبير التي أردفت وهي تطالع الصغير بحنان: متخافيش، مجرد ما باباكي يحضنه هيسكت.. ماهو حضرته واخد الجو مننا..!



+




داعب محمد فم الصغير برفق شديد وتمعن ملامحه بحنان: روح جدو.. أكيد هيحب عمامه وولادهم كمان.. هنشوف مين فيهم هينافسني! 


---------------------------------------


_عابد جهز نفسك عشان نروح نستقبل عمك محمد في المطار! 



+




هتف لأبيه: أنا خلاص جاهز يا بابا.. يلا بينا..! 


............ ..


أمام بوابة المطار وافقًا عابد وأبيه يمعنون النظر بالوجوه، مترقبين زحام القادمين، وأياديهم تسوقُ عربات حقائبهم يبحثون مثلهم عن زويهم مما يقفون خلف السياج بشوق وحنين مماثل! وأخيرًا ظهر غائبهم " محمد" المحتضن لحفيده " مهند" يجاوره زوجته عبير وبالجهة الأخرى ابنته الكبرى " زمزم" ومحمود الأصغر! 



+




هلل أدهم بفرحة وهو يشير بسبابته : عمك أهو ياعابد.. وولاده ومراته.. شوفتهم! واستطرد بنبرة حنين: ياحبيبي يامحمد، ليك وحشة ماتتوصفش! 



+




وافقه عابد بإيماءة: شوفتهم يا بابا.. عمي محمد لسه وسيم ورياضي زي ماهو وكأنه ماكبرش..!


_ محمد طول عمره بياخد باله من نفسه، وماتنساش العيشة هناك مختلفة.. المهم انه بخير، أنا مش مصدق اني شايفه ياعابد! 



+




بينما أدهم يزرف دمعة شوق لرؤية شقيقه، كان الأخير يلوح له بضحكة امتزجت بدموع حدقتيه وهو يطالع أخيه الأكبر بذات اللهفة مرددًا: عمك اهو يازمزم وعابد معاه! شايفاهم؟



+




هتفت الأخيرة بابتسامة رقيقة: شوفتهم يا بابا.. عمو أدهم زي ما في الصورة وأحلى..!


شاركتهم عبير: وعابد ما شاء الله كبر وبقى طول بعرض ربنا يبارك فيه! ثم التفت لمحمود: شوفت عمك وابن عمك.. اتبسط اديك هتهيص وسطيهم! 



+




أومأ برأسه: ده ان هنطلق أنا وعابد.. هزور مصر كلها واعمل فيها سايح أوكراني.



+




نكزته زمزم بجانب رأسه: سايح في عينك، إياك توريهم جنانك من أولها خلينا كيوت وحلوين لحد ما يستوعبوا ان ابن اخوهم دماغه لاسعة! 


_ لاسعة؟! ماشي ياعاقلة! 


............... 



+




مجرد أن تقلصت المسافات بينهم ألتحم جسد الأخوين بعناق حار وكلاهما يستنشق عبق الأخر، متبادلين عبارت شوق وترحيب دافيء! 



+




_ يااااه يامحمد.. أخير شوفتك، كل دي غيبة عننا



+




_ غصب عني والله.. الأيام خدتني هناك ومقدرتش انزل غير دلوقت.. بس خلاص أديني جيت وبأذن الله مافيش فراق تاني! طمني عليك يا أدهم وفين عاصم اخويا انتوا وحشتوني أوي! 



+




_ كلنا بخير مادام شوفناك، وعاصم مستنيك في البيت مقدرش يجي..! 



+




عابد بعد أن تبادل السلام والترحيب بزوجة العم ومحمود وزمزم: إيه يا بابا مش هتخليني اسلم على عمي ولا أيه؟ 



+





        


          



                


تلقفته ذراع " محمد" وعانفه بحنان: يا حبيب عمك! 


وحشتني أوي.. كبرت يا واد وبقيت عضلات أهو! 


ضحك عابد: طالع لعمي.. الله أكبر انت صغرت يا راجل.


قهقة محمد: بابكاش صغرت فين، امال الشعر الابيض ده إيه..!



+




أدهم:طب يلا نمشي ونكمل كلام في البيت، عاصم هتلاقيه مستنيك على نار..! 


________________________



+




لم يقل استقبال عاصم لأخيه حراره عن أدهم.. وعناقهما يروي ظمأ كليهما للأخر.. وكلمات الشوق المتبادلة بينهما، ثم التفت وفاضت عيناه بمحبة وهو يطالع ذاك الصغير الذي تحمله ابنته زمزم مرددا: 



+




هو ده مهند اللي خلانا كلنا "جدود" وكبرنا..! 


ضحكت زمزم: أيوة ياعمو.. بس انت وعمو أدهم جدود صغيريين وقمامير أوي! 



+




قهقه عاصم والتقط طفلها برفق وهو يداعبه ويقبله، ثم ضم زمزم إليه وهو يغازلها: وادي البكاشة التانية وانتي أم زي السكر، ربنا يباركلك فيه يابنتي! أنا دلوقت مش قادر اوصف فرحتي بيكم.. احنا كنا محتاجينكم اوي! 



+




ختم جملته بنبرة بدت حزينة لاحظها محمد، فهتف: واحنا كمان ياعاصم كنا محتاجين لمتكم والدفى وسطيكم بعد سنين الغربة.. خلاص مافيش فراق تاني وهنفضل دايما مع بعض وحوالينا ولادنا..!



+




_ أنتو مش ناسيين حاجة يا جماعة؟! على فكرة أنا محمود ابن اخوكم وطولي 172 ( ثم لوح بيديه بإشارة انتباه مضحكة) يعني المفروض اني اتشاف كويس! 



+




ضحك عاصم واعطى الصغير لأخيه الذي تلقفه بسعادة، ثم احتصن " محمود" وهو يشاكسه: وادي البكاش التالت.. ماشاء الله عيالنا كلهم بكاشين! 


ازيك ياحودة.. كبرت يا واد انا أخر مرة شوفتك كنت لسه بشورت!



+




مازحه محمود: مافيش حاجة بتفضل على حالها ياعمو والصغير بيكبر..! 



+




هتف محمد بفخر: الصغير اللي قصادك ده يا عاصم. عبقري في الحاسبات والبرمجة، لدرجة إنه أنهى كورساته في وقت قياسي أذهل الأساتذة المشرفين عليه.. وبقى أصغر متخصص في المجال رغم انه لسه 18 سنة.. ونهمه في اكتساب الخبرات والمعلومات في المجال ده مش بينتهي! 



+




التمعت عينا عاصم وأدهم بفخر حقيقي، مطلقين كلمات المباركة والفخر لابن اخيهم، بينما هتف عابد بمزاحه المعهود: يعني انتي عبقرينوا العيلة الصغير ياحودة"



+




أجابه بنفس المرح: وناوي اسيب بصمة للبشرية باختراعاتي الفذة! يلا اتصور معايا بقى عشان تسجل اللحظات التاريخية مع العالم محمود أبو المجد! 



+




ضحكوا حميعهم وهم يراقبون مزاحمها باستمتاع، فتمتم عابد: لا بقولك إيه ياعبقرينوا، إن كنت انت عبقري برمجة.. ابن عمك عبقري نباتات.. ومستقبلا هخلي شجرة التفاح تطرح مانجة بعون الله! 



+




علت الضحكات بعد مزحة عابد، فواصل محمود: سبحان الله ..انت نفس تخصص أختي زمزم.. هي كمان درست علوم وتخصصت في علم النباتات..! 



+




تدخل محمد مردفا بحب وهو يطالع شقيقه عاصم ضاممًا زمزم إليه: 


متأثرة بيك ياعاصم من زمان، رغم انها مش قابلتكم كتير، بس كأن البنت وارثة دماغك وشغفك بنفس العلم! وأكيد عابد كده



+




رمقها عاصم بمحبة حانية: ده يشرفني إن ولادي يتأثروا بيا.. ربنا يبارك لينا فيهم ! 



+




تمتم أدهم: أنا بقى جوري بنتي طلعت مختلفة! 


تدخل عابد مازحًا: دي بإذن الله هتطلع خبيرة في تطوير نكهات الشيبسي! 



+




نكزه أبيه بلوم وهو يقاوم ضحكه بينما صدح ضحك أشقاءه بشدة، وعلى ذكر جوري تسائل محمد: 



+




هي فين صحيح، وبلقيس ويزيد.. مش شايفهم؟



+




تلون معالم وجه عاصم من فرح لحزن واضح، فتدخل أدهم بقوله: 



+




_جوري زمانها جاية من عند خالتها، ويزيد في القاهرة بيتابع شغله، وجاي بعد بكرة عشان يشوفك، و بلقيس عندها حبة برد وعلاجها منيمها.. بكرة تكون اتحسنت وتيجي تسلم عليكم..! 



+




رمقه " عاصم" ممتنًا، بينما هتف "محمد" :


ألف سلامة عليها.. خلاص مادام تعبانة خليها ترتاح! 


انا واحشني كل ولادكم.. وبعدين امتي هنفرح ببلقيس ويزيد؟.. أنا خلاص جيت ومافيش حاجة هتتأجل.. عايزين نفرح! 



+




غزى الحرج كليهما، فتمتم عابد إنقاذًا لهما أمام العم: 



+




_ كل حاجة حلوة هتحصل وانت موجود معانا يا عمي.. المهم دلوقت ارتاح من السفر وبعد كده أكيد هتحكوا مع بعض لحد ماتشبعوا..وأنا گشاب جنتل، هظبط للأشقاء الثلاث أحلى سهرة وفي مفاجئة هتعجبكم ان شاء الله! 



+




العم العائد: ماشي يابشمهندس منتظر اشوف السهرة دي والمفاجأة شكلها إيه..!



+




أدهم بوجه مشرق: طب تعالوا بقي نطلع الجنينة مع كريمة ومرات محمد نسلم عليها ونكمل قعدتنا برة..! 





تجمعوا ليكتمل التعارف وتنعم أسرة الغائب بأول تجمع عائلي دافيء أشتاقته كثيرًا..وتحتاج النهل منه حتى ترتوي.. بعد بعدٍ امتد سنوات! 



تكملة الرواية من هناااااااا 


تعليقات

التنقل السريع